أقوال العلماء في أسماء سورة " الفاتحة"
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمرٍ، عن ابن خثيمٍ، عن ابن لبيبة، عن أبي هريرة، قال: فاتحة الكتاب هي سبعٌ من المثاني ليس فيها بسم اللّه الرّحمن الرّحيم). [تفسير عبد الرزاق:1/350]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ): (حدّثنا عبد بن حميدٍ، قال: حدّثنا أبو عليٍّ الحنفيّ، عن ابن أبي ذئبٍ، عن المقبريّ، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: الحمد للّه أمّ القرآن وأمّ الكتاب والسّبع المثاني. هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ). [سنن الترمذي:5/148]
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ): (القول في تأويل أسماء فاتحة الكتاب قال أبو جعفرٍ: صحّ الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بما حدّثني به، يونس بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن وهبٍ، قال: أخبرني ابن أبي ذئبٍ، عن سعيدٍ المقبريّ، عن أبي هريرة، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ((هي أمّ القرآن، هي فاتحة الكتاب، وهي السّبع المثاني)).فهذه أسماء فاتحة الكتاب. وسمّيت فاتحة الكتاب، لأنّه يفتتح بكتابتها المصاحف، وبقراءتها الصّلوات، فهي فواتح لما يتلوها من سور القرآن في الكتاب والقراءة.
وسمّيت أمّ القرآن، لتقدّمها على سائر سور القرآن غيرها ، وتأخّر ما سواها خلفها، في القراءة والكتابة. وذلك من معناها شبيهٌ بمعنى فاتحة الكتاب، وإنّما قيل لها لكونها كذلك أمّ القرآن لتسمية العرب كلّ جامعٍ أمرًا أو مقدّمًا لأمرٍ، إذا كانت له توابع تتبعه، هو لها إمامٌ جامعٌ أمًّا، فتقول للجلدة الّتي تجمع الدّماغ أمّ الرّأس، وتسمّي لواء الجيش ورايتهم الّتي يجتمعون تحتها للجيش أمًّا، ومن ذلك قول ذي الرّمّة يصف رايةً معقودةً، على قناةٍ يجتمع تحتها هو وصحبه :
وأسمر قوّامٍ إذا نام صحبتي = خفيف الثّياب لا تواري له أزرا.
على رأسه أمٌّ لنا نقتدي بها = جماع أمورٍ لا نعاصي لها أمرا.
إذا نزلت قيل انزلوا وإذا غدت = غدت ذات برزيقٍ تخال بها فخرا
يعني بقوله : على رأسه أمٌّ لنا أي على رأس الرّمح رايةٌ يجتمعون لها في النّزول والرّحيل وعند لقاء العدوّ.
وقد قيل: إنّ مكّة سمّيت أمّ القرى، لتقدّمها أمام جميعها، وجمعها ما سواها، وقيل: إنّما سمّيت بذلك لأنّ الأرض دحيت منها، فصارت لجميعها أمًّا، ومن ذلك قول حميد بن ثورٍ الهلاليّ:
إذا كانت الخمسون أمّك لم يكن = لدائك إلاّ أن تموت طبيب
لأنّ الخمسين جامعةٌ ما دونها من العدد ، فسمّاها أمًّا للّذي قد بلغها
وأمّا تأويل اسمها أنّها السّبع فإنّها سبع آياتٍ، لا خلاف بين الجميع من القرّاء والعلماء في ذلك، وإنّما اختلفوا في الآي الّتي صارت بها سبع آياتٍ.
فقال أعظم أهل الكوفة: صارت سبع آياتٍ، ببسم اللّه الرّحمن الرّحيم؛ وروي ذلك عن جماعةٍ من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم والتّابعين.
وقال آخرون: هي سبع آياتٍ ، وليس منهنّ (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم)، ولكن السّابعة أنعمت عليهم؛ وذلك قول أعظم قرّاء أهل المدينة ومتفقّهيهم.
قال أبو جعفرٍ: وقد بيّنّا الصّواب من القول عندنا في ذلك ، في كتابنا اللّطيف في أحكام شرائع الإسلام بوجيزٍ من القول ، وسنستقصي بيان ذلك بحكاية أقوال المختلفين فيه من الصّحابة، والتّابعين، والمتقدّمين، والمتأخّرين في كتابنا الأكبر في أحكام شرائع الإسلام إن شاء اللّه ذلك.
وأمّا وصف النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم آياتها السّبع بأنّهنّ مثانٍ، فلأنّها تثنّى قراءتها في كلّ صلاة تطوّعٍ ومكتوبةٍ، وكذلك كان الحسن البصريّ يتأوّل ذلك.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، عن أبي رجاءٍ، قال: سألت الحسن عن قوله {ولقد آتيناك سبعًا من المثاني والقرآن العظيم} قال : هي فاتحة الكتاب، ثمّ سئل عنها، وأنا أسمع ، فقرأها : {الحمد للّه ربّ العالمين} حتّى أتى على آخرها، فقال، تثنّى في كلّ قراءةٍ أو قال: في كلّ صلاةٍ الشّكّ من أبي جعفرٍ.
والمعنى الّذي قلنا في ذلك، قصد أبو النّجم العجليّ، بقوله:
الحمد للّه الّذي عافاني.
وكلّ خيرٍ بعده أعطاني.
من القران ومن المثاني.
وكذلك قول الرّاجز الآخر الذى يقول:
نشدتكم بمنزل الفرقان.
أمّ الكتاب السّبع من مثاني.
ثنين من آيٍ من القرآن.
والسّبع سبع الطّول الدّواني
وليس في وجوب اسم السّبع المثاني لفاتحة الكتاب ما يدفع صحّة وجوب اسم المثاني للقرآن كلّه، ولما يثنّى من السّور، لأنّ لكلّ ذلك وجهًا ومعنًى مفهومًا، لا يفسد بتسمية بعض ذلك بالمثاني تسمية غيره بها.
