عرض مشاركة واحدة
  #30  
قديم 16 شعبان 1434هـ/24-06-2013م, 02:01 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي أدلة الحذف

أدلة الحذف
وأدلة الحذف أنواع:
أحدها: ما يدل العقل على حذفه.. وله مثالان:
أحدهما: قوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة}.
المثال الثاني: قوله: {حرمت عليكم أمهاتكم} فإن العقل يدل على الحذف، إذ لا يصح تحريم الأجرام لأن شرط التكليف أن يكون الفعل مقدورًا عليه، والأجرام لا يتعلق بها قدرة حادثة، وكذلك لا يتعلق بها قدرة قديمة إلا في أول أحوال وجودها. فما لا يتعلق به قدرة ولا إرادة فلا تكليف به إلا عند من يرى التكليف بما لا يطاق، والمقصود الأظهر يرشد إلى أن التقدير: حرم عليكم أكل الميتة، حرم عليكم نكاح الأمهات.
النوع الثاني: من أنوع أدلة الحذف ما يدل عليه العقل بمجرده وله أمثلة:
أحدها: قوله: (وجاء ربك) تقديره: وجاء أمر ربك، أو عذاب ربك، أو بأس ربك.
(هذه هي طريق الخلف وطريق السلف لا يقدرون مضافًا محذوفًا ويقولون: هو مجيء يناسب جلالة الإله).
المثال الثاني: قوله: {هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام} تقديره ما ينظرون إلا أن يأتيهم عذاب الله أو أمر الله في ظلل من الغمام.
المثال الثالث: قوله: {فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا} تقديره: فأتاهم أمر الله أو عذاب الله من حيث لم يحتسبوا.
المثال الرابع: قوله: {فأتى الله بنيانهم من القواعد} تقديره: فأتى الله نقض بنيانهم من القواعد ومما يدل العقل فيه على الحذف قوله تعالى: {أوفوا بالعقود} وقوله: {وأوفوا بعهد الله} أي بمقتضى العقود، ومقتضى عهد الله، لن العقد والعهد قولان قد دخلا في الوجود وانقضيا فلا يتصور فيهما نقض ولا وفاء، وإنما النقض والوفاء لمقتضاهما، وما ترتب عليهما من أحكامهما، وكذلك نكثهما إنما هو نكث لمقتضاهما، وكذلك نقض الطهارات كالوضوء والغسل، إنما هو نقض لما ترتب عليهما من الإباحات، ومعنى انتقض طهارته: انتقض حكم طهارته، وكذلك فسخ عقود المعاملات إنما هو فسخ لمقتضياتها وأحكامها.
النوع الثالث: من أنواع أدلة الحذف ما يدل عليه الوقوع وله مثالان:
أحدهما: قوله تعالى: {وما أفاء الله على رسوله منهم} تقديره: وأي شيء أفاء الله على رسوله من أموالهم. ويدل على هذا المحذوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يملك رقاب بني النضير، ولم يكونوا من جملة الفيء، وأن الذي أفاء الله عليهم إنما كان أموالهم.
الثاني: قوله تعالى: {فما أوجفتم عليه} تقديره: مما أوجفتم على أخذه أو على حيازته، أو على اغتنامه، أو على تحصيله، فيقدر من هذه المحذوفات أخفها وأحسنها وأفصحها وأشدها موافقة للغرض في هذه الآية فتقديرك أخذه هنا أحسن من تقدير: اغتنامه لأنه أخصر، ومن تقدير: حياته، لنقل التأنيث الذي في حياته.
وكذلك جميع حذوف القرآن من المفاعيل والموصوفات وغيرهما لا يقدر إلا أفصحها وأشدها موافقة للغرض، لأن العرب لا يقدرون إلا ما لو لفظوا به لكان أحسن وأنسب لذلك الكلام، كما يفعلون ذلك في الملفوظ به، مثال ذلك قوله تعالى: {جعل الله الكعبة البيت الحرام قيامًا للناس} قدر أبو علي: نصب الكعبة، وقدر بعضهم، حرمة الكعبة، وهو أولى من تقدير أبي علي، لأن تقدير الحرمة في الهدى والقلائد والشهر الحرام لا شك في فصاحته، وتقدير النصب فيها بعيد من الفصاحة.
النوع الرابع: ما يدل العقل على حذفه والعادة على تعيينه؛ كقوله تعالى حكاية عن امرأة العزيز: {فذلكن الذي لمتنني فيه} دل العقل فيه على الحذف، لأن اللوم على الأعيان لا يصح؛ وإنما يلام الإنسان على كسبه وفعله، فيحتمل أن يكون المقدر: لمتنني في حبه لقولهن: {قد شغفها حبًا} ويحتمل أن يكون لمتنني في مراودته لقولهن: {تراود فتاها عن نفسه} ويحتمل أن يكون لمتنني في شأنه وأمره؛ فيدخل فيه المراودة والحب، والعادة دالة على تعيين المراودة، لن الحب المفرط لا يلام الإنسان عليه في العادة لقهره وغلبته، وإنما يلام على المراودة الداخلة تحت كسبه التي يقدر الإنسان أن يدفعها عن نفسه، بخلاف المحبة.
