عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 12 شعبان 1435هـ/10-06-2014م, 06:01 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي

كلام جلالُ الدينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أبي بكرِ السيوطيُّ (ت: 911هـ)

قالَ جلالُ الدينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أبي بكرِ السيوطيُّ (ت: 911هـ): (فصل
وأما ترتيب السور فهل هو توقيفي أيضا؟ أو هو باجتهاد من الصحابة؟
خلاف؛
1- فجمهور العلماء على الثاني، منهم مالك والقاضي أبو بكر في قوليه. قال ابن فارس: جمع القرآن على ضربين:
- أحدهما: تأليف السور كتقديم السبع الطوال وتعقيبها بالمئين فهذا هو الذي تولته الصحابة.
- وأما الجمع الآخر: وهو جمع الآيات في السور فهو توقيفي، تولاه النبي صلى الله عليه وسلم كما أخبر به جبريل عن أمر ربه.
ومما استدل به لذلك: اختلاف مصاحف السلف في ترتيب السور؛ فمنهم من رتبها على النزول وهو مصحف علي،
كان أوله: اقرأ ثم المدثر ثم ن ثم المزمل ثم تبت ثم التكوير وهكذا إلى آخر المكي والمدني،
وكان أول مصحف ابن مسعود: البقرة ثم النساء ثم آل عمران على اختلاف شديد، وكذا مصحف أبي وغيره.
وأخرج ابن أشته في المصاحف من طريق إسماعيل بن عياش عن حبان ابن يحيى عن أبي محمد القرشي قال: أمرهم عثمان أن يتابعوا الطوال فجعلت سورة الأنفال وسورة التوبة في السبع، ولم يفصل بينهما بـ(بسم الله الرحمن الرحيم)،
وذهب إلى الأول جماعة منهم القاضي في أحد قوليه،
قال أبو بكر الأنباري: أنزل الله القرآن كله إلى سماء الدنيا ثم فرقه في بضع وعشرين فكانت السورة تنزل لأمر يحدث والآية جوابا لمستخبر، ويوقف جبريل النبي صلى الله عليه وسلم على موضع الآية والسورة، فاتساق السور كاتساق الآيات والحروف كله عن النبي صلى الله عليه وسلم، فمن قدم سورة أو أخرها فقد أفسد نظم القرآن.
وقال الكرماني في البرهان: ترتيب السور هكذا هو عند الله في اللوح المحفوظ على هذا الترتيب، وعليه كان يعرض على جبريل كل سنة ما كان يجتمع عنده منه، وعرضه عليه في السنة التي توفي فيها مرتين، وكان آخر الآيات نزولا: {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله} فأمره جبريل أن يضعها بين آيتي الربا والدين.
وقال الطيبي: أنزل القرآن أولا جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، ثم نزل مفرقا على حسب المصالح ثم أثبت في المصاحف على التأليف والنظم المثبت في اللوح المحفوظ.
قال الزركشي في البرهان: والخلاف بين الفريقين لفظي؛ لأن القائل بالثاني يقول: إنه رمز إليهم بذلك ليعلمهم بأسباب نزوله ومواقع كلماته، ولهذا قال مالك: "إنما ألفوا القرآن على ما كانوا يسمعونه من النبي صلى الله عليه وسلم" مع قوله بأن ترتيب السور باجتهاد منهم.
فآل الخلاف إلى أنه هل هو بتوقيف قولي؟ أو بمجرد استناد فعلي؟ بحيث بقي لهم فيه مجال للنظر، وسبقه إلى ذلك أبو جعفر بن الزبير،
وقال البيهقي في المدخل: كان القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مرتبا سوره وآياته على هذا الترتيب إلا الأنفال وبراءة، لحديث عثمان السابق.
ومال ابن عطية إلى: أن كثيرا من السور كان قد علم ترتيبها في حياته صلى الله عليه وسلم كالسبع الطوال والحواميم والمفصل، وإن ما سوى ذلك يمكن أن يكون قد فوض الأمر فيه إلى الأمة بعده.
