الحمل على اللفظ ثم على المعنى ثم على اللفظ
جاءت مراعاة اللفظ، ثم المعنى ثم اللفظ في قوله تعالى:
1- {فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق} [2: 200].
في [البحر:2/105]: « وجمع في قوله: {ربنا آتنا في الدنيا} ولو جرى على لفظ {من} لكان رب آتني. وروعي الجمع هنا لكثرة من يرغب في الاقتصار على مطالب الدنيا ونيلها، ولو أفرد لتوهم أن ذلك قليل. ثم راعى اللفظ في قوله: {وماله}.
2- {وإن منكم لمن ليبطئن فإن أصابتكم مصيبة قال قد أنعم الله علي إذ لم أكن معهم شهيدا * ولئن أصابكم فضل من الله ليقولن كأن لم تكن بينكم وبينه مودة يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزا عظيما} [4: 72-73].
في [المحتسب:1/192]: «ومن ذلك قراءة الحسن: (ليقُولُنَّ) بضم اللام على الجمع.
قال عبد الوارث: سئل أبو عمرو عن قراءة الحسن: (ليقولُنَّ) برفع اللام فسكت. قال أبو الفتح: أعاد الضمير على معنى {من} لا على لفظها الذي هو قراءة الجماعة وذلك أن قول الله تعالى: {وإن منكم لمن ليبطئن} لا يعني به رجل واحد، لكن معناه أن هناك جماعة هذا وصف كل واحد منهم، فلما كان جمعًا في المعنى أعيد الضمير على معناه دون لفظه». [البحر:3/291-292].
راعى اللفظ بعد ذلك في قوله: {يا ليتني كنت معهم فأفوز}.
3- {وقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء} [6: 139].
على تقدير متعلق الظرف: استقر ما في بطون، التاء في {خالصة} للتأنيث يكون قد راعى اللفظ ثم المعنى في خالصة ثم اللفظ في {محرم}، {يكن}، {فيه}.
4- {ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين * وإذا تتلى عليه آياتنا ولي مستكبرًا كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقرا فبشره بعذاب أليم} [31: 6-7].
راعى اللفظ أولاً في: {يشتري}، {ليضل}، {ويتخذها} ثم راعى المعنى في: {أولئك لهم} ثم راعى اللفظ ثانيًا في: {تتلى}، {عليه}، {ولي}، {مستكبرًا}، {يسمعها}، {أذنيه}، {فبشره}.
في [البحر:7/184]: «ولا نعلم جاء في القرآن ما حمل على اللفظ، ثم على المعنى، ثم على اللفظ غير هاتين الآيتين، والنحويون يذكرون: {ومن يؤمن بالله ...} الآية. فقط».
5- {كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب * الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتاهم كبر مقتا عند الله} [40: 34-35].
{الذين} بدل من {من} مراعاة للمعنى، وفاعل {كبر} ضمير يعود على {من} مراعاة للفظها، وفيها أعاريب أخرى. [البحر:7/464-465]،
[الكشاف:3/371]، [العكبري:2/114].
6- {وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون * لتستووا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين} [43: 12-13].
في [البحر:8/7]: « الضمير في {ظهوره} عائد على {ما} كأنه قال: على ظهور ما تركبون قاله أبو عبيدة. فلذلك حسن الجمع، لأن {ما} لها لفظ ومعنى، فمن جمع فباعتبار المعنى. ومن أفرد فباعتبار اللفظ».
وفي [الجمل:4/76]: «لو روعى لفظها فيهما لقيل: على ظهره، أو معناها فيهما لقيل: على ظهورها».
وأقول: على تقدير العائد مفردا في {تركبون} أي تركبونه يكون راعي اللفظ ثم المعنى بجمع {ظهور} ثم اللفظ بإفراد ضمير {ظهوره} وفي {عليه}، {هذا}، {له} وهذا أولى من مراعاة المعنى ابتداء ثم مراعاة اللفظ فقد منعه النحويون.
7- {ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له رزقا} [65: 11].
[الرضي:2/53]، [الهمع:1/87].
وفي [البحر:8/287]: «راعى اللفظ أولاً في {من} الشرطية فأفرد الضمير في {يؤمن} و{يعمل}، {يدخله} ثم راعى المعنى في {خالدين} ثم راعى اللفظ في {قد أحسن الله له رزقا} واستدل النحويون بهذه الآية على مراعاة اللفظ وأورد بعضهم أن هذا ليس كما ذكروا، لأن الضمير في {خالدين} ليس عائدًا على {من} ... وإنما هو عائد على مفعول {يدخله} و{خالدين} حال منه والعامل فيها {يدخله} لا فعل الشرط».