عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 2 شعبان 1434هـ/10-06-2013م, 08:23 AM
أم صفية آل حسن أم صفية آل حسن غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 2,594
افتراضي

ترتيب نزول سورة النصر

القول الأول: هي آخر سورة نزلت جميعاً فلم تنزل بعدها سورة تامة
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (أخبرنا محمّد بن إسماعيل بن إبراهيم، حدّثنا جعفرٌ، عن أبي العميس، وأخبرنا أحمد بن سليمان، حدّثنا جعفر بن عونٍ، حدّثنا أبو عميسٍ، عن عبد المجيد بن سهيلٍ، عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة، قال: قال لي ابن عبّاسٍ: يا ابن عتبة، أتعلم آخر سورةٍ من القرآن نزلت؟، قلت: نعم {إذا جاء نصر الله والفتح} [النصر: 1]، قال: صدقت "، اللّفظ لأحمد). [السنن الكبرى للنسائي: 10/349]
؟؟قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (أنا محمدُ بنُ إسماعيلَ بنِ إبراهيمَ، نا جَعْفَرٌ، عَنْ أبِي العُمَيسِ، وأنا أحمدُ بنُ سُليمانَ، نا جَعْفرُ بنُ عَوْنٍ، نا أَبُو عُمَيسٍ، عَنْ عبدِ المجيدِ بنِ سُهَيلٍ، عَنْ عُبيدِ اللهِ بْنِ عبدِ اللهِ بنِ عُتْبةَ، قَالَ: قَالَ ليَ ابنُ عباسٍ: يَا ابنَ عُتْبةَ: أتعلَمُ آخرَ سورةٍ منَ القرآنِ نَزَلَتْ؟ قلْتُ: نعمْ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} قَالَ: صدقْتَ.
اللفظُ لأحمدَ). [تفسير النسائي: 2/568]

قَالَ أحمدُ بنُ الحسينِ بنِ عليٍّ البَيْهَقِيُّ (ت: 458 هـ): (أَخْبَرَنَا محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحافظُ، قالَ: أخبرَنَا أبو الحسينِ عليُّ بنُ عبدِ الرحمنِ السَّبِيعِيُّ بالكُوفةِ، قالَ: حدَّثَنا أحمدُ بنُ حازمِ بنِ أبي غَرَزَةَ، قالَ: حَدَّثَنَا جعفرُ بنُ عَوْنٍ، قالَ: أَخْبَرَنَا أبو الْعُمَيْسِ عن عبدِ المَجِيدِ بنِ سُهَيْلٍ، عن عُبَيدِ اللهِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ، قالَ: قَالَ لي ابنُ عبَّاسٍ: تَعْلَمُ آخرَ سورةٍ مِنَ القرآنِ نَزَلَتْ جَمِيعًا؟ قُلْتُ: نَعَمْ، {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ..}. قالَ: صَدَقْتَ. رواهُ مسلمٌ في الصحيحِ، عن أبي بَكْرِ بنِ أبي شَيْبَةَ، وَغَيْرُهُ عَنْ جَعْفَرِ بنِ عَوْنٍ). [دلائلُ النبوةِ: 7/134]
قالَ أَبُو الْمُظَفَّرِ مَنْصُورُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّمْعَانِيُّ (ت: 489هـ): (وقد قيلَ: إنها آخِرُ سُورةٍ نَزلتْ مِن القرآنِ كاملةً، واللهُ أَعْلَمُ). [تفسير القرآن: 6/297]
قالَ مَحْمُودُ بْنُ عُمَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ (ت: 538هـ): (وهي آخِرُ ما نَزَلَ مِن السُّوَرِ) [الكشاف: 6/450]
قالَ مَحْمُودُ بْنُ عُمَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ (ت: 538هـ): (نَزَلَتْ بعدَ التَّوْبَةِ) [الكشاف: 6/450]
قالَ عبدُ الحَقِّ بنُ عبدِ الرحمنِ بنِ عبدِ اللَّهِ الإشْبِيليُّ (ت: 581هـ): (مسلمٌ: حدَّثَنا أبو بَكْرِ بنُ أبي شَيْبةَ، وهارونُ بنُ عبدِ اللَّهِ وعبدُ بنُ حُمَيدٍ، قالَ عبدٌ: أنا. وقالَ الآخرانِ: ثَنَا جَعْفَرُ بنُ عَوْنٍ، ثنا أبو عُمَيسٍ، عن عبدِ المجيدِ بنِ سُهَيلٍ، عن عُبَيدِ اللَّهِ بنِ عبدِ اللَّهِ بنِ عُتْبةَ، قالَ: قالَ لي ابنُ عَبَّاسٍ: تَعْلَمُ -وقالَ هارونُ: تَذْكُرُ- آخِرَ سُورَةٍ نزَلَتْ من القرآنِ جَمِيعًا؟قلتُ: نَعَمْ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالفَتْحُ} قالَ: صَدَقْتَ.
وفي روايةِ ابنِ أَبِي شَيْبَةَ: تَعْلَمُ أيُّ سُورةٍ، ولم يَقُلْ آخِرُ). [الأحكام الشرعية الكبرى: 4/247-248]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (وفي أَفْرَادِ مسلمٍ مِنْ حديثِ ابن عبَّاسٍ، أنَّها آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ جَميعًا) [زاد المسير: 9/255]
قَالَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ الغَافِقِيُّ (ت: 619هـ): ( (س): وَعَنْ عُبيدِ اللهِ بنِ عَبْدِ اللهِ بنِ عُتْبَةَ قَالَ: قَالَ لِيَ ابنُ عبَّاسٍ: يا ابنَ عُتْبَةَ، تَعلَمُ أيَّ سُورةٍ نَزَلَتْ مِنَ الْقرآنِ جَميعًا؟ قَالَ: قُلتُ: نَعَمْ؛ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} قَالَ: صَدَقْتَ). [لمحات الأنوار: 3/1082-1083]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القُرْطُبِيُّ (ت: 671هـ): (وهي آخِرُ سورةٍ نزَلَتْ جميعًا؛ قالَه ابنُ عبَّاسٍ في صَحِيحِ مُسلِمٍ) [الجامع لأحكام القرآن: 20/229]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ النَّسَفِيُّ (ت: 710هـ): (وهي آخر ما نزل من السور) [مدارك التنزيل:3/2007]

قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بْنِ جُزَيءٍ الكَلْبِيُّ (ت: 741هـ): (نزلت بعد التوبة). [التسهيل: 2/520]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بْنِ جُزَيءٍ الكَلْبِيُّ (ت: 741هـ): (نزلت بمنى في حجة الوداع فتعد مدنية). [التسهيل: 2/520]

قالَ حَيْدَرُ بْنُ عَلِيٍّ القَاشِيُّ (ت: 776هـ): (مُسْلِم عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَدْرِي سُورَةً نَزَلَتْ مِنَ الْقُرْآنِ جَمِيعًا؟ قُلْتُ: نَعَمْ: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، قَالَ: صَدَقْتَ.. الْحَدِيثَ فِي أَنَّهَا رُبُعُ الْقُرْآنِ). [المعتمد في المنقول: 2/498] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ رَجَبٍ الحَنْبَلِيُّ (ت: 795 هـ): (وفي (صحيحِ مسلمٍ) عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قالَ: آخِرُ سُورةٍ نزَلَتْ مِن القرآنِ جَمِيعاً: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} ). [رسالة تفسير سورة النصر]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (وقد أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِن حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ أنها آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ مِنَ القرآنِ، وقد تَقَدَّمَ في تَفْسِيرِ بَرَاءَةٌ أَنَّهَا آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ، والجمعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ آخِرِيَّةَ سُورَةِ النَّصْرِ نُزُولُهَا كَامِلَةً بخِلافِ بَرَاءَةٌ، كما تَقَدَّمَ تَوْجِيهُهُ). [فتح الباري: 8/734]
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): (وَقَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ). [عمدة القاري: 20/5]
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الإِيجِيُّ الشَّافِعِيُّ (ت: 905 هـ): (وفي مُسْلِمٍ، والطَّبَرَانِيِّ، والنَّسَائِيِّ: إنها آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ مِنَ القرآنِ جميعًا). [جامع البيان: 4/540]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شيبةَ وَابْنُ مَرْدُويَهْ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ مِن الْقُرْآنِ جَمِيعاً {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} ). [الدر المنثور: 15/728]
قال عليُّ بنُ حسامِ الدينِ الهنديُّ البرهانُ فوري المتقي (ت: 957هـ): (4727- (ابنُ عَبَّاسٍ) عن عُبَيْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُتْبَةَ قالَ: قالَ لي ابنُ عَبَّاسٍ: أَتَعْلَمُ أَيَّ آخِرِ سُورَةٍ نَزَلَتْ جَمِيعًا؟ قُلْتُ: نَعَمْ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} قالَ: صَدَقْتَ. (ش) ). [كنز العمال: 2/560]
قالَ أبو الثَّناءِ مَحْمُود بن عبد الله الأَلُوسِيُّ (ت: 1270هـ): (ويَدلُّ على مَدَنِيَّتِها أيضًا ما أَخْرَجَه مسلِمٌ وابنُ أبي شَيبةَ وابنُ مَرْدَوَيْهِ عن ابنِ عبَّاسٍ أنه قالَ: آخِرُ سورةٍ نَزَلَتْ مِن القرآنِ جَميعًا {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ} ). [روح المعاني: 29/255] (م)
قالَ مُحَمَّد صِدِّيق حَسَن خَان القِنَّوْجِيُّ (ت: 1307هـ): (وَهي آخرُ سورةٍ نَزَلَتْ جَمِيعاً). [فتح البيان: 15/428]
قالَ مُحَمَّدُ جَمَالُ الدِّينِ القَاسِمِيُّ (ت: 1332هـ): (وهيَ آخِرُ سورةٍ نَزَلَتْ في روايَةٍ عن ابنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما). [محاسن التأويل: 9/ 560]
قالَ مُحَمَّد الطَّاهِرُ بْنُ عَاشُورٍ (ت: 1393هـ): (وعن ابن عبّاسٍ (أنّها آخر سورةٍ نزلت من القرآن) فتكون على قوله السّورة المائة وأربع عشرة نزلت بعد سورة براءة ولم تنزّل بعدها سورةٌ أخرى). [التحرير والتنوير: 30/589]
القول الثاني: هي السورة المائة والثلاث
قَالَ رِضْوانُ بنُ مُحَمَّدٍ المُخَلِّلاتِيُّ (ت: 1311هـ): (ونزلت بعد سورة الحشر ونزلت بعدها سورة النور). [القول الوجيز: 360]
قالَ مُحَمَّد الطَّاهِرُ بْنُ عَاشُورٍ (ت: 1393هـ):
(وعدّها جابر بن زيدٍ السّورة المائة والثّلاث في ترتيب نزول السّور، وقال: (نزلت بعد سورة الحشر وقبل سورة النّور).
وهذا جارٍ على رواية أنّها نزلت عقب غزوة خيبر).[التحرير والتنوير: 30/589]


تأريخ نزولها
القول الأول: بعد فتح مكة وغزوة حنين

قالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ): (حَدَّثَنَا ابنُ حُمَيْدٍ، قالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، قالَ: ثَنِي ابنُ إسحاقَ، عن بعضِ أصحابِهِ، عن عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، قالَ: نَزَلَتْ سُورَةُ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} كلُّها بالمدينةِ بعدَ فتْحِ مكَّةَ). [جامع البيان: 24/711] (م)
قَالَ عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ الْحَسَنِ ابنُ أَبِي رُوبَى (ت:356 هـ): حدَّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ ثابِتٍ الثَّورِيُّ عن أَبِيه عن الْهُذَيْلِ بنِ حَبِيبٍ عنْ مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ البلخيِّ (ت:150هـ): ( {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} نَزَلَتْ هَذِهِ السّورَةُ بعدَ فَتْحِ مَكَّةَ والطَّائِفِ). [تفسير مقاتل بن سليمان: 3/530]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّعْلَبِيُّ (ت: 427هـ): (وأَخْبَرَنَا ابنُ فَنْجَوَيْهِ الحافظُ، أَخْبَرَنَا عبدُ اللَّهِ بنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِمْرَانَ، أَخْبَرَنَا أبو الدَّرْدَاءِ عبدُ العزيزِ بنُ المُنِيبٍ، أَخْبَرَنَا إسحاقُ بنُ عبدِ اللَّهِ بنِ كَيْسَانَ، حَدَّثَنِي أبي، عن عِكْرِمَةَ، عن ابنِ عَبَّاسٍ، قالَ: أَقْبَلَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن غَزْوَةِ حُنَيْنٍ فنَزَلَ عليه: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} السورةَ، فقالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَا عَلِيُّ، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، قَدْ جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وَرَأَيْتُ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً، سُبْحَانَ رَبِّي وَبِحَمْدِهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ، إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً، وَيَا عَلِيُّ بْنَ أَبي طَالِبٍ، إِنَّهُ يَكُونُ مِنْ بَعْدِي فِي الْمُؤْمِنِينَ الْجِهَادُ)).
فقالَ عليٌّ رَضِيَ اللهُ عنه: ما نُجَاهِدُ المؤمنينَ الذين يقولونَ: آمَنَّا؟ قالَ: ((عَلَى الإِحْدَاثِ فِي الدِّينِ إِذَا عَمِلُوا بِالرَّأْيِ، وَلاَ رَأْيَ فِي الدِّينِ؛ إِنَّمَا الدِّينُ مِنَ الرَّبِّ، أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ)).
فقالَ عليٌّ: يا رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَرَأَيْتَ إنْ عُرِضَ لنا أَمْرٌ لم يُبَيِّنِ اللَّهُ فيه قُرْآناً، ولم يُنَصَّ فيه سنةٌ مِنْكَ؟ قالَ: ((تَجْعَلُونَهُ شُورَى بَيْنَ الْعَابِدِينَ، وَلاَ تَقْضِيَنَّ بِرَأْيِ خَاصَّةٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُسْتَخْلِفاً أَحَداً لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَحَقَّ مِنْكَ؛ لِقِدَمِكَ فِي الإِسْلاَمِ وَقَرَابَتِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ وَصِهْرِكَ، وَعِنْدَكَ فَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَبْلَ ذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ بَلاَءِ أَبِي طَالِبٍ إِيَّايَ حِينَ نَزَلَ الْقُرْآنُ، فَأَنَا حَرِيصٌ عَلَى أَنْ أَرْعَى ذَلِكَ فِي وَلَدِهِ)) ). [الكشف والبيان: 10/322]
قالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاحِدِيُّ (ت: 468هـ): (أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بنُ مُحَمَّدٍ المُؤَذِّنُ، أَخْبَرَنا أَبُو عُمَرَ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ المُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ سُفيانَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ سَلامٍ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ بنِ كَيْسَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّم من غزوةِ حُنَيْنٍ وأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} قَالَ: ((يَا عَلِيَّ ابنَ أَبِي طَالِبٍ، ويَا فَاطِمَةُ، قُولاَ: {جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ والفَتْحُ (1) ورَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخلُوُن َفي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجا}، فُسْبَحَانَ رَبِّي وبِحَمْدِه، وأَسْتَغْفِرُهُ إِنَّه كَانَ تَوَّاباً)) ). [أسباب النزول: 544]
قالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاحِدِيُّ (ت: 468هـ): (نَزَلَتْ في مُنْصَرَفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّم مِن غزوةِ حُنَيْنٍ، وعَاشَ سَنَتَيْنِ بَعْدَ نُزولِهَا). [أسباب النزول: 544]
قالَ أَبُو حَيَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الأندَلُسِيُّ (ت: 745هـ ): (نَزَلَتْ مُنْصَرَفَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ مِنْ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ، وَعَاشَ بَعْدَ نُزُولِهَا سَنَتَيْنِ). [النهر الماد: 1313]
قالَ أَبُو حَيَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الأندَلُسِيُّ (ت: 745هـ): (نَزَلَتْ مُنْصَرَفَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غزوةِ خَيْبَرَ، وَعَاشَ بَعْدَ نُزُولِهَا سَنَتَيْنِ). [البحر المحيط: 8/746]
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): (وَقَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ. وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ: وَذَلِكَ مُنْصَرَفَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنْ حُنَيْنٍ، وَعَاشَ بَعْدَ نُزُولِهَا سَنَتَيْنِ). [عمدة القاري: 20/5]

قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدُويَهْ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غزوةِ حُنَيْنٍ أُنْزِلَ عَلَيْهِ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَا عَلِيُّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وَرَأَيْتُ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً، فَسُبْحَانَ رَبِّي وَبِحَمْدِهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ، إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً)) ). [الدر المنثور: 15/724]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ أُنْزِلَ عَلَيْهِ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}. إِلَى آخِرِ القِصَّةِ). [الدر المنثور: 15/724]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: نَزَلَتْ سُورَةُ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}. كُلُّهَا بالمدينةِ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ وَدُخُولِ النَّاسِ فِي الدِّينِ يَنْعِي إِلَيْهِ نَفْسَهُ). [الدر المنثور: 15/721] (م)
قالَ مُحَمَّدُ الطَّاهِرُ بْنُ عَاشُورٍ (ت: 1393هـ): (وقالَ الواحديُّ: ( عن ابنِ عبَّاسٍ: نَزلتْ مُنْصَرَفَه مِن حُنَيْنٍ)؛ فيَكونُ الفتحُ قد مَضَى ودُخولُ الناسِ في الدِّينِ أفواجًا مستَقْبَلاً، وهو في سَنةِ الوُفودِ سنةَ تِسْعٍ، وعليه تكونُ (إذا) مستَعْمَلَةً في مُجَرَّدِ التوقيتِ دُونَ تَعْيِينِ). [التحرير والتنوير: 30/589]

القول الثاني: في حجة الوداع

قالَ أحمدُ بنُ الحسينِ بنِ عليٍّ الْبَيْهَقِيُّ (ت: 458هـ): (أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عبدُ الرحمنِ بنُ أبي حامدٍ الْمُقْرِئُ، أَنْبَأَنَا أبو العبَّاسِ الأَصَمُّ، حَدَّثَنَا أبو عَلِيٍّ الحسنُ بنُ إسحاقَ بنِ مُنِيرٍ الْعَطَّارُ، حَدَّثَنَا زيدُ بنُ الحُبَابِ، أَخْبَرَنِي مُوسَى بنُ عُبْيَدَةَ الرَّبَذِيُّ، قالَ: أَخْبَرَنِي صَدَقَةُ بْنُ يَسَارٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، قالَ: نَزَلَتْ هذهِ الآيةُ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في وَسَطِ أيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَعَرَفَ أنَّهُ الْوَدَاعُ، فَأَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ الْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ، فَرَكِبَ فَوَقَفَ بالعَقَبَةِ وَاجْتَمَعَ الناسُ، فَذَكَرَ الحديثَ في وضعِ الدمِ وَالرِّبَا وَاسْتِدَارَةِ الزمانِ، ثُمَّ قَالَ: ((وَ{إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا} - وَذَلِكَ أَنَّهُم كانوا يَجْعَلُونَ صَفَرَ عَامًا حَرَامًا، وَعَامًا حَلالاً، وَعَامًا حَرَامًا، وَذَلِكَ النَّسِيءُ-. أَيُّهَا الناسُ، مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَلْيُؤَدِّهَا إلى مَنِ ائْتَمَنَهُ عليها، أيُّهَا الناسُ، إنَّهُ لا يَحِلُّ لامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ شَيْءٌ إلاَّ مَا طَابَتْ بهِ نَفْسُهُ)). وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
كَذَا فِي هذهِ الروايةِ، وَيُذْكَرُ عن أبي سَعِيدٍ مَا يَدُلُّ على أنَّهَا نَزَلَتْ عامَ الفتحِ، واللهُ أَعْلَمُ). [دلائلُ النبوةِ: 5/ 447]
قالَ أَبُو الْمُظَفَّرِ مَنْصُورُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّمْعَانِيُّ (ت: 489هـ): (وقيلَ: إنَّ السورةَ نَزلَتْ في أَوسَطِ أيَّامِ التشريقِ). [تفسير القرآن: 6/297]
قالَ مَحْمُودُ بْنُ عُمَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ (ت: 538هـ): (رُوِيَ أنها نَزَلَتْ في أيَّامِ التشريقِ بمنًى في حَجَّةِ الوَدَاعِ‏‏). [الكشاف: 6/450]‏
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ): (وقالَ ابنُ عمرَ: نَزَلَتْ هذه السورةُ على النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمِنًى في وَسَطِ أيامِ التَّشْرِيقِ، في حَجَّةِ الوَدَاعِ، وعاشَ بعدَها ثَمَانِينَ يومًا أو نحوَها، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ). [المحرر الوجيز: 15/593]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القُرْطُبِيُّ (ت: 671هـ): (وقيلَ: نَزَلَت في مِنًى بعدَ أيَّامِ التشريقِ، في حَجَّةِ الوَدَاعِ). [الجامع لأحكام القرآن: 20/232]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القُرْطُبِيُّ (ت: 671هـ): (وقالَ ابنُ عُمَرَ: نَزَلَتْ هذه السورةُ بِمِنًى في حَجَّةِ الوَدَاعِ). [الجامع لأحكام القرآن: 20/233]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ النَّسَفِيُّ (ت: 710هـ): (ورُوِيَ أنَّهَا نزَلَتْ في أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بمِنًى في حَجَّةِ الوَدَاعِ). [مدارك التنزيل:3/2007]
قالَ نِظَامُ الدِّينِ الحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ القُمِّيُّ (ت: 728هـ): (يُرْوَى أنَّ فَتْحَ مَكَّةَ كانَ سَنَةَ ثَمانٍ، ونُزولُ السورةِ سَنَةَ عَشْرٍ، ولم يَعِشْ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ بعدَ نُزُولِها إلاَّ سَبْعِينَ يَوْماً، ولذلك تُسَمَّى سُورَةَ التَّوْديعِ). [غرائب القرآن: 30/206]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بْنِ جُزَيءٍ الكَلْبِيُّ (ت: 741هـ): (وقالَ ابنُ عُمَرَ: نَزَلَتْ هذه السورةُ بِمِنًى أَيَّامَ التشريقِ في حَجَّةِ الوداعِ، وعاشَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعدَها ثمانينَ يَوْمًا أو نَحْوَها). [التسهيل: 221]
قالَ أَبُو حَيَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الأندَلُسِيُّ (ت: 745هـ ): (وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِمِنًى مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَعَاشَ بَعْدَهَا ثَمَانِينَ يَوْمًا). [النهر الماد: 1313]
قالَ أَبُو حَيَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الأندَلُسِيُّ (ت: 745هـ): (وَقالَ ابنُ عُمَرَ: نَزَلَتْ في أَوْسَطِ أيامِ التشريقِ بِمِنًى في حجَّةِ الوداعِ، وَعَاشَ بَعْدَهَا ثَمَانِينَ يَوْماً أَوْ نَحْوَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ). [البحر المحيط: 8/746]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَخْلُوفٍ الثَّعَالِبِيُّ (ت: 875 هـ): (قَالَ ابْنُ عُمَرَ: نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى فِي أوسطِ أَيَّامِ التشريقِ فِي حِجَّةِ الوداعِ، وعَاشَ بَعْدهَا ثَمَانِينَ يَوْماً أَوْ نَحْوَهَا). [الجواهر الحسان: 5/635]
قالَ عُمَرُ بنُ عَلِيِّ بْنِ عَادِلٍ الدِّمَشْقِيُّ الحَنْبَلِيُّ (ت: 880هـ): (فَصْلٌ في نُزُولِ السُّورَةِ
قَالَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ بـ (مِنًى) في حِجَّةِ الوَدَاعِ ثُمَّ نَزَلتْ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلْيِكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} فَعَاشَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهَا خَمْسِينَ يَوْمًا، ثُمَّ نَزَلَ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} [التَّوْبَةِ: 128] فَعَاشَ بَعْدَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسَةً وثَلاثِينَ يَوْمًا، ثُمَّ نَزَلَتْ: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البَقَرَةِ: 281] فَعَاشَ بَعْدَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا وعِشْرِينَ يَوْمًا.
وقَالَ مُقَاتِلٌ: سَبْعَةَ أيَّامٍ.
وقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ). [اللباب: 20/546]
قَالَ بُرْهَانُ الدِّينِ إِبْرَاهِيمُ بنُ عُمَرَ البِِقَاعِيُّ (ت: 885هـ): (ونُزُولُها في أوْسَطِ أيامِ التشريقِ من حَجَّتِه عليه أفضلُ الصلاةُ والسلامُ سَنَةَ عَشْرٍ). [نظم الدرر: 8/564]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شيبةَ وعبدُ بْنُ حُمَيْدٍ والبَزَّارُ وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ مَرْدُويَهْ والبَيْهَقِيُّ فِي (الدلائلِ) عَن ابْنِ عُمَرَ قَالَ: هَذِهِ السُّورَةُ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْسَطَ أَيَّامِ التشريقِ بِمِنًى، وَهُوَ فِي حِجَّةِ الوداعِ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} حَتَّى خَتَمَهَا، فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ الوَدَاعُ). [الدر المنثور: 15/721]

قالَ الخَطِيبُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الشِّرْبِينِيُّ (ت: 977هـ): (ورُويَ أنَّها نزلتْ في أيامِ التَّشريقِ بمنًى في حجَّةِ الوداعِ). [تفسير القرآن الكريم: 4/ 601]
قالَ الخَطِيبُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الشِّرْبِينِيُّ (ت: 977هـ): (وَقِيلَ: نَزَلَتْ في مِنًى بعدَ أيامِ التَّشريقِ في حجَّةِ الودَاعِ). [تفسير القرآن الكريم: 4/ 603] (م)
قالَ الخَطِيبُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الشِّرْبِينِيُّ (ت: 977هـ): (وعنِ ابنِ عمرَ نزَلَتْ هذهِ السُّورةُ بمنًى في حجَّةِ الوداعِ ثم نزلَ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} فعاشَ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعدَها ثمانِينَ يومًا ثمَّ نَزَلَتْ آيَةُ الكَلالةِ فعاشَ بَعدَها خمسينَ يومًا ثم نَزَلَتْ {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} فعاشَ بعدها خَمسَةً وثَلاثِينَ يَومًا، ثمَّ نَزَلَ {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} فعاشَ بعدَها أحَدًا وعِشرينَ يومًا، وقَالَ مقاتلٌ: سبعةَ أيامٍ، وَقِيلَ غيرَ ذلكَ). [تفسير القرآن الكريم: 4/ 603]
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الشَّوْكَانِيُّ (ت: 1250هـ): (وَأَخْرَجَ ابنُ أبي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالبزَّارُ وَأبو يَعْلَى وَابنُ مَرْدُويَه وَالبيهقيُّ في الدلائلِ عَنِ ابنِ عمرَ قَالَ: هذهِ السورةُ نَزَلَتْ على رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْسَطَ أَيَّامِ التشريقِ بِمِنًى، وَهوَ في حجَّةِ الوداعِ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} حتَّى خَتَمَهَا، فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّهَا الوَدَاعُ) [فتح القدير: 5/740]
قالَ مُحَمَّد صِدِّيق حَسَن خَان القِنَّوْجِيُّ (ت: 1307هـ): (وَعن ابنِ عمرَ قَالَ: هذهِ السورةُ نَزَلَتْ على رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَوْسَطَ أيَّامِ التشريقِ بِمِنًى وَهوَ في حَجَّةِ الوداعِ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}. حتَّى خَتَمَهَا فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّها الوداعُ.
أَخْرَجَهُ البَزَّارُ وَأبو يَعْلَى وَالبَيْهَقِيُّ). [فتح البيان: 15/427]
قالَ مُحَمَّد صِدِّيق حَسَن خَان القِنَّوْجِيُّ (ت: 1307هـ): (وعن ابنِ عُمَرَ: نَزَلَتْ هذهِ السورةُ بِمِنًى في حجَّةِ الوداعِ، ثمَّ نَزَلَ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}. فَعَاشَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهَا ثَمَانِينَ يَوْماً، ثمَّ نَزَلَتْ آيةُ الكلالةِ، فَعَاشَ بَعْدَهَا خَمْسِينَ يَوْماً، ثمَّ نَزَلَ: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ}. فَعَاشَ بعدَهَا أَحَداً وَعشرينَ يَوْماً، وَقِيلَ: سبعةَ أَيَّامٍ، وَقِيلَ: غيرُ ذلكَ). [فتح البيان: 15/434]
قالَ مُحَمَّدُ جَمَالُ الدِّينِ القَاسِمِيُّ (ت: 1332هـ): (قالَ الحافظُ ابنُ حَجَرٍ في (فتحُ البارِي): ولأَبِي يَعْلَى مِنْ حديثِ ابنِ عمرَ: نَزَلَتْ هذهِ السورةُ في أَوْسَطِ أيَّامِ التشريقِ، في حَجَّةِ الوداعِ). [محاسن التأويل: 9/ 562] (م)
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُصْطَفَى المَرَاغِيُّ (ت: 1371هـ): (قَالَ ابْنُ عُمَرَ: نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ بِمِنًى فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ، ثُمَّ نَزَلَتْ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} فَعَاشَ بَعْدَهَا ثَمَانِينَ يَوْمًا، ثُمَّ نَزَلَتْ آيَةُ الكَلالَةِ فَعَاشَ بَعْدَهَا خَمْسِينَ، ثُمَّ نَزَلَتْ {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} فَعَاشَ بَعْدَهَا خَمْسَةً وَثَلاثِينَ يَوْمًا، ثُمَّ نَزَلَتْ {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} فَعَاشَ بَعْدَهَا وَاحِدًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا.
وَصَلِّ وَسَلِّمْ رَبَّنَا عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا وَرَابَطُوا فِي سَبِيلِ اللهِ). [تفسير المراغي: 30/260]

قالَ مُحَمَّدُ الطَّاهِرُ بْنُ عَاشُورٍ (ت: 1393هـ): (ورَوَى البَزَّارُ والبَيْهَقِيُّ وابنُ أبي شَيْبَةَ وعبدُ بنُ حُميدٍ عن ابنِ عُمَرَ: أنها أُنزِلَتْ أَواسِطَ أَيَّامِ التشريقِ؛ أيْ: عامَ حَجَّةِ الوَداعِ. وضَعَّفَه ابنُ رجَبٍ بأنَّ فيه موسى بنَ عُبَيْدَةَ، وهو ضَعيفٌ. وقالَ أحمدُ بنُ حَنبلٍ: لا تَحِلُّ الروايةُ عنه، وإنْ صحَّتْ هذه الروايةُ كان الفتْحُ ودُخولُ الناسِ في الدِّينِ أَفواجًا قد مَضَيَا). [التحرير والتنوير: 30/589]
قَالَ أََحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَنَّاءُ الدِّمْيَاطِيُّ (ت: 1117هـ): (مَدَنِيَّةٌ، وَعَنْ أَبِي عَمْرٍو فِي أَوْسَطِ أَيَّامِ اَلتَّشْرِيقِ بِمِنًى فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ). [إتحاف فضلاء البشر: 635] (م)
قلت: (هكذا في المطبوع، ولعله تصحيف من الناسخ، وصوابه: عن ابن عمر).
قالَ مُحَمَّدُ الطَّاهِرُ بْنُ عَاشُورٍ (ت: 1393هـ): (وعن ابنِ عمرَ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عاشَ بعْدَ نُزولِها نحوَ ثلاثةِ أَشْهُرٍ، وعليه تكونُ (إذا) مستَعْمَلَةٌ للزمَنِ الماضي؛ لأنَّ الفتْحَ ودُخولَ الناسِ في الدِّينِ قد وَقَعَا). [التحرير والتنوير: 30/589]

القول الثالث: نزلت قبل فتح مكة، وبعد غزوة خيبر
قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ الْجَارُودِ الطَّيَالِسِيُّ (ت: 204هـ): (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، سَمِعَ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} قَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى خَتَمَهَا، ثُمَّ قَالَ: ((أَنَا وَأَصْحَابِي حَيِّزٌ، وَالنَّاسُ حَيِّزٌ، لا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ)).