وقال أبو جعفر بن الزبير: الآثار تشهد بأكثر مما نص عليه ابن عطية، ويبقى منها قليل يمكن أن يجري فيه الخلاف كقوله: ((اقرؤوا الزهراوين البقرة وآل عمران)) رواه مسلم.
وكحديث سعيد بن خالد: "صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالسبع الطوال في ركعة". رواه ابن أبي شيبة في مصنفه، وفيه أنه كان يجمع المفصل في ركعة.
وروى البخاري عن ابن مسعود أنه قال: "في بني إسرائيل والكهف ومريم وطه والأنبياء إنهن من العتاق الأول وهن من تلادي" فذكرها نسقا كما استقر ترتيبها.
وفي البخاري: أنه كان إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما فقرأ قل هو الله أحد والمعوذتين.
وقال أبو جعفر النحاس: المختار أن تأليف السور على هذا الترتيب من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لحديث واثلة ((أعطيت مكان التوراة السبع الطوال . . .)) الحديث.
قال: فهذا الحديث يدل على أن تأليف القرآن مأخوذ عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه من ذلك الوقت وإنما جمع في المصحف على شيء واحد؛ لأنه قد جاء هذا الحديث بلفظ رسول الله صلى الله عليه وسلم على تأليف القرآن.
وقال ابن الحصار: ترتيب السور ووضع الآيات مواضعها إنما كان بالوحي.
وقال ابن حجر: ترتيب بعض السور على بعضها أو معظمها لا يمتنع أن يكون توقيفيا.
قال: ومما يدل على أن ترتيبها توقيفي ما أخرجه أحمد وأبو داود عن أوس بن أبي أوس حذيفة الثقفي قال: "كنت في الوفد الذين أسلموا من ثقيف..." الحديث وفيه: فقال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((طرأ علي حزبي من القرآن فأردت ألا أخرج حتى أقضيه)) فسألنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قلنا: كيف تحزبون القرآن؟ قالوا: نحزبه ثلاث سور وخمس سور وسبع سور وتسع سور وإحدى عشرة وثلاث عشرة وحزب المفصل من ق حتى نختم".
قال: فهذا يدل على أن ترتيب السور على ما هو في المصحف الآن كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: ويحتمل أن الذي كان مرتبا حينئذ حزب المفصل خاصة بخلاف ما عداه.
قلت: ومما يدل على أنه توقيفي:
كون الحواميم رتبت ولاء وكذا الطواسين ولم ترتب المسبحات ولاء بل فصل بين سورها وفصل بين طسم الشعراء وطسم القصص بطس مع أنها أقصر منهما، ولو كان الترتيب اجتهاديا لذكرت المسبحات ولاء وأخرت طس عن القصص.
والذي ينشرح له الصدر ما ذهب إليه البيهقي وهو: أن جميع السور ترتيبها توقيفي إلا براءة والأنفال ولا ينبغي أن يستدل بقراءته صلى الله عليه وسلم سورا ولاء على أن ترتيبها كذلك وحينئذ فلا يرد حديث قراءته النساء قبل آل عمران؛ لأن ترتيب السور في القراءة ليس بواجب فلعله فعل ذلك لبيان الجواز.
وأخرج ابن أشته في كتاب المصاحف من طريق ابن وهب عن سليمان ابن بلال قال: سمعت ربيعة يسأل لم قدمت البقرة وآل عمران؟ وقد نزل قبلهما بضع وثمانون سورة بمكة وإنما أنزلتا بالمدينة. فقال: قدمتا وألف القرآن على علم ممن ألفه به، ومن كان معه فيه واجتماعهم على علمهم بذلك فهذا مما ينتهي إليه ولا يسأل عنه). [الإتقان في علوم القرآن:2/405-411] (م)

قالَ جلالُ الدينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أبي بكرِ السيوطيُّ (ت: 911هـ): (النوع الثامن عشر في: جمعه وترتيبه
قال الديرعاقولي في فوائده: حدثنا إبراهيم بن بشار حدثنا سفيان بن عيينة عن الزهري عن عبيد عن زيد بن ثابت قال: قبض النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن القرآن جمع في شيء.
