عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 18 محرم 1435هـ/21-11-2013م, 04:35 AM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

ما يجوز حذفه وإثباته لغة من الياءات

قَالَ أبو بكر محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بشَّار ابن الأَنباريِّ (ت:328هـ):
(اعلم أن كل اسم منادى أضافه المتكلم إلى نفسه فالياء منه ساقطة كقوله: {يا قوم اعبدوا الله} [الأعراف: 65]، {يا قوم اذكروا} [المائدة: 20]، {ويا قوم استغفروا} [هود: 52] وكذلك قوله: {رب ارجعون} [المؤمنون: 99]، {رب اغفر لي} [الأعراف: 151]، {رب احكم} [الأنبياء: 112]، {رب انصرني} [المؤمنون: 26]، {رب قد آتيتني من الملك} [يوسف: 101]، و{رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه} [يوسف: 33]، وكذلك: {يا عباد فاتقون} [الزمر: 16]
{يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم} في سورة الزمر [10] إلا حرفين اثبتوا فيهما الياء، أحدهما في سورة العنكبوت {يا عبادي الذين آمنوا إن أرضي واسعة} [56] والآخر في الزمر: {يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم} [53].
واختلف المصاحف في حرف في سورة الزخرف: {يا عباد لا خوف عليكم اليوم} [68] فهو في مصاحف أهل المدينة بياء، وفي مصاحفنا بغير ياء، وكان أبو عمرو يثبت الياء فيها ويحتج بأنه رآها في مصاحف أهل المدينة والحجاز بياء. وكان اليزيدي يخالف أبا عمرو في هذا فيحذف الياء ويحتج بأن النداء مبناه على الحذف «يا رب، يا قوم».
فالمواضع التي حذفت منها الياء الحجة فيها أنهم اكتفوا بكسرة من الياء فحذفوها، وكثر استعمالهم لهذا الجنس فقوي الحذف، أنشد الفراء:
يا عين جودي بدمع منك مجهودا = وابك ابن أم إذا ما مات مسعودا
ويروي: وابك ابن أمي إذا ما مات مسعودا.
وقال حسان بن ثابت:
يا عين بكي سيد الناس واسفحي = بدمع فإن أنزفته فاسكبي الدما
أراد: يا عيني، فاكتفى بالكسرة من الياء. وقال الآخر:
يا نفس صبرا على ما كان من مضض = إذ لم أجد لفضول الناس أقرانا
أراد: يا نفسي، فاكتفى بالكسرة من الياء.
والوقف على الحرفين اللذين في سورة العنكبوت أحدهما والآخر في سورة الزمر بياء اتباعًا للكتاب، ولأنه أخرج على الأصل فثبتت الياء لأنها ياء المتكلم. وكل ما في كتاب الله تعالى من ذكر العباد على غير معنى النداء فالياء فيه ثابتة كقوله: {يرثها عبادي الصالحون} [الأنبياء: 105]، {قل لعبادي الذين آمنوا} [إبراهيم: 31].
{وقليل من عبادي الشكور} [سبأ: 13] فالوقف على هذا وما أشبهه بالياء إلا حرفًا في سورة الزمر: {فبشر عباد} [17] فالوقف عليه بغير ياء لأن الياء ساقطة من الكتاب.
132- وأخبرني أبو علي المقريء الدقاق قال:أقرأني محمد بن غالب عن شجاع بن أبي نصر عن أبي عمرو: {فبشر عبادي الذين} بفتح الياء. فمن أخذ بهذه القراءة وقف الباء.
فالمواضع التي أثبتت فيها الياء أخرجت على الأصل لأنها ياء المتكلم، والموضع الذي حذفت منه الياء اكتفى بالكسرة منها كما قال الشاعر:
فما وجد النهدي وجدا وجدته = ولا وجد العذري قبل جميل
أراد: قبلي جميل، فاكتفى بالكسرة منها.
