تخريج لغوي
النفاثات جمعُ نَفَّاثة، على وزن فَعَّالة ، ومثال فعَّالة يرد على وجهين: على المبالغة، وعلى الجَمْع.
فأما الوجه الأول: فكما يقال: علامة وفهَّامة ونسَّابة، وهذه الصيغة إذا أفردت صلحت للذكر والأنثى؛ فيصحّ أن تقول: امرأة نفَّاثة، ورجل نفَّاثة، للمبالغة.
وجمع هذه الصيغة جمع تكسير لا إشكال فيه، ونظيره قول الراجز:
لقد علمتُ والأجلِّ الباقي ..... أن لا يردَّ الأجلَ الرواقي
قال الجوهري في الصحاح: (كأنه جمع امرأة راقية أو رجل راقية بالهاء للمبالغة).
فَجَمْعُ مثالِ المبالغة الذي يصلح للذكر والأنثى جمع تكسير معروف مستعمل، لكن جمعه جمعَ الإناث المختوم بالألف والتاء غير معروف ولا مستعمل – فيما أعلم - إلا أن يكون جَمْعَ الجمع.
والمعروف الشائع أن تجمع هذه الصيغة إذا أريد بها المذكَّر جمع تصحيح كما في قوله تعالى: {وفيكم سماعون لهم} [التوبة: 47]، وقوله: {سماعون للكذب أكالون للسحت} [المائدة: 42] أو جمع تكسير كما في المثال السابق.
وإذا أريد بها المؤنث جُمعت جمع المؤنث المختوم بالألف والتاء؛ فتقول: امرأة سحَّارة، ونساء سحَّارات.
وأما الوجه الآخر: وهو أن يكون لفظ (نَفَّاثة) جمعاً على مثال فَعَّالة؛ فهو كما يقال: رَجَّالة وخيالة ونبَّالة وعسَّاسة وسيَّارة.
قال ابن السكيت: (تقول: هؤلاء قومٌ رَجَّالة، وهؤلاءِ قومٌ خَيَّالة، أي أصحاب خيل)
ويقال: خَيلٌ لا رَجَّالةَ فيها.
والجموع التي على وزن فَعَّالة وفِعَالَة وفَاعِلَةٍ ومُفَعِّلَة ونحوها يصحّ أن تجمع جمعاً مختوماً بالألف والتاء؛ فتقول : فَعَّالات وَفِعَالات وفَاعِلات ومُفَعِّلات، تريد بذلك جَمْعَ الجَمْعِ.
- قال الله تعالى: {إنها ترمي بشرر كالقصر . كأنه جمالة صفر} وفي قراءة سبعيّة [جِمَالات صفر] ، فالجِمَالة جمع، والجِمَالات جمع الجمع.
قال الخليل بن أحمد: (فأما قوله تعالى : [كأنّه جِمالاتٌ صُفْرٌ] فهو الأيْنُقُّ السُّودُ من غير أن يُفرَد الواحد، ولكنْ يقال لكلِّ طائفةٍ منها جِمَالةٌ، والجميعُ جِمَالاتٌ وجَمائلُ).
- وقال الفرَّاء في قوله تعالى: {له معقبات}: (ملائكة معقِّبةٌ. ومعقِّبات: جمع الجمع).
والقول بأن النفَّاثَاتِ جمع الجمع تجتمع به القراءتان: {النفَّاثات} و{النافثات} لأنهما جمع نَفَّاثَةٍ وَنَافِثَة، وكلا اللفظين يصحُّ أن يرادَ به الجمع، كما تقول الخيالة والرجَّالة، وكما تقول: العادية والهادية للجماعة من الإبل أو الخيل، وتُجمع على العاديات والهاديات.
فبهذا يصحّ أن يراد بالنافثة والنفاثة الجمع، ويراد بالنفاثات والنافثات جمع الجمع.
والمتأمّل في هذا التخريج اللغوي يجده موافقاً لشمول معنى اللفظ لطوائف كثيرة تنفث وتعقد؛ فكثير من أصحاب الديانات الوثنية وهم طوائف كثيرة يستعملون السحر ويتقربون للشياطين وينفثون ويعقدون، وكذلك اليهود والنصارى فيهم سحرة، وهم طوائف كثيرة، وكذلك بعض الفرق المنتسبة للإسلام يشيع فيها عمل السحر ككثير من الطرق الصوفية الغالية، وطوائف من الرافضة، والفِرق الباطنية، وكذلك بعض الجهلة من المنتسبين للسنة، وهذه الطوائف الكثيرة المنتشرة في الأرض يشيع فيها عمل السحر، وفي الجنّ سَحرة كما روى ابن أبي شيبة بإسناده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال في الجن: (لهم سحرة كسحرتكم)، ويسنده مرسل عبد الله بن عبيد بن عمير: (الغيلان سحرة الجنّ) رواه ابن أبي الدنيا في مكايد الشيطان، وذكر النووي في المنهاج أن السَّعَالِي من سَحَرَةِ الجنّ.
وكذلك الشياطين تنفث وتعقد وهي كثيرة جداً وهذا النفث يكون لكل مسلم ومسلم حين يرقد كما سبق بيانه.
فبذلك تعلم أن الطوائف النفاثات في العُقَدِ كثيرة جداً؛ وورود هذا اللفظ بصيغة جمع الجمع أدلّ على الكثرة، وبناء مفرده على المبالغة فيه زيادة دلالة على كثرة وقوع ذلك.
فاجتمعت الكثرتان: كثرة العدد، وكثرة وقوع الفعل.
والخلاصة أن الاستعاذة بالله رب الفلق من شر النفاثات في العقد تشمل الاستعاذة من جميع طوائف السحرة من الجن والإنس، وأنه لا يحلّ عُقَدَ السحر إلا ربّ الفلق جلَّ وعلا.