قوله تعالى: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74)}
قَالَ أبو بكر محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بشَّار ابن الأَنباريِّ (ت:328هـ): (وقوله: (أن يؤتي أحد مثل ما أوتيتم) [73] قرأت العامة: (أن يؤتى أحد) بفتح (أن) من غير استفهام. وقرأ مجاهد: (آن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم) [73] قرأت العامة: (أن يؤتى أحد) بفتح (أن) من غير استفهام. وقرأ مجاهد: (آن يؤتى) باستفهام. وروي عن الأعمش: (إن يؤتى أحد) بكسر (إن) فمن قرأ (أن يؤتى) بفتح (أن) لم يقف على (هدى الله) لأن (أن) متصلة بالكلام الذي قبلها كأن قال: «ولا تؤمنوا أي: لا تصدقوا أن يؤتى أحد» ويجوز أن يكون المعنى «إن البيان بيان الله فقد بين أن لا يؤتى أحد» ومن الوجهين جميعًا لا يوقف على (هدي الله). ومن قرأ: (آن يؤتى أحد) بالمد وقف على (هدى الله) وابتدأ: (آن يؤتى) على معنى «ألان يؤتى أحد مثل ما أوتيتم لا يؤمنون» كما قال في سورة «نون» (أن كان ذا مال وبنين) [14] فمعناه «ألأن كان ذا مال وبنين يطيعه». ومن قرأ: (إن يؤتى) بكسر الألف وقف على (هدى الله) وابتدأ: (إن يؤتى أحد) على معنى «ما يؤتى أحد». (أو يحاجوكم عند ربكم) وقف حسن.)[إيضاح الوقف والابتداء: 2/578 - 579]
قال أبو عمرو عثمانُ بنُ سَعيدٍ الدَّانِيُّ (ت:444هـ): (ومن قرأ: {أن يؤتى أحد} بالاستفهام وقف على {هدى الله} لأن ذلك مستأنف، وموضعها رفع بالابتداء، والخبر محذوف. والتقدير: أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم تصدقونه على وجه التوبيخ لهم بذلك ليتمسكوا بما هم عليه. ومن قرأ ذلك على الخبر لم يقف على (هدى الله) لأن (أن) مفعول (ولا تؤمنوا)، والتقدير: ولا تؤمنوا لأن يؤتى أحد أو بأن يؤتى فهي متعلقة بما قبلها فلا تقطع منه. {عند ربكم} كاف. {ذو الفضل العظيم} تام.)[المكتفى: 203 - 204]
قال أبو عبدِ الله محمدُ بنُ طَيْفُورَ الغزنويُّ السَّجَاوَنْدِيُّ (ت:560هـ): ({يرجعون – 72 – ج} والوصل أجوز لأن وجه العطف أوضح. {دينكم- 73- ط}. {هدى الله – 73 – لا} لأن التقدير: ولا تصدقوا بأن يؤتي أحد مثل ما أوتيتم إلا لمن تبع دينكم، وقوله: {قل} مع مقوله معترض. ومن قرآ: {أن يؤتي}
مستفهمًا وقف عليها. {عند ربكم – 73 – ط}. {بيد الله -
73- ج} لأن {يؤتيه} لا يتعلق بما قبله مع أن ضميري فاعله ومفعوله عائدان إلى الله والفضل. {من يشاء- 73 – ط}. {عليم – 73 – ج} للآية، [واحتمال ما بعده} الاستئناف والصفة. {ما يشاء- 74 – ط}.)[علل الوقوف: 1/376 - 378]
قال أحمدُ بنُ عبد الكريمِ بنِ محمَّدٍ الأَشْمُونِيُّ (ت:ق11هـ): (آخره ليس بوقف لحرف الترجي بعده لأنَّ الإنسان يترجى بها شيًا يصل إليه بسبب من الأسباب
يرجعون (صالح) لأنَّ ما بعده من جملة الحكاية عن اليهود وأنَّ الواو بعده للعطف فإن جعلت للاستئناف كان الوقف على ترجعون كافيًا
دينكم (تام) يبنى الوقف على هدى الله ووصله بما بعده على اختلاف القراء والمعربين فللقراء في محل أن يؤتى خمسة أوجه وللمعربين فيه تسعة أوجه والوقف تابع لها في تلك الأوجه ولهذا قال الواحدي وهذه الآية من مشكلات القرآن وقال غيره هي أشكل ما في السورة قرأ العامة أن يؤتى بفتح الهمزة والقصر ومعناها قالت اليهود بعضهم لبعض لا تصدقوا ولا تقر وبأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم من العلم والحكمة إلاَّ لمن اتبع اليهودية وقرأ ابن حيصن وحميد فوق العشرة بمد الهمزة على الاستئناف التوبيخي الإنكاري وقرأ ابن كثير في السبع على قاعدته بتسهيل الثانية بين بين من غير مدٍّ بينهما على الاستفهام ولام العلة والمعلل محذوفان أي ألأن يؤتى أحد دبرتم ذلك وقلتموه فحذفت اللام ونصبت أن ومدخولها أي محلهما كأنه قال لا تؤمنوا إلاَّ أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم وقرأ الأعمش وشعيب بن أبي حمزة وسعيد بن جبير أن يؤتى بكسر الهمزة على أنها نافية أي ما يؤتى أحد مثل ما أوتيتم خطاب من النبي صلى الله عليه وسلم لأمته والوقف