قال الخطابي: إنما لم يجمع صلى الله عليه وسلم القرآن في المصحف لما كان يترقبه من ورود ناسخ لبعض أحكامه أو تلاوته فلما انقضى نزوله بوفاته ألهم الله الخلفاء الراشدين ذلك وفاء بوعده الصادق بضمان حفظه على هذه الأمة فكان ابتداء ذلك على يد الصديق بمشورة عمر.
وأما ما أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن . . .)) الحديث، فلا ينافي ذلك؛ لأن الكلام في كتابة مخصوصة على صفة مخصوصة، وقد كان القرآن كتب كله في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لكن غير مجموع في موضع واحد ولا مرتب السور.
*القول في جمع القرآن ثلاث مرات:
وقال الحاكم في المستدرك: جمع القرآن ثلاث مرات:
إحداها: بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أخرج بسند على شرط الشيخين عن زيد بن ثابت قال: "كنا عند رسول الله نؤلف القرآن من الرقاع ..." الحديث.
قال البيهقي: يشبه أن يكون أن المراد به تأليف ما نزل من الآيات المتفرقة في سورها وجمعها فيها بإشارة النبي صلى الله عليه وسلم.
الثانية: بحضرة أبي بكر، روى البخاري في صحيحه عن زيد بن ثابت قال: "أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني، فقال: إن القتل قد استحر بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن. فقلت لعمر: كيف تفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: وهو والله خير. فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر. قال زيد: قال أبو بكر: إنك شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه. فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو والله خير. فلم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح به صدر أبي بكر وعمر، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع غيره: {لقد جاءكم رسول} حتى خاتمة براءة، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله ثم عند عمر حياته ثم عند حفصة بنت عمر".
وأخرج ابن أبي داود في المصاحف بسند حسن عن عبد خير قال: "سمعت عليا يقول أعظم الناس في المصاحف أجرا أبو بكر رحمة الله على أبي بكر هو أول من جمع كتاب الله".
لكن أخرج أيضا من طريق ابن سيرين قال: قال علي: "لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم آليت ألا آخذ علي ردائي إلا لصلاة جمعة حتى أجمع القرآن" فجمعه.
قال ابن حجر: هذا الأثر ضعيف لانقطاعه، وبتقدير صحته فمراده بجمعه: (حفظه في صدره)، وما تقدم من رواية عبد خير عنه أصح فهو المعتمد.
قلت: ورد من طريق آخر أخرجه ابن الضريس في فضائله، حدثنا بشر ابن موسى حدثنا هوذة بن خليفة حدثنا عون عن محمد بن سيرين عن عكرمة قال: لما كان بعد بيعة أبي بكر قعد علي بن أبي طالب في بيته، فقيل لأبي بكر: قد كره بيعتك، فأرسل إليه فقال: أكرهت بيعتي؟ قال: لا والله. قال: ما أقعدك عني؟ قال: رأيت كتاب الله يزاد فيه، فحدثت نفسي ألا ألبس ردائي إلا لصلاة حتى أجمعه. قال له أبو بكر: فإنك نعم ما رأيت".
قال محمد فقلت لعكرمة ألفوه كما أنزل الأول فالأول. قال: لو اجتمعت الإنس والجن على أن يؤلفوه ذلك التأليف ما استطاعوا.
وأخرجه ابن أشته في المصاحف من وجه آخر عن ابن سيرين، وفيه أنه كتب في مصحفه الناسخ والمنسوخ وأن ابن سيرين قال: فطلبت ذلك الكتاب وكتبت فيه إلى المدينة فلم أقدر عليه.
وأخرج ابن أبي داود من طريق الحسن أن: عمر سأل عن آية من كتاب الله، فقيل: كانت مع فلان قتل يوم اليمامة. فقال: إنا لله. وأمر بجمع القرآن فكان أول من جمعه في المصحف. إسناده منقطع، والمراد بقوله: (فكان أول من جمعه) أي أشار بجمعه.
