جمهرة العلوم

جمهرة العلوم (http://jamharah.net/index.php)
-   توجيه القراءات (http://jamharah.net/forumdisplay.php?f=1080)
-   -   مقدمات توجيه القراءات من كتاب الكشف عن وجوه القراءات للقيسي (http://jamharah.net/showthread.php?t=27941)

جمهرة علوم القرآن 20 رمضان 1439هـ/3-06-2018م 07:19 AM

مقدمات توجيه القراءات من كتاب الكشف عن وجوه القراءات للقيسي
 
مقدمة توجيه القراءات من كتاب الكشف عن وجوه القراءات
لمكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ)
متبوعة بذكر توجيه الأصول وما ألحق بها من مباحث
- المقدمة
- باب علل هاء الكناية
- باب المد وعلله وأصوله
- باب علل المد في فواتح السور
- باب علل اختلاف القراء في اجتماع همزتين
- باب ذكر جمل من تخفيف الهمز فيما ذكرنا
- باب ذكر علل الهمزة المفردة
- باب علل نقل حركة الهمزة على الساكن قبلها لورش
- باب علة الاختلاف في الوقف على الهمز
- تخفيف الهمز وأحكامه وعلله
- باب علل الروم والإشمام
- فصل في الوقف على هاء الكناية وميم الجمع
- باب في مقدمات أصول الإدغام والإظهار
- باب في معرفة الحروف القوية والضعيفة
- باب في جملة من مخارج الحروف مختصرا
- فصل في إدغام لام التعريف
- فصل في معنى الإدغام
- فصل في إدغام دال «قد» وإظهارها
- فصل في علة إدغام ذال «إذ» وإظهارها
- فصل في علل إدغام تاء التأنيث
- فصل في علل إدغام «هل» و«بل»
- فصل في إدغام الباء الساكنة في الفاء والميم وإدغام الفاء الساكنة في الباء
- فصل في إدغام الثاء في الذال والذال في الثاء والراء في اللام واللام في الراء
- فصل في إدغام ما هو من كلمة
- فصل في النون الساكنة والتنوين والغنة
- باب تذكر فيه علل الفتح والإمالة وما هو بين اللفظين
- باب أقسام العلل
- العلة الثانية من علل الإمالة ما أميل لتدل إمالته على أصله
- فصل في معرفة أصل الألف
- باب فيه أحرف تمال لما تقدم من العلل لكنها لم يجر القراء في إمالتها على قياس واحد
- فصل في إمالة فواتح السور
- باب جامع في الإمالة بعلله
- باب من الوقوف على الممال
- باب علل إمالة ما قبل هاء التأنيث
- باب أحكام الراءات وعللها
- ومن باب حكم الوقف على الراء
- باب في ترقيق اللام وتغليظها
- باب حكم الوقف على اللام
- الوقف على لام المعرفة
- الوقف على الياء من (شيء)
- علة اللإسكان والضم في «وهي: وهو، وفهي، ولهي، وثم هو»
- «الاختلاف في اجتماع الساكنين»
- باب تفسير أقسام التقاء الساكنين
- فصل في ياءات الإضافة وعللها
- فصل في الياءات الزوائد المحذوفة من المصحف
- الهاء المتصلة بالفعل المجزوم
- فواتح السور وصلها ووقفها
- علل القراءة في: يرضه، وخيرًا يره، وشرا يره
-حذف الياء وصلا ووقفا في: يا عباد، فبشر عباد
- فَصْلٌ فِي عِلَلِ الإِمَالَةِ
- بَابٌ نَذْكُرُ فِيهِ التَّكْبِيرَ

- بَابٌ فِي تَرْتِيبِ وَصْلِ التَّكْبِيرِ بِآخِرِ السُّوَرِ
- الخاتمة

جمهرة علوم القرآن 17 ربيع الأول 1440هـ/25-11-2018م 04:19 PM

المقدمة
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه
وسلم تسليمًا
الحمد لله ذي العز المنيع، والمجد الرفيع، والسلطان القاهر، والجلال الظاهر، والملك الغالب الباهر، والآلاء العظام، والمنن الجسام، والنعم التوام، غار الآثام، ورازق الأنام، ومرتضي الإسلام، ومصور الخلق في الأرحام، تعالى عن الأشباه والأنداد، واحتجب عن الإدراك، وجل عن صفة الواصفين، وتعالى عن قول الظالمين، أحمده على ما أنعم به من نعمة القرآن والإسلام، وأشكره على ما تفضل به من المنن والآلاء العظام، فله الحمد والشكر، لا إله إلا هو، بعث محمدًا نبيه، صلى الله عليه وسلم، بالحق المبين، والسراج المنير بكتاب {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من كتاب حميد}، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وجميع النبيين والمرسلين وسلم وكرم.
قال أبو محمد مكي بن أبي طالب المغربي: كنت قد ألفت بالمشرق كتابًا مختصرًا في القراءات السبق في سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة وسميته «كتاب التبصرة» وهو فيما اختلف فيه القراء السبعة المشهورون، وأضربت فيه عن الحجج والعلل ومقاييس النحو في القراءات واللغات طلبًا للتسهيل، وحرصًا على التخفيف، ووعدت في صدره أني سأؤلف كتابًا في علل القراءات التي ذكرتها
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/3]
في ذلك الكتاب، «كتاب التبصرة» أذكر فيه حجج القراءات ووجوهها وأسميه «كتاب الكشف عن وجوه القراءات» ثم تطاولت الأيام، وترادفت الأشغال عن تأليفه وتبيينه ونظمه إلى سنة أربع وعشرين وأربعمائة، فرأيت أن العمر قد تناهى، والزوال من الدنيا قد تدانى، فقويت النية في تأليفه وإتمامه خوف فجأة الموت، وحدوث الفوت، وطمعًا أن ينتفع به أهل الفهم من أهل القرآن وأهل العلم من طلبة القراءات، فبادرت إلى تأليفه ونظمه ليكون باقيًا على مرور الزمان، وانقراض الأيام، حرصًا مني على بقاء أجره، وجزيل ثوابه أسأل الله أن ينفع به مؤلفه والمقتبس العلم منه، فواجب على كل ذي مروءة وديانة أفاد من كتابنا هذا فائدة أو اقتبس منه علمًا، أو تبين له به معنى مُشكل، أو علم منه علمًا لم يكن يعلمه، أن يترحم على مؤلفه، ومن أتعب سره وبدنه في نظمه، واستخراج علله، واستنباط فوائده، وأن يستغفر لمظهر فوائده، ومشهر نوادره وعلومه، فما علمت أن لشغلي وتعبي بتأليف هذا الكتاب وأشباهه فائدة أعظم من أن يترحم علي من أجله مترحم، أو يستغفر لي عند قراءته مستغفر، أو يذكرني بخير ذاكر. فرحم الله من بادر إلى ما رغبته فيه من ذكري بالخير، والترحم علي، والاستغفار لي.
وهأنذا حين أبدأ بذلك أذكر علل ما في أبواب الأصول، دون أن أعيد
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/4]
ذكر ما في كل باب من الاختلاف إذ ذاك منصوص في الكتاب، الذي هذا شرحه، وأرتب الكلام في علل الأصول على السؤال والجواب، ثم إذا صرنا إلى فرش الحروف ذكرنا كل حرف، ومن قرأ به، وعلته، وحجة كل فريق، ثم أذكر اختياري في كل حرف، وأنبه على علة اختياري لذلك كما فعل من تقدمنا من أئمة المقرئين.
وقد كنت ألفت كتابًا مفردًا في معاني القراءات السبع المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم، والجواب عما يمكن من السؤال فيها، وبينته بيانًا شافيًا معللًا، فأغناني ذلك عن أن أعيده في هذا الكتاب اختصارًا وإيجازًا، لكن يجب لمن كتب هذا الكتاب. أن يجعله جزءً في آخره، فبه تتم الفائدة. وذكرت في
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/5]
الكتاب الذي هذا شرحه «كتاب التبصرة» أسماء القراء ورواتهم وأسانيدهم، وجملًا من أخبارهم وأسمائهم وتاريخ موتهم وطبقاتهم، وإسنادي إليهم، وأسانيدهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكذلك ذكرت في الكتاب الموجز فأغناني ذلك عن أن أعيده في هذا الكتاب، فلا غناء لمن كتب كتابنا هذا، واعتمد عليه، عن الكتاب الأول الذي هذا شرحه «كتاب التبصرة» أو الكتاب الموجز، وعلى ما فيهما بني الكلام في هذا الكتاب، فهذا الكتاب كتاب فهم وعلم ودراية، والكتاب الأول كتاب نقل ورواية، وبالله أستعين على ذلك كله، وإليه، لا إله إلا هو، أرغب في العصمة من الزلل في القول والعمل، وهو حسبي ونعم الوكيل، وصلى الله على محمد النبي وعلى آله وعلى جميع النبيين والمرسلين وسلم). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/6]

جمهرة علوم القرآن 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م 12:54 PM

باب علل هاء الكناية
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (باب علل هاء الكناية
1- اعلم أن الهاء في «به، وعليه» وشبهه هي الاسم، لكن لما قلت حروف الاسم، فكان على حرف واحد، ولذلك الحرف حرف خفي ضعيف، قووه بزيادة «واو» فقالوا: «بهو، وعليهو» فهذا هو الأصل.
2- فحجة من وصل الهاء بياء، إذا كان قبلها ياء، وهو ابن كثير، أنه كسر الهاء للياء التي قبلها، لخفاء الهاء، فلما كسرها أبدل من الواو، التي زيدت لتقوية الهاء «ياء»، إذ ليس في كلام العرب واو ساكنة قبلها كسرة فقال: «فيهي، وعليهي».
3- وحجة من حذف الياء في هذا الصنف، وهو مذهب كل القراء إلا ابن كثير، أنهم كرهوا اجتماع حرفين ساكنين، بينهما حرف خفي، ليس بحاجز
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/42]
حصين بينهما، فحذفوا الياء الثانية لسكونها وسكون الياء التي قبل الهاء، ولم يعتدوا بالهاء لخفائها، وهذا هو مذهب سيبويه وقيل: حذفت الياء الثانية استخفافًا، وبقيت حركة الهاء تدل عليها، وقيل: حذفت الياء الثانية لحذفها من الخط، وهو الاختيار، لإجماع القراء على ذلك، ولأنه الأصل، ولأن الواو زائدة، ولأنه أخف، ولعدم الياء في الخط.
4- وحجة من أثبت بعد الهاء واوًا إذا كان قبلها ساكن غير الياء نحو «منهو، واجتباهو» وهو ابن كثير، أنه أتى بالهاء مع ما هو تقوية لها لخفائها، وهو الواو، فجرى على الأصل في إثبات التقوية بعدها.
5- وحجة من حذف الواو في هذا الصنف، واكتفى بالضمة، هي مثل الحجة في حذف الياء المتقدم الذكر.
6- وحجة من وصل الهاء بياء إذا كان قبلها كسرة، ووصلها بواو، إذا كان قبلها ضمة أو فتحة، أنه أتى بالتقوية على أصلها إذ لا علة توجب حذف ما بعد
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/43]
الهاء؛ لأن قبل الهاء متحركًا، فلم يكن لحذف ما بعدها من التقوية سبيل، وهو إجماع من القراء، فأما وصل الهاء بياء في هذا النوع، فالياء بدل من الواو، الواو ياء؛ لأن الواو الساكنة لا تكون قبلها كسرة ألبتة. وفي هذه الهاء لغات الواو ياء؛ لأن الواو الساكنة لا تكون قبلها كسرة ألبتة. وفي هذه الهاء لغات لم يقرأ بها القراء المشهورون، فذلك تركنا ذكرها، وقد اختلف في شيء من هذه الهاء على غير ما ذكرنا، نذكر إن شاء الله كل واحدة في موضعها بعلتها). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/44]

جمهرة علوم القرآن 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م 12:54 PM

باب المد وعلله وأصوله
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (باب المد وعلله وأصوله
1- قال أبو محمد: إن سأل سائل فقال: المد في أي شيء يكون، ولأي شيء يكون؟
فالجواب أن المد لا يكون إلا في حروف المد واللين وهي الألف التي قبلها فتحة، والواو التي قبلها ضمة، والياء التي قبلها كسرة، وإنما يكون المد في هذه الحروف عند ملاصقتهن لهمزة أو ساكن، مشدد أو غير مشدد، نحو: «جاء، وقائم، ودابة، واللائي» في قراءة من أسكن الياء، ويكون المد أيضًا في حرفي اللين، إذا أتت بعدهما همزة أو مشدد، وحرفا اللين الواو والياء الساكنتان، اللتان قبلهما فتحة نحو «شيء وسوء».
2- فإن قيل: فما العلة التي أوجبت المد فيما ذكرت؟
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/45]
فالجواب أن هذه الحروف حروف خفية، والهمزة حرف جلد بعيد المخرج، صعب في اللفظ، فلما لاصقت حرفا خفيًا، خيف عليه أن يزداد، بملاصقة الهمزة له، خفاء، فبين بالمد ليظهر، وكان بيانه بالمد أولى، لأنه يخرج من مخرجه بمدٍ، فبين بما هو منه، وبيان حرفي اللين بمد دون البيان في حروف المد واللين، لنقص حرفي اللين، بانفتاح ما قبلهما عن حروف المد واللين، اللواتي حركة ما قبلهن منهن، فقوين في المد لتمكنهن بكون حركة ما قبلهن منهن، وضعف حرف اللين في المد، لكون حركة ما قبله ليست منه، وأصل المد واللين للألف؛ لأنها لا تتغير عن سكونها، ولا يتغير ما قبلها أبدًا عن حركته، والواو والياء قد تتحركان ويتغير حركة ما قبلهما، وإنما شابها الألف إذا سكنا، وكانت حركة ما قبلهما منهما كالألف.
3- فإن قيل: ما علة ورش في مده: «آمن، وآدم، ويستهزؤون، ومتكئين، وأوتي، وآتينا» وكل حرف مد ولين، قبله همزة، قبلها متحرك أو ساكن من حروف المد واللين أو من حروف اللين؟
فالجواب أن الهمزة لاصقت حرف المد واللين وهو خفي فبين بالمد، لئلا يزداد خفاء.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/46]
وحجة من لم يمكن مده، وعليه سائر القراء، أن الهمزة لما تقدمت أمن من خفاء حرف المد واللين معها، وإنما يخاف من خفائه، إذا كانت الهمزة بعده، نحو: «قائم، وجاء» فلم يمكن مده، لكون الهمزة قبله، وهو الاختيار، لإجماع القراء على ذلك، ولأن الرواة غير ورش عن نافع على ترك مده، ولأن البغداديين رووا عن ورش ترك تمكين مده، فمده في الرواية قليل، إنما رواه المصريون عن ورش، لكنه كثير الاستعمال بالمغرب، به يتأدبون، وبه
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/47]
يقرؤون في محاريبهم وبه يدرسون، ووجهه ما قدمنا من ملاصقة الهمزة لحرف المد واللين، قياسًا على إجماعهم للمد، إذا كانت الهمزة بعد حرف المد واللين، والمد في حرف المد واللين، إذا كانت الهمزة بعده أمكن من مده، إذا كانت قبله، لتمكن خفاء حرف المد واللين، إذا كانت الهمزة بعده.
4- فإن قيل: فما باله لم يمد إذا سكن ما قبل الهمزة، ولم يكن حرف مد ولين، ولا حرف لين نحو: «القرآن، ومسؤولا»؟
فالجواب أنه جمع بين اللغتين، فمدَّ في موضع، وترك المد في موضع، وأيضًا فإنه لما كان قبل الهمزة ما يحسن أن يلقي حركتها عليه ويحذف، أسقط المد لأجلها، لأنه لو ألقى حركتها على ما قبلها لم يتمكن المد ألبتة، فعامل المعنى، وحكم لها
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/48]
به، على إرادته ونيته، وإن لم يستعمله، وقد فعله حمزة في وقفه، وفعله ابن كثير في لفظ «القرآن» حيث وقع.
5- فإن قيل: فما باله مد وقبل الهمزة ساكن من حروف المد واللين أو من حروف اللين؟
فالجواب أنه إذا كان قبلها حرف من حروف المد واللين مده فصارت المدة حائلة بين الهمزة وبين الساكن، فمد ما بعد الهمزة على أصله، إذا كان قبلها متحرك، وذلك نحو: «جاؤوا، وباؤوا» وإذا كان قبل الهمزة حرف لين، فمن أصله أن يمده من أجل الهمزة، كما يمد «شاء، وسواء»، لكنه لما اجتمع له مد حرف لين لهمزة بعده، ومد حرف مد ولين لهمة قبله، آثر مد حرف المد واللين، لتمكنه على حرف اللين، فمد الثاني، واستغنى بمده عن مد الأول لقوة الثاني، وضعف الأول لانفتاح ما قبله، وذلك نحو: «سواءتهما، والموءودة»، يمد الألف والواو الثانية؛ لأنهما حرفا مد ولين، ولا يمد الواو الأولى الساكنة استغناءً بالمدة التي بعدها، ويجوز أن يكون لم يمد الواو، لأن أصلها الحركة لأن جمع «فعلة» يأتي على «فعلات» بالفتح، وإنما أسكن تخفيفًا للواو، ولأن أصل الواو الأولى في «الموءودة» الحركة؛ لأنه من «وأد» وإنما سكنت لدخول الميم لبناء مفعوله، كالواو من «موئلا» أصلها الحركة أيضًا، فترك المد لأن السكون عارض، فإن فاء الفعل أصلها أبدًا
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/49]
الحركة؛ لأنها أول، فسكونها عارض أبدًا.
6- فإن قيل: فلم مد «ييأس، واستيأس» وسكون الياء عارض؟
فالجواب أن العارض عند العرب والنحويين على ضربين، يجوز الاعتداد به، ويجوز أن لا يعتد به، قالوا في الاعتداد بالعارض «لحمر، وسل»، وقالوا في ترك الاعتداد به «جيل» في «جيال»، و«ضو» في «ضوء» فلم يعتدوا بالحركة ولم يعلوا، وسنذكر هذا في فصل مفرد إن شاء الله، فمد ورش لـ: «ييأس، واستيأس» هو مما اعتد فيه بالعارض، وترك مده لـ «موئلا، وسوءاتهما» وشبهه، هو مما لم يعتد فيه بالعارض فاعلمه، وأيضًا فإن حرف المد واللين لا تنقل عليه حركة الهمزة كما تنقل على الحرفين ليسا بحرفي مد ولين، ولا يُلقى في «القرآن، والظمآن» لأنه في نية حركة، ولا تنقل الحركة على الحركة، فلما لم يتمكن إلقاء حركة الهمزة عليه وحذفها مدَّ إذ لم يتمكن فيه توهم إلقاء الحركة كما يتمكن في «القرآن» وشبهه، ولما تمكن إلقاء حركة الهمزة على حرف اللين وحذفهما، توهم ذلك وبنى عليه، فلم يمد إذ هو مثل «القرآن» وشبهه.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/50]
7- فإن قيل: فما باله يمد مع إلقائه حركة الهمزة على ما قبلها في «من آمن، والآخرة»؟
فالجواب أنه لما كان الساكن ليس من نفس الكلمة، إنما هو من كلمة أخرى، لم يمنعه من المد، فلما لم يمنعه من المد في حال تحقيق الهمزة لم يمنعه من المد في حال تخفيفها، لأن تحقيقها عارض، و«القرآن، والظمآن» ليس من هذا؛ لأن الساكن من نفس الكلمة، فتوهم التسهيل للزوم الساكن للهمزة في كلمة، فلم يمد، وأيضًا فإنه لما كان إلقاء حركة الهمزة على الساكن من كلمة أخرى عارضًا، لم يعتد بزوال لفظ الهمزة، ومد مع زوال لفظها، لأنها مقدرة منية، إذ إلقاء الحركة على الساكن عارض، فأما {الآخرة والأولى} وشبه ذلك، فإنه في تقدير ما هو من كلمتين، لأن الألف واللام في تقدير الانفصال. ألا ترى أنك تحذفها إذا شئت، ولا تقدر على حذف الراء من «القرآن» وشبهه؟
8- فإن قيل: فما باله لم يمد {عادًا الأولى} في «والنجم»، وقد ألقى الحركة على اللام كـ «الأولى» في غير «والنجم» هي ممدودة لورش بلا اختلاف
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/51]
فالجواب أن {عادًا الأولى} قد وقع فيه من الإدغام في «والنجم» ما أخرجه عن أن تكون الحركة الملقاة على اللام عارضة، لأنه لما أدغم التنوين في اللام صارت حركتها لازمة، فسقط المد؛ إذ لا يمكن أن تُنوى الهمزة إذ الحركة لازمة، وإنما تنوى الهمزة إذا كانت حركتها الملقاة على ما قبلها عارضة، فلما سقط توهم كون الحركة في الحرف المدغم عارضة؛ إذ لا يتمكن أن يلفظ به بالإدغام إلا بحركة اللام، سقط المد، ولما صح توهم الهمزة، الملقاة حركتها على ما قبلها، صح المد وصح توهمها وتقديرها، وسنذكر هذا بأبين من هذا الباب إلقاء الحركة لورش .
9- فإن قيل: فما بال ورش لم يمد الألف في «يؤاخذكم» للهمزة المخففة قبلها، ومن شأنه أن يمد «من آمن» وقد خفف الهمزة، ويمد من «من السماء آية، وهؤلاء آلهة»، وقد أبدل من الهمزة التي قبل الألف، أعني مد «آية» و«آلهة»؟
فالجواب أنه لما ألقى حركة الهمزة في «من آمن» وشبهه على الساكن قبلها بقيت الهمزة ساكنة، فحذفت لسكونها وسكون ما قبلها، لأن الحركة عليه عارضة.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/52]
فالهمزة مخففة منوية مرادة في النية، فمد لذلك، و«يؤاخذكم» قد يمكن أن تكون الواو فيه لا أصل لها في الهمز، وأتت على لغة من قال: «واخذته»، فإذا لم يكن للواو في الهمز أصل لم يجب المد من أجلها.
10- فإن قيل: قد ذكرت في كتاب «التبصرة» أنه اختلف عن ورش في الابتداء بألف الوصل إذا دخلت على همزة أصلية فأبدل منها ياء نحو {إئت بقرآن} «يونس 15»، ونحو: {أؤتمن} «البقرة 283» وشبهه، وقلت فيه الوجهان المد وتركه، فما وجه ذلك؟
فالجواب أن من مد هذا الصنف لورش جرى على أصله في مده الياء والواو، وإذا أتت قبلهما همزة لخفائهما، وشبهه بـ «إيمان» وشبهه، فمد للهمزة قبل الياء، وعامل اللفظ، ومن لم يمده أسقط المد؛ لأن الألف الوصل عارضة والابتداء بها عارض، وبدل الياء من الهمزة عارض، فلما لم يكن شيء من ذلك ترك المد، وهو أقيس لما ذكرنا، ولإجماع القراء على ترك المد في الابتداء بهذا ونحوه، ولهذا قلنا: إن الوقف لورش على قوله: «خطأ، وملجأ، وماء، وجفاء» بمدة غير مشبعة، لأنها ألف حدثت في الوقف
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/53]
عوضًا عن التنوين، فهي عارضة، فمدها غير ممكن، وليس كمد «آمن وآدم» وشبهه، إنما يقف على همزة بعدها ألف غير مشبعة، المراد الوقف عارض، والبدل عارض، ولا اختلاف في إشباع المدة الأولى في قوله: «ماءا، وجفاءا» لأنها حرف مد ولين لازم أصلي، بعده همزة فبين بالمدة، لئلا يخفى مع جسو الهمزة وجلادتها، وبعد مخرجها، وقد قلنا: إن هذا ليس كقوله: «باؤوا، وجاؤوا» لأن الواو التي بعد الهمزة لازمة أصلية حرف مدي ولين، فمدها لورش ممكن على أ صله في مد: «أوتي، وأوحي» وشبهه.
11- فإن قيل: فكيف الوقف على: {تراءى الجمعان} «الشعراء 61» لورش هل يمكن المدة الثانية المحذوفة في الوصل لالتقاء الساكنين أو لا يمكنها، ويجعلها كالوقف على «خطأ، وملجأ» الذي لا يمكن مده؛ لأجل أن إثبات الألف بعد الهمزة عارض؟
فالجواب أن تمكين المد لورش في الوقف على {تراءى الجمعان} واجب؛ لأن الألف التي بعد الهمزة أصلية، وحذفها هو العارض، وهذا بمنزلة الوقف لورش على: {رأى القمر} «الأنعام 77»، و{تبوؤوا الدار} «الحشر» يقف عليه بتمكين المد؛ لأن المد ذهب في الوصل بحذف حرف المد واللين، لالتقاء الساكنين، فإذا وقفت رددته إلى أصله فمددت، فالحذف هو العارض، والإثبات هو الأصل، فتمد مع رجوع الأصل، وأنت إذا وقفت على قوله «خطأ»، الألف التي تبدلها من التنوين عارضة، والوقف عارض، فلا يمكن مده.
وحجة ورش في مده حرفي اللين، إذا أتى بعدهما همزة نحو: {شيء} «البقرة 20» و{سوء} «البقرة 49» هي ما قدمنا من خفاء حرف اللين وجلادة
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/54]
الهمزة، فلما لاصقت الهمزة حرف اللين، وفيه خفاء، بين بالمد، لما فيه من اللين، ومده دون مد حرف المد واللين، بنقصه وضعفه بانفتاح ما قبله، ومخالفته بذلك لحروف المد واللين، وإنما بقيت المشابهة بين حرفي اللين وبين حروف المد واللين بالسكون لا غير، وبأنهما قد تكون حركة ما قبلهما منهما، فكان المد فيهما للهمزة دون مد ما شابهاه، ونقصا عن درجته، وهي حروف المد واللين، وترك مد ذلك هو الاختيار لضعف حرفي اللين، ولإجماع القراء على ذلك، ولإجماع الرواة غير ورش عن نافع على ذلك، ولأن رواية البغداديين عن ورش في هذا بترك المد، فأما حمزة فإنه كان يقف على الياء وقفة خفيفة، لأجل الهمزة، وصعوبة اللفظ بها ثم يهمز، فورش يمد الياء من «شيء» للهمزة، وحمزة يقف على الياء ثم يهمز، ففي قراءة ورش من المد ما ليس في قراءة حمزة، قال أبو محمد: والمد في هذا النوع لا ينكره إلا جاهل بالنقل وبوجوه العربية لم يختلف أن الياء والواو، وإن انفتح ما قبلهما ففيهما لين، فلا يمتنع المد للهمزة في الحرف الذي فيه لين، مع وجود الرواية بذلك، يدل على ذل أن سيبويه أجاز: «هذا ثوب بكر، وجيب بعكر» بالإدغام فلولا أن الياء يحسن فيها المد، ويأتي ما وقع بعدها حرف مشدد؛ إذ لا يقع حرف مشدد أبدًا قبله ساكن، إلا بعد حرف يتأتى فيه المد، ليقوم المد مقام الحركة، وحكى سيبويه في التصغير: «هذا أصيم» تصغير «أصم»، فلولا أن الياء يحسن فيها المد، ويتأتى ما وقع بعدها المشدد في هذا، فإذا جاز المد في الياء، وقبلها فتحة مع المشدد، جاز مع الهمزة لخفائه.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/55]
12- فإن قيل: فما بال ورش لم يمد «موئلا» وفيه حرف لين بعده همزة كـ «سوء»؟
فالجواب أنه لما كانت الواو سكونها عارض لدخول الميم عليها، وأصلها الحركة في «وال» إذا «لجأ» لم يمد ليفرق بين ما أصله الحركة وبين مالا أصل له في الحركة كـ «سوء» وأيضًا فإنه فرق بين مد فاء الفعل وبين مد عين الفعل، فمد عين الفعل للزوم السكون لها، ولم يمد فاء الفعل إذ السكون لا يلزمها، والمد لا يكون إلا في ساكن أبدًا.
13- وحجة ابن كثير والرقيين عن أبي عمرو والحلواني عن
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/56]
قالون في ترك إشباع المد في حرف المد واللين، إذا وقع في آخر كلمة، وأتت بعده همزة في أول كلمة أخرى، أن الهمزة لما لم تكن لازمة لحرف المد واللين إذ ينفصل منه في الوقف، ضعف المد لأجلها، وأمن خفاء حرف المد واللين مع الهمزة، فمد لذلك مدا، كما يخرج لا إشباع فيه، وأيضًا فإنه أجرى الوصل مجرى الوقف، ولا اختلاف أن الوقف لا مد فيه.
14- وحجة من مد هذا النوع، وهم باقو القراء، غير من ذكرنا، أنه عامل اللفظ، فمد لملاصقة الهمزة حرف المد واللين، لئلا يخفى مع الهمزة، ولم يعرج على الوقف لأنه عارض، وأيضًا فإن أنسا سئل عن قراءة النبي عليه السلام فقال: كان يمد صوته مدًا، فهذا عموم في كل ممدود، وذكر الصوت يدل على نفس المد، وتأكيده بالمصدر يدل على إشباع المد، وقد قيل: إن معناه: «يصل قراءته بعضها ببعض» من قولهم: مددت السير في هذه الليلة، وذكره في الحديث لـ «الصوت» يدل على خلاف هذا التأويل وقوله تعالى: {ورتل القرآن ترتيلا} «المزمل 4» يدل على التمهل، والتمهل يعطي المد وهو الاختيار؛ لإجماع أكثر القراء على ذلك، ولما فيه من البيان، ولما ذكرنا من الحديث، وليجري ما هو من كلمتين على حكم إجماعهم على المد، فيما هو من كلمة، فكل حرف مد ولين بعده همزة، والقراء في إشباع
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/57]
المد وتطويله على قدر قراءتهم وتمهلهم أو حدرهم، فليس مد من يتمهل ويرتل كمد من يحدر ويسرع، ولكن قد ذكر الشيخ أبو الطيب أن مد أبي نشيط عن قالون والعراقيين عن أبي عمرو أزيد قليلًا من مد ابن كثير ومن ذكرنا معه، ممن تقدم ذكره، وأن ابن عامر والكسائي أزيد في المد قليلًا، وأن عاصمًا أزيد قليلًا، وأن ورشا وحمزة أزيد قليلًا، وهذا على التقريب فيما هو من كلمتين، فأما ما هو من كلمة نحو: «جاء، وشاء، وقائمين»، فما الهمز
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/58]
بعد حرف المد واللين أو المشدد أو الساكن نحو: «دابة ومحياي» في قراءة من أسكن الياء، فإشباع مد هذا لا اختلاف فيه، وهو أصل المد، وعليه بُني باب المد، ولم يختلف في هذا الفصل في الوقف أنه بغير مد لأن الهمزة قد انفصلت من حرف المد واللين فأمن خفاؤه، إذ هما من كلمتين، وإنما اختلف فيه في الوصل على ما بينا، فأما الهمزة إذا سهلت بعد حرف المد واللين، في قراءة حمزة في المتطرفة والمتوسطة، نحو: «جاؤوا، ويشاء» وفي قراءة هشام في المتطرفة، فقد ذكرنا أنه يحتمل وجهين المد وتركه، وعلة من مده أن الهمزة المسهلة بزنتها محققة، فمد مع التسهيل كما مد مع التحقيق، فهو أقيس وأقوى، وأيضًا فإن التسهيل عارض، فلا يُعتد به، والتحقيق هو الأصل، فوجب ألا يترك مده، وأيضًا فإن التسهيل إنما هو في الوقف، والوقف عارض، فلا يعتد به، ويمد في الوقف على ما كان في الوصل، وأيضًا فبالمد يعرف الأصل، فلا يجب حذفه لأنه يدل على الأصل، وأيضًا فإنك إذا وقعت على الأول لم يكن بد
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/59]
من المد فيجري الوقف على الوصل أولى وأقوى، وهو الاختيار.
15- وعلة من لم يمد أن الهمزة، لما زال لفظها الذي يُخاف على حرفه والمد واللين أن يخفى به، أسقط المد لأن الذي من أجله وجب المد ق زال، وهو لفظ الهمزة، فعامل اللفظ، ولم يعرج على الأصل، وعلى هذا قياس المد وتركه في قراءة البزي وقالون بالتخفيف في الهمزة الأولى، وفي قوله: {هؤلاء إن كنتم} «البقرة 31»، و{أولياء أولئك} «الأحقاف 32» القياس والنظر يوجبان المد مع التسهيل على ما قدمنا لكن الذي قرأت به في هذا الفصل هو ترك المد، لزوال لفظ الهمزة، وأنا آخذ بالوجهين وأختار المد لما قدمنا فيه من العلل.
16- فإن قيل: قد ذكرت علة المد لحروف المد واللين مع الهمزة، فما علة المد لهن مع المشدد أو الساكن بعدهن؟
فالجواب أن جميع الكلام لا يُلفظ فيه بساكن إلا بحركة قبله، ولا يوصل أبدًا إلى اللفظ بساكن بساكن آخر قبله، لأنه لا يبتدأ بساكن، ولا يُبتدأ إلا بمتحرك، ولا يوقف على متحرك فلما وقع، بعد حروف المد واللين وحرفي اللين، حرف مشدد وأوله ساكن، وحروف المد واللين وحرفا اللين سواكن، لم يمكن أن يوصل، إلى اللفظ بالمشدد، بساكن قبله، فاجتلبت مدة تقوم مقام الحركة، يوصل بها إلى اللفظ بالمشدد، وكانت المدة أولى؛ لأن الحرف الذي قبل المشدد حرف مد، فزيد في مده، لتقوم المدة مقام الحركة، فيتوصل بذلك إلى اللفظ بالمشدد، وهذا إجماع من العرب ومن النحويين، والعلة في المد للساكن غير المشدد، يقع بعد حروف المد واللين، كالعلة في المد للمشدد، لأن بالمدة يوصل إلى اللفظ
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/60]
بالساكن بعد حرف المد واللين، فليس في كلام العرب ساكن يلفظ به، إلا وقبله حرف متحرك، أو مدة على حرف مد، تقوم مقام الحركة، ألا ترى أن بعض العرب يحرك الساكن الذي قبل المشدد ليصل بالحركة إلى اللفظ بالمشدد، فآثر الحركة على زيادة المد فيقول في: دابة، دأبة، وقد قرئ «ولا الضألين» أبدل من الألف همزة مفتوحة، ليصل بها إلى النطق باللام المشددة، ومن هذا الباب في المد قوله: {آلله} «النمل 59» و{آلذكرين} «الأنعام 144» لأنه أبدل من ألف الوصل ألف صححة ليفرق بين الاستفهام والخبر، فلما أتى بعدها حرف مشدد لأجل إدغام لام التعريف فيما بعدها، زادوا في مد الألف، التي هي عوض من ألف الوصل، لتقوم المدة مقام الحركة، فيوصل بها إلى اللفظ بالمشدد، وقوي المد في ذلك؛ لأن لفظة الاستفهام، وليس في الكلام موضع يثبت لألف الوصل فيه عوض في الوصل غير هذا النوع «وايم الله» في الاستفهام وفي القسم.
17- وعلة ذلك أنك لو حذفت ألف الوصل في هذا، على أصل حذفها في الوصل في جميع الكلام، لم يكن بين الخبر والاستفهام فرق؛ لأن الخبر في هذا ألفه مفتوحة، والاستفهام ألفه مفتوحة، فلا يكون بينهما فرق، فأبدلوا من ألف الوصل ألفًا صحيحة زائدة، ليفصل بين الاستفهام والخبر، فلما وقع بعدها
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/61]
المشدد زيد في مدها للعلة التي ذكرنا، والوقف في هذا كالوصل، لأن العلة باقية في الوقف كالوصل.
فأما الوقف على أواخر الكلم، التي قبل الآخر منها حرف مد ولين، نحو: « عليم، وخبير، ويعلمون» وشبهه، فإنه يلزم من وقف بالسكون أو بالإشمام فيما يجوز فيه الإشمام، أن يمد بين الساكنين مدًا غير مشبع؛ لالتقائهما في الوقف، ولا يلزم إشباع المد لأن الوقف والسكون عارضان.
18- فإن قيل: فلم لا يمد هذا كمد «محياي، واللائي» في الوقف، في قراءة من أسكن الياء في الوصل، وكلاهما اجتمع فيه ساكنان في الوقف؟
فالجواب أن سكون الياء في «محياي، واللائي» لازم في الوصل والوقف على قراءة من قرأ بذلك، فوجب أن يلزم فيه المد المشبع؛ لالتقاء الساكنين؛ لتقوم المدة مقام حركة يوصل بها إلى النطق بالساكن الثاني، و«يعلمون، وخبير» وشبهه إنما سكن في الوقف، فسكونه عارض، والحركة فيه منوية مرادة، فضعف إشباع مده لذلك، وأيضًا فإنه قد وصل إلى اللفظ به بحركته ثم أسكن للوقف، وليس كذلك «محياي، واللائي» في قراءة من أسكن في الوصل فمد «يعلمون» وشبهه في الوقف غير مشبع لما ذكرنا، فإن رمت الحركة فيما يجوز فيه روم الحركة فمده أقل من ذلك؛ لأنه قريب من المتحرك؛ لإتيان الروم للحركة فيه، وحروف المد واللين هن مدات في خلقهن، لابد فيهن من
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/62]
المد على انفرادهن، وإن قل، ولا يحسن ترك المد في اسم «الله» لأن تركه يوجب حذف الألف منه، وذلك غير جائز إلا في شعر، والوقف عليه بالإسكان أو بالإشمام لابد فيه من مد زائد على ما ذكرنا، لالتقاء الساكنين، وإن وقفت عليه بروم الحركة كان المد أقل). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/63]

