الموضوع: نقول غير مصنفة
عرض مشاركة واحدة
  #41  
قديم 4 ذو الحجة 1438هـ/26-08-2017م, 06:36 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي

قال جمال الدين محمد بن علي الموزعي المعروف بابن نور الدين (ت: 825هـ): ((فصل) كاد:
من أفعال المقاربة ومعناه: القرب والدنو كعسى، إلا أن في مقاربة عسى رجاء وطمع، ومقاربة كاد على سبيل الوجود والحصول.
قيل: وإثباته نفي، ونفيه إثبات، تقول: كاد زيد يفعل، فمعناه: أنه لم يفعل، وتقول: لم يكد يفعل، فمعناه: أنه فعله.
قال ابن هشام: وقد اشتهرت هذه العبارة بين المعربين حتى جعله المعري لغزًا فقال:
أنحوي هذا العصر ما هي لفظةٌ = جرت في لساني جُرهم وثمود
إذا استعملت في صورة الجحد أثبتت = وإن أثبتت قامت مقام جحود
قال: والصواب: أن حكمها حكم سائر الأفعال في أن نفيها نفي، وإثباتها إثبات، وبيانه: أن معناها المقاربة، ولا شك أن معنى: كاد يفعل: قارب الفعل، وأن معنى: ما كاد يفعل: ما قارب الفعل، فخبرها منفي دائمًا، أما إذا كانت منفية فواضح، لأنه إذا انتفت مقاربة الفعل انتفى عقلًا حصول ذلك الفعل، ودليله قوله تعالى: {إذا أخرج يده لم يكد يراها}، ولهذا كان أبلغ من أن يقال: لم يرها؛ لأن من لم يرها قد يقارب رؤيتها وأما إذا كانت المقاربة مثبتة، فلأن الإخبار بقرب الشيء يقتضي عرفًا عدم حصوله وإلا لكان الإخبار حينئذٍ بحصوله لا بمقاربة حصوله؛ إذ لا يحسن في العرف أن يقال لمن صلى: قارب الصلاة.
ولا فرق فيما ذكرناه بين كاد ويكاد، فإن أورد على ذلك: {وما كادوا يفعلون} مع أنهم قد فعلوا فالجواب: أنه إخبار عن حالهم في أول الأمر فإنهم كانوا أولا بعداء من ذبحها؛ بدليل ما تلي علينا من تعنتهم وتكرر سؤالهم، ولما كثر استعمال مثل هذا فيمن انتفت عنه مقاربة الفعل أولًا، ثم فعله بعد ذلك توهم من توهم أن هذا الفعل بعينه هو الدال على حصول الفعل، وليس كذلك، وإنما فهم حصول الفعل من الآية من قوله تعالى: {فذبحوها} انتهى كلامه.
والتحقيق عندي في حقيقة كاد، والله أعلم أنها كلمة وضعت لمقاربة الشيء سواء فعل أو لم يفعل، فمجردها ينبئ عن نفي الفعل وضعًا، ومقرونها بالجحد ينبئ عن وقوع الفعل عرفًا لا وضعًا وهو أكثر في الاستعمال، ومنه قوله تعالى: {وما كادوا يفعلون}، وقوله تعالى: {يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار}.
وقول الشاعر:
كادت النفس أن تفيض عليه = مذ ثوى حشو ربطةٍ وبرودِ
وقوله: = قد كان من طول البلى أن يمصحا =
وقد تستعمل على أصل الوضع لمعنى المقاربة من غير دلالة على نفي الفعل، ولا على وقوعه، ومنه قوله تعالى: {إن الساعة آتية أكاد أخفيها}، وقوله تعالى: {إذا أخرج يده لم يكد يراها}، وبحث ابن هشام رحمه الله تعالى يحوم على هذا، فاحتفظ بهذا فإنه قصد نفيس به يندفع التصويب على المعربين لأنهم لاحظوا الفرق، لكن تبقى عليهم المؤاخذة في الإطلاق، وبه يبطل تكلف بعضهم في قوله تعالى: {إن الساعة آتية أكاد أخفيها}، فإنه قال: أكاد أخفيها معناه: أريد أخفيها، قال: فكما جاز أن يوضع: أريد موضع أكاد في قوله تعالى: {جدارًا يريد أن ينقض}، فكذلك كاد، وأنشد:
كادت وكدت وتلك خير إرادة = لو عاد من لهو الصبابة ما مضى
والبقاء على الأصل خير من العدول إلى المجاز والله أعلم). [مصابيح المغاني: 331-335]

رد مع اقتباس