تفاسير القرن السادس الهجري
تفسير قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ وَجَعَلَ لَهُمْ أَجَلًا لَا رَيْبَ فِيهِ فَأَبَى الظَّالِمُونَ إِلَّا كُفُورًا (99)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {أولم يروا أن الله الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم وجعل لهم أجلا لا ريب فيه فأبى الظالمون إلا كفورا قل لو أنتم تملكون خزائن رحمة ربي إذا لأمسكتم خشية الإنفاق وكان الإنسان قتورا ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات فاسأل بني إسرائيل إذ جاءهم فقال له فرعون إني لأظنك يا موسى مسحورا}
هذه الآية احتجاج عليهم فيما استبعدوه من البعث، وذلك أنهم قرروا على خلق الله تعالى واختراعه لهذه الجملة التي البشر جزء منها، فهم لا ينكرون ذلك، فكيف يصح لهم أن يقروا بخلقه للكل وإخراجه من خمول العدم وينكرون إعادته للبعض؟ فحصل الأمر في حيز الجواز. وأخبر الصادق الذي قامت دلائل معجزاته بوقوع ذلك الجائز. والرؤية في هذه الآية رؤية القلب، و"الأجل" ها هنا يحتمل أن يريد به القيامة، ويحتمل أن يريد أجل الموت، والأجل -على هذا التأويل- اسم جنس; لأنه وضعه موضع الآجال. ومقصد هذا الكلام بيان قدرة الله عز وجل وملكه لخلقه، وبتقرير ذلك يقوى جواز بعثه لهم حين يشاء لا إله إلا هو. وقوله تعالى: "فأبى" عبارة عن تكسبهم وجنوحهم، وقد مضى تفسير هذه الآية آنفا). [المحرر الوجيز: 5/549]
تفسير قوله تعالى: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الْإِنْفَاقِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ قَتُورًا (100)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {قل لو أنتم تملكون} الآية. حكم "لو" أن يليها الفعل، إما مظهرا وإما مضمرا يفسره الظاهر بعد ذلك، فالتقدير هنا: قل لو تملكون أنتم تملكون خزائن، فـ "أنتم" رفع على تبع الضمير، و"الرحمة" في هذه الآية: المال والنعم التي تصرف في الأرزاق، ومن هذا سميت رحمة. و"الإنفاق" المعروف: إذهاب المال. وهو مؤد إلى الفقر، فكأن المعنى: خشية عاقبة الإنفاق. وقال بعض اللغويين: "أنفق الرجل" معناه: افتقر.
[المحرر الوجيز: 5/549]
وقوله تعالى: {وكان الإنسان قتورا} معناه: ممسكا، يريد أن في طبعه ومنتهى نظره أن الأشياء تتناهى وتفنى، فهو لو ملك خزائن رحمة الله لأمسك خشية الفقر، وكذلك يظن أن قدرة الله تبارك وتعالى تقف دون البعث، والأمر ليس كذلك، بل قدرته لا تتناهى، فهو يخترع من الخلق ما يشاء، ويختزن من الرحمة الأرزاق، فلا يخاف نفاذ خزائن رحمته، وبهذا النظر تلتبس هذه الآية بما قبلها، والله ولي التوفيق برحمته، ومن الإقتار قول أبي داود:
لا أعد الإقتار عدما ولكن ... فقد من قد رزئته الإعدام). [المحرر الوجيز: 5/550]