عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 26 جمادى الآخرة 1434هـ/6-05-2013م, 06:46 AM
أم أسماء باقيس أم أسماء باقيس غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Aug 2011
المشاركات: 529
افتراضي

معنى المراء في القرآن وبيان أنواعه

قال أبو بكر محمَّد بن الحسين بن عبد الله الآجُرّي (ت:360ه) : ( قال محمد بن الحسين رحمه الله: فإن قال قائل: عرفنا هذا المراء الذي هو كفر، ما هو؟
قيل له: نزل هذا القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم على سبعة أحرف، ومعناها: على سبع لغات، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقن كل قبيلة من العرب القرآن على حسب ما يحتمل من لغتهم، تخفيفا من الله تعالى بأمة محمد صلى الله عليه وسلم، فكانوا ربما إذا التقوا، يقول بعضهم لبعض: ليس هكذا القرآن، وليس هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويعيب بعضهم قراءة بعض فنهوا عن هذا: اقرءوا كما علمتم، ولا يجحد بعضكم قراءة بعض، واحذروا الجدال والمراء فيما قد تعلمتم، والحجة فيما قلنا.
- ما حدثنا أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد قال: حدثنا أبو هشام محمد بن يزيد الرفاعي قال: حدثنا أبو بكر بن عياش قال حدثنا عاصم، عن زر، عن عبد الله قال: قلت لرجل: أقرئني من الأحقاف ثلاثين آية، فأقرأني خلاف ما أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت لآخر: أقرئني من الأحقاف ثلاثين آية، فأقرأني خلاف ما أقرأني الأول، وأتيت بهما النبي صلى الله عليه وسلم، فغضب، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه عنده جالس فقال علي كرم الله وجهه: قال لكم: «اقرءوا كما علمتم».
- وحدثنا أيضا أبو محمد بن صاعد قال: حدثنا أحمد بن سنان القطان قال: حدثنا يزيد بن هارون، أنا شريك، عن عاصم، عن زر، عن عبد الله أنه قال: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم سورة، فدخلت المسجد فقلت: أفيكم من يقرأ؟
فقال رجل من القوم: أنا أقرأ، فقرأ السورة التي أقرأنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو يقرأ بخلاف ما أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلقنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا والرجل، وإذا عنده علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، فقلنا: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلفنا في قراءتنا، فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال علي كرم الله وجهه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنما هلك من كان قبلكم بالاختلاف، فليقرأ كل رجل منكم ما أقرئ».
- وأخبرنا إبراهيم بن موسى الجوزي قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي، قال حدثنا عبد الرحمن بن مهدي قال: أنا مالك بن أنس، عن الزهري، عن عروة، عن عبد الرحمن بن عبد القاري، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت هشام بن حكيم، يقرأ سورة الفرقان في الصلاة على غير ما أقرؤها، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأنيها، فأخذت بثوبه، فذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على غير ما أقرأتنيها، فقال: «» اقرأ «» فقرأ القراءة التي سمعتها منه، فقال: «» هكذا أنزل إن هذا القرآن نزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه «»
قال محمد بن الحسين: فصار المراء في القرآن كفرا بهذا المعنى يقول هذا: قراءتي أفضل من قراءتك، ويقول الآخر: بل قراءتي أفضل من قراءتك، ويكذب بعضهم بعضا، فقيل لهم: ليقرأ كل إنسان كما علم، ولا يعب بعضكم قراءة غيره، واتقوا الله، واعملوا بمحكمه، وآمنوا بمتشابهه، واعتبروا بأمثاله، وأحلوا حلاله، وحرموا حرامه.
قال محمد بن الحسين رحمه الله: وقد ذكرت في تأليف كتاب المصحف، مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه الذي أجمعت عليه الأمة والصحابة، ومن بعدهم من التابعين، وأئمة المسلمين في كل بلد، وقول السبعة الأئمة في القرآن ما فيه كفاية، ولم أحب ترداده هاهنا، وإنما مرادي هاهنا ترك الجدال والمراء في القرآن، فإنا قد نهينا عنه، ولا يقول إنسان في القرآن برأيه، ولا يفسر القرآن، إلا ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم أو عن أحد من الصحابة، أو عن أحد من التابعين أو عن إمام من أئمة المسلمين، ولا يماري ولا يجادل،
فإن قال قائل: فإنا قد نرى الفقهاء يتناظرون في الفقه، فيقول أحدهم: قال الله تعالى كذا، وقال النبي كذا وكذا، فهل يكون هذا من مراء في القرآن؟
قيل: معاذ الله، ليس هذا مراء فإن الفقيه ربما ناظره الرجل في مسألة، فيقول له على جهة البيان والنصيحة حجتنا فيه قال الله تعالى كذا وقال النبي صلى الله عليه وسلم على جهة النصيحة والبيان، لا على جهة المماراة، فمن كان هكذا، ولم يرد المغالبة، ولا أن يخطئ خصمه ويستظهر عليه سلم، وقبل إن شاء الله تعالى كما ذكرنا في الباب الذي قبله، قال الحسن: المؤمن لا يداري ولا يماري، ينشر حكمة الله، فإن قبلت حمد الله وإن ردت حمد الله عز وجل وعلا، وبعد هذا فأكره الجدال والمراء ورفع الصوت في المناظرة في الفقه إلا على الوقار والسكينة الحسنة.