قال أَبُو سَعِيدٍ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ، وَكَانَ أَمِيرًا عَلَى الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: كَذَبْتَ. وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، فَقُلْتُ: أَمَا إِنَّ هَذَيْنِ لَوْ شَاءَا لَحَدَّثَاكَ، وَلَكِنَّ هَذَا يَخْشَى أَنْ تَنْزِعَهُ عَنِ الصَّدَقَةِ، وَهَذَا يَخْشَى أَنْ تَنْزِعَهُ عَنْ عِرَافَةِ قَوْمِهِ. فَرَفَعَ عَلَيَّ الدِّرَّةِ، فَلَمَّا رَأَيَا ذَلِكَ قَالا: صَدَقَ). [مُسْنَدُ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ: 1/494-495]
قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ الْجَارُودِ الطَّيَالِسِيُّ (ت: 204هـ): (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، سَمِعَ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} قَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى خَتَمَهَا، ثُمَّ قَالَ: ((أَنَا وَأَصْحَابِي حَيِّزٌ، وَالنَّاسُ حَيِّزٌ، لا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ)) قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ، وَكَانَ أَمِيرًا عَلَى الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: كَذَبْتَ، وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، وَهُمَا مَعَهُ عَلَى السَّرِيرِ، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَمَا إِنَّ هَذَيْنِ لَوْ شَاءَا لَحَدَّثَاكَ، وَلَكِنَّ هَذَا يَخْشَى أَنْ تَنْزِعَهُ عَنْ عِرَافَةِ قَوْمِهِ، وَهَذَا يَخْشَى أَنْ تَنْزِعَهُ عَنِ الصَّدَقَةِ؛ يَعْنِي: زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، قَالَ: فَرَفَعَ عَلَيْهِ الدِّرَّةَ، فَلَمَّا رَأَيَا ذَلِكَ قَالا: صَدَقَ). [مُسْنَدُ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ: 3/657]
قالَ أحمدُ بنُ محمدِ بنِ حَنْبَلٍ الشَّيبانيُّ (ت: 241هـ): (حَدَّثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، حَدَّثنا شُعبةُ، عن عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عن أبي البَخْتَرِيِّ الطائيِّ، عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، عن رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أنه قالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هذهِ السُّورةُ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ} قالَ: قرَأَهَا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ حتى ختَمَها، وقالَ: ((الناسُ حَيِّزٌ، وأَنَا وأَصْحَابِي حَيِّزٌ)).
وقالَ: ((لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ)) فقالَ له مَرْوانُ: كَذَبْتَ. وعندَه رافعُ بنُ خَدِيجٍ، وزَيدُ بنُ ثابتٍ، وهما قاعدانِ معَه على السريرِ، فقالَ أبو سعيدٍ: لو شاءَ هذانِ لحَدَّثاكَ، ولكن هذا يخافُ أن تَنْزِعَه عن عَرَافةِ قومِه، وهذا يَخْشَى أن تَنْزِعَه عن الصدقةِ. فسكَتَا، فرفَعَ مَرْوانُ عليه الدِّرَّةَ ليَضْرِبَه، فلما رَأَيَا ذلكَ قالا: صَدَقَ). [مسند الإمام أحمد: 17/258]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّعْلَبِيُّ (ت: 427هـ): (وأَخْبَرَنَا عبدُ اللَّهِ بنُ حامدٍ، قالَ: أَخْبَرَنَا مَكِّيٌّ، أَخْبَرَنَا أحمدُ بنُ مَنْصُورٍ المَرْوَزِيُّ، أَخْبَرَنَا عمرُ بنُ إبراهيمَ، أَخْبَرَنَا عيسى بنُ عليِّ بنِ عبدِ اللَّهِ بنِ عبَّاسٍ، عن أبيه، عن جَدِّه، قالَ: لمَّا نَزَلَتْ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} جاءَ العبَّاسُ إلى عليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فقالَ: ادْخُلْ على رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنْ كانَ هذا الأمرُ لنا بعْدَهُ لم تُشَاحَّنَا عليه قريشٌ، وإنْ كانَ للغيرِ سَأَلنَاهُ الوَصَاةَ بِنا. قالَ: سَأَفْعَلُ. قالَ: فدَخَلَ العبَّاسُ على رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذَكَرَ ذلك، فقالَ له النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَا عَبَّاسُ، يَا عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ أَبَا بَكْرٍ خَلِيفَتِي عَلَى دِينِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَوَحْيِهِ، فَاسْمَعُوا لَهُ تُفْلِحُوا، وَأَطِيعُوهُ تَرْشُدُوا)).
قالَ ابنُ عَبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما: ففَعَلُوا واللَّهِ فرَشَدُوا). [الكشف والبيان: 10/322]

