تفسير السلف
تفسير قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ (54) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال غيره: {ضعفٌ} [الروم: 54] : «وضعفٌ لغتان»). [صحيح البخاري: 6/114]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال غيره ضعفٌ وضعفٌ لغتان هو قول الأكثر وقرئ بهما فالجمهور بالضّمّ وقرأ عاصمٌ وحمزة بالفتح في الألفاظ الثّلاثة وقال الخليل الضّعف بالضّمّ ما كان في الجسد وبالفتح ما كان في العقل). [فتح الباري: 8/512]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وقال غيره: ضعفٌ وضعفٌ، لغتان
أي: قال غير ابن عبّاس رضي الله عنهما، في قوله تعالى: {الله الّذي خلقكم من ضعف} (الرّوم: 54)
الآية، الأول بفتح الضّاد، والثّاني بالضّمّ، وقرىء بهما. فالجمهور بالضّمّ. وقرأ عاصم وحمزة بالفتح، وقال الخليل: الضعف بالضّمّ ما كان في الجسد، وبالفتح ما كان في العقل). [عمدة القاري: 19/110]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وقال غيره) غير ابن عباس ({ضعف}) بضم المعجمة (وضعف) بفتحها (لغتان) بمعنى واحد قرئ بهما في قوله تعالى: {الله الذي خلقكم من ضعف} [الروم: 54] والفتح قراءة عاصم وحمزة وهو لغة تميم والضم لغة قريش، وقيل بالضم في الجسد وبالفتح في العقل أي خلقكم من ماء ذي ضعف وهو النطفة ثم جعل من بعد ضعف الطفولية قوّة الشبيبة ثم جعل من بعد قوّة ضعفًا هرمًا وشيبة والشيبة تمام الضعف والتنكير مع التكرير لأن اللاحق ليس عين السابق). [إرشاد الساري: 7/286]
- قال محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ (ت: 1136هـ) : (قوله: (ضعف وضعف): بضم الضاد في الأول، وفتحها في الثاني، وسكون العين فيهما). [حاشية السندي على البخاري: 3/63]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {اللّه الّذي خلقكم من ضعفٍ ثمّ جعل من بعد ضعفٍ قوّةً ثمّ جعل من بعد قوّةٍ ضعفًا وشيبةً يخلق ما يشاء وهو العليم القدير}.
يقول تعالى ذكره لهؤلاء المكذّبين بالبعث من مشركي قريشٍ، محتجًّا عليهم بأنّه القادر على ذلك وعلى ما يشاء: {اللّه الّذي خلقكم} أيّها النّاس {من ضعفٍ} يقول: من نطفةٍ وماءٍ مهينٍ، فأنشأكم بشرًا سويًّا.
{ثمّ جعل من بعد ضعفٍ قوّةً} يقول: ثمّ جعل لكم قوّةً على التّصرّف، من بعد خلقه إيّاكم من ضعفٍ، ومن بعد ضعفكم، بالصّغر والطّفولة. {ثمّ جعل من بعد قوّةٍ ضعفًا وشيبةً} يقول: ثمّ أحدث لكم الضّعف بالهرم والكبر عمّا كنتم عليه أقوياء في شبابكم وشيبةً.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {الّذي خلقكم من ضعفٍ} أي من نطفةٍ {ثمّ جعل من بعد ضعفٍ قوّةً، ثمّ جعل من بعد قوّةٍ ضعفًا} الهرم {وشيبةً} الشّمط.
وقوله: {يخلق ما يشاء} يقول تعالى ذكره: يخلق ما يشاء من ضعفٍ وقوّةٍ وشبابٍ وشيبٍ {وهو العليم} بتدبير خلقه {القدير} على ما يشاء، لا يمتنع عليه شيءٌ أراده، فكما فعل هذه الأشياء، فكذلك يميت خلقه ويحييهم إذا شاء. يقول: واعلموا أنّ الّذي فعل هذه الأفعال بقدرته يحيي الموتى إذا شاء). [جامع البيان: 18/525-526]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال محمّد بن يحيى بن أبي عمر: ثنا بشر بن السري، عن الفضيل بن مرزوقٍ، عن عطيّة، عن ابن عمر، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "أنّه كان يقرأ: (اللّه الّذي خلقكم من ضعفٍ ثمّ جعل من بعد ضعف قوة) "). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/252-253]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير.
