عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 10 محرم 1436هـ/2-11-2014م, 11:07 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا (1)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عزّ وجلّ: {والعاديات ضبحًا * فالموريات قدحًا * فالمغيرات صبحًا * فأثرن به نقعًا * فوسطن به جمعًا * إنّ الإنسان لربّه لكنودٌ * وإنّه على ذلك لشهيدٌ * وإنّه لحبّ الخير لشديدٌ * أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور * وحصّل ما في الصّدور * إنّ ربّهم بهم يومئذٍ لّخبيرٌ}.
اختلف الناس في المراد بـ(العاديات)؛ فقال ابن عبّاسٍ، وقتادة، ومجاهدٌ، وعكرمة: أراد الخيل؛ لأنها تعدو بالفرسان وتضبح بأصواتها.
قال بعضهم: وسببها أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعث خيلًا إلى بني كنانة سريّةً، فأبطأ أمرها عليه حتى أرجف بعض المنافقين، فنزلت الآية معلمةً أنّ خيله عليه الصلاة والسلام قد فعلت جميع ما في الآيات.
وقال آخرون: القسم هو بالخيل جملةً؛ لأنها تعدو ضابحةً قديمًا وحديثًا، وهي حاصرة البلاد وهادمة الممالك، وفي نواصيها الخير إلى يوم القيامة. وقال عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه، وابن مسعودٍ، وإبراهيم، وعبيد بن عميرٍ:
«(العاديات) في هذه الآية الإبل؛ لأنها تضبح في عدوها». وقال عليٌّ:«والقسم بالإبل العاديات من عرفة ومن المزدلفة إذا دفع الحاجّ، وبإبل غزوة بدرٍ؛ فإنه لم يكن في الغزوة غير فرسين؛ فرس المقداد وفرس الزّبير».
و(الضّبح) تصويتٌ جهيرٌ عند العدو الشديد، ليس بصهيلٍ ولا رغاءٍ ولا نباحٍ، بل هو غير المعتاد من صوت الحيوان الذي يضبح.
وحكى ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، أنه ليس يضبح من الحيوان غير الخيل والكلاب. وهذا عندي لا يصحّ عن ابن عبّاسٍ؛ وذلك أنّ الإبل تضبح، والأسود من الحيّات، والبوم، والصّدى، والأرنب، والثعلب، والفرس، هذه كلّها قد استعملت العرب لها الضّبح، أنشد أبو حنيفة في صفة قوسٍ:
حنّانةٌ من نشمٍ أو تألب ....... تضبح في الكفّ ضباح الثّعلب
والظاهر في الآية أن القسم بالخيل أو الإبل أو بهما). [المحرر الوجيز: 8/ 672-673]

تفسير قوله تعالى: {فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا (2)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {فالموريات قدحًا} قال عليّ بن أبي طالبٍ، وابن مسعودٍ رضي اللّه عنهما:
«هي الإبل؛ وذلك أنها في عدوها ترجم الحصى بالحصى فتتطاير منه النار، فذلك القدح».
وقال ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما:
«هي الخيل، وذلك بحوافرها في الحجارة، وذلك معروفٌ».
وقال عكرمة:
«الموريات قدحًا هي الألسن. فهذا على الاستعارة، أي: إنها تقدح الحجج وتظهرها».
وقال مجاهدٌ:
«الموريات قدحًا يراد به مكر الرجال».
وقال قتادة:
«الموريات: الخيل تشعل الحرب. فهي أيضًا على الاستعارة البيّنة».
وقال ابن عبّاسٍ أيضًا وجماعةٌ من العلماء:
«الكلام عامٌّ، يدخل في القسم كلّ من يظهر بقدحه نارًا، وذلك شائعٌ في الأمم طوال الدهر، وهو نفعٌ عظيمٌ من اللّه تعالى في عباده، وقد وقف عليه في قوله سبحانه: {أفرأيتم النّار الّتي تورون}. ومعناه: تظهرون بالقدح»، قال عديّ بن زيدٍ:
فقدحنا زنادنا وورينا ....... فوق جرثومةٍ من الأرض نارًا
). [المحرر الوجيز: 8/ 673]

تفسير قوله تعالى: {فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا (3)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {فالمغيرات صبحًا} قال عليّ بن أبي طالبٍ وابن مسعودٍ رضي اللّه عنهما:
«هي الإبل من مزدلفة إلى منًى، أو في بدرٍ، والعرب تقول: (أغار) إذا عدا حربًا ونحوه».
وقال ابن عبّاسٍ وجماعةٌ كثيرةٌ:
«هي الخيل، واللفظة من الغارة في سبيل اللّه، وغير ذلك من سير الأمم. وعرف الغارات أنها مع الصباح؛ لأنها تسري ليلة الغارة»). [المحرر الوجيز: 8/ 674]

تفسير قوله تعالى: {فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا (4)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (و(النّقع): الغبار الساطع المثار.
وقرأ أبو حيوة: (فأثّرن) بشدّ الثاء.
والضمير في {به} ظاهره أنه للصبح المذكور، ويحتمل أن يكون للمكان والموضع الذي يقتضيه المعنى، وإن كان لم يجر له ذكرٌ، ولهذا أمثلةٌ كثيرةٌ، ومشهور (إثارة النقع) هو للخيل، ومنه قول الشاعر:
يخرجن من فرجات النّقع داميةً ....... كأنّ آذانها أطراف أقلام
وقال عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه: هو هنا للإبل تثير النّقع بأخفافها). [المحرر الوجيز: 8/ 674]