فأمّا وجه تسمية مثاني المئين من سور القرآن، بالمثاني، فقد بيّنّا صحّته، وسندلّ على صحّة وجه تسمية جميع القرآن به، عند انتهائنا إليه، في سورة الزّمر إن شاء اللّه). [جامع البيان: 1/105-108]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): ( اعلم أن لها أربعة أسماء هي: سورة الحمد وفاتحة الكتاب وأم القرآن، وهذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عمر وعلي وابن عباس، وروى ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((فاتحة الكتاب هي السبع المثاني)).
والاسم الرابع أنه يقال لها السبع من المثاني روى ذلك سفيان عن السدي عن عبد خير عن علي رضي الله عنه.
وروى إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ عليه أبي بن كعب فاتحة الكتاب فقال: ((والذي نفسي بيده ما أنزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها إنها السبع من المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيته)).
وقيل لها فاتحة الكتاب لأنه يفتتح بها المصحف ويفتتح بها القرآن وتقرأ في كل ركعة.
وقيل لها أم القرآن لأن أم الشيء ابتداؤه وأصله فسميت بذلك لابتدائهم لها في أول القرآن فكأنها أصل وابتداء ومكة أم القرى لأن الأرض دحيت من تحتها.
وقال العجاج:
ما فيهم من الكتاب أم
أي أصل من الكتاب.
وروى إسماعيل بن جعفر عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قرأ عليه أبي فاتحة الكتاب فقال: ((والذي نفسي بيده ما أنزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها إنها السبع من المثاني والقرآن العظيم الذي أعطيته)).
وقيل لها السبع المثاني لأنها سبع آيات تثنى في كل ركعة من ثنيته إذ رددته.
وفي هذا قول آخر غريب وله إسناد حسن قوي عن جعفر بن محمد الفاريابي عن مزاحم بن سعيد قال حدثنا ابن المبارك قال حدثنا ابن جريح قال أخبرني أبي أن سعيد بن جبير أخبره قال لابن عباس: ما المثاني؟ قال: هي أم القرآن استثناها الله تعالى لأمة محمد في أم الكتاب فادخرها لأمة محمد حتى أخرجها لهم ولم يعطها أحدا قبل أمة محمد.
- وقيل: إن من قال "السبع المثاني" ذهب إلى أن "من" زائدة للتوكيد.
- وأجود من هذا القول: أن يكون المعنى أنها السبع من القرآن الذي هو مثان). [معاني القرآن:1/47-50]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّعْلَبيُّ (ت: 427هـ): ( [أسماؤها]*
أخبرنا عبد الرّحمن بن إبراهيم بن محمّد بن يحيى، أخبرنا أبو بكر محمد بن الحسين القطّان، وأخبرنا محمد بن أحمد بن عبدوس، أخبرنا محمد بن المؤمّل بن الحسن بن عيسى، حدّثنا الفضل بن محمد بن المسيّب، حدّثنا خلف بن هشام، حدّثنا محمد بن حسان عن المعافى ابن عمران عن عبد الحميد بن جعفر الأنصاري، عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ، سبع آيات أوّلهنّ (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ) ، وهي السبع المثاني، وهي أمّ القرآن، وهي فاتحة الكتاب»). [الكشف والبيان:1/89]
قالَ الحُسَيْنُ بنُ مَسْعُودٍ البَغَوِيُّ (ت: 516هـ): (ولها ثلاثة أسماءٍ معروفةٌ: فاتحة الكتاب، وأمّ القرآن، والسّبع المثاني). [معالم التنزيل: 1/49]
قالَ الحُسَيْنُ بنُ مَسْعُودٍ البَغَوِيُّ (ت: 516هـ): (سمّيت فاتحة الكتاب: لأنّ اللّه بها افتتح القرآن.
وسمّيت أمّ القرآن وأمّ الكتاب: لأنّها أصل القرآن منها بدئ القرآن وأمّ الشّيء: أصله، ويقال لمكّة: أمّ القرى لأنّها أصل البلاد دحيت الأرض من تحتها، وقيل: لأنّها مقدّمةٌ وإمامٌ لما يتلوها من السّور يبدأ بكتابتها في المصحف وبقراءتها في الصّلاة، والسّبع المثاني لأنّها سبع آياتٍ باتّفاق العلماء. وسمّيت مثاني لأنّها تثنّى في الصّلاة، فتقرأ في كلّ ركعةٍ، وقال مجاهدٌ: سمّيت مثاني لأنّ اللّه تعالى استثناها لهذه الأمّة فذخرها لهم). [معالم التنزيل: 1/49]
قالَ مَحْمُودُ بْنُ عُمَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ (ت: 538هـ): (وتسمى أمّ القرآن لاشتمالها على المعاني التي في القرآن من الثناء على اللّه تعالى بما هو أهله، ومن التعبد بالأمر والنهى، ومن الوعد والوعيد. وسورة الكنز والوافية لذلك.
وسورة الحمد والمثاني لأنها تثنى في كل ركعة. وسورة الصلاة لأنها تكون فاضلة أو مجزئة بقراءتها فيها. وسورة الشفاء والشافية). [الكشاف:1/99]
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 546هـ): (وأما أسماؤها فلا خلاف أنها يقال لها فاتحة الكتاب، لأن موضعها يعطي ذلك، واختلف هل يقال لها أم الكتاب، فكره الحسن بن أبي الحسن ذلك وقال: «أم الكتاب والحلال والحرام». قال الله تعالى: {آياتٌ محكماتٌ هنّ أمّ الكتاب وأخر متشابهاتٌ} [آل عمران: 7] .
