عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 1 محرم 1435هـ/4-11-2013م, 06:24 PM
أم سهيلة أم سهيلة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Mar 2013
المشاركات: 2,672
افتراضي

اعتماد علم الوقف والابتداء على علوم متعددة

قالَ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ بَهَادرَ الزَّرْكَشِيُّ (ت: 794هـ): (وهذا الفن معرفته تحتاج إلى علوم كثيرة، قال أبو بكر بن مجاهد: لا يقوم بالتمام في الوقف إلا نحويٌّ، عالم بالقراءات، عالم بالتفسير، والقصص وتخليص بعضها من بعض، عالم باللغة التي نزل بها القرآن. وقال غيره وكذا علم الفقه.
ولهذا من لم يقبل شهادة القاذف وإن تاب وقف عند قوله: {وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً}.
فأما احتياجه إلى معرفة النحو وتقديراته فلأن من قال في قوله تعالى: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} إنه منصوب بمعنى كملّة أو أعمل فيها ما قبلها لم يقف على ما قبلها.
وكذا الوقف على قوله: {وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجَا} ثم يبتدئ: {قَيِّماً} لئلا يتخيل كونه صفة له إذا العوج لا يكون قيما وقد حكاه ابن النحاس عن قتادة.
وهكذا الوقف على ما في آخره هاء فإنك في غير القرآن تثبت الهاء إذا وقفت وتحذفها إذا وصلت فتقول قه وعه وتقول ق زيدا وع كلامي فأما في القرآن من قوله تعالى: {كِتَابِيَهْ} و{حِسَابِيَهْ} و{سُلْطَانِيَهْ} و{مَا هِيَهْ} و{لَمْ يَتَسَنَّهْ} و{اقْتَدِهْ} وغير ذلك فالواجب أن يوقف عليه بالهاء لأنه مكتوب في المصحف بالهاء ولا يوصل لأنه يلزم في حكم العربية إسقاط الهاء في الوصل فإن أثبتها خالف العربية وإن حذفها خالف مراد المصحف ووافق كلام العرب وإذا هو وقف عليه خرج من الخلافين واتبع المصحف وكلام العرب.
فإن قيل: فقد جوزوا الوصل في ذلك
قلنا: أتوا به على نية الوقف غير أنهم قصروا زمن الفصل بين النطقين فظن من لا خيرة له أنهم وصلوا وصلا محضا وليس كذلك.
ومثله قراءة ابن عامر {لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي} بإثبات الألف في حال الوصل اتبعوا في إثباتها خط المصحف لأنهم أثبتوها فيه على نية الوقف فلهذا أثبتوها في حال الوصل وهم على نية الوقف
وأما احتياجه إلى معرفة التفسير فلأنه إذا وقف على: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً} كان المعنى محرمة عليهم هذه المدة وإذا وقف على: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ} كان المعنى محرمة عليهم أبدا وأن التيه أربعين فرجع في هذا إلى التفسير فيكون بحسب ذلك
وكذا يستحب الوقف على قوله: {مَنْ بَعَثَنَا مِنْ مَرْقَدِنَا} ثم يبتدئ فيقول: {هَذَا مَا وَعَدَ الرَّحْمَنُ} لأنه قيل إنه من كلام الملائكة
وأما احتياجه إلى المعنى فكقوله: {قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} فيقف على: { قَالَ} وقفة لطيفة لئلا يتوهم كون الاسم الكريم فاعل: {قَالَ} وإنما الفاعل يعقوب عليه السلام
وكذا يجب الوقف على قوله: {وَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ} ثم يبتدئ: {إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً}
وقوله: {فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآياتِنَا}
قال الشيخ عز الدين: الأحسن الوقف على: {إِلَيْكُمَا} لأن إضافة الغلبة إلى الآيات أولى من إضافة عدم الوصول إليها لأن المراد بالآيات العصا وصفاتها وقد غلبوا بها السحرة ولم تمنع عنهم فرعون.
وكذا يستحب الوقف على قوله: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا} والابتداء بقوله: {مَا بِصَاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ} فإن ذلك يبين أنه رد لقول الكفار: {يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} وقال الداني إنه وقف تام.
