عرض مشاركة واحدة
  #5  
قديم 4 رجب 1434هـ/13-05-2013م, 02:32 AM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي

4: أقوال العلماء في بيان أول ما نزل من القرآن

قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (أول ما نزل من القرآن في قول عائشة رضي الله عنها، ومجاهد، وعطاء بن يسار، وعبيد بن عمير، وأبي رجاء العطاردي: {اقرأ باسم ربك}[العلق: 1]. قالت عائشة رضي الله عنها: أول ما ابتدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة، كانت تجيء مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء، فكان بحراء يتحنث فيه الليالي ذوات العدد قبل أن يرجع إلى أهله، ثم يرجع إلى أهله فيتزود لمثلها، حتى فجأه الحق فقال: يا محمد أنت رسول الله.
قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((فجثوت لركبتي، ثم تزحفت يرجف فؤادي فدخلت –يريد على خديجة- فقلت: زملوني، حتى ذهب عني الروع، ثم أتاني فقال: يا محمد أنت رسول الله، فلقد هممت أن أطرح نفسي من جبل، فتبدى لي حين هممت بذلك فقال: يا محمد، أنا جبريل وأنت رسول الله. فقال: اقرأ: فقلت ما أقرأ.
فأخذني فغتني ثلاث مرات، حتى بلغ مني الجهد.
فقال:{اقرأ باسم ربك الذي خلق}فقرأت. فأتيت خديجة فقلت: لقد أشفقت على نفسي، فأخبرتها خبري.
فقالت: أبشر، فوالله لا يخزيك الله أبدا، والله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتؤدي الأمانة، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.
ثم انطلقت بي إلى ورقة بن نوفل بن أسد، فقالت: اسمع من ابن أخيك، فسألني، فأخبرته، فقال: هذا الناموس الذي أنزل على موسى بن عمران، ليتني أكون فيها جذعا، ليتني أكون حيا حين يخرجك قومك. قلت: أمخرجي هم؟! قال: نعم، إنه لم يجئ رجل قط بما جئت به إلا عودي، ولئن أدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا)).
قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((ثم كان أول ما نزل علي من القرآن بعد{اقرأ باسم ربك}:{ن * والقلم وما يسطرون * ما أنت بنعمة ربك بمجنون}حتى قرأ إلى{فستبصر ويبصرون}، و{يا أيها المدثر * قم فأنذر}، {والضحى والليل إذا سجى})).
والعلماء على أنه إنما نزل عليه من {اقرأ باسم ربك}[العلق: 1] إلى قوله {علم الإنسان ما لم يعلم}[العلق:5 ] ثم نزل باقيها بعد {يا أيها المدثر}[المدثر: 1]، و{يا أيها المزمل}[المزمل: 1].
وقال جابر بن عبد الله: {يا أيها المدثر}[المدثر: 1] أول القرآن نزولا، والأكثر على ما قدمته، وليس في قول جابر ما يناقضه؛ لأن {المدثر} من جملة ما نزل أول القرآن). [جمال القراء :1/5-7]
قال أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل بن إبراهيم المقدسي(ت: 665هـ): (أول ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم من القرآن أول سورة {اقرأ باسم ربك الذي خلق}، نزل ذلك عليه بحراء عند ابتداء نبوته، على ما شرحناه في "كتاب المبعث"، ثم نزل {يا أيها المدثر} ثم صار ينزل منه شيء فشيء بحسب الوقائع والنوازل مكيا، ومدنيا حضرا وسفرا). [المرشد الوجيز:31]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحْمَدَ بْنِ جُزَيءٍ الكَلْبِيُّ (ت: 741هـ): (وأول ما نزل عليه من القرآن صدر سورة العلق ثم المدثر والمزمل وقيل أول ما نزل المدثر وقيل فاتحة الكتاب.
والأول هو الصحيح لما ورد في الحديث الصحيح عن عائشة في حديثها الطويل في ابتداء الوحي، قالت فيه: جاءه الملك وهو بغار حراء قال: ((اقرأ قال: ما أنا بقارئ قال: فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ قلت: ما أنا بقارئ قال: فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ قلت" ما أنا بقارئ قال: فأخذني وغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني ثم قال: {اقرأ بسم ربك الذي خلق (1) خلق الإنسان من علق (2) اقرأ وربك الأكرم (3) الذي علم بالقلم (4) علم الإنسان ما لم يعلم})) فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده فقال: ((زملوني زملوني))
فزملوه حتى ذهب عنه ما يجد من الروع.