وقال ابن عباس وغيره: «يقال لها أم الكتاب».
وقال البخاري: سميت أم الكتاب لأنها يبدأ بكتابتها في المصحف وبقراءتها في الصلاة، وفي تسميتها بأم الكتاب حديث رواه أبو هريرة رضي الله عنه، واختلف هل يقال لها أم القرآن؟ فكره ذلك ابن سيرين وجوزه جمهور العلماء.
قال يحيى بن يعمر: «أم القرى مكة، وأم خراسان مرو، وأم القرآن سورة الحمد» .
وقال الحسن بن أبي الحسن: اسمها أم القرآن.
وأما المثاني فقيل سميت بذلك لأنها تثنى في كل ركعة وقيل سميت بذلك لأنها استثنيت لهذه الأمة فلم تنزل على أحد قبلها ذخرا لها). [المحرر الوجيز:1/69-70]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: وقرأ عليه أبي بن كعب أم القرآن فقال: ((والذي نفسي بيده ما أنزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها، هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته)) ). [زاد المسير: 1/10]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (فمن أسمائها: الفاتحة لأنه يستفتح الكتاب بها تلاوة وكتابة.
ومن أسمائها: أم القرآن وأم الكتاب لأنها أمت الكتاب بالتقدم.
ومن أسمائها: السبع المثاني وإنما سميت بذلك لما سنشرحه في الحجر إن شاء الله). [زاد المسير: 1/10]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت: 643هـ): (وتسمى فاتحة الكتاب أيضا المثاني، فهو اسم مشترك، وتسمى سورة الحمد أم الكتاب وفاتحة الكتاب، سميت أم الكتاب لأن أم كل شيء أصله، ولما كانت مقدمة الكتاب العزيز؛ فكانت كأنها أصله، قيل لها: أم الكتاب، وأم القرآن، وسميت الفاتحة لأن القرآن العزيز افتتح بها.
ومن قال إنها أول ما نزل قال: سميت فاتحة الكتاب، لأن الوحي افتتح بها، وروى أبو هريرة وأبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((هي أم القرآن، وهي السبع المثاني، وهي فاتحة الكتاب)).
وسميت السبع المثاني لأنها تثنى في كل ركعة، وقيل لأنها نزلت بمكة ثم ثنيت فنزلت بالمدينة، وقيل لأن الله عز وجل استثناها لهذه الأمة وذخرها لها مما أنزله على غيرها.
ومنع أنس وابن سيرين أن تسمى أم الكتاب وأم القرآن، قالا: لأن ذلك اسم اللوح المحفوظ. قال الله عز وجل: {وإنه في أم الكتاب لدينا} والحديث يرد ما قالا، وقد تكون الأسماء مشتركة.
فإن قيل: فما فائدة نزولها مرة ثانية؟ قلت: يجوز أن تكون نزلت أول مرة على حرف واحد، ونزلت في الثانية ببقية وجوهها، نحو: (ملك) و{مالك}، و(السراط) و{الصراط} ونحو ذلك ). [جمال القراء:1/33-34]
قالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ البَيْضَاوِيُّ (ت: 691هـ): (وتسمى أم القرآن؛ لأنها مفتتحه و مبدؤه فكأنها أصله ومنشؤه، ولذلك تسمى أساسا أو لأنها تشتمل على ما فيه من الثناء على الله سبحانه وتعالى التعبد بأمره ونهيه وبيان وعده ووعيده أو على جملة معانيه من الحكم النظرية والأحكام العملية التي هي سلوك الطريق المستقيم والاطلاع على مراتب السعداء ومنازل الأشقياء وسورة الكنز و الوافية والكافية لذلك.
وسورة الحمد والشكر والدعاء وتعليم المسألة لاشتمالها عليها والصلاة لوجوب قراءتها أو استحبابها فيها). [أنوار التنزيل:1/25]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بْنِ جُزَيءٍ الكَلْبِيُّ (ت: 741هـ): ( (سورة أم القرآن) وتسمى سورة الحمد لله، وفاتحة الكتاب، والواقية، والشافية، والسبع المثاني ). [التسهيل:1/63]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774هـ): (يقال لها: الفاتحة، أي فاتحة الكتاب خطًّا، وبها تفتح القراءة في الصّلاة ويقال لها أيضًا: أمّ الكتاب عند الجمهور، وكره أنسٌ، والحسن وابن سيرين كرها تسميتها بذلك، قال الحسن وابن سيرين: إنّما ذلك اللّوح المحفوظ، وقال الحسن: الآيات المحكمات: هنّ أمّ الكتاب، ولذا كرها -أيضًا- أن يقال لها أمّ القرآن وقد ثبت في الحديث الصّحيح عند التّرمذيّ وصحّحه عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((الحمد للّه أمّ القرآن وأمّ الكتاب والسّبع المثاني والقرآن العظيم)).
ويقال لها: الحمد.
ويقال لها: الصّلاة، لقوله عليه السّلام عن ربّه: [قسمت الصّلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال العبد: الحمد للّه ربّ العالمين، قال اللّه: حمدني عبدي] الحديث. فسمّيت الفاتحة: صلاةً؛ لأنّها شرطٌ فيها.
ويقال لها: الشّفاء؛ لما رواه الدّارميّ عن أبي سعيدٍ مرفوعًا: ((فاتحة الكتاب شفاءٌ من كلّ سمٍّ)).
ويقال لها: الرّقية؛ لحديث أبي سعيدٍ في الصّحيح حين رقى بها الرّجل السّليم، فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((وما يدريك أنّها رقيةٌ؟)).
وروى الشّعبيّ عن ابن عبّاسٍ أنّه سمّاها: أساس القرآن، قال: فأساسها بسم اللّه الرّحمن الرّحيم، وسمّاها سفيان بن عيينة: الواقية.