قلت: ومن غريب ما ورد في أول من جمعه ما أخرجه ابن اشته في كتاب المصاحف من طريق كهمس عن ابن بريدة قال: "أول من جمع القرآن في مصحف سالم مولى أبي حذيفة، أقسم لا يرتدي برداء حتى يجمعه ثم ائتمروا ما يسمونه. فقال بعضهم: سموه السفر. قال: ذلك اسم تسميه اليهود، فكرهوه، فقال: رأيت مثله بالحبشة يسمى المصحف، فاجتمع رأيهم على أن يسموه المصحف". إسناده منقطع أيضا وهو محمول على أنه كان أحد الجامعين بأمر أبي بكر.
وأخرج ابن أبي داود من طريق يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال: قدم عمر فقال: "من كان تلقى من رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا من القرآن فليأت به". وكانوا يكتبون ذلك في الصحف والألواح والعسب، وكان لا يقبل من أحد شيئا حتى يشهد شهيدان، وهذا يدل على أن زيدا كان لا يكتفي لمجرد وجدانه مكتوبا حتى يشهد به من تلقاه سماعا، مع كون زيد كان يحفظ فكان يفعل ذلك مبالغة في الاحتياط.
وأخرج ابن أبي داود أيضا من طريق هشام بن عروة عن أبيه أن أبا بكر قال لعمر ولزيد: "اقعدا على باب المسجد فمن جاءكما بشاهدين على شيء من كتاب الله فاكتباه". رجاله ثقات مع انقطاعه.
قال ابن حجر: وكأن المراد بالشاهدين الحفظ والكتاب.
وقال السخاوي في جمال القراء: المراد أنهما يشهدان على أن ذلك المكتوب كتب بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك من الوجوه التي نزل بها القرآن.
قال أبو شامة: وكان غرضهم ألا يكتب إلا من عين ما كتب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، لا من مجرد الحفظ.
قال: ولذلك قال في آخر سورة التوبة "لم أجدها مع غيره" أي: لم أجدها مكتوبة مع غيره؛ لأنه كان لا يكتفي بالحفظ دون الكتابة.
قلت: أو المراد أنهما يشهدان على أن ذلك مما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم عام وفاته، كما يؤخذ مما تقدم آخر النوع السادس عشر.
وقد أخرج ابن اشته في المصاحف عن الليث بن سعد قال: أول من جمع القرآن أبو بكر وكتبه زيد، وكان الناس يأتون زيد بن ثابت، فكان لا يكتب آية إلا بشاهدي عدل، وأن آخر سورة براءة لم توجد إلا مع خزيمة بن ثابت، فقال: "أكتبوها فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل شهادته بشهادة رجلين" فكتب، وإن عمر أتي بآية الرجم فلم يكتبها لأنه كان وحده.
وقال الحارث المحاسبي في كتاب (فهم السنن): كتابة القرآن ليست بمحدثة فإنه صلى الله عليه وسلم كان يأمر بكتابته، ولكنه كان مفرقا في الرقاع والأكتاف والعسب، فإنما أمر الصديق بنسخها من مكان إلى مكان مجتمعا، وكان ذلك بمنزلة أوراق وجدت في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها القرآن منتشر فجمعها جامع وربطها بخيط حتى لا يضيع منها شيء. قال: فإن قيل: كيف وقعت الثقة بأصحاب القاع وصدور الرجال؟
قيل: لأنهم كانوا يبدون عن تأليف معجز ونظم معروف، قد شاهدوا تلاوته من النبي صلى الله عليه وسلم عشرين سنة، فكان تزوير ما ليس منه مأمونا،وإنما كان الخوف من ذهاب شيء من صحفه، وقد تقدم في حديث زيد أنه (جمع القرآن من العسب واللخاف)، وفي رواية (والرقاع)، وفي أخرى (وقطع الأديم)، وفي أخرى (والأكتاف)، وفي أخرى (والأضلاع)، وفي أخرى (والأقتاب)؛
فالعسب: جمع "عسيب" وهو جريد النخل كانوا يكشطون الخوص ويكتبون في الطرف العريض،
واللخاف: بكسر اللام وبخاء معجمة خفيفة آخره فاء جمع "لخفة" بفتح اللام وسكون الخاء وهي الحجارة الدقاق،
وقال الخطابي: صفائح الحجارة.