والياءات المحذوفات من كتاب الله عز وجل اكتفاء بالكسرة منها على غير معنى نداء في سورة البقرة: {وإياي
[إيضاح الوقف والابتداء: 1/250]
فارهبون} [40]، {وإياي فاتقون} [42]، {واشكروا لي ولا تكفرون} [152] {أجيب دعوة الداع إذا دعان} [186]، {واتقون يا أولي الألباب} [197] وفي سورة آل عمران: {ومن اتبعن} [20]، {وقل فاتقوا الله وأطيعون} [50] {فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين} [175] وفي سورة النساء: {وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما} [146] وفي سورة المائدة: {واخشون اليوم أكملت لكم دينكم} [3]، {واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا} [44] وفي سورة الأنعام: {يقص الحق} [57] وفيها: {وقد هدان} [80] وفي الأعراف: {ثم كيدون فلا تنتطرون} [195] وفي سورة يونس: {ولا تنظرون. فإن توليتم} [71، 72]، {كذلك حقا علينا ننج المؤمنين} [103] وفي سورة هود: {فلا تسألن ما ليس لك به علم}
[46]، {ثم لا تنظرون إني توكلت} [55، 56]، {ولا تخزون في ضيفي} [78]، {يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه} [105] وفي سورة يوسف: {فأرسلون. يوسف} [45، 46]، {ولا تقربون. قالوا سنراود} [60، 61] {حتى تؤتون موثقا من الله} [66]، {لولا أن تفندون. قالوا تالله} [94، 95] وفي سورة الرعد: {الكبير المتعال} [0]، {وإليه متاب} [30]، {وإليه مآب} [36]، {فكيف كان عقاب} [32]. وفي سورة إبراهيم: {لمن خاف مقامي وخاف وعيد} [14]، {إني كفرت بما أشركتمون من قبل} [22]، {ربنا وتقبل دعاء} [40] وفي سورة الحجر: {فلا تفضحون} [68]، {ولا تخزون} [69] وفي سور النحل: {لا إله إلا أنا فاتقون} [2] وفيها: {فإياي فارهبون} [51] وفي سورة بني إسرائيل: {لئن أخرتن إلى يوم القيامة} [62] وفيها: {فهو المهتد} [97] وفي سورة الكهف: {فهو المهتد} [17]، {وقل عسى أن
يهدين ربي} [24]، {إن ترن أنا أقل منك مالا وولدا. فعسى ربي أن يؤتين خيرا من جنتك} [39، 40]، {على أن تعلمن مما علمت رشدا} [66]، {ذلك ما كنا نبغ} [64]. وفي سورة طه: {ألا تتبعن أفعصيت أمري} [93] وفي سورة الأنبياءك {لا إله إلا أنا فاعبدون} [25] {سأريكم آياتي فلا تستعجلون} [37]، {وأنا ربكم فاعبدون} [92] وفي سورة الحج: {سواء العاكف فيه والباد} [25]، {وإن الله لهاد الذين آمنوا} [54]، {فكيف كان نكير} [44] وفي سورة المؤمنين: {انصرني بما كذبون} [26]، {انصرني بما كذبون. قال عما قليل} [39، 40]، {وأنا ربكم فاتقون} [52]، {وأعوذ بك رب أن يحضرون} [98]، {قال رب ارجعون} [99]، {ولا تكلمون} [108]. وفي سورة الشعراء: {إني أخاف أن يذكبون} [12]، {فأخاف أن يقتلون} [14]، {فهو يهدين} [78]، {يطعمني ويسقين} [79]، {فهو يشفين} [80]، {ثم مبين} [81] وفيها ثمانية مواضع: {وأطيعون} [108] وفيها: {إن قومي كذبون} [117]، وفي سورة النمل: {حتى إذا أتوا على واد النمل} [18]، {أتمدونن بمال فما آتان له خير مما أتاكم} [36]، {ما كنت قاطعة أمرًا حتى تهدون} [32]، وفي سورة القصص: {فأخاف أن يقتلون} [33] {إني أخاف أن يكذبون} [34] وفي سورة العنكبوت: {فإياي فاعبدون} [56] وفي سورة الروم {وما أنت بهاد العمي} [53] وفي سورة سبأ: {وجفان كالجواب} [13]، {فكيف كان نكير} [45]، وفي الملائكة: {فكيف كان نكير. ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء} [26، 27] وفي يس: {إن يردن الرحمن بضر، ولا ينقذون} [23]، {بربكم فاسمعون} [25] وفي الصافات: {إن دكت لتردين} [56]، {إلى ربي سيهدين} [99]، {إلا من هو صال الجحيم} [163] وفي