وسمّاها يحيى بن أبي كثيرٍ: الكافية؛ لأنّها تكفي عمّا عداها ولا يكفي ما سواها عنها، كما جاء في بعض الأحاديث المرسلة: "أمّ القرآن عوضٌ من غيرها، وليس غيرها عوضًا عنها".
ويقال لها: سورة الصّلاة والكنز، ذكرهما الزّمخشريّ في كشّافه). [تفسير القرآن العظيم: 1/101]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774هـ): (قال البخاريّ في أوّل كتاب التفسير: وسميت أم الكتاب، أنه يبدأ بكتابتها في المصاحف، ويبدأ بقراءتها في الصّلاة وقيل: إنّما سمّيت بذلك لرجوع معاني القرآن كلّه إلى ما تضمّنته.
قال ابن جريرٍ: والعرب تسمّي كلّ جامع أمرٍ أو مقدّمٍ لأمرٍ -إذا كانت له توابع تتبعه هو لها إمامٌ جامعٌ -أمًّا، فتقول للجلدة الّتي تجمع الدّماغ، أمّ الرّأس، ويسمّون لواء الجيش ورايتهم الّتي يجتمعون تحتها أمًّا، واستشهد بقول ذي الرّمّة:
على رأسه أمٌّ لنا نقتدي بها = جماع أمورٍ ليس نعصي لها أمرا
يعني: الرّمح.
قال: وسمّيت مكّة: أمّ القرى لتقدّمها أمام جميعها وجمعها ما سواها، وقيل: لأنّ الأرض دحيت منها.
ويقال لها أيضًا: الفاتحة؛ لأنّها تفتتح بها القراءة، وافتتحت الصّحابة بها كتابة المصحف الإمام، وصحّ تسميتها بالسّبع المثاني، قالوا: لأنّها تثنّى في الصّلاة، فتقرأ في كلّ ركعةٍ، وإن كان للمثاني معنًى آخر غير هذا، كما سيأتي بيانه في موضعه إن شاء اللّه.
قال الإمام أحمد: حدّثنا يزيد بن هارون، أنبأنا ابن أبي ذئبٍ وهاشم بن هاشمٍ عن ابن أبي ذئبٍ، عن المقبريّ، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال لأمّ القرآن: ((هي أمّ القرآن، وهي السّبع المثاني، وهي القرآن العظيم)). ثمّ رواه عن إسماعيل بن عمر عن ابن أبي ذئبٍ به، وقال أبو جعفرٍ محمّد بن جريرٍ الطّبريّ: حدّثني يونس بن عبد الأعلى، أنا ابن وهبٍ، أخبرني ابن أبي ذئبٍ، عن سعيدٍ المقبريّ، عن أبي هريرة، رضي اللّه عنه، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ((هي أمّ القرآن، وهي فاتحة الكتاب، وهي السّبع المثاني)).
وقال الحافظ أبو بكرٍ أحمد بن موسى بن مردويه في تفسيره: حدّثنا أحمد بن محمّد بن زيادٍ، ثنا محمّد بن غالب بن حارثٍ، ثنا إسحاق بن عبد الواحد الموصليّ، ثنا المعافى بن عمران، عن عبد الحميد بن جعفرٍ، عن نوح بن أبي بلالٍ، عن المقبريّ، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((الحمد للّه ربّ العالمين سبع آياتٍ: {بسم اللّه الرّحمن الرّحيم} إحداهنّ، وهي السّبع المثاني والقرآن العظيم، وهي أم الكتاب)).
وقد رواه الدّارقطنيّ أيضًا عن أبي هريرة مرفوعًا بنحوه أو مثله، وقال: كلّهم ثقاتٌ.
وروى البيهقيّ عن عليٍّ وابن عبّاسٍ وأبي هريرة أنّهم فسّروا قوله تعالى: {سبعًا من المثاني} [الحجر: 87] بالفاتحة، وأنّ البسملة هي الآية السّابعة منها، وسيأتي تمام هذا عند البسملة.
وقد روى الأعمش عن إبراهيم قال: قيل لابن مسعودٍ: لم لم تكتب الفاتحة في مصحفك؟ قال: لو كتبتها لكتبتها في أوّل كلّ سورةٍ. قال أبو بكر بن أبي داود: يعني حيث يقرأ في الصّلاة، قال: واكتفيت بحفظ المسلمين لها عن كتابتها). [تفسير القرآن العظيم: 1/102-103]
قالَ جَلالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911هـ): (وأخرج ابن الضريس في فضائل القرآن عن أيوب أن محمد بن سيرين كان يقول: يكره أن يقول: أم القرآن، ويقول: قال الله (وعنده أم الكتاب) ولكن فاتحة الكتاب). [الدر المنثور: 1/8]
قالَ جَلالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911هـ): (وأخرج الدارقطني وصححه والبيهقي في السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا قرأتم {الحمد} فاقرؤا {بسم الله الرحمن الرحيم} إنها أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني {بسم الله الرحمن الرحيم} إحدى آياتها)).). [الدر المنثور:1/8-9]
قالَ جَلالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911هـ): (وأخرج البخاري والدارمي في مسنده وأبو داود والترمذي، وَابن المنذر، وَابن أبي حاتم، وَابن أبي مردويه في تفاسيرهم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (({الحمد لله رب العالمين} أم القرآن وأم الكتاب والسبع المثاني)). ) [الدر المنثور:1/9]
قالَ جَلالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911هـ): (وَأخرَج أحمد في مسنده، وَابن جَرِير، وَابن المنذر، وَابن أبي حاتم، وَابن مردويه في تفاسيرهم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال لأم القرآن: ((هي أم القرآن وهي فاتحة الكتاب وهي السبع المثاني وهي القرآن العظيم)).). [الدر المنثور: 1/9]
