عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 24 رجب 1434هـ/2-06-2013م, 12:17 AM
شيماء رأفت شيماء رأفت غير متواجد حالياً
عضو جديد
 
تاريخ التسجيل: Apr 2013
المشاركات: 1,618
افتراضي

أسباب نزول سورة الممتحنة

قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ):
(حدّثنا ابن أبي عمر، قال: حدّثنا سفيان، عن عمرو بن دينارٍ، عن الحسن بن محمّدٍ هو ابن الحنفيّة، عن عبيد الله بن أبي رافعٍ، قال: (سمعت عليّ بن أبي طالبٍ يقول: بعثنا رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم أنا والزّبير والمقداد بن الأسود فقال: انطلقوا حتّى تأتوا روضة خاخٍ فإنّ بها ظعينةً معها كتابٌ، فخذوه منها فأتوني به، فخرجنا تتعادى بنا خيلنا حتّى أتينا الرّوضة، فإذا نحن بالظّعينة فقلنا: أخرجي الكتاب، فقالت: ما معي من كتابٍ، قلنا: لتخرجنّ الكتاب أو لتلقينّ الثّياب، قال: فأخرجته من عقاصها.

قال: فأتينا به رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم، فإذا هو من حاطب بن أبي بلتعة إلى أناسٍ من المشركين بمكّة يخبرهم ببعض أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: ((ما هذا يا حاطب؟))
قال: لا تعجل عليّ يا رسول الله، إنّي كنت امرأً ملصقًا في قريشٍ ولم أكن من أنفسها، وكان من معك من المهاجرين لهم قراباتٌ يحمون بها أهليهم وأموالهم بمكّة، فأحببت إذ فاتني ذلك من نسبٍ فيهم أن أتّخذ فيهم يدًا يحمون بها قرابتي، وما فعلت ذلك كفرًا وارتدادًا عن ديني ولا رضًا بالكفر
فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ((صدق))، فقال عمر بن الخطّاب: دعني يا رسول الله أضرب عنق هذا المنافق، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: ((إنّه قد شهد بدرًا، فما يدريك لعلّ اللّه اطّلع على أهل بدرٍ، فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)).
قال: وفيه أنزلت هذه السّورة {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء تلقون إليهم بالمودّة} الآية [الممتحنة: 1]) السّورة.
قال عمرٌو: وقد رأيت ابن أبي رافعٍ وكان كاتبًا لعليٍّ.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ.
وفيه عن عمر، وجابر بن عبد اللّه.
وروى غير واحدٍ عن سفيان بن عيينة، هذا الحديث نحو هذا، وذكروا هذا الحرف: (وقالوا: لتخرجنّ الكتاب أو لتلقينّ الثّياب).
وهذا حديثٌ قد روي أيضًا عن أبي عبد الرّحمن السّلميّ، عن عليّ بن أبي طالبٍ، نحو هذا الحديث.
وذكر بعضهم فيه: (لتخرجنّ الكتاب أو لنجرّدنّك)). [سنن الترمذي: 5/264-265]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (نزلت بالمدينة بإجماعهم في شأن حاطب بن أبي بلتعة وقصته في ذلك وفي شأن سبيعة بنت الحارث). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 176]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء}
- أخبرنا محمّد بن منصورٍ، قال: حدّثنا سفيان، قال: حفظته عن عمرٍو، وأخبرنا عبيد الله بن سعيدٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن عمرٍو، قال: أخبرني الحسن بن محمّدٍ، قال: أخبرني عبيد الله بن أبي رافعٍ أنّ عليًّا أخبره، قال: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، أنا والمقداد والزّبير، فقال: «انطلقوا حتّى تأتوا روضة خاخٍ، فإنّ بها ظعينةً معها كتابٌ، فخذوا منها»، فانطلقنا حتّى أتينا الرّوضة، فإذا نحن بالظّعينة، فقلنا: أخرجي الكتاب، فأخرجته من عقاصها، فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناسٍ من أهل مكّة، يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأتينا به النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «ما هذا يا حاطب؟»، فقال: لا تعجل عليّ يا رسول الله، إنّي كنت امرأً ملصقًا بقريشٍ، ولم أكن من أنفسهم، وكان من معك لهم بها قراباتٌ يحمون بها قرابتهم، فأحببت إذ فاتني ذلك من النّسب أن أتقرّب إليهم بيدٍ يحمون بها قرابتي، وما فعلته كفرًا ولا ارتدادًا عن ديني، ولا رضًى بالكفر بعد الإسلام، فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «قد صدقكم»، فقال عمر: يا رسول الله، دعني أضرب عنق يعني هذا، فقال: " يا عمر، ما يدريك، لعلّ الله اطّلع على أهل بدرٍ فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم " واللّفظ لعبيد الله، وزاد محمّدٌ في حديثه: فأنزل الله عزّ وجلّ {لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء} [الممتحنة: 1] السّورة كلّها). [السنن الكبرى للنسائي: 10/296]
قالَ عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ الوَاحِدِيُّ (ت: 468هـ): (نزلت في حاطب ابن أبي بلتعة لما كتب إلى مشركي مكة ينذرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم حين أراد الخروج إليهم). [الوجيز: 1/1087]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (قوله تعالى: {أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء} أهل التفسير أنها نزلت في حاطب بن أبي بلتعة وذلك أن سارة مولاة أبي عمرو ابن صيفي بن هاشم أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يتجهز لفتح مكة.