جمهرة علوم القرآن 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م 12:55 PM

باب علل المد في فواتح السور
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (أول الثاني: باب علل المد في فواتح السور
1- قال أبو محمد: اعلم أن المد في فواتح السور إنما يحذف لاجتماع ساكنين لازمين، فحيثما اجتمعا فمد لتفصل بين الساكنين بالمد، الذي يقوم مقام حركة، يتوصل بها إلى اللفظ بالساكن الثاني، فهو مبني على ما قدمنا من العلل، في المد للمشدود والساكن، يقعان بعد حرف المد واللين، فهو مثله في العلة المتقدمة، فتمد «قاف، وصاد، وسين، وميم، ونون» لاجتماع الساكنين، وأصل هذه الحروف الوقف عليها لأنها حروف التهجي محكية، غير مُخبر عنها بشيء، فالسكون والوقف عليها هو أصلها، فإن تحرك الساكن الثاني لعلة أوجبت ذلك، فمن القراء من يترك المد على حاله، كورش خاصة، على الأصل، ولا يعتد بالحركة، لأنها عارضة حدثت لعلة الوقف عليها، والسكون هو الأصل، وذلك نحو: {الم الله} «آل عمران 1، 2» و{الم أحسب الناس} «العنكبوت 1، 2» لأنه يلقي حركة الهمزة من «أحسب» على الميم، فلما
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/64]
كانت الحركة في الميم، ليست بلازمة أبقى المد على حاله لسكون الميم وسكون الياء قبلها، وهو القياس، والاختيار في {الم أحسب الناس} ومنهم من لا يمده، لأن الثاني قد تحرك، فزال لفظ الميم لالتقاء الساكنين وعليه أكثر القراء في {الم الله}، وهو الاختيار لإجماعهم على ذلك.
2- فإن قيل: فلأي علة حركت الميم في {الم الله}، وما الفرق بينه وبين {الم أحسب الناس}؟
3- فالجواب أن في حركة الميم في {الم الله} ثلاثة أقوال: الأول أنها فتحت لسكونها وسكون ما بعدها، وهو اللام المشددة، على نية الوصل بما بعدها، ووجبت الحركة فيها؛ لأنها ليست من حروف المد واللين، التي تمد للمشدد، فتقوم المدة مقام الحركة، والقول الثاني أنها فتحت لسكونها وسكون الياء قبلها، على نية وصلها بما بعدها، لا على نية الوقف عليها، فهي في هذا الوجه كـ «أين، وكيف» والقول الثالث أنها ألقي عليها حركة الألف من اسم «الله» جل ذكره، على نية الوقف عليها، وقطع ألف اسم «الله» للابتداء بها، وعلى أن الألف من اسم «الله» ألف قطع، على قول ابن كيسان، وإنما وصلت عنده لكثرة الاستعمال، وكذا هي عنده في كل موضع، أصلها الهمزة والقطع، لكن رفض أصلها، ووصلت بما قبلها لكثرة الاستعمال فهي واللام بعدها بمنزلة «قد» فلما ألقيت حركة الهمزة على الميم تحركت، وصارت بمنزلة {الم أحسب الناس} لورش، فهو ما قدمنا، من أن حركة الميم في
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/65]
«الم الله» تحتمل ثلاثة أوجه على ما ذكرنا، فهي متمكنة في الحركة، و{الم أحسب الناس} لا تحتمل حركة الميم في قراءة ورش، إلا وجهًا واحدًا، وهو إلقاء حركة الهمزة عليها، فهي عارضة، فالمد فيه أقوى من المد في «الم الله» وبالمد قراءة ورش فيهما.
3- قال أبو محمد: فالمد في هذا الفصل، في أوائل السور لالتقاء الساكنين مشبع عند القراءة كلهم، غير أن ما وقع بعده مشدد أمكن في المد، من الذي ليس بعده مشدد نحو: {طسم} «الشعراء 1» في قراءة من أدغم النون في الميم، هو أمكن مدًا من المد في قراءة من أظهر النون وكذلك المد في: {كهيعص ذكر} «مريم 1، 2» مد الصاع أشبع على قراءة من أدغم الدال، من هجاء صاد في الذال من «ذكر»، من مد من أظهر الذال.
والعلة في ذلك أن المشدد حرف يقوم مقام حرفين، وفي زنة حرفين، فطال المد قبله باشتغال اللسان بإخراج حرف هو في الأصل حرفان، وأيضًا فإن جواز التقاء الساكنين إنما هو في الأصل للمشدد، وقيس عليه غير المشدد، فالأصل أقوى وأولى بالمد من الفرع، ومن القراء من يسوي بينه وبين غير المشدد في المد. وعلته في ذلك أن المد إنما وجب لاجتماع ساكنين،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/66]
فكيفما اجتمعا وجب المد لهما، فالمد يوصل بها إلى النطق بالساكن، كان مشددًا أو غير مشدد، فذلك سواء.
4- قال أبو محمد: وزيادة المد للمشدد أقوى، وذلك أن الذي أجمع على جوازه من التقاء الساكنين هو أن يكون الأول حرف مد ولين، والثاني حرفًا مشددًا، فهو الأصل، ثم قيس عليه في الجواز فرع الساكن غير المشدد بعد حرف المد واللين. وسيبويه لا يجيزه، وكثير من أصحابه على منع جوازه إلا مع المشدد، والمشدد هو الأصل، والأصل له مزية على الفرع، والمشبه بالشيء ليس كمثل ذلك الشيء في قوته وتمكنه، فزيادة المد مع المشدد أحسن، لأنه الأصل في جواز التقاء الساكنين، وكلا الوجهين حسن، فأما مد «عين» في «كهيعص» وفي «عسق» دون مد «ميم» قليلًا لانفتاح ما قبل الياء في هجاء «عين» وانكسار ما قبل الياء في هجاء ميم، فحرف المد واللين أمكن في المد من مد حرف اللين، وكلا الوجهين ممدود لالتقاء الساكنين، ولو قال قائل: إني أسوي بينهما في المد لأن في كلتيهما ساكنين، اجتمعا، لكان قياسًا، لكن تفضيل مد «ميم» على مد «عين» أقوى في النظر، وفي الرواية في ذلك لجميع القراء، وأكثر هذا المد إنما أخذ مشافهة، وليس هو كله بمنصوص.
5- فأما تفضيل حرف المد واللين في المد على حرف اللين، مع الهمزة، فلا اختلاف فيه نحو: «سوء، وسوءة، وشيء، وسيئت» في قراءة ورش،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/67]
وليس «عين» في المد كمد «شيء» في الوقف؛ لأن «عين» الساكنان فيه لازمان في الوصل والوقف، و«شيء» إنما عرض فيه لاجتماع ساكنين في الوقف، فهو كـ «يعلمون» في الوقف وشبهه الذي مده غير مشبع، وقد مضى ذكر ذلك وعلته، فـ «عين» ألزم في المد من «شيء» في الوقف، في غير قراءة ورش، ألا ترى أنك لا تصل «عين» بما بعدها إلا بالمد، وتصل «شيئًا» بما بعدها في غير قراءة ورش، بغير مد، فهما مختلفان، فإن وقفت عليهما كان مد «عين» في الوقف كمدها في الوصل، ويدخل في «شيء» في الوقف من المد مثل ما يكون في «يعلمون» نحوه في الوقف، غير أن «شيئًا» أقل مدًا، لأنه ليس فيه حرف مد ولين، إنما فيه حرف لين، وقد بينَّا أن حرف المد واللين؛ إذ وجب له المد، فهو أمكن في المد من حرف اللين، إذا وجب له المد.
6- واعلم أن المد مع الساكن بعد حرف المد واللين، والمشدد بعد حرف المد واللين، أقوى منه مع الهمزة، بعد حرف المد واللين، وعلة ذلك أن حرف المد واللين، إذا وقع بعده ساكن مشدد أو غير مشدد، لابد فيه من المد ضرورة، ليصل بالمدة إلى اللفظ بالساكن، والهمزة إذا وقعت بعد حرف المد واللين لك أن تدع إشباع المد في الكلام، فتقول: صائم، وقائم، بغير إشباع، قد تثبت الألف الهمزة، ولا تشبع المد، فأما في القرآن فلابد من إشباع المد اتباعًا للرواية، وإلا فترك إشباع المد جائز فيه في الكلام، فما كان المد فيه لازمًا لابد منه، أقوى في المد مما يجوز فيه ترك إشباع المد.
7- واعلم أن كل كلمة مددتها، لهمزة أو ساكن بعد حرف المد واللين، فإنك إذا وقفت عليها مددتها، والعلة التي من أجلها مددت باقية، مددت أيضًا كالوصل كـ «جاء، وشاء، وقائم، ودابة» ونحوه، فإن زالت العلة، التي
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/68]
مددت من أجلها في الوقف، تركت المد نحو: {في أنفسهم} «آل عمران 154» و{قو أنفسكم} «التحريم 6» وشبهه، إذا وقفت على الكلمة الأولى لم تمد، فإن زالت العلة، التي توجب المد في الوصل، مددت على تقدير إثبات تلك العلة؛ لأن زوالها عارض نحو: «من آمن، والآخرة» في قراءة ورش، ونحو: «هؤلاء إن كنتم، وأولياء، وأولئك» في قراءة قالون والبزي يخففان الهمزة الأولى، وقد ذكرنا أن من القراء من لا يمد هذا الفصل لقالون والبزي، وعللناه فيما تقدم بزوال لفظ الهمزة.
8- واعلم أنه إذا ذال الحرف الذي يجب له المد في الوصل لعلة، تركت المد لزوال الحرف الممدود، فإن وقفت رجع الحرف، ومددت نحو قوله تعالى: {تبوؤوا الدار} «الحشر 9» تصل بغير مد لزوال الواو، لالتقاء الساكنين، الواو واللام، فإن وقفت مددت لرجوع الواو، وقبلها همزة في قراءة ورش). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/69]

جمهرة علوم القرآن 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م 12:56 PM

باب علل اختلاف القراء في اجتماع همزتين
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (باب علل اختلاف القراء في اجتماع همزتين
1- اعلم أن أصل هذا الباب على ضربين: ضرب لم يُختلف في تخفيف الثانية فيه، وذلك إذا كانت الثانية ساكنة نحو: «أامن، وأادم، وأوتي، وأاتنا» ونحوه، كلهم على تخفيف الثانية وإبدالها بألف، إذا انفتح ما قبلها، وبياء إذا انكسر ما قبلها، وبواو إذا انضم ما قبلها، وعلى ذلك لغة العرب فيها، قد رفضوا استعمال تحقيق الثانية في هذا النحو حيث وقع، وعلة ذلك أن الهمزة الثانية لما كانت لا تنفصل منهما الأولى، ولا تفارقها في جميع تصاريف الكلمة، استثقلوا ذلك فيها، مع كثرة استعمالهم لذلك، وكثرة تصرفه في الكلام، فتركوا تحقيقها استخفافًا، إذ كانوا يخففون المفردة استخفافًا، لثقل الهمزة المفردة، فإذا تكررت كان ذلك أعظم ثقلًا، فإذا لزمت كل واحدة منهما الأخرى كان ذلك أشد ثقلًا، فرفضوا استعمال التحقيق للثانية في هذا النوع، لما ذكرنا، وعليه لغة العرب وكل القراء، والضرب الثاني اختلفت العرب والقراء في تحقيق الثانية وتخفيفها فيه، وهو كل همزتين اجتمعتا، ويجوز أن تنفصل الأولى من الثانية نحو: «جاء أحدهم، وهؤلاء إن كنتم، ويشاء إلى»
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/70]
وشبهه، ومثل «أأنذرتهم، وأأقررتم» لأن حذف الأولى من هذا جائز، والوقف على الكلمة الأولى جائز، فالأولى كالمنفصلة من الثانية فيه، غير لازمة لها في كل حال، ففارق ذلك علة الهمزتين في «أادم، وأامن» ونحوه، وعلة ذلك أنه لما جاز انفصال الأولى من الثانية آل الأمر إلى جواز انفراد كل واحدة من الأخرى، وذلك غير ثقيل، فجاز الجمع بينهما محققين، إذ الأولى في كلمة والثانية في كلمة أخرى، وهذا النوع على ضربين: ضرب من كلمتين، يجوز لك أن تقف على الهمزة الأولى وتفصلها من الثانية، فصار اجتماعهما في الوصل كأنه عارض، فحسن تحقيقهما في الوصل، إذ لا اجتماع لهما في الوقف، وإذ لابد من تحقيقهما إذا وقفت على الأولى وابتدأت بالثانية، فجرى الوصل في حكم الوقف في هذا. والضرب الثاني هو ما اجتمعت الهمزتان فيه، في ظاهر اللفظ من كلمة، والتقدير في الأولى أنها منفصلة في النية، لأن لك حذفها في كلام العرب، ولأنها داخلة على الثانية قبل أن لم تكن فصارت بمنزلة ما هو من كلمتين، وذلك كل همزة استفهام دخلت على ما بعدها من همزة أخرى نحو: «أأنذرتم، وأأقررتم» وشبهه، الهمزة الأولى دخلت على «أنذر، وأقرر» قبل أن لم تكن، وقد قرئ بحذفها في «أأنذرتهم» فهي بمنزلة همزة من كلمة أخرى، إذ الانفصال والزيادة فيها مقدران منويان، فصارت بمنزلة ما هو من كلمتين، فجاز تحقيقهما بخلاف الهمزتين اللتين لا يمكن أن يقدر في الأولى الانفصال من الثانية، ولا يمكن حذفها على وجه، إلا أن تُلقى حركتها
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/71]
على ساكن قبلها، فتكون مرادة منوية، وتحقيق الهمزتين فيما هو من كلمتين في اللفظ أقوى من تحقيقه فيما هو من كلمة في اللفظ، وإن كان تقدير الأولى الانفصال؛ لأن اللفظ قد جمعهما في كلمة، فشابه ما قد اجتمع على تخفيف الثانية من نحو: «أادم» وما كان من كلمتين، وإن كان اللفظ قد جمعهما، فإن الأولى في تقدير الانفصال من الثانية، إذ الوقف عليها والابتداء بالثانية جائز حسن، فصار اجتماعهما في اللفظ في الوصل كأنه يشبه العارض فحسن تحقيقهما من كلمتين، وقوي ذلك.
2- فإن قيل: فما بال الهمزة كُره فيها التكرير واستثقل، ولم يكره ذلك في سائر الحروف إذا تكررت، إلا على لغة من أدغم الحروف المتكرر في نظيره؟
فالجواب أن الهمزة على انفرادها حرف بعيد المخرج جلد صعب على اللافظ به، بخلاف سائر الحروف، مع ما فيها من الجهر والقوة، ولذلك استعملت العرب في الهمزة المفردة ما لم تستعمله في غيرها من الحروف، فقد استعملوا فيها: التحقيق، والتخفيف، وإلقاء حركتها على ما قبلها، وإبدالها بغيرها من الحروف، وحذفها في مواضعها، وذلك كله لاستثقالهم لها، ولم يستعملوا ذلك في شيء من الحروف غيرها، فإذا انضاف إلى ذلك تكريرها كان أثقل كثيرًا عليهم، فاستعملوا في تكرير الهمزة من كلمتين التخفيف للأولى، والتخفيف للثانية، والحذف للثانية، والحذف للأولى، وبعضهم يحققهما جميعًا؛ إذ الأولى كالمنفصلة من الثانية، إذ هي من كلمة أخرى.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/72]
3- فحجة من حقق الهمزتين في كلمة، وهي قراءة أهل الكوفة وابن ذكوان، في نحو: «أأنذرتهم» وشبهه، أنه لما رأى الأولى في تقدير الانفصال من الثانية، ورآها داخلة على الثانية، قبل أن لم تكن، حقق كما يحقق ما هو من كلمتين، وحسن ذلك عنده لأنه الأصل، وزاده قوة أن أكثر هذا النوع بعد الهمزة الثانية فيه ساكن، فلو خفف الثانية، التي قبل الساكن، لقرب ذلك من اجتماع ساكنين، لا سيما على مذهب من يبدل من الثانية ألفًا، فلما خاف اجتماع الساكنين حقق، ليسلم من ذلك، ولأنه أتى بالكلمة على أصلها محققة، ولأنه لو خفف الثانية لكانت بزنتها محققة، فالاستثقال في المقياس مع التخفيف باق، ولذلك قرئ بإدخال ألف بين الهمزتين مع تخفيف الثانية، لأن الاستثقال مع التخفيف باق، إذ المخففة بزنتها محققة.
4- وحجة من خفف الثانية هو ما قدمنا من استثقال الهمزة المفردة فتكريرها أعظم استثقالًا، وعليه أكثر العرب، وهو مذهب نافع وابن كثير وأبي عمرو وهشام، وأيضًا فإنه لما رأى العرب، وكل القراء قد خففوا الثانية، إذا كانت ساكنة استثقالًا، كان تخفيفها إذا كانت متحركة أولى، لأن المتحرك أقوى من الساكن وأثقل، وأيضًا فإن جماعة من العرب ومن القراء قد
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/73]
كرهوا اللفظ بالهمزة المفردة، فخففوها ساكنة ومتحركة نحو: «يومن، ويواخذ» فكان تخفيفها إذا تكررت أولى وأقيس.
5- وحجة من خفف الثانية من كلمة، وأدخل بين الهمزتين ألفًا، وهو مذهب أبي عمرو وقالون عن نافع، وهشام عن ابن عامر، أنه لما كانت الهمزة المخففة بزنتها محققة قدر بقاء الاستثقال على حاله مع التخفيف، فأدخل بينهما ألفا ليحول بين الهمزتين بحائل، يمنع من اجتماعهما، وقد روي ذلك أيضًا عن ورش، والعلة في الجمع بين الهمزتين من كلمة المختلفتي الحركة نحو: «أئذا، وأئنكم» وشبهه، وبه قرأ الكوفيون وابن ذكوان، وفي تخفيف الثانية، وهي قراءة ورش وابن كثير، وفي إدخال الألف بينهما، مع تخفيف الثانية، وهي قراءة أبي عمرو وقالون وهشام هو ما قدمنا من العلة في الهمزتين المتفقتي الحركة من كلمة نحو: «أأنذرتهم» فقسه عليه، فالعلة واحدة.
6- وحجة من حقق الهمزتين المتفقتين من كلمتين هو ما قدمنا من تقدير انفصال الأولى من الثانية، وأن الوقف يفصل بينهما، وأن تخفيف الثانية في الوزن كالتحقيق، فقرأه على الأصل، وهو التحقيق. فعلى العلل المتقدمة في
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/74]
الهمزتين من كلمة في هذا الفصل، وله مزية في القوة في التحقيق أن الأولى منفصلة من الثانية، في الوقف، وأن الوصل كأنه عارض، وبه قرأ الكوفيون وابن عامر.
7- وحجة من خفف الثانية كحجته المتقدمة في تخفيف الثانية، فيما هو من كلمة نحو: «أأنذرتهم» فقسه عليه، وكانت الثانية عنده أولى بالتخفيف من الأولى، لأن الثانية تقع للتكرير، وبها يقع الاستثقال، فخففها لأنها أولى بالتخفيف من الأولى، وأيضًا فإن الأولى قبلها ساكن في أكثر هذا الفصل، فلو خففها لقرب اللفظ من الجمع بين ساكنين، فآثر تخفيف الثانية لذلك، إذ قبلها متحرك، وبه قرأ ورش.
8- وحجة من خفف الأولى أنه لما رأى الثانية لابد لها من التحقيق في الابتداء، أجرى الوصل على ذلك فحققها، فوجب تخفيف الأولى، إذ قد حصل التحقيق للثانية لما ذكرنا، وأيضًا فإنه لما كان بالثانية، يقع التكرير والاستثقال، خفف الأولى، ليزول لفظ التكرير والاستثقال عن الثانية.
9- وحجة من حذف الأولى من الهمزتين المتفقتي الحركة من كلمتين، وهو أبو عمرو، في المكسورتين والمضمومتين، ووافقه البزي وقالون على الحذف في المفتوحتين، أنه جعل الثانية تقوم مقام الأولى وتنوب عنها، وفي المدة الأولى وجهان: المد لأن الحذف عارض، ولأن الثانية تقوم مقام الأولى، وعلة ترك المد أنه لعدم الهمزة من أجلها وجب المد، وكذلك الاختلاف فيها، في قراءة من ترك مد حرف لحرف المد، وتركه على ما ذكرنا من العلل فيما تقدم.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/75]
10- وحجة من حقق الهمزتين المختلفتي الحركة من كلمتين هو ما قدمنا من أن الأولى منفصلة من الثانية، وأن الأصل، وأن الوقف على الأولى والابتداء بالثانية بالتحقيق فيهما للجميع، فأجرى الوصل مجرى الوقف، وخف عليه اجتماعهما؛ إذ هما من كلمتين، وإذ انفصال الثانية من الأولى ممكن مقدر منوي، وهي قراءة الكوفيين وابن عامر، في نحو: {جاء أمة رسولها، والسفهاء ألا}، وشبهه فقس عليه على ما قدمنا. فأما ما خالف القراء أصولهم من هذه الفصول فعلته تذكر مع كل حرف في موضعه، وكله جارٍ على ما ذكرنا من العلل، فأما حكم تخفيف الهمزة في هذه الفصول فنذكر منه في هذا الموضع جملة، ثم نبسطه، إن شاء الله، في أبواب تخفيف الهمز ونعلله). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/76]

جمهرة علوم القرآن 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م 12:57 PM

باب ذكر جمل من تخفيف الهمز فيما ذكرنا
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (باب ذكر جمل من تخفيف الهمز فيما ذكرنا
أما ما كان من التخفيف في كلمة، والثانية ساكنة، فقد قلنا: إنك تبدل من الهمزة ألفًا إذا انفتح ما قبلها، وواوًا إذا انضم ما قبلها، وياءً إذا انكسر ما قبلها، وسنذكر علة ذلك فيما بعد، وما كان من التخفيف فيما هي من كلمة، وكلاهما مفتوح، فإنك تجهل الثانية بين الهمزة والألف، وقد ذكر عن ورش أنه يبدل من الثانية ألفًا، وبين بين أقيس وأحسن له ولغيره، ممن خفف الهمزة الثانية، ومع الألف يشبع المد، وأما ما كانت الهمزة الثانية في كلمة مكسورة أو مضمومة، والأولى مفتوحة، فإنها تُجعل في التخفيف، المكسورة بين الهمزة والياء، والمضمومة بين الهمزة والواو، والمفتوحة بين الهمزة والألف، وذلك نحوه: «أئذا، أؤلقي» وشبهه، وأما ما كان من كلمتين، على اتفاق الحركة بالكسر أو الضم، فإنه إذا خففت الأولى جُعلت بين بين أيضًا، وبين الهمزة والياء نحو: «هؤلاء إن كنتم» والمضمومة بين الهمزة والواو نحو: «أولياء أولئك» فإذا خففت الثانية، فكذلك أيضًا مثل تخفيف الأولى، وأما
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/77]
ما كان من كلمتين، باتفاق الحركة بالفتح، فإنه إذا خففت الثانية جُعلت بين بين، بين الهمزة والألف، وعن ورش أنه يبدل من الثانية ألفًا، والأولى أقيس، ومع الألف يتمكن إشباع المد، وأما ما كان من كلمتين، باختلاف حركة الهمزة، فإنك إذا خففت الثانية، وقبلها حركة، جعلتها بين بين، إن كانت مضمومة، فبين الهمزة والواو نحو: {شهداء إذ حضر} إلا أن يكون قبلها ضمة، فالأخفش يجعلها بين الهمزة والواو. وسيبويه يجعلها بين الهمزة والياء نحو: «يشاء إلى» وسنذكره بأبين من هذا في تخفيف الهمزة، فإن كانت الهمزة الثانية مفتوحة، وقبلها ضمة، أبدلت منها واوًا مفتوحة نحو: {السفهاء ألا} وإن كانت قبلها معللًا كسرة أبدلت منها ياء مفتوحة نحو: {من الشهداء أن تضل}، وهذا كله يأتي معللًا مفسرًا في أبواب تخفيف الهمزة، كحمزة وهشام، إن شاء الله. وسنذكر «أئمة»، وما انفرد من الحروف عما ذكرنا، وعللها في موضعها إن شاء الله.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/78]
فإن قيل: فما الاختيار في ذلك؟
فالجواب أن الاختيار تخفيف الثانية في جميعه لخفة ذلك، ولاستثقال اجتماع همزتين متحركتين، وللعلل التي ذكرنا، ولأن أهل الحرمين وأبا عمرو عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/79]