النوع الخامس: ما تدل العادة على حذفه وتعيينه، كقوله تعالى: {لو نعلم قولاً لاتبعناكم} مع أنهم كانوا أخبر الناس بالقتال، ويتعيرون بأنهم لا يعرفونه، فلابد من حذف، قدره مجاهد: لو نعرف مكان قتال. يريدون أنكم تقاتلون في موضع لا يصلح للقتال، ونخشى عليكم منه، ويدل عليه أنهم أشاروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أل يخرج من المدينة، وأن الحزم البقاء في المدينة.
النوع السادس: ما يدل عليه السياق، وله أمثلة:
أحدها: قوله: {فمن يملك لكم من الله شيئًا} أي من يملك لكم من دفع مراد الله شيئًا أو من دفع فتنة الله شيئًا.
المثال الثاني: قوله: {ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئًا} تقدير المحذوف: فلن تملك له من دفع مراد الله شيئًا، أو من دفع فتنة الله شيئًا.
المثال الثالث: قوله: {فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} تقديره: فمن يملك من رد مراد الله شيئًا، أو من دفع مراد الله.
المثال الرابع: قوله {إنا رسل ربك لن يصلوا إليك} أي لن يصلوا إلى خزيك في ضيفك أو لن يصلوا إلى أذيتك.
المثال الخامس: قوله: {إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك} تقديره: إن الملأ يشتورون في قتلك ليقتلوك.
المثال السادس: قوله: {إني تركت ملة قوم} أي تركت ابتاع ملة قوم؛ بدليل مقابلته بقوله: {واتبعت ملة آبائي}.
المثال السابع: قوله: {وعلى الله فليتوكل المؤمنون} يقدر في كل مكان ما يليق به فيقدر في قوله تعالى: {فكف أيديهم عنكم} وعلى وقاية الله فليتوكل المؤمنون.
وكذلك يقدر في قوله: {فإذا عزمت فتوكل على الله} نصر الله ومعونته.
وأما قوله تعالى: {إن العهد كان مسئولاً} فقدر بعضهم: إن ناقض العهد كان مسئولاً عن نقضه. وقدر بعضهم: إن وفاء العهد كان مسئولاً، أي مطلوبًا من المكلفين أن يقوموا به.
النوع الثامن: ما دل العقل على حذفه، والشرع على تعيينه، ومثاله قوله: {لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين} {إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين} دل العقل على الحذف فيه، إذا لا يصح النهي عن الأعيان ودل الشرع على (الصلة) فكان التقدير: لا ينهاكم الله عن صلة الذين لم يقاتلوكم في الدين إنما ينهاكم عن صلة الذين قاتلوكم في الدين، أو عن (بر) الذينلم يقاتلوكم في الدين.
النوع التاسع: ما دل الشرع على حذفه وتعيينه، ومثاله قوله تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} أي لا تقربوا مواضع الصلاة وأنتم سكارى، وهذا عند من رأي ذلك.
ومن جملة الأدلة على الحذف: ألا يستقيم الكلام بدونه، ولا يصح المعنى إلا به، قوله تعالى: {ثم لا تجد لك به علينا وكيلاً} فإنك لو لم تقدر: ثم لا تجد لك برده إليك عينا وكيلاً لم يستقم الكلام.
وقوله: {فلما استيأسوا منه خلصوا نجيًا} أي فلم استيأسوا من رده، وكذلك قوله: {ومن قبل ما فرطتم في يوسف} في حفظ يوسف، وكذلك قوله تعالى: {عليكم أنفسكم} أي عليكم إصلاح أنفسكم.
وعلى الجملة فالمضاف قسمان:
أحدهما: ما يتعين تقديره، كقوله تعالى: {آمنوا بالله} تقديره: آمنوا بوحدانية الله، ولا يقدر: آمنوا بوجود الله، لأن الذين خوطبوا بهذا كانوا مؤمنين بوجوده.. فيقدر في كل مكان ما يليق به.
فائدة: ليس حذف المضاف من المجاز، لأن المجاز استعمال اللفظ في غير ما وضع له أولاً، والكلمة المحذوفة ليست كذلك، وإنما التجوز في أن ينسب إلى المضاف إليه ما كان منسوبًا إلى المضاف، كقوله تعالى: {واسأل القرية التي كانا فيها والعير التي أقلنا}، فنسبة السؤال إلى القرية والعير هو التجوز، لأن السؤال موضوع لمن يفهمه، فاستعماله في الجمادات استعمال الفظ في غير موضعه.


رد مع اقتباس