عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 3 محرم 1436هـ/26-10-2014م, 08:13 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ (11)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عزّ وجلّ: {فلا اقتحم العقبة * وما أدراك ما العقبة * فكّ رقبةٍ * أو إطعامٌ في يومٍ ذي مسغبةٍ * يتيمًا ذا مقربةٍ * أو مسكينًا ذا متربةٍ * ثمّ كان من الّذين آمنوا وتواصوا بالصّبر وتواصوا بالمرحمة * أولئك أصحاب الميمنة * والّذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة * عليهم نارٌ مّؤصدةٌ}
العقبة: في هذه الآية - على عرف كلام العرب - استعارةٌ لهذا العمل الشاقّ على النفس من حيث هو بذل مالٍ، تشبيهٌ بالعقبة من الجبل، وهي ما صعب منه وكان صعودًا.
و{اقتحم} معناه: دخلها وجاوزها بسرعةٍ وضغطٍ وشدّةٍ، وأما المفسرون فرأوا أنّ العقبة يراد بها جبلٌ في جهنّم، لا ينجّي منه إلا هذه الأعمال ونحوها. قاله ابن عبّاسٍ، وقتادة، وكعبٌ.
قال الحسن: العقبة: جهنّم. قال هو وقتادة: فاقتحموها بطاعة اللّه تعالى. وفي الحديث: «إنّ اقتحامها للمؤمن كما بين صلاة العصر إلى العشاء».
واختلف الناس في قوله تعالى: {فلا}؛ فقال جمهور المفسرين: هو تحضيضٌ بمعنى (فألا). وقال آخرون: هو دعاءٌ بمعنى أنه يستحقّ أن يدعى عليه بألاّ يفعل خيرًا.
وقيل: هو نفيٌ، أي: فما اقتحم. وقاله أبو عبيدة، والزّجّاج: وهذا نحو قوله تعالى: {فلا صدّق ولا صلّى} فهو نفيٌ محضٌ، كأنه تعالى قال: وهبنا له الجوارح ودللناه على السبيل، فما فعل خيرًا). [المحرر الوجيز: 8/ 622]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ (12)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثمّ عظّم تعالى أمر العقبة في النفوس بقوله سبحانه: {وما أدراك ما العقبة}). [المحرر الوجيز: 8/ 622]

تفسير قوله تعالى: {فَكُّ رَقَبَةٍ (13)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثمّ فسّر تعالى اقتحام العقبة بقوله عزّ وجلّ: {فكّ رقبةٍ}؛ وذلك أنّ التقدير: وما أدراك ما اقتحام العقبة؟ هذا على قراءة من قرأ: {فكّ رقبةٍ} بالرفع على المصدر.
وأمّا من قرأ: (فكّ) على الفعل ونصب (الرّقبة) فليس يحتاج أن يقدّر: (وما أدراك ما اقتحام؟) بل يكون التعظيم للعقبة نفسها، ويجيء (فكّ) بدلًا من (اقتحم) ومبيّنًا له.
وقرأ نافعٌ، وعاصمٌ، وابن عامرٍ، وحمزة: {فكّ رقبةٍ * أو إطعامٌ}. وقرأ أبو عمرٍو: (فكّ رقبةً * أو أطعم). وقرأ بعض التابعين: (فكّ رقبةٍ) بالخفض، وقرأ ابن كثيرٍ، والكسائيّ، وأبو عمرٍو أيضًا: (فكّ رقبةً) بالنصب {أو إطعامٌ}، وترتيب هذه القراءات ووجوهها بيّنةٌ.
وفكّ الرقبة معناه: بالعتق من ربقة الأسر والرّقّ، وفي الحديث عن النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «من أعتق نسمةً مؤمنةً أعتق اللّه بكلّ عضوٍ منها عضوًا من النّار».
وقال أعرابيٌّ للنبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: دلّني على عملٍ أنجو به؟ فقال: «لئن قصّرت القول لقد عرّضت المسألة، فكّ الرّقبة وأعتق النّسمة». فقال الأعرابيّ: أليس هذا واحدًا؟ فقال النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا، عتق النّسمة أن تنفرد بعتقها، وفكّ الرّقبة أن تعين في ثمنها».
قال القاضي أبو محمّدٍ رحمه اللّه: وكذلك فكّ الأسير إن شاء اللّه تعالى، وفداؤه أن ينفرد الفادي.
ثمّ قال النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم للأعرابيّ: «وأبق على ذي الرّحم الظّالم، فإن لم تطق هذا كلّه فكفّ لسانك إلاّ من خيرٍ» ). [المحرر الوجيز: 8/ 622-623]