سورة ص: {بل لما يذوقوا عذاب} [8]، {فحق عقاب} [14] وفي سورة الزمر {يا عباد فاتقون} [16]، {فبشر عباد} [17] وفي سورة المؤمن: {فكيف كان عقاب} [5]، {يوم التلاق} [15]، {يوم التناد} [32]، {يا قوم اتبعون} [38] وفي عسق: {ومن آياته الجوار} [32]، وفي الزخرف: {فإنه سيهدين} [27]، {واتبعون هذا صراط مستقيم} [61]، {وأطيعون. إن الله هو ربي وربكم} [63، 64]، وفي سورة الدخان: {أن ترجمون} [20]، {فاعتزلون} [21]، وفي سورة ق: {فحق وعيد} [14]، {يناد المناد} [41]، {من يخاف وعيد} [45]، وفي سورة الذاريات: {إلا ليعبدون} [56]، {وما أريد أن يطعمون} [57]، {فلا تستعجلون} [59] وفي القمر: {فما تغن النذر} [5]، {يوم يدع الداع إلى شيء نكر} [6]، {مهطعين إلى الداع} [8]، وفيها ستة مواضع: {عذابي ونذر} [16]، وفي سورة الرحمن: {وله الجوار المنشآت} [24]، وفي سورة الملك: {كيف نذير} [17]، {فكيف كان نكير} [18] وفي نوح {واتقوه وأطيعون} [2]، وفي المرسلات: {كيد فكيدون} [39]. وفي إذا الشمس كورت: {الجوار الكنس} [16]، وفي الفجر: {والليل إذا يسر} [4]، {جابوا الصخر بالواد} [9]، {ربي أكرمن} [15]، {ربي أهانن} [16]، وفي قل يا أيها الكافرون: {لكم دينكم ولي دين} [6].
فهذه الحروف كلها الياء منها ساقطة من المصحف، والوقف سبها بغير ياء. وما سوى هذه الحروف فهو بياء كقوله تعالى في سورة البقرة: {فلا تخشوهم واخشوني} [150] الوقف على هذا بياء. وكذلك: {فاذكروني} [152] وفي سورة آل عمران: {فاتبعوني يحببكم الله} [21] وفي هود {فكيدوني جميعا} [55] وفي يوسف: {أنا ومن اتبعني} [108] وفي الكهف: {فإن ابتعتني فلا تسألني عن شيء} [70] وهو كثير في القرآن، فكل ما أتاك سوى الحروف الأول فالياء فيه ثابتة.
واختلف القراء في الياءات المحذوفات من رؤوس الآي كقوله: {وإياي فارهبون} [البقرة: 40] {وإياي فاتقون} [البقرة: 41] فكان القراء أجمعون يحذفونها في الوصل والوقف إلا عيسى بن عمر فإنه كان يحذفها في الوقف ويثبتها في الوصل.
133- حدثنا بذلك عبيد الله بن عبد الرحمن قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم قال: حدثنا روح بن عبد المؤمن عن أحمد بن موسى عن عيسى بن عمر بذلك.
134- وقال إسماعيل بن مسلم: كان الحسن إذا وصلها جرها وأشمها الياء، حدثنا بذلك إدريس عن خلف عن الخفاف عن إسماعيل.
135- فمن حذفها في الوصل والوقف احتج أن رؤوس الآيات فصل بينها وبين ما بعدها، واحتجوا أيضًا بحديث حدثناه، سليمان بن يحيى الضبي قال: حدثنا محمد بن سعدان قال: حدثنا يحيى بن سعيد الأموي عن ابن جريج عن عبد الله بن أبي مليكة عن أم سلمة: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ قطع قراءته آية آية يقول: بسم الله الرحمن الرحيم. ثم يقف ثم يقول: الحمد لله رب العالمين. ثم يقف. ثم يقول: الرحمن الرحيم مالك يوم الدين». قال محمد بن سعدان: فقلنا ليحيى هكذا قرأ النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: هكذا قال ابن جريج.