قالَ جَلالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911هـ): (وَأخرَج الثعلبي عن عبد الجبار بن العلاء قال: كان سفيان بن عيينة يسمي فاتحة الكتاب: الوافية). [الدر المنثور: 1/9]
قالَ جَلالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911هـ): (وأخرج الثعلبي عن عفيف بن سالم قال: سألت عبد الله بن يحيى بن أبي كثير عن قراءة الفاتحة خلف الإمام فقال: عن الكافية تسأل؟ قلت: وما الكافية؟ قال: الفاتحة أما علمت أنها عن سواها ولا يكفي سواها عنها). [الدر المنثور:1/10]
قالَ جَلالُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911هـ): (وأخرج الثعلبي عن الشعبي أن رجلا شكا إليه وجع الخاصرة فقال: عليك بأساس القرآن. قال: وما أساس القرآن؟ قال: فاتحة الكتاب). [الدر المنثور:1/10]
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الشَّوْكَانِيُّ (ت: 1250هـ): (معنى الفاتحة في الأصل أوّل ما من شأنه أن يفتتح به، ثمّ أطلقت على أوّل كلّ شيءٍ كالكلام، والتّاء للنّقل من الوصفيّة إلى الاسميّة، فسمّيت هذه السّورة «فاتحة الكتاب» لكونه افتتح بها، إذ هي أوّل ما يكتبه الكاتب من المصحف، وأوّل ما يتلوه التّالي من الكتاب العزيز، وإن لم تكن أوّل ما نزل من القرآن. وقد اشتهرت هذه السّورة الشّريفة بهذا الاسم في أيّام النّبوّة). [فتح القدير: 1/73]
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الشَّوْكَانِيُّ (ت: 1250هـ): (وتسمّى «أمّ الكتاب» قال البخاريّ في أوّل التّفسير: وسمّيت أمّ الكتاب لأنّه يبدأ بكتابتها في المصاحف، ويبدأ بقراءتها في الصّلاة.
وأخرج ابن الضّريس في فضائل القرآن عن أيّوب عن محمّد بن سيرين كان يكره أن يقول أمّ الكتاب ويقول: قال اللّه تعالى: وعنده أمّ الكتاب ولكن يقول: فاتحة الكتاب). [فتح القدير: 1/74]
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الشَّوْكَانِيُّ (ت: 1250هـ): (ويقال لها الفاتحة لأنّها يفتتح بها القراءة، وافتتحت الصّحابة بها كتابة المصحف الإمام). [فتح القدير:1/74]
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الشَّوْكَانِيُّ (ت: 1250هـ): (قال ابن كثيرٍ في تفسيره: وصحّ تسميتها بالسّبع المثاني، قالوا: لأنّها تثنّى في الصّلاة فتقرأ في كلّ ركعةٍ). [فتح القدير:1/74]
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الشَّوْكَانِيُّ (ت: 1250هـ): (وأخرج أحمد من حديث أبي هريرة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال في أمّ القرآن: ((هي أم القرآن وهي السّبع المثاني، وهي القرآن العظيم)).
وأخرج ابن جريرٍ في تفسيره عن أبي هريرة أيضا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: ((هي أمّ القرآن، وهي فاتحة الكتاب، وهي السّبع المثاني)). وأخرج نحوه ابن مردويه في تفسيره والدّارقطنيّ من حديثه، وقال كلّهم ثقاتٌ. وروى البيهقيّ عن عليٍّ وابن عبّاسٍ وأبي هريرة أنّهم فسّروا قوله تعالى: {سبعاً من المثاني} بالفاتحة). [فتح القدير: 1/74]
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الشَّوْكَانِيُّ (ت: 1250هـ): (ومن جملة أسمائها كما حكاه في الكشّاف سورة الكنز، والوافية، وسورة الحمد، وسورة الصّلاة. وقد أخرج الثّعلبيّ أنّ سفيان بن عيينة كان يسمي فاتحة الكتاب: الوافية. وأخرج الثّعلبيّ أيضًا عن عبد اللّه بن يحيى بن أبي كثيرٍ أنّه سأله سائلٌ عن قراءة الفاتحة خلف الإمام، فقال: عن الكافية تسأل؟ قال السّائل: وما الكافية؟ قال: الفاتحة، أمّا علمت أنّها تكفي عن سواها ولا يكفي سواها عنها. وأخرج أيضًا عن الشّعبيّ أنّ رجلًا اشتكى إليه وجع الخاصرة، فقال: عليك بأساس القرآن، قال: وما أساس القرآن؟ قال: فاتحة الكتاب.
وأخرج البيهقيّ في الشّعب عن أنسٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إنّ اللّه أعطاني فيما منّ به عليّ فاتحة الكتاب، وقال: هي من كنوز عرشي» وأخرج إسحاق بن راهويه في مسنده عن عليٍّ نحوه مرفوعًا.
وقد ذكر القرطبي في تفسيره للفاتحة اثني عشر اسمًا). [فتح القدير: 1/74-75]
قالَ مُحَمَّد الطَّاهِرُ بْنُ عَاشُورٍ (ت: 1393هـ): (سورة الفاتحة من السّور ذات الأسماء الكثيرة، أنهاها صاحب «الإتقان» إلى نيّفٍ وعشرين بين ألقابٍ وصفاتٍ جرت على ألسنة القرّاء من عهد السّلف، ولم يثبت في السّنّة الصّحيحة والمأثور من أسمائها إلّا فاتحة الكتاب، والسّبع المثاني، وأمّ القرآن، أو أمّ الكتاب، فلنقتصر على بيان هذه الأسماء الثّلاثة.