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: تعلموا العلم، وتعلموا للعلم السكينة والحلم، وتواضعوا لمن تتعلمون منه وليتواضع لكم من تعلمونه ولا تكونوا جبابرة العلماء، فلا يقوم علمكم بجهلكم ). [كتاب الشريعة:؟؟]
قال أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن بطة العكبري الحنبلي (ت: 387هـ): ( قال الشّيخ: فالمراء في القرآن المكروه الّذي نهى عنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ويتخوّف على صاحبه الكفر والمروق عن الدّين ينصرف على وجهين:
أحدهما قد كان، وزال وكفى المؤمنين مئونته، وذلك بفضل اللّه ورحمته، ثمّ بجمع عثمان بن عفّان رضي اللّه عنه النّاس كلّهم على إمامٍ واحدٍ باللّغات المشهورة المعروفة، وذلك أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قد كان سأل اللّه عزّ وجلّ في القرآن فقال له: " أقرئ أمّتك على سبعة أحرفٍ، وكلّها سيّان"، يعني على سبع لغات العرب، كلّها صحيحةٌ وفصيحةٌ، إن اختلف لفظها اتّفقت معانيها، فكان يقرئ كلّ رجلٍ من أصحابه بحرفٍ يوافق لغته، وبلسان قومه الّذي يعرفونه، فكان إذا التقى الرّجلان فسمع أحدهما يقرأ بحرفٍ لا يعرفه، وقد قرأ هو ذلك الحرف بغير تلك اللّغة أنكر على صاحبه، وربّما قال له: حرفي خيرٌ من حرفك، ولغتي أفصح من لغتك، وقراءتي خيرٌ من قراءتك، فنهوا عن ذلك وقيل لهم: ليقرأ كلٌّ واحدٍ منكم كما علم، ولا تماروا في القرآن، فيقول بعضكم: حرفي خيرٌ من حرفك، ولا قراءتي صوابٌ وقراءتك خطأٌ، فإنّ كلًّا صوابٌ، وكلام اللّه فلا تنكروه، ولا يردّ بعضكم على بعضٍ، فيكذّب بالحقّ، ويردّ الصّواب الّذي جاء عن اللّه عزّ وجلّ، فإنّ ردّ كتاب اللّه والتّكذيب بحرفٍ منه كفرٌ، فهذا أحد الوجهين من المراء الّذي هو كفرٌ قد ارتفع ذلك، والحمد للّه وجمع اللّه الكريم المسلمين على الإمام الّذي جمع المسلمون من الصّحابة والتّابعين على صحّته وفصاحة لغاته، وهو المصحف الّذي جمع عثمان بن عفّان رضي اللّه عنه المسلمين عليه، وترك ما خالفه، وذلك باتّفاقٍ من المهاجرين والأنصار، وأهل بدرٍ والحديبية الّذين رضي اللّه عنهم، ورضوا عنه، وسأذكر الحجّة فيما قلت، واللّه الموفّق.
- حدّثنا أبو جعفرٍ محمّد بن عمرو بن البختريّ الرّزّاز قال: نا عبد الرّحمن بن محمّد بن منصورٍ الحارثيّ، قال: نا يحيى بن سعيدٍ القطّان، قال: نا إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن عبد اللّه بن عيسى، عن عبد الرّحمن بن أبي ليلى، عن أبيّ بن كعبٍ، قال: كنت في المسجد فدخل رجلٌ فقرأ قراءةً أنكرتها عليه، ثمّ دخل رجلٌ آخر، فقرأ خلاف قراءة صاحبه، فقمنا جميعًا، فدخلنا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: قلت: يا رسول اللّه إنّ هذا قرأ قراءةً أنكرتها عليه، ثمّ دخل هذا فقرأ خلاف قراءة صاحبه فقال لهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «اقرآ لي»،
فقرآ فقال: «أصبتما»، فلمّا قال لهما النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: كبر عليّ ولا إذ كنت في الجاهليّة، فلمّا رأى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم الّذي قد غشيني ضرب في صدري ففضضت عرقًا، كأنّي أنظر إلى اللّه عزّ وجلّ فرقًا، ثمّ قال: يا أبيّ إنّ ربّي أرسل إليّ، فقال: أن اقرأ على حرفٍ قال: " فوددت أن أهوّن على أمّتي، فأرسل إليّ أن اقرأ على حرفين، فوددت أن أهوّن على أمّتي، فأرسل إليّ أن اقرأ على سبعة أحرفٍ، ولكلّ ردّةٍ مسألةٌ يسألنيها قال: قلت: اللّهمّ اغفر لأمّتي ثلاثًا، وأخّرت الثّالثة ليومٍ يحتاج فيه الخلق، وحتّى إبراهيم عليه السّلام ".