وفي رواية من طريق جابر بن عبد الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((زملوني)) فأنزل الله تعالى: {يا أيها المزمل}
). [التسهيل:7]

قال إسماعيلُ بنُ عمرَ ابنُ كثيرٍ القُرَشيُّ (ت:774هـ): (قال البخاري: ثنا عمرو بن محمد ثنا يعقوب بن إبراهيم ثنا أبي عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب قال: أخبرني أنس بن مالك: (أن الله تابع الوحي على رسوله صلى الله عليه وسلم قبل وفاته حتى توفاه أكثر ما كان الوحي، ثم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده).
وهكذا رواه مسلم عن عمرو بن محمد هكذا وهو الناقد، وحسن الحلواني، وعبد بن حميد، والنسائي، عن إسحاق بن منصور الكوسج أربعتهم، عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد الزهري به.
ومعناه: أن الله تعالى تابع نزول الوحي على رسوله صلى الله عليه وسلم شيئا بعد شيء كل وقت بما يحتاج إليه، ولم تقع فترة بعد الفترة الأولى التي كانت بعد نزول الملك أول مرة بقوله تعالى : {اقرأ باسم ربك} الآية [العلق: 1]، فإنه استلبث الوحي بعدها حينا يقال: قريبا من سنتين أو أكثر، ثم حمى الوحي وتتابع .
وكان أول شيء نزل بعد تلك الفترة : {يا أيها المدثر * قم فأنذر}[المدثر: 1-2]).[فضائل القرآن: ]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): (وقد قيل: إنّ الفاتحة أوّل شيءٍ نزل من القرآن، كما ورد في حديثٍ رواه البيهقيّ في "دلائل النّبوّة"، ونقله الباقلّانيّ أحد أقوالٍ ثلاثةٍ هذا [أحدها] وقيل: {يا أيّها المدّثّر}[المدثر: 1]، كما في حديث جابرٍ في الصّحيح. وقيل: {اقرأ باسم ربّك الّذي خلق}[العلق: 1] وهذا هو الصّحيح، كما سيأتي تقريره في موضعه، واللّه المستعان). [تفسير القرآن العظيم: 1/103]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) في تفسير سورة العلق: (وهي أوّل شيءٍ نزل من القرآن). [تفسير القرآن العظيم: 8/436]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): (قال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الرّزّاق، حدّثنا معمر، عن الزّهريّ، عن عروة، عن عائشة قالت: (أوّل ما بدئ به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من الوحي الرّؤيا الصّادقة في النّوم، فكان لا يرى رؤيا إلّا جاءت مثل فلق الصّبح. ثمّ حبب إليه الخلاء، فكان يأتي حراء فيتحنّث فيه -وهو: التّعبّد-اللّيالي ذوات العدد، ويتزوّد لذلك ثمّ يرجع إلى خديجة فتزوّد لمثلها حتّى فجأه الحقّ وهو في غار حراء، فجاءه الملك فيه فقال: اقرأ. قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:((فقلت: ما أنا بقارئٍ)). قال:((فأخذني فغطّني حتّى بلغ منّي الجهد ثمّ أرسلني، فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارئٍ. فغطّني الثّانية حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني فقال: اقرأ. فقلت: ما أنا بقارئٍ. فغطّني الثّالثة حتّى بلغ منّي الجهد، ثمّ أرسلني فقال:{اقرأ باسم ربّك الّذي خلق}حتّى بلغ:{ما لم يعلم}[العلق: 1-5]))قال: فرجع بها ترجف بوادره حتّى دخل على خديجة فقال:((زمّلوني زمّلوني)). فزمّلوه حتّى ذهب عنه الرّوع. فقال:((يا خديجة، ما لي))فأخبرها الخبر وقال:((قد خشيت عليّ)). فقالت له: كلّا أبشر فواللّه لا يخزيك اللّه أبدًا؛ إنّك لتصل الرّحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكلّ، وتقري الضّيف، وتعين على نوائب الحقّ. ثمّ انطلقت به خديجة حتّى أتت به ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى ابن قصي -وهو ابن عم خديجة، أخي أبيها، وكان امرأً تنصّر في الجاهليّة، وكان يكتب الكتاب العربيّ، وكتب بالعربيّة من الإنجيل ما شاء اللّه أن يكتب، وكان شيخًا كبيرًا قد عمي -فقالت خديجة: أي ابن عمّ، اسمع من ابن أخيك. فقال ورقة: ابن أخي، ما ترى؟ فأخبره رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما رأى، فقال ورقة: هذا النّاموس الّذي أنزل على موسى ليتني فيها جذعا أكون حيًّا حين يخرجك قومك. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:((أومخرجيّ هم؟)). فقال ورقة: نعم، لم يأت رجلٌ قطّ بما جئت به إلّا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرًا مؤزرًا. [ثمّ] لم ينشب ورقة أن توفّي، وفتر الوحي فترةً حتّى حزن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم -فيما بلغنا-حزنًا غدا منه مرارًا كي يتردى من رءوس شواهق الجبال، فكلّما أوفى بذروة جبلٍ لكي يلقي نفسه منه، تبدى له جبريل فقال: يا محمّد، إنّك رسول اللّه حقًا. فيسكن بذلك جأشه، وتقرّ نفسه فيرجع. فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة الجبل تبدى له جبريل، فقال له مثل ذلك).