فقال لها: ((أمسلمة جئت))؟
قالت: لا
قال: ((فما جاء بك؟))
قالت: أنتم الأهل والعشيرة والموالي وقد احتجت حاجة شديدة فقدمت إليكم لتعطوني
قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فأين أنت من شباب أهل مكة؟))، وكانت مغنية فقالت: ما طلب مني شيء بعد وقعة بدر
فحث رسول الله صلى الله عليه وسلم بني عبد المطلب فكسوها وحملوها وأعطوها، فأتاها حاطب بن أبي بلتعة فكتب معها كتابا إلى أهل مكة وأعطاها عشرة دنانير على أن توصل الكتاب إلى أهل مكة، وكتب في الكتاب: (من حاطب إلى أهل مكة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدكم فخذوا حذركم)
فخرجت به سارة ونزل جبريل فأخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بما فعل حاطب فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وعمارا والزبير وطلحة والمقداد وأبا مرثد وقال: ((انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن فيها ظعينة معها كتاب من حاطب إلى المشركين فخذوه منها وخلوا سبيلها فإن لم تدفعه إليكم فاضربوا عنقها))
فخرجوا حتى أدركوها فقالوا لها: (أين الكتاب؟)
فحلفت بالله ما معها من كتاب ففتشوا متاعها فلم يجدوا شيئا، فهموا بالرجوع فقال علي: (والله ما كذبنا ولا كذبنا)
وسل سيفه وقال: (أخرجي الكتاب وإلا ضربت عنقك)
فلما رأت الجد أخرجته من ذؤابتها فخلوا سبيلها ورجعوا بالكتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسل إلى حاطب فأتاه فقال له: ((هل تعرف الكتاب؟))
قال: (نعم)
قال: ((فما حملك على ما صنعت؟))
فقال: (يا رسول الله والله ما كفرت منذ أسلمت ولا غششتك منذ نصحتك ولا أحببتهم منذ فارقتهم ولكن لم يكن أحد من المهاجرين إلا وله بمكة من يمنع عشيرته وكنت غريبا فيهم وكان أهلي بين ظهرانيهم فخشيت على أهلي فأردت أن أتخذ عندهم يدا وقد علمت أن الله ينزل بهم بأسه وكتابي لا يغني عنهم شيئا).
فصدقه رسول الله صلى الله عليه وسلم وعذره ونزلت هذه السورة تنهى حاطبا عما فعل وتنهى المؤمنين أن يفعلوا كفعله.