على دينكم لأنَّ ما بعده يكون منقطعًا عن الأول وقرأ الحسن أن يؤتى بفتح الهمزة وكسر الفوقية وفتح التحتية مبنيًا للفاعل وأحد فاعل والمفعول الأول محذوف أي أحدًا وأبقى الثاني وهو مثل والتقدير أن يؤتى أحدًا أحدًا مثل ما أوتيتم هذا توجيه القراءات وأما توجيه الإعراب ففي محل أن يؤتى تسعة أوجه ثلاثة من جهة الرفع وأربعة من جهة النصب وواحد من جهة الجر وواحد محتمل للنصب والجر ويوقف على هدى الله في أربعة منها وهي إن قرئ أن يؤتى بالاستفهام لأنَّ الاستفهام له صدر الكلام سواء قرئ بهمزة محققة أو مسهلة أو نصب أنَّ على الاشتغال أو علق بالهدى أو أنَّ إن بمعنى ما وليس بوقف إن أعرب أن بدلاً من هدى الله أو خبرًا لأنَّ أو معمولاً لما قبله أو متعلقًا بما قبله أو متعلقًا بلا تؤمنوا أو قرئ أن يؤتى بالفتح والقصر لأنه يصير علة لما قبله كما ستراه
فالأول من أوجه الرفع أن يؤتى يصح أن يكون محله رفعًا على أنه مبتدأ على قول من يرفع نحو أزيد ضربته والخبر محذوف أي ائيتاء أحد مثل ما أوتيتم تصدقونه أو تقرون به أي لا تصدقوا بذلك فهو إنكار أن يؤتى أحد مثل الذي أوتوه من التوراة وغيرها فهو حينئذ من كلام اليهود بعضهم لبعض والوقف على هدى الله تام لأنه من كلام الله
والثاني من أوجه الرفع أن يؤتى بدل من هدى الله الذي هو خبر إن أي إنَّ الهدى هدى الله هو أن يؤتى أحد كالذي جاءنا نحن فيكون من كلام اليهود
والثالث من أوجه الرفع أن أن يؤتى خبر إن
وأما أوجه النصب فأحدها أنَّ أن بفتح الهمزة بمعنى لا نقل ذلك بعضهم عن الفراء فأقام أن مقام ما وأو بمعنى إلاَّ فأن ومدخولها في محل نصب بالقول المحذوف أي وقولوا لهم لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلاَّ أن يحاجوكم وردّ بأن جعل أن المفتوحة للنفي غير محفوظ بل هو قول مرغوب عنه
والثاني من أوجه النصب أن يكون مفعولاً بمحذوف أي إذا كان الهدى هدى الله فلا تنكروا أن يؤتى أحد واستبعده أبو حيان بأنَّ فيه حذف حرف النهي وحذف معموله وهو غير محفوظ ورد عليه تلميذه السمين بأنه متى دل دليل على حذف العامل جاز على أي وجه كان
والثالث من أوجه النصب هو أن يؤتى مفعول لأجله أي ولا تؤمنوا إلاَّ لمن تبع دينكم مخافة أن يؤتى أحد أو مخافة أن يحاجوكم أو أن آن يؤتى بالمد على الاستفهام مفعول لأجله أيضًا فليس هو من قول اليهود أي الخوف أن يؤتى أحد قلتم ذلك ونقل ابن عطية الإجماع على أنَّ ولا تؤمنوا من مقول اليهود غير سديد
والرابع من أوجه النصب أنَّ أن يؤتى منصوب على الاشتغال أي تذكرون أن يؤتى أحد تذكرونه فتذكرونه مفسر بكسر السين ولكونه في قوة المنطق صح أن يفسر
وأما وجه الجر فأن أصلها لأنَّ فأبدلت لام الجر مدة كقراءة ابن عامر آن كان ذا مال بهمزة محققة ومسهلة أو محققتين وبها قرأ حمزة وعاصم أي ألأن كان ذا مال
والوجه المحتمل هو أنَّ أن يؤتى متعلق بلا تؤمنوا على حذف حرف الجر أي ولا تؤمنوا بأن يؤتى أحد ولا يؤمنوا بأن يحاجوكم فيكون أن يؤتى وما عطف عليه مفعولاً لقوله ولا تؤمنوا وعلى هذا لا يوقف على من تبع دينكم لأنَّ أن متصلة بما قبلها فلا يفصل بين الفعل والمفعول ويجوز أن لا تقدر الباء فتقول ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد النبوة والكتاب إلاَّ لمن اتبع دينكم فأن يؤتى من تمام الحكاية عن اليهود وقوله قل إن الهدى هدى الله اعتراض بين الفعل والمفعول وإن جعل أن يؤتى متصلاً بالهدى بتقدير قل إنَّ الهدى هدى الله أن لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم أيها المسلمون وأن لا يحاجوكم كان الوقف على لمن تبع دينكم اهـ من أبي حيان وتلميذه السمين ملخصًا وهذا الوقف جدير بأن يخص بتأليف ولكن ما ذكر فيه كفاية غفر الله لمن نظر بعين الإنصاف وستر ما يرى من الخلاف
عند ربكم (حسن)
بيد الله (كاف) لأنَّ يؤتيه لا يتعلق بما قبله مع أنَّ ضميري فاعله ومفعوله عائدان إلى الله وإلى الفضل قاله السجاوندي
من يشاء (كاف) ومثله واسع عليم وكذا من يشاء
العظيم (تام))[منار الهدى: 80 - 82]
- تفسير