جمهرة علوم القرآن 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م 12:57 PM

باب ذكر علل الهمزة المفردة
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (باب ذكر علل الهمزة المفردة
قد قدمنا ذكر الهمزة، واستثقال العرب لها، واستعمالهم فيها لثقلها، ما لم يستعملوا في غيرها من الحروف.
1- فحجة من حققها في فاء الفعل وعينه ولامه أنه أتى بها على الأصل، فأظهرها محققة، كما يفعل بسائر الحروف، وخف ذلك عليه وسهل لانفرادها، إذ ليس قبلها همزة، وزاده قوة أن كثيرًا من العرب والقراء يحققونها، مع تكررها على أصلها، فكان تحقيقها وهي مفردة آكد وأخف وأقوى، وأيضًا فإنه همز ذلك ليبين أن الأصل الهمزة، إذ لو خفف لجاز لظان أن يظن أنه لا أصل للكلمة في الهمز فكان في الهمز بيان أصلها، ألا ترى أن من ترك همز «مؤصدة» وهمز
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/80]
«ورئيا» يجوز أن يكون مما لا أصل له في الهمز، ففي همزة بيان أن أصله الهمز.
2- وحجة من خفف الهمزة أنه استثقلها محققة فخففها على ما قدمنا من العلل، وأيضًا فإن التخفيف لغة أهل الحجاز، وأيضًا فإن التخفيف أخف على القارئ، مع موافقة لغة العرب والرواية.
3- وحجة من ترك همز فاء الفعل خاصة، وهو ورش، أن فاء الفعل حكمها أن يكون في أول الكلام، لأنها أول الوزن، فحقها أن تكون مخففة أبدًا إلا أن يدخل عليها زائد، فتصير ثانية، أو زائدان فتصير ثالثة، وربما كانت الهمزة رابعة بدخول ثلاثة زوائد عليها، فتثقل فتخفف حينئذٍ، فلذلك خفف فاء الفعل؛ لأنها ثانية أو ثالثة أو رابعة، وذلك نحو: «يؤمن، وسيؤمن واستأمن» فلما بعدت الهمزة من أول الكلام ثقلت فخففت.
4- وحجة من همز غير الفعل ولامه إجماعهم على ذلك، فهمز للإجماع، لئلا يخرج عن الإجماع وأيضًا فإن الهمز هو الأصل وأيضًا فإنه لو لم يهمز لظن ظان أنه لا أصل له في الهمز، فأتى به مهموزًا على أصله.
5- وحجة ورش في همزة «المأوى» والهمزة فاء الفعل، ومن أصله أنه لا يهمز فاء الفعل، أنه لو سهل ولم يهمز لاجتمع ثلاثة أحرف من حروف العلة متوالية، وذلك قليل، لم يقع إلا في «أوى» لإجماع العرب على ترك الهمزة الساكنة، إذا كان قبلها همزة نحو: «آتى، وآمن».
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/81]
وأيضًا فإنه لما همز «تؤويه، وتؤوي» لئلا يجتمع واوان في التخفيف، فذلك أثقل من التحقيق، رجع إلى التحقيق؛ لأنه أخف، فأجرى باب «الإيواء» على سنن واحد في الهمز، لئلا يختلف، إذ هو كله من أصل واحد، من «أوى»، مع نقله ذلك عن أئمته.
6- فإن قيل: فما بال ورش همز «فأذن، ومن تأخر، ومآرب، ومآبا، وتؤزهم، ويؤده، ويؤوده»، والهمزات فيه كله فاء الفعل، ومن أصله أن لا يهمز فاء الفعل؟
فالجواب أنه إنما خفف من فاء الفعل، ما وجد فيه سبيلًا إلى البدل في التخفيف، وأبدل من الهمزة حرفًا يقوم مقامها، وينوب عنها، فاستغنى عنها بحرف يقوم مقامها، هو أخف منها، وذلك في «يؤمن، ويأكل، ويؤاخذ» وشبهه، وهذه الكلمات لا يتمكن في تسهيلها البدل لأنها متحركة، قبلها حركة، فلا تكون إلا بين بين، وبعد كل همزة منها ساكن، وهمزة بين بين، يبعد وقوع ساكن بعدها؛ لأنها تصير وصلة إلى اللفظ بالساكن بعدها، فكأنها مبتدأ بها، وهمزة بين بين لا يبتدأ بها، فوجب فيها التحقيق ضرورة في القياس. وقد تسهل الهمزة، وإن كان بعدها ساكن في بعض الكلام، لكن المعمول به ما ذكرت لك، فلما لم يجد إلى البدل سبيلًا وبعد جعلها بين بين، رجع إلى التحقيق، إذ لا سبيل إلى غير التحقيق أو التسهيل، فلما صعب التسهيل رجع إلى التحقق.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/82]
7- فإن قيل: فما حجة ورش في تخفيفه لـ «الذئب، وبئس، وأرأيت» ومن أصله أن يحقق عين الفعل حيث وقعت؟
فالجواب أنه خفف همزة «الذئب» على لغة من قال: لا أصل له في الهمز، وقد قال الكسائي: لا أعرف أصله في الهمز، فلم يهمزه في قراءته، وكذلك «البئر» قد قيل: لا أصل لها في الهمز، فأما تخفيفه للهمزة الثانية من «أرأيت» وهي عين الفعل، فإنه لما اجتمع في كلمة همزتان، بينهما حرف، خفف الثانية استخفافًا، وأيضًا فإنه لما رأى بعض العرب يحذف الثانية حذفًا مستمرًا، وبه قرأ الكسائي خففها، وجعل تخفيفها عوضًا من حذفها، إذ في حذفها بعض الإجحاف بالكلمة، وسيأتي علة من حذفها ومن خففها في موضعها، إن شاء الله.
8- فإن قيل: فما بال ورش ترك همز {ردءًا يصدقني} «القصص 34» والهمزة لام الفعل، ومن أصله همز لام الفعل حيث وقعت، ومن أصله أيضًا أنه لا يلقي حركة الهمزة على الساكن قبلها في كلمة؟
فالجواب أنه لما وجد سبيلًا إلى إلقاء حركة الهمزة على الساكن قبلها لم يهمزها، وألقى حركتها على ما قبلها، قياسًا على فعله في إلقاء حركة كل همزة، أتت في كلمة وقبلها ساكن من كلمة أخرى، فأجرى ما هو من كلمة مجرى ما هو من كلمتين، وقد همز قوله: {ملء الأرض} «آل عمران 91» على
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/83]
أصله في همزة لام الفعل، ولم يلق حركة الهمزة، ليفرق بين ما هو من كلمة، وما هو من كلمتين، فاستثقل ما هو من كلمتين لثقله، فخفف فيه الهمزة بإلقاء حركتها على الساكن قبلها، نحو: «من آمن»، واستخف ما هو كله فهمزه، ولم يُلق فيه الحركة، وكان أصله ألا يلقي الحركة في «ردءًا» لكنه أجراه على حكم ما هو من كلمتين، فألقى فيه الحركة للجمع بين اللغتين.
9- فإن قيل: فلم خص «ردءًا» بإلقاء الحركة دون غيرها، مما هو في كلمة كـ «الخبء، وجزء»؟
فالجواب أنك إذا خففت «ردءًا يصدقني» أشبه لفظه لفظ كلمتين منفصلتين مفهومتين، فـ «رِد» كلفظ الأمر من «وَرَد، يَرِد» والهمزة والتنوين كالخفيفة في اللفظ، فصار لفظه كلفظ كلمتين مفهومتين، فألقى فيه الحركة؛ لأنه ككلمتين في اللفظ.
10- ومن الهمزة المفردة تخفيف أبي عمرو لكل همزة ساكنة إذا أدرج القراءة، أو قرأ في الصلاة، وهي رواية الرقيين عنه، رواية أبي شعيب السوسي وغيره، وعلته في ذلك أنه آثر التخفيف عند إدراج القراءة وعند الصلاة بالقرآن، فخفف الهمزة، إذ التخفيف أبين في اللفظ من التحقيق، وهي لغة العرب.
11- فإن قيل: فلم خص الساكنة وآثرها بالتخفيف إذا أدرج القراءة أو قرأ في الصلاة دون المتحركة، والمتحركة أثقل من الساكنة فخفف الخفيف وحقق
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/84]
الثقيل، وهذا ضد النظر والقياس؟
فالجواب أن الساكنة تجري في التخفيف على سنن واحد وقياس واحد، وهو البدل، فسهل ذلك فيها، واستمر القياس في حكمها، فخصها بذلك لجريها على حكم واحد، وهو البدل. والمتحركة ليست كذلك في التخفيف، بل تكون مرة بين الهمزة والألف، ومرة بين الهمزة والواو، ومرة بين الهمزة والياء، ومرة يلقي حركتها على ما قبلها، ومرة يبدل منها حرف غيرها، ومرة يدغم الحرف الذي قبلها فيما هو بدل منها، ومرة تُحذف فهي تجري على وجوه كثيرة مضطربة، فلما رآها لا تستقر على أصل واحد، وتخفيفها أثقل وأصعب على القارئ من تحقيقها حققها، ولم يخففها، ولما رأى الساكنة تجري على سنن واحد، وقياس غير منخرم، وتخفيفها أسهل على القارئ من تحقيقها آثر تخفيفها مع روايته ذلك عن أئمته.
12- فإن قيل: فما باله حقق الساكنة التي سكونها بناء أو علم للجزم، وتخفيفها في الحكم مستمر جار على قياس واحد.
فالجواب أن ما سكونه علم للجزم، وما سكونه بناء، أصله كله الحركة، والسكون فيه عارض، ومن أصله أن يحقق المتحركة، فحقق هذه على ما كانت عليه في أصلها قبل الجزم والبناء، وأيضًا فإن هذين النوعين قد غيرا مرة من الحركة إلى السكون، فكره أن يغيرهما مرة أخرى إلى البدل، فيقع في ذلك تغير بعد تغير، فيكون فيه إجحاف بالكلمة.
13- فإن قيل: فما باله حقق «تؤويه، وتؤوي» وحقق «مؤصدة» في الموضعين، وحقق «ورئيا» في مريم، والهمزة ساكنة فيها، يُحسن فيها البدل ويتأتى؟
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/85]
فالجواب أنه إنما سهَّل الهمزة الساكنة للتخفيف، وهو إذا سهَّل همزة «تؤويه، وتؤوي» اجتمع فيه واوان وضمة وكسرة، وذلك ثقيل جدًا، فلما كان التخفيف للهمز أثقل من الهمز آثر الهمز وترك التخفيف لثقله، فأما «مؤصدة» فإنه لما كان فيه لغتان في اشتقاقه، يجوز أن يكون مشتقًا مما أصله الهمز، من «آصدت» أي: أطبقت ومن «أوصدت» لغة فيه بمعنى واحد، كره أن يخفف همزة، وهو عندي من «آصدت» فيظن ظان أنه عنده من «أوصدت» فخاف أن يخرج بالتخفيف من لغة إلى لغة، فحقق همزة لذلك، وكذلك «ورئيا» فيه لغتان: الهمز على معنى «الرُّواء» وهو ما يظهر من الزي، وترك الهمز على معنى «الري» فكره أن يترك همزه، فيظن أنه عندي من «الري» فيخرج بترك الهمز من لغة إلى لغة أخرى، ومن معنى إلى معنى آخر، فهمزه ليتبين مم هو مشتق، وما معناه.
فأما ما ذكرنا من الاختلاف في الهمزة، إذا أسكنها أبو عمرو في رواية الرقيين عنه في «بارئكم»، وأن من القراء من يبدل من الهمزة ياء لسكونها، على أصله في تخفيف الساكنة، وأن منهم من لا يخففها، ويحققها.
14- فعلة من خففها فأبدل منها ياء أنه أجراها مجرى كل همزة ساكنة، أبدل منها ياء إذا أدرج القراءة أو قرأ في الصلاة، لتكون الساكنة كلها على قياس واحد.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/86]
وعلة من حققها ولم يخففها أنه لما كان أصلها الحركة أجراها في التحقيق على أصله في المتحركة، وأيضًا فإنه لما رآها قد تغيرت عن الحركة إلى السكون كره أن يغيرها مرة أخرى بالبدل، قياسًا على مذهبه في تحقيق ما سكونه علم للجزم أو البناء، إذ قد حققه، ولم يخففه لتغيره مرة، فكره أن يغيره مرة أخرى.
15- فإن قيل: فما الاختيار في ذلك؟
فالجواب أن الاختيار في ذلك الهمز، لأنه الأصل، ولإجماع القراء عليه، ولأن التخفيف تغيير، فتركه أولى.
16- فصل: قال أبو محمد: اعلم أيها الناظر في هذا الكتاب أني لا أعتمد على ترك الاعتداد بالعارض في كثير مما تقدم وما يأتي، وربما اعتددت به قياسًا على مذهب العرب في ذلك، فربما اعتدوا بالعارض في قليل من الكلام، ولا يعتدون به في أكثر الكلام. فما اعتدوا فيه بالعارض قولهم: سل زيدًا، اعتدوا بالفتحة التي على السين وهي عارضة، إنما هي حركة الهمزة، نُقلت إلى السين، فلذلك حذفوا ألف الوصل، وقالوا: لحمر جاء، فاعتدوا بالحركة التي على اللام، وهي عارضة، إنما هي حركة الهمزة من «أحمر» نُقلت إلى اللام، فحذفوا ألف الوصل واستغنوا عنها بالحركة العارضة، ومن هذا قراءة نافع وأبي عمرو في {عادًا الأولى} في «والنجم» بالإدغام، وذلك أنهما لما ألقيا حركة الهمزة على لام التعريف اعتدوا بها، فحسن الإدغام
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/87]
في اللام، إذ عليها حركة معتد بها، ولولا ذلك ما جاز إدغام التنوين في لام ساكنة، إذ لا يكون المدغم فيه أبدًا إلا متحركًا بحركة معتد بها، ومما لم يعتدوا فيه بالعارض في تخفيف همزة «رؤيا» فلم يدغموا الواو في الياء على أصلهم في «ميت، وهين» لأن الواو عارضة، إنما هي بدل من همزة، وقالوا: ضوء، فإذا خففوا الهمزة قالوا: ضو، فأتوا بواو متحركة، قبلها فتحة، وليس ذلك في كلام العرب، ولم يعلوها على أصولهم في الكلام؛ لأن حركتها عارضة، إنما هي حركة الهمزة نقلت إليها، وهذا أكثر في الكلام وأقيس من الاعتداد بها، وعلى هذا عوَّل من أنكر قراءة نافع وأبي عمرو في {عاد الأولى} بالإدغام، وقال: الحركة على اللام عارضة، واللام ساكنة على أصلها، فلا يحسن الإدغام فيها، لأن المدغم لا يكون إلا ساكنًا، والمدغم فيه لا يكون إلا متحركًا، فلم يجز عندهم الإدغام في اللام وهي ساكنة في الأصل). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/88]

جمهرة علوم القرآن 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م 12:59 PM

باب علل نقل حركة الهمزة على الساكن قبلها لورش
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (باب علل نقل حركة الهمزة على الساكن قبلها لورش

1- قد قدمنا القول في ثقل الهمزة، وبعد مخرجها، وصعوبة اللفظ بها، فلما كثرت الهمزة في الكلام، وأمكن أن تُلقى حركتها على ما قبلها، فتقوم حركتها مقامها، وتذهب صعوبة لفظها، آثر ذلك ورش، مع روايته ذلك عن أئمته، فهو إذا ألقى حركة الهمزة على ما قبلها لم يُخل بالكلام، وخفف الثقل الذي في الهمزة، فآثر ذلك لذلك، وكان ما هو من كلمتين أولى بالتخفيف، لثقل اجتماع كلمتين والهمزة، ولم يفعل ذلك فيما هو من كلمة لخفة الكلمة، نحو: «مسؤولا، والظمآن، والمشأمة» ونحوه، غير أنه فعل في {ردءًا يصدقني} وحده؛ لأنه بناه على ما هو من كلمتين، فألقى فيه الحركة، وأيضًا فإنه جمع بين اللغتين.
2- فإن قيل: فما باله ألقى الحركة في كلمة على لام التعريف نحو: «الآخرة، والأرض» وشبهه؟
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/89]
فالجواب أن الألف واللام، اللذين للتعريف، ككلمة منفصلة مما بعدها، لأنهما دخلا بعد أن لم يكونا، ولأن حذفهما جائز، ولأن الكلام مع عدمهما مستقل مفهوم، فصار ذلك بمنزلة ما هو من كلمتين، فأجراه في إلقاء الحركة على الساكن مجرى ما هو من كلمتين.
3- فإن قيل: فما باله لم يلق حركة الهمزة على الساكن من كلمة أخرى إذا كان حرف مد ولين؟
فالجواب أنه لو ألقى الحركة على الألف في نحو قوله: {فما آمن} «يونس 83» لتغيرت الألف وانقلبت همزة، ولحال الكلام على أصله، فامتنع إلقاء الحركة لذلك على الألف، وفعل ذلك بأختي الألف: الواو التي قبلها ضمة، والياء التي قبلها كسرة، للتشبيه بالألف، فامتنع فيهما من إلقاء الحركة عليهما، مثلما امتنع في الألف، وأيضًا فإن الألف في نية حركة لا يتغير ما قبلها أبدًا، والحركة لا تُلقى على حركة.
4- فإن قيل: فلم ألقى ورش حركة الهمزة على حرفي اللين نحو: {ولو أن أهل} «المائدة 65» و{ابني آدم} «المائدة 27» وحرفا اللين فيهما شبه بالألف؟
فالجواب أن حرفي اللين لما انفتح ما قبلهما وتغير نقصا عن شهب الألف؛ إذ الألف لا يتغير ما قبلها أبدًا. فلما فارقا الألف، في قوة الشبه، دخلا في مشابهة سائر الحروف، التي تتغير حركة ما قبلها، فحسن إلقاء الحركة عليهما كسائر الحروف.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/90]
5- فإن قيل: فما علة قالون وموافقته ورشا في إلقائه الحركة في «الآن» في موضعين في يونس، وفي {ردءًاا يصدقني}، وفي: {عادًا الأولى}، في {والنجم}؟
فالجواب أن «الآن» اجتمع فيها مدتان، مدة في أوله، لأجل الألف التي هي بدل من ألف الوصل، للفرق بين الاستفهام والخبر، وإتيان الساكن بعدها كقوله: {آلذكرين} «الأنعام 143» ومدة بعد الهمزة الثانية، وهي همزة «آن» فعل ماض، ودخلت عليه الألف واللام، وألف الاستفهام، والألف والتغيير؛ إذ كان أصلها «أوان» عند القراء ثم حذفت الواو، وقيل: أصله «آن» فعل ماض، ودخلت عليه الألف واللام، وألف الاستفهام، والألف واللام زوائد فيها، فثقلت الكلمة؛ إذ خالفت سائر ما فيه الألف واللام الداخلتان على همزة، فخفف قالون الهمزة الثانية، فألقى حركتها على لام التعريف كورش لذلك، فأما {ردءًا يصدقني} فقد مضى الكلام عليه لورش، أنه أجراه مجرى ما هو من كلمتين في إلقاء الحركة، وفعل قالون ذلك ليجمع بين اللغتين، فأما {عادًا الأولى} في {والنجم} فإنه لما أراد إدغام التنوين في اللام لم يمكن أن يدغمه في ساكن؛ إذ لا يُدغم حرف أبدًا إلا في متحرك، فألقى عليه حركة الهمزة، ليتأتى له الإدغام في متحرك، واعتد بالحركة على ما ذكرنا من مذاهب العرب، فأما إتيان قالون بهمزة ساكنة بعد اللام، فإنه لما أدغم التنوين في اللام صارت الحركة لازمة غير عارضة، فسقط المد في قراءة ورش لأن المد إنما كان يكون في هذا ونظيره، إذا كانت الحركة عارضة، والهمزة
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/91]
مقدرة، فمد لتقدير لفظ الهمزة، فلما لم يقدر الهمزة، لاعتداده بالحركة في اللام في هذا الوضع، أسقط المد، ولما تحركت اللام بحركة لازمة، معتد بها، لأجل الإدغام فيهان رد قالون الواو، التي بعد اللام، إلى أصلها، وهو الهمز، وذلك أن أصل «أولى» «وولى» مشتق من «وأل» إذا لجأ، فلما انضمت الواو أبدل منها همزة، كما فعل في «وجوه، ووقتت» فاجتمع همزتان، الثانية ساكنة، فخففت الثانية فأبدل منها واو لانضمام ما قبلها، فصارت «أولى»، فلما ألقى حركة الهمزة المضمومة على اللام، ووقع الإدغام، اعتد بالحركة، فلم يتغير رجوع المضمومة، فسقط المد لورش، ورجعت الواو إلى أصلها، فلم يتغير رجوع المضمومة، فسقط المد لورش، ورجعت الواو إلى أصلها، وهو الهمز في قراءة قالون، وقد تقدم من هذا جملة في باب المد، وقراءة نافع وأبي عمرو في {عادًا الأولى} في {والنجم} ضعيفة عند النحويين حتى إن بعضهم عدها من اللحن، وعلتهم في ذلك أنهم أدغموا التنوين في حرف ساكن، والساكن لا يدغم فيه، لأن المدغم لا يكون إلا ساكنًا، فامتنع أن يكون المدغم فيه ساكنًا أيضًا، وحركة الهمزة، التي على اللام، لا يعتدون بها؛ لأنها عارضة، فاللام في حكم الساكنة، والساكن لا يُدغم فيه، فلهذا أنكروا قراءة نافع في ذلك، وقد وافقه على ذلك أبو عمرو، ووجه ذلك ما قدمنا من أن الحركة العارضة، قد يُعتد بها في قولهم: «سل، ولحمر» وشبهه.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/92]
وقد بينا ذلك، وسنزيده بيانًا في موضعه إن شاء الله.
6- فإن قيل: فما الاختيار في باب نقل الحركة؟
فالجواب أن الاختيار الهمز وترك الحركة، لأنه هو الأصل، ولأن القراء أجمعوا على ذلك، ولأن نافعا، عند جميع الرواة عنه، لا ينقل الحركة، إنما رواها عنه ورش وحده، ولأن الهمز لازم في الابتداء فإجراؤه الوصل على الوقف أحسن من مخالفته، ولأن الهمز في جميعه، في تقدير الابتداء به؛ لأنه في أول كلمة، والابتداء لا يجوز فيه التخفيف، فأجرى الوصل على ذلك.
7- فإن قيل: فما تقول في هاء السكت في قوله تعالى: {كتابيه، إني} «الحاقة 19، 20»، هل تنقل إليها حركة الهمزة لورش؟
فالجواب أن المتعقبين اختلفوا في ذلك، فمنهم من يُلقي حركة الهمزة على الهاء، وعلته في ذلك أنه أجراه مجرى كل ساكن، يقع قبل الهمزة، غير حروف المد واللين، فألقى على الهاء الحركة لسكونها، كما يفعل كل ساكن أتى بعده همزة، غير حروف المد واللين، ومنهم من لا يلقي على الهاء الحركة؛ لأن الوقف على الهاء لازم، ولذلك جيء بها، فإذا كان الوقف على الهاء هو الأصل، فهي غير متصلة بالهمزة، والهمزة مبتدأ بها، فلا يحسن في هذا التقدير إلقاء الحركة، لأن الحركة إنما تلقى على ساكن متصل لفظه بالهمزة، وهذه ليس لفظها متصلًا بالهمزة لأن حكمها وأصلها الوقف عليها، لأنه إنما جيء بها زائدة ليتبين بها حركة ياء بالإضافة في الوقف، ومن ألقى عليها الحركة فقد وصلها بما بعدها، وترك
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/93]
الوقف الذي من أجله جيء بها، ولولا الحاجة إليها في الوقف عليها لتظهر حركة الياء بها ما احتيج إليها، فهي حرف زائد للوقف، فمن ألقى عليها الحركة فقد جعلها كالأصل، وأثبتها في الوصل، وترك إلقاء الحركة عليها هو الاختيار فيها، وعلى هذا الاختلاف اختلف في إدغام الهاء في الهاء، التي بعدها، في قوله: {ماليه هلك} «الحاقة 28، 29» والوجه والاختيار إظهارها لأن «الأولى» موقوف عليها في اللفظ والنية، وللوقوف جيء بها، فالثانية منفصلة منها، والإدغام لا يكون إلا مع اتصال الحرفين، وملاصقة الأولى للثاني، فإذا كان الأول منفصلًا من الثاني، بالوقف عليه لم يكن سبيل للإدغام ألبتة، فأما من وصل الهاء في الموضعين بما بعدها، فقد غلط في ذلك، وأتى بغير الاختيار، ولكن الصواب أن يوقف على الأول أبدًا، وإن نوى الواقف عليها الوقف، وهو واصل فهو أقرب للصواب، وقد قال المبرد وغيره إن من أثبت هذه الهاء، وشبهها من هاء الوقف التي للسكت التي جيء بها لبيان حركة ما قبلها في وصله فقد لحن، وروي عنه أو عن بعض النحويين أنه صلى خلف إمام الصبح فقرأ الإمام «الحاقة» ووصل الهاءات اللواتي للسكت فيها بما بعدها، فقطع الصلاة، ورأى ذلك من أعظم اللحن، فالوقف على هاتين الهاءين هو وجه الصواب، والاختيار وإذا كان الوقف هو الصواب فلا سبيل إلى إلقاء حركة الهمزة، ولا إلى الإدغام، لأن الهمزة تصير مبتدأ بها، وكذلك الهاء). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/94]

جمهرة علوم القرآن 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م 12:59 PM

