تمهيد:
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى أما بعد:
فقد كانت بداية تدوين التفسير محضاً - فيما أعلم - ما أُثر عن بعض أصحاب ابن عبّاس رضي الله عنهما من كتابتهم التفسير عنه؛ فكان مجاهد يأتي ابن عبّاس ومعه ألواحه فيكتب عنه التفسير ويملي عليه ابن عباس، وكذلك كتب التفسير عن ابن عباس سعيد بن جبير وأربدة التميمي وأبو مالك الغفاري وأبو صالح مولى أمّ هانئ وغيرهم.
- فأمّا صحيفة أربدة التميمي(ت:102هـ) فيرويها عنه أبو إسحاق السبيعي والمنهال بن عمرو وقد أخرج منها سفيان الثوري وعبد الرزاق وابن جرير وابن أبي حاتم في تفاسيرهم روايات مفرّقة على السور.
- وأمّا مجاهد بن جبر(ت:102هـ) فكان أصحابه يكتبون عنه التفسير، كما قال عبيد المكتب: (رأيتهم يكتبون التفسير عند مجاهد) رواه الدارمي.
فمنه ما هو مقطوع عليه، ومنه ما يسنده إلى ابن عباس أو غيره.
وأملى مجاهد التفسير على تلميذه القاسم بن أبي بزة، وعنه أخذه ابن أبي نجيح والحكم بن عتيبة وليث بن أبي سليم كما ذكر ذلك سفيان ابن عيينة فيما رواه الفسوي في المعرفة.
- وأمّا سعيد بن جبير(ت:95هـ) فكان يسأل ابن عباس عن التفسير ويكتبه في صحف عنده، وروي أنه كتب لعبد الملك بن مروان كتاباً في التفسير، وقد وجده عطاء بن دينار في الديوان؛ ولم يسمعه من سعيد بن جبير؛ فكان يروي ما فيه، وقد تضمنت كتب التفسير المسندة جملة من مرويات ذلك التفسير.
- وأما أبو مالك الغفاري (ت:95هـ) فروى عنه السدي صحيفته في التفسير، لكنّه خلط ما رواه عنه بمرويات غيره من غير تمييز.
- وأما أبو صالح مولى أمّ هانئ(ت:115) فكان معلّم صبيان في مكة، ثمّ انتقل إلى الكوفة، وكان له كتاب في التفسير.
- وروى عمرو بن مالك النكري عن أبي عن أبي الجوزاء الربعي(ت:82هـ) صحيفة في التفسير، وكان أبو الجوزاء من أصحاب ابن عباس.
وروي عن الحسن البصري(ت:110هـ) والضحاك بن مزاحم الهلالي(ت:105هـ) أنهما أمليا كتباً في التفسير.
- فأما الحسن البصري (ت:110هـ) فروي عنه أنه أملى التفسير، كما نقل ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله عن عبد الله بن وهب قال: (أخبرني السري بن يحيى عن الحسن أنه كان لا يرى بكتاب العلم بأساً، وقد كان أملى التفسير فكُتِب).
وليس بأيدينا من تفسيره إلا ما تفرّق في كتب التفسير المسندة، واختلاف الروايات عنه محمول على تكرار الإملاء أو أنه كانت له مجالس في التفسير يحضرها أصحابه ويملي فيها التفسير بما يحضره، فتفاوتوا في التدوين والأخذ عنه، وقد اشتهر منها نسخة عباد بن منصور الناجي، ونسخة أبي رجاء الحدّاني، وممن كتب في التفسير من أصحاب الحسن من جمع في كتابه ما سمعه من الحسن مع ما سمعه من غيره كما فعل مقاتل بن حيان في تفسيره؛ فإنه جمعه من تفسير الحسن ومجاهد والضحاك وغيرهم.
- وأما الضحاك بن مزاحم الهلالي(ت:105هـ) فقد رَوى عنه التفسير جماعة من أصحابه في كتب، وتعددت نسخ التفسير عنه، فمنها نسخة عبيد بن سليمان الباهلي، ونسخة جويبر بن سعيد الأزدي، ونسخة نصر بن مشارس الخراساني، وغيرها.
وفي تاريخ تدوين التفسير تفصيل طويل بيّنت ما وقفت عليه منه هنا "تاريخ تدوين التفسير"