عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 24 ربيع الأول 1432هـ/27-02-2011م, 03:51 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي دراسة (إلا) الاستثنائية في القرآن الكريم

دراسة (إلا) الاستثنائية في القرآن الكريم
الاستثناء التام الموجب

يجب نصب المستثنى إذا كان الاستثناء تاما موجبا، ولا يجوز فيه إتباع المستثنى للمستثنى منه، وقد علل لذلك سيبويه في كتابه [1/369] فقال: «وإنما منع الأب أن يكون بدلا من القوم أنك لو قلت: أتاني إلا أبوك كان محالا، وإنما جاز: ما أتاني القوم إلا أبوك، لأنه يحسن لك أن تقول: ما أتاني إلا أبوك».
وقد ذكر هذا التعليل المبرد في كتابيه: [المقتضب:4/395، 401]، و[الكامل:4/243]، كما أخذه الأنباري وبسطه في كتابه [«أسرار العربية»:ص206].
وكذلك الرضي في [شرح الكافية:1/208- 209]، وابن يعيش وغيرهم، جاء رفع المستثنى في التام الموجب في بعض القراءات:
1- {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ} [2: 83]. قرأ ابن مسعود {إِلَّا قَلِيلٌ} بالرفع ورويت عن أبي عمرو، [ابن خالويه:ص7]، [العكبري:1/26]، [البحر:1/287].
2- {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ} [2: 249]. قرأ أبي والأعمش {إِلَّا قَلِيلٌ} بالرفع، [ابن خالويه:ص15]، [شواهد التوضيح:ص43]، [البحر:2/266].
3- {فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ} [10: 98]. قرأ الجرمي والكسائي: {إِلَّا قَوْمُ} بالرفع. [البحر:5/192].
4- {فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ} [11: 116]. قرأ زيد بن علي: {إِلَّا قَلِيلٌ} بالرفع، [البحر:5/271- 272].
5- {فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ} [2: 34]. قرأ {إِلَّا إِبْلِيسُ}، بالرفع جناح بن حبيش، [ابن خالويه:ص4].
فما الذي يراه النحويون في توجيه رفع المستثنى التام الموجب؟
الفراء يجعل هذا الرفع جائزا مستساغا ويقول به إعراب المستثنى الذي لا تظهر عليه علامة الإعراب، قال في قوله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ} [5: 1].
«وقوله: {إِلَّا مَا يُتْلَىٰ عَلَيْكُمْ} في موضع نصب بالاستثناء، ويجوز الرفع، كما يجوز: قام القوم إلا زيدا، وإلا زيد» [معاني القرآن:1/298] ولكنه رجح النصب في قوله تعالى: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ} قال: «وفي إحدى القراءتين: {إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ}: والوجه في (إلا) أن ينصب ما بعدها إذا كان ما قبلها لا جحد فيه» [معاني القرآن:1/166]، وسيبويه عقد بابا في كتابه لوقوع المبتدأ بعد (إلا) [1/374] ومثل له بقولهم: ما مرت بأحد إلا زيد خير منه، وبقول العرب: لأفعلن كذا وكذا إلا حل ذلك أن أفعل كذا وكذا.
وظاهر أن هذه الأمثلة من الاستثناء المفرغ، كما صرح بذلك ابن يعيش في [شرح المفصل:2/93]، وابن هشام في [المغني:2/71] ثم نجد سيبويه في باب وقوع (إلا) صفة [1/370- 371] مثل الوصف بإلا بأمثلة وشواهد من التام المنفي، ومن التام الموجب، وبما يصح فيه الاستثناء، وبما لا يصح فيه الاستثناء، والمبرد في المقتضب ذكر في باب النعت بإلا أمثلة وشواهد سيبويه، ثم قال: وتقول على هذا: جاءني القوم إلا زيد: [المقتضب:5/408- 411] وابن مالك عقد في كتابه «شواهد التوضيح والتصحيح لمشكلات الجامع الصحيح» بابا عنونه بقوله: البحث الثامن في رفع المستثنى بعد (إلا).
قال فيه: منها قول عبد الله بن أبي قتادة- رضي الله عنهما-: «أحرموا كلهم إلا أبو قتادة لم يحرم».
وقول أبي هريرة- رضي الله عنه- سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم يقول: «كل أمتي معافى إلا المجاهرون».
ثم يقول: ولا يعرف أكثر المتأخرين من البصريين في هذا النوع إلا النصب وقد أغفلوا وروده مرفوعا بالابتداء ثابت الخبر ومحذوفه.
فمن ثابت الخبر قول ابن أبي قتادة: «أحرموا كلهم إلا أبو قتادة لم يحرم». ونظيره من كتاب الله قراءة ابن كثير وأبي عمرو {وَلَا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ} [11: 81].
