المسألة السادسة: بيان مسألة الاسم والمسمَّى
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (المسألة السادسة: بيان مسألة الاسم والمسمَّى
هذه المسألة من المسائل التي طال بحثها في كتب التفسير والعقيدة واللغة، ومن أشهر من أفاض في بحثها بإسهاب: ابن جرير الطبري، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وعبد الرحمن المعلّمي.
وكان مما حمل بعضهم على الإطالة في بحثها ما أثاره المتكلّمون من سؤال الفرق بين الاسم والمسمّى: هل الاسم هو عين المسمَّى، أو غيره، أو لا هو عينه ولا غيره.
وبحث هذه المسألة على طريقة المتكلّمين توقع في أخطاء ولا سيّما إذا بني عليها القول في مسائل اعتقادية في أسماء الله تعالى وصفاته وأسماء الأحكام الواردة في النصوص من الكفر والإيمان، والفسق والعصيان، وغيرها.
وبحث هذه المسألة ومناقشة حجج المختلفين فيها يطول جداً، وأصحاب كلّ قول فهموا المسألة من وجه فقالوا بمقتضى ما فهموه، وقصرت عبارتهم عن أن تكون جامعة مانعة؛ فرأى فيها من عارضهم بعض ما يخالف ما فهموه.
وسأعرض الخلاصة المُفهمة إن شاء الله تعالى بما يستغنى به كثير من طلاب العلم عن التطويل في مناقشة الأقوال وحجج أصحابها واعتراضات بعضهم على بعض.
فالصواب في هذه المسألة أنّ الاسم دالٌّ على المسمّى، فألفاظ اسم "زيد" ليست هي نفسها شخص "زيد" ، وإنّما يدلّ اسم "زيد" على من سُمِّيَ به.
والكلام العربي يقع فيه التوسّع وتعدد الاعتبارات، فيُذكر الاسم أحياناً ويراد به المسمَّى به، باعتبار أنَّه دالّ عليه، كما في قوله تعالى: {سبّح اسم ربّك الأعلى} فكان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (سبحان ربي الأعلى) ولم يقل: (سبحان اسم ربي..).
ويذكر أحياناً ويراد به الاسم نفسه كما يقال: الرحمن اسم عربي.
فالقول بأنّ الاسم هو المسمّى مطلقاً خطأ.
وكذلك القول بأنَّ الاسم غير المسمَّى مطلقاً خطأ.
وقد تنازعوا في قول لبيد بن ربيعة العامري:
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما ... ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر
وهذا البيت من قصيدة للبيد مطلعها:
تمنى ابنتــــــــاي أن يعــيــــــــش أبوهمــــــــا ... وهل أنا إلا من ربيعـــــة أو مضــــر
ونادبتـــــــــين تندبــــــــــــان بعــــــــــــــــاقـــــــلٍ ... أخــــــــا ثقةٍ لا عـــــــين منه ولا أثـــــــــر
فقوما فقولا بالذي قد علمتمـــــــــــــا ... ولا تخمشا وجهـــــــــا ولا تحلقا شعر
وقولا هو المــــــــــرءُ الذي لا خليلَــــــه ... أضاع، ولا خان الصديق ولا غدر
إلى الحــــولِ ثم اسمُ السلام عليكما ... ومن يبـــــكِ حولا كاملا فقد اعتذر
فمن قال الاسم هو المسمَّى؛ قال: المعنى ثمّ السلام عليكما، وهذا قول معمر بن المثنى.
وردّه ابن جرير بأنه لو كان الاسم هو المسمّى لصحّ أن يقال: رأيت اسم زيد، وأكلت اسم الطعام.
وذكر ابن جرير في معنى بيت لبيد قولين:
أحدهما: أن السلام اسم الله، فكأن المعنى ثمّ الزما اسم الله.
والثاني: أن المعنى ثمّ تسميتي الله عليكما، كما يقال: ذكرت اسم الله عليك.
وذكر السهيلي وجها ثالثاً: وهو أنّ لبيداً لم يرد أن يسلم عليهما من وقته، ولو قال: ثم السلام عليكما، لكان كمن أوصى وصية ثم سلّم، وإن لم تُنفذ، وهو إنما أراد أن يسلّم عليهما بعد الحول.
وذكر بعض العلماء أوجهاً أخرى.
وأقرب من هذه الأقوال كلّها؛ وأوفق ليُسْرِ كلام العرب وبعده عن التعقيد أن يكون لبيدٌ قد أراد البيان بأنهما إنْ فعلتا ما أوصى به؛ فلا ملامَ عليهما؛ إذ استحقّتا اسم السلام من اللوم، ويدلّ على إرادة هذا المعنى قوله بعد ذلك: (ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر) أي بَلغ العذر الذي لا يلام بعده.
والاسم هنا يراد به ما تضمّنه من الوصف، كما تقول لمن سرق شيئاً من حرزه: يقع عليك اسم السارق، أي تستحقّ هذا الوصف، وبه فُسِّر قول الله تعالى: {ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد} أي أنه موصوف بأحمد الأوصاف في جميع شؤونه؛ ففي كلّ شأن هديه أحسنُ الهدي، واسمه في ذلك الشأن أحمدُ الأسماء وأحسنها.
قال الأعشى:
وإن امرؤٌ أسدى إليكَ أمانة … فأوفِ بها إنْ متَّ سُمّيتَ وافيا). [تفسير سورة الفاتحة:133 - 135]