فقام عمر بن الخطاب فقال: (يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق)
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وما يدريك يا عمر لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم)). وقد أخرج هذا الحديث في الصحيحين مختصرا وفيه ذكر علي وابن الزبير وأبي مرثد فقط). [زاد المسير: 8/230-232]

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): (كان سبب نزول صدر هذه السّورة الكريمة قصّة حاطب بن أبي بلتعة، وذلك أنّ حاطبًا هذا كان رجلًا من المهاجرين، وكان من أهل بدرٍ أيضًا، وكان له بمكّة أولادٌ ومالٌ، ولم يكن من قريشٍ أنفسهم، بل كان حليفًا لعثمان. فلمّا عزم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على فتح مكّة لمّا نقض أهلها العهد، فأمر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم المسلمين بالتّجهيز لغزوهم، وقال: ((اللّهمّ، عمّ عليهم خبرنا)). فعمد حاطبٌ هذا فكتب كتابًا، وبعثه مع امرأةٍ من قريشٍ إلى أهل مكّة، يعلمهم بما عزم عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم [من غزوهم]، ليتّخذ بذلك عندهم يدًا، فأطلع اللّه رسوله على ذلك استجابةً لدعائه.
فبعث في أثر المرأة فأخذ الكتاب منها، وهذا بيّنٌ في هذا الحديث المتّفق على صحّته.
قال الإمام أحمد: حدثنا سفيان، عن عمرو، أخبرني حسن بن محمّد بن عليٍّ، أخبرني عبيد اللّه بن أبي رافعٍ -وقال مرّة: إنّ عبيد اللّه بن أبي رافعٍ أخبره: أنّه سمع عليًّا، رضي اللّه عنه، يقول: (بعثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنا والزّبير والمقداد، فقال: ((انطلقوا حتّى تأتوا روضة خاخٍ، فإنّ بها ظعينة معها كتابٌ، فخذوه منها)).
فانطلقنا تعادى بنا خيلنا حتّى أتينا الرّوضة، فإذا نحن بالظّعينة، قلنا: أخرجي الكتاب. قالت: ما معي كتابٌ. قلنا: لتخرجنّ الكتاب أو لنلقين الثّياب. قال: فأخرجت الكتاب من عقاصها.
فأخذنا الكتاب فأتينا به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فإذا فيه: من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناسٍ من المشركين بمكّة، يخبرهم ببعض أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((يا حاطب، ما هذا؟)). قال: لا تعجل عليّ، إنّي كنت امرأً ملصقًا في قريشٍ، ولم أكن من أنفسهم، وكان من معك من المهاجرين لهم قراباتٌ يحمون أهليهم بمكّة، فأحببت إذ فاتني ذلك من النّسب فيهم أن أتّخذ فيهم يدًا يحمون بها قرابتي، وما فعلت ذلك كفرًا ولا ارتدادًا عن ديني ولا رضى بالكفر بعد الإسلام. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((إنّه صدقكم)). فقال عمر: دعني أضرب عنق هذا المنافق. فقال: ((إنّه قد شهد بدرًا، ما يدريك لعلّ اللّه اطّلع إلى أهل بدرٍ فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم))).
وهكذا أخرجه الجماعة إلّا ابن ماجه، من غير وجهٍ، عن سفيان بن عيينة، به.
وزاد البخاريّ في كتاب "المغازي": فأنزل اللّه السّورة: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء}الآية [الممتحنة: 1]. وقال في كتاب "التّفسير": قال عمرٌو: (ونزلت فيه: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء} قال : "لا أدري الآية في الحديث أو قال عمرٌو".
قال البخاريّ: قال عليٌّ -يعني: ابن المدينيّ-: قيل لسفيان في هذا: نزلت {لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء} ؟ فقال سفيان: هذا في حديث النّاس، حفظته من عمرٍو، ما تركت منه حرفًا، وما أرى أحدًا حفظه غيري.
وقد أخرجاه في الصّحيحين من حديث حصين بن عبد الرّحمن، عن سعد بن عبيدة، عن أبي عبد الرّحمن السّلميّ، عن عليٍّ قال: (بعثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأبا مرثد، والزّبير بن العوّام، وكلّنا فارسٌ، وقال: ((انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ، فإن بها امرأةً من المشركين معها كتابٌ من حاطبٍ إلى المشركين)).
فأدركناها تسير على بعيرٍ لها حيث قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقلنا: الكتاب؟ فقالت: ما معي كتابٌ. فأنخناها فالتمسنا فلم نر كتابًا، فقلنا: ما كذب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم! لتخرجنّ الكتاب أو لنجردنك. فلمّا رأت الجدّ أهوت إلى حجزتها وهي محتجزة بكساءٍ فأخرجته.
فانطلقنا بها إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال عمر: يا رسول اللّه، قد خان اللّه ورسوله والمؤمنين، فدعني فلأضرب عنقه. فقال: ((ما حملك على ما صنعت؟)).
