عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 1 محرم 1435هـ/4-11-2013م, 06:27 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

أصول علم الوقف والابتداء

قال أبو عمرو عثمانُ بنُ سَعيدٍ الدَّانِيُّ (ت:444هـ): (بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم، قال الإمام أبو عمرو عثمان بن سعيد بن عثمان المقرئ رضي الله عنه وأرضاه: حمدا لله المتفرد بالقدرة، المتوحد بالكبرياء والعظمة، الذي استوجب الحمد على خلقه، وجعله فرضًا لتأدية حقه، أحمده شاكرًا لما سلف من آلائه، وملتمسًا للمزيد من نعمائه، وأصلي على نبيه محمد خاتم رسله وأنبيائه، صلى الله عليه وعلى آله وسلم تسليمًا.
أما بعد، فهذا كتاب الوقف التام والوقف الكافي والحسن في كتاب الله، عز وجل، اقتضبته من أقاويل المفسرين، ومن كتب القراء والنحويين، واجتهدت في جمع متفرقه، وتمييز صحيحه، وإيضاح مشكله، وحذف حشوه، واختصار ألفاظه، وتقريب معانيه، وبينت ذلك كله وأوضحته، ودللت عليه، ورتبت جمعيه على السور نسقًا واحدًا إلى آخر القرآن على قدر طاقتي، وانتهاء معرفتي. ولم أخله مع ذلك في المواضع التي يحتاج إليها، من حديث مسند، وتفسير، وقراءة، ومعنى، وإعراب، من غير أن أستغرق في ذلك، أو أستقصي جميعه، إذ كان سلفنا، رحمهم الله، قد كفونا ذلك، وشفوا منه في كتبهم وتصنيفهم، ولأن غرضنا في هذا الكتاب القصد إلى الإيجاز، والاختصار دون الاحتفال والإكثار، لكي يخف متناوله، وتقرب فائدته، ويعم نفعه المبتدئ الطالب والمتناهي الثاقب، وبالله عز وجل أستعين على ما أملته وقصدته، وإياه أسأل التوفيق والإلهام للصواب من القول والعمل، وعليه أتوكل. وهو حسبي ونعم الوكيل).
[المكتفي : 129]
قال أبو الأصبغِ عبدُ العزيزِ بنُ عليٍّ ابنُ الطحَّان الإشبيليّ (ت:560هـ): (وقد نهج علماؤنا رحمة الله عليهم السبيل إلى معرفة الوقف وأقسامه بما نذكره مقتضبًا، إيتاءً على جميع أحكامه، بتوفيق الله وإنعامه.
فصل: روى أبي بن كعب رضي الله عنه قال: أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (إن الملك كان معي فقال: اقرأ القرآن، فعدّ حتى بلغ سبعة أحرف، فقال: ليس منها إلا شافٍ كافٍ ما لم تختم آية رحمة بآية عذاب، أو آية عذاب بآية رحمة).
قال علماؤنا، فهذا تعليم التمام من رسول الله صلى الله عليه وسلم عن جبريل عليه السلام، إذ ظاهره دال على أنه ينبغي أن يقطع على الآية التي فيها ذكر النار والعقاب ويفصلها مما بعدها، إن كان بعدها ذكر الجنة أو الثواب، وبالضد ذلك لازم أيضًا، يقطع القارئ على قوله تعالى: {فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} ولا يصله بقوله: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات} ويقطع على {الصالحات} فإن فعل جعل الفريقين في جهة واحدة.
ومثله: {وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار} يقطع ويبتدئ: {الذين يحملون العرش...}. هذان مثالان يقاس عليهما ما كان بمعناهما، وما يُخْشَى فيه صرف جملتين إلى معنى إحداهما، أو قطع جملة عن حقها فيما بعدها، كما قال ميمون بن مهران: «إني لأقشعر من قراءة أقوام، يرى أحدهم فيما عليه ألا يقصر عن العشر، إنما كانت القرّاء تقرأ القصص، إن طالت أو قصرت، يقرأ أحدهم اليوم: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون}. قال: ويقوم في الركعة الثانية فيقرأ: {ألا إنهم هم المفسدون}».
وروى ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اقرأ علي. فقلت: له: أقرأ عليك وعليك أنزل؟ فقال: إني أحب أن أسمعه من غيري. قال: فافتتحت سورة النساء، [فلما بلغت]: {فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا
بك على هؤلاء شهيدا}. قال: فرأيته وعيناه تذرفان، فقال لي: حسبك).
قالوا: وهذا دليل على جواز القطع على الكافي، لأن {شهيدًا} ليس بتامّ، وهو متعلق بما بعده معنى.
وروت أم سلمة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان يقطع قراءته آية آية. يقول: {بسم الله الرحمن الرحيم} ثم يقف، ثم يقول: {الحمد لله رب العالمين} ثم يقف، ثم يقول: {الرحمن الرحيم} [ثم يقف).
قالوا: وهذا دليل على القطع الحسن، غير أنه إن كان رأس آية فللقارئ الابتداء بما بعده أخذًا بهذا الحديث، وإن لم يكن رأس آية لم يبتدئ، لأن النظم يُطالب بالوصل، لانتصار ثلله مع الفصل.
فاغتنم آجرك الله أيها التالي كتاب الله، في انتحالك السرد الذي يقيم مفصلاته، ويظهر ما بطن من محكماته).
[نظام الأداء : 1/23-27]

