عرض مشاركة واحدة
  #17  
قديم 18 محرم 1439هـ/8-10-2017م, 05:41 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

المحنة في زمن المعتصم بن هارون الرشيد

قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (المحنة في زمن المعتصم بن هارون الرشيد
وتولّى الخلافة بعد المأمون أخوه المعتصم، وكان رجلاً لا بصر له بالعلم، وإنما هو قائد جيش وصاحب حروب، لكنّه قلّد أخاه المأمون في هذه المسألة، وقرّب المعتزلة على طريقة أخيه؛ فزيّنوا له ما كانوا يزيّنونه لأخيه.

ومن أوّل يوم تولّى فيه المعتصمُ الخلافةَ عيَّن أحمدَ بن أبي دؤاد الإيادي قاضيَ القضاة؛ فكان من أشد المعتزلة أذية لأهل السنة في القول بالخلق القرآن والامتحان به؛ ومن عجائب ولعه بهذا الامتحان ما ذكره الذهبي في حوادث سنة 231هـ: أن الخليفة الواثق فادى من طاغية الروم أربعة آلاف وستمائة أسير من المسلمين؛ فتفضل أحمد بن أبي دؤاد فقال: (من قال من الأسارى: القرآن مخلوق، خلّصوه وأعطوه دينارين، ومن امتنع دعوه في الأسر!!).
والمقصود أنّ البلاء اشتدّ على أهل السنّة بتوليته، وبتقريب الخليفة له؛ فتولّى كبر هذه المحنة، واجتهد فيها اجتهاداً بالغاً، وحرّض عليها من قرّبهم من قضاة المعتزلة ومناظريهم.

ثم إنَّ ابنَ أبي دؤاد أمرَ بنقل الإمام أحمد ومحمّد بن نوح مقيّدين إلى بغداد؛ ليُحبسا فيها حتى ينظر في أمرهما، وكان الإمام أحمد ومحمد بن نوح قد مرضا تلك الأيام مرضاً شديداً، فأشخصا مقيّدين يُنقلان من بلد إلى بلد في طريق عودتهما إلى بغداد؛ فأما محمد بن نوح فاشتدّ به المرض حتى مات وهو مقيّد في موضع يقال له "عانات" على طريق بغداد؛ فصلى عليه الإمام أحمد.
وكان – رحمه الله – شابّا حديث السنِّ قويّا في أمر الله؛ لا يخاف في الله لومة لائم؛ قد هانت عليه نفسه في سبيل الله.
قال الإمام أحمد: (ما رأيت أحداً على حداثة سنّه أقومَ بأمر الله من محمّد بن نوح، وإنّي لأرجو أن يكون قد خُتم له بخير.
قال لي ذات يوم وأنا معه جالس: يا أبا عبد الله! .. اللهَ اللهَ؛ إنّك لستَ مثلي ولستُ مثلك؛ إنِ اللهُ ابتلاني فأجبتُ فلا يقاس بي، فإنّك لستَ مثلي ولستُ مثلك، أنت رجلٌ يُقتدى بك، وقد مدّ هذا الخلق أعناقهم إليك لما يكون منك؛ فاتّق الله واثبت لأمر الله).
قال: (فتعجّبت من تقويته ومن موعظته إياي).
ونقّل الإمام أحمد في محابس متعددة إلى أن استقرّ حبسه في محبس العامّة في بغداد، فكان معه جماعة كثيرة في حبسه، ومكث في ذلك الحبس نحو سنتين.
قال الإمام أحمد: (فكنت أصلّي بهم وأنا مقيّد).

وفي تلك المدّة كانت المحنة جارية على أهل العلم؛ فامتحن جماعة من العلماء؛ فمنهم من أجاب ترخّصاً بعذر الإكراه، ومنهم من حُبس، ومنهم من عُزل، ومنهم ضُرب، ومنهم أوذي بالتفريق بينه وبين أهله، وبأنواع أخرى من الأذى؛ وكانت أعناق العامّة ممتدّة إلى أحمد بن حنبل لأنه كان رأس أهل الحديث في زمانه). [الإيمان بالقرآن:59 - 61]


رد مع اقتباس