واحتج أصحاب هذا المذهب أيضًا بأن رؤوس الآيات بمنزلة رؤوس الأبيات وذلك أن آخر الآية فصل بينها وبين ما بعدها كما أن آخر البيت فصل، فحذفت من رؤوس الآيات كما تحذف من أواخر الأبيات، قال الأعشى:
ومن كاشح ظاهر غمره = إذا ما انتسبت له أنكرن
أراد: أنكرني، فحذف الياء اكتفاء بالكسرة منها، وقال لبيد:
فانتضلنا وابن سلمى قاعد = كعتيق الطير يغضي ويجل
وقال الآخر:
إذا حاولت في أسد فجورا = فإني لست منك ولست من
أراد: ولست مني، فحذف وقال أيضًا:
وهم وردوا الجفار على تميم = وهم أصحاب يوم عكاظ إن
أراد: إني، فحذف.
والذين أثبتوا الياء في الوصل وحذفوها من الوقف قالوا:
أثبتناها في الوصل لأن إثباتها هو الأصل، [لأنها] ياء الإضافة، وحذفناها في الوقف اتباعًا للمصحف.
وكان يعقوب الحضرمي يثبت الياء في الوصل والوقف والحجة له في هذا أنه أخرجه على الأصل.
واختلف القراء في الياءات التي في قوله: {يوم يدع الداع} [القمر: 6] و{أجيب دعوة الداع} [البقرة: 186] {يناد المناد} [ق: 41]. فكان أبو جعفر وشيبة ونافع يثبتون الياء في الوصل ويحذفونها في الوقف. وكذلك كان أبو عمرو بن العلاء يثبت الياء في الوصل في «الداع والمناد وجفان كالحواب» ويحذفها في الوقف.
وكان عاصم والأعمش وحمزة والكسائي يحذفونها في الوصل والوقف. وقد تقدمت العلة في الإثبات والحذف في الباب الأول.
واختلفوا أيضًا في الياءات في قوله: {يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه} [هود: 105] و{ذلك ما كنا نبغ} [الكهف: 64]، {والليل إذا يسر} [الفجر: 4] فكان عاصم وحمزة يحذفان في الوصل والوقف.
وكان نافع وأبو عمرو يثبتان الياء في الوصل ويحذفانها في فمن أثبتها في الوصل قال: هي حرف من الفعل. من أن تأتي على وزن «يفعل» فالياء بحذاء السلام. ما في الوصل لأنها حرف من الفعل وحذفناها في اتباعًا للمصحف.
وكان الكسائي يثبت الياء في قوله: (ذلك ما كنا نبغي) وصل ويحذفها في الوقف. قال الفراء: فسألت الكسائي عن ذلك فقال: أستجيز أن أحذف الياء في السكت لأن سكون عليه مجزوم فاستجزت الحذف للجزم فإذا وصلت كانت في موضع رفع فأثبتها.
136- أخبرنا محمد قال: أخبرنا إسماعيل بن إسحاق قال: حدثنا قالون عن نافع أنه كان يقرأ في الكهف: {فلا تسألني عن شيء} [الكفه: 70] ويقول: الياء مكتوبة. وفي هود: {فلا تسألن} [46ي بنصب اللام وخفض النون بغير ياء.
137- وحدثنا بهذا أيضًا إدريس عن خلف عن المسيبي عن نافع.
والذين حذفوها في الوصل والوقف قالوا: اكتفينا بالكسرة من الياء واجتمع لنا مع هذا موافقة المصحف. قال الفراء:
سمعت العرب تقول: «لا أدر، ولا لعمر» فيحذفون الياء في السكوت، وأنشد:
ليس يخفي يسارتي قدر يوم = ولقد تخف شيمتي إعساري
أراد: تخفي، فاكتفى بالكسرة من الياء. وقال:
كفاك كف ما تليق درهما = جودا وأخرى تعط بالسيف الدما
وقال أبو خراش:
ولا أدر من ألقى عليه رداءه = خلا أنه قد سل عن ماجد محض
أراد: ولا أدري، فاكتفى بالكسرة من الياء. وكان يعقوب الحضرمي يثبت الياء في جميع هذه الحروف في الوصل والوقف ويحتج بأن إثباتها هو الأصل.