أخرج سعيد بن منصور وأحمد وأبو داود والترمذي وحسنه، وابن المنذر والطبراني والشيرازي في الالقاب والدار قطني في الافراد، وابن عدي والحاكم وأبو نعيم في الحلية، وابن مردويه والخطيب في تالي التلخيص عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قرأت على النّبيّ صلى الله عليه وسلم {الله الذي خلقكم من ضعف} فقال من ضعف يا بني). [الدر المنثور: 11/610-611]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الخطيب عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قرأ (الله الذي خلقكم من ضعف) بالضم). [الدر المنثور: 11/611]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم كان يقرأ هذا الحرف في الروم {خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا} ). [الدر المنثور: 11/611]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله {الله الذي خلقكم من ضعف} قال: من نطفة {ثم جعل من بعد قوة ضعفا} قال: الهرم {وشيبة} قال: الشمط). [الدر المنثور: 11/611]
تفسير قوله تعالى: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (55) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ويوم تقوم السّاعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعةٍ كذلك كانوا يؤفكون}.
يقول تعالى ذكره: ويوم تجيء ساعة البعث، فيبعث الخلق من قبورهم، يقسم المجرمون، وهم الّذين كانوا يكفرون باللّه في الدّنيا، ويكتسبون فيها الآثام، وإقسامهم: حلفهم باللّه {ما لبثوا غير ساعةٍ} يقول: يقسمون بأنّهم لم يلبثوا في قبورهم غير ساعةٍ واحدةٍ. يقول اللّه جلّ ثناؤه: كذلك في الدّنيا كانوا يؤفكون: يقول: كذبوا في قيلهم، وأقسموا: ما لبثنا غير ساعةٍ، كما كانوا في الدّنيا يكذبون، ويحلفون على الكذب وهم يعلمون.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {ويوم تقوم السّاعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعةٍ كذلك كانوا يؤفكون} أي يكذبون في الدّنيا، وإنّما يعني بقوله: {يؤفكون} عن الصّدق، ويصدفون عنه إلى الكذب). [جامع البيان: 18/526-527]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله {ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة} قال: يعنون في الدنيا استقل القوم أجل الدنيا لما عاينوا الآخرة {كذلك كانوا يؤفكون} قال: كذلك كانوا يكذبون في الدنيا {وقال الذين أوتوا العلم} الآية، قال: هذا من تقاديم الكلام وتأويلها: وقال الذين اوتوا الايمان والعلم في كتاب الله لقد لبثتم إلى يوم البعث). [الدر المنثور: 11/611-612]
تفسير قوله تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (56) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقال الّذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب اللّه إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنّكم كنتم لا تعلمون}.
كان قتادة يقول: هذا من المقدّم، الّذي معناه التّأخير.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وقال الّذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب اللّه إلى يوم البعث} قال: هذا من مقاديم الكلام. وتأويلها: وقال الّذين أوتوا الإيمان والعلم: لقد لبثتم في كتاب اللّه.
وذكر عن ابن جريجٍ أنّه كان يقول: معنى ذلك: وقال الّذين أوتوا العلم بكتاب اللّه، والإيمان باللّه وكتابه.
وقوله: {في كتاب اللّه} يقول: فيما كتب اللّه ممّا سبق في علمه أنّكم تلبثونه {فهذا يوم البعث} يقول: فهذا يوم يبعث النّاس من قبورهم {ولكنّكم كنتم لا تعلمون} يقول: ولكنّكم كنتم لا تعلمون في الدّنيا أنّه يكون، وأنّكم مبعوثون من بعد الموت، فلذلك كنتم تكذبون). [جامع البيان: 18/527-528]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله {ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة} قال: يعنون في الدنيا استقل القوم أجل الدنيا لما عاينوا الآخرة {كذلك كانوا يؤفكون} قال: كذلك كانوا يكذبون في الدنيا {وقال الذين أوتوا العلم} الآية، قال: هذا من تقاديم الكلام وتأويلها: وقال الذين اوتوا الايمان والعلم في كتاب الله لقد لبثتم إلى يوم البعث). [الدر المنثور: 11/611-612] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس رضي الله عنه في قوله {لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث} قال: لبثوا في علم الله في البرزخ إلى يوم القيامة لا يعلم متى علم وقت الساعة إلا الله وفي ذلك أنزل الله {وأجل مسمى عنده} طه الآية 129). [الدر المنثور: 11/612]
تفسير قوله تعالى: (فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (57) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فيومئذٍ لا ينفع الّذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون}.
