عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 3 ذو الحجة 1435هـ/27-09-2014م, 10:57 AM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآَتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آَتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (10)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يا أيّها الّذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجراتٍ فامتحنوهنّ اللّه أعلم بإيمانهنّ فإن علمتموهنّ مؤمناتٍ فلا ترجعوهنّ إلى الكفّار لا هنّ حلٌّ لهم ولا هم يحلّون لهنّ وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهنّ إذا آتيتموهنّ أجورهنّ ولا تمسكوا بعصم الكوافر واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا ذلكم حكم اللّه يحكم بينكم واللّه عليمٌ حكيمٌ (10) وإن فاتكم شيءٌ من أزواجكم إلى الكفّار فعاقبتم فآتوا الّذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا واتّقوا اللّه الّذي أنتم به مؤمنون (11)}
تقدّم في سورة "الفتح" ذكر صلح الحديبية الّذي وقع بين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وبين كفّار قريشٍ، فكان فيه: "على ألّا يأتيك منّا رجلٌ -وإن كان على دينك-إلّا رددته إلينا". وفي روايةٍ: "على أنّه لا يأتيك منّا أحدٌ -وإن كان على دينك-إلّا رددته إلينا". وهذا قول عروة، والضّحّاك، وعبد الرّحمن بن زيدٍ، والزّهريّ، ومقاتلٍ، والسّدّيّ. فعلى هذه الرّواية تكون هذه الآية مخصّصةً للسّنّة، وهذا من أحسن أمثلة ذلك، وعلى طريقة بعض السّلف ناسخةٌ، فإنّ اللّه، عزّ وجلّ، أمر عباده المؤمنين إذا جاءهم النّساء مهاجراتٍ أن يمتحنوهنّ، فإن علموهن مؤمناتٍ فلا يرجعوهنّ إلى الكفّار، لا هنّ حلٌّ لهم ولا هم يحلّون لهنّ.
وقد ذكرنا في ترجمة عبد اللّه بن أبي أحمد بن جحشٍ، من المسند الكبير، من طريق أبي بكر بن أبي عاصمٍ، عن محمّد بن يحيى الذّهليّ، عن يعقوب بن محمّدٍ، عن عبد العزيز بن عمران، عن مجمّع بن يعقوب، عن حسين بن أبي لبانة، عن عبد اللّه بن أبي أحمد قال: هاجرت أمّ كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط في الهجرة، فخرج أخواها عمارة والوليد حتّى قدما على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فكلّماه فيها أن يردّها إليهما، فنقض اللّه العهد بينه وبين المشركين في النّساء خاصّةً، ومنعهنّ أن يرددن إلى المشركين، وأنزل اللّه آية الامتحان.
قال ابن جريرٍ: حدّثنا أبو كريب، حدّثنا يونس بن بكير، عن قيس بن الرّبيع، عن الأغرّ بن الصّبّاح، عن خليفة عن حصين، عن أبي نصرٍ الأسديّ قال: سئل ابن عبّاسٍ: كيف كان امتحان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم النساء؟ قال: كان يمتحنهنّ: باللّه ما خرجت من بغض زوجٍ؟ وباللّه ما خرجت رغبةً عن أرضٍ إلى أرضٍ؟ وباللّه ما خرجت التماس دنيا؟ وباللّه ما خرجت إلّا حبًّا للّه ولرسوله؟
ثمّ رواه من وجهٍ آخر، عن الأغرّ بن الصّبّاح، به. وكذا رواه البزّار من طريقه، وذكر فيه أنّ الّذي كان يحلّفهنّ عن أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم له عمر بن الخطّاب.
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجراتٍ فامتحنوهنّ} كان امتحانهنّ أن يشهدن أن لا إله إلّا اللّه، وأنّ محمّدًا عبد اللّه ورسوله.
وقال مجاهدٌ: {فامتحنوهنّ} فاسألوهنّ: عمّا جاء بهنّ؟ فإن كان بهنّ غضبٌ على أزواجهنّ أو سخطة أو غيره، ولم يؤمنّ فارجعوهنّ إلى أزواجهنّ.
وقال عكرمة: يقال لها: ما جاء بك إلّا حبّ اللّه ورسوله؟ وما جاء بك عشق رجل منا، ولافرارٌ من زوجك؟ فذلك قوله: {فامتحنوهنّ}
وقال قتادة: كانت محنتهنّ أن يستحلفن باللّه: ما أخرجكنّ النّشوز؟ وما أخرجكنّ إلّا حبّ الإسلام وأهله وحرص عليه؟ فإذا قلن ذلك قبل ذلك منهنّ.
