عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 18 محرم 1435هـ/21-11-2013م, 04:35 AM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

الياءات اللواتي في أواخر الأسماء

قَالَ أبو بكر محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بشَّار ابن الأَنباريِّ (ت:328هـ):
(
اعلم أن الياء إذا سكنت ولقيها تنوين سقطت كقوله عز وجل: {وقال للذي ظن أنه ناج منهما} [يوسف: 42] كان الأصل فيه «ناجي» فاستثقلوا الضمة في الياء فحذفوها فبقيت الياء ساكنة، والتنوين ساكن فحذفوا الياء لاجتماع الساكنين فالوقف عليه (ناج) بغير ياء لهذا المعنى.
فإن قال قائل: لم صارت الضمة تستثقل في الياء؟ فقل: لأن الضمة إعراب، والياء تكون إعرابا فكرهوا أن يدخلوا إعرابًا على إعراب. وكذلك: {والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك} [النور: 3] تقف عليه (زان) بلا ياء للعلة التي تقدمت. وكذلك {ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها} [الأعراف: 195] تقف عليه (أيد) بلا ياء. وكذلك: {إن ما توعدون لآت} [الأنعام: 134] تقف عليه (لآت).
وكذلك: {ما عندكم ينفد وما عند الله باق} [النحل: 96] نقف عليه (باق) بلا ياء وكذلك: {فمنهم مهتد} [الحديد: 26] تقف عليه (مهتد). وكذلك: {لهم من جهنم هاد ومن فوقهم غواش} [الأعراف: 41] تقف عليه (غواش).
وكذلك: {فاقض ما أنت قاض} [طه: 72] والأصل في هذا كله «زاني، أم لهم أيدي، لآتي، باقي، قاضي» فاستثقلوا الضمة في الياء فحذفوها فسكنت الياء فسقطت لسكونها وسكون التنوين.
قال أبو بكر: هذا مذهب القراء أجمعين، ومذهب الفراء والكسائي ومن قال بقولهما. وكان بعض البصريين يقف على هذا كله بالياء، فيقل: (لا ينكحها إلا زاني) بياء ويقف على قوله: (ومن فوقهم غواش) غواشي بياء. ويقف على قوله: (إن ما توعدون لآت) (لآتي) بياء. وكذلك ما أشبه هذا. وقد روي هذا عن بعض قراء البصريين واحتجوا بأن الياء حذفت في الوصل لسكونها وسكون التنوين، فإذا وقفنا زال التنوين الذي أسقط الياء فرجعت الياء. وأبطل الكسائي والفراء هذا وقالا: الكلام بني وقفه على وصله، فلا يحدث في الوقف ما لا يكون في الوصل.
وتحذف أيضًا الياء من المخفوض إذا لقيها التنوين كقوله: {فمن اضطر غير باغ} [البقرة: 173] تقف عليه (باغ) بلا ياء. وكذلك: {فما له من هاد} [الرعد: 33]
تقف عليه (هاد) بلا ياء والأصل فيه «غير باغي، من هادي» استثقلوا الكسرة في الياء فحذفوها فبقيت الياء ساكنة والتنوين ساكن فأسقطوها لسكونها وسكون التنوين.
فإن قال قائل: لم استثقلوا الكسرة في الياء؟ فقل: لأن الكسرة إعراب والياء تكون إعرابًا، فكرهوا أن يدخلوا إعرابًا على إعراب، وقبل الياء كسرة فثقلت الياء والضمة معها، وكذلك الكسرة والياء.