تفسير قوله تعالى: {أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ (14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ (15)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (و(المسغبة): المجاعة، والسّاغب: الجائع، وقرأ جمهور الناس: {ذي مسغبةٍ} على نعت {يومٍ}. وقرأ عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه، والحسن، وأبو رجاءٍ: (ذا مسغبةٍ) على أن يعمل فيه (أطعم) أو {إطعامٌ}، على القراءتين المذكورتين. وفي هذا حذف الموصوف وإقامة الصفة مقامه؛ لأنّ التقدير: إنسانًا ذا مسغبةٍ.
و{يتيمًا} بدلٌ على هذه القراءة، ويصحّ أن يكون صفةً لقوله تعالى: (ذا مسغبةٍ)، ووصفت الصفة لمّا قامت مقام موصوفها المحذوف، فأشبهت الأسماء.
و(المسغبة) الجوع العامّ، وقد يقال في الخاصّ: سغب الرجل. إذا جاع.
وقوله تعالى: {ذا مقربةٍ} معناه: ذا قرابةٍ؛ لتجتمع الصدقة والصلة، وهذا نحو ما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لزينب امرأة عبد اللّه بن مسعودٍ: «تصدّقي على زوجك؛ فهي لك صدقةٌ وصلةٌ» ). [المحرر الوجيز: 8/ 623]

تفسير قوله تعالى: {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ (16)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (و{أو} في قوله تعالى: {أو مسكينًا} فيها معنى الإباحة ومعنى التخيير؛ لأنّ الكلام يتضمّن معنى الحضّ والأمر، وفيها أيضًا معنى التفصيل المجرّد؛ لأنّ الكلام يجري مجرى الخبر الذي لا تكون {أو} فيه إلا مفصّلةً، وأمّا معنى الشكّ والإبهام فلا مدخل لهما في هذه الآية، والإبهام نحو قوله تعالى: {وإنّا أو إيّاكم}، وقول أبي الأسود:
أحبّ محمّدًا حبًّا شديدًا.......وعبّاسًا وحمزة أو عليًّا
و{ذا متربةٍ} معناه: مدقعًا قد لصق بالتراب، وهذا مما ينحو إلى أنّ المسكين أشدّ فاقةً من الفقير. قال سفيان: هم المطروحون إلى ظهر الطريق قعودًا على التراب، لا بيوت لهم.
وقال ابن عبّاسٍ: «هو الذي يخرج من بيته ثمّ يقلب وجهه إلى بيته مستيقنًا أنه ليس فيه إلا التراب»). [المحرر الوجيز: 8/ 623-624]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ (17)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ثمّ كان} معطوفٌ على قوله تعالى: {اقتحم}، ويتوجّه فيه معاني {فلا اقتحم} المذكورة؛ من النفي، والتحضيض، والدعاء، ورجّح أبو عمرو بن العلاء قراءته: (فكّ رقبةً) بقوله تعالى: {ثمّ كان}.
ومعنى {ثمّ كان} أي: كان وقت اقتحامه للعقبة من الذين آمنوا، وليس المعنى أنه يقتحم ثمّ يكون بعد ذلك؛ لأنّ الاقتحام كان يقع من غير مؤمنٍ، وذلك غير نافعٍ.
وقوله تعالى: {وتواصوا بالصّبر} معناه: على طاعة اللّه تعالى وبلائه وقضائه، وعن الشّهوات والمعاصي.
و(المرحمة) قال ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما: «كلّ ما يؤدّي إلى رحمة اللّه تعالى». وقال آخرون: هو التراحم وعطف بعض الناس على بعضٍ، وفي ذلك قوام الناس، ولو لم يتراحموا هلكوا). [المحرر الوجيز: 8/ 624-625]

تفسير قوله تعالى: {أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ (18)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (و(الميمنة) مفعلةٌ، وهي فيما روي عن يمين العرش، وهو موضع الجنة، ومكان المرحومين من الناس). [المحرر الوجيز: 8/ 625]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ (19)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (و(المشأمة) الجانب الأشأم، وهو الأيسر، وفيه جهنم، وهو طريق المعذبين، يؤخذ بهم ذات الشّمال، وهذا مأخوذٌ من اليمن والشام للواقف بباب الكعبة متوجّهًا إلى مطلع الشمس، واليد الشّؤمى هي اليسرى، وذهب الزّجّاج وقومٌ إلى أن ذلك مأخوذٌ من اليمن والشّؤم). [المحرر الوجيز: 8/ 625]

تفسير قوله تعالى: {عَلَيْهِمْ نَارٌ مُؤْصَدَةٌ (20)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقرأ ابن كثيرٍ، وابن عامرٍ، ونافعٌ، والكسائيّ، وأبو بكرٍ عن عاصمٍ: (موصدةٌ) على وزن (موعدة)، وكذلك في سورة (الهمزة)، وقرأ أبو عمرٍو، وحمزة، وحفصٌ عن عاصمٍ بالهمز في السورتين، ومعناهما جميعًا: مطبقةٌ مغلقةٌ، يقال: (أوصدت وآصدت) بمعنى: أطبقت وأغلقت، فموصدةٌ - دون همزٍ - من (أوصدت)، وقد يحتمل أن يهمز من يراها من (أوصدت) من حيث قيل: الواو حرف مضمومٍ على لغة من قرأ: (بالسّؤق) ومنه قول الشاعر:
لحبّ المؤقدان إليّ مؤسى.......... ... ... ...
بالهمز فيهما.
و{مؤصدةٌ} من (آصدت)، ويحتمل أن يسهّل الهمزة فيجيء (موصدةٌ) من (آصدت)، ومن اللفظة (الوصيد)، وقال الشاعر:
قومًا يعالج قمّلًا أبناؤهم.......وسلاسلًا حلقًا وبابًا مؤصدا). [المحرر الوجيز: 8/ 625-626]


رد مع اقتباس