وهذا الحديث مخرّجٌ في الصّحيحين من حديث الزّهريّ وقد تكلّمنا على هذا الحديث من جهة سنده ومتنه ومعانيه في أوّل شرحنا للبخاريّ مستقصًى، فمن أراده فهو هناك محرّرٌ، وللّه الحمد والمنّة). [تفسير القرآن العظيم: 8/436-437]
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ): (فأوّل شيءٍ نزل من القرآن هذه الآيات الكريمات المباركات وهنّ أوّل رحمةٍ رحم اللّه بها العباد، وأوّل نعمةٍ أنعم اللّه بها عليهم. وفيها التّنبيه على ابتداء خلق الإنسان من علقةٍ، وأنّ من كرمه تعالى أن علّم الإنسان ما لم يعلم، فشرّفه وكرّمه بالعلم، وهو القدر الّذي امتاز به أبو البريّة آدم على الملائكة، والعلم تارةً يكون في الأذهان، وتارةً يكون في اللّسان، وتارةً يكون في الكتابة بالبنان، ذهنيٌّ ولفظيٌّ ورسميٌّ، والرّسميّ يستلزمهما من غير عكسٍ، فلهذا قال: {اقرأ وربّك الأكرم الّذي علّم بالقلم علّم الإنسان ما لم يعلم}[العلق: 3-5]، وفي الأثر: قيّدوا العلم بالكتابة. وفيه أيضًا: ((من عمل بما علم رزقه اللّه علم ما لم يكن يعلم)) ). [تفسير القرآن العظيم: 8/437]
قالَ مُحَمَّدُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ بَهَادرَ الزَّرْكَشِيُّ (ت: 794هـ): (النوع العاشر: معرفة أول ما نزل من القرآن وآخر ما نزل
فأما أوله ففي صحيح البخاري في حديث بدء الوحي ما يقتضي أن أول ما نزل عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} الآية [العلق: 1] ثم المدثر.
وأخرجه الحاكم في مستدركه من حديث عائشة رضي الله عنها صريحا وقال: صحيح الإسناد.
ولفظ مسلم أول ما نزل من القرآن: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} الآية [العلق: 1] إلى قوله: {عَلَّمَ الأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}[العلق: 5].
ووقع في صحيح البخاري إلى قوله: {وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ} الآية [العلق: 3] وهو مختصر وفي الأول زيادة وهي من الثقة مقبولة.
وقد جاء ما يعارض هذا ففي "صحيح مسلم" عن جابر: (أول ما نزل من القرآن سورة المدثر).
وجمع بعضهم بينهما بأن جابرا سمع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يذكر قصة بدء الوحي فسمع آخرها ولم يسمع أولها فتوهم أنها أول ما نزلت وليس كذلك نعم هي أول ما نزل بعد سورة: {اقْرَأْ} وفترة الوحي لما ثبت في الصحيحين أيضا عن جابر رضي الله عنه: (أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يحدث عن فترة الوحي قال في حديثه:((بينما أنا أمشي سمعت صوتا من السماء فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فجثثت منه فرقا فرجعت فقلت: زملوني زملوني،فأنزل الله تبارك وتعالى{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِر}[المدثر: 1-2]))).