قال: واللّه ما بي إلّا أن أكون مؤمنًا باللّه ورسوله، أردت أن تكون لي عند القوم يدٌ يدفع اللّه بها عن أهلي ومالي، وليس أحدٌ من أصحابك إلّا له هنالك من عشيرته من يدفع اللّه به عن أهله وماله. فقال: ((صدق، لا تقولوا له إلّا خيرًا)). فقال عمر: إنّه قد خان اللّه ورسوله والمؤمنين، فدعني فلأضرب عنقه. فقال: ((أليس من أهل بدرٍ؟))
فقال: ((لعلّ اللّه قد اطّلع إلى أهل بدرٍ فقال: اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة -أو: قد غفرت لكم)). فدمعت عينا عمر، وقال: اللّه ورسوله أعلم).
هذا لفظ البخاريّ في "المغازي" في غزوة بدرٍ، وقد روي من وجهٍ آخر عن عليٍّ قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عليّ بن الحسن الهسنجاني، حدّثنا عبيد بن يعيش، حدّثنا إسحاق بن سليمان الرّازيّ، عن أبي سنان -هو سعيد بن سنانٍ-عن عمرو بن مرة الجملي، عن أبي البختريّ الطّائيّ، عن الحارث، عن عليٍّ قال: (لمّا أراد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أن يأتي مكّة، أسرّ إلى أناسٍ من أصحابه أنّه يريد مكّة، فيهم حاطب بن أبي بلتعة وأفشى في النّاس أنّه يريد خيبر. قال: فكتب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكّة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يريدكم. فأخبر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: فبعثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأبا مرثد، وليس منا رجل إلا وعند فرسٌ، فقال: ((ائتوا روضة خاخٍ، فإنّكم ستلقون بها امرأةً معها كتابٌ، فخذوه منها)).
فانطلقنا حتّى رأيناها بالمكان الّذي ذكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فقلنا لها: هات الكتاب. فقالت: ما معي كتابٌ. فوضعنا متاعها وفتّشناها فلم نجده في متاعها، فقال أبو مرثدٍ: لعلّه ألّا يكون معها. فقلت: ما كذب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولا كذبنا. فقلنا لها: لتخرجنّه أو لنعرينّك. فقالت: أما تتّقون اللّه؟! ألستم مسلمين؟ فقلنا: لتخرجنّه أو لنعرينّك. قال عمرو بن مرّة: فأخرجته من حجزتها). وقال حبيب بن أبي ثابتٍ: أخرجته من قبلها.
(فأتينا به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فإذا الكتاب من حاطب بن أبي بلتعة. فقام عمر فقال: يا رسول اللّه، خان اللّه ورسوله، فائذن لي فلأضرب عنقه.
فقال رسول اللّه: ((أليس قد شهد بدرًا؟)). قالوا: بلى. وقال عمر: بلى، ولكنّه قد نكث وظاهر أعداءك عليك. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
((فلعل الله اطلع إلى على أهل بدرٍ فقال: اعملوا ما شئتم، إنّي بما تعملون بصيرٌ)). ففاضت عينا عمر وقال: اللّه ورسوله أعلم. فأرسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى حاطبٍ فقال: ((يا حاطب، ما حملك على ما صنعت؟)). فقال: يا رسول اللّه، إنّي كنت امرأً ملصقًا في قريشٍ، وكان لي بها مالٌ وأهلٌ، ولم يكن من أصحابك أحدٌ إلّا وله بمكّة من يمنع أهله وماله، فكتبت إليهم بذلك وواللّه-يا رسول اللّه-إنّي لمؤمنٌ باللّه ورسوله. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((صدق حاطبٌ، فلا تقولوا لحاطبٍ إلّا خيرًا))).
قال حبيب بن أبي ثابتٍ: فأنزل اللّه: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء تلقون إليهم بالمودّة} الآية [الممتحنة: 1].