138- وحدثنا عبيد الله بن عبد الرحمن قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم قال: حدثنا أبو عبيد قال: حدثنا حجاج عن هارون قال: في مصحف أبي وعبد الله بن مسعود: (يوم يأتي لا تكلم) بالياء. قال أبو عبيد: ورأيت أنا في الذي يقال إنه الإمام مصحف عثمان، رحمة الله عليه، (يوم يأت لا تكلم) بغير ياء.
وكان الأصل في هذه الحروف: «ما كنا نبغي، يوم يأتي، ينادي المنادي، والليل إذا يسري» فاستثقلوا الضمة في الياء فحذفوها فبقيت الياء ساكنة فاكتفى بالكسرة منها.
وكان أبو عمرو يفتح الياء في قوله: {فما آتاني الله خير مما آتاكم} [النمل: 36] فيلزمه أن يقف عليه بالياء.
وما سوى هذه الحروف فالوقف عليه بياء، والياء ثابتة فيه في المصحف كقوله: {يوم تأتي السماء بدخان مبين} [الدخان: 10] الوقف عليه (تأتي) بياء. وكذلك: {إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة} [الأنفال: 50] الوقف عليه (يتوفى) بياء وكذلك: {ولو يرى الذين ظلموا} [البقرة: 165] تقف عليه (يرى) {إنما يوفى الصابرون} [الزمر: 10] (يوفى) بياء. {فسيرى الله عملكم} [التوبة: 105] (فسيرى). {الله يتوفى الأنفس} [الزمر: 42] (يتوفى)، {ويخشى الناس} [الأحزاب: 37] (ويخشى).
وكل ما كان خارجًا من الحروف التي عددتها أولاً
فالوقف عليه بياء. وقوله: {أتمدونن بمال} [النمل: 36] اختلف القراء فيه فكان نافع يقرأ: (أتمدونني بمال) بإثبات الياء. وكان عاصم والكسائي يقرآن: (أتمدونن بمال) بخفض النون مع حذف الياء. وكان أبو عمرو يقرأ (أتمدونني بمال) بإثبات الياء في الوصل وحذفها من الوقف. وكان حمزة يقرأ: (أتمدوني) بنون مشددة ويقف بالياء، وكذلك يصل.
قال أبو عبيد: الاختيار عندنا قراءة عاصم والكسائي لأنه ليست فيها قراءة أشد موافقة للكتاب منها، إنما هما نونان في كل المصاحف.
واعلم أن الواو ثابتة في كل فعل لم يدخل عليه ما يجزمه
كقوله في سورة الرعد: {يمحو الله ما يشاء وثبت} [39]، الوقف على هذا (يمحو) لأنه في موضع رفع بالياء التي في أوله، علامة الرفع فيه سكون الواو، وذلك أنك تقول في النصب: «لن يمحو» وتقول في الجزم «لم يمح» فتجد الواو مفتوحة في النصب ومحذوفة في الجزم. فإذا سكنت كان سكونها علامة الرفع.
وقد حذفت الواو من أربعة أفعال مرفوعة أولها: {ويدع الإنسان بالشر} [الإسراء: 11] الوقف عليه (ويدع) بلا واو. وكذلك: {ويمح الله الباطل} [الشورى: 24] تقف عليه (ويمح) بلا واو. وهو في موضع رفع على الاستئناف، ولا يجوز أن يكون مجزومًا على معنى: «فإن يشأ الله يختم على قلبك ويمح» لأن الله تعالى قد شاء أن يمحو الباطل، فقال تعالى: {ليحق الحق ويبطل الباطل} [الأنفال: 8] والحجة في هذا أنهم اكتفوا بالضمة من الواو، وأنشد الفراء:
إذاه سيم الخسف آلي بقسم = بالله لا يأخذ إلا ما احتكم
أراد: إذا هو، فحذف الواو.
وقال أبو جعفر محمد بن سعدان: الوقف على قوله: (ويمح الله الباطل) (ويمح) بلا واو لأنه نسق على الجزاء، وهذا لا يصح للعلة التي تقدمت.
والحرف الثالث: (يوم يدع الداع) [القمر: 6] تقف عليه (يدع) بلا واو، والحرف الرابع {سندع الزبانية} [العلق: 18] الوقف عليه (سندع)، والعلة في هؤلاء الأربعة أنهم اكتفوا بالضمة من الواو فأسقطوها، ووجدوا الواو ساقطة من اللفظ لسكونها وسكون اللام فبني الخط على اللفظ.