باب علة الاختلاف في الوقف على الهمز
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (باب علة الاختلاف في الوقف على الهمز
1- تفرد حمزة بتخفيف كل همزة متوسطة أو متطرفة، إذا وقف خاصة، ووافقه هشام على تخفيف المتطرفة خاصة، وحقق ذلك سائر القراء غيرهما في الوقف كالوصل فإن كانت الهمزة بعد حرف زائد، لا يغير الكلام حذفه، لم يخفف نحو: «فإن، ولأن، وفبأي، والآخرة» وشبهه.
وحجة من خفف الهمزة هو ما ذكرنا متقدمًا من ثقل الهمزة وجلادتها وبعد مخرجها، وتصرف العرب في تغيير لفظها، فخففها طلبًا للتخفيف فيها، لصعوبة التكلف في تحقيقها.
2- فإن قيل: فلم خص الوقف بالتخفيف للهمزة دون الوصل؟
فالجواب أن القارئ لا يقف إلا وقد وهنت قوة لفظه وصوته، فيما قرأ قبل وقفه، والهمزة حرف صعب اللفظ به، فلما كان الوقف، يضعف فيه صوت القارئ بغير همز، كان فيما فيه همزة أضعف، فخفف الهمزة في الوقف للحاجة إلى التسهيل والتخفيف على القارئ، مع ما أنها لغة للعرب، ومع نقله ذلك عن أئمته، فأما الوصل فإن قوة القارئ في لفظه وجمام قوته في ابتدائه تكفي
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/95]
عن تخفيف الهمزة، وإذ قد استولى عليها القارئ، وعلى اللفظ بها محققة لجمام قوته ووصله لكلامه.
3- فإن قيل: فلم لم يخفف الهمزة مع الزوائد؛ لأنها في اللفظ بعد حرف أو حرفين كالمتوسطة؟
فالجواب أن الهمزة مع الزوائد قبلها، اللواتي لا يتغير الكلام بحذفهن، كالمبتدأ بها، فالهمزة المبتدأ بها لا يجوز تخفيفها، فأجراها مع الزوائد مجراها في الابتداء بها، فلم يخففها، وقد روي تخفيفها مع الزوائد لأنها في اللفظ كالمتوسطة، وعلة من فعل ذلك أنه عامل اللفظ عملًا واحد، فخفف كل ما كان في اللفظ متوسطًا بزوائد أو بغير زوائد، وبالأول قرأت، وهو الاختيار، للعلل التي ذكرنا، وقد روي عنه أيضًا أنه يخفف الهمزة في الوصل، وهي منفصلة مما قبلها، إذا اتصلت بكلام قبلها نحو: {يا صالح ائتنا} « الأعراف 77»، يبدل من الهمزة واوا لانضمام الحاء قبلها وبالتحقيق قرأت في ذلك، وبه آخذ، لأن الهمزة منفصلة مما قبلها، والوصل عارض، وإلا سبيل إلى تخفيف الهمزة المنفصلة مما قبلها على قياسه، وهو جائز في العربية، وكذلك قياس كل همزة مبتدأ بها.
4- والعلة في ذلك أن الهمزة المبتدأ بها، لو خففت لم يكن بد أن تخفف بين بين، أو على البدل، أو بإلقاء الحركة، فلا سبيل إلى جعلها بين بين، وهي مبتدأ بها؛ لأن همزة بين بين معناها بين الهمزة المتحركة وبين
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/96]
الحرف الساكن، الذي هو من حركتها، فهي تقرب من الساكن، ولا يبتدأ بساكن، ولا بما يقرب من الساكن، لأن الساكن يحتاج إلى حركة يوصل بها إلى اللفظ بالساكن أبدًا، فكنت تحتاج أن تجعلها بين بين، وتجتلب لها حرفًا متحركًا، تصل به إلى النطق بها، وذلك تغيير وتكلف وخروج عن لغة العرب، فليس هذا في لغتهم، ولا سبيل فيها، وهي مبتدأ بها، إلى تخفيفها بالبدل، لأن التخفيف بالبدل في غيره، إنما يجري على حكم حركة ما قبل الهمزة، وهذه الهمزة ليس قبلها شيء لازم لها، ولا سبيل إلى إلقاء حركتها؛ إذ ليس قبلها شيء تُلقى عليه حركتها، فقد امتنع الابتداء بهمزة مخففة في أي وجوه التخفيف كان تخفيفها، فوجب أن يُبعد تخفيف الهمزة المبتدأ بها، وإن اتصلت بما قبلها من المتحركات، وعلى تركه العمل، وبه نأخذ، فأما علة ما أقرأني به الشيخ أبو الطيب، رحمه الله لهشام من تحقيق الهمزة المتطرفة، إذا كان سكونها علمًا للجزم، فإنها لما تغيرت الهمزة مرة إلى السكون كره تغييرها مرة أخرى إلى التخفيف، على ما تقدم من قولنا من العلة لأبي عمرو، في تخفيفه ما سكونه علم للجزم، إذا أدرج القراءة، أو قرأ في الصلاة، مع تخفيفه لكل همزة ساكنة، وعلى ما قدمنا من الاختيار في تحقيق الهمزة لأبي عمرو في «بارئكم» إذا أسكنها وقرأ في الصلاة أو أدرج القراءة، فعلة ذلك كله واحدة، وهي أنه كره تغييره مرة أخرى بعد تغييره السكون قبل ذلك، ولهذا روي عن ابن مجاهد أنه
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/97]
كان يختار التحقيق في الوقف لحمزة فيما سكونه علم للجزم، والمشهور عن حمزة في ذلك التخفيف في الوقف، وإن سكنت للجزم، أعني المتطرفة، والمشهور عن هشام تخفيف الهمزة المتطرفة في الوقف، سكنت للجزم أو لم تسكن، وقد قرأت لهشام خاصة بترك التخفيف في هذا النوع رواية.
5- والعلة في تخصيص هشام لتخفيف المتطرفة خاصة أن المتطرفة هي في آخر لفظ القارئ، وعندها تقع الاستراحة والسكت، وإليها تنتهي قوة اللافظ، وعندها ينقطع نفس القارئ، فخصها بالتخفيف لصعوبة اللفظ بها محققة، عند زوال قوة القارئ، وكان التخفيف عليه أيسر في وقفه.
6- وحجة من حقق الهمزة في الوقف في جميع ذلك، من المتوسطة والمتطرفة، أنه أتى بالهمزة على أصل الكلام، وأنه وافق بين الوصل والوقف، وأنه إجماع من القراء غير حمزة، وأن التخفيف يحتاج إلى معاناة شديدة وكلفة عظيمة من جهتين: إحداهما إحكام اللفظ بالهمزة المخففة بين بين، والأخرى معرفة ما يخفف بين بين، وما يُبدل ويدغم فيه ما قبله، وما يُبدل ولا يدغم فيه شيء، وما قبله زائد أو أصلي، وما تُلقى حركته على ما قبله، وذلك أمر لا يحكمه إل من تناهى في علم العربية، وتمرَّن في إحكام الفظ بذلك، ودرب في اللفظ بالهمزة المخففة، وهذا الصنف في طلبة القراءات قليل معدوم جدًا، وأيضًا فربما أدى التخفيف إلى مخالفة خط المصحف، وذلك غير مستقيم ولا مختار فما عليه
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/98]
سائر القراء والعرب في تحقيق الهمزة، في الوقف كالوصل، أولى وأحسن، وهو الاختيار لما قدمنا.
7- قال أبو محمد: فإن سأل سائل عن وقف حمزة على «أئذا، وأؤلقي، وأأنذرتهم، وأفأمن، وأفأنت، وها أنتم، وهاؤم» وشبهه، أيخفف الهمزة في هذا كله وشبهه أم يحقق؟
فالجواب أن هذه الزوائد إذا قدرت حذفها تغير معنى الكلام بحذفها، فهي كالمتوسطة، فتخفيفها أحسن في قراءة حمزة في الوقف على أصله في المتوسطة، وقد أخذ قوم له في ذلك بالتحقيق في الوقف.
8- والعلة في ذلك لهم أن الزوائد، إذا حذفت بقي كلام مفهوم مستعمل، فالهمزة فيه في تقدير الأولى التي لا تخفف، وإنما يُخفف من الهمز مع الزوائد التي، إذا حذفت لم يبق كلام مفهوم ولا مستعمل، فيكون حينئذٍ كالمتوسطة، فيخفف نحو: «يؤمنون، والمؤلفة» وشبهه، ويلزم من خفف هذا النوع في الوقف أن يخفف مع لام التعريف كـ «الأرض، والآخرة» في الوقف لحمزة، لأنها إذا حذفت تغير الاسم عن التعريف إلى التنكير، ولا يلزم ذلك من حقق لأنه يقول: إذا حذفت اللام بقي كلام مفهوم مستعمل، فالهمزة كالمبتدأ. وكلا القولين له قياس حسن، والهمز في ذلك في الوقف لحمزة أحب إلي؛ لأنه الأصل؛ ولأن الهمزة كالمبتدأ بها، والتخفيف أيضًا لا يمنع.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/99]
وقد روى خلف عن حمزة أنه خفف في الوقف الهمزة الثانية من {أئن ذكرتم}، فهو أيضًا قياس حسن، فأما {ها أنتم} على قراءة حمزة، بالهمز والمد فيه، فالوقف بالتحقيق، وعليه العمل؛ لأنها ها التي للتنبيه، دخلت على «أنتم»، فهما كلمتان، ومثله «يا أيها» لأنها يا دخلت على «أي» فهي كلمتان، ولذلك ترك مده البزي، كما يترك مد {ما أتى الذين} وشبهه، ومثله «هؤلاء» لا يخففه لحمزة، أعني الهمزة الأولى، ولا يمده، لمن اعتبر المد، لأنها هاء دخلت على «أولاء»، ولا يحسن أن يقدره في قراءة حمزة ومن تابعه على المد والهمز فيه، أن الهاء بدل من همزة؛ لأنه يصير قد أدخل بين الهمزتين ألفًا، مع بدل الأولى هاء، وليس هذا من أصولهم مع التحقيق، فكيف مع البدل والتخفيف، وسنذكر ما فيها من العلل في موضعه.
9- فأما «هاؤم» فبالتخفيف تقف لحمزة؛ لأنها ليست بـ «ها» التي للتنبيه، دخلت على «أم»؛ لأن «أم» مخففًا بضم الهمزة، كلام غير مستعمل، وإنما «هاء» اسم للفعل معناه «خذ، وتناول»، تقول للواحد: هاء يا رجل، أي: خذ، وللاثنين هاؤما، فتزيد ميمًا وألفًا، وكما تزيد ذلك في «أنتما»، وتقول للجميع: هاؤمو، أي: خذوا، فتزيد ميمًا وواوًا، كما تزيد ذلك في «أنتمو» فالهمزة متوسطة من نفس الكلمة، فتخفيفها
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/100]
لحمزة في الوقف واجب، على أصله في المتوسطة، ولو كانت «ها» التي للتنبيه لم تنفرد في قولك: هاء يا رجل، ولم يكن معها همزة، فأصلها في القرآن «هاؤمق» كتب على لفظ الوصل؛ إذ قد حذفت الواو لسكونها وسكون القاف، ولا يحسن الوقف عليه؛ لأنك إن وقفت على الأصل بالواو خالفت الخط، وإن وقفت بغير واو خالفت الأصل، ولهذا في خط المصحف نظائر كثيرة، قد حذف منها حرف المد واللين لالتقاء الساكنين، وكتب على لفظ الوصل بالحذف، فهذا قياس الوقف عليها، وفي «هاء» مع الواحد والتثنية والجمع لغتان، غير ما ذكرنا، احداهما: سكون الهمزة في الواحد فتقول: هاء يا رجل، أي: خذ، وفي الاثنين: «هاءا» فتزيد ألفا، كما تقول: قوما وخذا، فتزيد ألفًا في التثنية، وفي الجمعة: «هاءوا» فتزيد واوًا، كما تزيدها في: قوموا وخذوا، والأخرى أن يأتي بالهمزة مكسورة في الواحد فتقول: «هاء يا رجل»، وفي الاثنين: «هائيا»، وفي الجمع «هاءوا» كالذي قبله). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/101]

جمهرة علوم القرآن 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م 01:01 PM

تخفيف الهمز وأحكامه وعلله
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (تخفيف الهمز وأحكامه وعلله
1- قد قدمنا علة امتناع تخفيف الهمزة التي تكون أول الكلام، فأما المتوسطة فتخفيفها جائز حسن، على ما نذكره من الأصول، لمن روي عنه ذلك، وهو حمزة.
فنبدأ بالمتوسطة، اعلم أن الهمزة المتوسطة تكون ساكنة ومفتوحة ومضمومة ومكسورة، فأما الساكنة فهي تجري على ما قبلها، فما قبلها من الحركة يدبرها؛ لأنها لما كانت ساكنة ضعفت، فلم تدبر نفسها؛ إذ لا حركة فيها، ولا قوة، فدبرها أقرب الحركات منها، وهي الحركة التي قبلها، فإذا انفتح ما قبلها أبدلت ألفًا؛ لأن الفتحة من الألف، والألف من إشباع الفتحة تحدث، وكانت الألف أولى بالبدل؛ لأنها أخت الهمزة في المخرج، ولأن الألف، إذا احتيج إلى حركتها في بعض اللغات أبدل منها همزة، وإذا انضم ما قبلها أبدل منها واو ساكنة، لأن الضمة من الواو، والواو من إشباع الضمة تحدث، ولأن الواو تبدل منها الهمزة، إذا انضمت أو تطرفت بعد ألف زائدة، نحو: «دعاء» وأصله «دعاو»، ونحو «وجوه»، فجعلت هي أيضًا في التخفيف للهمزة عوضًا من الهمزة، وذلك نحو: «تؤمن، وتؤتي»، وإذا انكسر ما قبلها أبدل منها ياء
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/102]
ساكنة كالهمزة، لأن الكسرة من الياء، والياء تحدث من إشباع الكسرة، ولأن الياء تبدل منها همزة، إذا تطرفت بعد ألف زائدة نحو «سقاء» أصله «سقاي» فجعلت هي في التخفيف للهمزة عوضًا من الهمزة، وذلك نحو: «بئس، وبئر»، فهذا حكم الساكنة في التخفيف وعلتها.
2- فصل: فأما حكم تخفيف المفتوحة فإنها، إذا انفتح ما قبلها، أو كان ألفًا وخففت، جعلت بين الهمزة المفتوحة وبين الألف في «رأى، وجاء».
وعلة ذلك أنها لما لم يكن قبلها ساكن، تُلقى حركتها عليه، ولم يحسن فيها البدل كالساكنة، لقوتها في الحركة فكان تدبيرها بحركتها أولى من تدبيرها بحركة ما قبلها؛ لأنها لو جرت على البدل جرت على حكم حركة ما قبلها، فكانت حركتها أولى بها، وحركتها الفتح، فلو أبدلت منها ألف على حكم حركتها لم تكن الألف إلا متحركة بمثل حركة الهمزة، فتعود همزة كما كانت، لأن الحرف الذي يجري على البدل، يجري على حركة الهمزة مع البدل أو سكونها، ألا ترى أن المفتوحة إذا انضم ما قبلها أو انكسر، جرت على البدل، فأبدل منها حرف من جنس ما قبلها، ويكون ذلك الحرف متحركًا بمثل حركة الهمزة، وأن الساكنة تجري في البدل على سكون الهمزة؟ فالهمزة، التي تجري على البدل، لها حكمها وأصلها في الحركة أو السكون، فلو جرت المفتوحة، التي قبلها فتحة أو ألف، على البدل لأبدل منها حرف، تكون حركته كحركة الهمزة، وذلك
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/103]
يؤول إلى رجوع لفظ الهمزة؛ لأن الألف لا تتحرك عند الضرورة إلا بأن تبدل منها همزة، فامتنع في الهمزة المفتوحة التي قبلها فتحة أو ألف إلقاء حركتها على ما قبلها؛ لأنه متحرك، أو لأنه ألف، والألف لا تُلقى عليها الحركة، لأنها تصير همزة، ويعود الأمر مع التخفيف إلى تغيير وحدوث همزة تحتاج أيضًا إلى تخفيفها، فيصير التخفيف للهمزة يحدث الهمز، وليس هذا من كلامهم، فلم يكن بد من جعل الهمزة المفتوحة، التي قبلها فتحة أو ألف، بين بين في التخفيف، وكان جعلها بين الهمزة المفتوحة، والألف أولى؛ لأن حركتها الفتح، والفتح من الألف، والألف تحدث من إشباع الفتحة، فكانت حركتها أولى، والحرف الذي من حركتها أولى بها.
3- فصل: فأما المفتوحة، إذا انضم ما قبلها أو انكسر، فإنها تبدل منها مع الضم واو مفتوحة، مفتوحة، نحو: «يواخذ»، ومع الكسر ياء مفتوحة، نحو: «مير» جمع «مئرة»، وعلة ذلك أنها لما لم يمكن إلقاء حركتها على ما قبلها، إذ هو متحرك، ولا تُلقى حركة على حركة، ولم يمكن فيها أن تُجعل بين بين، لأنها لو جعلت بين بين لجعلت بين الهمزة والألف، والألف لا يكون قبلها ضم ولا كسر، فامتنع ذلك أيضًا فيها، ولو جُعلت بين الهمزة المفتوحة والواو لكانت بين الهمزة وبين حرف، ليس هو من حركتها، وكذلك الياء، وأيضًا فإن التي قبلها ضمة، لو جعلت بين الهمزة والياء الساكنة، لم يتمكن ذلك، إذ ليس في كلام العرب ياء ساكنة قبلها ضمة، ولو جعلت التي قبلها كسرة، بين الهمزة والواو الساكنة، لم يتمكن ذلك، إذ ليس في كلام العرب واو ساكنة قبلها كسرة، فلم
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/104]
يكن بد فيها من البدل على حكم حركة ما قبلها، يبدل منها واو، مفتوحة، إذا انضم ما قبلها؛ لأن الواو من الضمة تتولد، وياء مفتوحة إذا انكسر ما قبلها، لأن الياء من الكسرة تتولد، وإنما فتحها على حكم فتحة الهمزة التي هما بدلان منها، والبدل أبدًا تجري حركته على مثل حركة ما أبدل منه.
4- فصل: فأما المكسورة والمضمومة، إذا تحرك ما قبلهما بأي حركة كانت، أو كان ألفًا، فإنهما يُجعلان في التخفيف بين بين، والمكسورة بين الهمزة والمكسورة والياء الساكنة، نحو: «سئم، وقائم، وسائل، وبإمام» وشبهه والمضمومة بين الهمزة المضمومة والواو الساكنة، نحو: «يؤوده، وجاؤوا، ولأمه، ويؤوس» وشبهه.
5- وعلة ذلك أنهما، لما لم يتمكن إلقاء حركتهما على ما قبلهما، لأنه متحرك أو ألف، وذلك ممتنع: إلقاء الحركة على الحركة أو على الألف، ولم يمكن بدلهما لقوتهما بحركتهما، على ما ذكرنا من العلة في منع البدل في المفتوحة، التي قبلها فتحة أو الف، فقسهما عليها، فالعلة واحدة، فلما امتنع إلقاء الحركة والبدل لم يبق إلا أن يجعلا بين بين، فجعلا بين الهمزة والحرف، الذي منه حركتهما، إذ هو يتولد عند إشباع حركتهما، وكان أولى بذلك لقربه منهما، ولأنه يُبدل من الحركة التي قبله، الواو من الضمة، والياء من الكسرة، ولم يتمكن أن يُجعلا بين الهمزة والألف، لاختلاف حركة ما قبلهما، والألف لا تتغير حركة ما قبلها، فجعلت المضمومة بين الهمزة والواو، لأن الواو أولى بها من الياء الألف
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/105]
لما قدمنا. وجعلت المكسورة بين الهمزة والياء؛ لأن الياء أولى بها من الواو والألف لما قدمنا، كما كانت الألف أولى بالهمزة المفتوحة، التي قبلها فتحة أو ألف، لأن الألف أولى بها، إذ هي منها، ومن إشباع حركة واحدة يتولد ذلك الحرف، ويتكون في اللفظ، وقد ذهب الأخفش إلى أن تخفيف المكسورة التي قبلها ضمة، بين الهمزة والواو.
وعلته في ذلك أنه لو جعلها بين الهمزة والياء الساكنة، كما يقول سيبويه، لصارت ياء ساكنة قبلها ضمة، وذلك لا يجوز. وسيبويه يقول إنها ليست بياء ساكنة محضة، إنما هي بين بين بزنتها متحركة، فكما تكون الضمة قبلها، وهي متحركة كذلك تكون قبلها، وهي بين بين، وهو الاختيار، وكذلك اختلفوا في المضمونة، التي قبلها كسرة، فالأخفش يجعلها بين الهمزة والياء، للكسرة التي قبلها، وسيبويه يجعلها بين الهمزة والواو لأنها بين الهمزة المضمومة والياء الساكنة مضمومة فحركتها أولى بها من حركة ما قبلها، والعلة في هذه كالعلة فيما قبلها، وذلك نحو: «سئل، ولأمه».
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/106]
6- فصل في الساكن يقع قبل الهمزة المتحركة.
فإن سكن ما قبل الهمزة المتحركة بأي حركة كانت فانظر إلى ذلك الساكن، فإن كان ألفًا جعلتها كلها بين بين، على ما ذكرنا وشرحناه، المفتوحة بين الهمزة المفتوحة والألف، والمضمومة بين الهمزة المضمومة والواو الساكنة، والمكسورة بين الهمزة المكسورة والياء الساكنة، وقد قدمنا الكلام في علته قبل هذا في علل المفتوحة، وإن كان الساكن الذي وقع قبل الهمزة المتحركة غير الألف فانظر، فإن كان واوًا أ ياء زائدتين للمد خاصة، لا لإلحاق بناء ببناء كالألف، فأبدل من الهمزة، التي قبلها واو زائدة، واو ساكنة، وأدغم احداهما في الأخرى، نحو قولك في: «قروء» «قرو»، وأبدل من الهمزة التي قبلها ياء زائدة ياء ساكنة، وأدغم احداهما ف الأخرى، نحو قولك في «هنيئًا» «هنيًا» وفي «خطيئة» «خطية»، ألا ترى أن «قروءًا» وزنه «فعول» الهمزة لام الفعل، والواو قبلها زائدة، ليست بلام ولا عين ولا فاء، وأن «هنيئًا» وزنه «فعيل»، الهمزة لام الفعل، والياء قبلها زائدة، ليست بلام ولا عين ولا فاء، ومثله «النسيء» لأنه «فعيل» فهما زائدتان، لم يدخلا لإلحاق بناء ببناء، فيكونا كالأصلين فافهمه.
7- وعلة ذلك أن الهمزة، لما كان قبلها حرف مد ولين زائد، زيد للمد لا للإلحاق، كالألف، وأردت تخفيفها، لم يمكن جعلها بين بين لعلتين:
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/107]
إحداهما أن همزة بين بين قريبة من الساكن، فكنت تجمع بين ساكنتين، وجاز ذلك في الألف للضرورة، إذ لم يمكن أن تبدل من الهمزة حرفًا، وتدغمه في الألف، لأن الألف لا تدغم، ولا يدغم فيها، لأن ذلك يوجب حركتها وإبدالها همزة، فتخرج عن لفظها وبنيتها، ويتغير الكلام، ولم يمكن إلقاء الحركة على الألف، لأنها تنقلب أيضًا همزة، ولأن الألف في نية حركة، ولا تلقى حركة على حركة، وامتنع ذلك أيضًا في الواو والياء الزائدتين للمد، لأنهما زيدا للمد كالألف، وهما أختا الألف في المد واللين وفي السكون، فلم يمكن إلقاء الحركة عليهما، ولا كون الهمزة بعدهما بين بين، فلم يبق إلا الحذف أو البدل، فبعد الحذف، لأنه إخلال بالكلمة، ولأنه لا يبقى ما يدل على المحذوف، فلم يبق إلا البدل، فأبدل من الهمزة حرف مثل الزائد الذي قبلها، وأدغم الأول في الثاني لاجتماع المثلين، والأول ساكن، ولكونهما في كلمة متلاصقين، وجاز في أختي الألف الإدغام، وهو لا يجوز في الألف، لأنهما قد يتحركان، وقد تتغير حركة ما قبلهما كسائر الحروف، ولأنهما في كلمة متصلتين لا يقدر فيهما الانفصال، فجاز فيهما ما يجوز في سائر الحروف عند اجتماع المثلين والأول ساكن، فالواو والياء أخذا بحظهما من مشابهتهما الألف، في امتناع إلقاء الحركة عليهما، كما امتنع ذلك في الألف، وأخذا بحظهما من مشابهتهما سائر الحروف، غير الألف، في جواز الحركة فيهما، وجواز تغير حركة ما قبلهما كسائر الحروف، فجاز أن يُدغما كسائر الحروف، وهذا أصل في كثير من الحروف، يكون فيه شبه من حرف وشبه من حرف آخر، فيحكم له مرة بشبهه أحدهما، ومرة بشبهه الآخر، وحكم ياء التصغير تقع قبل الهمزة، فتخفف الهمزة، حكم الزائد في الإبدال والإدغام؛ لأنها زائدة، زيدت لمعنى التصغير، كما زيدت ياء «خطية» لمعنى المد، لم يزادا ليلحقا بناء ببناء فيكونا كالأصول.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/108]
8- فصل: فإن كان الساكن، الذي وقع قبل الهمزة المتحركة، حرف لين أو حرف مد ولين غير زائدين، كان لك في الهمزة في التخفيف وجهان: أحدهما، وهو الأحسن، أن تلقي عليه حركة الهمزة، والثاني أن تبدل مع الواو واوا، وتدغم في الثاني، ومع الياء ياء، وتدغم الأول في الثاني، وذلك نحو: «سيئت، وسوء» إن شئت قلت: «سيت، وسو» في التخفيف، وهو الأحسن، تلقي حركة الهمزة على الساكن قبلها وتحذفها، وإن شئت قلت: «سيت، وسو» تبدل وتدغم، وكذلك في حرفي اللين نحو: «سوءة، وكهيئة» لك إلقاء الحركة، وهو الأحسن، ولك الإبدال والإدغام على التشبيه بالزائدة، والإبدال والإدغام في هذا أضعف منه في حرب المد واللين الأصلي المذكور قبله، لأن حرفي اللين أبعد مشابهة للحروف الزائدة من حرفي المد واللين الأصليين، فحرفا اللين أقرب إلى مشابهة سائر الحروف، غير حرف المد واللين، فحملهما على حكم سائر الحروف، في إلقاء الحركة عليهما، أحسن وأقوى من الإبدال والإدغام.
9- وعلة ذلك أن الواو والياء، لما خرجا عن تمكن شبه الألف، بكونهما غير زائدين، أشبها سائر الحروف غير الألف، فجاز فيهما أن تُلقى
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/109]
حركة الهمزة عليهما، كما يفعل ذلك في سائر الحروف غير الألف، وهو الاختيار، فأما الوجه الثاني فإنه لما بقيت في الواو والياء الأصليتين مشابهة بالواو والياء الزائدتين، في أنهما ساكنان كالزائدتين، وأن حركة ما قبلهما منهما كالزائدتين، وأنهما يمدان كالزائدتين، كان معهما الإبدال والإدغام، على التشبيه بالزائدتين، وحكم الياء، التي دخلت ليلحق بناء ببناء، حكم الأصلي، إن وقعت قبل الهمزة لأنها إنما دخلت لتقوم مقام الأصلي، في لحق بناء ببناء، وذلك نحو: «جيأل» وهو الضبع، هو ملحق ببناء جعفر، فلو حذفت الهمزة جاز إلقاء الحركة، والإبدال والإدغام، ومنه قراءة أبي بكر عن عاصم {بعذاب بئيس} «الأعراف 165» هو «فعيل» ملحق بـ «جعفر».
10- فصل: فإن كان الساكن، الذي قبل الهمزة، ليس بحرف مد ولين، ولا بحرف لين، ألقيت عليه حكة الهمزة في التخفيف، ولا يجوز غير ذلك، نحو: «المسألة، والمشأمة، والقرآن» وشبهه، تقول في التخفيف: «المسلة، والمشمة، والقران» فتلقي حركة الهمزة على الساكن قبلها، وتحذفها استخفافًا، وقيل: تحذفها لسكونها وسكون ما قبلها؛ لأن الحركة عليها عارضة. والأول أحسن.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/110]
11- وعلة هذا الفصل أن الهمزة لما وقع قبلها ساكن، غير حرف مد ولين، ولا حرف لين، لم يمكن جعلها بين بين، لأن همزة بين بين لا تقع بعد ساكن غير الألف، لئلا يجتمع ما هو قريب من الساكن، ولم يمكن بدلها، إذ ليس قبلها حركة تدبرها، وتبدل على حكمها، إذ البدل في الهمز إنما يجري على حكم حركة ما قبله، ولا حركة قبل هذه، فلم يبق إلا إلقاء حركتها على ما قبلها، فعليه العمل في هذا، وأيضًا فلو أبدلت من الهمزة حرفًا، حملا على البدل مع حرف المد واللين الزائد، لأبدلته من جنس ما قبله، فكنت تبدل من الهمزة في «المشمة» شينا، وفي «المسلة» سينا، وهذا تغيير للكلام وإحالته، فامتنع ذلك، ولم يكن بد من إلقاء الحركة.
12- فصل في الهمزة المتطرفة:
قال أبو محمد: قد كنا ألفنا كتابًا مفردًا في تخفيف الهمزة المتطرفة لحمزة وهشام، وعللناه وبسطناه بأمثلة ظاهرة، ومثل ذلك أيضًا قد بيناه في الكتاب الذي هذا شرحه، وعللناه، فأغنانا ذلك عن أن يطول الكلام فيه، في هذا الكتاب، لكنا نذكر فيه جملًا، نتذكر بها ما في الكتابين المتقدمين.
13- اعلم أن الهمزة المتطرفة تجري في التخفيف على ما قدمنا من الأصول في المتوسطة، غير أنها لا تكون بين بين إلا في حال الروم للحركة، والمتوسطة تكون بين بين في حال حركتها الكاملة، فإن وقفت بالسكون أو الإشمام جرت على البدل، ودبرها حركة ما قبلها كالساكنة، فإن كان قبلها ألف وأبدلت منها ألفا حذفت إحدى الألفين لالتقاء الساكنين، نحو: «أولياء،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/111]
وشاء، وأنبياء» تبدل في الوقف من الهمزة ألفًا، لانفتاح ما قبلها، لأنها تسكن، إذ لا يستعمل الروم في المنصوب عند القراء، فيجتمع ألفان، فتحذف إحداهما لالتقاء الساكنين، فإذا قدرت أن الألف الأولى هي المحذوفة، وهو الأصل، وقفت بغير مد، لأن التي كان المد فيها قد حذفت، ولما وقفت على الألف عوضًا من الهمزة، لم يكن فيها مد قط، وإن قدرت أن الألف الثانية التي هي بدل من الهمزة، هي المحذوفة، وقفت بالمد؛ لأن التي كان فيها المد لم تحذف، فبقيت ممدودة على أصلها؛ لأن حذف الهمزة وتخفيفها عارض، فمددت على الأصل، ولا يحسن الإشمام بعد البدل، وإذا كان قبل الهمزة المتطرفة ساكن غير الألف جرت على الأصول التي ذكرنا في المتوسطة التي قبلها ساكن غير الألف، فإن كانت المتطرفة قبلها حركة، فانظر فإن كانت تلك الحركة بمنزلة حركتها، وقفت على الهمزة بالسكون، وأبدلت منها حرفا من جنس الحركة التي قبلها، نحو «امرؤ وذرأ، ولؤلؤ «المرفوع»، وشاطئ، ولكل امرئ» تبدل مع الفتحة ألفا، ومع الضمة واوا، ومع الكسرة ياء.
14- وعلة ذلك أن هذه الهمزة، لما أردت تخفيفها في الوقف، لم يمكن أن تجعلها بين بين؛ لأن همزة بين بين متحركة في الوزن والأصل، ولا يوقف على متحرك، ولم يمكن أن تُلقى حركتها على ما قبلها؛ لأنه متحرك، ولم يمكن
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/112]
أن تبدل بحرف غيرها؛ لأنها متحركة، وما قبلها متحرك بمثل حركتها، فلم يكن بد من الوقف عليها بالسكون؛ إذ هو أصل الوقف، فلما وقفت عليها بالسكون، ومن شأن حمزة وهشام فيهما التخفيف، جرت على البدل مجرى الساكنة، وحسن ذلك لموافقة الخط للفظ، فمن شاء حمزة أن يتبع الخط في وقفه، فلا تقف على المتطرفة أبدًا إلا وقفا، لا يخالف فيه لفظك خط المصحف، فعلى هذا الأصل فابن في المتطرفة أبدًا، على أن من القراء من يجري هذا الأصل الذي ذكرت لك في الوقف على بين بين في المتوسطة على ما قدمنا، لكن لا تكون بين بين إلا في حال روم حركة الهمزة، لا في حال حركتها، لئلا تقف على متحرك، وهو أيضًا وجه حسن، موافق للخط، وهو الأصل في تخفيف المتحركة، التي قبلها حركة مثل حركتها.
15- فصل: فإن كانت حركة، ما قبل المتطرفة، مخالفة لحركتها أجريتها على السكون في الوقف، ثم أبدلتها على حكم حركة ما قبلها، نحو: «قرئ، واستهزئ»، وقوي ذلك لموافقة الخط اللفظ، ولأن المنصوب لا يستعمل فيه القراء الروم، فإن انفتح ما قبلها، أو انضمت أو انكسرت، فالإسكان والبدل فيها جائز، وبين بين على روم الحركة فيها جائز، غير أنك تنظر ما يوافق الخط من هذين الوجهين فتؤثره على الآخر، فتقف على: «تفتؤ، ومن نبأ المرسلين» بين بين في حال روم حركة الهمزة؛ لأنك توافق الخط، إذ فيه واو، في «تفتؤ»
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/113]
وياء في «نبأ» ولو وقفت على هذه بالإسكان والبدل لخالفت الخط، لأنك كنت تبدل من الهمزة ألفًا، لسكونها وانفتاح ما قبلها، فتخالف الخط، وتقف على: «يبدئ، وما أبرئ» بالإسكان ثم تبدل من الهمزة ياء، لانكسار ما قبلها، فتوافق أحد وجهي القياس، ويوافق لفظك خط المصحف، ولا يحسن في جميع ذلك، في الحرف الذي أبدلته من الهمزة، إشمام، ولا روم، لأنه لم تكن عليه حركة، ولأنه غير الهمزة التي كان عليها الإعراب، قياسًا على الوقف المجمع عليه بالسكون في: «رحمة، ونعمة» وشبهه، ولو وقفت على «يبدئ، وأبرئ» بين بين لجعلته بين الهمزة والواو؛ لأن الهمزة مضمومة، وفي ذلك مخالفة للخط، إذ الخط إنما فيه، فيهما، ياء، فرجعت إلى تخفيف، يؤدي إلى خط المصحف، وهو الوقف على السكون، ثم البدل للتخفيف، إلا على مذهب الأخفش فإنه يقول بجعل الهمزة في التخفيف في «يبدئ، وأبرئ» بين الهمزة والياء في حال الروم، فيوافق قوله الخط، وكونها بين الهمزة والواو قول سيبويه، إلا أنه مخالف للخط فيرجع إلى البدل في الوقف على السكون ليوافق الخط. فالوقف على السكون، في أكثر هذا الباب، ثم البدل أسلم وأقرب لموافقة الخط، فإن كان بين بين يوافق الخط وقفت على ذلك في حال الروم خاصة، نحو: «تفتؤ، ويتفيؤ» ولا تقف على السكون،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/114]
فيجب أن تبدل من الهمزة ألفًا، فتخالف الخط، فإذا كان البدل يخالف الخط رجعت إلى بين بين، وإذا كان بين بين يخالف الخط رجعت إلى البدل، فاضبط هذا الأصل.
16- قال أبو محمد: وقد ذكرنا بعد هذا الباب، في كتاب التبصرة، باب ما جرى في التسهيل على غير قياس، وعللناه، فأغنانا عن إعادته في هذا الكتاب. قال أبو محمد: ونذكر جملة مختصرة تحفظ في تخفيف الهمزة.
اعلم أن الهمزة في التخفيف لحمزة تجري على ثلاثة أوجه:
الأول: البدل، وذلك في الساكنة، وفي المفتوحة التي قبلها ضمة أو كسرة، وفي المتحركة التي قبلها حرف مد ولين زائد غير الألف، أو غير زائد، أو حرف لين، فهذا كله يجري على البدل، على ما قدمنا وأصلنا وعللنا.
الثاني: إلقاء الحركة، وذلك إن كان قبل الهمزة ساكن، غير ألف وغير حرف مد ولين زائد، فهذا تُلقى فيه حركة الهمزة على ما قبلها، فيتحرك ما قبلها بحركتها، أو تحذفها، على ما قدمنا وأصلنا وعللنا.
الثالث: بين بين وذلك في كل همزة متحركة، قبلها ألف أو حرف متحرك، إلا المفتوحة التي قبلها ضمة أو كسرة، فإنها تجري على البدل، فهذا أصل تسهيل الهمز كله مختصر أصله وعلله وبسطه، وتمثيله قد تقدم قبل هذا.
17- قال أبو محمد: والذي ذكرناه في «كتاب التبصرة» مما جرى في
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/115]
التسهيل على غير قياس، إنما ذكرناه ليعرف، ليس ليقرأ به كله، لشذوذه وخروجه عن القياس وعن الأصول، والصواب فيه أن يقرأ على الأصول، من ذلك «الموءودة» الصواب أن تقف لحمزة بإلقاء حركة الهمزة على الواو الساكنة التي قبل الهمزة، لأنها حرف لين أصلي، وتحذف الهمزة، ويجوز أن تبدل من الهمزة واوا، وتدغم الواو الأولى في الثانية، وهو قبيح لاجتماع الواوات والضمة، والذي ذكرنا في «الموءودة» عن ابن مجاهد لم يقرأ به، ولا عليه العمل، فأما ما ذكرنا من وقف حمزة على «هزوا، وكفوا» فعليه العمل، تبدل من الهمزة واوًا مفتوحة، كأنه خفف قبل إسكان الزاي والفاء، وكان حقه، على الأصول المتقدمة، أن يلقي حركة الهمزة على الزاي والفاء فيقول: «هزا، وكفا» فلم يفعل. وعلته في ذلك أن أصل الزاي والفاء الحركة، والسكون عارض، فلو ألقى عليهما الحركة كان قد ألقى حركة الهمزة على متحرك، فعامل الأصل فلم يلق الحركة، وأيضًا فإنه لو ألقى الحركة على ما قبلها لذهب لفظ الواو، وخالف السواد والخط، وأصله اتباع خط المصحف، فرجع إلى البدل، وتوهم ضمة الزاي والفاء، فلما توهم الضمة الأصلية على الزاي والفاء أبدل من الهمزة واوا مفتوحة لانضمام ما قبلها، وهو الأصل فيها، على ما قدمنا من الأصول والذي عليه العمل في قراءة قالون والبزي، في قوله تعالى في يوسف: {بالسوء إلا} أن تبدل من الهمزة واوا وتدغم
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/116]
الأولى فيها. وقد كان القياس إلقاء حركة الهمزة على الواو قبلها، لكنه لم يرو عنهما، وكان أبو الطيب يأخذ للبزي بأن يجعل الأولى كأنها بين بين، وهو على غير الأصول والقياس، لأن همزة بين بين لا تقع بعد ساكن، إلا بعد الألف خاصة، لتمكن الألف في المد واللين، وقرأت للبزي بالبدل، وهو أحسن، وقرأت له على مذهب الشيخ رواية تتبع لا قياس لها لما ذكرنا، والذي عليه العمل، فيما روي عن أبي عمرو أنه ينحو بالمفتوحة بعد المضمومة نحو الألف ويدبل منها واوًا مفتوحة، ولا وجه لأن يُنحى بها نحو الألف؛ لأن الألف لا يكون قبلها ضمة. وذلك نحو {السفهاء ألا} ومعنى هذه الرواية أنها على معنى أن يُنحى بها نحو فتحة الهمزة، فأما الهمزة المكسورة بعد المضمومة فقد ذكرنا أن مذهب الأخفش أن تُجعل بين الهمزة والواو، لانضمام ما قبلها، لأنه لو جعلها بين الهمزة والياء لصارت ياء ساكنة، قبلها ضمة، وذلك لا يكون. وذكرنا أن مذهب سيبويه أن يجعلها بين الهمزة والياء على أصلها، لأنها مكسورة، قبلها متحرك، ولا يلزم إتيان ياء ساكنة في هذا قبلها ضمة، لأنها ليست بياء ساكنة محضة، إنما هي همزة بين بين، بزنة المتحركة، والذي عليه العمل، في الثانية من المضمومتين والمكسورتين، أن تُجعل بين بين، على الأصول المتقدمة، والبدل فيها بعيد، وقد روي عن روش، وبه نأخذ له، وبين بين أحسن، وكذلك الذي عليه العمل في الهمزة المضمومة التي قبلها كسرة، في وقف حمزة، أن تُجعل بين
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/117]
الهمزة والواو، على حكم حركتها، وهو مذهب سيبويه نحو «يستهزئون» وبدلها بياء، ولا قياس له، وهو خارج عن الأصول، والرواية المشهورة، وروي عن الأخفش جوازه، وكذلك الذي عليه العمل في «موئلا» أن تُلقى الحركة على الواو لحمزة إذا وقف، ويجوز الإبدال والإدغام، وبدل الهمزة ياء، لا قياس له في ذلك، والذي عليه العمل في الوقف لحمزة على «رؤوف» أن تجعل الهمزة بين بين، بين الهمزة والواو الساكنة. فهو القياس، وعليه الأصول، ومثله «يؤوسا» أن تجعل الهمزة بين بين، بين الهمزة والواو الساكنة، فهو القياس وعليه الأصول، ومثله «يؤوسا» وقد ذكرنا من علة هذا الفصل جملًا في «كتاب التبصرة»، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الكتاب.