فقد أخبر في هذا الحديث عن الملك الذي جاءه بحراء قبل هذه المرة وأخبر في حديث عائشة أن نزول {اقْرَأْ} الآية [العلق: 1] كان في غار حراء وهو أول وحي ثم فتر بعد ذلك وأخبر في حديث جابر أن الوحي تتابع بعد نزول {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}[المدثر: 1] فعلم بذلك أن: {اقْرَأْ} الآية [العلق: 1] أول ما نزل مطلقا وأن سورة المدثر بعده وكذلك قال ابن حبان في صحيحه: لا تضاد بين الحديثين بل أول ما نزل اقرأ باسم ربك الذي خلق بغار حراء فلما رجع إلى خديجة رضي الله عنها وصبت عليه الماء البارد أنزل الله عليه في بيت خديجة {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}[المدثر: 1] فظهر أنه لما نزل عليه: {اقْرَأْ} الآية [العلق: 1] رجع فتدثر فأنزل عليه {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}[المدثر: 1].
وقيل: أول ما نزل سورة الفاتحة روي ذلك من طريق أبي إسحاق عن أبي ميسرة قال: كان رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا سمع الصوت انطلق هاربا وذكر نزول الملك عليه وقوله: قل {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الفاتحة: 2] إلى آخرها.
وقال القاضي أبو بكر في "الانتصار": وهذا الخبر منقطع وأثبت الأقاويل {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} الآية [العلق: 1] ويليه في القوة {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}[المدثر: 1] وطريق الجمع بين الأقاويل أن أول ما نزل من الآيات {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} الآية [العلق: 1] وأول ما نزل من أوامر التبليغ {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ}[المدثر: 1] وأول ما نزل من السور سورة الفاتحة.
وهذا كما ورد في الحديث "أول ما يحاسب به العبد الصلاة"، "وأول ما يقضى فيه الدماء" وجمع بينهما بأن أول ما يحكم فيه من المظالم التي بين العباد الدماء وأول ما يحاسب به العبد من الفرائض البدنية الصلاة.
وقيل: أول ما نزل للرسالة {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} وللنبوة {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} فإن العلماء قالوا قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} دال على نبوة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأن النبوة عبارة عن الوحي إلى الشخص على لسان الملك بتكليف خاص وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِر} دليل على رسالته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لأنها عبارة عن الوحي إلى الشخص على لسان الملك بتكليف عام.
وذكر القاضي في "الانتصار" رواية: ثم نزل بعد سورة {اقْرَأْ} ثلاث آيات من أول نوح وثلاث آيات من أول المدثر.
وعن مجاهد قال: أول سورة أنزلت اقرأ ثم نوح). [البرهان في علوم القرآن: 1/206-208]

قالَ عبدُ الرَّحمن بنُ عُمَرَ بنِ رَسْلانَ البُلقِينيُّ (ت:824هـ):
(النوع الحادي عشر: أول ما نزل
قد تكلم المصنفون في أسباب النزول على هذا النوع، وحديث عائشة الثابت في الصحيح في بدء الوحي دليل على أن أول ما نزل:
{اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق} إلى قوله: {علم الإنسان ما لم يعلم}.
وقد روى الحاكم في "المستدرك" من طريق سفيان بن عيينة عن محمد بن إسحاق عن الزهري عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: (أول ما نزل من القرآن: {اقرأ باسم ربك الذي خلق}).
وقد نقل عن عكرمة والحسن أنهما قالا: أول ما نزل من القرآن البسملة بمكة، وأول سورة نزلت: {اقرأ باسم ربك الذي خلق}[العلق: 1]. وهذا القول مردود بما سبق.
وأما الحديث الذي رواه البخاري، ومسلم في صحيحيهما من طريق يحيى بن أبي كثير قال: سألت أبا سلمة بن عبد الرحمن، أي القرآن أنزل قبل؟ قال: {يا أيها المدثر}
قلت: أو {اقرأ باسم ربك}؟
قال: سألت جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه، أي القرآن أنزل قبل؟
قال:
({يا أيها المدثر}
قلت: أو {اقرأ باسم ربك}؟
قال: أحدثكم بما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إني جاورت بحراء شهرا، فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت الوادي، فنوديت، فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي، ثم نظرت إلى السماء فإذا هو على العرش في الهواء – يعني جبريل – فأخذتني رجفة، فأتيت خديجة فأمرتهم فدثروني، ثم حثوا علي الماء، فأنزل الله:{يا أيها المدثر قم فأنذر}))).
فإنه مما يتعقب على الصحيحين في إخراجه، ويدل على ذلك ما رواه الشيخان من طريق الزهري عن أبي سلمة عن جابر قال: (سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن فترة الوحي، فقال في حديثه:((فبينا أنا أمشي سمعت صوتا من السماء، فرفعت بصري فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فرجعت فقلت: زملوني زملوني، فدثروني، فأنزل الله – تعالى -:{يا أيها المدثر}))).
