عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 16 جمادى الآخرة 1435هـ/16-04-2014م, 02:50 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَنْ ذَلِكَ وَآَتَيْنَا مُوسَى سُلْطَانًا مُبِينًا (153) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (واختلف المتأولون في كيفية سؤال أهل الكتاب لمحمد عليه الصلاة والسلام أن ينزل عليهم كتابا من السماء، فقال السدي: قالت اليهود: يا محمد إن كنت صادقا فجيء بكتاب من السماء كما جاء موسى بكتاب، وقال محمد بن كعب القرظي: قد جاء موسى بألواح فيها التوراة فجيء أنت بألواح فيها كتابك، وقال قتادة: بل سألوه أن يأتي بكتاب خاص لليهود، يأمرهم فيه بالإيمان بمحمد، وقال ابن جريج: قالت اليهود: يا محمد لن نتابعك على ما تدعونا إليه حتى تأتينا بكتاب من عند الله إلى فلان وإلى فلان أنك رسول الله.
قال القاضي أبو محمد- رحمه الله-: فقول ابن جريج يقتضي أن سؤالهم كان على نحو سؤال عبد الله بن أبي أمية المخزومي القرشي، ثم قال تعالى فقد سألوا موسى أكبر من ذلك على جهة التسلية لمحمد عليه السلام، وعرض الأسوة، وفي الكلام متروك يدل عليه المذكور، تقديره: فلا تبال يا محمد عن سؤالهم وتشططهم فإنها عادتهم، فقد سألوا موسى أكبر من ذلك، وقرأ جمهور الناس «أكبر» بالباء المنقوطة بواحدة، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «أكثر» بالثاء المثلثة، وجمهور الناس «أكبر» بالباء المنقوطة بواحدة، وقرأ الحسن بن أبي الحسن «أكثر» بالثاء المثلثة، وجمهور المتأولين على أن جهرةً معمول ل أرنا، أي: حتى نراه جهارا أي عيانا رؤية منكشفة بينة، وروي عن ابن عباس أنه كان يرى أن جهرةً معمول لقالوا، أي قالوا جهرة منهم وتصريحا أرنا اللّه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وأهل السنة معتقدون أن هؤلاء لم يسألوا محالا عقلا، لكنه محال من جهة الشرع، إذ قد أخبر تعالى على ألسنة أنبيائه أنه لا يرى في هذه الحياة الدنيا، والرؤية في الآخرة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم بالخبر المتواتر، وهي جائزة عقلا دون تحديد ولا تكييف ولا تحيز، كما هو تعالى معلوم لا كالمعلومات كذاك هو مرئي لا كالمرئيات، هذه حجة أهل السنة وقولهم، ولقد حدثني أبي رضي الله عنه عن أبي عبد الله النحوي أنه كان يقول عند تدريس هذه المسألة: مثال العلم بالله حلق لحا المعتزلة في إنكارهم الرؤية، والجملة التي قالت أرنا اللّه جهرةً هي التي مضت مع موسى لحضور المناجاة، وقد تقدم قصصها في سورة البقرة، وقرأ جمهور الناس «فأخذتهم الصاعقة» وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وإبراهيم النخعي «الصعقة» والمعنى يتقارب، إذ ذلك كله عبارة عن الوقع الشديد من الصوت يصيب الإنسان بشدته وهو له خمود وركود حواس، وبظلمهم هو تعنتهم وسؤالهم ما ليس لهم أن يسألوه. وقوله تعالى: قد كان من أمرهم أن اتخذوا العجل، وذلك أن اتخاذ العجل كان عند أمر المضي للمناجاة، فلم يكن الذين صعقوا ممن اتخذوا العجل، لكن الذين اتخذوه كانوا قد جاءتهم البينات في أمر إجازة البحر وأمر العصا وغرق فرعون وغير ذلك، وقوله تعالى: فعفونا عن ذلك يعني بما امتحنهم به من القتل لأنفسهم، ثم وقع العفو عن الباقين منهم، و «السلطان» الحجة). [المحرر الوجيز: 3/56-58]

تفسير قوله تعالى: {وَرَفَعْنَا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثَاقِهِمْ وَقُلْنَا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُلْنَا لَهُمْ لَا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا (154) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: ورفعنا فوقهم الطّور بميثاقهم وقلنا لهم ادخلوا الباب سجّداً وقلنا لهم لا تعدوا في السّبت وأخذنا منهم ميثاقاً غليظاً (154) فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات اللّه وقتلهم الأنبياء بغير حقٍّ وقولهم قلوبنا غلفٌ بل طبع اللّه عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلاّ قليلاً (155) وبكفرهم وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً (156)
الطّور الجبل اسم جنس، هذا قول، وقيل الطّور: كل جبل غير منبت، وبالشام جبل قد عرف بالطور ولزمه الاسم وهو طور سيناء، وليس بالمرفوع على بني إسرائيل، لأن رفع الجبل كان فيما يلي فحص التيه من جهة ديار مصر، وهم ناهضون مع موسى عليه السلام، وقد تقدم في سورة البقرة قصص رفع الطور، وقوله بميثاقهم أي بسبب ميثاقهم أن يعطوه في أخذ الكتاب بقوة والعمل بما فيه، وقوله تعالى: وقلنا لهم ادخلوا الباب سجّداً هو باب بيت المقدس المعروف بباب حطة، أمروا أن يتواضعوا شكرا لله تعالى على الفتح الذي منحهم في تلك البلاد، وأن يدخلوا باب المدينة سجّدا. وهذا نوع من سجدة الشكر التي قد فعلها كثير من العلماء، ورويت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان مالك بن أنس رحمه الله لا يراها. وقوله تعالى وقلنا لهم لا تعدوا في السّبت أي على الحيتان وفي سائر الأعمال، وهؤلاء كانوا بأيلة من ساحل البحر فأمروا بالسكون عن كل شغل في يوم السبت فلم يفعلوا، بل اصطادوا وتصرفوا، وقد تقدم قصص ذلك، وأخذ الله تعالى منهم «الميثاق الغليظ» هو على لسان موسى وهارون وغيرهما من الأنبياء، أي بأنهم يأخذون التوراة بقوة، ويعملون بجميع ما فيها، ويوصلونه إلى أبنائهم ويؤدون الأمانة فيه). [المحرر الوجيز: 3/58-59]

رد مع اقتباس