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما للشياطين من سلاح أبلغ في الصالحين من النساء إلا المتزوجون، أولئك المطهرون المبرؤون من الخنا». وجعل ابن خروف من هذا القبيل قوله تعالى: {إِلَّا مَنْ تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ}. ومن جعل الابتداء بعد (إلا) محذوف الخبر قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله». أخرجه البخاري في كتاب التوحيد ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: «كل أمتي معافى إلا المجاهرون». وبمثل هذا تأول الفراء قراءة بعضهم {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} [2: 249].أي إلا قليل منهم لم يشربوا؛ ثم ساق شواهد شعرية على ذلك: انظر [ص:41- 44] والرضي في [شرح الكافية:1/227] يخرج الشواهد على أن (إلا) فيها صفة.
ولكنه يعد عن هذا التخريج في قراءة الرفع في قوله تعالى: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ} فلا يجعل (إلا) صفة، ولكنه يؤول {فَشَرِبُوا} بالنفي أي لم يطيعوه.
قال في [شرح الكافية:1/213]: «وتأويل النفي في غير الألفاظ المذكورة نادر، وكما جاء في الشواذ: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلٌ}، أي لم يطيعوه إلا قليل». وهذا التخريج تخريج الزمخشري في الكشاف.
وأبو حيان يخرج الرفع في الآيتين على أن (إلا) صفة، ويرد على ابن عطية الذي جعل ما بعد (إلا) بدلا مما قبلها بتأويل الفعل المثبت بفعل منفي.
قال في [البحر1/287- 288]: «والذي ذكر النحويون أن البدل من الموجب لا يجوز, لو قلت: قام القوم إلا زيد بالرفع على البدل لم يجز: قالوا: لأن البدل يحل محل المبدل منه: فلو قلت: قام إلا زيد لم يجز لأن (إلا) لا تدخل في الموجب، وأما ما اعتل به من تسويغ ذلك، لأن معنى {تَوَلَّيْتُمْ} النفي، كأنه قيل: لم يفوا إلا قليل فليس بشيء؛ لأن كل موجب إذا أخذت في نفي نقيضه أو ضده كان كذلك، فليجز: قام إلا زيد: لأنه يؤول بقولك: لم يجلسوا إلا زيد.. ثم قال: ومن تخليط بعض المعربين أنه أجاز رفعه بفعل محذوف كأنه قال: امتنع قليل، وأن يكون توكيدا للمضمر المرفوع المستثنى منه... وأجاز بعضهم أن يكون رفعه على الابتداء، والخبر محذوف، كأنه قال: إلا قليل منكم لم يتول، وهذه أعاريب من لم يمعن في النحو». وانظر [البحر:2/266- 267].
أبو البقاء العكبري منع البدلية في قراءة الرفع في قوله تعالى: {ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ} وخرجها على أن المرفوع فاعل بفعل محذوف، تقديره: امتنع أو مبتدأ محذوف الخبر، أو توكيد للضمير المرفوع، وقال: سيبويه يسميه نعتًا. [العكبري:1/27] صحيح أن سيبويه يسمى التوكيد صفة كما ذكر في كتابه [1/140] ولكن أين هذا من التوكيد المعنوي الذي يكون بألفاظ معينة ليس (قَلِيلٌ) منها؛ كما انه ليس من التوكيد اللفظي.
على أن العكبري أجاز الإبدال في قوله تعالى: {وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ} [5: 13].
قال: «لو قرئ بالجر على البدل لكان مستقيما» [العكبري:1/119] وقد أجاز في آيات كثيرة أن يكون الاسم بعد (إلا) مبتدأ مذكور الخبر أو محذوفه.
قال في قوله تعالى: {وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ * إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ} [15: 17-18]. «{إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ} في موضعه ثلاثة أوجه: نصب على الاستثناء المنقطع».
والثاني: جر على البدل، أي إلا ممن استرق، والثالث: رفع على الابتداء و (فَأَتْبَعَهُ) الخبر، وجاز دخول الفاء فيه من اجل أن (من) بمعنى الذي أو شرط» [العكبري2/39] ورد عليه جواز الإبدال أبو حيان. [البحر:5/449- 450]، كما ورد على الزمخشري في جواز الإبدال.
وابن هشام في [المغني:2/71] ذكر أن من الجمل التي لا محل لها من الإعراب الجملة المستثناة، وذكر قوله تعالى: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ * إِلَّا مَنْ تَوَلَّىٰ وَكَفَرَ * فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ} [88: 22- 24]. وذكر في موضع آخر [2/189] هذه التأويلات:
1- تأويل {فَشَرِبُوا} بفعل منفي، أي لم يكونوا.
2- (إلا) صفة.
3- {قَلِيلٌ} مبتدأ حذف خبره، أي لم يشربوا.
وقال السيوطي في [الهمع:2/225]: «وفي لغة يتبع المؤخر الموجب، وخرج عليها قراءة: {فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلٌ}.
وفي [حاشية يس على التصريح:1/359]: «قال أبو الحسن بن عصفور: فإن كان الكلام الذي قبل (إلا) موجبا جاز في الاسم الواقع بعد (إلا) وجهان: أفصحهما النصب على الاستثناء، والآخر: أن تجعله مع (إلا) تابعًا للاسم الذي قبله، فتقول: قام القوم إلا زيد، بنصبه ورفعه..
ولابن عمار رسالة لطيفة سماها: التاج المذهب في رفع المستثنى من الموجب».


[دراسات عضيمة: ق1، ج1،ص242]


رد مع اقتباس