والرقاع: جمع "رقعة" وقد تكون من جلد أو رق أو كاغد،
والأكتاف: جمع "كتف" وهو العظم الذي للبعير أو الشاة كانوا إذا جف كتبوا عليه،
والأقتاب: جمع "قتب" هو الخشب الذي يوضع على ظهر البعير ليركب عليه.
وفي موطأ ابن وهب عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله ابن عمر قال: جمع أبو بكر القرآن في قراطيس وكان سأل زيد بن ثابت في ذلك فأبى حتى استعان بعمر ففعل.
وفي مغازي موسى بن عقبة عن ابن شهاب قال: لما أصيب المسلمون باليمامة فزع أبو بكر، وخاف أن يذهب من القرآن طائفة فأقبل الناس بما كان معهم وعندهم حتى جمع على عهد أبي بكر في الورق فكان أبو بكر أول من جمع القرآن في الصحف.
قال ابن حجر: ووقع في رواية عمارة بن غزية أن زيد بن ثابت قال: فأمرني أبو بكر فكتبته في قطع الأديم والعسب فلما هلك أبو بكر وكان عمر كتبت ذلك في صحيفة واحدة فكانت عنده.
قال: والأول أصح إنما كان في الأديم والعسب أولا، قبل أن يجمع في عهد أبي بكر ثم جمع في الصحف في عهد أبي بكر كما دلت عليه الأخبار الصحيحة المترادفة.
قال الحاكم: والجمع الثالث هو ترتيب السور في زمن عثمان روى البخاري عن أنس أن: حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح أرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة فقال لعثمان: أدرك الأمة قبل أن يختلفوا اختلاف اليهود والنصارى. فأرسل إلى حفصة أن: أرسلي إلينا الصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك. فأرسلت بها حفصة إلى عثمان، فأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنه إنما نزل بلسانهم. ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة ومصحف أن يحرق. قال زيد: فقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه} فألحقناها في سورتها في المصحف.
قال ابن حجر: وكان ذلك في سنة خمس وعشرين. قال: وغفل بعض من أدركناه فزعم أنه كان في حدود سنة ثلاثين، ولم يذكر له مستندا. انتهى.
وأخرج ابن أشته من طريق أيوب عن أبي قلابة قال: حدثني رجل من بني عامر يقال له أنس بن مالك قال: اختلفوا في القراءة على عهد عثمان حتى اقتتل الغلمان والمعلمون فبلغ ذلك عثمان بن عفان فقال عندي تكذبون به وتلحنون فيه فمن نأى عني كان أشد تكذيبا وأكثر لحنا، يا أصحاب محمد اجتمعوا فاكتبوا للناس إماما، فاجتمعوا فكتبوا، فكانوا إذا اختلفوا وتدارؤوا في آية قالوا: هذه أقرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلانا. فيرسل إليه وهو على رأس ثلاث من المدينة فقال له: كيف أقرأك رسول الله صلى الله عليه وسلم آية كذا وكذا؟ فيقول: كذا وكذا فيكتبونها وقد تركوا لذلك مكانا".
وأخرج ابن أبي داود من طريق محمد بن سيرين عن كثير بن أفلح قال: لما أراد عثمان أن يكتب المصاحف جمع له اثني عشر رجلا من قريش والأنصار فبعثوا إلى الربعة التي في بيت عمر فجيء بها وكان عثمان يتعاهدهم فكانوا إذا تدارؤوا في شيء أخروه. قال محمد: فظننت أنما كانوا يؤخرونه لينظروا أحدثهم عهدا بالعرضة الأخيرة فيكتبونه على قوله.