فأمّا تسميتها فاتحة الكتاب فقد ثبتت في السّنّة في أحاديث كثيرةٍ منها قول النّبي صلّى الله عليه وسلّم: ((لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب)).
وفاتحةٌ مشتقّةٌ من الفتح وهو إزالة حاجزٍ عن مكانٍ مقصودٍ ولوجهٍ فصيغتها تقتضي أنّ موصوفها شيءٌ يزيل حاجزًا، وليس مستعملًا في حقيقته بل مستعملًا في معنى أوّل الشّيء تشبيهًا للأوّل بالفاتح لأنّ الفاتح للباب هو أوّل من يدخل، فقيل الفاتحة في الأصل مصدرٌ بمعنى الفتح كالكاذبة بمعنى الكذب، والباقية بمعنى البقاء في قوله تعالى: {فهل ترى لهم من باقيةٍ} [الحاقة: 8] وكذلك الطّاغية في قوله تعالى: {فأمّا ثمود فأهلكوا بالطّاغية} [الحاقة: 5] في قول ابن عبّاسٍ أي بطغيانهم. والخاطئة بمعنى الخطأ والحاقّة بمعنى الحقّ.
وإنّما سمّي أوّل الشّيء بالفاتحة إمّا تسميةً للمفعول لأن الآتي على وزن فاعلة بالمصدر الفتح يتعلّق بأوّل أجزاء الفعل ففيه يظهر مبدأ المصدر، وإمّا على اعتبار الفاتحة اسم فاعلٍ ثمّ جعلت اسمًا لأوّل الشّيء، إذ بذلك الأوّل يتعلّق الفتح بالمجموع فهو كالباعث على الفتح، فالأصل فاتح الكتاب، وأدخلت عليه هاء التّأنيث دلالةً على النّقل من الوصفيّة إلى الاسميّة أي إلى معاملة الصّفة معاملة الاسم في الدّلالة على ذاتٍ معيّنةٍ لا على ذي وصفٍ، مثل الغائبة في قوله تعالى: {وما من غائبةٍ في السّماء والأرض إلّا في كتابٍ مبينٍ} [النّمل: 75] ومثل العافية والعاقبة قال التفتازانيّ في «شرح الكشّاف»: «ولعدم اختصاص الفاتحة والخاتمة بالسّورة ونحوها كانت التّاء للنّقل من الوصفيّة إلى الاسميّة وليست لتأنيث الموصوف في الأصل، يعني لأنّهم يقولون فاتحةً وخاتمةً دائمًا في خصوص جريانه على موصوفٍ مؤنّثٍ كالسّورة والقطعة، وذلك كقولهم فلانٌ خاتمة العلماء، وكقول الحريريّ في المقامة الأولى: «أدّتني خاتمة المطاف وهدتني فاتحة الألطاف».
وأيًّا ما كان ففاتحةٌ وصفٌ وصف به مبدأ القرآن وعومل معاملة الأسماء الجنسيّة، ثمّ أضيف إلى الكتاب ثمّ صار هذا المركّب علمًا بالغلبة على هذه السّورة.
ومعنى فتحها الكتاب أنّها جعلت أوّل القرآن لمن يريد أن يقرأ القرآن من أوّله فتكون فاتحةً بالجعل النّبويّ في ترتيب السّور، وقيل لأنّها أوّل ما نزل وهو ضعيفٌ لما ثبت في «الصّحيح» واستفاض أنّ أوّل ما أنزل سورة {اقرأ باسم ربّك} [العلق: 1]، وهذا ممّا لا ينبغي أن يتردّد فيه. فالّذي نجزم به أنّ سورة الفاتحة بعد أن نزلت أمر اللّه رسوله أن يجعلها أوّل ما يقرأ في تلاوته.
وإضافة سورةٍ إلى فاتحة الكتاب في قولهم: سورة فاتحة الكتاب من إضافة العامّ إلى الخاصّ باعتبار فاتحة الكتاب علمًا على المقدار المخصوص من الآيات من {الحمد للّه} إلى {الضّالّين} [الفاتحة: 2- 7]، بخلاف إضافة سورةٍ إلى ما أضيفت إليه في بقيّة سور القرآن فإنّها على حذف مضافٍ أي سورة ذكر كذا، وإضافة العامّ إلى الخاصّ وردت في كلام العرب مثل قولهم شجر الأراك ويوم الأحد وعلم الفقه، ونراها قبيحةً لو قال قائلٌ إنسانٌ زيدٌ، وذلك بادٍ لمن له أدنى ذوقٍ إلّا أنّ علماء العربيّة لم يفصحوا عن وجه الفرق بين ما هو مقبولٌ من هذه الإضافة وبين ما هو قبيحٌ فكان حقًّا أن أبيّن وجهه: وذلك أنّ إضافة العامّ إلى الخاصّ تحسن إذا كان المضاف والمضاف إليه اسمي جنسٍ وأوّلهما أعمّ من الثّاني، فهنا لك يجوز التّوسّع بإضافة الأعمّ إلى الأخصّ إضافةً مقصودًا منها الاختصار، ثمّ تكسبها غلبة الاستعمال قبولًا نحو قولهم شجر الأراك، عوضًا عن أن يقولوا الشّجر الّذي هو الأراك، ويوم الأحد عوضا عن أن يقولوا يومٌ هو الأحد وقد يكون ذلك جائزًا غير مقبولٍ لأنّه لم يشع في الاستعمال كما لو قلت حيوانٌ الإنسان فأمّا إذا كان أحد المتضايفين غير اسم جنسٍ فالإضافة في مثله ممتنعةٌ فلا يقال إنسانٌ زيدٌ ولهذا جعل قول النّاس: شهر رمضان علمًا على الشّهر المعروف بناءً على أنّ لفظ رمضان خاصٌّ بالشّهر المعروف لا يحتمل معنًى آخر، فتعيّن أن يكون ذكر كلمة شهرٍ معه قبيحًا لعدم الفائدة منه لولا أنّه شاع حتّى صار مجموع المركّب الإضافيّ علمًا على ذلك الشّهر.