- حدّثنا أبو القاسم عبد اللّه بن محمّد بن إسحاق المروزيّ، قال: نا العبّاس بن محمّدٍ الدّوريّ، وحدّثنا أبو ذرٍّ أحمد بن محمّد بن الباغنديّ قال: نا أحمد بن يحيى السّوسيّ، قالا: نا منصور بن سلمة الخزاعيّ، وحدّثنا إسحاق بن أحمد الكاذيّ، قال: نا عبد اللّه بن أحمد بن حنبلٍ، قال: حدّثني أبي قال: نا أبو سلمة منصور بن سلمة الخزاعيّ قال: نا سليمان بن بلالٍ، قال: حدّثني يزيد بن خصيفة، قال: أخبرني بسر بن سعيدٍ، قال: أخبرني أبو جهيمٍ، أنّ رجلين، اختلفا في آيةٍ من القرآن، فقال هذا: تلقّيتها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وقال الآخر: تلقّيتها من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فسألا النّبيّ عنها فقال: «إنّ » القرآن يقرأ على سبعة أحرفٍ، فلا تماروا في القرآن، فإنّ مراءً فيه كفرٌ "
- حدّثنا أبو محمّدٍ يحيى بن محمّد بن صاعدٍ قال: نا أحمد بن سنانٍ القطّان، قال: نا يزيد بن هارون، قال: نا شريكٌ، عن عاصمٍ، عن زرٍّ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، قال: " أقرأني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سورةً فدخلت المسجد، فقلت: أفيكم من يقرأ؟ فقال رجلٌ من القوم: أنا، فقرأ السّورة الّتي أقرأنيها رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فإذا هو يقرأ بخلاف ما أقرأني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فانطلقنا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقلنا: يا رسول اللّه اختلفنا في قراءتنا، فتغيّر وجهه، فقال عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه: إنّما «أهلك من كان قبلكم الاختلاف، فليقرأ كلّ امرئٍ منكم ما أقرئ»
- حدّثنا أبو عبد اللّه الحسين بن إسماعيل المحامليّ، قال: نا أبو هشامٍ الرّفاعيّ، قال: نا أبو بكر بن عيّاشٍ، قال: نا عاصمٌ، عن زرٍّ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، قال: قلت لرجلٍ: أقرئني من الأحقاف ثلاثين آيةً، فأقرأني خلاف ما أقرأني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وقلت لآخر: أقرئني من الأحقاف ثلاثين آيةً، فأقرأني 0 خلاف ما أقرأني الأوّل، فأتيت بهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فغضب، وكان عليّ بن أبي طالبٍ عليه السّلام جالسًا، فقال عليٌّ: قال لهم: «اقرءوا كما علمتم»
قال الشّيخ: فهذا بيان المراء في القرآن الّذي يخاف على صاحبه الكفر، وقد كفي المسلمون بحمد اللّه المراء في هذا الوجه بإجماعهم على المصحف الّذي من خالفه ندّ وشرد وشذّ، فلم يلتفت إليه، ولم يعبأ اللّه بشذوذه، وقد بقي المراء الّذي يحذره المؤمنون، ويتوقّاه العاقلون، وهو المراء الّذي بين أصحاب الأهواء وأهل المذاهب، والبدع، وهم الّذين يخوضون في آيات اللّه، ويتّبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة، وابتغاء تأويله الّذي لا يعلمه إلّا اللّه والرّاسخون في العلم، يتأوّلونه بأهوائهم، ويفسّرونه بأهوائهم، ويحملونه على ما تحمله عقولهم فيضلّون بذلك، ويضلّون من اتّبعهم عليهم.). [الإبانة الكبرى: 2/ 614-618]
قال أبو زكريَّا يَحْيَى بْنُ شَرَفٍ النَّوَوِيُّ (ت: 676هـ): ([فصل]
يحرم المراء في القرآن والجدال فيه بغير حق؛ فمن ذلك أن يظهر فيه دلالة الآية على شيء يخالف مذهبه ويحتمل احتمالا ضعيفا موافقة مذهبه فيحملها على مذهبه ويناظر على ذلك مع ظهورها في خلاف ما يقول وأما من لا يظهر له ذلك فهو معذور، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((المراء في القرآن كفر)). قال الخطابي: (المراد بالمراء الشك وقيل الجدال المشكك فيه وقيل وهو الجدال الذي يفعله أهل الأهواء في آيات القدر ونحوها).). [التبيان في آداب حملة القرآن: 168]


رد مع اقتباس