كيف يداوي الحاسد نفسه؟
قالَ عَطِيَّة مُحَمَّد سَالِم (ت: 1420هـ): (وقد ذَكَرُوا للحَسَدِ دَواءً كذلك؛ أي: يُدَاوِي به الحاسِدُ نَفْسَه؛ ليَستريحَ مِن عَناءِ الحسَدِ المُتَوَقِّدِ في قَلْبِه المنَغِّصِ عليه عَيْشَه، الجالِبِ عليه حُزْنَه، وهو على سبيلِ الإجمالِ في أَمْرَيْنِ: العلْمِ ثم العمَلِ.
والمرادُ بالعلْمِ هو أنْ يَعْلَمَ يَقيناً أنَّ النعمةَ التي يَراها على المحسودِ إنما هي عَطاءٌ مِن اللَّهِ بقَدَرٍ سابِقٍ وقَضاءٍ لازِمٍ، وأنَّ حَسَدَه إيَّاه عليها لا يُغَيِّرُ مِن ذلك شيئاً، ويَعْلَمَ أنَّ ضَرَرَ الحسَدِ يَعُودُ على الحاسِدِ وَحْدَه في دِينِه؛ لعَدَمِ رِضائِه بقَدَرِ اللَّهِ وقِسمتِه لعِبادِه؛ لأنه في حَسَدِه كالمُعْتَرِضِ على قَوْلِه تعالى: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الزخرف: 32] وفي دنياه؛ لأنه يُورِثُ السَّقامَ والأحزانَ والكآبةَ ونَفْرَةَ الناسِ منهم ومَقْتَهُم إيَّاه، ومِن وَراءِ هذا وذاكَ العِقابُ في الآخِرَةِ.
أمَّا العَمَلُ فهو مُجاهَدَةُ نفْسِه ضِدَّ نَوَازِعِ الحَسَدِ، كما تَقَدَّمَتِ الإشارةُ إليه في الأسبابِ، فإذا رأَى ذا نِعمةٍ فازْدَرَتْهُ عينُه فلْيُحَاوِلْ أنْ يُقَدِّرَه ويَخْدُمَه.
وإنْ رَاوَدَتْهُ نفْسُه بالإعجابِ بنَفْسِه، ردَّها إلى التواضُعِ وإظهارِ العَجْزِ والافتقارِ.
وإنْ سَوَّلَتْ له نفْسُه تَمَنِّيَ زَوالِ النِّعْمَةِ عن غيرِه، صَرَفَ ذلك إلى تَمَنِّي مِثْلِها لنَفْسِه، وفَضْلُ اللَّهِ عظيمٌ.
وإن دَعاهُ الحَسَدُ إلى الإساءةِ إلى المحسودِ، سَعَى إلى الإحسانِ إليه وهكذا، فيَسْلَمُ مِن شِدَّةِ الحَسَدِ، ويَسْلَمُ غيرُه مِن شَرِّه.
وكما في الأَثَرِ: ((المُؤْمِنُ يَغْبِطُ وَالمُنَافِقُ يَحْسُدُ)) ). [تتمة أضواء البيان: 9/350-351]