وأخرج ابن أبي داود بسند صحيح عن سويد بن غفلة قال: قال علي: "لا تقولوا في عثمان إلا خيرا فوالله ما فعل الذي فعل في المصاحف إلا عن ملأ منا، قال: ما تقولون في هذه القراءة فقد بلغني أن بعضهم يقول: إن قراءتي خير من قراءتك، وهذا يكاد يكون كفرا. قلنا: فما ترى؟ قال: أرى أن يجمع الناس على مصحف واحد فلا تكون فرقة ولا اختلاف. قلنا: نعم ما رأيت".
قال ابن التين وغيره: الفرق بين جمع أبي بكر وجمع عثمان: أن:
1- جمع أبي بكر كان لخشية أن يذهب من القرآن شيء بذهاب جملته؛ لأنه لم يكن مجموعا في موضع واحد، فجمعه في صحائف مرتبا لآيات سوره على ما وقفهم عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
2- وجمع عثمان كان لما كثر الاختلاف في وجوه القراءة حتى قرؤوه بلغاتهم على اتساع اللغات، فأدى ذلك بعضهم إلى تخطئة بعض فخشي من تفاقم الأمر في ذلك فنسخ تلك الصحف في مصحف واحد مرتبا لسوره، واقتصر من سائر اللغات على لغة قريش محتجا بأنه نزل بلغتهم، وإن كان قد وسع قراءته بلغة غيرهم رفعا للحرج والمشقة في ابتداء الأمر فرأى أن الحاجة إلى ذلك قد انتهت فاقتصر على لغة واحدة.
وقال القاضي أبو بكر في الانتصار: لم يقصد عثمان قصد أبي بكر في جمع نفس القرآن بين لوحين، وإنما قصد جمعهم على القراءات الثابتة المعروفة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإلغاء ما ليس كذلك، وأخذهم بمصحف لا تقديم فيه ولا تأخير، ولا تأويل أثبت مع تنزيل، ولا منسوخ تلاوته كتب مع مثبت رسمه ومفروض قراءته، وحفظه خشية دخول الفساد والشبهة على من يأتي بعد.
وقال الحارث المحاسبي: المشهور عند الناس إن جامع القرآن عثمان وليس كذلك، إنما حمل عثمان الناس على القراءة بوجه واحد على اختيار وقع بينه وبين من شهده من المهاجرين والأنصار لما خشي الفتنة عند اختلاف أهل العراق والشام في حروف القراءات، فأما قبل ذلك فقد كانت المصاحف بوجوه من القراءات المطلقات على الحروف السبعة التي نزل بها القرآن فأما السابق إلى جمع الحملة فهو الصديق وقد قال علي لو وليت لعملت بالمصاحف عمل عثمان بها. انتهى). [الإتقان في علوم القرآن:2/377-393](م)

قالَ جلالُ الدينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أبي بكرِ السيوطيُّ (ت: 911هـ): (النوع السادس والتسعون: ترتيب الآي والسور
وقال الحاكم: جمع القرآن ثلاث مرات:
إحداها: بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم روي عن زيد بن ثابت، قال: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن من الرقاع) – الحديث –.
وقال: صحيح على شرط الشيخين.
الثانية: بحضرة أبي بكر، فروى البخاري عن زيد بن ثابت قال: (أرسل إلي أبو بكر بقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن، فقلت لعمر: كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: هذا والله خير، فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر).
قال زيد: (قال أبو بكر: إنك شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه. فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن.
قلت: كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو والله خير، ولم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع غيره:{لقد جاءكم رسول من أنفسكم..}حتى خاتمة براءة، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله تعالى، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر).
وروى وكيع عن السدي عن عبد خير عن علي، قال: (أعظم الناس أجراً في المصاحف: أبو بكر، كان أول من جمع بين اللوحين).
قال الحاكم: والجمع الثالث هو: ترتيب السور في زمن عثمان، فقد روى البخاري عن أنس: أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح إرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال لعثمان: أدرك الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل إلى حفصة: أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما أنزل بلسانهم، ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق.