واعلم أن العرب تستثقل الضمة والكسرة في الياء المكسور ما قبلها ولا يستثقلون الفتحة فيها فيقولون: هذا قاض وهذا داع على معنى هذا قاضي وداعي، ومررت بداع وقاضي على معنى: مررت بقاضي وداعي، فاستثقلوا الضمة والكسرة في الياء فأسقطوهما. ويقولون في النصب: رأيت داعيا وقاضيا وراميًا، فيثبتون الفتحة، ولا يستقلونها في
الياء. من ذلك قول الله تعالى: {يا قومنا أجيبوا داعي الله} [الأحقاف: 21]، {ومن لا يجب داعي الله} [الأحقاف: 32] أثبت الفتحة في الياء ولم يسقطها. والعلة في هذا أنهم استثقلوا الضمة والكسرة في الياء لثقلهما لأنهما تخرجان بتكلف شديد، ولم يستثقلوا الفتحة فيها لأن الفتحة تخرج مع النفس بلا مؤونة، وأنت تجد ذلك إذا امتحنت نفسك.
ومن العرب من يستثقل الفتحة في الياء فيسقطها فيقول: (أجيبوا داعي الله) فيسكن الياء ويسقطها من اللفظ لسكونها وسكون اللام. ويقولون أيضًا: «رأيت قاض وداع ورام» فيجعلون النصب بمنزلة الرفع والخفض. قال بشر بن أبي خازم:
كفى بالنأي من أسماء كاف = وليس لسقمه إذ طال شاف أراد: كفى بالنأي من أسماء كافيًا، فأسقط الياء في النصب،
وقال جرير:
فكسوت عار جنبه فتركته = جذلان جاد قميصه ورداؤه
الجذلان: الفرح. وقال عمر بن أبي ربيعة
كم قد ذكرتك لو أجزى بذكركم = يا أشبه الناس كل الناس بالقمر
لأجذل أن أمشي مقابله = حبا لرؤية من أشبهت في الصور
أراد: أن أمشي مقابله، فسكن الياء على ما ذكرنا.
قال أبو بكر: فإذا أضفت هذه الأسماء إلى شيء بعدها أثبت الياء في الوقف وحذفتها في الوصل كقوله تعالى: {إلا آتي الرحمن عبدا} [مريم: 93] إذا اضطررت إلى الوقف على (آتي) وقفت عليه (آتي) بياء. وكذلك: {وما كنا مهلكي القرى} [القصص: 59] تقف عليه (مهلكي). وكان الأصل فيه «مهلكين القرى» فسقطت النون للإضافة وسقطت الياء من اللفظ لسكونها وسكون اللام وثبتت في الوقف لأنه لم يجتمع معها في الكلمة ساكن يوجب لها السقوط، إنما أتى الساكن في حرف آخر. وكذلك: {غير محلي الصيد} [المائدة: 1] تقف عليه (غير محلي). {غير معجزي الله} [التوبة: 2] تقف عليه (غير معجزي). {والمقيمي الصلاة} [الحج: 35] تقف عليه (والمقيمي) بياء. وكان الأصل فيه «غير محلين الصيد، غير معجزين الله، والمقيمين الصلاة» فسقطت النون للإضافة وسقطت الياء من اللفظ لسكونها وسكون اللام، وثبتت في الوقف لأنه لم يجتمع معها في الكلمة ساكن يوجب لها السقوط.
وحذفوا الياء من أربعة أحرف مضافة: {وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم} [الحج: 54] {حتى إذا أتوا على واد النمل} [النمل: 18]، {وما أنت بهادي العمي} في سورة الروم [53] {إلا من هو صال الجحيم} [الصافات: 163] والعلة في هذا أنهم بنوا الخط على الوقف.
واختلف القراء في هذا فكان حمزة والكسائي يقفان على (صال الجحيم) (صال) بغير ياء اتباعًا للكتاب. واختلفوا في الوقف على (واد النمل) فكان الكسائي يقف عليه (وادي) الياء ويقول: اسمه وادي، فلا يتم إلا بالياء. وكان حمزة يقف عليه بغير ياء اتباعًا للكتاب. واختلفوا في قوله (وما أنت بهاد العمي) فكان أبو جعفر وشيبة وعاصم ونافع وأبو عمرو والكسائي يقرؤونها: (بهاد العمي) بالإضافة.