وهكذا رواه ابن جريرٍ عن ابن حميدٍ عن مهران، عن أبي سنانٍ -سعيد بن سنانٍ-بإسناده مثله. وقد ذكر ذلك أصحاب المغازي والسّير، فقال محمّد بن إسحاق بن يسار في السّيرة). [تفسير القرآن العظيم: 8/82-84]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): (حدّثني محمّد بن جعفر بن الزّبير، عن عروة بن الزّبير وغيره من علمائنا قال: (لمّا أجمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المسير إلى مكّة، كتب حاطب بن أبي بلتعة كتابًا إلى قريشٍ يخبرهم بالّذي أجمع عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من الأمر في السّير إليهم، ثمّ أعطاه امرأةً -زعم محمّد بن جعفرٍ أنّها من مزينة، وزعم غيره أنّها: سارة، مولاةٌ لبني عبد المطّلب-وجعل لها جعلا على أن تبلّغه قريشًا فجعلته في رأسها، ثمّ فتلت عليه قرونها، ثمّ خرجت به. وأتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الخبر من السّماء بما صنع حاطبٌ، فبعث عليّ بن أبي طالبٍ والزّبير بن العوّام فقال: ((أدركا امرأةً قد كتب معها حاطبٌ بكتابٍ إلى قريشٍ، يحذّرهم ما قد أجمعنا له من أمرهم)).
فخرجا حتّى أدركاها بالخليفة -خليفة بني أبي أحمد-فاستنزلاها بالخليفة، فالتمسا في رحلها فلم يجدا شيئًا، فقال لها عليّ بن أبي طالبٍ: إنّي أحلف باللّه ما كذب رسول اللّه وما كذبنا ولتخرجنّ لنا هذا الكتاب أو لنكشفنّك. فلمّا رأت الجدّ منه قالت: أعرض. فأعرض، فحلّت قرون رأسها، فاستخرجت الكتاب منها، فدفعته إليه. فأتى به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فدعا رسول اللّه حاطبًا فقال: ((يا حاطب ما حملك على هذا؟)). فقال: يا رسول اللّه، أما واللّه إنّي لمؤمنٌ باللّه ورسوله ما غيّرت ولا بدّلت، ولكنّي كنت امرأً ليس لي في القوم من أهلٍ ولا عشيرةٍ، وكان لي بين أظهرهم ولد وأهلٌ فصانعتهم عليهم فقال عمر بن الخطّاب: يا رسول اللّه، دعني فلأضرب عنقه، فإنّ الرّجل قد نافق. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ((وما يدريك يا عمر! لعلّ اللّه قد اطّلع إلى أصحاب بدرٍ يوم بدرٍ فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرت لكم)).
فأنزل اللّه، عزّ وجلّ، في حاطبٍ: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء تلقون إليهم بالمودّة} إلى قوله:
{قد كانت لكم أسوةٌ حسنةٌ في إبراهيم والّذين معه إذ قالوا لقومهم إنّا برآء منكم وممّا تعبدون من دون اللّه كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدًا حتّى تؤمنوا باللّه وحده} [الممتحنة: 1-4]) إلى آخر القصّة). [تفسير القرآن العظيم: 8/84-85]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): (وروى معمر، عن الزّهريّ، عن عروة نحو ذلك.
وهكذا ذكر مقاتل بن حيّان: أنّ هذه الآيات نزلت في حاطب بن أبي بلتعة: أنّه بعث سارة مولاة بني هاشمٍ، وأنّه أعطاها عشرة دراهم، وأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعث في أثرها عمر بن الخطّاب وعليّ بن أبي طالبٍ، رضي اللّه عنهما، فأدركاها بالجحفة = وذكر تمام القصّة كنحو ما تقدّم.
وعن السّدّيّ قريبًا منه.
وهكذا قال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ، ومجاهدٍ وقتادة، وغير واحدٍ: أنّ هذه الآيات نزلت في حاطب بن أبي بلتعة). [تفسير القرآن العظيم: 8/85]
قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ): (سورة الممتحنة
أي: هذا في تفسير بعض سورة الممتحنة، قال السّهيلي: هي بكسر الحاء أي: المختبرة أضيف إليها الفعل مجازًا كما سميت سورة براءة المبعثرة والفاضحة لما كشفت عن عيوب المنافقين ومن قال بفتح الحاء فإنّه أضافها إلى المرأة الّتي نزلت فيها وهي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي ميعط، وهي امرأة عبد الرّحمن بن عوف وأم ولده إبراهيم، وقال مقاتل: الممتحنة اسمها سبيعة، ويقال: سعيدة بنت الحارث الأسلميّة. وكانت تحت صيفي بن الراهب. وقال ابن عساكر: كانت أم كلثوم تحت عمرو بن العاص، قال: وروى أن الآية نزلت في أميّة بنت بشر من بني عمرو بن عوف أم عبد الله بن سهل بن حنيف وكانت تحت حسان بن الدحداحية ففرت منه وهو حينئذٍ كافر فتزوجها سهيل بن حنيف). [عمدة القاري: 19/329-330]
قالَ مُحَمَّد الطَّاهِرُ بْنُ عَاشُورٍ (ت: 1393هـ): (واتّفقوا على أنّ الآية الأولى نزلت في شأن كتاب حاطب بن أبي بلتعة إلى المشركين من أهل مكّة.