ووجه الدلالة منه رواية جابر عن إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أن الملك الذي جاءه بحراء جالس، فدل في رواية جابر على أن هذه القصة تأخرت عن قصة حراء التي فيها أنزل: {اقرأ باسم ربك}.
ويظهر في الجواب عن ذلك أن يقال: وقع السؤال عن نزول بقية اقرأ والمدثر، فأجابه أبو سلمة عن جابر بما تقدم). [مواقع العلوم: 54-57]
قالَ جلالُ الدينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أبي بكرِ السيوطيُّ (ت: 911هـ): (النوع الثاني والثالث عشر: أول ما نزل وآخر ما نزل
اختلف في الأول، فالأصح أنه: {اقرأ باسم ربك}، وقيل: المدثر، وقيل: الفاتحة.
حجة الأول: حديث ابن عباس السابق في المكي والمدني، وحديث عائشة أنها قالت: (أول ما نزل من القرآن{اقرأ باسم ربك}[العلق: 1]) رواه في "المستدرك"، وروى أبو عبيد قال: حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد: أن أول ما نزل من القرآن: {اقرأ باسم ربك}[العلق: 1]، ون، والقلم.
وحجة الثاني: ما في "الصحيحين" عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: سألت جابر بن عبد الله: أي القرآن أنزل قبل؟ (قال:{يا أيها المدثر})
قلت: أو {اقرأ باسم ربك}؟
قال: أحدثكم بما حدثنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((إني جاورت بحراء شهراً فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت بطن الوادي فنوديت فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي، ثم نظرت إلى السماء فإذا هو يعني جبريل فأخذتني رجفة فأتيت خديجة فأمرتهم فدثروني فأنزل الله:{يا أيها المدثر * قم فأنذر})) ).
وأجاب الأول بما في "الصحيحين" أيضاً عن أبي سلمة عن جابر: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن فترة الوحي فقال في حديثه:((فبينما أنا أمشي سمعت صوتاً من السماء فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض فرجعت وقلت: زملوني زملوني فدثروني، فأنزل الله:{يا أيها المدثر} ))) فقوله: ((الملك الذي جاءني بحراء)) دال على أن هذه القصة متأخرة عن قصة حراء التي نزل فيها: {اقرأ باسم ربك}.
قال البلقيني: ويجمع بين الحديثين بأن السؤال كان عن نزول بقية: اقرأ والمدثر، فأجابه بما تقدم.
وحجة الثالث ولم يذكره البلقيني ما رواه البيهقي في "الدلائل" عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال لخديجة: ((إذا خلوت وحدي سمعت نداءً)) فذكر الحديث وفيه: فأتى ورقة بن نوفل فقص عليه فقال له:(إذا أتاك فاثبت له حتى تسمع ما يقول ثم ائتني فأخبرني) فلما خلا ناداه: يا محمد قل: {بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين}. حتى بلغ: ولا الضالين، فأتى ورقة بن نوفل فذكر ذلك له فقال له:(أبشر) الحديث.
قال البيهقي: هذا منقطع وإن كان محفوظاً فيحتمل أن يكون خبراً عن نزولها بعد ما نزلت عليه (اقرأ) و(المدثر) قلت: وإن صح أخذ منه أنها من أوائل ما نزل كما لا يخفى). [التحبير في علم التفسير:89-90]
قالَ جلالُ الدينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بنُ أبي بكرِ السيوطيُّ (ت: 911هـ): (اختلف في أول ما نزل من القرآن على أقوال:
أحدها: وهو الصحيح {اقرأ باسم ربك}.
روى الشيخان وغيرهما عن عائشة قالت: (أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، ثم حبب إليه الخلاء فكان يأتي حراء فيتحنث فيه الليالي ذوات العدد ويتزود لذلك، ثم يرجع إلى خديجة رضي الله عنها فتزوده لمثلها، حتى فجأه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فيه، فقال:{اقرأ}قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((فقلت: ما أنا بقارئ فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال:{اقرأ}فقلت: ما أنا بقارئ فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال:{اقرأ}فقلت: ما أنا بقارئ فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني، فقال:{اقرأ باسم ربك الذي خلق} حتى بلغ{ما لم يعلم} )) فرجع بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ترجف بوادره) الحديث.
وأخرج الحاكم في "المستدرك" والبيهقي في "الدلائل" وصححاه عن عائشة قالت: (أول سورة نزلت من القرآن{اقرأ باسم ربك}الآية [العلق: 1]).