وكان يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة يقرؤونها: (تهدي العمي) بالتاء ونصب (العُمي). وكان عبد الله بن عامر الشامي يقرؤها: (وما أنت بهادي العمي) بتنوين «هاد» ونصب (العمي). وكان الكسائي يقف (بهادي) بإثبات الياء في سورة النمل والروم، والحجة له في هذا أن الياء لم يقارنها ساكن يوجب لها السقوط. وقال الكسائي: من قرأها (تهدي العمي) وقف على الياء.
قال أبو بكر: يجوز عندي لمن قرأها (تهدي العمي) أن يقف (تهدِ) بغير ياء، لأن العرب تكتفي بالكسرة من الياء فتحذفها، من ذلك قوله: {ذلك ما كنا نبغ} [الكهف: 64]، {ويوم يأت} [هود: 105].
وسنذكر هذا مستقصى إن شاء الله. ومن قرأها: {وما أنت بهاد العمي} [الروم: 53] بتنوين «هاد» وقف (بهاد) بغير ياء لأن الأصل فيه (بهادي العمي) فاستثقلوا الكسرة في الياء فحذفوها فبقيت الياء ساكنة، والحرف الذي لقيها ساكن فأسقطوا الياء لاجتماع الساكنين. وأسقطوا الياء في الرفع مع الألف واللام في قوله: {يوم يدع الداع} [القمر: 6] وكذلك: {وله الجوار المنشآت} [الرحمن: 24] وكذلك: {يوم يناد المناد} [ق: 41] وحذفوها في الخفض مع الألف واللام في قوله: {أجيب دعوة الداع} [البقرة:
186] وفي قوله: {مهطعين إلى الداع} [القمرك 9] وحذفوها من «المهتدي» في جميع القرآن إلا في الحرف الذي في سورة الأعراف: {من يهد الله فهو المهتدي ومن يضلل فأولئك هم الخاسرون} [178].
فالموضع الذي ثبتت فيه الياء خرج على أصله وحقه لأن الأصل فيه «يوم يدع الداعي، وله الجواري، فهو المهتدي» فاستثقلوا الضمة في الياء فحذفوها فبقيت ساكنة ولم يلقها ساكن يوجب لها السقوط، والموضع الذي حذفت منه الياء بنيت فيه المعرفة على النكرة واكتفى بالكسرة من الياء فسقطت الياء. وهذه لغة سائرة فاشية عند العرب، قال محمد بن سعدان: سمعت الكسائي يقول: العرب تقول: هذا الوال والوالي، وهذا القاض والقاضي، وهذا الرام والرامين والداع والداعي.
وقال كعب بن مالك الأنصاري حجة لحذف الياء:
ما بال هم عميد بات يطرقني = بالواد من هند إذ تعدو عواديها
أراد: بالوادي من هند، فاكتفى بالكسرة من الياء وحذفها. وقال كعب بن مالك أيضًا:
ولكن ببدر سائلوا عن بلائنا = على الناد والأنباء بالغيب تنفع
أراد: على النادي، فاكتفى بالكسرة من الياء، وقال الأعشى:
وأخو الغوان متى يشأ يصرمنه = ويكن أعداء بعيد وداد
أراد: أخو الغواني، فاكتفى بالكسرة من الياء. وقوله عز وجل: {يومئذ يتبعون الداعي} [طه: 108] لا يجوز حذف الياء لأنها مفتوحة. والفتحة لا تستثقل في الياء لأنها تخرج مع النفس بلا مؤونة، فلم يجز أن يكتفي بالكسرة من ياء مفتوحة.
فإن قال قائل: هلا بنيت المعرفة على النكرة؟ فقل: إذا بنيت المعرفة على النكرة ثبتت الياء. وذلك أني أقول في الرفع والخفض: هذا داع وقاض، ومررت بداع وقاض، فأجد الياء ساقطة فيهما فإذا بنيت المعرفة على هذا جاز الحذف، وأقول في النصب: رأيت داعيًا وقاضيًا، فأجد الياء ثابتة، فإذا بنيت المعرفة على هذا ثبتت الياء، ويجوز حذف الياء في النصب على لغة الذين يسكنونها في كل حال
). [إيضاح الوقف والابتداء: 1/233-245]

رد مع اقتباس