قالَ أحمدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عليٍّ الْبَيْهَقِيُّ (ت: 458هـ): (أَخْبَرَنَا أبو عَبْدِ اللهِ الحافظُ قالَ: أَنْبَأَنَا حَمْزَةُ بنُ العبَّاسِ الْعَقَبِيُّ بِبَغْدَادَ، قالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قالَ: حَدَّثَنَا أبو داودَ، قالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عنْ عمرِو بنِ مُرَّةَ، قالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ يُحَدِّثُ عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قالَ: لَمَّا نَزَّلَتْ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ}؛ قَرَأَهَا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى خَتَمَهَا، ثُمَّ قَالَ: ((إِنِّي وَأَصْحَابِي خيرٌ، وَالنَّاسُ خيرٌ، لا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ)) ). [دلائلُ النُّبُوَّةِ: 5/ 109]
قالَ عبدُ الحَقِّ بنُ عبدِ الرحمنِ بنِ عبدِ اللَّهِ الإشْبِيليُّ (ت: 581هـ): (أبو دَاودَ الطَّيَالِسِيُّ: حدَّثَنا شُعْبَةُ، عن عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، سَمِعَ أبا البَخْتَرِيِّ، يُحَدِّثُ عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قالَ: لَمَّا نزَلَتْ هذهِ الآيةُ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالفَتْحُ} قرَأَهَا رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ حتى خَتَمَها، ثم قالَ: ((أنا وأَصْحَابِي خيرٌٌ والنَّاسُ خيرٌٌ، لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ)).
أبو البَخْتَرِيِّ اسمُه سَعِيدُ بنُ فَيْرُوزَ، ثِقةٌ مَشهورٌ، وفي البابِ عن رافعِ بنِ خَدِيجٍ). [الأحكام الشرعية الكبرى: 4/247-248]
قالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ البَيْضَاوِيُّ (ت: 691هـ): ( والأكثَرُ على أنَّ السُورَةَ نَزَلَتْ قَبْلَ فتْحِ مَكَّةَ). [أنوار التنزيل: 2/1177]
قَالَ خَلِيلُ بْنُ كَيْكَلْدِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ العَلائِيِّ (ت: 761هـ): (ورَوَى سُنَيْدٌ الْمِصِّيصِيُّ، ثنا حَجَّاجٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهُ وَالْفَتْحُ} قَرَأَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّاسِ، وَقَالَ: ((النَّاسُ حَيِّزٌ، وَأَنَا وأَصْحَابِي حَيِّزٌ)) وصَدَّقَ أَبَا سَعِيدٍ عَلَيْهِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، ورَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا). [تحقيق منيف الرتبة: 83]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ رَجَبٍ الحَنْبَلِيُّ (ت: 795 هـ): (وفي مُسندِ الإمامِ أَحْمَدَ مِن طريقِ شُعْبَةَ عن عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عن أبي البُخْتُرِيِّ، عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، عنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ قالَ: لَمَّا نزَلَتْ هذه السورةُ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ}. قالَ: قرَأَها رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ حتَّى خَتَمَها، فقالَ: ((النَّاسُ حَيِّزٌ، وَأَنَا وَأَصْحَابِي حَيِّزٌ)). وقالَ: ((لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ)). وأنَّ مَرْوانَ كَذَّبَه، فصَدَّقَ رَافِعُ بنُ خَدِيجٍ وزيدُ بنُ ثابِتٍ أبا سَعِيدٍ على ما قالَ.
وهذا يُسْتَدَلُّ به على أنَّ المرادَ بالفتحِ فتحُ مَكَّةَ، فقَدْ ثبَتَ في الصحيحيْنِ مِن حديثِ ابنِ عَبَّاسٍ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ قالَ يومَ الْفتَحِ: ((لاَ هِجْرَةَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ)) ). [رسالة تفسير سورة النصر]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (وَأَخْرَجَ الطَّيَالِسِيُّ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وأحمدُ والطَّبَرَانِيُّ والحاكمُ وصَحَّحَهُ وَابْنُ مَرْدُويَهْ والبَيْهَقِيُّ فِي الدلائلِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}. قَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى خَتَمَهَا، ثُمَّ قَالَ: ((أَنَا وَأَصْحَابِي حَيِّزٌ وَالنَّاسُ حَيِّزٌ، لا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ)) ). [الدر المنثور: 15/723]
قال عليُّ بنُ حسامِ الدينِ الهنديُّ البرهانُ فوري المتقي (ت: 957هـ): ( (أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ) لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} قَرَأَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ حتى خَتَمَهَا فقالَ: ((أَنَا وأَصْحَابِي حَيِّزٌ، والناسُ فِي حَيِّزٍ ، لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ)). (ط وأبو نُعَيْمٍ في المَعْرِفَةِ) ). [كنز العمال: 2/560]
قال عليُّ بنُ حسامِ الدينِ الهنديُّ البرهانُ فوري المتقي (ت: 957هـ): (عن أبي سَعِيدٍ قالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هذه السورةُ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} قَرَأَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ حتى خَتَمَهَا وقالَ: ((النَّاسُ حَيِّزٌ وأَنَا وأَصْحَابِي حَيِّزٌ))، وقالَ: ((لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ، ولَكِنْ جِهَادٌ ونِيَّةٌ)) فقَالَ مَرْوَانُ: كَذَبْتَ، وكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ورَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ قَاعِدَيْنِ قَالاَ: صَدَقَ. (ش). [حم] ). [كنز العمال: 2/560-561]
قالَ أَبُو السُّعُودِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ العِمَادِيُّ الحَنَفِيُّ (ت: 982هـ): ( رُوِيَ أَنَّهَا نَزَلَتْ قَبْلَ الْفَتْحِ، وَعَلَيْهِ الأكثرُ، وَقِيلَ: فِي أَيَّامِ التشريقِ بِمِنًى فِي حجَّةِ الوداعِ). [إرشاد العقل السليم: 7/208]
قالَ أبو الثَّناءِ مَحْمُود بن عبد الله الأَلُوسِيُّ (ت: 1270هـ): (وفي البحرِ أنَّ نزولَها عندَ مُنْصَرَفِه صَلَّى اللهُ تعالى عليه وسَلَّمَ مِن خَيبرَ وأنتَ تَعلمُ أنَّ غَزوةَ خَيبرَ كانت في سنةِ سبعٍ أواخرَ المُحَرَّمِ فيكونُ ما في البينِ أكثرَ مِن سنتينِ). [روح المعاني: 29/255]
قالَ أحمدُ بنُ محمدِ بنِ الصديق الحَسَنيُّ الشافعيُّ (ت: 1380هـ): (ورواه أبو داودَ الطَّيالسيُّ في المُسنَدِ وابنُ أبي شَيْبةَ وأحمدُ والطَّبَرانيُّ في الكبيرِ والحاكمُ وصَحَّحه وابنُ مَرْدُويَه والبَيْهقيُّ في الدلائلِ والقُضَاعيُّ في المُسْنَدِ، من حديثِ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قالَ: لَمَّا نزَلَتْ هذه الآيةُ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالفَتْحُ} قرَأَها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتى خَتَمَها، ثم قالَ: ((أَنَا وَأَصْحَابِي حَيِّزٌ، وَالنَّاسُ)).
ولفظُ القُضاعِيِّ: ((أنا حَيِّزٌ وأصحابي حَيِّزٌ، لا هِجْرَةَ بعدَ الفتحِ)). زادَ بعضُهم: ((ولكنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ)) ). [فتح الوهاب: 2/82]
قالَ مُحَمَّدُ الطَّاهِرُ بْنُ عَاشُورٍ (ت: 1393هـ): (واختُلِفَ في وَقْتِ نُزولِها فقِيلَ: نَزلتْ مُنْصَرَفَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن خَيْبَرَ؛ أيْ: في سنةِ سبْعٍ، ويُؤَيِّدُه ما رواه الطَّبَرِيُّ والطبرانيُّ عنِ ابنِ عبَّاسٍ: بَيْنَما رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالمدينةِ نَزلتْ {إذا جاءَ نصْرُ اللهِ والفَتْحُ} قالَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ: ((اللهُ أَكْبَرُ جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ، وَجَاءَ نَصْرُ أَهْلِ الْيَمَنِ)).
فقالَ رجُلٌ: يا رسولَ اللهِ، وما أَهْلُ اليَمَنِ؟
قالَ: ((قَوْمٌ رَقِيقَةٌ قُلُوبُهُمْ، لَيِّنَةٌ طِبَاعُهُمْ، الْإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالْفِقْهُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ)). اهـ.
ومَجيءُ أهْلِ اليَمَنِ أوَّلَ مَرَّةٍ هو مَجيءُ وفْدِ الأَشعَرِيِّينَ عامَ غَزْوَةِ خَيْبَرٍ). [التحرير والتنوير: 30/587]
قالَ مُحَمَّدُ الطَّاهِرُ بْنُ عَاشُورٍ (ت: 1393هـ): (وعن قَتادةَ: نَزلتْ قَبلَ وَفاةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ بسَنتينِ). [التحرير والتنوير: 30/589]
أقوال المفسرين في الترجيح بين هذه الأقوال
قالَ فَخْرُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الرَّازِيُّ (ت: 604هـ): (المسألةُ الثانيةُ: إذا حَمَلْنَا الفتْحَ على فَتْحِ مَكَّةَ، فللناسِ في وَقْتِ نُزولِ هذه السورةِ قولان: أحدُهما: أنَّ فَتْحَ مَكَّةَ كان سنةَ ثمانٍ، ونَزلتْ هذه السورةُ سنةَ عشْرٍ، ورُوِيَ أنه عاشَ بعدَ نُزولِ هذه السورةِ سبعينَ يَوْمًا، ولذلك سُمِّيَتْ سورةَ التوديعِ.
والقولُ الثاني: أنَّ هذه السورةَ نَزلتْ قبلَ فَتْحِ مَكَّةَ، وهو وَعْدٌ لرسولِ اللهِ أنْ يَنصرَه على أهلِ مَكَّةَ، وأن يَفْتَحَها عليه، ونَظيرُه قولُه تعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} [القصص: 85] وقولُه: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} يَقتضِي الاستقبالَ، إذ لا يُقالُ فيما وَقَعَ: إذا جاءَ وإذا وَقَعَ، وإذا صَحَّ هذا القولُ صارتْ هذه الآيةُ مِن جُملةِ الْمُعجزاتِ مِن حيث إنه خَبَرٌ وُجِدَ مُخْبَرُه بعدَ حينٍ مُطابِقًا له، والإخبارُ عن الغيبِ مُعْجِزٌ. فإن قيلَ: لِمَ ذَكَرَ النصْرَ مُضافًا إلى اللهِ تعالى، وذَكَرَ الفتْحَ بالألِفِ واللامِ؟ الجوابُ: الألِفُ واللامُ للمعهودِ السابقِ، فيَنصرِفُ إلى فَتْحِ مَكَّةَ). [مفاتيح الغيب: 32/143-144]
قَالَ الحُسَينُ بنُ سُلَيْمَانَ بْنِ رَيَّانَ (ت: 770هـ): (سُؤَالٌ: متى نَزَلَتِ السورَةُ الكريمةُ؟
جَوَابٌ: فيهِ وجْهانِ:
1. نُزولُها قبلَ فتحِ مكَّةَ لوعْدِهِ النُّصْرَةَ والْفَتْحَ، لأنَّ كلمَةَ {إذَا} للاسْتِقْبَالِ، والوَعْدُ إنما يكُونُ في الاستقْبَالِ.
2. نُزُولُ هذه السورَةِ بعْدَ فتْحِ مكَّةَ، فعلى هذا يكونُ {إذَا} بمعْنى (إذْ)، ودُخُولُ (إذْ) على الماضِي إنَّمَا هو على طريقَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ} ). [الروض الريان: 3/640]
؟؟قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ رَجَبٍ الحَنْبَلِيُّ (ت: 795 هـ): (واخْتُلِفَ في وَقْتِ نُزولِها، فقيلَ: نزَلَتْ فِي السَّنَةِ التي تُوُفِّيَ فِيها رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ). [رسالة تفسير سورة النصر]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ رَجَبٍ الحَنْبَلِيُّ (ت: 795 هـ): (وفي (مُسندِ) الإمامِ أَحْمَدَ، عن مُحمدِ بنِ فُضَيلٍ، عن عَطاءٍ، عن سَعيدِ بنِ جُبَيْرٍ، عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قالَ: لَمَّا نزَلَتْ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}. قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((نُعِيَتْ إِلَيَّ نَفْسِي)). بأنَّه مَقْبوضٌ في تلك السَّنَةِ. عطاءٌ هو ابنُ السائبِ اخْتَلَطَ بآخِرَةٍ.
ويَشْهَدُ له ما أخْرَجَه البَزَّارُ في (مُسندِه) والبَيْهقِيُّ مِن حديثِ مُوسَى بنِ عُبَيْدَةَ، عن عبدِ اللَّهِ بنِ دِينارٍ وصَدَقَةَ بنِ يَسَارٍ، عن ابنِ عُمَرَ قالَ: نزَلَتْ هذهِ السورةُ على رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ بمِنًى، وهو في أَوْسَطِ أيامِ التَّشْريقِ في حَجَّةِ الوَدَاعِ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}. فعَرَفَ أنَّه الوَدَاعُ، فأمَرَ برَاحِلَتِه القَصْواءِ، فَرُحِلَتْ لَهُ، ثُمَّ رَكِبَ، فوَقَفَ للناسِ بالعَقَبَةِ، فحَمِدَ اللَّهَ وأَثْنَى عليهِ، وذَكَرَ خُطْبَةً طَوِيلةً.
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جِدًّا، ومُوسَى بنُ عُبَيْدَةَ قالَ أحمدُ: لا تَحِلُّ عندِي الروايةُ عنه.
وعن قَتادَةَ قالَ: عاشَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ بعدَها سَنَتيْنِ.
وهذا يقتَضِي أنها نزَلَتْ قبلَ الفَتْحِ، وهذا هو الظاهِرُ؛ لأنَّ قولَه: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}. يَدُلُّ دَلالةً ظاهِرَةً على أنَّ الفَتْحَ لم يَكُنْ قَدْ جَاءَ بعدُ؛ لأنَّ "إِذَا" ظَرْفٌ لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِن الزمانِ، هذا هو المعروفُ في استعمالِها، وإنْ كانَ قدْ قيلَ: إنَّها تَجِيءُ للماضِي؛ كقولِه: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا}. [الجمعة: 11]، وقولِه: {وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ}. [التوبة: 92].
وقدْ أُجِيبَ عن ذلك بأنَّه أُريدَ أنَّ هذا شأنُهم ودَأْبُهم، لمْ يُرِدْ به الماضِيَ بخُصوصِه، وسنَذْكُرُ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ قالَ بعدَ نُزولِ هذهِ السورةِ: ((جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وَجَاءَ أَهْلُ الْيَمَنِ)). ومَجِيءُ أهْلِ اليَمَنِ كانَ قَبْلَ حَجَّةِ الوَدَاعِ). [رسالة تفسير سورة النصر]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ رَجَبٍ الحَنْبَلِيُّ (ت: 795 هـ): (وفي (المُسندِ) عن أبي رَزِينٍ، عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قالَ: لمَّا نزَلَتْ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}. عَلِمَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ أنهُ قَدْ نُعِيَتْ إليهِ نَفْسُه.
وقدْ سَبَقَ مِن حديثِ ابنِ عَبَّاسٍ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ لمَّا نزَلَتْ هذهِ السورةُ أخَذَ في أشَدِّ ما كانَ اجتهاداً في أمْرِ الآخِرَةِ). [رسالة تفسير سورة النصر]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (ويُقالُ: إنَّ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ} نَزَلَتْ يَوْمَ النَّحْرِ وهُو بِمِنًى في حَجَّةِ الوَدَاعِ، وقِيلَ: عَاشَ بَعْدَهَا أَحَدًا وثَمَانِينَ يَوْمًا، ولَيْسَ مُنَافِيًا للذي قَبْلَهُ بِنَاءً علَى بَعْضِ الأَقْوَالِ في وَقْتِ الوَفَاةِ النَّبَوِيَّةِ، وعِنْدَ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ مِن حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ: عاشَ بَعْدَهَا تِسْعَ لَيَالٍ، وعَنْ مُقَاتِلٍ سَبْعًا، وعَنْ بَعْضِهِمْ ثَلاثًا، وقِيلَ: ثَلاثَ سَاعاتٍ، وهُو باطلٌ). [فتح الباري: 8/734]
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الإِيجِيُّ الشَّافِعِيُّ (ت: 905 هـ): (وعَنِ البَيْهَقِيِّ وغيرِه: إنها نَزَلَتْ في أيَّامِ التَّشْرِيقِ بمِنًى في حَجَّةِ الوَدَاعِ، فيكونُ نُزُولُها بعدَ فَتْحِ مكَّةَ بِسَنَتَيْنِ، فلا بُدَّ أنْ نقولَ: إنَّ (إذا) الذي هو للاستقبالِ سُلِبَتْ عن معناهُ، وقيلَ: إنَّ فتْحَ مكَّةَ أُمُّ الفُتُوحِ، والدستورُ لِمَا يكونُ بعدَهُ مِنَ الفُتُوحاتِ، فهو وإنْ كانَ مُتَحَقِّقًا في نفسِه، لكنَّه مُتَرَكِّبٌ باعتبارِ ما يَدُلُّ عليه). [جامع البيان: 4/540]
قالَ مُحَمَّدُ جَمَالُ الدِّينِ القَاسِمِيُّ (ت: 1332هـ): (الثاني: قالَ الرازيُّ: إذا حَمَلْنَا الفتْحَ على فَتْحِ مَكَّةَ، فللنَّاسِ في وقتِ نُزولِ هذهِ السورةِ قَوْلانِ:
أحدُهما: أنَّ فَتْحَ مَكَّةَ كانَ سَنَةَ ثمانٍ، ونَزلتْ هذهِ السورةُ سنةَ عَشْرٍ. ورُوِيَ أنَّهُ عاشَ بعدَ نُزولِ هذهِ السورةِ سَبعينَ يوماً؛ ولذلكَ سُمِّيَتْ سورةَ التوديعِ.
ثانيهما: أنَّ هذهِ السورةَ نَزلتْ قَبلَ فتْحِ مَكَّةَ، وهوَ وَعْدٌ لرسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أنْ يَنْصُرَهُ على أهلِ مَكَّةَ، وأنْ يَفتحَها عليهِ. ونَظيرُهُ: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ}.
وقولُهُ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} يَقتضِي الاستقبالَ؛ إذْ لا يُقَالُ فيما وَقَعَ: {إِذَا جَاءَ}، وَ(إذَا وَقَعَ). وإذا صَحَّ هذا القَوْلُ صارَتْ هذهِ الآيَةُ مِنْ جُملةِ الْمُعجِزَاتِ، مِنْ حيثُ إنَّهُ خَبَرٌ وُجِدَ مَخْبَرُهُ بعدَ حِينٍ مُطابقاً لهُ، والإخبارُ عن الغَيْبِ مُعجِزَةٌ، انْتَهَى). [محاسن التأويل: 9/ 561-562]
قالَ مُحَمَّدُ جَمَالُ الدِّينِ القَاسِمِيُّ (ت: 1332هـ): (قالَ الحافظُ ابنُ حَجَرٍ في (فتحُ البارِي): ولأَبِي يَعْلَى مِنْ حديثِ ابنِ عمرَ: نَزَلَتْ هذهِ السورةُ في أَوْسَطِ أيَّامِ التشريقِ، في حَجَّةِ الوداعِ، فعَرَفَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ أنَّهُ الوَداعُ.
ثمَّ قالَ: وسُئِلْتُ عنْ قولِ الكَشَّافِ: إنَّ سُورةَ النصْرِ نَزلتْ في حَجَّةِ الوَداعِ أيَّامَ التشريقِ، فَكَيْفَ صُدِّرَتْ بـ {إِذَا} الدالَّةِ على الاستقبالِ، فأَجَبْتُ بِضَعْفِ ما نَقَلَهُ.
وعلى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ، فالشرطُ لم يَكْتَمِلْ بالفتحِ؛ لأنَّ مَجِيءَ الناسِ أفواجاً لم يَكُنْ كَمُلَ، فبَقِيَّةُ الشرْطِ مُسْتَقْبَلٌ.
وقدْ أَوْرَدَ الطِّيبِيُّ السؤالَ وأجابَ بجَوَابَيْنِ:
أحدُهما: أنَّ {إِذَا} قدْ تَرِدُ بمعنى (إِذْ)، كما في قولِهِ تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً} الآيَةَ.
ثانيهما: أنَّ كلامَ اللَّهِ قديمٌ. وفي كُلٍّ مِن الجوَابَيْنِ نَظَرٌ لا يَخْفَى، انتهى كلامُهُ). [محاسن التأويل: 9/ 562]
قالَ مُحَمَّدُ الطَّاهِرُ بْنُ عَاشُورٍ (ت: 1393هـ): (وقد تَضافَرَتِ الأخبارُ رِوايةً وتَأويلاً أنَّ هذه السورةَ تَشتَمِلُ على إيماءٍ إلى اقترابِ أجَلِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وليس في ذلك ما يُرَجِّحُ أَحَدَ الأقوالِ في وقتِ نُزولِها؛ إذ لا خِلاَفَ في أنَّ هذا الإيماءَ يُشيرُ إلى تَوقيتِ مَجيءِ النصْرِ والفَتْحِ، ودُخولِ الناسِ في الدِّينِ أَفواجًا، فإذا حَصَلَ ذلك حانَ الأَجَلُ الشريفُ). [التحرير والتنوير: 30/589] (م)
قالَ مُحَمَّدُ الطَّاهِرُ بْنُ عَاشُورٍ (ت: 1393هـ): (وفي حديثِ ابنِ عبَّاسٍ في صحيحِ البُخاريِّ، هو أجَلُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَعْلَمَهُ له، قالَ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ}، وذلك عَلاَمَةُ أجَلِكَ، {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ}.
وفي هذا ما يُؤَوِّلُ ما في بعضِ الأخبارِ مِن إشارةٍ إلى اقترابِ ذلك الأَجَلِ، مثلِ ما في حديثِ ابنِ عبَّاسٍ، عندَ البَيْهَقِيِّ في دَلائلِ النبوَّةِ والدَّارِمِيِّ وابنِ مَرْدَوَيْهِ: لَمَّا نَزَلَتْ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} دعا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ فاطمةَ وقالَ: ((إِنَّهُ قَدْ نُعِيَتْ إِلَيَّ نَفْسِي)) فبَكَتْ... إلخ، فإنَّ قولَه: (لَمَّا نَزَلَتْ) مُدْرَجٌ مِنَ الراوي، وإنما هو إعلامٌ لها في مَرَضِه، كما جاءَ في حديثِ الوَفاةِ في الصحيحينِ، فهذا جَمْعٌ بينَ ما يَلُوحُ منه تعارُضٌ في هذا الشأنِ). [التحرير والتنوير: 30/590]
قالَ مُحَمَّدُ الطَّاهِرُ بْنُ عَاشُورٍ (ت: 1393هـ): (وقد فَتَحَ الْمُسلِمونَ خَيْبَرَ قَبْلَ نُزولِ هذه الآيةِ، فتَعَيَّنَ أنَّ الفتْحَ المذكورَ فيها فتْحٌ آخَرُ، وهو فتْحُ مَكَّةَ كما يُشعِرُ به التعريفُ بلامِ العَهْدِ، وهو المعهودُ في قولِه تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا}). [التحرير والتنوير: 30/590]
قالَ مُحَمَّدُ الطَّاهِرُ بْنُ عَاشُورٍ (ت: 1393هـ): (وعلى ما رُوِيَ عن ابنِ عُمَرَ: أنها نَزلتْ في حَجَّةِ الوَداعِ؛ يكونُ تَعليقُ جُملةِ: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} على الشرْطِ الماضي مُرادًا به التذكيرُ بأنه حَصَلَ، أيْ: إذا تَحقَّقَ ما وَعَدْنَاكَ به مِنَ النَّصْرِ والفتْحِ وعُمومِ الإسلامِ بلادَ العرَبِ -فسَبِّحْ بحمْدِ رَبِّكَ. وهو مُرادُ مَن قالَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: (إذا) بمعنى (قد)، فهو تَفسيرُ حاصِلِ المعنى، وليستْ (إذا) مما يأتي بمعنى (قد) ). [التحرير والتنوير: 30/591-592]
قالَ مُحَمَّدُ الطَّاهِرُ بْنُ عَاشُورٍ (ت: 1393هـ): (والتعريفُ في {الْفَتْحِ} للعَهْدِ، وقد وَعَدَ اللهُ رسولَه صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ به غيرَ مَرَّةٍ، مِن ذلك قولُه تعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ}، وقولُه: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا}. وهذه الآيةُ نَزلتْ عامَ الْحُدَيْبِيَّةِ، وذلك قبلَ نُزولِ سُورةِ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ} على جَميعِ الأقوالِ.
وقد اتَّفَقَتْ أَقوالُ الْمُفَسِّرينَ مِنَ السَّلَفِ فمَن بَعْدَهم على أنَّ الفَتْحَ المذكورَ في هذه السورةِ هو فتْحُ مَكَّةَ؛ إلاَّ روايةً عن سعيدِ بنِ جُبيرٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ: هو فتْحُ المدائِنِ والقُصورِ، يَعني الحصونَ. وقد كانَ فتْحُ مكَّةَ يُخَالِجُ نُفوسَ العَرَبِ كلِّهم، فالمسلمونَ كانوا يَرْجُونَه ويَعلمونَ ما أَشارَ به القرآنُ مِنَ الوَعْدِ، وأَهلُ مَكَّةَ يَتَوَقَّعُونَه، وبَقِيَّةُ العَرَبِ يَنتظرونَ ماذا يكونُ الحالُ بينَ أهْلِ مَكَّةَ وبينَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ ويَتَلَوَّمُونَ بدخولِهم في الإسلامِ فتْحَ مَكَّةَ يَقولونَ: إنْ ظَهَرَ محمَّدٌ على قَوْمِه فهو نَبِيٌّ. وتَكرَّرَ أنَّ صَدَّ بعضِهم بَعْضًا ممن يُريدُ اتِّباعَ الإسلامِ، عن الدخولِ فيه وإِنظارُه إلى ما سيَظهَرُ مِن غَلَبِ الإسلامِ، أو غَلَبِ الشِّرْكِ.
أَخْرَجَ البُخاريُّ عن عمرِو بنِ سَلَمَةَ قالَ: لَمَّا كانَ الفَتْحُ بادَرَ كلُّ قومٍ بإسلامِه إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكانت الأَحياءُ تَتلَوَّمُ بإسلامِها فَتْحَ مَكَّةَ، فيقولونَ: دَعُوهُ وقَوْمَه، فإنْ ظهَرَ عليهم فهو نَبِيٌّ.
وعن الْحَسَنِ: لَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ أَقبَلَتِ العَرَبُ بعضُها على بعْضٍ، فقالوا: أمَّا إذْ ظَفَرَ بأَهْلِ الحرَمِ فليس لنا به يَدانِ، فكانوا يَدخلونَ في الإسلامِ أَفواجًا. فعلى قولِ الْجُمهورِ في أنَّ الفتحَ هو فتْحُ مكَّةَ يَستقيمُ أنْ تكونَ هذه السُّورةُ نَزلتْ بعْدَ فتْحِ خَيْبَرَ، وهو قولُ الأَكثرينَ في وَقْتِ نُزُولِها.
ويُحتَمَلُ على قولِ القائلينَ بأنها نَزلتْ عَقِبَ غَزوةِ حُنَيْنٍ أنْ يكونَ الفتْحُ قد مَضَى، ويكونَ التعليقُ على مَجموعِ فَتْحِ مكَّةَ ومَجيءِ نصْرٍ مِنَ اللهِ آخَرَ، ودُخولِ الناسِ في الإسلامِ، وذلك بما فُتِحَ عليه بعْدَ ذلك، ودُخولِ العرَبِ كلِّهم في الإسلامِ سنَةَ الوُفودِ). [التحرير والتنوير: 30/591]

