ظهور آثار صفات الله وأفعاله في خلقه
قال ابن القيم محمد بن أبي بكر الزرعي الدمشقي (ت:751هـ) كما في المرتبع الأسنى: ( [الرابعَ عشرَ]: (أنَّ الربَّ سُبحانَهُ كاملٌ في أوصافِهِ وأسمائِهِ وأفعالِهِ فلا بُدَّ مِنْ ظهورِ آثارِها في العالمِ، فإنَّهُ محسنٌ، ويَستحيلُ وُجودُ الإحسانِ بدونِ مَنْ يُحْسِنُ إليهِ، ورَزَّاقٌ فلا بُدَّ مِنْ وُجودِ مَنْ يَرْزُقُهُ، وغَفَّارٌ، وحليمٌ، وجَوَادٌ، ولطيفٌ بعِبادِهِ، ومَنَّانٌ، ووَهَّابٌ، وقابضٌ، وباسطٌ، وخافضٌ، ورافعٌ، ومُعِزٌّ، ومُذِلٌّ، وهذه الأسماءُ تَقتضِي مُتَعَلِّقَاتٍ تَتَعَلَّقُ بها وآثاراً تَتَحَقَّقُ بها. فلم يكنْ بُدٌّ مِنْ وُجودِ مُتَعَلِّقَاتِها وإلاَّ تَعطَّلتْ تلكَ الأوصافُ وبَطَلَتْ تلكَ الأسماءُ، فتَوسُّطُ تلكَ الآثارِ لا بُدَّ منهُ في تَحَقُّقِ معاني تلكَ الأسماءِ والصفاتِ)([41]) . ([فإ]نه سُبحانَهُ أَبْرَزَ خَلْقَهُ مِن العَدَمِ إلى الوُجودِ ليُجْرِيَ عليهِ أحكامَ أسمائِهِ وصفاتِهِ، فيُظْهِرَ كمالَهُ الْمُقَدَّسَ، وإن كانَ لم يَزَلْ كاملاً، فمِنْ كمالِهِ ظُهورُ آثارِ كمالِهِ في خَلْقِهِ وأَمْرِهِ، وقضائِهِ وقَدَرِهِ، ووَعدِهِ ووَعيدِهِ، ومَنْعِهِ وإعطائِهِ، وإكرامِهِ وإهانتِهِ، وعَدْلِهِ وفضْلِهِ، وعَفْوِهِ وإنعامِهِ، وسَعَةِ حِلْمِهِ، وشِدَّةِ بَطْشِه)([42]) (فإنَّ لكلِّ صفةٍ مِن الصِّفَاتِ العُلْيَا حُكماً ومُقتضياتٍ وأَثَراً هوَ مَظْهَرُ كمالِها وإن كانت كاملةً في نفسِها، لكنَّ ظهورَ آثارِها وأحكامِها مِنْ كمالِها فلا يَجوزُ تَعطيلُهُ.
فإنَّ صِفةَ القادِرِ تَستدعِي مَقدوراً، وصِفَةَ الخالقِ تَستدعِي مَخلوقاً وصِفةَ الوَهَّابِ الرازقِ المعطِي المانعِ الضارِّ النافعِ المقدِّمِ المؤخِّرِ المعِزِّ المذِلِّ العفُوِّ الرؤوفِ تَستدعِي آثارَها وأحكامَها)([43]).
(وقد اقْتَضَى كمالُهُ المقدَّسُ سُبحانَهُ أنَّهُ كلَّ يومٍ هوَ في شأنٍ. فمِنْ جُملةِ شُؤونِهِ أن يَغْفِرَ ذَنْباً، ويُفَرِّجَ كَرْباً، ويَشْفِيَ مَرِيضاً، ويَفُكَّ عانِياً، ويَنْصُرَ مَظلوماً، ويُغيثَ مَلهوفاً، ويَجْبُرَ كسيراً، ويُغْنِيَ فَقيراً، ويُجيبَ دَعوةً، ويُقيلَ عَثرةً، ويُعِزَّ ذَليلاً، ويُذِلَّ مُتَكَبِّراً، ويَقْصِمَ جَبَّاراً، ويُميتَ ويُحْيِيَ، ويُضْحِكَ ويُبْكِيَ، ويَخْفِضَ ويَرفعَ، ويُعْطِيَ ويَمْنَعَ، ويُرْسِلَ رُسُلَهُ مِن الملائكةِ ومِن البَشَرِ في تَنفيذِ أوامِرِهِ، وسَوْقِ مَقاديرِهِ التي قَدَّرَها إلى مَواقيتِها التي وَقَّتَها لها. وهذا كلُّهُ لم يكنْ ليَحْصُلَ في دارِ البقاءِ، وإِنَّمَا اقْتَضَتْ حِكمتُهُ البالغةُ حصولَهُ في دارِ الامتحانِ والابتلاءِ) ([44]) ). [المرتبع الأسنى: ؟؟]
([41]) شِفَاءُ العَلِيلِ (2/ 143).
([42]) شِفَاءُ العَلِيلِ (2/ 198).
([43]) شِفَاءُ العَلِيلِ (2/ 150).
([44]) شِفَاءُ العَلِيلِ (2/ 198).