وأخرج الطبراني في "الكبير" بسند على شرط الصحيح عن أبي رجاء العطاردي قال: كان أبو موسى يقرئنا فيجلسنا حلقا عليه ثوبان أبيضان فإذا تلا هذه السورة: {اقرأ باسم ربك الذي خلق} قال: (هذه أول سورة أنزلت على محمد صلى الله عليه وسلم).
وقال سعيد بن منصور في "سننه": حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار عن عبيد بن عمير، قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له: ((اقرأ قال: وما اقرأ فوالله ما أنا بقارئ فقال:{اقرأ باسم ربك الذي خلق})) فكان يقول: ((هو أول ما أنزل)).
وقال أبو عبيد: في فضائله حدثنا عبد الرحمن عن سفيان عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، قال: إن أول ما أنزل من القرآن:{اقرأ باسم ربك}و{ن والقلم}.
وأخرج ابن أشتة في كتاب "المصاحف" عن عبيد بن عمير قال: جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم بنمط، فقال:((اقرأ قال: ما أنا بقارئ قال:{اقرأ باسم ربك})) فيرون أنها أول سورة أنزلت من السماء.
وأخرج عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بحراء إذ أتى ملك بنمط من ديباج فيه مكتوب {اقرأ باسم ربك الذي خلق}[العلق: 1] إلى {ما لم يعلم} الآية .
القول الثاني:{يا أيها المدثر} روى الشيخان عن سلمة بن عبد الرحمن قال: سألت جابر بن عبد الله أي القرآن أنزل قبل؟ قال: (يا أيها المدثر) قلت: أو اقرأ باسم ربك؟ قال: (أحدثكم ما حدثنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إني جاورت بحراء فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت الوادي فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وشمالي ثم نظرت إلى السماء فإذا هو يعني جبريل فأخذتني رجفة فأتيت خديجة فأمرتهم فدثروني، فأنزل الله:{يا أيها المدثر قم فأنذر})) ).
وأجاب الأول عن هذا الحديث بأجوبة:
أحدها: أن السؤال كان عن نزول سورة كاملة، فبين أن سورة المدثر نزلت بكمالها قبل نزول تمام سورة اقرأ فإنها أول ما نزل منها صدرها، ويؤيد هذا ما في "الصحيحين" أيضا عن أبي سلمة عن جابر: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن فترة الوحي، فقال في حديثه: ((بينا أنا أمشي سمعت صوتا من السماء فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء على كرسي بين السماء والأرض فرجعت فقلت: زملوني زملوني فدثروني، فأنزل الله:{يا أيها المدثر})) ).
فقوله: ((الملك الذي جاءني بحراء)) يدل على أن هذه القصة متأخرة عن قصة حراء التي نزل فيها {اقرأ باسم ربك} الآية [العلق: 1].
ثانيها: أن مراد جابر بالأولية مخصوصة بما بعد فترة الوحي لا أولية مطلقة.
ثالثها: أن المراد أولية مخصوصة بالأمر بالإنذار، وعبر بعضهم عن هذا بقوله: أول ما نزل للنبوة: {اقرأ باسم ربك}، وأول ما نزل للرسالة: {يا أيها المدثر}.
رابعها: أن المراد أول ما نزل بسبب متقدم وهو ما وقع من التدثر الناشئ عن الرعب، وأما {اقرأ} فنزلت ابتداء بغير سبب متقدم ذكره ابن حجر.
خامسها: أن جابرا استخرج ذلك باجتهاده، وليس هو من روايته فيقدم عليه ما روته عائشة قاله الكرماني.
وأحسن هذه الأجوبة الأول والأخير.
القول الثالث: سورة الفاتحة
قال في "الكشاف" ذهب ابن عباس ومجاهد إلى أن أول سورة نزلت {اقرأ} وأكثر المفسرين إلى أن أول سورة نزلت فاتحة الكتاب.
قال ابن حجر: والذي ذهب إليه أكثر الأئمة هو الأول، وأما الذي نسبه إلى الأكثر فلم يقل به إلا عدد أقل من القليل بالنسبة إلى من قال بالأول، وحجته: ما أخرجه البيهقي في "الدلائل" والواحدي من طريق يونس بن بكير عن يونس بن عمرو عن أبيه عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخديجة: ((إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء، فقد والله خشيت أن يكون هذا أمرا)) فقالت: (معاذ الله ما كان الله ليفعل بك فوالله إنك لتؤدي الأمانة وتصل الرحم وتصدق الحديث) فلما دخل أبو بكر ذكرت خديجة حديثه له، وقالت: (اذهب مع محمد إلى ورقة فانطلقا فقصا عليه) فقال: ((إذا خلوت وحدي سمعت نداء خلفي: يا محمد يا محمد فأنطلق هاربا في الأفق)) فقال: (لا تفعل إذا أتاك فأثبت، حتى تسمع ما يقول ثم ائتني فأخبرني) فلما خلا ناداه: يا محمد قل: {بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين} حتى بلغ {ولا الضالين}.. الحديث هذا مرسل رجاله ثقات.
