تأويل المعتزلة لمعنى العين
قالَ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الجَصَّاصُ (ت: 370هـ): (زَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّ ضَرَرَ العَيْنِ إنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ شَيْءٍ يَنْفَصِلُ مِنَ العَائِنِ فَيَتَّصِلُ بِالمَعِينِ، وَهَذَا هُوَ شَرٌّ وَجَهْلٌ، وَإِنَّمَا العَيْنُ فِي الشَّيْءِ المُسْتَحْسَنِ عِنْدَ العَائِنِ، فَيَتَّفِقُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأَوْقَاتِ ضَرَرٌ يَقَعُ بِالمَعِينِ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى إنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ عِنْدَ إعْجَابِ الإِنْسَانِ بِمَا يَرَاهُ تَذْكِيرًا لَهُ؛ لِئَلَّا يَرْكَنَ إلَى الدُّنْيَا وَلا يَعْجَبَ بِشَيْءٍ مِنْهَا، وَهُوَ نَحْوُ مَا رُوِيَ أَنَّ العَضْبَاءَ نَاقَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ تَكُنْ تُسْبَقُ فَجَاءَ أَعْرَابِيٌّ عَلَى قَعُودٍ لَهُ فَسَابَقَ بِهَا فَسَبَقَهَا، فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((حَقٌّ عَلَى اللَّهِ أَنْ لا يَرْفَعَ شَيْئًا مِنَ الدُّنْيَا إلاَّ وَضَعَهُ)).
وَكَذَلِكَ أَمْرُ العَائِنِ عِنْدَ إعْجَابِهِ بِمَا يَرَاهُ أَنْ يَذْكُرَ اللَّهَ وَقُدْرَتَهُ فَيَرْجِعَ إلَيْهِ وَيَتَوَكَّلَ عَلَيْهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَوْلا إذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إلَّا بِاللَّهِ}[الكهف:39] فَأَخْبَرَ بِهَلاكِ جَنَّتِهِ عِنْدَ إعْجَابِهِ بِهَا بِقَوْلِهِ، فَقَالَ: {وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا}[الكهف: 35] إلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَوْلا إذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إلَّا بِاللَّهِ} [الكهف: 39] أَيْ: لِتَبْقَى عَلَيْك نِعَمُ اللَّهِ تَعَالَى إلَى وَقْتِ وَفَاتِك). [أحكام القرآن: 3/649]
قال عبد العزيز بن داخل المطيري:(وهذا تأويلٌ باطلٌ؛ لأنَّهُ يعودُ علَى حَقِيقَةِ العَينِ بالإبطَالِ، وَقَد سَبَقَ ذِكْرُ الأدِلَّةِ المبيِّنَةِ لِحَقِيقَةِ العَينِ وَأَثرِهَا، وَنِسْبَةِ الأثرِ إليهَا نِسبَةَ الفِعْلِ إِلَى فَاعِلِهِ،وَأَمْرِ النبيِّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَكْثَرَ مِن حَدِيثٍ بالاستِرْقَاءِ مِنَ العَيْنِ، بَلْ قَدْ كَانَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ يَتَعَوَّذُ مِنهَا، وَيُعَوِّذُ غيرَهُ، وَهُوَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لا يَتَعَوَّذُ مِن شَيْءٍ لا حَقِيقَةَ لَهُ وَلا أَثرَ).