قال زيد: ففقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري:{من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه..}فألحقناها في سورتها بالمصحف ). [التحبير في علم التفسير:371-377](م

قالَ جلالُ الدينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أبي بكرِ السيوطيُّ (ت: 911هـ): (النوع السادس والتسعون: ترتيب الآي والسور
قلت: أول القرآن:
الفاتحة ثم البقرة ثم آل عمران على الترتيب إلى سورة الناس، وهكذا هو عند الله في اللوح المحفوظ على هذا الترتيب، وكان صلى الله عليه وسلم يعرض على جبريل كل سنة ما كان يجتمع عنده منه، وعرضه عليه في السنة التي توفي فيها مرتين، وكان آخر الآيات نزولاً:
{واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله} فأمره جبريل أن يضعها بين آيتي الربا والدين. انتهى.
وكذا قال الطيبي: أنزل القرآن أولاً جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، ثم نزل متفرقاً على حسب المصالح، ثم أثبت في المصاحف على التأليف والنظم المثبت في اللوح المحفوظ.
وقال البيهقي في "المدخل": كان القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مرتباً سوره وآياته على هذا الترتيب، إلا الأنفال وبراءة.
لما روى الحاكم وغيره عن ابن عباس قال: (قلت لعثمان: ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين قفرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر: بسم الله الرحمن الرحيم، ووضعتموها في السبع الطوال فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه من السور ذوات العدد، وكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من يكتب له، فيقول: ضعوا في السورة التي فيها كذا وكذا.
وكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة، وكانت براءة من آخر القرآن نزولاً، وكانت قصتها شبيهة بقصتها فظننت أنها منها فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها، فمن ثم قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر: بسم الله الرحمن الرحيم).
وقال الحاكم: جمع القرآن ثلاث مرات:
إحداها: بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم روي عن زيد بن ثابت، قال: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن من الرقاع) – الحديث –.
وقال: صحيح على شرط الشيخين.). [التحبير في علم التفسير:371-377](م)
قالَ جلالُ الدينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أبي بكرِ السيوطيُّ (ت: 911هـ): (النوع السادس والتسعون: ترتيب الآي والسور
هذا النوع من زيادتي.
اختلف هل ترتيب الآي والسور على النظم الذي هو عليه الآن توقيف من النبي صلى الله عليه وسلم أو باجتهاد من الصحابة؟
1- فذهب قوم إلى الثاني تمسكاً بحديث سؤال ابن عباس الآتي، وبما روي عن علي أنه كان عزم على ترتيب القرآن بحسب نزوله، وأن أول مصحفه كان: {اقرأ باسم ربك الذي خلق} وكذا مصحف أبي وابن مسعود فيه اختلاف شديد في الترتيب.
2- واختار مكي وغيره أن ترتيب الآيات والبسملة في الأوائل من النبي صلى الله عليه وسلم، وترتيب السور باجتهاد الصحابة.
والمختار أن الكل من النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال الكرماني في "البرهان" بعد أن ذكر الحكمة في قوله تعالى في البقرة: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم}: وليس في القرآن غيره – إن العبادة المراد بها التوحيد، وهو أول ما يلزم العبد، فكان هذا أول خطاب خاطب الله به الناس في القرآن فخاطبهم أولاً بما ألزمهم، ثم ذكر سائر العبادات فما بعدها من السور والآيات.
فإن قيل: ليست سورة البقرة بأول القرآن نزولاً فيحسن فيها ما ذكرت..
قلت: أول القرآن: الفاتحة ثم البقرة ثم آل عمران على الترتيب إلى سورة الناس، وهكذا هو عند الله في اللوح المحفوظ على هذا الترتيب، وكان صلى الله عليه وسلم يعرض على جبريل كل سنة ما كان يجتمع عنده منه، وعرضه عليه في السنة التي توفي فيها مرتين، وكان آخر الآيات نزولاً:
{واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله} فأمره جبريل أن يضعها بين آيتي الربا والدين. انتهى.