روى البخاريّ من طريق سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينارٍ يبلغ به إلى عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه قصّة كتاب حاطب بن أبي بلتعة إلى أهل مكّة ثمّ قال: (قال عمرو بن دينارٍ: نزلت فيه {يا أيّها الّذين آمنوا لا تتّخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء} [الممتحنة: 1]).
قال سفيان: (هذا في حديث النّاس لا أدري الآية في الحديث أو قول عمرٍو؟. حفظته من عمرٍو وما تركت منه حرفًا). اهـ.
وفي "صحيح مسلمٍ" وليس في حديث أبي بكرٍ وزهيرٍ (من الخمسة الّذين روى عنهم مسلمٌ يروون عن سفيان بن عيينة) ذكر الآية. وجعلها إسحاق (أي ابن إبراهيم أحد من روى عنهم مسلمٌ هذا الحديث) في روايته من تلاوة سفيان. اهـ. ولم يتعرّض مسلمٌ لرواية عمرٍو النّاقد وابن أبي عمر عن سفيان فلعلّهما لم يذكرا شيئًا في ذلك.
واختلفوا في آن كتابه إليهم:
أكان عند تجهّز رسول الله صلّى الله عليه وسلّم للحديبية؟ وهو قول قتادة ودرج عليه ابن عطيّة وهو مقتضى رواية الحارث عن عليّ بن أبي طالبٍ عند الطّبريّ، (قال: لمّا أراد النبي صلّى الله عليه وسلّم أن يأتي مكّة أفشى في النّاس أنّه يريد خيبر وأسرّ إلى ناسٍ من أصحابه منهم حاطب بن أبي بلتعة أنّه يريد مكّة. فكتب حاطبٌ إلى أهل مكّة ...) إلى آخره، فإنّ قوله: (أفشى)، أنّه يريد خيبر يدلّ على أنّ إرادته مكّة إنّما هي إرادة عمرة الحديبية لا غزو مكّة؛ لأنّ خيبر فتحت قبل فتح مكّة. ويؤيّد هذا ما رواه الطّبريّ أنّ المرأة الّتي أرسل معها حاطبٌ كتابه كان مجيئها المدينة بعد غزوة بدرٍ بسنتين.
وقال ابن عطيّة: نزلت هذه السّورة سنة ستٍّ.
وقال جماعةٌ: كان كتاب حاطبٍ إلى أهل مكّة عند تجهّز رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لفتح مكّة، وهو ظاهر صنيع جمهور أهل السّير وصنيع البخاريّ في كتاب المغازي من "صحيحه" في ترتيبه للغزوات، ودرج عليه معظم المفسّرين.
ومعظم الرّوايات ليس فيها تعيين ما قصده رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من تجهّزه إلى مكّة أهو لأجل العمرة أم لأجل؟ الفتح فإن كان الأصحّ الأوّل وهو الّذي نختاره كانت السّورة جميعها نازلةً في مدّةٍ متقاربةٍ فإنّ امتحان أمّ كلثومٍ بنت عقبة كان عقب صلح الحديبية، ويكون نزول السّورة مرتّبًا على ترتيب آياتها وهو الأصل في السّور.
وعلى القول الثّاني يكون صدور السّورة نازلًا بعد آيات الامتحان وما بعدها، حتّى قال بعضهم: إنّ أوّل السّورة نزل بمكّة بعد الفتح، وهذا قولٌ غريبٌ لا ينبغي التّعويل عليه). [التحرير والتنوير: 28/130-131]


رد مع اقتباس