وحكى الكسائي عن العرب: أقبل يضربه لا يأل، أراد: لا يألو، فاكتفى بالضمة من الواو.
واعلم أن واو الجمع ثابتة في القرآن كله كقوله {إنهم صالو النار} [ص: 59] الوقف عليه (صالوا)، وكان الأصل فيه «صالون» فأسقطوا النون للإضافة وأسقطوا الواو لسكونها وسكون اللام. وكذلك: {إنا مرسلو الناقة} [القمر: 27] الوقف عليه (مرسلو)، {إنا كاشفو العذاب} [الدخان: 15] الوقف عليه «كاشفو». وكذلك {قالوا الحق} [سبأ: 23] الوقف عليه (قالوا) وكذلك: {ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله} [الأنعام: 108] الوقف عليه (تسبوا) وموضع (تسبوا) جزم على النهي بـ(لا)، كان الأصل فيه «تسبون» فسقطت النون للجزم. وكذلك: (فيسبوا الله عدوا) الوقف عليه (فيسبوا) وموضع «يسبوا» نصب بالفاء، لأنها جواب النهي، علامة النصب فيه سقوط النون. ومثله: {يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم} [الأنفال: 27] الوقف على الأول والثاني (تخونوا) بالواو لأنها واو الجمع، ولم تحذف الواو إذا كانت علامة الجمع في كتاب الله إلا في حرف واحد حكاه الفراء: {نس الله فنسيهم} [التوبة: 67] قال الفراء: الواو ساقطة من المصحف، فالوقف عليه (نس) بلا واو، والعلة في هذا أنهم وجدوا الواو ساقطة من اللفظ لسكونها وسكون اللام فبنوا الخط على اللفظ، واكتفوا بالضمة من الواو.
قال أبو بكر: والذي وجدناه في مصاحفنا (نسوا) بالواو، فالوقف عليه بالواو. والذي مضى حكاه بعض أصحابنا عن الفراء متأولاً عليه، وكلام الفراء لا يدل على حذف الواو من (نسوا) في الخط، وحذف واو الجمع موجود كثير في كلام العرب، أنشدني أبي قال: أنشدنا أبو الفتح النحوي
متى تقول خلت من أهلها الدار = كأنهم بجناحي طائر طار
أراد: طاروا فاكتفى بالضمة من واو الجمع. وأنشدني أبي قال: أنشدنا أبو الفتح:
فلو أن الأطبا كان حولي = وكان مع الأطباء الشفاة
إذا ما اذهبوا وجدا بقلبي = وإن قيل الشفاة هم الأساة
أراد: كانوا، فحذف واو الجمع. وأنشد الفراء في البيت الأول:
وكان مع الأطباء الأساة
وأنشد في البيت الثاني:
وإن قيل الأطباء الشفاة
وأنشد الفراء:
إذا ما شاء ضروا من أرادوا = ولا يألوا لهم أحد ضرارا
وأنشدني أبي قال: أنشدنا أبو موسى هارون بن الحارث صاحب هشام بن معاوية الضرير:
شبوا على المجد وشابوا واكتهل = لو أن قومي حين أدعوهم حمل
على الجبال الصم لأرفض الجبل أراد: اكتهلوا وحملوا، فاكتفى بالضمة من واو الجمع ثم سكن اللام للقافية، وقال الآخر:
جزيت ابن أوفى بالمدينة قرضه = وقلت لشفاع المدينة أوجف
وقال الآخر:
لو ساوفتنا بسوف من تحيتها = سوف العيوف لراح الركب قد قنع
أراد: قد قنعوا، فحذف. وقال الآخر:
راحت بأعلاقه حولا يمانيه = تدعوا العرانين من بكر وما جمع
أراد: وما جمعوا، فحذف واو الجمع.