القول الأول: بعد فتح مكة وغزوة حنين

قالَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ): (حَدَّثَنَا ابنُ حُمَيْدٍ، قالَ: ثَنَا سَلَمَةُ، قالَ: ثَنِي ابنُ إسحاقَ، عن بعضِ أصحابِهِ، عن عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ، قالَ: نَزَلَتْ سُورَةُ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} كلُّها بالمدينةِ بعدَ فتْحِ مكَّةَ). [جامع البيان: 24/711] (م)
قَالَ عَبْدُ الْخَالِقِ بْنُ الْحَسَنِ ابنُ أَبِي رُوبَى (ت:356 هـ): حدَّثنا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ ثابِتٍ الثَّورِيُّ عن أَبِيه عن الْهُذَيْلِ بنِ حَبِيبٍ عنْ مُقَاتِلِ بْنِ سُلَيْمَانَ البلخيِّ (ت:150هـ): ( {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} نَزَلَتْ هَذِهِ السّورَةُ بعدَ فَتْحِ مَكَّةَ والطَّائِفِ). [تفسير مقاتل بن سليمان: 3/530]

قالَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّعْلَبِيُّ (ت: 427هـ): (وأَخْبَرَنَا ابنُ فَنْجَوَيْهِ الحافظُ، أَخْبَرَنَا عبدُ اللَّهِ بنُ يُوسُفَ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بنُ عِمْرَانَ، أَخْبَرَنَا أبو الدَّرْدَاءِ عبدُ العزيزِ بنُ المُنِيبٍ، أَخْبَرَنَا إسحاقُ بنُ عبدِ اللَّهِ بنِ كَيْسَانَ، حَدَّثَنِي أبي، عن عِكْرِمَةَ، عن ابنِ عَبَّاسٍ، قالَ: أَقْبَلَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِن غَزْوَةِ حُنَيْنٍ فنَزَلَ عليه: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} السورةَ، فقالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَا عَلِيُّ، وَيَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، قَدْ جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وَرَأَيْتُ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً، سُبْحَانَ رَبِّي وَبِحَمْدِهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ، إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً، وَيَا عَلِيُّ بْنَ أَبي طَالِبٍ، إِنَّهُ يَكُونُ مِنْ بَعْدِي فِي الْمُؤْمِنِينَ الْجِهَادُ)).
فقالَ عليٌّ رَضِيَ اللهُ عنه: ما نُجَاهِدُ المؤمنينَ الذين يقولونَ: آمَنَّا؟ قالَ: ((عَلَى الإِحْدَاثِ فِي الدِّينِ إِذَا عَمِلُوا بِالرَّأْيِ، وَلاَ رَأْيَ فِي الدِّينِ؛ إِنَّمَا الدِّينُ مِنَ الرَّبِّ، أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ)).
فقالَ عليٌّ: يا رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَرَأَيْتَ إنْ عُرِضَ لنا أَمْرٌ لم يُبَيِّنِ اللَّهُ فيه قُرْآناً، ولم يُنَصَّ فيه سنةٌ مِنْكَ؟ قالَ: ((تَجْعَلُونَهُ شُورَى بَيْنَ الْعَابِدِينَ، وَلاَ تَقْضِيَنَّ بِرَأْيِ خَاصَّةٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُسْتَخْلِفاً أَحَداً لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَحَقَّ مِنْكَ؛ لِقِدَمِكَ فِي الإِسْلاَمِ وَقَرَابَتِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ وَصِهْرِكَ، وَعِنْدَكَ فَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ، وَقَبْلَ ذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ بَلاَءِ أَبِي طَالِبٍ إِيَّايَ حِينَ نَزَلَ الْقُرْآنُ، فَأَنَا حَرِيصٌ عَلَى أَنْ أَرْعَى ذَلِكَ فِي وَلَدِهِ)) ). [الكشف والبيان: 10/322]
قالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاحِدِيُّ (ت: 468هـ): (أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بنُ مُحَمَّدٍ المُؤَذِّنُ، أَخْبَرَنا أَبُو عُمَرَ بنُ أَبِي جَعْفَرٍ المُقْرِئُ، أَخْبَرَنَا الحَسَنُ بنُ سُفيانَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ سَلامٍ، أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ بنِ كَيْسَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّم من غزوةِ حُنَيْنٍ وأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ} قَالَ: ((يَا عَلِيَّ ابنَ أَبِي طَالِبٍ، ويَا فَاطِمَةُ، قُولاَ: {جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ والفَتْحُ (1) ورَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخلُوُن َفي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجا}، فُسْبَحَانَ رَبِّي وبِحَمْدِه، وأَسْتَغْفِرُهُ إِنَّه كَانَ تَوَّاباً)) ). [أسباب النزول: 544]
قالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاحِدِيُّ (ت: 468هـ): (نَزَلَتْ في مُنْصَرَفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّم مِن غزوةِ حُنَيْنٍ، وعَاشَ سَنَتَيْنِ بَعْدَ نُزولِهَا). [أسباب النزول: 544]
قالَ أَبُو حَيَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الأندَلُسِيُّ (ت: 745هـ ): (نَزَلَتْ مُنْصَرَفَهُ عَلَيْهِ السَّلامُ مِنْ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ، وَعَاشَ بَعْدَ نُزُولِهَا سَنَتَيْنِ). [النهر الماد: 1313]
قالَ أَبُو حَيَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الأندَلُسِيُّ (ت: 745هـ): (نَزَلَتْ مُنْصَرَفَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غزوةِ خَيْبَرَ، وَعَاشَ بَعْدَ نُزُولِهَا سَنَتَيْنِ). [البحر المحيط: 8/746]
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): (وَقَالَ ابْنُ النَّقِيبِ: وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ. وَقَالَ الْوَاحِدِيُّ: وَذَلِكَ مُنْصَرَفَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِنْ حُنَيْنٍ، وَعَاشَ بَعْدَ نُزُولِهَا سَنَتَيْنِ). [عمدة القاري: 20/5]


قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (وَأَخْرَجَ ابْنُ مَرْدُويَهْ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غزوةِ حُنَيْنٍ أُنْزِلَ عَلَيْهِ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَا عَلِيُّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وَرَأَيْتُ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً، فَسُبْحَانَ رَبِّي وَبِحَمْدِهِ وَأَسْتَغْفِرُهُ، إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً)) ). [الدر المنثور: 15/724]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا أَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَةِ حُنَيْنٍ أُنْزِلَ عَلَيْهِ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}. إِلَى آخِرِ القِصَّةِ). [الدر المنثور: 15/724]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (وَأَخْرَجَ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ: نَزَلَتْ سُورَةُ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}. كُلُّهَا بالمدينةِ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ وَدُخُولِ النَّاسِ فِي الدِّينِ يَنْعِي إِلَيْهِ نَفْسَهُ). [الدر المنثور: 15/721] (م)
قالَ مُحَمَّدُ الطَّاهِرُ بْنُ عَاشُورٍ (ت: 1393هـ): (وقالَ الواحديُّ: ( عن ابنِ عبَّاسٍ: نَزلتْ مُنْصَرَفَه مِن حُنَيْنٍ)؛ فيَكونُ الفتحُ قد مَضَى ودُخولُ الناسِ في الدِّينِ أفواجًا مستَقْبَلاً، وهو في سَنةِ الوُفودِ سنةَ تِسْعٍ، وعليه تكونُ (إذا) مستَعْمَلَةً في مُجَرَّدِ التوقيتِ دُونَ تَعْيِينِ). [التحرير والتنوير: 30/589]
القول الثاني: في حجة الوداع
قالَ أحمدُ بنُ الحسينِ بنِ عليٍّ الْبَيْهَقِيُّ (ت: 458هـ): (أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عبدُ الرحمنِ بنُ أبي حامدٍ الْمُقْرِئُ، أَنْبَأَنَا أبو العبَّاسِ الأَصَمُّ، حَدَّثَنَا أبو عَلِيٍّ الحسنُ بنُ إسحاقَ بنِ مُنِيرٍ الْعَطَّارُ، حَدَّثَنَا زيدُ بنُ الحُبَابِ، أَخْبَرَنِي مُوسَى بنُ عُبْيَدَةَ الرَّبَذِيُّ، قالَ: أَخْبَرَنِي صَدَقَةُ بْنُ يَسَارٍ، عَنِ ابنِ عُمَرَ، قالَ: نَزَلَتْ هذهِ الآيةُ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ في وَسَطِ أيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَعَرَفَ أنَّهُ الْوَدَاعُ، فَأَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ الْقَصْوَاءِ فَرُحِلَتْ لَهُ، فَرَكِبَ فَوَقَفَ بالعَقَبَةِ وَاجْتَمَعَ الناسُ، فَذَكَرَ الحديثَ في وضعِ الدمِ وَالرِّبَا وَاسْتِدَارَةِ الزمانِ، ثُمَّ قَالَ: ((وَ{إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا} - وَذَلِكَ أَنَّهُم كانوا يَجْعَلُونَ صَفَرَ عَامًا حَرَامًا، وَعَامًا حَلالاً، وَعَامًا حَرَامًا، وَذَلِكَ النَّسِيءُ-. أَيُّهَا الناسُ، مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ وَدِيعَةٌ فَلْيُؤَدِّهَا إلى مَنِ ائْتَمَنَهُ عليها، أيُّهَا الناسُ، إنَّهُ لا يَحِلُّ لامْرِئٍ مِنْ مَالِ أَخِيهِ شَيْءٌ إلاَّ مَا طَابَتْ بهِ نَفْسُهُ)). وَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
كَذَا فِي هذهِ الروايةِ، وَيُذْكَرُ عن أبي سَعِيدٍ مَا يَدُلُّ على أنَّهَا نَزَلَتْ عامَ الفتحِ، واللهُ أَعْلَمُ). [دلائلُ النبوةِ: 5/ 447]
قالَ أَبُو الْمُظَفَّرِ مَنْصُورُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّمْعَانِيُّ (ت: 489هـ): (وقيلَ: إنَّ السورةَ نَزلَتْ في أَوسَطِ أيَّامِ التشريقِ). [تفسير القرآن: 6/297]
قالَ مَحْمُودُ بْنُ عُمَرَ الزَّمَخْشَرِيُّ (ت: 538هـ): (رُوِيَ أنها نَزَلَتْ في أيَّامِ التشريقِ بمنًى في حَجَّةِ الوَدَاعِ‏‏). [الكشاف: 6/450]‏
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ): (وقالَ ابنُ عمرَ: نَزَلَتْ هذه السورةُ على النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمِنًى في وَسَطِ أيامِ التَّشْرِيقِ، في حَجَّةِ الوَدَاعِ، وعاشَ بعدَها ثَمَانِينَ يومًا أو نحوَها، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ). [المحرر الوجيز: 15/593]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القُرْطُبِيُّ (ت: 671هـ): (وقيلَ: نَزَلَت في مِنًى بعدَ أيَّامِ التشريقِ، في حَجَّةِ الوَدَاعِ). [الجامع لأحكام القرآن: 20/232]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ القُرْطُبِيُّ (ت: 671هـ): (وقالَ ابنُ عُمَرَ: نَزَلَتْ هذه السورةُ بِمِنًى في حَجَّةِ الوَدَاعِ). [الجامع لأحكام القرآن: 20/233]

قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ أَحْمَدَ النَّسَفِيُّ (ت: 710هـ): (ورُوِيَ أنَّهَا نزَلَتْ في أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بمِنًى في حَجَّةِ الوَدَاعِ). [مدارك التنزيل:3/2007]
قالَ نِظَامُ الدِّينِ الحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ القُمِّيُّ (ت: 728هـ): (يُرْوَى أنَّ فَتْحَ مَكَّةَ كانَ سَنَةَ ثَمانٍ، ونُزولُ السورةِ سَنَةَ عَشْرٍ، ولم يَعِشْ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ بعدَ نُزُولِها إلاَّ سَبْعِينَ يَوْماً، ولذلك تُسَمَّى سُورَةَ التَّوْديعِ). [غرائب القرآن: 30/206]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بْنِ جُزَيءٍ الكَلْبِيُّ (ت: 741هـ): (وقالَ ابنُ عُمَرَ: نَزَلَتْ هذه السورةُ بِمِنًى أَيَّامَ التشريقِ في حَجَّةِ الوداعِ، وعاشَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعدَها ثمانينَ يَوْمًا أو نَحْوَها). [التسهيل: 221]
قالَ أَبُو حَيَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الأندَلُسِيُّ (ت: 745هـ ): (وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ بِمِنًى مِنْ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَعَاشَ بَعْدَهَا ثَمَانِينَ يَوْمًا). [النهر الماد: 1313]
قالَ أَبُو حَيَّانَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الأندَلُسِيُّ (ت: 745هـ): (وَقالَ ابنُ عُمَرَ: نَزَلَتْ في أَوْسَطِ أيامِ التشريقِ بِمِنًى في حجَّةِ الوداعِ، وَعَاشَ بَعْدَهَا ثَمَانِينَ يَوْماً أَوْ نَحْوَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ). [البحر المحيط: 8/746]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مَخْلُوفٍ الثَّعَالِبِيُّ (ت: 875 هـ): (قَالَ ابْنُ عُمَرَ: نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمِنًى فِي أوسطِ أَيَّامِ التشريقِ فِي حِجَّةِ الوداعِ، وعَاشَ بَعْدهَا ثَمَانِينَ يَوْماً أَوْ نَحْوَهَا). [الجواهر الحسان: 5/635]
قالَ عُمَرُ بنُ عَلِيِّ بْنِ عَادِلٍ الدِّمَشْقِيُّ الحَنْبَلِيُّ (ت: 880هـ): (فَصْلٌ في نُزُولِ السُّورَةِ
قَالَ ابْنُ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ بـ (مِنًى) في حِجَّةِ الوَدَاعِ ثُمَّ نَزَلتْ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلْيِكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} فَعَاشَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهَا خَمْسِينَ يَوْمًا، ثُمَّ نَزَلَ: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ} [التَّوْبَةِ: 128] فَعَاشَ بَعْدَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَمْسَةً وثَلاثِينَ يَوْمًا، ثُمَّ نَزَلَتْ: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} [البَقَرَةِ: 281] فَعَاشَ بَعْدَهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدًا وعِشْرِينَ يَوْمًا.
وقَالَ مُقَاتِلٌ: سَبْعَةَ أيَّامٍ.
وقِيلَ: غَيْرُ ذَلِكَ). [اللباب: 20/546]

قَالَ بُرْهَانُ الدِّينِ إِبْرَاهِيمُ بنُ عُمَرَ البِِقَاعِيُّ (ت: 885هـ): (ونُزُولُها في أوْسَطِ أيامِ التشريقِ من حَجَّتِه عليه أفضلُ الصلاةُ والسلامُ سَنَةَ عَشْرٍ). [نظم الدرر: 8/564]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شيبةَ وعبدُ بْنُ حُمَيْدٍ والبَزَّارُ وَأَبُو يَعْلَى وَابْنُ مَرْدُويَهْ والبَيْهَقِيُّ فِي (الدلائلِ) عَن ابْنِ عُمَرَ قَالَ: هَذِهِ السُّورَةُ نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْسَطَ أَيَّامِ التشريقِ بِمِنًى، وَهُوَ فِي حِجَّةِ الوداعِ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} حَتَّى خَتَمَهَا، فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ الوَدَاعُ). [الدر المنثور: 15/721]

قالَ الخَطِيبُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الشِّرْبِينِيُّ (ت: 977هـ): (ورُويَ أنَّها نزلتْ في أيامِ التَّشريقِ بمنًى في حجَّةِ الوداعِ). [تفسير القرآن الكريم: 4/ 601]
قالَ الخَطِيبُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الشِّرْبِينِيُّ (ت: 977هـ): (وَقِيلَ: نَزَلَتْ في مِنًى بعدَ أيامِ التَّشريقِ في حجَّةِ الودَاعِ). [تفسير القرآن الكريم: 4/ 603] (م)
قالَ الخَطِيبُ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الشِّرْبِينِيُّ (ت: 977هـ): (وعنِ ابنِ عمرَ نزَلَتْ هذهِ السُّورةُ بمنًى في حجَّةِ الوداعِ ثم نزلَ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} فعاشَ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعدَها ثمانِينَ يومًا ثمَّ نَزَلَتْ آيَةُ الكَلالةِ فعاشَ بَعدَها خمسينَ يومًا ثم نَزَلَتْ {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} فعاشَ بعدها خَمسَةً وثَلاثِينَ يَومًا، ثمَّ نَزَلَ {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} فعاشَ بعدَها أحَدًا وعِشرينَ يومًا، وقَالَ مقاتلٌ: سبعةَ أيامٍ، وَقِيلَ غيرَ ذلكَ). [تفسير القرآن الكريم: 4/ 603]
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ الشَّوْكَانِيُّ (ت: 1250هـ): (وَأَخْرَجَ ابنُ أبي شَيْبَةَ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ وَالبزَّارُ وَأبو يَعْلَى وَابنُ مَرْدُويَه وَالبيهقيُّ في الدلائلِ عَنِ ابنِ عمرَ قَالَ: هذهِ السورةُ نَزَلَتْ على رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْسَطَ أَيَّامِ التشريقِ بِمِنًى، وَهوَ في حجَّةِ الوداعِ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} حتَّى خَتَمَهَا، فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّهَا الوَدَاعُ) [فتح القدير: 5/740]
قالَ مُحَمَّد صِدِّيق حَسَن خَان القِنَّوْجِيُّ (ت: 1307هـ): (وَعن ابنِ عمرَ قَالَ: هذهِ السورةُ نَزَلَتْ على رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَوْسَطَ أيَّامِ التشريقِ بِمِنًى وَهوَ في حَجَّةِ الوداعِ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}. حتَّى خَتَمَهَا فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّها الوداعُ.
أَخْرَجَهُ البَزَّارُ وَأبو يَعْلَى وَالبَيْهَقِيُّ). [فتح البيان: 15/427]
قالَ مُحَمَّد صِدِّيق حَسَن خَان القِنَّوْجِيُّ (ت: 1307هـ): (وعن ابنِ عُمَرَ: نَزَلَتْ هذهِ السورةُ بِمِنًى في حجَّةِ الوداعِ، ثمَّ نَزَلَ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي}. فَعَاشَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهَا ثَمَانِينَ يَوْماً، ثمَّ نَزَلَتْ آيةُ الكلالةِ، فَعَاشَ بَعْدَهَا خَمْسِينَ يَوْماً، ثمَّ نَزَلَ: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ}. فَعَاشَ بعدَهَا أَحَداً وَعشرينَ يَوْماً، وَقِيلَ: سبعةَ أَيَّامٍ، وَقِيلَ: غيرُ ذلكَ). [فتح البيان: 15/434]
قالَ مُحَمَّدُ جَمَالُ الدِّينِ القَاسِمِيُّ (ت: 1332هـ): (قالَ الحافظُ ابنُ حَجَرٍ في (فتحُ البارِي): ولأَبِي يَعْلَى مِنْ حديثِ ابنِ عمرَ: نَزَلَتْ هذهِ السورةُ في أَوْسَطِ أيَّامِ التشريقِ، في حَجَّةِ الوداعِ). [محاسن التأويل: 9/ 562] (م)
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُصْطَفَى المَرَاغِيُّ (ت: 1371هـ): (قَالَ ابْنُ عُمَرَ: نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ بِمِنًى فِي حَجَّةِ الوَدَاعِ، ثُمَّ نَزَلَتْ {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} فَعَاشَ بَعْدَهَا ثَمَانِينَ يَوْمًا، ثُمَّ نَزَلَتْ آيَةُ الكَلالَةِ فَعَاشَ بَعْدَهَا خَمْسِينَ، ثُمَّ نَزَلَتْ {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} فَعَاشَ بَعْدَهَا خَمْسَةً وَثَلاثِينَ يَوْمًا، ثُمَّ نَزَلَتْ {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ} فَعَاشَ بَعْدَهَا وَاحِدًا وَعِشْرِينَ يَوْمًا.
وَصَلِّ وَسَلِّمْ رَبَّنَا عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ الَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا وَرَابَطُوا فِي سَبِيلِ اللهِ). [تفسير المراغي: 30/260]

قالَ مُحَمَّدُ الطَّاهِرُ بْنُ عَاشُورٍ (ت: 1393هـ): (ورَوَى البَزَّارُ والبَيْهَقِيُّ وابنُ أبي شَيْبَةَ وعبدُ بنُ حُميدٍ عن ابنِ عُمَرَ: أنها أُنزِلَتْ أَواسِطَ أَيَّامِ التشريقِ؛ أيْ: عامَ حَجَّةِ الوَداعِ. وضَعَّفَه ابنُ رجَبٍ بأنَّ فيه موسى بنَ عُبَيْدَةَ، وهو ضَعيفٌ. وقالَ أحمدُ بنُ حَنبلٍ: لا تَحِلُّ الروايةُ عنه، وإنْ صحَّتْ هذه الروايةُ كان الفتْحُ ودُخولُ الناسِ في الدِّينِ أَفواجًا قد مَضَيَا). [التحرير والتنوير: 30/589]
قَالَ أََحْمَدُ بنُ مُحَمَّدٍ البَنَّاءُ الدِّمْيَاطِيُّ (ت: 1117هـ): (مَدَنِيَّةٌ، وَعَنْ أَبِي عَمْرٍو فِي أَوْسَطِ أَيَّامِ اَلتَّشْرِيقِ بِمِنًى فِي حِجَّةِ الْوَدَاعِ). [إتحاف فضلاء البشر: 635] (م)
قلت: (هكذا في المطبوع، ولعله تصحيف من الناسخ، وصوابه: عن ابن عمر).
قالَ مُحَمَّدُ الطَّاهِرُ بْنُ عَاشُورٍ (ت: 1393هـ): (وعن ابنِ عمرَ أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عاشَ بعْدَ نُزولِها نحوَ ثلاثةِ أَشْهُرٍ، وعليه تكونُ (إذا) مستَعْمَلَةٌ للزمَنِ الماضي؛ لأنَّ الفتْحَ ودُخولَ الناسِ في الدِّينِ قد وَقَعَا). [التحرير والتنوير: 30/589]

القول الثالث: نزلت قبل فتح مكة، وبعد غزوة خيبر
قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ الْجَارُودِ الطَّيَالِسِيُّ (ت: 204هـ): (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، سَمِعَ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ، يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} قَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى خَتَمَهَا، ثُمَّ قَالَ: ((أَنَا وَأَصْحَابِي حَيِّزٌ، وَالنَّاسُ حَيِّزٌ، لا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ)).

قال أَبُو سَعِيدٍ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ، وَكَانَ أَمِيرًا عَلَى الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: كَذَبْتَ. وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، فَقُلْتُ: أَمَا إِنَّ هَذَيْنِ لَوْ شَاءَا لَحَدَّثَاكَ، وَلَكِنَّ هَذَا يَخْشَى أَنْ تَنْزِعَهُ عَنِ الصَّدَقَةِ، وَهَذَا يَخْشَى أَنْ تَنْزِعَهُ عَنْ عِرَافَةِ قَوْمِهِ. فَرَفَعَ عَلَيَّ الدِّرَّةِ، فَلَمَّا رَأَيَا ذَلِكَ قَالا: صَدَقَ). [مُسْنَدُ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ: 1/494-495]
قَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ الْجَارُودِ الطَّيَالِسِيُّ (ت: 204هـ): (حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ، سَمِعَ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} قَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى خَتَمَهَا، ثُمَّ قَالَ: ((أَنَا وَأَصْحَابِي حَيِّزٌ، وَالنَّاسُ حَيِّزٌ، لا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ)) قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَحَدَّثْتُ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ، وَكَانَ أَمِيرًا عَلَى الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: كَذَبْتَ، وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَرَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، وَهُمَا مَعَهُ عَلَى السَّرِيرِ، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَمَا إِنَّ هَذَيْنِ لَوْ شَاءَا لَحَدَّثَاكَ، وَلَكِنَّ هَذَا يَخْشَى أَنْ تَنْزِعَهُ عَنْ عِرَافَةِ قَوْمِهِ، وَهَذَا يَخْشَى أَنْ تَنْزِعَهُ عَنِ الصَّدَقَةِ؛ يَعْنِي: زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ، قَالَ: فَرَفَعَ عَلَيْهِ الدِّرَّةَ، فَلَمَّا رَأَيَا ذَلِكَ قَالا: صَدَقَ). [مُسْنَدُ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ: 3/657]
قالَ أحمدُ بنُ محمدِ بنِ حَنْبَلٍ الشَّيبانيُّ (ت: 241هـ): (حَدَّثنا محمدُ بنُ جعفرٍ، حَدَّثنا شُعبةُ، عن عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عن أبي البَخْتَرِيِّ الطائيِّ، عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، عن رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ أنه قالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هذهِ السُّورةُ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ} قالَ: قرَأَهَا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ حتى ختَمَها، وقالَ: ((الناسُ حَيِّزٌ، وأَنَا وأَصْحَابِي حَيِّزٌ)).
وقالَ: ((لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ)) فقالَ له مَرْوانُ: كَذَبْتَ. وعندَه رافعُ بنُ خَدِيجٍ، وزَيدُ بنُ ثابتٍ، وهما قاعدانِ معَه على السريرِ، فقالَ أبو سعيدٍ: لو شاءَ هذانِ لحَدَّثاكَ، ولكن هذا يخافُ أن تَنْزِعَه عن عَرَافةِ قومِه، وهذا يَخْشَى أن تَنْزِعَه عن الصدقةِ. فسكَتَا، فرفَعَ مَرْوانُ عليه الدِّرَّةَ ليَضْرِبَه، فلما رَأَيَا ذلكَ قالا: صَدَقَ). [مسند الإمام أحمد: 17/258]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الثَّعْلَبِيُّ (ت: 427هـ): (وأَخْبَرَنَا عبدُ اللَّهِ بنُ حامدٍ، قالَ: أَخْبَرَنَا مَكِّيٌّ، أَخْبَرَنَا أحمدُ بنُ مَنْصُورٍ المَرْوَزِيُّ، أَخْبَرَنَا عمرُ بنُ إبراهيمَ، أَخْبَرَنَا عيسى بنُ عليِّ بنِ عبدِ اللَّهِ بنِ عبَّاسٍ، عن أبيه، عن جَدِّه، قالَ: لمَّا نَزَلَتْ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} جاءَ العبَّاسُ إلى عليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فقالَ: ادْخُلْ على رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فإنْ كانَ هذا الأمرُ لنا بعْدَهُ لم تُشَاحَّنَا عليه قريشٌ، وإنْ كانَ للغيرِ سَأَلنَاهُ الوَصَاةَ بِنا. قالَ: سَأَفْعَلُ. قالَ: فدَخَلَ العبَّاسُ على رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فذَكَرَ ذلك، فقالَ له النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَا عَبَّاسُ، يَا عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ جَعَلَ أَبَا بَكْرٍ خَلِيفَتِي عَلَى دِينِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَوَحْيِهِ، فَاسْمَعُوا لَهُ تُفْلِحُوا، وَأَطِيعُوهُ تَرْشُدُوا)).
قالَ ابنُ عَبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنهما: ففَعَلُوا واللَّهِ فرَشَدُوا). [الكشف والبيان: 10/322]

