عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 7 ربيع الأول 1440هـ/15-11-2018م, 12:01 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ (75) وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ (76) إِنَّهُ لَقُرْآَنٌ كَرِيمٌ (77) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فلا أقسم بمواقع النجوم * وإنه لقسم لو تعلمون عظيم * إنه لقرآن كريم * في كتاب مكنون * لا يمسه إلا المطهرون * تنزيل من رب العالمين * أفبهذا الحديث أنتم مدهنون * وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون * فلولا إذا بلغت الحلقوم * وأنتم حينئذ تنظرون * ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون * فلولا إن كنتم غير مدينين * ترجعونها إن كنتم صادقين}
اختلف الناس في "لا" من قوله تعالى: {فلا أقسم بمواقع النجوم} - فقال بعض النحويين: هي زائدة، والمعنى: فأقسم، وزيادتها في بعض المواضع معروف، كقوله تعالى: {لئلا يعلم أهل الكتاب}، وغير ذلك، وقال سعيد بن جبير وبعض النحويين: هي نافية، كأنه تعالى يقول: فلا صحة لما يقوله الكفار، ثم ابتدأ تبارك وتعالى فقال: "أقسم"، وقال بعض المتأولين: هي مؤكدة تعطي في القسم مبالغة، وهي كاستفتاح كلام يشبه في القسم ألا في شائع الكلام، ومنه قول الشاعر:
فلا وأبي ... ... ..... لا أخونها
المعنى: "فوأبي"، أعدائها، ولهذا نظائر، وقرأ الحسن والثقفي: "فلأ قسم" بغير ألف، قال أبو الفتح: التقدير: فلأنا أقسم.
وقرأ الجمهور من القراء: "بمواقع" على الجمع، وقرأ عمر بن الخطاب، وابن مسعود، وابن عباس -رضي الله عنهم- وأهل الكوفة: حمزة، والكسائي "بموقع" على الإفراد، وهو مراد به الجمع، ونظير هذا كثير، ومنه قوله تعالى: {إن أنكر الأصوات لصوت الحمير}، جمع من حيث لكل حمار صوت مختص، وأفرد من حيث الأصوات كلها نوع.
واختلف الناس في "النجوم" هنا- فقال ابن عباس، وعكرمة، ومجاهد، وغيرهم: هي نجوم القرآن التي نزلت على محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك أنه روي أن القرآن نزل من عند الله عز وجل في ليلة القدر إلى السماء الدنيا- وقيل: إلى البيت المعمور - جملة واحدة، ثم نزل بعد ذلك على محمد صلى الله عليه وسلم نجوما مقطعة في مدة من عشرين سنة، ويؤيد هذا القول عود الضمير على القرآن في قوله سبحانه: {إنه لقرآن كريم}، وذلك أن ذكره لم يتقدم إلا على هذا التأويل، ومن لا يتأول هذا التأويل يقول: إن الضمير يعود على القرآن وإن لم يتقدم ذكر لشهرة الأمر ووضوح المعنى، كقوله تعالى: {حتى توارت بالحجاب}، وكل من عليها فان، وغير ذلك. وقال جمهور كثير من المفسرين: النجوم هنا الكواكب المعروفة، واختلف في موقعها، فقال مجاهد وأبو عبيدة: هي مواقعها عند غروبها وطلوعها، وقال قتادة: مواقعها هي مواضعها من السماء، وقيل: مواقعها عند الانقضاض إثر العفاريت، وقال الحسن: مواقعها عند انكدار النجوم.
وقوله تعالى: "وإنه لقسم" تأكيد للأمر وتنبيه من المقسم به، وليس هذا باعتراض بين الكلامين، بل هذا معنى قصد التهمم به، وإنما الاعتراض قوله تعالى: {لو تعلمون}، وقد قال قوم: إن قوله تعالى: "وإنه لقسم" اعتراض، وإن "لو تعلمون" اعتراض في اعتراض، والتحرير هو الذي ذكرناه، وقوله تعالى: "إنه لقرآن" هو الذي وقع القسم عليه، ووصفه بالكرم على معنى إثبات صفات المدح له ودفع صفات الحطيطة عنه). [المحرر الوجيز: 8/ 208-210]