وكذا قال الطيبي: أنزل القرآن أولاً جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، ثم نزل متفرقاً على حسب المصالح، ثم أثبت في المصاحف على التأليف والنظم المثبت في اللوح المحفوظ.
وقال البيهقي في "المدخل": كان القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مرتباً سوره وآياته على هذا الترتيب، إلا الأنفال وبراءة.
لما روى الحاكم وغيره عن ابن عباس قال: (قلت لعثمان: ما حملكم على أن عمدتم إلى الأنفال وهي من المثاني وإلى براءة وهي من المئين قفرنتم بينهما ولم تكتبوا بينهما سطر: بسم الله الرحمن الرحيم، ووضعتموها في السبع الطوال فقال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما يأتي عليه الزمان وهو ينزل عليه من السور ذوات العدد، وكان إذا نزل عليه الشيء دعا بعض من يكتب له، فيقول: ضعوا في السورة التي فيها كذا وكذا.
وكانت الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة، وكانت براءة من آخر القرآن نزولاً، وكانت قصتها شبيهة بقصتها فظننت أنها منها فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها، فمن ثم قرنت بينهما ولم أكتب بينهما سطر: بسم الله الرحمن الرحيم).
وقال الحاكم: جمع القرآن ثلاث مرات:
إحداها: بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم روي عن زيد بن ثابت، قال: (كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلف القرآن من الرقاع) – الحديث –.
وقال: صحيح على شرط الشيخين.
الثانية: بحضرة أبي بكر، فروى البخاري عن زيد بن ثابت قال: (أرسل إلي أبو بكر بقتل أهل اليمامة، فإذا عمر بن الخطاب عنده، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر بقراء القرآن، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن فيذهب كثير من القرآن، وإني أرى أن تأمر بجمع القرآن، فقلت لعمر: كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال عمر: هذا والله خير، فلم يزل يراجعني حتى شرح الله صدري لذلك، ورأيت في ذلك الذي رأى عمر).
قال زيد: (قال أبو بكر: إنك شاب عاقل لا نتهمك وقد كنت تكتب الوحي لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتتبع القرآن فاجمعه. فوالله لو كلفوني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن.
قلت: كيف تفعلون شيئاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: هو والله خير، ولم يزل أبو بكر يراجعني حتى شرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر وعمر، فتتبعت القرآن أجمعه من العسب واللخاف وصدور الرجال، ووجدت آخر سورة التوبة مع أبي خزيمة الأنصاري لم أجدها مع غيره:{لقد جاءكم رسول من أنفسكم..}حتى خاتمة براءة، فكانت الصحف عند أبي بكر حتى توفاه الله تعالى، ثم عند عمر حياته، ثم عند حفصة بنت عمر).
وروى وكيع عن السدي عن عبد خير عن علي، قال: (أعظم الناس أجراً في المصاحف: أبو بكر، كان أول من جمع بين اللوحين).
قال الحاكم: والجمع الثالث هو: ترتيب السور في زمن عثمان، فقد روى البخاري عن أنس: أن حذيفة بن اليمان قدم على عثمان، وكان يغازي أهل الشام في فتح إرمينية وأذربيجان مع أهل العراق، فأفزع حذيفة اختلافهم في القراءة، فقال لعثمان: أدرك الأمة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى، فأرسل إلى حفصة: أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردها إليك، فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر زيد بن ثابت، وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف، وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة: إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما أنزل بلسانهم، ففعلوا حتى إذا نسخوا الصحف في المصاحف رد عثمان الصحف إلى حفصة وأرسل إلى كل أفق بمصحف مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق.
قال زيد: ففقدت آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف قد كنت أسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ بها فالتمسناها فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري:{من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه..}فألحقناها في سورتها بالمصحف ). [التحبير في علم التفسير:371-377] (م)


رد مع اقتباس