قالَ أحمدُ بنُ الحُسَيْنِ بنِ عليٍّ الْبَيْهَقِيُّ (ت: 458هـ): (أَخْبَرَنَا أبو عَبْدِ اللهِ الحافظُ قالَ: أَنْبَأَنَا حَمْزَةُ بنُ العبَّاسِ الْعَقَبِيُّ بِبَغْدَادَ، قالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ، قالَ: حَدَّثَنَا أبو داودَ، قالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عنْ عمرِو بنِ مُرَّةَ، قالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْبَخْتَرِيِّ يُحَدِّثُ عن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قالَ: لَمَّا نَزَّلَتْ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ}؛ قَرَأَهَا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى خَتَمَهَا، ثُمَّ قَالَ: ((إِنِّي وَأَصْحَابِي خيرٌ، وَالنَّاسُ خيرٌ، لا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ)) ). [دلائلُ النُّبُوَّةِ: 5/ 109]
قالَ عبدُ الحَقِّ بنُ عبدِ الرحمنِ بنِ عبدِ اللَّهِ الإشْبِيليُّ (ت: 581هـ): (أبو دَاودَ الطَّيَالِسِيُّ: حدَّثَنا شُعْبَةُ، عن عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، سَمِعَ أبا البَخْتَرِيِّ، يُحَدِّثُ عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، قالَ: لَمَّا نزَلَتْ هذهِ الآيةُ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالفَتْحُ} قرَأَهَا رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ حتى خَتَمَها، ثم قالَ: ((أنا وأَصْحَابِي خيرٌٌ والنَّاسُ خيرٌٌ، لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ)).
أبو البَخْتَرِيِّ اسمُه سَعِيدُ بنُ فَيْرُوزَ، ثِقةٌ مَشهورٌ، وفي البابِ عن رافعِ بنِ خَدِيجٍ). [الأحكام الشرعية الكبرى: 4/247-248]
قالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ البَيْضَاوِيُّ (ت: 691هـ): ( والأكثَرُ على أنَّ السُورَةَ نَزَلَتْ قَبْلَ فتْحِ مَكَّةَ). [أنوار التنزيل: 2/1177]
قَالَ خَلِيلُ بْنُ كَيْكَلْدِيِّ بْنِ عَبْدِ اللهِ العَلائِيِّ (ت: 761هـ): (ورَوَى سُنَيْدٌ الْمِصِّيصِيُّ، ثنا حَجَّاجٌ، عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهُ وَالْفَتْحُ} قَرَأَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى النَّاسِ، وَقَالَ: ((النَّاسُ حَيِّزٌ، وَأَنَا وأَصْحَابِي حَيِّزٌ)) وصَدَّقَ أَبَا سَعِيدٍ عَلَيْهِ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، ورَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا). [تحقيق منيف الرتبة: 83]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ رَجَبٍ الحَنْبَلِيُّ (ت: 795 هـ): (وفي مُسندِ الإمامِ أَحْمَدَ مِن طريقِ شُعْبَةَ عن عَمْرِو بنِ مُرَّةَ، عن أبي البُخْتُرِيِّ، عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ، عنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ قالَ: لَمَّا نزَلَتْ هذه السورةُ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ وَرَأَيْتَ}. قالَ: قرَأَها رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ حتَّى خَتَمَها، فقالَ: ((النَّاسُ حَيِّزٌ، وَأَنَا وَأَصْحَابِي حَيِّزٌ)). وقالَ: ((لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ)). وأنَّ مَرْوانَ كَذَّبَه، فصَدَّقَ رَافِعُ بنُ خَدِيجٍ وزيدُ بنُ ثابِتٍ أبا سَعِيدٍ على ما قالَ.
وهذا يُسْتَدَلُّ به على أنَّ المرادَ بالفتحِ فتحُ مَكَّةَ، فقَدْ ثبَتَ في الصحيحيْنِ مِن حديثِ ابنِ عَبَّاسٍ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ قالَ يومَ الْفتَحِ: ((لاَ هِجْرَةَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ)) ). [رسالة تفسير سورة النصر]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ): (وَأَخْرَجَ الطَّيَالِسِيُّ وَابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وأحمدُ والطَّبَرَانِيُّ والحاكمُ وصَحَّحَهُ وَابْنُ مَرْدُويَهْ والبَيْهَقِيُّ فِي الدلائلِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}. قَرَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى خَتَمَهَا، ثُمَّ قَالَ: ((أَنَا وَأَصْحَابِي حَيِّزٌ وَالنَّاسُ حَيِّزٌ، لا هِجْرَةَ بَعْدَ الْفَتْحِ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ)) ). [الدر المنثور: 15/723]
قال عليُّ بنُ حسامِ الدينِ الهنديُّ البرهانُ فوري المتقي (ت: 957هـ): ( (أَبُو سَعِيدٍ الخُدْرِيُّ) لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} قَرَأَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ حتى خَتَمَهَا فقالَ: ((أَنَا وأَصْحَابِي حَيِّزٌ، والناسُ فِي حَيِّزٍ ، لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ)). (ط وأبو نُعَيْمٍ في المَعْرِفَةِ) ). [كنز العمال: 2/560]
قال عليُّ بنُ حسامِ الدينِ الهنديُّ البرهانُ فوري المتقي (ت: 957هـ): (عن أبي سَعِيدٍ قالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هذه السورةُ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} قَرَأَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ حتى خَتَمَهَا وقالَ: ((النَّاسُ حَيِّزٌ وأَنَا وأَصْحَابِي حَيِّزٌ))، وقالَ: ((لا هِجْرَةَ بَعْدَ الفَتْحِ، ولَكِنْ جِهَادٌ ونِيَّةٌ)) فقَالَ مَرْوَانُ: كَذَبْتَ، وكَانَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ ورَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ قَاعِدَيْنِ قَالاَ: صَدَقَ. (ش). [حم] ). [كنز العمال: 2/560-561]
قالَ أَبُو السُّعُودِ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ العِمَادِيُّ الحَنَفِيُّ (ت: 982هـ): ( رُوِيَ أَنَّهَا نَزَلَتْ قَبْلَ الْفَتْحِ، وَعَلَيْهِ الأكثرُ، وَقِيلَ: فِي أَيَّامِ التشريقِ بِمِنًى فِي حجَّةِ الوداعِ). [إرشاد العقل السليم: 7/208]
قالَ أبو الثَّناءِ مَحْمُود بن عبد الله الأَلُوسِيُّ (ت: 1270هـ): (وفي البحرِ أنَّ نزولَها عندَ مُنْصَرَفِه صَلَّى اللهُ تعالى عليه وسَلَّمَ مِن خَيبرَ وأنتَ تَعلمُ أنَّ غَزوةَ خَيبرَ كانت في سنةِ سبعٍ أواخرَ المُحَرَّمِ فيكونُ ما في البينِ أكثرَ مِن سنتينِ). [روح المعاني: 29/255]
قالَ أحمدُ بنُ محمدِ بنِ الصديق الحَسَنيُّ الشافعيُّ (ت: 1380هـ): (ورواه أبو داودَ الطَّيالسيُّ في المُسنَدِ وابنُ أبي شَيْبةَ وأحمدُ والطَّبَرانيُّ في الكبيرِ والحاكمُ وصَحَّحه وابنُ مَرْدُويَه والبَيْهقيُّ في الدلائلِ والقُضَاعيُّ في المُسْنَدِ، من حديثِ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قالَ: لَمَّا نزَلَتْ هذه الآيةُ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالفَتْحُ} قرَأَها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حتى خَتَمَها، ثم قالَ: ((أَنَا وَأَصْحَابِي حَيِّزٌ، وَالنَّاسُ)).
ولفظُ القُضاعِيِّ: ((أنا حَيِّزٌ وأصحابي حَيِّزٌ، لا هِجْرَةَ بعدَ الفتحِ)). زادَ بعضُهم: ((ولكنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ)) ). [فتح الوهاب: 2/82]
قالَ مُحَمَّدُ الطَّاهِرُ بْنُ عَاشُورٍ (ت: 1393هـ): (واختُلِفَ في وَقْتِ نُزولِها فقِيلَ: نَزلتْ مُنْصَرَفَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن خَيْبَرَ؛ أيْ: في سنةِ سبْعٍ، ويُؤَيِّدُه ما رواه الطَّبَرِيُّ والطبرانيُّ عنِ ابنِ عبَّاسٍ: بَيْنَما رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بالمدينةِ نَزلتْ {إذا جاءَ نصْرُ اللهِ والفَتْحُ} قالَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ: ((اللهُ أَكْبَرُ جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ، وَجَاءَ نَصْرُ أَهْلِ الْيَمَنِ)).
فقالَ رجُلٌ: يا رسولَ اللهِ، وما أَهْلُ اليَمَنِ؟
قالَ: ((قَوْمٌ رَقِيقَةٌ قُلُوبُهُمْ، لَيِّنَةٌ طِبَاعُهُمْ، الْإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالْفِقْهُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ)). اهـ.
ومَجيءُ أهْلِ اليَمَنِ أوَّلَ مَرَّةٍ هو مَجيءُ وفْدِ الأَشعَرِيِّينَ عامَ غَزْوَةِ خَيْبَرٍ). [التحرير والتنوير: 30/587]
قالَ مُحَمَّدُ الطَّاهِرُ بْنُ عَاشُورٍ (ت: 1393هـ): (وعن قَتادةَ: نَزلتْ قَبلَ وَفاةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ بسَنتينِ). [التحرير والتنوير: 30/589]
أقوال المفسرين في الترجيح بين هذه الأقوال
قالَ فَخْرُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الرَّازِيُّ (ت: 604هـ): (المسألةُ الثانيةُ: إذا حَمَلْنَا الفتْحَ على فَتْحِ مَكَّةَ، فللناسِ في وَقْتِ نُزولِ هذه السورةِ قولان: أحدُهما: أنَّ فَتْحَ مَكَّةَ كان سنةَ ثمانٍ، ونَزلتْ هذه السورةُ سنةَ عشْرٍ، ورُوِيَ أنه عاشَ بعدَ نُزولِ هذه السورةِ سبعينَ يَوْمًا، ولذلك سُمِّيَتْ سورةَ التوديعِ.
والقولُ الثاني: أنَّ هذه السورةَ نَزلتْ قبلَ فَتْحِ مَكَّةَ، وهو وَعْدٌ لرسولِ اللهِ أنْ يَنصرَه على أهلِ مَكَّةَ، وأن يَفْتَحَها عليه، ونَظيرُه قولُه تعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ} [القصص: 85] وقولُه: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} يَقتضِي الاستقبالَ، إذ لا يُقالُ فيما وَقَعَ: إذا جاءَ وإذا وَقَعَ، وإذا صَحَّ هذا القولُ صارتْ هذه الآيةُ مِن جُملةِ الْمُعجزاتِ مِن حيث إنه خَبَرٌ وُجِدَ مُخْبَرُه بعدَ حينٍ مُطابِقًا له، والإخبارُ عن الغيبِ مُعْجِزٌ. فإن قيلَ: لِمَ ذَكَرَ النصْرَ مُضافًا إلى اللهِ تعالى، وذَكَرَ الفتْحَ بالألِفِ واللامِ؟ الجوابُ: الألِفُ واللامُ للمعهودِ السابقِ، فيَنصرِفُ إلى فَتْحِ مَكَّةَ). [مفاتيح الغيب: 32/143-144]
قَالَ الحُسَينُ بنُ سُلَيْمَانَ بْنِ رَيَّانَ (ت: 770هـ): (سُؤَالٌ: متى نَزَلَتِ السورَةُ الكريمةُ؟
جَوَابٌ: فيهِ وجْهانِ:
1. نُزولُها قبلَ فتحِ مكَّةَ لوعْدِهِ النُّصْرَةَ والْفَتْحَ، لأنَّ كلمَةَ {إذَا} للاسْتِقْبَالِ، والوَعْدُ إنما يكُونُ في الاستقْبَالِ.
2. نُزُولُ هذه السورَةِ بعْدَ فتْحِ مكَّةَ، فعلى هذا يكونُ {إذَا} بمعْنى (إذْ)، ودُخُولُ (إذْ) على الماضِي إنَّمَا هو على طريقَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ} ). [الروض الريان: 3/640]
؟؟قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ رَجَبٍ الحَنْبَلِيُّ (ت: 795 هـ): (واخْتُلِفَ في وَقْتِ نُزولِها، فقيلَ: نزَلَتْ فِي السَّنَةِ التي تُوُفِّيَ فِيها رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ). [رسالة تفسير سورة النصر]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ رَجَبٍ الحَنْبَلِيُّ (ت: 795 هـ): (وفي (مُسندِ) الإمامِ أَحْمَدَ، عن مُحمدِ بنِ فُضَيلٍ، عن عَطاءٍ، عن سَعيدِ بنِ جُبَيْرٍ، عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قالَ: لَمَّا نزَلَتْ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}. قالَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ: ((نُعِيَتْ إِلَيَّ نَفْسِي)). بأنَّه مَقْبوضٌ في تلك السَّنَةِ. عطاءٌ هو ابنُ السائبِ اخْتَلَطَ بآخِرَةٍ.