هذه مسائل من الوقف لحمزة يتدرب بها الطالب
قال أبو محمد: هذه المسائل جارية على الأصول المتقدمة غير خارجة عنها، لكنا ذكرناها ليعلم الطالب كيف يرد المسائل إلى الأصول المتقدمة، وليتدرب بمعرفتها.
إن قيل: كيف يقف حمزة وهشام على {ولؤلؤا} المخفوض؟
فالجواب أن الهمزة فيه متطرفة مكسورة، قبلها ضمة، فالأصل أن تُجعل بين الهمزة المرومة الحركة والياء الساكنة، وذلك ممتنع فيها، لأن الخط بالواو، فيجب أن يُرجع فيها إلى السكون ثم يبدل منها واوًا، لانضمام ما قبلها، ويخفف
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/118]
الأولى الساكنة لحمزة فيقول: «ولولو» بواوين ساكنتين، وإن كان القارئ ممن يرى قول الأخفش في المكسورة، التي قبلها ضمة، فله أن يجعلها بين الهمزة والواو، للضمة التي قبلها، فذلك قول، فيقف على المتطرفة في هذا بين الهمزة المرومة الحركة وبين الواو الساكنة، فيصح له موافقة الخط، والقياس على الأصول المتقدمة في أصل تخفيف الهمزة المتحركة التي قبلها متحرك، وقول سيبويه فيها أقيس وأولى، ولكنه يخالف الخط، فيجب أن يرجع إلى السكون ثم البدل.
2- فإن قيل: فكيف الوقف على «لؤلؤ» المرفوع؟
فالجواب أن تقف عليه لحمزة وهشام بهمزة بين الهمزة المرومة الحركة والواو، على الأصل المتقدم، لأنها مضمومة قبلها ضمة، فإن لم ترم الحركة وقفت لهما بالإسكان، ثم تبدل من الهمزة واوا لانضمام ما قبلها، فيصير لحمزة بواوين ساكنتين، بينهما لام كالأولى المخفوضة.
3- فإن قيل: كيف تقف لحمزة وهشام على: {ليسؤوا وجوهكم} «الإسراء 7»؟
فالجواب أنها همزة مفتوحة في قراءتهما، قبلها حرف مد ولين أصلي، ومن شأنهما أن لا يروما الحركة في الوقف على المنصوب رواية، وإلا فهو جائز، فإذا وقفت عليه لحمزة وهشام ألقيت حركة الهمزة على الساكن قبلها، ثم يجب إسكانه للوقف، فتقف على واو ساكنة، وتمتد لأن حذف الهمزة عارض، ولأن الواو التي كانت المدة فيها باقية ساكنة، لم تتغير ببدل ولا غيره، ويجوز أن تبدل من الهمزة واوا، وتدغم فيها الواو التي قبلها على الشبه بالزوائد،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/119]
فتقول «ليسو» فتقف على واو مشددة ساكنة ولا تمد، لأن الواو التي كانت ممدودة قد خالطتها حركة عند إدغامها فيما بعدها، ولا يقع المد في متحرك، ولأنه منصوب، والأول أحسن لقبح إدغام حرف مد ولين فيما بعده لاجتماع الواوات.
4- فإن قيل: كيف يقف حمزة على: {السوأى} «الروم 10»؟
فالجواب فيه كالجواب فيما قبله، يُلقي حركة الهمزة على الواو، ويحذف الهمزة؛ لأن الواو أصلية، فيقول: «السوى» ولا يمد هذا لتحرك الواو في اللفظ؛ لأن المد لا يقع في حرف متحرك، كانت حركته عارضة أو لازمة، ولك أن تبدل من الهمزة واوا تدغم فيها الواو، التي قبلها على التشبيه بالزائد، فتقول: «السو»، ولا تمد أيضًا لتحرك الواو التي كان المد فيها، والأول أحسن، فأما مد الألف فلا يلزمه، وإن كانت ممدودة في الوصل، لأن المد فيها إنما كان لأجل الهمزة التي بعدها، وهي همزة «أن»، فلما وقفت على الكلمة الأولى زال المد؛ لزوال الهمزة وانفصالها عن حروف المد واللين، على ما قدمنا في أبواب المد، فأما ورش فإنه يمد الألف للهمزة التي قبلها في الوقف.
5- فإن قيل: فكيف الوقف لحمزة وهشام على قوله تعالى: {ولا المسيء قليلًا} «غافر 58»؟
فالجواب أن تلقي حركة الهمزة على الياء؛ لأنها أصلية؛ إذ هي بدل من حرف أصلي، وهو الواو، ثم تسكن الياء للوقف، وإن شئت رمت الحركة أو أشممت، وتمد الياء على ما كانت في الأصل، لأنها لم تتغير عن لفظ السكون، وحذف الهمزة عارض، لكن إذا رمت الحركة كان المد أقل، لما فيها من الحركة
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/120]
وإن شئت أبدلت من الهمزة ياء، وأدغمت فيها الياء الأولى فتقول: «المسي» ولك الروم والإشمام أيضًا، والأول أحسن، وإنما يمتنع الروم والإشمام إذا أبدت من الهمزة حرفًا من غير إدغام فيه، فحينئذٍ لا تروم ولا تشم، لأن الحرف المبدل من الهمزة لم تكن عليه حركة قط، وهو غير الهمزة قياسًا على الوقف على «رحمة، ونعمة».
6- فإن قيل: كيف يقف حمزة على «ملجأ» المنصوب، و«ملجإ» المخفوض، و«ملجأ» المفتوح غير منون؟
فالجواب أنك تقف له على المنصوب المنون بهمزة، بين الهمزة والألف، وبعد ذلك ألف عوض من التنوين: «ملجأا» وتقف على المخفوض بالسكون، وتبدل من الهمزة ألفًا فتقول: «ملجا» وتقف على المخفوض بالسكون، وتبدل من الهمزة ألفًا فتقول: «ملجأ»؛ لأنك لو وقفت عليه بين الهمزة والياء، على أصل تخفيف المكسورة خالفت الخط، إذ لا ياء في الخط، وتقف على «ملجأ» المفتوحة غير منون مثل المخفوض بالإسكان، ثم تبدل ألفًا من الهمزة فتقول «ملجأ» يقاس على هذا ما شابهه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/121]

جمهرة علوم القرآن 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م 01:01 PM

باب علل الروم والإشمام
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (باب علل الروم والإشمام
1- اعلم أن الروم والإشمام إنما استعملتهما العرب في الوقف لتبيين الحركة، كيف كانت في الوصل، وأصل الروم أظهر للحركة من أصل الإشمام، لأن الروم يسمع ويرى، والإشمام يُرى ولا يسمع، فمن رام الحركة أتى بدليل قوي على أصل حركة الكلمة في الوصل، ومن أشم الحركة أتى بدليل ضعيف على ذلك، والإشمام لا يكون إلا في المرفوع والمضموم، فالروم إتيانك في الوقف بحركة ضعيفة غير كاملة، يسمعها الأعمى، والإشمام إتيانك بضم شفتيك لا غير من غير صوت، ولا يفهمه الأعمى بحسه؛ لأنه لرأي العين، والفرق بين الوقف على الحركة والوقف بروم الحركة، أنك إذا وقفت على الحركة تولدت من الفتحة ألف، ومن الضمة واو، ومن الكسرة ياء، وإذا وقفت بالروم لم يتولد منه شيء، والإشمام لا يكون إلا في حرف ساكن نحو إشمامك ضمة الدال من: «نعبد» بعد إسكانها، وإشمامك ضمة النون الأولى من: «تأمنا» وهي ساكنة؛ لأن أول المدغم لا يكون إلا ساكنًا. فإن وقعت الترجمة بالإشمام في المتحرك فهو في الحقيقة روم؛ لأنه لا يسمع نحو ترجمتهم الإشمام في: «سيئت، وقيل» وشبهه، هذا إشمام يُسمع، فهو كالروم، هي ترجمة على مذهب الكوفيين لأنهم يترجمون عن الإشمام، الذي لا يُسمع، بالروم ويترجمون عن الروم، الذي يُسمع، بالإشمام، الذي لا يسمع، فكأن
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/122]
الروم عندهم من قولك: رمت فعل كذا، وأنت لم تفعله، والإشمام من قولك: شممت كذا، إذا وجدت ريحه. فذلك أمكن في وجود الفعل من الروم، فلذلك سموا ما يسمع بالإشمام، وما لا يسمع بالروم، وإشمام المتحرك إلى غير حركته كإمالة الممال إلى غير حركته، وإذا وقفت على هاء التأنيث أو على حركة عارضة، وحيت بشيء قد فارقها وباينها، أو على حرف بدل من همزة لم يحسن فيه إشمام أو روم، لأن الحركة التي تريد أن تبينها بالإشمام والروم، لم تكن على ذلك الحرف، ولا لزمته، إلا أن تقف على التاء في هاء التأنيث فيحسن الروم والإشمام، لأن الحركة كانت على التاء التي وقفت عليها، فإن كانت الحركة العارضة تدل على الحرف، الذي له الحركة في الأصل، نحو وقفك على: «جزء، وملء» تُلقي الحركة على الساكن، قبل الحركة العارضة على الهمزة المحذوفة: فيجوز فيها الروم والإشمام، لأنها تدل على ما الحركة فيه أصل، وهو الهمزة جاز الروم والإشمام.
* * *
مسائل من هذا الفصل تبينه
2- اعلم أنك تقف على «قل» من: {قل ادعوا} «الأعراف 195» وعلى الدال من: {ولقد استهزئ} «الأنعام 10» بالسكون لا غير؛ لأن
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/123]
الذي تحركت له الدال واللام، قد انفصل مما قبله، بالوقف على ما قبله، فلا تقدير له في الوقف، ولا هو في نية ولا إرادة، ولا يجوز فيه روم ولا إشمام، وتقف على: «جزء، ودفء، وملء» في وقف حمزة وهشام بالإسكان، وإن شئت بالروم والإشمام، لأن الحركة تدل على الهمزة المخففة، وهي مقدرة مع ما قبلها منوية مرادة، بخلاف ما حرك لساكن في كلمة أخرى، أو لهمزة في كلمة أخرى نحو قراءة ورش: {وانحر} «الكوثر 2» أن تقف على الراء بالسكون لا غير، لأن الهمزة التي تحركت الراء بحركتها، قد انفصلت مما قبلها في الوقف، وبانت، ولا تقدير لها في نية، ولا في غيرها، وتقف على: {يبدئ} «العنكبوت 19» بياء ساكنة لحمزة وهشام، بغير روم ولا إشمام، لأن الياء بدل من همزة كانت مضمومة، ولم يكن على الياء حركة قط، مثل وقفك على: «رحمة، ونعمة» فإن وقفت على «هؤلاء» في قراءة من حقق الهمزة وقفت بالروم، لأن الذي حركت الهمزة من أجله؛ لالتقاء الساكنين، لم يذهب من الكلمة، ولا فارقها، وهو الألف التي قبل الهمزة، فصارت الكسرة لازمة، فوجب فيها جواز الروم، وكذلك تقف عليه في قراءة حمزة وهشام على همزة بين بين، في حال الروم للحركة؛ لأنها همزة مكسورة قبلها ألف، هذا وجه الوقف لحمزة وهشام، وفيه مخالفة للخط، لأن الخط لا ياء فيه، ويجوز أن تقف بالإسكان، ثم تبدل من الهمزة ألفًا لانفتاح ما قبلها، ولا يعتد بالألف الأولى لخفائها، فإذا أبدلت من الهمزة ألفا حذفت إحدى الألفين لالتقاء الساكنين، وتمد إن قدرت الألف الثانية هي المحذوف، ولا تمد إن قدرت الألف الأولى هي المحذوفة، وقد تقدم ذكر هذا، ومثل هؤلاء في الروم
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/124]
«حيث» لأن الياء التي من أجلها حركت الثاء لازمة، فالروم والإشمام جائزان فيه، فإن وقفت على: «يومئذٍ، وحينئذٍ» وقفت بالإسكان، لأن الذي من أجله تحركت الذال، وهو التنوين، قد سقط في الوقف، وانفصل مما قبله، فرجعت الذال إلى أصلها، وهو السكون، فلم يجب فيه روم، فأما الوقف على: «غواش، وجوار» فبالروم؛ لأن الشين والراء لا أصل لهما في السكون، بل أصلهما الكسر ودخل التنوين عليهما، وهما مكسوران، ودخل في «يومئذ، وحينئذٍ» والذال ساكنة، فكسرت الذال لالتقاء الساكنين، لسكون الذال وسكون التنوين، ولم تكسر الراء في «جوار» ولا الشين في «غواش» لالتقاء الساكنين، بل الكسرة فيهما أصل لهما، فلذلك حسن الوقف عليهما بالروم، وإن كان التنوين قد دخل فيهما أصل لهما، فلذلك حسن الوقف عليهما بالروم، وإن كان التنوين قد دخل فيهما للعوض، كما دخل في «يومئذٍ، وحينئذٍ» للعوض.
3- فإن قيل: فبين لنا العوض في الموضعين كيف هو؟
فالجواب أنك إذا قلت: رأيتك يوم إذا جلست في الدار، وحين إذ كلمت فلانًا، كانت الذال ساكنة؛ لأنه ظرف زمان ماض مبني على السكون، وعلة بناء «إذ» على السكون أنها محتاجة إلى إيضاحها، وبإيضاحها يتم المعنى، وإيضاحها إنما هو في الجملة التي تضاف إليها «إذ» من ابتداء أو خبر، ومن فعل فاعل، فلما كان بيانها بغيرها أشبهت «الذي، والتي» اللذين هما محتاجان إلى
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/125]
ما يبينهما من الصلة بعدهما، فصارت «إذ» بمنزلة بعض اسم، إذ لا تدل على المعنى إلا بما بعدها، وبعض الاسم مبني، فبنيت لذلك على السكون، الذي هو أصل البناء، فلما حذف مع «إذ» الجملة، التي تبينها وتوضحها، جعل التنوين عوضًا من تلك الجملة المحذوفة، والتنوين ساكن والذال ساكنة للبناء، فكسرت الذال لالتقاء الساكنين، فلما وقفت انفصل الساكن الثاني وزال، ورجعت الذال إلى سكونها، الذي هو أصلها، فلم يجز فيها روم، فأما «غواش، وجوار» فأصلها «غواشي، وجواري» في الرفع وفي النصب «غواشي، وجواري» لا يدخلها الخفض، ولا التنوين، لأنهما يتعرفان، لأنه جمع، ولأنه غاية الجمع، ولأنه لا نظير له في الواحد، فلما سكنت الياء استثقالًا للضمة في الحال الرفع، دخل التنوين عوضًا من زوال ضمة الياء عن الياء، والتنوين ساكن والياء ساكنة، فحذفت الياء لالتقاء الساكنين، وصار التنوين تابعًا للكسرة التي كانت قبل الياء. فالكسرة أصلية فيه، فلذلك قلنا: إن الوقف عليه بالروم إذ لا أصل للراء والشين في السكون، فهذا فرق ما بينهما، وإن كان التنوين فيهما عوضًا من محذوف، فإذا قلت: جئتك يومئذٍ كان كذا، ويومئذٍ قام زيد، لم تكن الذال إلا ساكنة؛ لأنك قد جئت بالقصة بعد «إذ»، فبقيت على سكونها، فإن حذفت القصة دخل التنوين عوضًا منها، فقلت: جئتك يومئذٍ يا هذا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/126]

جمهرة علوم القرآن 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م 01:02 PM

فصل في الوقف على هاء الكناية وميم الجمع
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (فصل في الوقف على هاء الكناية وميم الجمع
4- اعلم أن الهاء حرف خفي، فكأن حركة ما قبل الهاء على الهاء، إذا كانت حركة الهاء مثل ما قبلها، فإذا وقفت على هاء الكتابة، وهي مضمومة، وقبلها ضمة أو واو، وقفت بالإسكان لا غير؛ لأنها لما كانت حركتها بمنزلة ما قبلها، كأنها موقوف عليها، وكأن ما قبلها هو آخر الكلمة، فاستغني بها عن الروم، وكذلك إذا كانت الهاء مكسورة، وقبلها كسرة أو ياء، تقف عليها بالسكون، ولا تقف بالروم؛ لأن الحركة التي قبلها، كأنها عليها، وكأنها موقوف عليها، لخفاء الهاء والياء كالكسرة والواو كالضمة في ذلك، وتقف على ما عدا هذين الأصلين، مما قبل الهاء فتحة أو ساكن غير الياء والواو، بالروم أو الإشمام، كسائر الحروف؛ لأنها لما خالفت حركة ما قبلها حركتها، ولم يستغن في الروم بحركة ما قبلها عن روم حركتها؛ لأنها مخالفة لحركتها، فحسن في ذلك الروم وكذلك الإشمام في المضمومة، فتقف على: «عليه، وأنسانيه، ولأهله» بالإسكان لا غير في قراءة الجماعة، الذين كسروا الهاء، وتقف على ذلك كله بالروم أو بالإشمام، في قراءة من ضم الهاء، فافهمه.
5- وأما ميم الجمع فالقياس يوجب جواز الروم والإشمام فيها، في
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/127]
الوقف على قراءة من ضمها لغير التقاء الساكنين، لأنها كسائر الحروف، وقد سووا في جواز الروم في الحركات، التي هي إعراب، أو هي بناء لساكن لازم، نحو: «يقول، وقيل» فميم الجمع كسائر الحروف المتحركة، يلزم فيها ما يلزم في الحروف المتحركة بحركة إعراب، أو بحركة بناء ساكن لازم، وما علمت أن أحدًا نص عليها بمنع ولا إيجاب، غير أنهم أطلقوا الروم والإشمام، في كل مرفوع أو مخفوض أو مضموم، لساكن قبله، أو مكسرو لساكن قبله، فالميم من جملة الحروف، فمن كان مذهبه فيها في الوصل الضم، وجب عليه أن يروم أو يشم في الوقف، وأيضًا فإن الروم والإشمام إذا دخلا الكلام، ليبين بهما ما كانت حركة الحرف الموقوف عليه في الوصل، فذلك واجب في الميم، لأن بالروم والإشمام يُعلم: أنها كانت في الوصل مضمومة، ولو وقف عليها بالإسكان لم يُعلم: هل كانت في الوصل ساكنة أو مضمومة، ففي الروم والإشمام بيان ما كانت حركة الميم عليه في الوصل، وبيان إن كانت ساكنة أو متحركة، وليست صلتها بواو بمانع من الروم والإشمام فيها، كما أنه ليس صلة هاء الكناية بواو في: «قدره، وأنشره» بمانع فيها من الروم والإشمام في الوقف عليها، وليس كون حركة ما قبل الميم كحركتها بمانع من الروم والإشمام فيها، كما كان ذلك مانعًا في الهاء، إذا كان حركة ما قبلها كحركتها؛ لأن الميم ليست بحرف خفي كالهاء، ولو كانت الميم كالهاء لم يجز الإشمام والروم في «يقوم ويحكم» وليس كون الميم من الشفتين بمانع فيها من الروم والإشمام، كما لم تمنع في «يقوم، ويحكم» وشبهه، وكما لم يمنع ذلك في الياء والواو، وهما من الشفتين، والإسكان فيها حسن، وهو الأصل.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/128]
«فصل في وقف البزي على «ما» التي للاستفهام التي دخل عليها حرف جر».
6- اعلم أن «ما» التي للاستفهام، إذا دخل عليها حرف جر حذفت ألفها، للفرق بين الاستفهام والخبر، فتقول في الاستفهام «عم تسأل يا هذا» وفي الخبر «عما تسأل أسأل أنا» وتقول في الاستفهام: «لم تؤذونني» وتقول في الخبر: «لما آذيتني آذيتك» فتحذف الألف في الاستفهام للفرق، فإذا وقفت على الميم من «ما» في الاستفهام، وجب أن تحذف الفتحة، وهي دالة على الألف المحذوفة، فكره ذلك بعض العرب، فأدخل «هاء» في الوقف، لتثبت الفتحة ولا تحذف، فيكون في الكلام ما يدل على الألف المحذوفة، ولئلا يُخل بالكلمة على قلة حروفها، فتحذف منها حرفا وحركة، وهي على حرفين، فتبقى على حرف واحد ساكن، ولتظهر الحركة، فيقوى الاسم، وتدل الحركة على المحذوف منه، وخص الوقف بذلك لأن الوصل تكون الميم فيه متحركة، وهي قراءة البزي عن ابن كثير، يقول في الوقف: «عمه، وبمه، وفيمه» وشبهه، فيأتي بها لبيان حركة الميم، وهذه الهاء هي هاء السكت في: «كتابيه، وحسابيه» وشبهه، أتى بها لبيان حركة الياء، لأنها اسم على حرف واحد متحرك. فإذا سكن في الوقف ضعف كون اسم الميم على حرف ساكن،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/129]
فأتى بالهاء لتقوية الاسم ببقاء حركته في الوقف، فتدل الحركة على الألف المحذوفة، وتقوى الميم بالحركة عليها، ومثله عند البصريين «أنا» الاسم منه الهمزة والنون، وجيء بالألف لبيان حركة النون في الوقف، فلذلك أكثر القراء على حذف الألف في الوصل؛ إذ هي غير أصلة، إنما جيء بها للوقف. ومن أثبتها في الوصل فعلى لغة من رأى أن «أنا» بكماله الاسم، وهو مذهب الكوفيين، وقد رأى بعض نحويي البصرة أن من أثبت الألف في «أنا» في الوصل فقد لحن، كما رأى من أثبت هاء السكت في «كتابيه» ونحوه في الوصل فقد لحن، فهذه الهاء في الوقف في «عمه، وفيمه» هاء السكت.
7- وحجة من لم يأت بالهاء في ذلك، أنه اتبع خط المصحف، ولا هاء فيه، وأيضًا فإن الوقف عارض، والسكون في الميم عارض، فلم يعتد بذلك، فأبقى الميم على سكونها، وأيضًا فإن ما وقع من ذلك في القرآن، لا يحسن الوقف عليه؛ إذ ليس بكلام تام ولا صالح، ولا قطع. وأيضًا فإن جماعة القراء على ترك الهاء في الوقف إلا البزي، والإجماع حجة. فإنه
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/130]
يلزم من أدخل في هذا هاء، في الوقف لبيان الحركة، أن يدخلها في الوقف على ياء الإضافة حيث وقعت؛ لأنها تسكن في الوقف، وهي الاسم، فيبقى الاسم على حرف واحد ساكن، وترك الهاء في ذلك إجماع من القاء، وهو جائز في الكلام وهو الاختيار.
8- ومما تفرد به البزي في الوقف أيضًا أنه كان يقف على: {هيهات} الثاني «المؤمنون 36» بالهاء، وروي أنه يقف عليهما بالهاء، وبالأول قرأت، وحجته في ذلك أنه أجراها على الهاء التي تدل على التأنيث في «التوراة، وكمشكاة» ألا ترى أنها في الوصل بالتاء كالتوراة، وحسن عنده ذلك، لانفتاح التاء، وبنائها على الفتح، بإجماع من القراء، وذهب القراء إلى أن التاء في «هيهات» دلت على تأنيث الكلمة كقولهم: «همت، ثمت، جلست»
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/131]
وكقولهم: «ربت رجل رأيت» فدخلت التاء لتأنيث الكلمة، وقد قال قطرب هي بمنزلة «مرضاة، ومرماة» فجعلها هاء تأنيث، وإن لم يكن لها مذكر.
9- فإن قيل: فلم خص البزي الثانية بالوقف عليها دون الأولى في روايته؟
فالجواب على ما قاله القراء: أنه جعلهما جميعًا ككلمة واحدة، نحو «اثنتي عشرة» فوقف على الثاني بالهاء، كما وقف على عشرة، ولا يحسن عنده الوقف على الأولى؛ لأنها كاسم واحد.
10- وحجة من وقف بالتاء أنه اتبع خط المصحف، وأن من العرب من يخفضه وينونه كـ «غرفات، وملكوت» ولا يحسن على هذا فيه إلا الوقف بالتاء، وأيضًا فإن الوقف بالتاء إجماع من القراء غير البزي، وقد قال الأخفش: هي بمنزلة قولك: كان من الأمر كيت وكيت، وهذا لا يوقف عليه إلا بالتاء وأيضًا فإن سيبويه قال: «هيهات» اسم بمنزلة الأصوات، وفتح التاء عنده تدل على أنه اسم واحد، وكسرتها إذا كسرت تدل على أنه جمع، لم ينطق بواحده. وأيضًا فإن التاء لا يحسن حذفها، فهي أصلية، والتاء الأصلية لا يوقف عليها إلا بالتاء في جميع الكلام، ومعنى «هيهات» غير منون البعد، وإذا نونت فمعناها:
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/132]
بعد، وفتحت للبناء والسكون اللذين قبلها، واختير لها الفتح للألف، والفتحة التي قبلها، وفيها لغات: كسر التاء والتنوين، والكسر بغير تنوين، وكذلك الضم والفتح بتنوين وبغير تنوين، وهي عند سيبويه ظرف غير متمكن، فلذلك بُني، فإذا قلت: هيهات منزلك، فمعناه: في البعد منزلك، وإذا نونت فمعناه: في بعدٍ منزلك. ومن العرب من يبدل من الهاء الأولى همزة فيقول: أيهات، ومنهم من يقول: أيهان، بالنون والهمزة، وقد تقدم الكلام في الوقف على هاء التأنيث وعلى الحركة العارضة، إذا فارقها ما تحركت من أجله، وأن الوقف على ذلك بالسكون لا غير، إلا أن تقف على هاء التأنيث بالتاء فيحسن الروم والإشمام، فكل هذا مذكور في باب الروم والإشمام بعلله). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/133]