تفسير قوله تعالى: {فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ (78) لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ (79) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (واختلف المتأولون في قوله تعالى: {في كتاب مكنون} بعد اتفاقهم على أن "المكنون": المصون، فقال ابن عباس، ومجاهد: أراد الكتاب الذي في السماء، وقال عكرمة: أراد التوراة والإنجيل، كأنه تعالى قال: إنه لكتاب كريم ذكر كرمه وشرفه في كتاب مكنون، فمعنى الآية -على هذا- الاستشهاد بالكتب المنزلة، وهذا كقوله عز وجل: {إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله}، وقال بعض المتأولين: أراد مصاحف المسلمين، وكانت يوم نزلت الآية لم تكن، فهي -على هذا- إخبار بغيب، وكذلك هو في كتاب مصون إلى يوم القيامة، ويؤيد هذا لفظة "المس" فإنها تشير إلى المصاحف، وهي مستعارة من مس الملائكة.
واختلف الناس في معنى قوله تعالى: {لا يمسه إلا المطهرون} وفي حكمه- فقال بعض من قال إن الكتاب المكنون هو الذي في السماء، قال: المطهرون هنا: الملائكة، قال قتادة: فأما عندكم فيمسه المشرك المنجس والمنافق، قال الطبري: المطهرون: الملائكة والأنبياء عليهم السلام ومن لا ذنب له، وليس في الآية -على هذا القول- حكم مس المصحف لسائر بني آدم، ومن قال بأنها مصاحف المسلمين قال: إن قوله تعالى: "لا يمسه" إخبار مضمنه النهي، وضمة السين -على هذا- ضمة إعراب وقال بعض هذه الفرقة: الكلام نهي، وضمة السين ضمة بناء، قال جميعهم: فلا يمس المصحف من بني آدم إلا الطاهر من الكفر والجنابة والحدث الأصغر، قال مالك: لا يحمله غير طاهر بعلاقته ولا على وسادة، وفي كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمرو بن حزم: "ولا يمس القرآن إلا الطاهر"، وقد رخص أبو حنيفة وقوم بأن يمسه الجنب والحائض على حائل، غلاف ونحوه، ورخص بعض العلماء في مسه في الحدث الأصغر وفي قراءته عن ظهر قلب، منهم ابن عباس وعامر الشعبي، ولا سيما للمعلم والصبيان، وقد رخص بعضهم للجنب في قراءته، وهذا الترخيص كله إنما هو على القول الذي ذكرناه من أن "المطهرين" هم الملائكة، أو على مراعاة لفظ المس، فقد قال سلمان رضي الله عنه لا أمس المصحف ولكن أقرأ القرآن. وقرأ جمهور الناس: "المطهرون" بفتح الطاء والهاء المشددة. وقرأ نافع، وأبو عمرو -بخلاف عنهما-: "المطهرون" بسكون الطاء وفتح الهاء خفيفة، وهي قراءة عيسى الثقفي. وقرأ سلمان الفارسي: "المطهرون" بفتح الطاء خفيفة وكسر الهاء وشدها، على معنى الذين يطهرون أنفسهم، ورويت عنه بشد الطاء والهاء، وقرأ الحسن، وعبد الله بن عون، وسلمان الفارسي -بخلاف عنه-: "المطهرون" بمعنى: المتطهرين، والقول بأن "لا يمسه" نهي، قول فيه ضعف، وذلك أنه إذا كان خبرا فهو في موضع الصفة، وقوله تعالى بعد ذلك: "تنزيل" صفة أيضا، فإذ جعلناه نهيا جاء معنى أجنبيا معترضا بين الصفات، وذلك لا يحسن في رصف الكلام فتدبره، وفي حرف ابن مسعود رضي الله عنه: "ما يمسه" وهذا يقوي ما رجحته من الخبر الذي معناه: حقه وقدره ألا يمسه إلا طاهر). [المحرر الوجيز: 8/ 210-211]

تفسير قوله تعالى: {تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (80) }

رد مع اقتباس