عرض مشاركة واحدة
  #18  
قديم 16 شعبان 1434هـ/24-06-2013م, 03:41 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي عطف الصفات

عطف الصفات
في الأشباه والنظائر [51:4- 52] من فوائد ابن الزملكاني:
الصفات تارة تنسق بحرف عطف، وتارة تذكر بغيره. ولكل مقام معنى يناسبه فإذا كان المقام مقام تعداد صفات من غير نظر إلى جمع أو انفراد حسن إسقاط حرف العطف، وإن أريد الجمع بين الصفتين، أو التنبيه على تغايرهما عطف بالحرف، وكذلك إذا أريد التنويع لعدم اجتماعهما أتى بالحرف أيضاً.
وفي القرآن الكريم أمثلة تبين ذلك. قال الله تعالى: {عسى ربه إن طلقكن أن يبله أزواجاً خيراً منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا} فأتى بالواو قد توهم التنويع، فحذفت وأما الأبكار فلا يكن ثيبات، والثيبات لا يكن أبكاراً، فأتى بالواو لتضاد النوعين.
وقال تعالى: {حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول}. فأتى بالواو بالوصفين الأولين، وحذفها في الوصفين الآخرين لأن غفران الذنب وقبول التوبة قد يظن أنهما يجريان مجرى الواحد لتلازمهما، فمن غفر الذنب قبل التوبة، فبين الله سبحانه وتعالى بعطف أحدهما على الآخر أنهما مفهومان متغايران، ووصفان مختلفان يجب أن يعطي كل واحد منهما حكمه، وذلك مع العطف أبين وأوضح. وأما شديد العقاب وذي الطول فهما كالمتضادين، فإن شدة العقاب تقتضي اتصال الضرر والاتصاف بالطول يقتضي اتصال النفع، فحذف ليعرف أنهما مجتمعان في ذاته تعالى، وأن ذاته المقدسة موصوفة بهما على الاجتماع، فهو في حالة اتصافه بشديد العقاب ذو الطول، وفي حالة اتصافه بذي الطول شديد العقاب، فحسن ترك العطف لهذا المعنى.
وفي الآية التي نحن فيها يتضح معنى العطف وتركها مما ذكرناه، لأن كل صفة مما لم تنسق بالواو مغايرة للأخرى، والفرق أنهما في اجتماعهما كالوصف الواحد لموصوف واحد، فلم يحتج إلى عطف، فلما ذكر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهما متلازمان أو كالمتلازمين مستمدان من مادة واحدة كغفران الذنب وقبول التوبة حسن العطف، ليبين أن كل واحد متعبد به على حدته قائم بذاته لا يكفي منه ما يحصل في ضمن الآخر، بل لا بد أن يظهر أمره بالمعروف بصريح الأمر، ونهيه عن المنكر بصريح النهي، فاحتاج إلى العطف، أيضاً فلما كان الأمر والنهي ضدين أحدهما طلب الإيجاد والآخر طلب الإعدام كانا كالنوعين المتغايرين في قوله (ثيبات وأبكاراً) فحسن العطف بالواو».
وقال السهيلي في نتائج الفكر: [
189- 191]: «قال: وإن شئت عطفت بعض الصفات على بعض. الأصل في باب العطف ألا يعطف الشيء على نفسه، وإنما يعطف على غيره، وعلة ذلك أن حروف العطف بمنزلة تكرار العامل، وتكرار العامل يلزم معه تغاير المعمول. فإذا ثبت هذا ووجدت شيئاً معطوفاً على ما هو بمعناه مثل قوله: (كذباً وزوراً) فما ذلك إلا لمعنى زائد خفي في اللفظ الثاني، أو لضرورة الشعر، فيشبه حينئذ تغاير اللفظين بتغاير المعنيين، فيعطف أحدهما على الآخر.. وإذا كان الأمر كذلك بعد كل البعد أن تقول: «جاءني محمد وأبو عبد الله وهو هو، أو: رضي الله عن عتيق وأبي بكر، وقد علم أن أبا بكر هو عتيق لأنك عطفت الشيء على نفسه، والواو إنما تجمع بين الشيئين، لا بين الشيء الواحد. فإن كان في الاسم الثاني فائدة زائدة على معنى الاسم الأول كنت مخيراً بين العطف وتركه. فإن عطفت فمن حيث قصدت تعداد الصفات، وهي متغايرة، وإن لم تعطف فمن حيث كان في كل واحد منهما ضمير هو الأول، فتقول على الوجه الأول: زيد شاعر وكاتب، وعلى الثاني: شاعر كاتب، كأنك عطفت بالواو الكتابة على الشعر، وحين لم تعطف أتبعت الثاني الأول، لأنه هو من حيث اتحدا لحامل للصفات.
فأما في كتاب الله تعالى فقلما تجد أسماءه الحسنى معطوفاً بالواو نحو: (الرحمن الرحيم) و(العزيز الحكيم) و(الملك القدوس) إلى آخرها لأنها أسماء له سبحانه، والمسمى بها واحد، فلم تجر مجرى الصفات المتغايرة، ولكن مجرى الأسماء المترادفة، نحو الأسد والليث.