جمهرة علوم القرآن 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م 01:07 PM

باب في مقدمات أصول الإدغام والإظهار
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (باب في مقدمات أصول الإدغام والإظهار
اعلم أن الإظهار في الحروف هو الأصل، والإدغام دخل لعلة تذكر إن شاء الله، وإنما قلنا: إن الإظهار هو الأصل لأنه أكثر؛ لأن الوقف يُضطر فيه إلى الإظهار، ولاختلاف لفظ الحرفين، واعلم أن أصل الإدغام إنما هو في الحرفين المثلين، وعلة ذلك إرادة التخفيف، لأن اللسان إذا لفظ بالحرف من مخرجه، ثم عاد مرة أخرى إلى المخرج بعينه، ليلفظ بحرف آخر مثله صعب ذلك، وشبهه النحويون بمشي المقيد؛ لأنه يرفع رجلًا ثم يعيدها إلى موضعها أو قريب منه، وشبهه بعضهم بإعادة الحديث مرتين، وذلك ثقيل على السامع، وذلك نحو: «قال لهم، وذهب بسمعهم»، ولذلك أدغم أبو عمرو هذا النوع، ويقوي حسن الإدغام في هذا النوع أن الأول، إذا سكن في هذا النوع لم يكن بد من الإدغام، نحو: «قل لهم، وارغب بسم» وشبهه، إلا الواو التي قبلها ضمة، والياء التي قبلها كسرة، الساكنين، فإنهما لا يُدغمان في مثلهما في أكثر الكلام لمشابهتهما للألف، نحو: « في يوسف، وآمنوا وعملوا»، واعلم أن غير المثلين، إذا تقاربا في المخرج وسكن الأول، أشبها المثلين اللذين هما من مخرج واحد، فجاز فيهما
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/134]
الإدغام ما لم يمنع من ذلك مانع، فعلى هذا يجري الإدغام ويحسن، واعلم أن الإدغام إنما يحسن في غير المثلين، ويقوى إذا سكن الأول، وهو على ضربين: أحدهما إذا كان الحرفان متقاربين في المخرج، والحرف الأول أضعف من الثان، فيصير بالإدغام إلى زيادة قوة، لأنك تبدل من الأول حرفا من جنس الثاني، فإذا فعلت ذلك نقل لفظ الضعيف إلى لفظ القوة، فذلك حسن جيد، والضرب الثاني أن يكون الحرفان المتقاربان في القوة سواء كالمثلين، فيحسن الإدغام، إذ لا ينتقص الأول من قوته قبل الإدغام، وضرب ثالث من إدغام المتقاربين ضعيف قليل، وهو أن يكون الحرف الأول أقوى من الثاني، فيصير بالإدغام أضعف من حالة قبل الإدغام، فالذي يزداد قوة مع الإدغام هو كإدغام التاء في الطاء نحو: «قالت طائفة، وودت طائفة» لأن التاء حرف ضعيف للهمس الذي فيه، والطاء حرف قوي للإطباق والجهر والاستعلاء والشدة اللواتي فيهان فهو أقوى من التاء كثيرًا، فإذا أدغمت التاء نقلتها من ضعف إلى قوة مكررة، فهذا لا تكاد العرب تظهره، وكذلك أجمع القراء على الإدغام في هذا. فإن نقصت قوة الحرف الثاني، وهو مع نقص قوته أقوى من الأول، حسن الإدغام والإظهار، نحو: {لهدمت صوامع} «الحج 40» و«حملت ظهورهما» «الأنعام 146»؛ لأن الصاد نقصت عن قوة الطاء لعدم الجهر، وكون الهمس فيها، والظاء نقصت عن قوة الطاء لعدم التشديد، وكون الرخاوة فيها والذي تتساوى قوة الحرفين فيه إدغام الذال في التاء، وذلك أن الذال فيها ضعف وقوة، فالضعف من جهة أنها رخوة، والقوة من جهة أنها مهجورة، كذلك التاء فيها ضعف وقوة، فالضعف من جهة أنها مهموسة، والقوة من جهة أنها شديدة، فقد تقاربتا في
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/135]
القوة، والضعف من صفاتهما، فجواز الإدغام حسن، والأول حسن في الإدغام، لأنك تزيد الحرف الأول قوة بالإدغام، والذي يقبح الإدغام فيه لقوة الأول وضعف الثاني فهو نحو إدغام الراء في اللام، وهو قبيح لقوة الراء بالجهر والتكرير اللذين فيه، وضعف اللام لعدم التكرير فيه، وضعف الجهر فيه، فإذا أدغمت نقلت الأقوى إلى الأضعف، وذلك مكروه ضعيف، فقس عليه هذا، فإنه الأصل الذي يُعتمد عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/136]

جمهرة علوم القرآن 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م 01:46 PM

باب في معرفة الحروف القوية والضعيفة
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (باب في معرفة الحروف القوية والضعيفة

اعلم أن الضعيف في الحرف، يكون بالهمس والرخاوة، فإذا اجتمعا في الحروف كان أضعف له، والحروف المهموسة عشرة يجمعها هجاء قوليك: سكت فحثه شخص، والحروف الرخوة ثلاثة عشر حرفًا وهي ما عدا هجاء قولك: لم يروعنا أجدك قطبت، وهي الباء والحاء والغين والخاء والصاد والضاد والزاي والسين والشين والظاء والثاء والذال والفاء، واعلم أن القوة في الحرف تكون بالجهر وبالشدة وبالإطباق والتفخيم وبالتكرير وبالاستعلاء وبالصفير وبالاستطالة وبالغنة وبالتفشي، فالحروف المجهورة هي ما عدا الحروف المهموسة المذكورة قبل هذا، والحروف الشديدة هي ثمانية، وهي هجاء قولك: أجدك قطبت، والحروف المطبقة أربعة وهي الطاء والظاء والضاد والصاد، وهي حروف التفخيم، ويكون أيضًا في الراء واللام، في بعض المواضع، تفخيم، وحرف التكرير الراء، وحروف الاستعلاء سبعة وهي: حروف الإطباق المذكورة، والغين والخاء والقاف، وحروف الصفير ثلاثة وهي: الزاي والصاد والسين، والمستطيل هو الضاد، وحرفا الغنة اثنان: النون والميم الساكنان، وحرفا التفشي الشين والفاء، وهو في الشين أمكن. وقد
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/137]
شرحنا علل هذا كله، وبيناه في كتاب «الرعاية لتجويد القراءة» فأغني ذلك عن إعادته كله، وفيما ذكرنا كفاية لما قصدنا إليه، فبهذه الصفات يقوى الحرف وبعدمها يضعف، وكلما تكررت فيه الصفة القوية كان أقوى للحرف، وكذلك إذا تكررت في الحرف الصفة الضعيفة كان أضعف، ومن الحروف ما يلزمه صفة قوية وصفة ضعيفة، وربما لزمه صفتان قويتان وثلاث وأربع، كالصاد التي هي مجهورة مطبقة مستعلية مستطيلة مفخمة، وكالطاء التي هي مهجورة شديدة مطبقة مستعلية، وربما لزمت الحرف صفتان ضعيفتان وصفة قوية، كالسين التي هي مهوسة رخوة، وفيها صفير، فعلى هذا من الضعف والقوة يبين حسن الإدغام وقبحه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/138]

جمهرة علوم القرآن 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م 01:49 PM

باب في جملة من مخارج الحروف مختصرا
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (باب في جملة من مخارج الحروف مختصرا
اعلم أن المخارج على الاختصار ثلاثة: الفم والحلق والشفتان، فأما الحروف التي تخرج من الحلق فستة: الهمزة والهاء والخاء والعين والحاء والغين، وقد زاد قوم الألف، ومسالك خروجها من الحلق على ترتيبها في الخط الذي مثلنا وعطفنا بعضها على بعض. وأما حروف الفم فقد تتشارك في المخرج، وهي ثمانية عشر حرفًا: القاف ثم الكاف ثم الشين والجيم والياء، هن أخوات في المخرج من وسط اللسان إلى الحنك، ثم الضاد من أول حافة اللسان، وما يليه من الأضراس، ثم اللام من طرف اللسان وأصول الثنايا، ثم النون من أسفل اللام مما يلي الثنايا، وكذلك الراء تخرج من مخرج النون، غير أنها أدخل في ظهر اللسان قليلًا، وقد قيل: إن اللام والنون والراء أخوات في المخرج، من طرف اللسان وأصول الثنايا، ثم الظاء والذال والتاء أخوات يخرجن من طرف اللسان وأصول الثنايا، والظاء أمكن مماسة للثنايا للإطباق والاستعلاء اللذين فيها، ثم الزاي والصاد والسين أخوات، يخرجن مما بين طرف اللسان وفويق الثنايا السفلى، ثم الطاء التاء والدال أخوات، يخرجن مما بين طرف اللسان وأطراف الثنايا العليا، وأما حروف الشفتين فأربعة: الفاء منفردة، ثم الباء والميم والواو أخوات، وفي بعض هذه المخارج اختلاف، ولكن ذكرنا الأشهر،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/139]
فيجب أن تعلم حروف الحلق لا يُدغمن في حروف الفم، ولا في حروف الشفتين، وقد يدغم بعض حروف الحلق في بعض لتقارب المخرج، وتعلم أن حروف الفم لا تدغم في حروف الحلق، ولا في حروف الشفتين، ولكن يدغم بعضها في بعض، وفيها يقع أكثر الإدغام خلا الياء، فلا تدغم في غيرها، ولا يدغم غيرها فيها، وتعلم أن حروف الشفتين لا تدغم في حروف الحلق، ولا في حروف الفم، لبعد ما بينهن في المخرج، ويُدغم بعضها في بعض خلا الواو، فلا تدغم في غيرها، ولا غيرها فيها، خلا أن النون الساكنة والتنوين يدغمان في الياء والواو، وكذلك الميم لا تدغم في الياء، وسترى علة ذلك كله إن شاء الله). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/140]

جمهرة علوم القرآن 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م 03:37 PM

فصل في إدغام لام التعريف
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (فصل في إدغام لام التعريف
اعلم أن أكثر إدغام حرف الفم بعضها في بعض يقوى ويحسن، لاشتراك الحرفين في إدغام لام التعريف فيهما، فلما اشتركا في إدغام لام التعريف فيهما حسن إدغام أحدهما في الآخر لذلك الاشتراك، هذا هو الأكثر في علة إدغام حروف الفم بعضها في بعض، فاضبط هذا الأصل، واعلم أن لام التعريف تدغم في أربعة عشر حرفًا بلا اختلاف في ذلك، وهن: التاء والثاء والدال والذال والراء والزاي والسين والشين والصاد والضاد والطاء والظاء واللام والنون، وعلة إدغام لام التعريف في هذه الحروف أن مخرجها من مخارج هذه الحروف في الفم، فلما سكنت ولزمها السكون أشبهت اجتماع المثلين، والأول ساكن، وكثر الاستعمال لها، مع أن أكثر هذه الحروف أقوى من اللام، ليس منها ما ينقص عن قوة اللام إلا التاء، فكان في إدغامها فيهن قوة لها، فأدغمت فيها لذلك، ولا تدغم في باقي حروف الفم، لتباعدها عن مخرج الفم منهن أو في الصفة أو في القوة، فإن وقعت، قبل هذه الحروف، لام ساكنة، غير لام التعريف، لم
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/141]
تدغم فيهن، نحو: ألسنة جمع لسان، ونحو: «ألزمه وألصقه وألثمه» وشبهه، وعلة ذلك أن لام التعريف لا تتحرك أبدًا، فلزمها السكون، فقويت، في الإدغام، ولأن لام التعريف كثر استعمالها، وهذه اللامات، غير لام التعريف، قد تتحرك ويقل استعمالها، وتقول: لسنته ولصقت به ولزمته، فتحرك اللام، فلما لم تلزم اللام في هذا لم يلزها الإدغام، وعلة أخرى وذلك أنهم فرقوا بين اللام الزائدة، وهي لام التعريف، وبين اللام الأصلية، وهي لام ألسنة وألصقه وشبهه، لأنها فاء الفعل، وأيضًا فإن الأصل الإظهار، فجرت الأصلية على الأصل، وهو الإظهار، وأدغمت لام التعريف للفرق بين اللام الأصلية واللام الزائدة، وكانت الأصلية أولى بالإظهار؛ لأنه الأصل، فجرى الأصل على الأصل، وهو الإظهار، وجرى الزائد على الفرع وهو الإدغام. وكانت لام التعريف أولى بالإدغام لأنه تخفيف، وهو كثير التصرف لدخولها على النكرات إلا اليسير. وحجة أخرى، وهو أنك لو أدغمت اللام الأصلية في «ألسنة» لأشبه قولك «السنة» وهو النوم، فكان الإظهار أولى بها، فإذا اشترك الحرفان في إدغام لام التعريف فيهما قوي إدغام أحدهما في الآخر، ما لم يمنع من ذلك علة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/142]

جمهرة علوم القرآن 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م 03:38 PM

فصل في معنى الإدغام
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (فصل في معنى الإدغام
الإدغام معناه: إدخال شيء في شيء، فمعنى: أدغمت الحرف في الحرف، أدخلته فيه، فجعلت لفظه كلفظة الثاني فصار مثلين، والأول ساكن فلم يكن بد من أن يلفظ بهما لفظة واحدة، كما يصنع بكل مثلين اجتمعا، والأول ساكن، قال الخليل: يقال: أدغمت الفرس اللجام أي: أدخلته في فيه، وكل مدغم فلابد أن يسكن قبل الإدغام، وكل مدغم فيه فلا يكون إلا متحركا، لئلا يجتمع ساكنان). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/143]

جمهرة علوم القرآن 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م 03:39 PM

فصل في إدغام دال «قد» وإظهارها
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (فصل في إدغام دال «قد» وإظهارها
اختلف القراء في إدغام دال «قد » وإظهارها عند ثمانية أحرف وهن: الجيم والزاي والذال والصاد والضاد والظاء والسين والشين.
1- فحجة من أدغم دال «قد» في الجيم هي المؤاخاة التي بينهما، وذلك أنهما من حروف الفم، وأنهما مجهوران، وأنهما شديدان، فحسن الإدغام لهذا الاشتراك، والإظهار حسن لأنهما منفصلان، ولأن الإظهار هو الأصل، ولأن الجيم لا تُدغم فيها لام التعريف، كما تدغم في الدال فتباينا بذلك، فأظهرا، ولأن أهل الحرمين وعاصمًا وابن ذكوان على الإظهار وذلك حجة.
2- وحجة من أدغم دال «قد» في الذال أو أظهرها كالحجة في الجيم سواء، وتزيد قوة الإدغام فيهما لأن لام التعريف تُدغم فيهما، غير أن ابن ذكوان أدغم الدال في الذال.
3- وحجة من أدغم دال «قد» في الزاي أنهما اشتركا في المخرج من الفم، وفي أن لام المعرفة تدغم فيهما، وأنهما مجهوران، وزاد الإدغام قوة أن الزاي فيها قوة بالصفير الذي فيها، فإذا أدغمت الدال فيها أبدلت منها زاي، وهي أقوى من الدال، فنقلت الدال إلى حرف هو أقوى منها بالإدغام، فقوي ذلك وحسن، والإظهار حسن أيضًا لأنه الأصل، ولأنهما قد اختلفا في الشدة
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/144]
والرخاوة، الدال شديدة والزاي رخوة ولأنهما اختلفا في الصفير، الزاي فيها صفير، ولا صفير في الدال، فتباينا بذلك، فحسن الإظهار، وبالإظهار قرأ الحرميان وعاصم، وذلك حجة.
4- وحجة من أدغم دال «قد» في الصاد أنهما اشتركا في المخرج من الفم؛ لأن لام المعرفة تدغم فيهما، ولأن الدال فيها قوة بالجهر الذي فيها، ولأن الصاد فيها قوة مكررة بالإطباق والصفير والاستعلاء اللواتي فيها، فحصل للدال بإدغامها في الصاد قوة زائدة، لأنك تبدل منها صادًا، والصاد أقوى من الدال لما ذكرنا، وهذا مما يحسن جواز الإدغام ويقويه، والإظهار حسن لأنه الأصل، ولأن الصاد مهموسة رخوة، وذلك ضعف متكرر فيها، فقد حصل للدال مزيتان على الصاد وهما: الجهر والشدة اللذان في الدال، فحسن الإظهار لذلك؛ لأنك إذا أدغمته أبدلت من الدال حرفًا مهموسًا رخوًا، وقد كانت مجهورة شديدة فعكستها إلى ضعف، ولولا أن الإطباق والصفير اللذين في الصاد يقويانها ما جاز الإدغام، وعلى الإظهار الحرميان وعاصم وابن ذكوان، وذلك حجة، وكذلك الحجة في إدغام دال «قد» في الطاء والضاد، وإظهارها، غير أن الضاد والطاء لا صفير فيهما، وفيهما الجهر كالدال، فحسن الإدغام، لأنك تنقل الدال بالإدغام إلى حرف هو أقوى منها، وعلى الإظهار عندهما الحرميان وعاصم غير ورش.
5- وحجة من أدغم دال «قد» في السين والشين المؤاخاة التي بينهما في المخرج، وفي إدغام لام التعريف فيهن، وأن السين قوية بالصفير الذي فيها، فهي وإن كانت غير مجهورة، فالصفير الذي يوازي الهمس والرخاوة اللذين في السين، التي فيها قوة التفشي، أو يقرب من ذلك، فجاز الإدغام في السين، وفيه بعض البعد، لأنك تبدل من الدال، وهي مجهورة، حرفًا ضعيفًا بالهمس الذي فيه والرخاوة، فإدغام الدال في السين أقوى من إدغامها في الشين؛ لأن السين فيها صفير يقوها، ولا صفير في الشين، وإنما جاز إدغامها في الشين لما في
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/145]
الشين من التفشي الذي يقويها، والجهر الذي يزول من الدال عند الإدغام أقوى من التفشي الذي في الشين، فالإظهار عندهما أحسن لما ذكرنا، ولأنه الأصل، ولأنهن منفصلات بعضهن من بعض، ولأنهن قد اختلفن في القوة، ولأن الإدغام يحدث في الأول ضعفًا بعد قوة إذا أدغمت في الشين، وعلى الإظهار عندهما الحرميان وعاصم وابن ذكوان وذلك حجة.
6- وأما علة ورش في تخصيصه الإدغام للدال في الطاء والصاد فهي ما ذكرنا من قوة الصاد والطاء بالإطباق والاستعلاء والجهر والاستطالة اللواتي في الصاد، ولأنهن قد اشتركن في إدغام لام التعريف فيهن، ولأن الدال تزداد قوة عند الإدغام، لأنها يُبدل منها حرف أقوى منها، مع مشاركة الدال للطاء والصاد في الجهر والخروج من الفم، فالإدغام فيها حسن قوي، فلهذا، والله أعلم، خصها ورش بالإدغام فيهما، وكذلك علة ابن ذكوان في إدغامه الدال من «قد» في الطاء والظاء، فأما علة ابن ذكوان في إدغامه الدال في الذال والزاي فهي ما في ذكرنا من قوة الزاي بالصفير والجهر، وقوة الدال بالجهر، فحصل في الإدغام في الزاي نقل الدال إلى ما هو أقوى منها، وحصل في إدغامها في الدال نقلها إلى ما هو مثلها، لا نقص يدخلها، مع أنهن قد اشتركن في المخرج، وفي إدغام لام التعريف فيهن، وأن الإدغام لا ينقص الأول من قوته، فحسن الإدغام لما ذكرنا، والإظهار هو الأصل). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/146]

جمهرة علوم القرآن 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م 03:39 PM

فصل في علة إدغام ذال «إذ» وإظهارها
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (فصل في علة إدغام ذال «إذ» وإظهارها
اختلف القراء في إدغام ذال «إذ» وإظهارها عند ستة أحرف، وهي: السين والتاء والصاد والدال والجيم والزاي، هجاء: ستصدجز.
1- فحجة من أدغم الذال من «إذ» في التاء أنهما تواخيا في المخرج وفي إدغام لام التعريف فيهما، وأنهما قد تقاربها في القوة والضعف، فالذال فيها جهر يقويها، وفيها رخاوة تضعفها، وكذلك التاء فيها شدة تقويها، وفيها همس يضعفها، وقد تقاربا في القوة والضعف، فجاز الإدغام لذلك، والإظهار حسن لأنه الأصل، ولأنهما منفصلان، ولأن الجهر الذي في الذال أقوى من الشدة التي في التاء، وبالإظهار قرأ الحرميان وعاصم وابن ذكوان، وذلك حجة.
2- وحجة من أدغم الذال من «إذ» في الصاد أن الصاد أقوى من الذال بالصفير والإطباق والاستعلاء والتفخيم اللواتي فيها، فإذا أدغمت فيها الذال أبدلت من الذال حرفًا أقوى منها بكثير، فحسن الإدغام لذللك معها، أنهما قد اشتركا في المخرج، واشتركا في إدغام لام التعريف فيهما، فزاد ذلك في
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/147]
الإدغام قوة، والإظهار حسن، لأنه الأصل، ولأنهما منفصلان. وبالإظهار قرأ أهل الحرمين وعاصم وابن ذكوان وخلف، فذلك حجة.
3- وحجة من أدغم الذال من «إذ» في الدال أنهما من حروف الفم، وأنهما اشتركا في إدغام لام التعريف فيهما، وأنهما مجهوران، فحسن الإدغام لاشتراكهما في ذلك، وزاده قوة أن الدال من الحروف الشديدة، والذال من الحروف الرخوة، والرخاوة أضعف من الشدة، فإذا أدغمت انتقلت الذال من الرخاوة إلى الشدة، وذلك تقوية للحرف، فحسن الإدغام وقوي، وعلى ذلك اختار ابن ذكوان الإدغام في الدال وحدها، وهو حجة خلف في روايته الإدغام في الدال. فأما إدغامه في التاء فعلته ما ذكرنا من مساواة قوة الدال للتاء، لما في كل واحد منهما من الضعف والقوة، وقد ذكر [كل] هذا، والإظهار أحسن لأنه الأصل، ولأنهما منفصلان وبالإظهار قرأ الحرميان وعاصم، وذلك حجة.
4- وحجة من أدغم الذال من «إذ» في الجيم أن الجيم حرف أقوى من الذال، لما في الجيم من الجهر والشدة، والذال حرف رخو مع مؤاخاتهما في المخرج، فحسن الإدغام لأنك تبدل من الذال، إذا أدغمت، حرفا أقوى منها، والإظهار حسن، لأنهما منفصلان، ولأنه الأصل، ولأنهما قد افترقا في أن لام التعريف لا تدغم في الجيم، ولأنه قد بعد ما بين الذال والجيم في المخرج من الفم، وهذه هي على خلاد والكسائي في إظهارهما للذال عند الجيم، وبالإظهار قرأ الحرميان وعاصم وحمزة وابن ذكوان، وذلك حجة.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/148]
5- وحجة من أدغم الذال من «إذ» في الزاي أن الزاي أقوى من الذال، للصفير الذي فيها، وقد اشتركا في الجهر والرخاوة، وفي الخروج من الفم، وفي إدغام لام التعريف فيهما، فلما كان الإدغام يزيد الزاي قوة بالصفير حسن الإدغام وقوي. والإظهار حسن لأنه الأصل، ولأنهما منفصلان، وعلى الإظهار الحرميان وعاصم وابن ذكوان وخلف وذلك حجة.
6- وحجة من أدغم الذال من «إذ» في السين أن السين فيها ضعف وقوة، والضعف فيها مكرر، لأنها مهموسة رخوة، وقوتها أنها فيها صفير، والذال فيها رخاوة تضعفها كالسين، وفيها جهر يقويها، يوازن الصفير الذي في السين، والصفير أقوى، فجاز الإدغام، لتقاربهما في القوة والضعف، ولأنهما من حروف الفم، ولأن لام التعريف تدغم فيهما. والإظهار أحسن فيها، لتكرر الضعف في السين بالهمس والرخاوة، ولولا قوة الصفير الذي في السين ما جاز الإدغام، والإظهار أحسن، لنقلك الذال عند الإدغام إلى الهمس، ولأنه الأصل، ولأنهما منفصلان، وبالإظهار قرأ الحرميان وعاصم وابن ذكوان وخلف، وذلك حجة قوية). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/149]

جمهرة علوم القرآن 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م 03:40 PM

فصل في علل إدغام تاء التأنيث
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (فصل في علل إدغام تاء التأنيث
1- اختلف القراء في إدغام تاء التأنيث وإظهارها عند ستة أحرف وهن: الجيم والطاء والصاد والثاء والسين والزاي.
فعلة من أدغم تاء التأنيث في الجيم والطاء والصاد والزاي أنهن اشتركن في المخرج، واشتركن في إدغام لام التعريف فيهن، سوى الجيم، ولأن هذه الحروف أقوى من التاء، لأن التاء حرف مهموس، وهذه الحروف مجهورة سواء، والصاد والطاء قويتان بالإطباق الذي فيهما والاستعلاء، والزاي حرف قوي، للصفير الذي فيه والجهر، مع ما في التاء من المؤاخاة بينهما وبين الصاد من الهمس، لكن الصاد تقوى، بالصفير والإطباق والاستعلاء، على التاء، فحسن الإدغام لذلك؛ لأنك تبدل من التاء عند الإدغام حرفًا أقوى منها، فتنقلها بالإدغام إلى القوة، وذلك حسن، والإظهار حسن أيضًا لأنه الأصل، ولأنه من كلمتين منفصلتين، وبالإظهار عند الجيم والزاي قرأ الحرميان وعاصم وابن عامر، وذلك حجة، ومثله الطاء والصاد، غير أن ابن عامر أدغم عندها، إلا قوله: {لهدمت صوامع} «الحج 40» فإنه أظهر، وأدغم ورش عند الطاء.
2- وعلة من أدغم التاء في الثاء أن الثاء حرف فيه بعض الشدة،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/150]
والرخاوة أغلب عليه، والتاء حرف مهموس، والهمس ضعف في الحرف، فكأنما تقاربا لاشتراكهما في الهمس والمخرج، ويجوز إدغام لام التعريف فيهما، فجاز لذلك الإدغام، والإظهار في هذا أحسن وأقوى؛ لأن التاء أقوى من الثاء، لما في التاء من الشدة، ولما في الثاء من الهمس والرخاوة، فهما وإن اشتركا في الهمس فإن الثاء تنقص عن قوة التاء لما فيها من الرخاوة التي تضعفها، ولما في التاء من الشدة التي تقويها وبالإظهار قرأ الحرميان وعاصم، وذلك حجة.
3- وعلة من أدغم التاء في السين أن السين فيها صفير يقويها، وهي مؤاخية للتاء في المخرج من الفم، ومؤاخية لها في الهمس، ومؤاخية لها في إدغام لام التعريف فيهما، لكن التاء حرف فيه شدة، تقوم الشدة في القوة مقام الصفير، الذي في السين، فقد تساويا، فحسن الإدغام، لأنك لا تنقل الأول إلى ضعف بل تنقله إلى مثل حاله من القوة والضعف، على أن الصفير أقوى من الشدة، فحسن الإدغام، والإظهار حسن، لأنهما منفصلان ولأنه الأصل، وبالإظهار قرأ الحرميان وعاصم وابن عامر، وذلك حجة.
4- فأما حجة حمزة في إدغامه تاء التأنيث في الجمع عند الصاد والزاي والذال فذلك يجري على ما عللنا، من أن هذه الحروف أقوى من التاء، لما في الصاد من الإطباق والصفير والاستعلاء، مع مؤاخاتها التاء في المخرج والهمس، ولما في الزاي من الجهر والصفير، ولما في الذال من الجهر، فكلهن أقوى من التاء، فحسن الإدغام لخروجهن كلهن من الفم، ولأن الإدغام يقوى به الحرف الأول، لأنه يُبدل بأقوى منه، ولاشتراكهن في إدغام لام التعريف فيهن، والإظهار حسن، لأنه الأصل، ولأن الأول في هذا متحرك بخلاف ما تقدم، فإذا أنت أدغمت وأسكنت المتحرك تغيرت حركته ثم غيرته مرة ثانية بالإدغام،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/151]
فأبدلت منه حرفًا من جنس الثاني، وذلك تغير بعد تغير، فضعف الإدغام، وقوي الإظهار لذلك، ولأن عليه جماعة من القراء، غير حمزة وأبي عمرو في الإدغام الكبير، فذلك حجة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/152]

جمهرة علوم القرآن 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م 03:41 PM

فصل في علل إدغام «هل» و«بل»
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (فصل في علل إدغام «هل» و«بل»
اعلم أن لام «هل » و«بل» اختلف القراء في إظهارهما وإدغامهما عند ثمانية أحرف وهن: التاء والثاء والزاي والطاء والضاد والظاء والسين والنون.
1- وحجة من أدغم أن «هل وبل» لما لزم لامهما السكون أشبهتا لام التعريف، فجاز فيهما من الإدغام معهن ما لا يجوز في لام التعريف إلا هو ألا ترى أنه لم تدغم لام «قل»، وتبدل لأن سكونها غير لازم، ففارقتا مشابهة لام التعريف، فجاز فيهما من الإدغام معهن ما لا يجوز في لام التعريف إلا هو، ألا وسكونها عارض، وذلك لشبهها بلام التعريف في اللفظ بالسكون، والإدغام فيها قبيح؛ لأن سكونها عارض، ولأنه قد انفرد به أبو الحارث، وقد كان يلزمه إدغام
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/153]
اللام في النون في {يبدل نعمة الله} «البقرة 211» لأن اللام أقرب إلى النون منها إلى الذال.
2- وحجة من أظهر أن لام «هل وبل» منفصلتان من الكلمة التي بعدها، ففارقتا لام التعريف المتصلة بما بعدها، والانفصال أبدًا يقوى معه الإظهار؛ لأنك تقف على الحرف الأول، فلا يجوز غير الإظهار، والاتصال أبدًا يقوي معه الإدغام، إذ لا ينفصل الأول من الثاني في وقف ولا غيره، وأيضًا فإن الإظهار هو الأصل.
3- وحجة من أدغم عند بعضها وأظهر عند بعضها أنه جمع بين اللغتين، مع روايته ذلك عن أئمته، والاختلاف في ذلك على ما ذكرنا في كتاب التبصرة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/154]

جمهرة علوم القرآن 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م 03:41 PM