ويصحّ عندي أن تكون إضافة السّورة إلى فاتحة الكتاب من إضافة الموصوف إلى الصّفة، كقولهم مسجد الجامع، وعشاء الآخرة، أي سورةٌ موصوفةٌ بأنّها فاتحة الكتاب فتكون الإضافة بيانيّةً، ولم يجعلوا لها اسمًا استغناءً بالوصف، كما يقول المؤلّفون مقدّمةٌ أو بابٌ بلا ترجمةٍ ثمّ يقولون بابٌ جامعٌ مثلًا، ثمّ يضيفونه فيقولون باب جامع الصّلاة.
وأمّا إضافة فاتحةٍ إلى الكتاب فإضافةٌ حقيقيّةٌ باعتبار أنّ المراد من الكتاب بقيّته عدا السّورة المسمّاة الفاتحة، كما نقول: خطبة التّأليف، وديباجة التّقليد.
وأمّا تسميتها أمّ القرآن وأمّ الكتاب فقد ثبتت في السّنّة، من ذلك ما في «صحيح البخاريّ» في كتاب الطّبّ أنّ أبا سعيدٍ الخدريّ رقى ملدوغًا فجعل يقرأ عليه بأمّ القرآن، وفي الحديث قصّةٌ، ووجه تسميتها أمّ القرآن أنّ الأمّ يطلق على أصل الشّيء ومنشئه، وفي الحديث الصّحيح قال النّبي صلّى الله عليه وسلّم: ((كلّ صلاةٍ لم يقرأ فيها بأمّ القرآن فهي خداجٌ)). أي: منقوصةٌ مخدوجةٌ.
وقد ذكروا لتسمية الفاتحة أمّ القرآن وجوهًا ثلاثةً:
أحدها: أنّها مبدؤه ومفتتحه فكأنّها أصله ومنشؤه، يعني أنّ افتتاحه الّذي هو وجود أوّل أجزاء القرآن قد ظهر فيها فجعلت كالأمّ للولد في أنّها الأصل والمنشأ فيكون أمّ القرآن تشبيهًا بالأمّ الّتي هي منشأ الولد لمشابهتها بالمنشأ من حيث ابتداء الظّهور والوجود.
الثّاني: أنّها تشتمل محتوياتها على أنواع مقاصد القرآن وهي ثلاثة أنواعٍ: الثّناء على اللّه ثناءً جامعًا لوصفه بجميع المحامد وتنزيهه عن جميع النّقائص، ولإثبات تفرّده بالإلهيّة وإثبات البعث والجزاء وذلك من قوله: {الحمد للّه} إلى قوله: (ملك يوم الدّين)، والأوامر والنّواهي من قوله: {إيّاك نعبد}، والوعد والوعيد من قوله: {صراط الّذين} إلى آخرها، فهذه هي أنواع مقاصد القرآن كلّه، وغيرها تكملاتٌ لها لأنّ القصد من القرآن إبلاغ مقاصده الأصليّة وهي صلاح الدّارين وذلك يحصل بالأوامر والنّواهي، ولمّا توقّفت الأوامر والنّواهي على معرفة الآمر وأنّه اللّه الواجب وجوده خالق الخلق لزم تحقيق معنى الصّفات، ولمّا توقّف تمام الامتثال على الرّجاء في الثّواب والخوف من العقاب لزم تحقّق الوعد والوعيد. والفاتحة مشتملةٌ على هاته الأنواع فإنّ قوله: {الحمد للّه} إلى قوله: {يوم الدّين} حمدٌ وثناءٌ، وقوله: {إيّاك نعبد} إلى قوله: {المستقيم} من نوع الأوامر والنّواهي، وقوله: {صراط الّذين} إلى آخرها من نوع الوعد والوعيد مع أنّ ذكر المغضوب عليهم والضّالّين يشير أيضًا إلى نوع قصص القرآن، وقد يؤيّد هذا الوجه بما ورد في الصّحيح في: {قل هو اللّه أحدٌ} [الإخلاص: 1] أنّها تعدل ثلث القرآن لأنّ ألفاظها كلها أثناء على اللّه تعالى.
الثّالث: أنّها تشتمل معانيها على جملة معاني القرآن من الحكم النّظريّة والأحكام العمليّة
فإنّ معاني القرآن إمّا علومٌ تقصد معرفتها وإمّا أحكامٌ يقصد منها العمل بها، فالعلوم كالتّوحيد والصّفات والنّبوءات والمواعظ والأمثال والحكم والقصص، والأحكام إمّا عمل الجوارح وهو العبادات والمعاملات، وإمّا عمل القلوب أي العقول وهو تهذيب الأخلاق وآداب الشّريعة، وكلّها تشتمل عليها معاني الفاتحة بدلالة المطابقة أو التّضمّن أو الالتزام فـ {الحمد للّه} يشمل سائر صفات الكمال الّتي استحقّ اللّه لأجلها حصر الحمد له تعالى بناءً على ما تدلّ عليه جملة الحمد للّه من اختصاص جنس الحمد به تعالى واستحقاقه لذلك الاختصاص كما سيأتي وربّ العالمين يشمل سائر صفات الأفعال والتّكوين عند من أثبتها، والرّحمن الرّحيم يشمل أصول التّشريع الرّاجعة للرحمة بالمكلفين و{مالك يوم الدّين} يشمل أحوال القيامة، و{إيّاك نعبد} يجمع معنى الدّيانة والشّريعة، و{إيّاك نستعين} يجمع معنى الإخلاص للّه في الأعمال.