فأما قوله سبحانه: {هو الأول والآخر والظاهر والباطن} فلأنها ألفاظ متضادة المعاني في أصل موضوعها، فكان دخول الواو صرفاً لوهم المخاطب قبل التفكر والنظر عن توهم المحال واجتماع الأضداد، لأن الشيء لا يكون ظاهراً باطناً من وجه واحد، وإنما يكون ذلك من وجهين مختلفين، فكان العطف ها هنا أحسن من تركه.
وأما قوله سبحانه: {غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول} فإنما حسن العطف بين الاسمين الأولين لكونهما من صفات الأفعال وفعله سبحانه في غيره لا في نفسه، فدخل حرف العطف للمغايرة الصحيحة بين المعنيين، ولتنزلهما منزلة الجملتين، لأنه سبحانه يريد تنبيه العباد على أنه يفعل هذا ويفعل هذان، ليرجوه ويؤملوه، ثم قال: {شديد العقاب} بغير واو لأن الشدة راجعة إلى معنى القوة والقدرة، وهو معنى خارج عن صفات الفعل، فصار بمنزلة ما تقدم من قوله: {العزيز العليم}.
وكذلك قوله: {ذي الطول} لأن لفظ (ذي) عبارة عن ذاته سبحانه، فصح جميع ما وصلناه والحمد لله».
عطف الصفات
1- {الصابرين والصادقين والقانتين والنفقين والمستغفرين بالأسحار} [17:3]
هذه الأوصاف الخمسة لموصوف واحد، وهم المؤمنون، وعطفت بالواو، ولم تتبع دون عطف لتباين كل صفة من صفة؛ إذ ليست في معنى واحد، فينزل تغاير الصفات وتباينها منزلة تغاير الذوات البحر [
400:2]
2- {وإذ آتينا موسى الكتاب والفرقان} [53:2]
من عطف الصفات. وقيل: الواو زائدة البحر [
202:1]
3- {قد أنزلنا عليكم لباساً يواري سوآتكم وريشاً} [26:7]
{وريشاً}: يحتمل أن يكون من باب عطف الصفات، والمعنى أنه وصف اللباس بشيئين: موارة السوأة والزينة، وعبر عنها بالريش، لأن الريش زينة للطائر، كما أن اللباس زينة للآدميين. ويحتمل أن يكون من باب عطف الشيء على غيره، أي أنزلنا عليكم لباساً موصوفاً بالمواراة، ولباساً موصوفاً بالزينة
الجمل [
130:2]، البحر [282:4]
4- {ولقد آتينا موسى وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين} [48:21]
دخلت الواو على الصفة، كما تقول: مررت بزيد الكريم والعالم، فعلى هذا يكون حالاً، أي الفرقان مضيئاً. وقيل: هي عاطفة، أي آتيناه ثلاثة أشياء: الفرقان والضياء والذكر. العكبري [
71:2]، الجمل [132:3]
وصف المضاف أو المضاف إليه
من كتاب (درة التنزيل وغرة التأويل) للخطيب الإسكافي: [300- 301] «قوله تعالى: {وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها أعيدوا فيها وقيل لهم ذوقوا عذاب النار الذي كنتم به تكذبون} [20:32]
وقال في سورة (سبأ): [
42] {فاليوم لا يملك بعضكم لبعض نفعاً ولا ضراً ونقول للذين ظلموا ذوقوا عذاب النار التي كنتم بها تكذبون}.
للسائل أن يسأل فيقول: ما الذي أوجب في سورة السجدة أن يعود الوصف بالذي إلى العذاب هو مذكر، ويعود مثله في سورة (سبأ) إلى النار التي هي مؤنثة؟ وهل كان اختياراً لو جاء هذا على العكس، وكان ما في سورة السجدة يرجع الوصف فيه إلى النار، وما في الآخرة يرجع الوصف فيه إلى العذاب؟
والجواب أن يقال: إن النار التي في قوله في سورة السجدة ظاهرة في موضع الضمير لتقدم ذكرها في قوله: {وأما الذين فسقوا فمأواهم النار كلما أرادوا أن يخرجوا منها} فأضمرت (أعيدوا فيها) وأظهرت (وقيل لهم ذوقوا عذاب النار) أي عذابها، فوقعت مظهرة مكان المضمر. والتي في سورة (سبأ) لم تجيء هذا المجيء، لأنها في مكانها مظهرة. فلما كان المضمر لا يوصف بعد عن الوصف ما حل محله، لأنه سد مسده، فوصف ما أضيف إليه، وهو العذاب، فجاء (عذاب النار الذي كنتم به تكذبون) ولما لم يتقدم ما في سورة سبأ ما منزلته منزلة المضمر صح الوصف له، فأجرى عليه وجاء (عذاب النار التي كنتم بها تكذبون)».


رد مع اقتباس