وقوله: {فإن علمتموهنّ مؤمناتٍ فلا ترجعوهنّ إلى الكفّار} فيه دلالةٌ على أنّ الإيمان يمكن الاطّلاع عليه يقينًا.
وقوله: {لا هنّ حلٌّ لهم ولا هم يحلّون لهنّ} هذه الآية هي الّتي حرّمت المسلمات على المشركين، وقد كان جائزًا في ابتداء الإسلام أن يتزوّج المشرك المؤمنة؛ ولهذا كان أبو العاص بن الرّبيع زوج ابنة النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم زينب، رضي اللّه عنها، وقد كانت مسلمةً وهو على دين قومه، فلمّا وقع في الأسارى يوم بدرٍ بعثت امرأته زينب في فدائه بقلادةٍ لها كانت لأمّها خديجة، فلمّا رآها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم رقّ لها رقّةً شديدةً، وقال للمسلمين: "إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها فافعلوا". ففعلوا، فأطلقه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على أن يبعث ابنته إليه، فوفّى له بذلك وصدقه فيما وعده، وبعثها إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مع زيد بن حارثة، رضي اللّه عنه، فأقامت بالمدينة من بعد وقعة بدرٍ، وكانت سنة اثنتين إلى أن أسلم زوجها العاص بن الرّبيع سنة ثمانٍ فردّها عليه بالنّكاح الأوّل، ولم يحدث لها صداقًا، كما قال الإمام أحمد:حدّثنا يعقوب، حدّثنا أبي، حدثنا بن إسحاق، حدّثنا داود بن الحصين، عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ردّ ابنته زينب على أبي العاص [ابن الرّبيع] وكانت هجرتها قبل إسلامه بستّ سنين على النّكاح الأوّل، ولم يحدث شهادةً ولا صداقًا.
ورواه أبو داود والتّرمذيّ وابن ماجه. ومنهم من يقول: "بعد سنتين"، وهو صحيحٌ؛ لأنّ إسلامه كان بعد تحريم المسلمات على المشركين بسنتين. وقال التّرمذيّ: "ليس بإسناده بأسٌ، ولا نعرف وجه هذا الحديث، ولعلّه جاء من حفظ داود بن الحصين. وسمعت عبد بن حميدٍ يقول: سمعت يزيد بن هارون يذكر عن بن إسحاق هذا الحديث، وحديث ابن الحجّاج -يعني ابن أرطاة-عن عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدّه، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ردّ ابنته على أبي العاص بن الرّبيع بمهرٍ جديدٍ ونكاحٍ جديدٍ. فقال يزيد: حديث ابن عبّاسٍ أجود إسنادًا والعمل على حديث عمرو بن شعيبٍ".
قلت: وقد روي حديث الحجّاج بن أرطاة، عن عمرو بن شعيبٍ الإمام أحمد والتّرمذيّ وابن ماجه، وضعّفه الإمام أحمد وغير واحدٍ، واللّه أعلم.
وأجاب الجمهور عن حديث ابن عبّاسٍ بأنّ ذلك كان قضيّة عينٍ يحتمل أنّه لم تنقض عدّتها منه؛ لأنّ الّذي عليه الأكثرون أنّها متى انقضت العدّة ولم يسلم انفسخ نكاحها منه.
وقال آخرون: بل إذا انقضت العدّة هي بالخيار، إن شاءت أقامت على النّكاح واستمرّت، وإن شاءت فسخته وذهبت فتزوّجت، وحملوا عليه حديث ابن عبّاسٍ، واللّه أعلم.
وقوله: {وآتوهم ما أنفقوا} يعني: أزواج المهاجرات من المشركين، ادفعوا إليهم الّذي غرموه عليهنّ من الأصدقة. قاله ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ وقتادة، والزّهريّ، وغير واحدٍ.
وقوله: {ولا جناح عليكم أن تنكحوهنّ إذا آتيتموهنّ أجورهنّ} يعني: إذا أعطيتموهنّ أصدقتهنّ فانكحوهنّ، أي: تزوّجوهنّ بشرطه من انقضاء العدّة والوليّ وغير ذلك.
وقوله: {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} تحريمٌ من اللّه، عزّ وجلّ، على عباده المؤمنين نكاح المشركات، والاستمرار معهنّ.
وفي الصّحيح، عن الزّهريّ، عن عروة، عن المسور ومروان بن الحكم: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا عاهد كفّار قريشٍ يوم الحديبية جاء نساءٌ من المؤمنات، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجراتٍ [فامتحنوهنّ]} إلى قوله: {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} فطلّق عمر بن الخطّاب يومئذٍ امرأتين، تزوّج إحداهما معاوية بن أبي سفيان، والأخرى صفوان بن أميّة.