قالَ عبدُ الرَّحمن بنُ عُمَرَ بنِ رَسْلانَ البُلقِينيُّ (ت: 824هـ): (النوع التاسع عشر والعشرون وهما من أنواع الأداء: الوقف والابتداء
هذان نوعان مهمان، وقد أفردهما العلماء بالتصنيف، ولأبي عمرو الداني، في ذلك كتاب لطيف، وذكر في "التيسير" الكلام على الوقوف على أواخر الكلم، وعلى الوقوف على مرسوم المصحف.
فقال في الأول: ثم إن القراء يقفون على أواخر الكلمات المتحركات في الوصل بالسكون لا غير لأنه الأصل، ووردت الرواية عن الكوفيين وأبي عمرو بالوقف على ذلك بالإشارة إلى الحركة، وسواء كان ذلك إعرابا أو بناء، والإشارة تكون روما وإشماما، والباقون لم يأت عنهم في ذلك شيء، واستحب أكثر شيوخنا من أهل الأداء أن يوقف في قراءتهم بالإشارة لما في ذلك من البيان. وحقيقة الروم والإشمام تتلقى من كتب القراءات.

والروم يكون في الرفع والضم والخفض والكسر، وأما النصب والفتح فلا يستعملونه لخفتهما.
وأما الإشمام ففي الرفع والضم لا غير.
وهذا في حركة الإعراب اللازمة وفي البناء، أما الحركة العارضة وحركة ميم الجمع فمن ضمهما عمل بالأصل، فلا تجوز الإشارة إليهما بروم ولا إشمام، لذهابهما عند الوقف أصلا. وكذلك هاء التأنيث لا ترام ولا تشم، لكونها ساكنة لا حظ لها في الحركة.
وقال في الثاني: إن جمهور القراء يقفون على مرسوم المصحف، وروى عن نافع وأبي عمرو والكوفيين. ولم يرد في ذلك شيء عن ابن كثير وابن عامر.
واختيار أئمة القراءة أن يوقف في مذهبهما على المرسوم موافقة لجمهور القراء، وورد الاختلاف عنهم في مواطن منها: أن كل هاء تأنيث رسمت في المصحف تاء على الأصل نحو {نعمت}، و{رحمت}، و{غيابت}، وشبهه، فمذهب أبي عمرو والكسائي الوقف عليها بالهاء، وتابعه البزي على {هيهات} فقط.
وكذا وقف ابن كثير وابن عامر على {يا أبت} حيث وقع، ووقف الباقون على هذه المواضع بالتاء.
ووقف الكسائي في رواية الدوري على الياء من {ويكأن الله}. وروي عن أبي عمرو أنه وقف على الكاف، والباقون على الكلمة بأسرها.
ووقفوا على لام نحو: {مال هذا الرسول} وعن الكسائي رواية على (ما) وعلى اللام، وعن أبي عمرو على (ما) فقط.
ووقف حمزة والكسائي على (أيا) في {أيا ما تدعوا}، والباقون على (ما).
ووقف أبو عمرو والكسائي بالألف في:
{أيه المؤمنون} {يا أيه الساحر}، {أيه الثقلان}، والباقون بلا ألف، والكسائي على {واد النمل} خاصة بالياء، والباقون بدونها.
وتفرد البزي بزيادة هاء السكت في الوقف على (ما) الاستفهامية مجرورة بحرف، وسكنها غيره. وللباب تتمات تعرف من كتب القراءات). [مواقع العلوم: 82-84]