وكذا الوقف على قوله: {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} والابتداء بما بعده أي لأن يرحمهم فإن ابن عباس قال في تفسير الآية: {وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} يعنى اليهود والنصارى {إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ} يعنى أهل الإسلام {وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} أي لرحمته خلقهم
وكذلك الوقف على قوله: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} والابتداء بقوله: {وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ} فإن بذلك يتبين الفصل بين الأمرين لأن يوسف عليه السلام أمر بالأعراض وهو الصفح عن جهل من جهل قدره وأراد ضره والمرأة أمرت بالاستغفار لذنبها لأنها همت بما يجب الاستغفار منه ولذلك أمرت به ولم يهم بذلك يوسف عليه السلام ولذلك لم يؤمر بالاستغفار منه وإنما هم بدفعها عن نفسه لعصمته ولذلك أكد أيضا بعض العلماء الوقف على قوله تعالى: {وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ} والابتداء بقوله: {وَهَمَّ بِهَا} وذلك للفصل بين الخبرين وقد قال الداني إنه كاف وقيل تام وذكر بعضهم أنه على حذف مضاف أي هم بدفعها وعلى هذا فالوقف على: {هَمَّتْ بِهِ} كالوقف على قوله تعالى: {لِنُبَيِّنَ لَكُمْ} والابتداء بقوله: {وَهَمَّ بِهَا} كالابتداء بقوله: {وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ}
ومثله الوقف مراعاة للتنزيه على قوله: {وَهُوَ اللَّهُ} وقد ذكر صاحب الاكتفا أنه تام وذلك ظاهر على قول ابن عباس أنه على التقديم والتأخير والمعنى وهو الله يعلم سركم وجهركم في السموات والأرض.
وكذلك حكى الزمخشري في كشافه القديم عن أبي حاتم السجستاني في قوله: {مُسْتَهْزِئُونَ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ} قال ليس: {مُسْتَهْزِئُونَ} بوقف صالح لا أحب استئناف {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ} ولا استئناف {وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} حتى أصله بما قبله قال وإنما لم يستحب ذلك لأنه إنما جاز إسناد الاستهزاء والمكر إلى الله تعالى على معنى الجزاء عليهما وذلك على سبيل المزاوجة فإذا استأنفت وقطعت الثاني من الأول أوهم أنك تسنده إلى الله مطلقا والحكم في صفاته سبحانه أن تصان عن الوهم
وكذلك قوله تعالى {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ} قال صاحب الاكتفا:
إنه تام على قول من زعم أن الراسخين لم يعلموا تأويله وقول الأكثرين ويصدقه قراءة عبد الله ويقول الراسخون في العلم آمنا به
وكذلك الوقف على: {وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً} والابتداء بقوله: {سُبْحَانَهُ} وقد ذكر ابن نافع أنه تام في كتابه الذي تعقب فيه على صاحب الاكتفا واستدرك عليه فيه مواقف كثيرة وذلك أن الله أخبر عنهم بقولهم: {اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً} ثم رد قولهم ونزه نفسه بقوله: {سُبْحَانَهُ} فينبغي أن يفصل بين القولين.
ومثله الوقف على قوله تعالى: {الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ} والابتداء بقوله: {وَأَمْلَى لَهُمْ} قال صاحب الكافي {سَوَّلَ لَهُمْ} كاف سواء قرئ: {وَأُمْلِي لَهُمْ} على ما يسم فاعله أو {وَأُمْلِي لَهُمْ} على الإخبار لأن الإملاء في كلتا القراءتين مسند إلى الله تعالى لقوله: {فَأَمْلَيْتُ لِلْكَافِرِينَ} فيحسن قطعه من التسويل الذي هو مسند إلى الشيطان وهو كما قال وإنما يحسن قطعه بالوقف ليفصل بين الحرفين ولقد نبه بعض من وصله على حسن هذا الوقف فاعتذر بأن الوصل هو الأصل.