واعلم أن الفعل إذا تقدم كان موحدًا مع الاثنين والجمع من ذلك قوله تعالى: {أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها} [النساء: 75] تقف عليه (الظالم) بلا ياء لأن معناه «التي ظلم أهلها». فالفعل متقدم. وتقف على قوله: {إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم} [النساء: 97] (ظالمي) بالياء لأنه متأخر بعد الأسماء، كان الأصل فيه: «ظالمين أنفسهم» فسقطت النون للإضافة، وموضع «ظالمين» نصب على القطع من الهاء والميم في (توفاهم). وتقف على قوله: {قال رجلان من الذين يخافون} [المائدة: 23] [قال]، {وقال نسوة في المدينة} [يوسف: 30] (وقال) فنوحده، لأنه فعل متقدم. وتقف على قوله: {ولقد آتينا داود وسليمان علما وقالا الحمد لله} [النمل: 15] (وقالا) لأنه فعل متأخر. وكذلك:
{فلما أثقلت دعوا الله ربهما} [الأعراف: 189] تقف عليه (دعوا). وكذلك: {واستبقا الباب} [يوسف: 25] تقف عليه (واستبقا). وكذلك: {وألفيا سيدها} [يوسف: 25] تقف عليه (وألفيا). ومعنى ألفيا وجدا.
قال الشاعر:
حفظت الذي ألفيت شيخك قد بنى = فأسست بنيانا له ليس يهدم
أراد: حفظت الذي وجدت. وتقف على قوله تعالى: {قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة} [إبراهيم: 31] (يقموا). وكذلك: {وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن} [الإسراء: 53] (يقولوا). {وأثاروا الأرض} [الروم: 9] (أثاروا). {وامتازوا اليوم} [يس: 59] (وامتازوا). تقف على هذا وما أشبهه بالواو لأنه فعل
متأخر بعد الفاعلين.
وتقف على قوله: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم} [البقرة: 21] (يا أيها) لأن الأصل فيه «يا هؤلاء الناس» فاكتفى بـ«الناس» من «أولاء» فحذفوا. وكذلك: {يا أيها النبي} [الأنفال: 65] تقف (يا أيها) لأن الأصل فيه «يا أيهذا النبي» فاكتفى بـ«النبي» من «ذا». قال الشاعر:
ألا أيهذا المنزل الدارس الذي = كأنك لم يعهد بك الحي عاهد
فأخرجه على أصله. وقال الآخر:
ألا أيهذا الزاجري أحضر الوغي = وأن أشهد اللذات هل أنت مخلدي
وقال الأخر:
ألا أيهذا لباخع الوجد نفسه = لشيء نحته عن يديه المقادر
ومن العرب من يقول: يأيه النبي، ويأيه الرجل. أنشد الفراء:
يا أيه القلب اللجوج النفس = أفق عن البيض الحسان اللعس
ولا يجوز أ، يقرأ أحد بهذه اللغة لأنها تخالف المصحف. فكل ما في كتاب الله من ذكر «يا أيها» فالوقف عليه بألف إلا ثلاثة أحرف في سورة النور: {وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون} [31] وفي سورة الزخرف: {وقالوا يا أيه الساحر} [49] وفي سورة الرحمن: {سنفرغ لكم آيه الثقلان} [31] فالوقف على هؤلاء الثلاثة بغير ألف اتباعًا
للمصحف. وكان عبد الله بن عامر بضم الهاء في هؤلاء المواضع الثلاثة. وقد اختلف القراء في الوقف عليهن. فكان أبو عمرو والكسائي يقفان عليهن بالألف. وكان الكسائي يقول: هذا من عمل الكاتب. وكان نافع يقف عليهن بغير ألف اتباعًا للكتاب.
فمن وقف عليهن بالألف قال: الأصل إثبات الألف. ومن حذفها قال: اكتفيت بالفتحة منها. وقال السجستاني: لا بد من إثبات الواو في الوقف في قوله: {ويدع الإنسان} [الإسراء: 11] {سندع الزبانية} [العلق: 18]، {ويمح الله الباطل} [الشورى: 24]
وهذا غلط منه لأن العرب حذفت واو الجمع، فحذف واو الجمع أغلظ من حذف لام الفعل فإذا جاز حذف ما يدل في الجمع كان حذف ما لا يدل على معنى أسهل. ويدل على بطلان قوله اجتماع المصاحف على حذف اللام. يقاس على منا إن شاء الله). [إيضاح الوقف والابتداء: 1/246-280]

رد مع اقتباس