يقول تعالى ذكره: فيوم يبعثون من قبورهم {لا ينفع الّذين ظلموا معذرتهم} يعني المكذّبين بالبعث في الدّنيا معذرتهم، وهو قولهم: ما علمنا أنّه يكون، ولا أنّا نبعث. {ولا هم يستعتبون} يقول: ولا هؤلاء الظّلمة يسترجعون يومئذٍ عمّا كانوا يكذّبون به في الدّنيا). [جامع البيان: 18/528]
تفسير قوله تعالى: (وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآَنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآَيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (58) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولقد ضربنا للنّاس في هذا القرآن من كلّ مثلٍ ولئن جئتهم بآيةٍ ليقولنّ الّذين كفروا إن أنتم إلاّ مبطلون}.
يقول تعالى ذكره: ولقد مثّلنا للنّاس في هذا القرآن من كلّ مثلٍ احتجاجًا عليهم، وتنبيهًا لهم عن وحدانيّة اللّه. وقوله {ولئن جئتهم بآيةٍ} يقول: ولئن جئت يا محمّد هؤلاء القوم {بآيةٍ} يقول: بدلالةٍ على صدق ما تقول {ليقولنّ الّذين كفروا إن أنتم إلاّ مبطلون} يقول: ليقولنّ الّذين جحدوا رسالتك، وأنكروا نبوّتك: إن أنتم أيّها المصدّقون محمّدًا فيما أتاكم به {إلاّ مبطلون} فيما تجيئوننا به من هذه الأمور). [جامع البيان: 18/528]
تفسير قوله تعالى: (كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (59) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {كذلك يطبع اللّه على قلوب الّذين لا يعلمون}.
يقول تعالى ذكره: كذلك يختم اللّه على قلوب الّذين لا يعلمون حقيقة ما تأتيهم به يا محمّد من عند اللّه من هذه العبر والعظات، والآيات البيّنات، فلا يفقهون عن اللّه حجّةً، ولا يفهمون عنه ما يتلو عليهم من آي كتابه، فهم لذلك في طغيانهم يتردّدون). [جامع البيان: 18/529]
تفسير قوله تعالى: (فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (60) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فاصبر إنّ وعد اللّه حقٌّ ولا يستخفّنّك الّذين لا يوقنون}.
يقول تعالى ذكره: فاصبر يا محمّد لما ينالك من أذاهم، وبلّغهم رسالة ربّك، فإنّ وعد اللّه الّذي وعدك من النّصر عليهم، والظّفر بهم، وتمكينك وتمكين أصحابك، وأتباعك في الأرض حقٌّ {ولا يستخفّنّك الّذين لا يوقنون} يقول: ولا يستخفّنّ حلمك ورأيك هؤلاء المشركون باللّه، الّذين لا يوقنون بالمعاد، ولا يصدّقون بالبعث بعد الممات، فيثبّطوك عن أمر اللّه، والنّفوذ لما كلّفك من تبليغهم رسالته.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن سعيد بن جبيرٍ، عن عليّ بن ربيعة، أنّ رجلاً من الخوارج قرأ خلف عليٍّ رضي اللّه عنه: {لئن أشركت ليحبطنّ عملك ولتكوننّ من الخاسرين}، فقال عليٌّ: {فاصبر إنّ وعد اللّه، حقٌّ ولا يستخفّنّك الّذين لا يؤمنون}.
- قال: حدّثنا يحيى بن آدم، عن شريكٍ، عن عثمان بن أبي زرعة، عن عليّ بن ربيعة، قال: نادى رجلٌ من الخوارج عليًّا رضي اللّه عنه، وهو في صلاة الفجر، فقال: {ولقد أوحي إليك وإلى الّذين من قبلك لئن أشركت ليحبطنّ عملك ولتكوننّ من الخاسرين}، فأجابه عليٌّ رضي اللّه عنه وهو في الصّلاة: {فاصبر إنّ وعد اللّه، حقٌّ ولا يستخفّنّك الّذين لا يوقنون}.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {فاصبر إنّ وعد اللّه حقٌّ، ولا يستخفّنّك الّذين لا يوقنون} قال: قال رجلٌ من الخوارج خلف عليٍّ في صلاة الغداة: {ولقد أوحي إليك وإلى الّذين من قبلك لئن أشركت ليحبطنّ عملك ولتكوننّ من الخاسرين}، فأنصت له عليٌّ رضي اللّه عنه حتّى فهم ما قال، فأجابه وهو في الصّلاة: {فاصبر إنّ وعد اللّه حقٌّ، ولا يستخفّنّك الّذين لا يوقنون} ). [جامع البيان: 18/529-530]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبه، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والحاكم والبيهقي في "سننه" عن علي رضي الله عنه أن رجلا من الخوارج ناداه وهو في صلاة الفجر فقال {ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين} فأجابه علي رضي الله عنه وهو في الصلاة {فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون} ). [الدر المنثور: 11/612]