وقال البيهقي: إن كان محفوظا يحتمل أن يكون خبرا عن نزولها بعدما نزلت عليه {اقرأ} والمدثر.
القول الرابع: {بسم الله الرحمن الرحيم}
حكاه ابن النقيب في مقدمة تفسيره قولا زائدا.
وأخرج الواحدي بإسناده عن عكرمة والحسن قالا: أول ما نزل من القرآن {بسم الله الرحمن الرحيم} وأول سورة {اقرأ باسم ربك}.
وأخرج ابن جرير وغيره من طريق الضحاك عن ابن عباس قال: (أول ما نزل جبريل على النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا محمد استعذ ثم قل:{بسم الله الرحمن الرحيم}).
وعندي أن هذا لا يعد قولا برأسه، فإنه من ضرورة نزول السورة نزول البسملة معها فهي أول آية نزلت على الإطلاق). [الإتقان في علوم القرآن:158-165]
قال محمد بن عبد العظيم الزرقاني (ت: 1367هـ):
(
أول ما نزل على الإطلاق
: ورد في ذلك أقوال أربعة:
القول الأول وهو أصحها: أنه صدر سورة {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} إلى قوله سبحانه: {عَلَّمَ الْأِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} ودليله ما يأتي:
1- روى البخاري ومسلم واللفظ للبخاري عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها أنها قالت: أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح. ثم حبب إليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك ثم يرجع إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال: إقرأ. قلت: "ما أنا بقارئ". فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني. فقال: اقرأ. قلت: "ما أنا بقارئ". فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال: اقرأ. قلت: "ما أنا بقارئ". فأخذني فغطني الثالثة ثم أرسلني فقال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْأِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} وفي بعض الروايات حتى بلغ {مَا لَمْ يَعْلَمْ} . فرجع بها إلى خديجة يرجف فؤاده إلى آخر الحديث وهو طويل. وفلق الصبح: ضياؤه. والتحنث المراد به التعبد وأصله ترك الحنث لأن هذه الصيغة تدل على التجنب والتنحي عن مصادرها ونظيره التهجد والتأثم والتحرج. وغطني بفتح الغين وتشديد الطاء المفتوحة أي ضمني ضما شديدا حتى كان لي غطيط وهو صوت من حبست أنفاسه بما يشبه الخنق. والجهد بفتح الجيم يطلق على المشقة وعلى الوسع والطاقة وبضم الجيم يطلق على الوسع والطاقة لا غير وهما روايتان.
2- وصحح الحاكم في مستدركه والبيهقي في دلائله عن عائشة أيضا رضي الله عنها أنها قالت: أول سورة نزلت من القرآن: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} .
3- وصحح الطبراني في الكبير بسنده عن أبي رجاء العطاردي قال: كان أبو موسى يقرئنا فيجلسنا حلقا وعليه ثوبان أبيضان فإذا تلا هذه السورة: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} قال: هذه أول سورة نزلت على محمد صلى الله عليه وسلم.
4- وردت آثار في هذا المعنى أيضا في بعضها زيادة تعرفها من رواية الزهري وهي: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بحراء إذ أتى الملك بنمط من ديباج مكتوب فيه {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} إلى {مَا لَمْ يَعْلَمْ} ا.هـ. والنمط بفتح النون والميم هو الثياب والديباج هو الحرير.
القول الثاني أن أول ما نزل إطلاقا: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} . واستدل أصحاب هذا الرأي بما رواه الشيخان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: سألت جابر بن عبد الله أي القرآن أنزل قبل؟ فقال: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} فقلت: أو {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} وفي رواية نبئت أنه {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} . فقال: أحدثكم ما حدثنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إني جاورت بحراء فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت الوادي)) زاد في رواية: ((فنوديت فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي ثم نظرت إلى السماء فإذا هو)) - يعني جبريل- زاد في رواية: ((جالس على عرش بين السماء والأرض فأخذتني رجفة فأتيت خديجة فأمرتهم فدثروني، فأنزل الله: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ} )) .