ويَشْهَدُ له ما أخْرَجَه البَزَّارُ في (مُسندِه) والبَيْهقِيُّ مِن حديثِ مُوسَى بنِ عُبَيْدَةَ، عن عبدِ اللَّهِ بنِ دِينارٍ وصَدَقَةَ بنِ يَسَارٍ، عن ابنِ عُمَرَ قالَ: نزَلَتْ هذهِ السورةُ على رسولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ بمِنًى، وهو في أَوْسَطِ أيامِ التَّشْريقِ في حَجَّةِ الوَدَاعِ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}. فعَرَفَ أنَّه الوَدَاعُ، فأمَرَ برَاحِلَتِه القَصْواءِ، فَرُحِلَتْ لَهُ، ثُمَّ رَكِبَ، فوَقَفَ للناسِ بالعَقَبَةِ، فحَمِدَ اللَّهَ وأَثْنَى عليهِ، وذَكَرَ خُطْبَةً طَوِيلةً.
هذا إسنادٌ ضعيفٌ جِدًّا، ومُوسَى بنُ عُبَيْدَةَ قالَ أحمدُ: لا تَحِلُّ عندِي الروايةُ عنه.
وعن قَتادَةَ قالَ: عاشَ رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ بعدَها سَنَتيْنِ.
وهذا يقتَضِي أنها نزَلَتْ قبلَ الفَتْحِ، وهذا هو الظاهِرُ؛ لأنَّ قولَه: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}. يَدُلُّ دَلالةً ظاهِرَةً على أنَّ الفَتْحَ لم يَكُنْ قَدْ جَاءَ بعدُ؛ لأنَّ "إِذَا" ظَرْفٌ لِمَا يُسْتَقْبَلُ مِن الزمانِ، هذا هو المعروفُ في استعمالِها، وإنْ كانَ قدْ قيلَ: إنَّها تَجِيءُ للماضِي؛ كقولِه: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا}. [الجمعة: 11]، وقولِه: {وَلاَ عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ}. [التوبة: 92].
وقدْ أُجِيبَ عن ذلك بأنَّه أُريدَ أنَّ هذا شأنُهم ودَأْبُهم، لمْ يُرِدْ به الماضِيَ بخُصوصِه، وسنَذْكُرُ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ قالَ بعدَ نُزولِ هذهِ السورةِ: ((جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ، وَجَاءَ أَهْلُ الْيَمَنِ)). ومَجِيءُ أهْلِ اليَمَنِ كانَ قَبْلَ حَجَّةِ الوَدَاعِ). [رسالة تفسير سورة النصر]
قالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ رَجَبٍ الحَنْبَلِيُّ (ت: 795 هـ): (وفي (المُسندِ) عن أبي رَزِينٍ، عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قالَ: لمَّا نزَلَتْ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ}. عَلِمَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ أنهُ قَدْ نُعِيَتْ إليهِ نَفْسُه.
وقدْ سَبَقَ مِن حديثِ ابنِ عَبَّاسٍ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ لمَّا نزَلَتْ هذهِ السورةُ أخَذَ في أشَدِّ ما كانَ اجتهاداً في أمْرِ الآخِرَةِ). [رسالة تفسير سورة النصر]
قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (ويُقالُ: إنَّ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ} نَزَلَتْ يَوْمَ النَّحْرِ وهُو بِمِنًى في حَجَّةِ الوَدَاعِ، وقِيلَ: عَاشَ بَعْدَهَا أَحَدًا وثَمَانِينَ يَوْمًا، ولَيْسَ مُنَافِيًا للذي قَبْلَهُ بِنَاءً علَى بَعْضِ الأَقْوَالِ في وَقْتِ الوَفَاةِ النَّبَوِيَّةِ، وعِنْدَ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ مِن حَدِيثِ ابنِ عَبَّاسٍ: عاشَ بَعْدَهَا تِسْعَ لَيَالٍ، وعَنْ مُقَاتِلٍ سَبْعًا، وعَنْ بَعْضِهِمْ ثَلاثًا، وقِيلَ: ثَلاثَ سَاعاتٍ، وهُو باطلٌ). [فتح الباري: 8/734]
قالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الإِيجِيُّ الشَّافِعِيُّ (ت: 905 هـ): (وعَنِ البَيْهَقِيِّ وغيرِه: إنها نَزَلَتْ في أيَّامِ التَّشْرِيقِ بمِنًى في حَجَّةِ الوَدَاعِ، فيكونُ نُزُولُها بعدَ فَتْحِ مكَّةَ بِسَنَتَيْنِ، فلا بُدَّ أنْ نقولَ: إنَّ (إذا) الذي هو للاستقبالِ سُلِبَتْ عن معناهُ، وقيلَ: إنَّ فتْحَ مكَّةَ أُمُّ الفُتُوحِ، والدستورُ لِمَا يكونُ بعدَهُ مِنَ الفُتُوحاتِ، فهو وإنْ كانَ مُتَحَقِّقًا في نفسِه، لكنَّه مُتَرَكِّبٌ باعتبارِ ما يَدُلُّ عليه). [جامع البيان: 4/540]
قالَ مُحَمَّدُ جَمَالُ الدِّينِ القَاسِمِيُّ (ت: 1332هـ): (الثاني: قالَ الرازيُّ: إذا حَمَلْنَا الفتْحَ على فَتْحِ مَكَّةَ، فللنَّاسِ في وقتِ نُزولِ هذهِ السورةِ قَوْلانِ:
أحدُهما: أنَّ فَتْحَ مَكَّةَ كانَ سَنَةَ ثمانٍ، ونَزلتْ هذهِ السورةُ سنةَ عَشْرٍ. ورُوِيَ أنَّهُ عاشَ بعدَ نُزولِ هذهِ السورةِ سَبعينَ يوماً؛ ولذلكَ سُمِّيَتْ سورةَ التوديعِ.
ثانيهما: أنَّ هذهِ السورةَ نَزلتْ قَبلَ فتْحِ مَكَّةَ، وهوَ وَعْدٌ لرسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ أنْ يَنْصُرَهُ على أهلِ مَكَّةَ، وأنْ يَفتحَها عليهِ. ونَظيرُهُ: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ}.
وقولُهُ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} يَقتضِي الاستقبالَ؛ إذْ لا يُقَالُ فيما وَقَعَ: {إِذَا جَاءَ}، وَ(إذَا وَقَعَ). وإذا صَحَّ هذا القَوْلُ صارَتْ هذهِ الآيَةُ مِنْ جُملةِ الْمُعجِزَاتِ، مِنْ حيثُ إنَّهُ خَبَرٌ وُجِدَ مَخْبَرُهُ بعدَ حِينٍ مُطابقاً لهُ، والإخبارُ عن الغَيْبِ مُعجِزَةٌ، انْتَهَى). [محاسن التأويل: 9/ 561-562]
قالَ مُحَمَّدُ جَمَالُ الدِّينِ القَاسِمِيُّ (ت: 1332هـ): (قالَ الحافظُ ابنُ حَجَرٍ في (فتحُ البارِي): ولأَبِي يَعْلَى مِنْ حديثِ ابنِ عمرَ: نَزَلَتْ هذهِ السورةُ في أَوْسَطِ أيَّامِ التشريقِ، في حَجَّةِ الوداعِ، فعَرَفَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسَلَّمَ أنَّهُ الوَداعُ.
ثمَّ قالَ: وسُئِلْتُ عنْ قولِ الكَشَّافِ: إنَّ سُورةَ النصْرِ نَزلتْ في حَجَّةِ الوَداعِ أيَّامَ التشريقِ، فَكَيْفَ صُدِّرَتْ بـ {إِذَا} الدالَّةِ على الاستقبالِ، فأَجَبْتُ بِضَعْفِ ما نَقَلَهُ.
وعلى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ، فالشرطُ لم يَكْتَمِلْ بالفتحِ؛ لأنَّ مَجِيءَ الناسِ أفواجاً لم يَكُنْ كَمُلَ، فبَقِيَّةُ الشرْطِ مُسْتَقْبَلٌ.
وقدْ أَوْرَدَ الطِّيبِيُّ السؤالَ وأجابَ بجَوَابَيْنِ:
أحدُهما: أنَّ {إِذَا} قدْ تَرِدُ بمعنى (إِذْ)، كما في قولِهِ تعالى: {وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً} الآيَةَ.
ثانيهما: أنَّ كلامَ اللَّهِ قديمٌ. وفي كُلٍّ مِن الجوَابَيْنِ نَظَرٌ لا يَخْفَى، انتهى كلامُهُ). [محاسن التأويل: 9/ 562]
قالَ مُحَمَّدُ الطَّاهِرُ بْنُ عَاشُورٍ (ت: 1393هـ): (وقد تَضافَرَتِ الأخبارُ رِوايةً وتَأويلاً أنَّ هذه السورةَ تَشتَمِلُ على إيماءٍ إلى اقترابِ أجَلِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وليس في ذلك ما يُرَجِّحُ أَحَدَ الأقوالِ في وقتِ نُزولِها؛ إذ لا خِلاَفَ في أنَّ هذا الإيماءَ يُشيرُ إلى تَوقيتِ مَجيءِ النصْرِ والفَتْحِ، ودُخولِ الناسِ في الدِّينِ أَفواجًا، فإذا حَصَلَ ذلك حانَ الأَجَلُ الشريفُ). [التحرير والتنوير: 30/589] (م)
قالَ مُحَمَّدُ الطَّاهِرُ بْنُ عَاشُورٍ (ت: 1393هـ): (وفي حديثِ ابنِ عبَّاسٍ في صحيحِ البُخاريِّ، هو أجَلُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أَعْلَمَهُ له، قالَ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ}، وذلك عَلاَمَةُ أجَلِكَ، {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ}.
وفي هذا ما يُؤَوِّلُ ما في بعضِ الأخبارِ مِن إشارةٍ إلى اقترابِ ذلك الأَجَلِ، مثلِ ما في حديثِ ابنِ عبَّاسٍ، عندَ البَيْهَقِيِّ في دَلائلِ النبوَّةِ والدَّارِمِيِّ وابنِ مَرْدَوَيْهِ: لَمَّا نَزَلَتْ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ} دعا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ فاطمةَ وقالَ: ((إِنَّهُ قَدْ نُعِيَتْ إِلَيَّ نَفْسِي)) فبَكَتْ... إلخ، فإنَّ قولَه: (لَمَّا نَزَلَتْ) مُدْرَجٌ مِنَ الراوي، وإنما هو إعلامٌ لها في مَرَضِه، كما جاءَ في حديثِ الوَفاةِ في الصحيحينِ، فهذا جَمْعٌ بينَ ما يَلُوحُ منه تعارُضٌ في هذا الشأنِ). [التحرير والتنوير: 30/590]
قالَ مُحَمَّدُ الطَّاهِرُ بْنُ عَاشُورٍ (ت: 1393هـ): (وقد فَتَحَ الْمُسلِمونَ خَيْبَرَ قَبْلَ نُزولِ هذه الآيةِ، فتَعَيَّنَ أنَّ الفتْحَ المذكورَ فيها فتْحٌ آخَرُ، وهو فتْحُ مَكَّةَ كما يُشعِرُ به التعريفُ بلامِ العَهْدِ، وهو المعهودُ في قولِه تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْرًا عَزِيزًا}). [التحرير والتنوير: 30/590]
قالَ مُحَمَّدُ الطَّاهِرُ بْنُ عَاشُورٍ (ت: 1393هـ): (وعلى ما رُوِيَ عن ابنِ عُمَرَ: أنها نَزلتْ في حَجَّةِ الوَداعِ؛ يكونُ تَعليقُ جُملةِ: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} على الشرْطِ الماضي مُرادًا به التذكيرُ بأنه حَصَلَ، أيْ: إذا تَحقَّقَ ما وَعَدْنَاكَ به مِنَ النَّصْرِ والفتْحِ وعُمومِ الإسلامِ بلادَ العرَبِ -فسَبِّحْ بحمْدِ رَبِّكَ. وهو مُرادُ مَن قالَ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ: (إذا) بمعنى (قد)، فهو تَفسيرُ حاصِلِ المعنى، وليستْ (إذا) مما يأتي بمعنى (قد) ). [التحرير والتنوير: 30/591-592]
قالَ مُحَمَّدُ الطَّاهِرُ بْنُ عَاشُورٍ (ت: 1393هـ): (والتعريفُ في {الْفَتْحِ} للعَهْدِ، وقد وَعَدَ اللهُ رسولَه صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ به غيرَ مَرَّةٍ، مِن ذلك قولُه تعالى: {إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ}، وقولُه: {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لاَ تَخَافُونَ فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا فَجَعَلَ مِن دُونِ ذَلِكَ فَتْحًا قَرِيبًا}. وهذه الآيةُ نَزلتْ عامَ الْحُدَيْبِيَّةِ، وذلك قبلَ نُزولِ سُورةِ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ} على جَميعِ الأقوالِ.
وقد اتَّفَقَتْ أَقوالُ الْمُفَسِّرينَ مِنَ السَّلَفِ فمَن بَعْدَهم على أنَّ الفَتْحَ المذكورَ في هذه السورةِ هو فتْحُ مَكَّةَ؛ إلاَّ روايةً عن سعيدِ بنِ جُبيرٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ: هو فتْحُ المدائِنِ والقُصورِ، يَعني الحصونَ. وقد كانَ فتْحُ مكَّةَ يُخَالِجُ نُفوسَ العَرَبِ كلِّهم، فالمسلمونَ كانوا يَرْجُونَه ويَعلمونَ ما أَشارَ به القرآنُ مِنَ الوَعْدِ، وأَهلُ مَكَّةَ يَتَوَقَّعُونَه، وبَقِيَّةُ العَرَبِ يَنتظرونَ ماذا يكونُ الحالُ بينَ أهْلِ مَكَّةَ وبينَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ ويَتَلَوَّمُونَ بدخولِهم في الإسلامِ فتْحَ مَكَّةَ يَقولونَ: إنْ ظَهَرَ محمَّدٌ على قَوْمِه فهو نَبِيٌّ. وتَكرَّرَ أنَّ صَدَّ بعضِهم بَعْضًا ممن يُريدُ اتِّباعَ الإسلامِ، عن الدخولِ فيه وإِنظارُه إلى ما سيَظهَرُ مِن غَلَبِ الإسلامِ، أو غَلَبِ الشِّرْكِ.
أَخْرَجَ البُخاريُّ عن عمرِو بنِ سَلَمَةَ قالَ: لَمَّا كانَ الفَتْحُ بادَرَ كلُّ قومٍ بإسلامِه إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وكانت الأَحياءُ تَتلَوَّمُ بإسلامِها فَتْحَ مَكَّةَ، فيقولونَ: دَعُوهُ وقَوْمَه، فإنْ ظهَرَ عليهم فهو نَبِيٌّ.
وعن الْحَسَنِ: لَمَّا فُتِحَتْ مَكَّةُ أَقبَلَتِ العَرَبُ بعضُها على بعْضٍ، فقالوا: أمَّا إذْ ظَفَرَ بأَهْلِ الحرَمِ فليس لنا به يَدانِ، فكانوا يَدخلونَ في الإسلامِ أَفواجًا. فعلى قولِ الْجُمهورِ في أنَّ الفتحَ هو فتْحُ مكَّةَ يَستقيمُ أنْ تكونَ هذه السُّورةُ نَزلتْ بعْدَ فتْحِ خَيْبَرَ، وهو قولُ الأَكثرينَ في وَقْتِ نُزُولِها.
ويُحتَمَلُ على قولِ القائلينَ بأنها نَزلتْ عَقِبَ غَزوةِ حُنَيْنٍ أنْ يكونَ الفتْحُ قد مَضَى، ويكونَ التعليقُ على مَجموعِ فَتْحِ مكَّةَ ومَجيءِ نصْرٍ مِنَ اللهِ آخَرَ، ودُخولِ الناسِ في الإسلامِ، وذلك بما فُتِحَ عليه بعْدَ ذلك، ودُخولِ العرَبِ كلِّهم في الإسلامِ سنَةَ الوُفودِ). [التحرير والتنوير: 30/591]


رد مع اقتباس