فصل في إدغام الباء الساكنة في الفاء والميم وإدغام الفاء الساكنة في الباء
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (فصل في إدغام الباء الساكنة في الفاء والميم وإدغام الفاء الساكنة في الباء
قرأ أبو عمرو وخلاد والكسائي بإدغام الباء الساكنة في خمسة مواضع، وهي جملة ما في كتاب الله من ذلك، وهي قوله: {اذهب فمن تبعك} «الإسراء 63»، {أو يغلب فسوف} «النساء 74»، {وإن تعجب فعجب} «الرعد 5»، و{اذهب فإن} «طه 97»، {ومن لم يتب فأولئك} «الحجرات 11» وأظهر ذلك الباقون.
1- وحجة من أدغم أن الفاء حرف فيه تفش، وذلك قوة فيه، والباء أقوى منه؛ لأنها شديدة مجهورة، والفاء مهموسة رخوة، فلما كان في كل واحد منهما قوة واشتركا في المخرج من الشفتين، وي أن لام المعرفة لا تدغم في واحدة منهما، جاز إدغام الأول في الثاني، والإظهار أحسن وأقوى، لأن الأول أقوى من الثاني للجهر والشدة اللذين فيه، ولضعف الثاني بالهمس والرخاوة اللذين فيه، فإذا أدغمت أبدلت من الأول حرفًا أضعف منه، فأبدلت من حرف قوي حرفًا ضعيفًا، وأيضًا فإنهما منفصلان، وأيضًا فإن على الإظهار أهل الحرمين وعاصمًا وابن عامر وخلفا، وذلك حجة، وأيضًا فإن الإظهار هو الأصل، فالإظهار أحسن، فأما إتيان الميم بعد الباء فذلك موضعان في البقرة: {يعذب من يشاء}
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/155]
«البقرة 284» أظهره ورش وحده، وأظهره من رفع الفعل، وذلك عاصم وابن عامر، وأدغمه الباقون، والموضع الثاني في هود قوله تعالى: {اركب معنا} «42» أظهره ورش وحمزة وابن عامر، وأدغمه الباقون.
2- وحجة من أدغم أن الميم حرف قوي بالغنة التي فيها، والجهر والشدة اللذين فيها، فإذا أدغمت فيها الباء نقلت الباء إلى حرف أقوى منها بكثير، لأنك تبدل من الباء عند الإدغام ميمًا، وأيضًا فإنهما اشتركا في المخرج من الشفتين، واشتركا في أن لام المعرفة لا تدغم في واحدة منهما، والإظهار أحسن؛ لأنه الأصل، ولأنهما من كلمتين، ولأن لام المعرفة لا تدغم في واحدة منهما. فأما إدغام الفاء في الباء فموضع واحد قوله تعالى في سبأ: {نخسف بهم الأرض} «9» أدغمه الكسائي وحده، وعلة إدغامه أن الفاء والباء اشتركا في المخرج من الشفة، واشتركا في منع إدغام لام التعريف فيهما، والباء حرف قوي، للشدة التي فيها والجهر، والفاء أضعف من الباء، للهمس الذي فيها والرخاوة، فإذا أدغمت نقلت الحرف إلى ما هو أقوى منه، وقد كره الإدغام البصريون، لزوال التفشي الذي في الفاء، وأجازه الكوفيون، والإظهار في ذلك أحسن لأنه الأصل، ولأنهما منفصلان، ولأن التفشي الذي في الفاء يذهب مع الإدغام، ولأن لام المعرفة لا تدغم في واحد منهما، ولأن الفاء تخرج من الشفتين إلى الفم؛ لأن للفاء في الثنايا العليا نصيبًا، فقد خالفت الباء في المخرج بعض المخالفة، وأيضًا فإن القراء غير الكسائي أجمعوا على الإظهار وإجماعهم حجة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/156]

جمهرة علوم القرآن 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م 03:42 PM

فصل في إدغام الثاء في الذال والذال في الثاء والراء في اللام واللام في الراء
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (فصل في إدغام الثاء في الذال والذال في الثاء والراء في اللام واللام في الراء
1- أما الثاء في الذال فقوله: «يلهث ذلك» «الأعراف 176» قراءة ابن كثير وورش وهشام بالإظهار، وأدغم الباقون، وعلة الإدغام هي أن الذال أقوى من الثاء بكثير؛ لأن الذال مجهورة، والثاء مهموسة رخوة، فحسن انتقال الأول إلى القوة بالإدغام، والإظهار حسن؛ لأنه الأصل.
2- وأما الدال في الثاء فنحو قوله: {يُرد ثواب} «آل عمران 145» أظهره الحرميان وعاصم، وأدغم الباقون، وعلة الإدغام ضعيفة، لأن الدال أقوى من الثاء، للجهر الذي في الدال، أنت تنقلها بالإدغام إلى أضعف من حالها، فالإظهار أقوى وأولى.
3- وأما الراء في اللام فقبيح عند سيبويه والبصريين، لأنك تذهب التكرير الذي في الراء عند الإدغام، فيضعف الحرف، وأدغمه أبو عمرو وحده في رواية الرقيين عنه، فالإظهار أقوى وأحسن، وعليه كل القراء، فذلك حجة.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/157]
4- وأما اللام في الراء فهو حسن، وهو قوله تعالى: {بل ران} «المطففين 14» لأنك تبدل من اللام حرفًا أقوى من اللام بكثير، فذلك مما يقوي جواز الإدغام، وربما لم يجز غيره، وهو مثل: {ودت طائفة} «آل عمران 69»، {وقالت طائفة} «آل عمران 72»، و{أثقلت دعوا} «الأعراف 189»، و{إذ ظلموا} «النساء 64» فكل هذا الإظهار فيه قبيح، وعلى الإدغام أجمع القراء إلا الشاذ منهم، لأنك إذا أدغمت أبدلت من الأول حرفًا قويًا أقوى من الأول بكثير، ويحسن الإدغام لذلك، ويختار؛ لأنك تزيد الكلمة قوة مع ما في الإدغام من تسهيل اللفظ وتخفيفه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/158]

جمهرة علوم القرآن 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م 03:43 PM

فصل في إدغام ما هو من كلمة
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (فصل في إدغام ما هو من كلمة
1- اعلم أن هذا الباب يقوي الإدغام فيه أكثر من الذي قبله؛ لأن الحرفين لا ينفصل أحدهما من الآخر، فمن ذلك إدغام التاء في الثاء في: {لبثت} «البقرة 259»، و«لبثتم» «الإسراء 52» وذلك حسن لاتصالهما، ولأن التاء أقوى من الثاء، للشدة التي في التاء، ولأنهما اتفقا في الهمس، ولأن لام التعريف تدغم فيهما، والإظهار حسن، لأنه الأصل، ولأن به قرأ الحرميان وعاصم، وذلك حجة، ومثله الحجة في {أورثتموها} «الأعراف 43» قرأه بالإدغام أبو عمرو وهشام وحمزة والكسائي.
2- ومن ذلك إدغام الذال في التاء في قوله تعالى: {فنبذتها} «طه 96» و{عذت بربي} «غافر 27» أدغمهما أبو عمرو وحمزة والكسائي، وأظهر الباقون، وحجة من أدغم أن قوة التاء والذال معتدلة؛ لأن التاء شديدة، والذال مجهورة، والشدة في القوة كالجهر، ولأن التاء مهموسة، والذال رخوة والهمس في الضعف كالرخاوة، فاعتدلا في القوة والضعف، فحسن الإدغام لذلك، إذ لا يدخل على الحرف الأول نقص في قوته بالإدغام، على أنهما قد اشتركا في المخرج من الفم، واشتركا في إدغام لام التعريف فيهما، وقوي ذلك لاتصالهما
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/159]
في كلمة، والإظهار حسن؛ لأنه الأصل، ولأن التاء في تقدير الانفصال، لأن الفعل «عاذ ونبذ» فالتاء داخله فيهما بعد أن لم تكن، وأيضًا فإن به قرأ الحرميان وعاصم وابن عامر، وذلك حجة.
3- ومن ذلك: {اتخذتم} «البقرة 51» و«أخذت» «فاطر 26» أظهره ابن كثير وحفص، وأدغم الباقون، والحجة في الإدغام مثله ما قبله، لكن لما قلت حروف الكلمة حسن الإدغام، وعليه أكثر القراء.
4- فإن قيل: لم أدغم نافع «أخذتم» وأظهر «عذت»؟
فالجواب أن «عُذت» فعل قد حذف عينه للاعتدال، فلو غير لامه لأخل به، وليس ذلك في «أخذتم وأخذت».
5- فإن قيل: لم أدغم «أخذتم» وأظهر «إذ تقول»؟
فالجواب أن الذال من «إذ تقول» وشبهها تنفصل عما بعدها في الوقف، وأجرى الوصل في الوقف، وليس كذلك «أخذت» لا تنفصل الذال عن التاء في وصل ولا وقف.
6- فإن قيل: فلم أدغم «أتخذتم» وأظهر «فنبذتها»؟
فالجواب أن «أتخذتم» كلمة طالت فخففها بالإدغام، وليس كذلك «فنبذتها» وأيضًا فإن «أتخذتم» لما كان أولها مدغمًا اتبع آخر بالإدغام ليتفق أول الكلمة وآخرها، وليس كذلك «فنبذتها» ). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/160]

جمهرة علوم القرآن 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م 03:43 PM

فصل في النون الساكنة والتنوين والغنة
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (فصل في النون الساكنة والتنوين والغنة
النون الساكنة والتنوين يجريان في الكلام والقرآن على ستة أقسام:
1- الأول: أنهما يظهران إذا لقيهما حرف من حروف الحلق في كلمتين، وكذلك النون تظهر مع حروف الحلق في كلمة، وذلك نحو: {من هاد} «الرعد 33»، و{من علق} «العلق 2» و{من غفور} «فصلت 32» و{عفو غفور} «الحج 60» و«أنعمت» «الفاتحة 7» و{المنخنقة} «المائدة 3» وشبهه، وذلك إجماع من القراء. وعلة ذلك أن النون الساكنة والتنوين بعد مخرجهما من الحلق، فلم يحسن الإدغام؛ لأن الإدغام إنما يحسن مع تقارب المخارج، فلما تباعدت مخارجهما لم يكن بد من الإظهار، الذي هو الأصل، وإنما يخرج عن الأصل لعلة تقارب المخارج، فإذا عدم ذلك رجع إلى الأصل، وهو الإظهار، والإدغام في هذا يعده القراء لحنًا لبعد جوازه.
2- الثاني: أن النون الساكنة والتنوين يدغمان بذهاب الغنة في الإدغام إذا لقيتها راء أو لام مشددان، وذلك من كلمتين، وعلة الإدغام هو قرب مخرج اللام والراء من مخرج النون، لأنهن من حروف طرف اللسان، فحسن الإدغام في ذلك لتقارب المخارج، وزاده قوة أن النون والتنوين إذا أدغما
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/161]
في الراء نقلا إلى لفظ الراء، وهي أقوى منهما فكان في الإدغام قوة للحرف الأول، وأيضًا فإن لام التعريف تدغم فيهن، ولما كان حق الإدغام دخول الحرف الأول في لفظ الثاني يكليته أدغمت الغنة، التي في النون والتنوين معهما، في الراء واللام، ولم يبق للغنة لفظ، وكمل بذلك التشديد، وأجاز النحويون إظهار الغنة مع اللام خاصة، والذي أجمع عليه القراء إدغام الغنة مع الراء واللام، وذلك نحو قوله: «من لدنه، ومن ربهم»، وذلك إجماع من القراء، والإظهار في مثل هذا يعده القراء لحنًا لبعده من الجواز، وقد أتت به روايات شاذة غير معمول بها، ولو وقعت النون الساكنة قبل الراء واللام في كلمة لكانت مظهرة، بخلاف وقوعها قبلهما في كلمتين، وعلة ذلك أنك لو أدغمت لالتبس بالمضاعف، ألا ترى أنك لو بنيت مثال «فنعل» من «علم» لقلت: «عنلم» بنون ظاهرة ولو أدغمت لقلت: «علم» فيلتبس بـ «فعل»، فلا يدري هل هو «فنعل» أو «فعل»، وكذلك لو بنيت مثال «فنعل» من شرك، لقلت: شنرك بنون ظاهرة، ولو أدغمت لقلت «شرك» فيلتبس بـ «فعل»، فلا يدري هل هو «فعل» أو «فنعل»، وهذا المثال لم يقرأ في القرآن.
3- الثالث: أن النون الساكنة والتنوين يدغمان في الميم وتبقى الغنى غير مدغمة، خارجة من الخياشيم، فينقص حينئذٍ التشديد، نحو قوله تعالى: {من نور}، {ومن ماء}، الغنة التي كانت في النون باقية مع لفظ الحرف الأول،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/162]
لأنك إذا أدغمت في حرفين فيهما غنة، وذلك الميم والنون، فبالإدغام تلزم الغنة، لأنها باقية غير مدغمة، وبالإظهار أيضًا تلزم الغنة، لأن الأول حرف تلزمه الغنة ومثله الثاني، فالغنة لابد منها ظاهرة، أدغمت أو لم تدغم، وعلة إدغامها في النون هو اجتماع مثلين الأول ساكن، ولا يجوز الإظهار ألبتة، كما لا يجوز في قوله: {فلا يسرف في القتل} «الإسراء 23» و{اجعل لنا} «النساء 75» وشبهه إلا الإدغام. فأما علة إدغامها في الميم فلمشاركتهن في الغنة، ولتقاربهن في المخرج، للغنة التي فيهن، لأن مخرج النون الساكنة والتنوين والميم الساكنة من الخياشيم، فقد تشاركن في مخرج الغنة، فحسن الإدغام، مع أن النون مجهورة شديدة والميم مثلها، فقد تشاركن في الجهر والشدة، فهما في القوة سواء، في كل واحد جهر وشدة وغنة، فحسن الإدغام وقوي، وبقيت الغنة ظاهرة، لئلا يذهب الحرف بكليته، ولأنك لو أذهبت الغنة لأذهبت غنتين، غنة كانت في الأول، وغنة في الثاني إذا سكن، وأيضًا فإنه لا يمكن ألبتة زوال الغنة؛ لأنك لابد لك في الإدغام من أن تبدل من الأول مثل الثاني، وذلك لابد فيه من الغنة، لأن الأول فيه غنة، والثاني إذا سكن فيه غنة، فحيثما حاولت مذهبا لزمتك الغنة ظاهرة، فلم يكن بد من إظهار الغنة في هذا، وهذا كله إجماع من القراء والعرب، ولا يتمكن أبدًا في إدغام النون والتنوين في الميم والنون إدغام الغنة إلا بذهاب لفظ الحرفين جميعًا إلى غيرهما من الحروف، مما لا غنة فيه إذا سكن، وذلك تغيير لم يقع في كلام العرب.
4- الرابع: أن النون الساكنة والتنوين يدغمان في الياء والواو من كلمتين، مع إظهار الغنة التي كانت في النون، في حال اللفظ بالشدة والمدغم، لا في نفس الحرف الأول، بخلاف ما ذكرنا قبل هذا، الذي تبقى الغنة ظاهرة مع لفظ الحرف الأول، والفرق بينهما أنك إذا أدغمت النون في الميم أبدلت من النون،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/163]
وقد كانت فيه غنة، حرفا فيه غنة أيضًا، وهو الميم، فصارت الغنة لازمة للفظ الحرف الأول، وإذا أدغمت النون في الياء والواو أبدلت من النون حرفا لا غنة فيه، فلم تكن الغنة لازمة للحرف الأول؛ لأنه لا تلزمه الغنة، سكن أو تحرك، فتصير الغنة ظاهرة في حال اللفظ بالمدغم، خارجة من الخياشيم، وهذا إجماع من القراء غير خلف عن حمزة، فإنه أدغم في الياء والواو بغير غنة على أصل الإدغام، وعلة إدغام النون الساكنة والتنوين في الياء والواو وإظهار الغنة، هي ما بينهن من التشابه، وذلك أن الغنة التي في النون تشبه المد واللين، اللذين في الياء والواو، فحسن الإدغام لذلك، وأيضًا فإن الواو من مخرج الميم فأدغمت النون فيها، كما تدغم في الميم لمؤاخاة الميم الواو في المخرج، ولذلك بقيت الغنة ظاهرة، كما تبقى في الميم والياء والواو، ولأنه لما كانت الواو تدغم في الياء نحو: طيا وليا، جاز إدغام النون الساكنة في الياء، كما جاز في الواو، وعلى هذا جماعة القراء، لكن الغنة ظاهرة مع اللفظ بالمشدد، لا في نفس الحرف الأول، كأنها بين الحرفين المدغمين، فهو إدغام ناقص التشديد لبقاء الغنة ظاهرة فيه، والغنة في جميع هذا كله صوت يخرج من الخياشيم، والحرف الذي فيه الغنة، إن كان ميما، فمن بين الشفتين يخرج، وإن كان نونًا، فمن طرف اللسان وأطراف الثنايا يخرج، فحرف الغنة له مخرجان، فإذا أدغمته أدغمت ما يخرج من الفم منه، وأبقيت ما يخرج من الخياشيم ظاهرًا، فلا يتمكن التشديد مع بقاء الغنة ظاهرة، فإن أدغمت حرف الغنة في الراء واللام أدغمت ما يخرج من المخرجين جميعًا، ولم تبق شيئًا فيتمكن التشديد، إذ لم تبق من الحرف شيئًا، ولو وقعت النون قبل
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/164]
الواو والياء في كلمة، لم يكونا إلا مظهرين، لأنك لو أدغمت لالتبس بالمضاعف، فتقول: الدنيا وبنيان وقنوان وصنوان، بالإظهار، وهذا كله إجماع من القراء على ما بينا وعللنا.
5- الخامس: أن النون الساكنة والتنوين ينقلبان ميمًا إذا لقيتهما باء، نحو قوله: {أن بورك} «النمل 8» و«هنيئًا بما كنتم» «الطور 19»، وكذلك النون تأتي بعدها الباء في كلمة نحو: {أنبئهم} «البقرة 33» و«عنبر» ولا تشديد في هذا، إنما هو بدل لا إدغام فيه، لكن الغنة التي كانت في النون باقية؛ لأن الحرف الذي أبدلت من النون حرف فيه غنة أيضًا، وهو الميم الساكنة، فلابد من إظهار الغنة في البدل، كما كانت في المبدل منه، وهذا البدل إجماع من القراء، وعلة بدل النون الساكنة ميمًا إذا لقيتهما باء أن الميم مؤاخية للباء؛ لأنها من مخرجها ومشاركة لها في الجهر، والميم أيضًا مؤاخية للنون في الغنة وفي الجهر، فلما وقعت النون قبل الباء، ولم يمكن إدغامها في الباء، لبعد ما بين مخرجيها، وبعد إظهارها لما بينهما من الشبه، ولما بين النون وأخت الباء من الشبه وهي الميم، أبدلت منها حرفًا مؤاخيًا لها في الغنة، ومؤاخيًا للياء في المخرج، وهو الميم، ألا ترى أنهم لم يدغموا الميم في الباء، مع قرب المخرجين، والمشاركة في الجهر، نحو قوله: {وهم بربهم} «الأنعام 150»، وقال سيبويه في تعليل امتناع إدغام الميم في الباء قال: لأنهم يقلبون النون ميمًا في قولهم: «العنبر، ومن بدا لك» فلما وقع قبل الباء الحرف الذي يفرون إليه من النون لم يغيروه، وجعلوه بمنزلة النون، إذا كانا حرفي غ نة، قال: ولم يجعلوا النون باء لبعدها من مخرج الباء، ولأنها ليست فيها غنة، قال: ولكنهم أبدلوا مكانها أشبه الحروف بالنون وهي الميم.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/165]
السادس: أن النون الساكنة والتنوين يخفيان عند باقي الحروف التي لم يتقدم لها ذكر، نحو: «من شاء، ومن كان، ومن جاء، ومن قبل» وشبهه، ولا تشديد في الإخفاء لأن الحرف أيضًا يخفى بنفسه، لا في غيره، والإدغام إنما هو أن تدغم الحرف في غيره، فلذلك يقع فيه التشديد، والغنة ظاهرة مع الإخفاء، كما كانت مع الإظهار، لأنه كالإظهار، فالغنة التي في الحرف الخفي هي النون الخفية، وذلك أن النون الساكنة مخرجها من طرف اللسان وأطراف الثنايا، ومعها غنة تخرج من الخياشيم، فإذا خفيت لأجل ما بعدها زال، مع الخفاء، ما كان يخرج من طرف اللسان منها، وبقي ما كان يخرج من الخياشيم ظاهرًا، وعلة إخفاء النون والتنوين عند هذه الحروف، أن النون الساكنة قد صار لها مخرجان: مخرج لها، وهو المخرج التاسع، ومخرج لغنتها، وهو المخرج السادس عشر على مذهب سيبويه، فاتسعت بذلك في المخرج، بخلاف سائر الحروف، فأحاطت باتساعهم بذلك في المخرج، بحروف الفم، فشاركتها بالإحاطة بها، فخفيت عندها، وكان ذلك أخف، لأنهم لو استعملوها مظهرة لعمل اللسان فيها من مخرجها، ومن مخرج غنتها، فكان خفاؤها أيسر لعمل اللسان مرة واحدة، ولذلك قال سيبويه في تعليل خفائها قال: وذلك لأنها من حروف الفم، وأصل الإدغام لحروف الفم لأنها أكثر الحروف، فلما وصلوا إلى أن يكون لها مخرج من غير الفم، يعني من الخياشيم، كان أخف عليهم ألا
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/166]
يستعملوا ألسنتهم إلا مرة واحدة، يريد: أنهم لو أتوا بالنون مظهرة للزمهم استعمال ألسنتهم بالنون من مخرج الساكنة، ومن مخرج غنتها، فكان استعمالهم لها من مخرج غنتها أسهل، مع كثرتها في الكلام، فاستعملوها خفية بنفسها، ظاهرة بغنتها، وكان ذلك أخف، إذ لا لبس فيه، فإذا قلت: عنك، ومنك، فمخرج هذه الغنة من الخياشيم، والنون التي تخرج من طرف اللسان، هي التي خفيت، فإذا قلت: منه: وعنه، فمخرج هذه النون من طرف اللسان، ومعها غنة تخرج من الخياشيم؛ لأنها غير مخفاة، إنما هي ظاهرة مع حروف الحلق، وإذا قلت: «من ربهم»، فأدغمت، صار مخرج النون من مخرج الراء، لأنك أبدلت منها راء بدلًا محضًا عند الإدغام، وإذا قلت: من «يؤمن» فأدغمت، فتخرج النون من مخرج الياء؛ لأنك أبدلت منها في حال الإدغام ياء، غير أنك تُبقي الغنة خارجة من الخياشيم، على ما كانت قبل الإدغام، وكذلك التنوين، يجري مجرى النون في كل هذه الوجوه، فتقول: أخفيت النون عند السين، ولا تقل في السين، وخفيت النون عند السين، ولا تقل في السين، وتقول: أدغمت النون في اللام، ولا تقل عند اللام، فاعلم ذلك وافهمه تعلم به معنى الإدغام ومعنى الإخفاء، فالحروف التي تدغم فيها النون الساكنة والتنوين ستة يجمعها هجاء قولك «يرملون» والحروف التي تظهر معها الغنة يجمعها هجاء قولك «يومن» على الاختلاف المذكور في الياء والواو). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/167]

جمهرة علوم القرآن 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م 03:44 PM

باب تذكر فيه علل الفتح والإمالة وما هو بين اللفظين
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (باب تذكر فيه علل الفتح والإمالة وما هو بين اللفظين
اعلم أن أصل الكلام كله الفتح، والإمالة تدخل في بعضه، في بعض اللغات لعلة، والدليل على ذلك أن جميع الكلام، الفتح فيه سائغ جائز، وليست الإمالة بداخلة إلا في بعضه، في بعض اللغات، لعلة. فالأصل ما عمَّ، وهو الفتح.
واعلم أن معنى الإمامة هو تقريب الألف نحو الياء، والفتحة التي قبلها نحو الكسرة. واعلم أن الألف الممالة تكون أصلية بدلًا من ياء، فتميلها، لتدل بالإمالة على أصلها، وتكون ألفًا زائدة، تمال لشبهها بالأصلية ولأنها لا أصل لها في الواو نحو: معزى، وقصارى، وقد يكون أصلها الواو، ولكنها أميلت
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/168]
لرجوعها إلى الياء في نحو «أزكى» ولكسرة مقدرة نحو: «خاف»، التي توجب الإمالة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/169]

جمهرة علوم القرآن 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م 03:44 PM

باب أقسام العلل
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (باب أقسام العلل
1- اعلم أن العلل التي توجب الإمالة ثلاث: وهي الكسرة وما أميل ليدل على أصله، والإمالة للإمالة، فنبدأ بذكر ما أميل لكسرة، ثم نتبعه ما أميل ليدل بالإمالة على أصله ثم نتبعه ما أميل لإمالة بعده، وهذا أقلها تصرفًا.
الأول: ما أميل لكسرة، فمن ذلك الكسرة تقع بعد الألف على راء، والكسرة إعراب نحو: «النار، والنهار» وشبهه، فما بعد الألف راء مكسورة أماله أبو عمرو وأبو عمر الدوري إلا أن أبا عمرو استثنى «الجار» في الموضعين في النساء، ففتحهما، وأمالهما أبو عمر الدوري وحده كذلك... وقرأه ورش بين اللفظين، وفتحه الباقون، وعلة من أماله أنه لما وقعت الكسرة بعد الألف قرب الألف نحو الياء، لتقرب من لفظ الكسر، لأن الياء من الكسر، ولم
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/170]
يمكن ذلك حتى قربت الفتحة التي قبل الألف نحو الكسر، فحسن ذلك ليعمل اللسان عملًا واحدًا مستفلًا، فذلك أخف من أن يعمل متصعدًا بالفتحة والألف، ثم يهبط مستفلًا بكسرة الراء، وهو مع الراء أحسن؛ لأن الكسرة عليها قوية، كأنها كسرتان، فقويت الإمالة لذلك مع الراء لأنها حرف تكرير، الحركة عليها مقام حركتين، وعلة من قرأه بين اللفظين أنه توسط الأمر، فلم يمل؛ لئلا يخرج الحرف عن أصله، ولم يفتح لقوة الكسرة في الراء، فقرأ ذلك بين اللفظين، أي بين الفتح والإمالة، وعلة من فتح أنه أتى به على الأصل، ولم يستثقل التسفل بعد التصعد، وإنما الذي يثقل في اللفظ هو مثل التصعد بعد التسفل نحو إمالة «زاغ».
2- ومن هذا الفصل ما تفرد بإمالته أبو عمرو الدوري عن الكسائي، وليست الكسرة فيه إعرابًا على الراء، بل هي بناء وذلك قوله: {من أنصاري} في «آل عمران 52» وفي «الصف 14» و{جبارين} في الموضعين «المائدة 22، الشعراء 130» ومما لا راء فيه: {آذانهم} «البقرة 19»، و{آذاننا} «فصلت 5» و{طغيانهم} «البقرة 15»، ومما فيه أيضًا راء: {سارعوا} آل «عمران 133» و{نسارع} «المؤمنون 56»، و{يسارعون} «آل عمران 114»، و{بارئكم} «البقرة 54»، و{البارئ} «الحشر 24»، {الجوار} في ثلاثة مواضع، أمال ذلك كله لوقوع الكسرة على الراء بعد الألف زائدة، وأجرى كسرة البناء مجرى كسرة الإعراب، والإمالة مع كسرة البناء أقوى، لأنها كسرة لازمة لا تتغير، وكسرة الإعراب لا تلزم، إلا في حالة الخفض، فهي أضعف. وأمال «آذانهم وآذاننا، وطغيانهم» للكسرة أيضًا. فهو، في هذا كله، يميل
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/171]
الألف نحو الياء للكسرة التي بعدها، ويميل الفتحة التي قبلها نحو الكسرة، ليعمل اللسان عملًا واحدًا، على نحو ما ذكرنا أولًا.
3- ومما أميل للكسرة أيضًا ما تفرد به هشام، من إمالته الخمسة المواضع: وذلك «مشارب، وآنية، وعابد، وعابدون» في {قل يا أيها الكافرون} خاصة في ثلاثة مواضع فيها، أمال الألف للكسرة التي بعد ذلك، وقوي ذلك لأن الكسرة بناء لازمة لا تتغير.
4- ومن ذلك ما تفرد به ابن ذكوان من إمالة «المحراب» إذا كان مخفوضًا، وذلك في آل عمران ومريم، أمالهما للكسرة التي بعد الألف، وهو ضعيف من وجهين: أحدهما أن الراء إذا انفتحت قبل الألف تمنع الإمالة، والثاني أن الكسرة إعراب غير لازمة، لكن تتقوى إمالة «المحراب» قليلًا للكسرة التي على الميم، وللكسرة على الباء، وكلاهما يوجب الإمالة، فلما اجتمعا قويت الإمالة بعض القوة.
5- ومن ذلك ما تكررت فيه الراء، نحو: «الأشرار، والأبرار» إذا كان محفوضًا، قرأه الكسائي وأبو عمرو بالإمالة، للكسرة التي بعد الألف، وقوي ذلك لأن الكسرة على الراء أقوى منها على غيرها، للتكرير الذي في الراء، وانفتاح الراء قبل الألف يضعف الإمالة فيه، لكن لما أوجبت إمالة الألف أن يُنحى بفتحة الراء إلى الكسر، حسن قليلًا الإمالة فيه، وقرأ ورش
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/172]
وحمزة بين اللفظين، وفتح الباقون على الأصل، والعلة فيه ما ذكرنا من إمالة «النار والقرآن».
6- ومن ذلك «الكافرين» إذا كان بالياء، أماله أبو عمرو الدوري والكسائي وقرأه ورش بين اللفظين، وعلة إمالة للكسر الذي وقع بعد الألف، وحسن ذلك لإتيان الراء بعد الفاء المكسورة مكسورة، وبعدها ياء، والياء من الكسرة، فتوالت الكسرات، فحسنت إمالته وقويت، وكذلك علة قراءته بين اللفظين على التوسط والفتح، وهو الأصل.
7- ومن ذلك إمالة حمزة والكسائي {أو كلاهما} أمالاه للكسرة التي على الكاف، ولم يعتد باللام؛ لأن الحرف الواحد، لا يمنع، ولا يحجز، وقد أمالت العرب الألف للكسرة التي قبلها، وقد حال بينهما حرفان نحو قولهم: «لن تضربها، وتريد أن تنزعها» فأمالوا الكسرة ولم يعتدوا بالهاء لخفائها ولا بالباء ولا بالعين، لأنه حرف واحد، فكأنهم قالوا: لن تضربا وتريد أن تنزعا، فالهاء لغو وحرف لا يحجز.
8- ومن ذلك ما تفرد بإمالته حمزة من قوله تعالى: {أنا آتيك به} «النمل 39» أمال الألف، على أنها ألف فاعل، وأمال الهمزة لكسرة التاء في الموضعين في النمل ليعمل اللسان عملًا واحدًا في المستفل، وقد روي
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/173]
عن خلاد الفتح فيه، ومثله إمالة خلف العين من «ضعافا» في النساء لكسرة الضاد، وعن خلاد الفتح، والإمالة، ومثله ما روي عن أبي عمرو من إمالة «الناس» إذا كان مخفوضًا، لكن بالفتح قرأت له فيه، والإمالة فيه مشهورة مستعملة.
9- ومن هذا الفصل ما تفرد بإمالته حمزة في عينات الأفعال وذلك نحو: «زاد، وجاء، وشاء، وخاب، وطاب، وضاق، وضاقت، وحاق، وخافت، وخاف» حيث وقع ذلك، ونحو: «زاغ، وزاغوا» وهذين الموضعين من «زاغ» خاصة، أمال حمزة الألف من ذلك كله نحو الياء، والفتحة التي قبلها نحو الكسرة في جميعها، ووافقه ابن ذكوان في «جاء، وشاء» حيث وقعا، وعلى إمالة «زاد» في أول سورة البقرة خاصة.
10- وعلة الإمالة في ذلك أنه أمال، ليدل على أن الحرف منها ينكسر، عند الإخبار في قولك: «جئت، وشئت، وخفت، وزغت، وطبت، وضقت، وخبت، وخفت» فدل بالإمالة على أن الأول مكسور منها عند الإخبار، فعملت الكسرة المقدرة، فأميلت الألف لها.
11- قال أبو محمد: وهذه الأفعال يفضل بعضها بعضًا في قوة الإمالة فيها، فأقواها في الإمالة «جاء، وشاء» وذلك أن فيها أربع علل تقوى الإمالة
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/174]
بها: احداها أن الأول ينكسر عند الإخبار، في قولك: «جئت، وشئت» والثانية أن الألف، التي هي عين الفعل الممالة، أصلها الياء فيهما، والثالثة أن الهمزة في آخرها تشبه الألف، لأنها أختها في قرب المخرج، وفي أنها تبدل من الهمزة كثيرًا، فصار كأن في آخرها ألفًا، فقويت الإمالة لذلك، والرابعة أن العين في المستقبل كما أميل «خاف» لكسر الخاء في الإخبار، فهي إمالة لشيء مقدر في الكلام فيهما، وفي إمالة «شاء» مزية في القوة على إمالة «جاء» لأن مستقبل «شاء» جاء على مثال مستقبل «فعل» بكسر العين؛ لأنه جاء على «يفعل» بفتح العين لأجل الهمزة، وأصل عينه الكسرة، كما كان في «يجيء» فكأن العين من «شاء» يشبه العين من «خاف» التي أصل عينها الكسر، فقويت الإمالة في «شاء» لاجتماع خمس علل، فيها تقوى الإمالة، ولذلك خصهما ابن ذكوان بالإمالة دون غيرهما، فأما إمالته «زاد» في أول سورة البقرة دون غيرها فللجمع بين اللغتين، مع نقله ذلك عن أئمته، ثم يلي إمالة «شاء، وجاء» في القوة باقي الأفعال المذكورة إلا «خاف» فهي دون أخواتها في قوة الإمالة، لما نذكره لك، وذلك أن «طاب، وخاب، وضاق، وزاغ، وحاق، وزاد» أميلت لعلل ثلاث: أحدها أن أوائلها تنكسر عند الإخبار عن المتكلم في قولك، «زدت، وخبت، وطبت، وضقت، وزغت» والثانية أن عيناتها كلها أصلها الياء، والثالثة أن العين في المستقبل في جميعها مكسورة، فقويت الإمالة فيها؛ لاجتماع هذه العلل الثلاث، ثم دون ذلك في قوة الإمالة «خاف» لأنها أميلت لعلتين: احداهما أن الأول منهما ينكسر في الإخبار في قولك: خفت، والثانية أن عين الفعل منها أصله الكسر، فأميلت لعلتين فقط، فافهم هذه الرتب،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/175]
وابن عليها، وقد يأتي من الإمالة ما تتبع فيه الرواية، ولا تقوى فيه علة، فقد أمال حمزة «ضاقت» في الموضعين كما أمال «ضاق»، وفتح «زاغت» في الموضعين، ولم يمل كما أمال «زاغ» فهذا للجمع بين اللغتين ولاتباع الرواية.
14- فإن قيل: فلم ترك القراء إمالة «ساء، وباء» ونحوه؟
فالجواب أن هذا وشبهه لا علة فيه توجب الإمالة؛ لأن عينه في الماضي مفتوحة، وفي المستقبل مضمومة، ولأن عينه أصله الواو، فلا علة فيه للإمالة، فأتى بالفتح على الأصل، وأيضًا فإن الأول منهما لا ينكسر في الإخبار، كما ينكسر في جميع الأفعال المذكورة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/176]