ومثله الوقف على قوله: {رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا} والابتداء بقوله: {مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} وذلك للإعلام بأن الله تعالى جعل الرهبانية في قلوبهم أي خلق كما جعل الرأفة والرحمة في قلوبهم وإن كانوا قد ابتدعوها فالله تعالى خلقها بدليل قوله سبحانه: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} هذا مذهب أهل السنة، وقد نسب أبو علي الفارسي إلى مذهب الاعتزال بقوله في الإيضاح حين تكلم على هذه الآية فقال: ألا ترى أن الرهبانية لا يستقيم حملها على {جَعَلْنَا} مع وصفها بقوله: {ابْتَدَعُوهَا} لأن ما يجعله الله لا يبتدعونه فكذلك ينبغي أن يفصل بالوقف بين المذهبين.
ومثله الوقف على قوله تعالى: {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ} والابتداء بقوله {وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} أي معينون له صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فتكون هذه الجملة مستأنفة.
وأما احتياجه إلى المعرفة بالقراءات فلأنه إذا قرأ {وَيَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً} بفتح الحاء كان هذا التمام وإن ضم الحاء وهي قراءة الحسن فالوقف عند {حِجْراً} لأن العرب كان إذا نزل بالواحد منهم شدة قال حجرا فقيل له محجورا أي لا تعاذون كما كنتم تعاذون في الدنيا حجر الله ذلك عليهم يوم القيامة.
وإذا قرأ: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} إلى قوله: {قِصَاصٌ} فهو التام إذا نصب {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} ومن رفع فالوقف عند: {أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} وتكون {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} ابتداء حكم في المسلمين وما قبله في التوراة). [البرهان في علوم القرآن: 1/343 -349]

قالَ جلالُ الدينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أبي بكرِ السيوطيُّ (ت: 911هـ): (الخامس: قال ابن مجاهد: لا يقوم بالتمام في الوقف إلا نحوي عالم بالقراءات عالم بالتفسير والقصص وتخليص بعضها من بعض عالم باللغة التي نزل بها القرآن.
قال غيره: وكذا علم الفقه ولهذا من لم يقبل شهادة القاذف وإن تاب يقف عند قوله: {ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا} الآية [النور: 4].
وممن صرح بذلك النكزاوي فقال في كتاب "الوقف": لا بد للقارئ من معرفة بعض مذاهب الأئمة المشهورين في الفقه؛ لأن ذلك يعين على معرفة الوقف والابتداء؛ لأن في القرآن مواضع ينبغي الوقف على مذهب بعضهم ويمتنع على مذهب آخرين.
فأما احتياجه إلى علم النحو وتقديراته فلأن من جعل {ملة أبيكم إبراهيم} الآية [الحج: 78] منصوبا على الإغراء وقف على ما قبله أما إذا أعمل فيه ما قبله فلا.
وأما احتياجه إلى القراءات فلما تقدم من أن الوقف قد يكون تاما على قراءة غير تام على أخرى.
وأما احتياجه إلى التفسير؛ فلأنه إذا وقف على {فإنها محرمة عليهم أربعين سنة} الآية [المائدة: 26]، كان المعنى إنها محرمة عليهم هذه المدة وإذا وقف على {عليهم} كان المعنى إنها محرمة عليهم أبدا وأن التيه {أربعين} فرجع في هذا إلى التفسير وقد تقدم أيضا أن الوقف يكون تاما على تفسير وإعراب غير تام على تفسير وإعراب آخر.
وأما احتياجه إلى المعنى فضرورة؛ لأن معرفة مقاطع الكلام إنما تكون بعد معرفة معناه كقوله: {ولا يحزنك قولهم إن العزة لله} الآية [يونس: 65]، فقوله: {إن العزة} استئناف لا مقولهم وقوله: {فلا يصلون إليكما بآياتنا}، ويبتدئ {أنتما} الآية [القصص: 35].
وقال الشيخ عز الدين: الأحسن الوقف على {إليكما}؛ لأن إضافة الغلبة إلى الآيات أولى من إضافة عدم الوصول إليها؛ لأن المراد بالآيات العصا وصفاتها وقد غلبوا بها السحرة ولم تمنع عنهم فرعون.
وكذا الوقف على قوله: {ولقد همت به} ويبتدئ {وهم بها} الآية [يوسف: 24] على أن المعنى لولا أن رأى برهان ربه لهم بها فقدم جواب لولا ويكون همه منتفيا فعلم بذلك أن معرفة المعنى أصل في ذلك كبير). [الإتقان في علوم القرآن: 2/؟؟]


رد مع اقتباس