قال عزّ الدّين بن عبد السّلام في كتابه «حلّ الرّموز ومفاتيح الكنوز»: الطّريقة إلى اللّه لها ظاهرٌ (أي عملٌ ظاهرٌ أي بدنيٌ) وباطنٌ (أي عملٌ قلبيٌّ) فظاهرها الشّريعة وباطنها الحقيقة، والمراد من الشّريعة والحقيقة إقامة العبوديّة على الوجه المراد من المكلّف.
ويجمع الشّريعة والحقيقة كلمتان هما قوله: إيّاك نعبد وإيّاك نستعين فإياك نعبد شريعةٌ وإيّاك نستعين حقيقةٌ، اهـ.
و{اهدنا الصّراط المستقيم} يشمل الأحوال الإنسانيّة وأحكامها من عباداتٍ ومعاملاتٍ وآدابٍ، و{صراط الّذين أنعمت عليهم} يشير إلى أحوال الأمم والأفراد الماضية الفاضلة، وقوله: {غير المغضوب عليهم ولا الضّالّين} يشمل سائر قصص الأمم الضّالّة ويشير إلى تفاصيل ضلالاتهم المحكيّة عنهم في القرآن، فلا جرم يحصل من معاني الفاتحة- تصريحًا وتضمّنًا- علمٌ إجماليٌّ بما حواه القرآن من الأغراض.
وذلك يدعو نفس قارئها إلى تطلّب التّفصيل على حسب التّمكّن والقابليّة. ولأجل هذا فرضت قراءة الفاتحة في كلّ ركعةٍ من الصّلاة حرصا على التّذكّر لما في مطاويها). [التحرير والتنوير: 1/131-134]
قالَ مُحَمَّد الطَّاهِرُ بْنُ عَاشُورٍ (ت: 1393هـ): (وأمّا تسميتها السّبع المثاني فهي تسميةٌ ثبتت بالسّنّة، ففي «صحيح البخاريّ» عن أبي سعيد ابن المعلّى: أنّ رسول اللّه قال: ((الحمد للّه ربّ العالمين هي السّبع المثاني والقرآن العظيم الّذي أوتيته)).
[التحرير والتنوير: 1/134]
ووجه تسميتها بذلك أنّها سبع آياتٍ باتّفاق القرّاء والمفسّرين ولم يشذّ عن ذلك إلّا الحسن البصريّ فقال: هي ثمان آياتٍ، وإلّا الحسين الجعفيّ فقال: هي ستّ آياتٍ، وقال بعض النّاس: تسع آياتٍ ويتعيّن حينئذٍ كون البسملة ليست من الفاتحة لتكون سبع آياتٍ ومن عدّ البسملة أدمج آيتين.
وأمّا وصفها بالمثاني فهو مفاعل جمع مثنًّى بضمّ الميم وتشديد النّون، أو مثنًى مخفّف مثنّى، أو مثنى بفتح الميم مخفّف مثنيٍّ كمعنًى مخفّف معنيٍّ ويجوز تأنيث الجميع كما نبّه عليه السّيّد الجرجانيّ في «شرح الكشّاف» وكلّ ذلك مشتقٌّ من التّثنية وهي بضم ثانٍ إلى أوّلٍ.
ووجه الوصف به أنّ تلك الآيات تثنّى في كلّ ركعةٍ كذا في «الكشّاف». قيل: وهو مأثورٌ عن عمر بن الخطّاب، وهو مستقيمٌ لأنّ معناه أنّها تضمّ إليها السّورة في كلّ ركعةٍ، ولعلّ التّسمية بذلك كانت في أوّل فرض الصّلاة فإنّ الصّلوات فرضت ركعتين ثمّ أقرّت صلاة السّفر وأطيلت صلاة الحضر كذا ثبت في حديث عائشة في «الصّحيح» وقيل: العكس.
وقيل: لأنّها تثنّى في الصّلاة أي تكرّر فتكون التّثنية بمعنى التّكرير بناءً على ما شاع عند العرب من استعمال المثنّى في مطلق المكرّر نحو: {ثمّ ارجع البصر كرّتين} [الملك: 4] وقولهم لبّيك وسعديك، وعليه فيكون المراد بالمثاني هنا مثل المراد بالمثاني في قوله تعالى: {كتاباً متشابهاً مثاني} [الزمر: 23] أي مكرّر القصص والأغراض، وقيل: سمّيت المثاني لأنّها ثنّيت في النّزول فنزلت بمكّة ثمّ نزلت في المدينة وهذا قولٌ بعيدٌ جدًّا وتكرّر النّزول لا يعتبر قائله، وقد اتّفق على أنّها مكّيّةٌ فأيّ معنًى لإعادة نزولها بالمدينة). [التحرير والتنوير: 1/135]
قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَلِيّ مُوسَى (ت: 1429هـ): ( (1) إن كل ما وقع من لفظ السورة فهو إما خبر لمبتدأ محذوف أي هذه الأبيات سورة كذا، أو مبتدأ خبره محذوف أي مسائل آيات سورة كذا سأذكره، وإضافتها إليه من إضافة العام إلى الخاص كإضافة يوم الأحد. وتقدم معنى السورة لغة واصطلاحًا في الفصل الرابع.
(2) ثبت أن جميع أسماء السور بتوقيف من الشارع للأحاديث والآثار فيها، وقد يكون لبعضها اسم واحد ولبعضها أكثر، أما أسماء سورة الفاتحة فأكثر من ذلك لشرفها ومنها أمُّ القران، والقرآن العظيم والسبع المثاني وسورة الكنز والسورة المافية والسورة الشافية وسورة المناجاة؛ لأن العبد يناجي فيها ربه إلى آخر ما ذكره السيوطي في الإتقان ج1/151). [التعليق على القول الوجيز: 160]