لكن هذه الرواية ليست نصا فيما نحن بسبيله من إثبات أول ما نزل من القرآن إطلاقا بل تحتمل أن تكون حديثا عما نزل بعد فترة الوحي وذلك هو الظاهر من رواية أخرى رواها الشيخان أيضا عن أبي سلمة عن جابر أيضا (( فبينا أنا أمشي إذسمعت صوتا من السماء فرفعت بصري قبل السماء فإذا الملك الذي جاءني بحراء قاعد على كرسي بين السماء والأرض فجثثت حتى هويت إلى الأرض فجئت أهلي فقلت: زملوني فزملوني. فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ}))
قال أبو سلمة: والرجز: الأوثان اهـ قلت: وجثثت على وزن فرحت معناه ثقل جسمي عن القيام وسببه فزع الرسول وخوفه عليه الصلاة والسلام.

فظاهر هذه الرواية يدل على أن جابرا استند في كلامه على أن أول ما نزل من القرآن هو المدثر إلى ما سمعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يحدث عن فترة الوحي وكأنه لم يسمع بما حدث به رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الوحي قبل فترته من نزول الملك على الرسول في حراء بصدر سورة اقرأ كما روت عائشة فاقتصر في إخباره على ما سمع ظانا أنه ليس هناك غيره اجتهادا منه غير أنه أخطأ في اجتهاده بشهادة الأدلة السابقة في القول الأول ومعلوم أن النص يقدم على الاجتهاد وأن الدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط به الاستدلال فبطل إذا القول الثاني وثبت الأول.
القول الثالث: أن أول ما نزل هو سورة الفاتحة. وقد استدل أصحاب هذا الرأي بما رواه البيهقي في الدلائل بسنده عن ميسرة عمر بن شرحبيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخديجة: ((إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء فقد والله خشيت على نفسي أن يكون هذا أمرا)) . قالت: معاذ الله ما كان الله ليفعل بك إنك لتؤدي الأمانة وتصل الرحم وتصدق الحديث. فلما دخل أبو بكر ذكرت خديجة حديثه له وقالت: اذهب مع محمد إلى ورقة. فانطلقا فقصا عليه فقال: ((إذا خلوت وحدي سمعت نداء خلفي يا محمد يا محمد فأنطلق هاربا في الأفق)) . فقال: لا تفعل إذا أتاك فاثبت حتى ما يقول. ثم ائتني فأخبرني. فلما خلا ناداه: يا محمد قل:{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} . حتى بلغ {وَلا الضَّالِّينَ} ولكن هذا الحديث لا يصلح للاحتجاج به على أولية ما نزل مطلقا وذلك من وجهين: أحدهما أنه لا يفهم من هذه الرواية أن الفاتحة التي سمعها الرسول كانت في فجر النبوة أول عهده بالوحي الجلي وهو في غار حراء بل يفهم منها أن الفاتحة كانت بعد ذلك العهد وبعد أن أتى الرسول إلى ورقة وبعد أن سمع النداء من خلفه غير مرة وبعد أن أشار عليه ورقة أن يثبت عند هذا النداء حتى يسمع ما يلقى إليه. وليس كلامنا في هذا إنما هو فيما نزل أول مرة. الثاني: أن هذا الحديث مرسل سقط من سنده الصحابي فلا يقوى على معارضة حديث عائشة السابق في بدء الوحي وهو مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فبطل إذا هذا الرأي الثالث وثبت الأول أيضا.
بيد أن صاحب الكشاف عزا هذا القول الثالث إلى أكثر المفسرين ولكن ابن حجر فنده فيما ذهب إليه من هذا العزو وصرح بأن هذا القول لم يقل به إلا عدد أقل عن القليل.
القول الرابع: أن أول ما نزل هو {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} واستدل قائلوه بما أخرجه الواحدي بسنده عن عكرمة والحسن قالا: أول ما نزل من القرآن {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وأول سورة اقْرَأْ. وهذا الاستدلال مردود من ناحيتين أيضا إحداهما أن الحديث مرسل كسابقه فلا يناهض المرفوع. الثانية: أن البسملة كانت بطبيعة الحال تنزل صدرا لكل سورة إلا ما استثني. إذن فهي نازلة مع ما نزل من صدر سورة اقرأ فلا يستقيم اعتبار الأولية في نزولها قولا مستقلا برأسه). [مناهل العرفان:؟؟]


رد مع اقتباس