وقال ابن ثورٍ، عن معمر، عن الزّهريّ: أنزلت هذه الآية على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وهو بأسفل الحديبية، حين صالحهم على أنّه من أتاه منهم ردّه إليهم، فلمّا جاءه النّساء نزلت هذه الآية، وأمره أن يردّ الصّداق إلى أزواجهنّ، وحكم على المشركين مثل ذلك إذا جاءتهم امرأةٌ من المسلمين أن يردّوا الصّداق إلى زوجها، وقال: {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} وهكذا قال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، وقال: وإنّما حكم اللّه بينهم بذلك، لأجل ما كان بينهم وبينهم من العهد.
وقال محمّد بن إسحاق، عن الزّهريّ: طلّق عمر يومئذٍ قريبة بنت أبي أميّة بن المغيرة، فتزوّجها معاوية، وأمّ كلثومٍ بنت عمرو بن جرولٍ الخزاعيّة، وهي أمّ عبيد اللّه، فتزوّجها أبو جهم ابن حذيفة بن غانمٍ، رجلٌ من قومه، وهما على شركهما، وطلّق طلحة بن عبيد اللّه أروى بنت ربيعة بن الحارث بن عبد المطّلب، فتزوّجها بعده خالد بن سعيد بن العاص.
وقوله: {واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا} أي: وطالبوا بما أنفقتم على أزواجكم اللاتييذهبن إلى الكفّار، إن ذهبن، وليطالبوا بما أنفقوا على أزواجهم اللّاتي هاجرن إلى المسلمين.
وقوله: {ذلكم حكم اللّه يحكم بينكم} أي: في الصّلح واستثناء النّساء منه، والأمر بهذا كلّه هو حكم اللّه يحكم به بين خلقه: {واللّه عليمٌ حكيمٌ} أي عليمٌ بما يصلح عباده حكيمٌ في ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 91-95]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ فَاتَكُمْ شَيْءٌ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ إِلَى الْكُفَّارِ فَعَاقَبْتُمْ فَآَتُوا الَّذِينَ ذَهَبَتْ أَزْوَاجُهُمْ مِثْلَ مَا أَنْفَقُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ (11)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال: {وإن فاتكم شيءٌ من أزواجكم إلى الكفّار فعاقبتم فآتوا الّذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا} قال مجاهدٌ، وقتادة: هذا في الكفّار الّذين ليس لهم عهدٌ، إذا فرّت إليهم امرأةٌ ولم يدفعوا إلى زوجها شيئًا، فإذا جاءت منهم امرأةٌ لا يدفع إلى زوجها شيءٌ، حتّى يدفع إلى زوج الذّاهبة إليهم مثل نفقته عليها.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا يونس، حدّثنا ابن وهبٍ، أخبرني يونس، عن الزّهريّ قال: أقرّ المؤمنون بحكم اللّه، فأدّوا ما أمروا به من نفقات المشركين الّتي أنفقوا على نسائهم، وأبى المشركون أن يقرّوا بحكم اللّه فيما فرض عليهم من أداء نفقات المسلمين، فقال اللّه للمؤمنين به: {وإن فاتكم شيءٌ من أزواجكم إلى الكفّار فعاقبتم فآتوا الّذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا واتّقوا اللّه الّذي أنتم به مؤمنون} فلو أنّها ذهبت بعد هذه الآية امرأةٌ من أزواج المؤمنين إلى المشركين، ردّ المؤمنون إلى زوجها النّفقة الّتي أنفق عليها من العقب الّذي بأيديهم، الّذي أمروا أن يردّوه على المشركين من نفقاتهم الّتي أنفقوا على أزواجهم اللّاتي آمنّ وهاجرن، ثمّ ردّوا إلى المشركين فضلًا إن كان بقي لهم. والعقب: ما كان [بأيدي المؤمنين] من صداق نساء الكفّار حين آمنّ وهاجرن.
وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ في هذه الآية: يعني إن لحقت امرأة رجلٍ من المهاجرين بالكفّار، أمر له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنه يعطى من الغنيمة مثل ما أنفق.
وهكذا قال مجاهدٌ: {فعاقبتم} أصبتم غنيمةً من قريشٍ أو غيرهم {فآتوا الّذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا} يعني: مهر مثلها. وهكذا قال مسروقٌ، وإبراهيم، وقتادة، ومقاتلٌ، والضّحّاك، وسفيان بن حسينٍ، والزّهريّ أيضًا.
وهذا لا ينافي الأوّل؛ لأنّه إن أمكن الأوّل فهو أولى، وإلّا فمن الغنائم اللّاتي تؤخذ من أيدي الكفّار. وهذا أوسع، وهو اختيار ابن جريرٍ، وللّه الحمد والمنة). [تفسير القرآن العظيم: 8/ 95]


رد مع اقتباس