من زعم ببدعية علم الوقف والابتداء

قالَ جلالُ الدينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أبي بكرِ السيوطيُّ (ت: 911هـ): (السادس: حكى ابن برهان النحوي عن أبي يوسف القاضي صاحب أبي حنيفة: أنه ذهب إلى أن تقدير الموقوف عليه من القرآن بالتام والناقص والحسن والقبيح وتسميته بذلك: بدعة ومتعمد الوقوف على نحوه مبتدع قال: لأن القرآن معجز وهو كالقطعة الواحدة فكله قرآن وبعضه قرآن وكله تام حسن وبعضه تام حسن). [الإتقان في علوم القرآن: 2/؟؟]

الرد على من زعم بدعيته
قالَ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ بَهَادرَ الزَّرْكَشِيُّ (ت: 794هـ): (وذهب أبو يوسف القاضي صاحب أبى حنيفة إلى أن تقدير الموقوف عليه من القرآن التام والناقص والحسن والقبيح وتسميته بذلك بدعة، ومتعمد الوقف على نحوه مبتدع.
قال: لأن القرآن معجز، وهو كالقطعة الواحدة؛ فكله قرآن، وبعضه قرآن، وكله تام حسن، وبعضه تام.
حكى ذلك أبو القاسم ابن برهان النحوي عنه).
[البرهان في علوم القرآن: 1/354]
قالَ جلالُ الدينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أبي بكرِ السيوطيُّ (ت: 911هـ): (والأصل فيه: ما أخرج النحاس، قال: حدثنا محمد بن جعفرالأنباري حدثنا هلال بن العلاء بن أبي وعبد الله بن جعفر، قالا: حدثنا عبد الله بن عمر الزرقي عن زيد بن أبي أنيسة عن القاسم بن عوف البكري، قال: سمعت عبد الله ابن عمر، يقول: (لقد عشنا برهة من دهرنا وإن أحدنا ليؤتى الإيمان قبل القرآن وتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فنتعلم حلالها وحرامها وما ينبغي أن يوقف عنده منها كما تتعلمون أنتم القرآن اليوم ولقد رأينا اليوم رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدري ما آمره ولا زاجره ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه)، قال النحاس: فهذا الحديث يدل على أنهم كانوا يتعلمون الأوقاف كما يتعلمون القرآن.
وقول ابن عمر: (لقد عشنا برهة من دهرنا) يدل على أن ذلك إجماع من الصحابة ثابت.
قلت: أخرج هذا الأثر البيهقي في سننه.
وعن علي في قوله تعالى: {ورتل القرآن ترتيلا} الآية [المزمل: 4]، قال: (الترتيل تجويد الحروف ومعرفة الوقوف)). [الإتقان في علوم القرآن: 2/؟؟]
قال أحمدُ بنُ عبد الكريمِ بنِ محمَّدٍ الأَشْمُونِيُّ (ت:ق11هـ): (وما حكاه ابن برهان، عن أبي يوسف صاحب أبي حنيفة من أن تسمية الوقوف بالتام والحسن والقبيح بدعة ومتعمد الوقف على ذلك مبتدع، قال: لأن القرآن معجز، وهو كالقطعة الواحدة فكله قرآن وبعضه قرآن، فليس على ما ينبغي وضعف قوله غني عن البيان بما تقدم عن العلماء الأعلام، ويبعده قول أهل هذا الفن الوقف على رؤوس الآي سنة متبعة والخير كله في الإتباع والشر كله في الابتداع، ومما يبين ضعفه ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى الخطيب لما قال من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما ووقف، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:(( بئس خطيب القوم أنت، قل ومن يعص الله ورسوله فقد غوى)) ففي الخبر دليل واضح على كراهة القطع فلا يجمع بين من أطاع ومن عصى، فكان ينبغي للخطيب أن يقف على قوله فقد رشد ثم يستأنف ومن يعصهما فقد غوى، وإذا كان مثل هذا مكروهًا مستقبحًا في الكلام الجاري بين الناس فهو في كلام الله أشد كراهة وقبحًا وتجنبه أولى وأحق). [منار الهدى: 6]


رد مع اقتباس