تفسير قوله تعالى: {فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا (5)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {فوسطن به جمعًا} قال عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه، وابن مسعودٍ رضي اللّه عنه:
«هي الإبل، و(جمعٌ) هي المزدلفة».
وقال ابن عبّاسٍ وجماعةٌ:
«هي الخيل، والمراد جمعٌ من الناس هم المغزوّون». وقرأ عليٌّ، وابن مسعودٍ، وقتادة: (فوسّطن) بشدّ السّين.
وقال بشر بن أبي خازمٍ:
فوسّطن جمعهم وأفلت حاجبٌ ....... تحت العجاجة في الغبار الأقتم
وذكر الطبريّ عن زيد بن أسلم، أنه كان يكره تفسير هذه الألفاظ ويقول: هو قسمٌ أقسم اللّه تعالى به. وجمهور العلماء والأمة مفسّرون لها كما ذكرنا). [المحرر الوجيز: 8/ 674-675]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ (6)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والقسم واقعٌ على قوله تعالى: {إنّ الإنسان لربّه لكنودٌ}. وروي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال:
«أتدرون ما الكنود؟». قالوا: لا يا رسول اللّه. قال: «الكنود الّذي يأكل وحده، ويمنع رفده، ويضرب عبده».
وقد يكون في المؤمنين الكفور بالنعمة، فتقدير الآية: إن الإنسان لنعمة ربّه لكنودٌ.
و(أرضٌ كنودٌ) لا تنبت شيئًا، وقال الحسن بن أبي الحسن: الكنود: اللائم لربّه سبحانه، يعدّ السيّئات وينسى الحسنات. والكنود: العاصي بلغة كندة، ويقال للبخيل: كنودٌ. قال أبو زبيدٍ:
إن تفتني فلم أطب عنك نفسًا غير أنّي أمنى بدهرٍ كنود
وقال الفضيل: «الكنود: هو الذي تنسيه سيّئةٌ واحدةٌ حسناتٍ كثيرةً، ويعامل اللّه على عقد عوضٍ»). [المحرر الوجيز: 8/ 675]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ (7)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإنّه على ذلك لشهيدٌ} يحتمل الضمير أن يعود على اللّه تعالى. وقاله قتادة، أي: وربّه شاهدٌ عليه، ونفس هذا الخبر يقتضي الشهادة بذلك، ويحتمل أن يعود على الإنسان، أي: أفعاله وأقواله وحاله المعلومة من هذه الأخلاق تشهد عليه، فهو شاهدٌ على نفسه بذلك. وهذا قول الحسن ومجاهدٍ). [المحرر الوجيز: 8/ 675]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ (8)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والضمير في قوله تعالى: {وإنّه لحبّ الخير لشديدٌ} عائدٌ على الإنسان لا غير، والمعنى: من أجل حبّ الخير الشديد، أي: بخيلٌ بالمال ضابطٌ له، ومنه قول الشاعر:
أرى الموت يعتام الكرام ويصطفي ....... عقيلة مال الفاحش المتشدّد
والخير: المال على عرف ذلك في كتاب اللّه تعالى.
قال عكرمة:
«الخير حيث وقع في القرآن فهو المال، ويحتمل أن يريد هنا الخير الدنيويّ من مالٍ وصحةٍ وجاهٍ عند الملوك ونحوه؛ لأنّ الكفار والجهّال لا يعرفون غير ذلك، فأمّا المحبّ في خير الآخرة فممدوحٌ مرجوٌّ له الفوز»). [المحرر الوجيز: 8/ 675-676]

تفسير قوله تعالى: {أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {أفلا يعلم} توقيفٌ على المآل والمصير: أي: أفلا يعلم مآله ومصيره فيستعدّ له؟
و(بعثرة ما في القبور): نقضه ممّا يستره والبحث عنه، وهي عبارةٌ عن البعث. وفي مصحف ابن مسعودٍ: (بحث ما في القبور)، وفي حرف أبيٍّ: (وبحثرت القبور) ). [المحرر الوجيز: 8/ 676]

تفسير قوله تعالى: {وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (و(تحصيل ما في الصدور) تمييزه وكشفه ليقع الجزاء عليه؛ من إيمانٍ، وكفرٍ، ونيّةٍ، ويفسّره قوله عليه الصلاة والسلام:
«فيبعثون على نيّاتهم».
وقرأ يحيى بن يعمر، ونصر بن عاصمٍ بفتح الحاء والصاد). [المحرر الوجيز: 8/ 676]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11)}
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثمّ استؤنف الخبر الصادق الجزم بأنّ اللّه تعالى خبيرٌ بهم يومئذٍ، وهو تعالى خبيرٌ دائمًا، لكن خصّص يومئذٍ لأنه يوم المجازاة، فإليه طمحت النفوس. وفي هذا وعيدٌ مصرّحٌ). [المحرر الوجيز: 8/ 676]


رد مع اقتباس