الباب العاشر:الاجتهاد في التفسير
الاجتهاد في التفسير
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (الاجتهاد في التفسير
من طرق التفسير التي يحتاج إليها المفسّر الاجتهاد في التفسير؛ وهو من الطرق المشروعة المعتبرة إذا قام به من هو أهل لذلك، ولم يتعدّ حدود الله تعالى في اجتهاده.
ويُرجى للمجتهد المتّقي التوفيق للصواب؛ ومضاعفة الثواب؛ فيثاب على اجتهاده، ويثاب على إصابته؛ وإن أخطأ من غير تعدٍّ ولا تفريط رُجيت له المغفرة والإثابة على اجتهاده لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: « إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر » متّفق عليه من حديث بسر بن سعيد، عن أبي قيس مولى عمرو بن العاص، عن عمرو بن العاص رضي الله عنه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (فتبين أن المجتهد مع خطئه له أجر؛ وذلك لأجل اجتهاده، وخطؤه مغفور له؛ لأن دَرْكَ الصواب في جميع أعيان الأحكام؛ إمَّا متعذر أو متعسّر، وقد قال تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج} وقال تعالى: {يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر}.
وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لأصحابه عام الخندق: « لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة » فأدركتهم صلاة العصر في الطريق؛ فقال بعضهم: لا نصلي إلا في بني قريظة، وقال بعضهم: لم يُرِدْ منَّا هذا؛ فصَلَّوا في الطريق؛ فلم يعب واحدةً من الطائفتين)ا.هـ.
ومن حكمة الله تعالى أن فَسَح للاجتهاد مجالاً رحباً يحمل المجتهد على التفكّر والتدبّر، وإمعان النظر، لفهم المعنى، وإدراك المقصد، واستنباط الحكم.
وجعل له حدوداً من تعدّاها كان خاطئاً آثماً، ومن لم يتعدّ حدود الله من أهل الاجتهاد ولم يوفّق للإصابة كان مخطئاً معذوراً، ومن أصاب منهم كان موفّقاً مأجوراً.
والاجتهاد في التفسير مجال رحب للإبانة عن معاني القرآن، وذلك من دلائل بَرَكَةِ معاني القُرآن وكثرتها واتّساعها، فلا يحيط بها عِلْمُ عالم من البشر، بل ربما قرأ الآيةَ الواحدةَ جماعةٌ من العلماءِ الأذكياءِ فظهر لكل واحد منهم من المعاني ودلائلها ما خفي على غيره.
ومن دلائل ذلك كثرة المصنفات في التفسير والرسائل المفردة في بعض الآيات والمسائل، واستدراك العلماء بعضهم على بعض؛ حتى غدا التفاوتُ في معرفة معاني القرآن وسبل الاهتداء إليها تفاوتاً كبيراً بيّناً.
قال أبو جحيفة السَّوائيّ رضي الله عنه: قلت لعلي رضي الله عنه: هل عندكم شيء من الوحي إلا ما في كتاب الله؟
قال: «لا والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، ما أعلمه إلا فهماً يعطيه الله رجلاً في القرآن، وما في هذه الصحيفة»، قلت: وما في الصحيفة؟ قال: «العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر». رواه البخاري.
والفهم في القرآن من ثمرات الاجتهاد في تدبّر آياته والتفكّر في معانيه، والتبصّر بدلائله، واستعمال أدوات الاجتهاد الصحيحة للوصول إلى المعاني واستخراجها بأنواع من الدلالات المعتبرة لدى أهل العلم). [طرق التفسير:301 - 302]