جمهرة علوم القرآن 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م 03:45 PM

العلة الثانية من علل الإمالة ما أميل لتدل إمالته على أصله
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (العلة الثانية من علل الإمالة ما أميل لتدل إمالته على أصله
15- قال أبو محمد: على هذه العلة تجري أكثر الإمالات، وذلك أن تكون الألف أصلها الياء، أو تكون زائدة رابعة وأكثر، فيكون حكمها حكم ما أصله الياء، أو تكون الألف للتأنيث، فتجب الإمالة لتدل على أصل الألف، أو على أن الألف في حكم ما أصله الياء، وذلك باب واسع، فالتي أصلها الياء نحو إمالة حمزة والكسائي لقوله: «أتى، وتعالى، ورمى، وسعى، ووصى، وتولى، وتوفى، واصطفى، واستوى، واستسقى، واستعلى، ونادى، وطغى، وتتوفاهم» فهذا كله في الأفعال، وتكون في الأسماء نحو: «الهدى، والهوى، والقرى، والقربى، وفتى، ومحيى، ويحيى، وموسى، ومجرى، ومنتهى» وشبهه، ويأتي في هذا ما أصل ألفه الثاني الواو ثم ترجع إلى الياء في الرباعي نحو: «تزكى، وزكى، ويرضى» وشبهه فذلك كله
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/177]
يميله حمزة والكسائي ليدلا على أن الألف، قد صارت في حكم ما أصله الياء، وكل ما وقع من هذا رأس آية، ولا راء فيه، فأبو عمرو وورش يقرآنه، بين اللفظين، فإن كان بعد الألف هاء وألف قرأه أبو عمرو وحده بين اللفظين، وإن كان في شيء من ذلك راء فأبو عمرو يميله كحمزة والكسائي، وورش يقرؤه بين اللفظين، على التوسط لا ممال ولا مفتوح، فهذا وشبهه كله أمالاه، ليدلا بالإمالة على أن أصل الألف الياء، فينحوان بالألف نحو أصلها، وهو الياء، ولا يمكن ذلك حتى ينحوا بالفتحة التي قبلها نحو الكسرة.
16- وأما الألف الزائدة التي تجري على حكم الأصلية فتمال، فنحو: «كسالى، ويتامى، وحوايا» وشبهه، أماله أيضًا حمزة والكسائي، فإن كان فيه راء قبل الألف، والألف أصلية أو زائدة، فكذلك حمزة والكسائي وأبو عمرو معهما على الإمالة فيه، وورش بين اللفظين، وذلك نحو: «يرى، ونرى، وافترى، وأرى، وتتمارى، وأسارى، وسكارى، ونصارى» ومنه ما فيه ألف التأنيث، فتمال؛ لأن التأنيث له الكسر والياء في قوله: «أنى لك، ومتى» وشبهه، ولأن الألف قد صارت رابعة فيه، فهي في حكم ما أصل ألفه الياء، وذلك نحو: «شتى، وصرعى، وسيمى، وقتلى» وشبهه، يميله حمزة والكسائي، وأبو عمرو بين اللفظين، وفتحه الباقون، فإن كان فيه راء نحو: «أسرى، وذكرى،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/178]
وبشرى، وشورى» فيمله أبو عمرو وحمزة والكسائي، وورش بين اللفظين، ويفتحه الباقون.
17- وعلة إمالته لتقرب الألف، من أصلها أو حكمها، ولابد أن ينحى بالفتحة، التي قبل الألف نحو الكسرة: فبذلك تتمن إمالة الألف إلى نحو الياء في هذا وغيره، وأمال الكسائي وحده من هذا الباب «محياهم، ومحياكم، وقد هداني، وعصاني، وأوصاني، وآتاني الكتاب، وآتاني الله، وأنسانيه، وخطايانا وخطاياهم، وخطاياكم، ومرضاتي، ومرضاة، وفأحياكم، وإن الذي أحياها» عطف بالفاء أو لم يعطف، وأمال «حق تقاته، ورؤياك، ورؤياي» كله أماله؛ لأن أصل ألفه بالياء). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/179]

جمهرة علوم القرآن 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م 03:46 PM

فصل في معرفة أصل الألف
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (فصل في معرفة أصل الألف
1- إذا اشتكل عليك أمر الألف في الأفعال فأخبر بذلك الفعل عن نفسك، فإن رجعت ألفه في الإخبار إلى الياء فأصلها الياء، وإن رجعت إلى الواو فأصلها الواو، تقول في: رمى، وسعى، رميت، وسعيت، فترجع الألف إلى الياء فتميل ذلك. وتقول في: عفا، ونجا، عفوت، ونجوت، فترجع الألف إلى الواو فلا تميله. وإن شئت أن تقيس بغير ذلك، وذلك أن تخبر بذلك الفعل عن اثنين، فإن رجعت الألف إلى الياء فهو مما أصل ألفه الياء، فأمله، وإن رجعت ألفه إلى الواو فهو مما أصل ألفه الواو، فلا تمله، تقول في: رمى، وسعى، إذا أخبرت عن اثنين: رميا، وسعيا فترجع الألف إلى الياء، فتمال، وتقول في: عفا، ونجا، عفوا ونجوا، فترجع الألف إلى الواو، فلا تمله، وإن شئت فقسه بالمصدر أبدًا، فمنه اشتق الفعل فإن كان المصدر بالياء فأصل الألف في الفعل الياء، فتميلها، وإن كان بالواو فلا تميل الفعل، تقول في مصدر عفا وصفا: هو العفو، وهو الصفو، فتظهر الواو، فلا تميل الفعل، وتقول في مصدر سعى، ورمى، هو السعي، وهو الرمي، فتظهر الياء، فتميل الألف في الفعل إذا شئت، وإن شئت فقسه بتصرف الفعل، فإن أظهرت فيه الواو فهو من الواو، وإن أظهرت فيه الياء فهو من الياء، تقول: رمى يرمي، وصفا يصفو، ودعا يدعو، وقضى يقضي، فتجد الياء فيما أصل ألفه الياء، وتجد الواو فيما أصل ألفه الواو، فتميل ذوات الياء ولا تميل ذوات الواو، فقس بأي ذلك شيئت، فإن كانت الألف الذي تريد معرفة اصلها في اسم، وهي رابعة أو خامسة، فأملها، ولا تنظر إلى أصلها، لأن ما كان أصلها الياء والواو يرجعان، إذا تجاوزا ثلاثة أحرف، إلى الياء، تقول: دعوى وادعيت، وصفوت
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/180]
وأصفيت، فترجع الألف إذا صارت رابعة إلى الياء، وإن كان أصلها في الثلاثي الواو فتميلها، وإن كانت الألف في اسم ثلاثي فقسه بالتثنية، فإن ظهرت فيه الواو فألفه أصلها الواو، وإن ظهرت فيه الياء فألفه أصلها الياء، وذلك نحو هدى، وصفى، تقول في التثنية: هديان، وصفوان، فإن لم تعرف بأي شيء تثنيه، بالياء أو بالواو، فانظر إلى فعله، وامتحنه بالأدلة التي قدمت لك، فإن كانت ألفه واوًا فتثنه بالواو، وإن كانت ألفه ياء فتثنه بالياء، ألا ترى أن «هدى» من «هدي»، وأنت تقول فيه، إذا أخبرت عن نفسك: هديت، وإذا أخبرت عن اثنين: هديا، فتعلم أن ألف «هدى» من الياء، وتقول: صفا، وصفوت، والصفو، فتعلم أن ألف الصاف من الواو، فبهذه الأشياء فقس كل ألف أصلية، وردت عليك في القرآن ولكلام، تقف بذلك على أصلها، فأما الألف الزائدة فلا أصل لها في ياء ولا واو، وإنما تمال للعلل التي ذكرنا من الكسرات ونحوها.
2- ومما أميل لأن أصل ألفه الياء «رأى، ورآه» أماله ابن ذكوان وأبو بكر وحمزة والكسائي، وأمالوا الراء لإمالة الهمزة، وللألف بعدها، فهذا مما أميل للإمالة بعده، وهو قليل، سنذكره ومثلهم أبو عمرو، غير أنه يفتح الراء وقرأ ذلك ورش بين اللفظين في الراء والهمزة، فهذا يُمال لأن الألف التي بعد الهمزة أصلها الياء، ألا ترى أنك تقول: رأيت رأيا، وهو رأي العين، ولم تتمكن إمالة الألف إلى الياء إلا بإمالة فتحة الهمزة التي قبلها إلى الكسرة ثم أمالوا الراء لما وقع بعدها من الإمالة، ليعمل اللسان عملًا واحدًا في الثلاثة الأحرف، وأما أبو عمرو فأبقى الراء على فتحتها؛ لأنها حرف تكرير، فلو أمالها اجتمع له أربعة أحرف ممالة، لأن الراء كحرفين، فأبقى الراء على فتحتها، لبعدها من الألف، ولما ذكرنا من تكرير الإمالات، ولأنه قد وصل إلى إمالة الألف نحو
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/181]
الياء، بإمالة فتحة الهمزة نحو الكسرة، فلم يحتج إلى تغيير فتحة الراء، فإن وقع بعد الألف ساكن، فحذفت الألف، فحمزة وأبو بكر يبقيان الإمالة في الراء خاصة، على ما كانت مع الألف، لأن حذفها عارض، ولأن الإمالة قد تقوت بثباتها في حرفين، ولبعد المحذوف من الأول، فكرها أن يزيلا الإمالة من حرفين، لزوال حرف عارض زواله، وابقوا الإمالة في حرف واحد، بعيد من المحذوف، ولو كانت الإمالة في حرف واحد لأزالها أهل الإمالة عند حرف الألف نحو: «موسى الكتاب، ونرى الله، والنصارى المسيح» لأن الإمالة لم تقو في اللفظ، إنما هي من حرف واحد، أميل لأجل إمالة الألف، فلما حذفت الألف زالت الإمالة من الحرف الذي قبله، و«رأى» تمكنت الإمالة مع الألف في حرفين، فلما حذفت الألف حذفًا عارضًا بقيت الإمالة في الراء، لتمكنها في حرفين، وزالت الإمالة مما يقرب من المحذوف، وهو الهمز؛ لأن حذف الألف عارض، فاعرف الفرق بينهما، فإن وقفوا رجعوا في الإمالة إلى أصولهم، ومما أميل؛ لأن أصل ألفه الياء قوله: {بل ران} «المطففين 14» أماله أبو بكر وحمزة والكسائي، وهو من «الرَّين» وهو الغلبة، تقول: ران، يرن، أي: غلب، فالياء ظاهرة في مصدره وفعله، فلذلك أميل، ولم تمنعه فتحة الراء من الإمالة؛ لأن الألف أصلية، وأكثر ما تمنع فتحة الراء الإمالة في الألف الزائدة نحو: راق، ودوران، وشبهه.
3- ومن ذلك «أدرك، وأدراكم» حيث وقع، أصل ألفه الياء، لأنه من «دريت» ومن «الدراية» ومن «درى، يدري» فالياء ظاهرة فيه.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/182]
فأماله أبو بكر وأبو عمرو وابن ذكوان وحمزة والكسائي، وقرأه ورش بين اللفظين وفتح الباقون، وعلة الإمالة فيه على ما ذكرنا من محاولة تقريب الألف إلى أصلها، ولابد من إمالة فتحة الراء إلى الكسر، فبه تتمكن إمالة الألف إلى الياء.
4- ومن ذلك «التوراة» حيث وقعت، أصل ألفها الياء، لأنها من «وري الزند» وأصلها «ووريه» على وزن «فوعلة» فأبدلوا من الواو الأولى تاء كما فعلوه في «تجاه، وتقاة» وهما من الوجه والوقاية، ثم لما تحركت الياء بالفتح، وقبلها فتحة قلبت ألفًا، فصارت «توراة»، التاء بدل من واو، والألف بدل من ياء، فحسنت إمالته لذلك، وعلى إمالته أبو عمرو والكسائي وابن ذكوان، وقرأ نافع وحمزة بين اللفظين، والباقون بالفتحة، وعلة إمالته ما ذكرنا من محاولة تقرب الألف إلى أصلها وهو الياء، ولا يتمكن ذلك، إلا بتقريب فتحة الراء إلى الكسرة، وبين اللفظين هو التوسط على ما ذكرنا، معناه بين الفتح والإمالة، لا هو مفتوح محض، ولا ممال محض، ومن قرأه بالفتح فهو على الأصل). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/183]

جمهرة علوم القرآن 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م 03:46 PM

باب فيه أحرف تمال لما تقدم من العلل لكنها لم يجر القراء في إمالتها على قياس واحد
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (باب فيه أحرف تمال لما تقدم من العلل لكنها لم يجر القراء في إمالتها على قياس واحد
1- من ذلك «هداي» في موضعين، و«محياي، ومثواي، وكمشكاة، ورؤياك» وتفرد أبو عمر الدوري بإمالة هذه الستة، فيما أصل ألفه الياء، لتقرب الألف من أصلها وقد ذكرنا ما تفرد بإمالته الدوري لكسرة بعد ألف على راء أو غيرها.
2- ومن ذلك «أعمى» و«أعمى» في بني إسرائيل قرأ الأول بالإمالة أبو عمرو وأبو بكر وحمزة والكسائي، وقرأ الثاني بالإمالة أبو بكر وحمزة والكسائي، وعلة أبي عمرو في فتحه الثاني أنه اسم في موضع المصدر، والأول ليس بمعنى المصدر، فأمال الأول وفتح الثاني للفرق، وكان المصدر أولى بالفتح؛ لأن ألفه إذا لفظ به ليست من الياء، في قول جماعة من النحويين، إنما هي عوض من التنوين إذا قلت: هو أشد عمى منك، فوقفت على «عمى»، وقفت على الألف التي هي عوض من التنوين، وفيه اختلاف.
3- ومن ذلك «رمى» أماله أبو بكر وحمزة والكسائي، لأنك
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/184]
تقول: رميت، ومن ذلك «سوى، وسدى» وقف عليهما بالإمالة أبو بكر وحمزة والكسائي.
4- ومن ذلك «أنى» التي بمعنى «كيف، ومن أين»، و«يا ويلتي، ويا حسرتي» قرأ ذلك حمزة والكسائي بالإمالة، وقرأ العراقيون عن أبي عمرو بين اللفظين، وقد روي عن أبي عمرو بين اللفظين في «يا أسفى» بالفتح، قرأت، وكذلك «يحيى» اسم النبي عليه السلام، قرأه حمزة والكسائي بالإمالة، وأبو عمرو بين اللفظين، وقد روي عن أبي عمرو الفتح، فمن قرأه بين اللفظين جعل وزنه «فعلى» ومن فتح جعل وزنه «يفعل»، وهو الصواب فيه؛ لأنه عربي من الحياة.
5- ومن ذلك «تقاة» أماله حمزة والكسائي، وتفرد الكسائي بإمالة «تقاته» وكله أصله ألفه الياء، وهو علة إمالته.
6- ومن ذلك «بُشرى» في يوسف، أماله حمزة والكسائي، وقرأه بغير ياء بعد الألف، وقرأه ورش بين اللفظين، وعن أبي عمرو بين اللفظين، والأشهر عنه الفتح.
7- ومن ذلك «الجار» في الموضعين في النساء، أمالهما أبو عمرو الدوري وحده، وفتح الباقون، وعن ورش الفتح، وبين اللفظين.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/185]
8- ومن ذلك «ولو أراكهم» في الأنفال، أماله أبو عمرو وحمزة والكسائي وفتحه ورش، وعنه بين اللفظين، وباقو القراء بالفتح، فكل هذا أميل، لأن أصل ألفه الياء فدل بالإمالة على أصله، ولابد عند إمالة الألف فيه أن ينحى بالفتحة التي قبل الألف نحو الكسرة.
9- ومن ذلك أن حمزة قرأ «دار البوار، والقهار» بين اللفظين كورش، وقرأ أبو عمرو وأبو عمر بالإمالة.
10- ومن ذلك ما تفرد بإمالته حمزة في قوله: {توفته رسلنا} «الأنعام 61» و{استهوته} «الأنعام 71» لأنه يقرؤهما بالألف، ويميل؛ لأن أصل الألف الياء). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/186]

جمهرة علوم القرآن 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م 03:48 PM

فصل في إمالة فواتح السور
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (فصل في إمالة فواتح السور
1- ومن ذلك إمالة فواتح السور، قرأ ابن كثير وقالون وحفص «الر، والمر» حيث وقع بالفتح، وورش بين اللفظين، والباقون بالإمالة، وعلة إمالة هذا النوع أن الألف التي من هجاء «را» في تقدير ما أصله الياء، لأنها أسماء ما يُكتب به، ففرق بينهما وبين الحروف التي لا تجوز إمالتها نحو: «ما، ولا، وإلا»، هذا مذهب سيبويه في إجازة إمالة هذه الحروف التي في أوائل
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/186]
السور، فإن سميت بشيء من هذه الحروف جازت الإمالة.
2- ومن فواتح السور «كهيعص» قرأ أبو بكر والكسائي بإمالة الهاء والياء، وقرأ أبو عمرو بإمالة الهاء وحدها، وقرأ ابن عامر وحمزة بإمالة الياء وحدها، وقرأ نافع بين اللفظين فيهما، وقرأ ابن كثير وحفص بالفتح فيهما، فمن أمالهما جميعًا آثر الخروج من تسفل إلى تسفل، لخفة ذلك، كمن فتحهما جميعًا، فآثر الخروج من تصعد إلى تصعد، ليعتدل اللفظ، ومن أمال الياء أقوى ممن أمال الهاء؛ لأن من أمال الياء خرج من تصعد إلى تسفل، وذلك حسن، ومن أمال الهاء خرج من تفسل إلى تصعد، وذلك صعب قبيح.
3- ومن فواتح السور «طه» قرأ أبو بكر وحمزة والكسائي بإمالة الطاء والهاء، وقرأ ورش وأبو عمرو بإمالة الهاء وحدها، وعن ورش الفتح في الهاء وفتح الباقون.
4- ومن فواتح السور «طس، وطسم» في الثلاثة قرأ أبو بكر وحمزة والكسائي بإمالة الطاء في الثلاثة، للعلة التي ذكرت لك.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/187]
5- ومن فواتح السور «حم» في السبعة، قرأه ابن ذكوان وأبو بكر وحمزة والكسائي بإمالة الحاء فيهن، وقرأ ورش وأبو عمرو بين اللفظين في الحاء، وفتح الباقون.
6- ومن ذلك أيضًا «ياسين» قرأ أبو بكر وحمزة والكسائي بإمالة الياء غير أن حمزة أقرب إلى الفتح، وفتح الباقون.
7- وعلة الإمالة في ذلك كله أن هذه الحروف ليست بحروف معان كـ «ما، ولا» إنما هي أسماء لهذه الأصوات، الدالة على الحروف المحكية المقطعة، والأسماء لا تمتنع إمالة ألفها ما لم تكن من الواو، وليست الألف فيها من الواو، ويدل على أنها أسماء أنك تخبر عنها فتعربها، فتقول: حاؤك حسنة، وصادك محكمة، وإذا عطفت بعضها على بعض أعربتها كالعدد، فلما كانت أسماء أمالها من أمالها، ليفرق بالإمالة بينهما وبين الحروف التي للمعاني التي لا تجوز إمالتها نحو: «ما، ولا، وإلا» وإنما لم تجز إمالة هذه الحروف، ليفرق بين الحرف والاسم، ولو سميت بهذه الحروف جازت إمالتها.
8- ومما أميل لأن ألفه أصله الياء قوله تعالى: {ونأى بجانبه} في سبحان والسجدة «83، 51» قرأهما خلف عن حمزة والكسائي بإمالة
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/188]
النون والهمزة وقرأهما خلاد بفتح النون وإمالة الهمزة، وقرأ أبو بكر في سبحان بفتح النون وإمالة الهمزة كخلاد، وفتحهما جميعًا في السجدة كالباقين.
9- وعلة إمالة هذا أن الألف، التي بعد الهمزة، أصلها الياء تقول: نأيت، والنأين فتظهر الياء، وتقول: الرجلان نأيا، فتظهر الياء، فأمال لتقرب الألف إلى أصلها، ولم يمكن تقريب الألف إلى الياء إلا بتقريب فتح الهمزة إلى نحو الكسرة، ومما يقوي حسن الإمالة في جميع ما ذكرنا أن ألفه أصلها الياء، أن من أمال أراد اتباع الخط، وذلك أن أكثره مكتوب في المصحف الإمام بالياء، فمن أمال أتى بلفظ خط المصحف واتبعه، ومن فتح قارب خط المصحف ولم يستوفه، فأما علة من أمال النون أيضًا من «نأى» فإنه لما وقع بعدها حرفان ممالان، أمال النون للإمالة التي بعدها، فيكون عمل اللسان من جهة واحدة، وهذا من الإمالة للإمالة، وهو قليل.
* * *
10- ومما أميلت ألفه على التشبيه بالألف، التي أصلها الياء، قوله: «دحاها، وطحاها، وتلاها، وسجى» أربعة أفعال أصل ألفها الواو، وقد ذكر بعض العلماء أنه يقال: «دحيت»، فعلى هذا تكون الإمالة في «دحاها» صحيحة؛ لأن أصل ألفه الياء، ولكن هذه الواو قد ترجع في بعض تصاريف هذه الأفعال إلى الياء، تقول: «طحي، وتلي، ودحي، وسجي» فترجع الواو إلى الياء، وكذلك إن نقلتها إلى الرباعي ترجع الواو إلى الياء، فشابهت بذلك الألف التي أصلها الياء، فأمالها الكسائي وحده على هذا التشبيه. وحسنت
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/189]
إمالتها؛ لأن بعدها وقبلها، ما أصل ألفه الياء، فأتبعت لفظ ما قبلها وما بعدها، من الألفاظ الممالات اللواتي أصلها الياء، وحسن ذلك أيضًا لأنها لغة لبعض العرب، يحملون الإمالة في ذوات الواو على حكم ذوات الياء في الأفعال خاصة، فتفرد الكسائي بإمالتها، وقرأها أبو عمرو بين اللفظين، وفتح الباقون.
11- فإن قيل: فلم أمال حمزة والكسائي «العُلى» وهو من «العلو» والألف ثالثة؟
فالجواب أن «العُلى» جمع «علياء» وأصل الياء في «العلياء» الواو، لأنه من «العلو»، لكنها رُدت إلى الياء، لأنه صفة، والصفة أثقل من الاسم، والياء أخف من الواو، فردت إلى الياء للخفة، كما قالوا: دنيا، وهو من «الدنو» وحق الجمع أن يتضمن باقي الواحد من الحروف، فبقيت الياء التي في «علياء» على حالها في الجمع، وهو «العلى»، فأميل لذلك، وأيضًا فإن الواحد، وهو «العلياء» يمال لألف التأنيث، فجرى الجمع في الإمالة على ذلك، وإن لم تكن فيه ألف التأنيث للإتباع، وأمال الكسائي من الأسماء ذوات الواو «والربا» حيث وقع، و«الضحى، وضحاها» ووافقه حمزة على ذلك في هذا الأسماء خاصة، وعلة إمالتهما لذلك، أن لغة كثير من العرب أن يثنوا ما كان من الأسماء من ذوات الواو مضموم الأول أو مكسورة بالياء، فيقولون في تثنية: ربا، ربيان، وفي: ضحى، ضحيان. والعرب تفر من الواو إلى الياء في
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/190]
كثير من الكلام، نحو: ميت، وهين، ومرضي، وشبهه كثير، فأمالوا هذه الأفعال من ذوات الواو، والأسماء، فرارًا من الواو إلى الياء، فأتوا بلفظ يدل على الياء، وهو الإمالة، فرارًا من الواو، والفتح أكثر واصوب، وهو الأصل.
* * *
12- الثالث من عطل الإمالة المتقدمة الذكر هو الإمالة للإمالة.
وذلك نحو: «رأى، ورآه، ورآك» أميلت الألف التي بعد الهمزة، لتقرب من أصلها وهو الياء، وأميلت فتحة الهمزة، ليوصل بذلك إلى إمالة الألف، وأميلت الراء، لإتيان حرفين ممالين بعدها، ومثله: {ونأى بجانبه} في الموضعين إذا أميلت النون.
ومنه وقفت حمزة على: {تراءى الجمعان} يقف على ألف بعد الهمزة أصلها الياء؛ لأنه من «رأى» ن فيميل الألف ليقربها من أصلها، ولا تتمكن الإمالة في الألف، حتى تميل ما قبلها نحو الكسر، وهو الهمزة المفتوحة، ومن شأنه تخفيف الهمزة في الوقف، فيخففها بعد ألف ممالة، فتصير همزة ممالة بين الهمزة الممالة عن الفتح، وبين الألف الممالة، وقد كان في وصله، يميل الألف
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/191]
التي بعد الراء لإمالة حرفين بعدها، ولم يعتد بحذف الألف الأخيرة؛ لأنه عارض، فأبقى الإمالة في الراء والألف التي بعدها، لبعدهما من المحذوف، ولم يمكنه إمالة الألف التي بعد الراء؛ لإمالة ما بعدها، حتى يميل فتحة الراء إلى الكسر، فقويت الإمالة في الألف التي بعد الراء؛ لإتيان حرفين ممالين بعدها، وهما الهمزة والألف التي بعدها، ولذلك ثبت الإمالة في الوصل في الراء والألف التي بعدها مع سقوط الإمالة من الهمزة؛ لذهاب الألف التي بعدها؛ لالتقاء الساكنين، وقوي ثبات ذلك لبعده من المحذوف آخرًا، وهذه كلمة تجتمع فيها في وقف حمزة أربعة أحرف ممالة متوالية: الراء، والألف التي بعدها والهمزة المخففة، والألف التي بعدها، ولا نظير له، فأما اجتماع ثلاثة أحرف ممالة فقليل نحو: «رأى، ونأى» وأكثر ما تقع الإمالة في حرفين: ساكن ومتحرك قبله، ووقف القراء كلهم بالفتح، غير حمزة، كوصلهم، إلا الكسائي، فإنه إذا وقف أمال الهمزة، والألف التي بعدها، وفتح الراء، والألف التي بعدها، ويفتح جميع ذلك في وصله كسائر القراء، ولم يمل الراء، والألف التي بعدها، غير حمزة في وصله وقفه، وقد أفردنا هذا الحرف بعلله واختلافه في كتاب مفرد). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/192]

جمهرة علوم القرآن 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م 03:50 PM

باب جامع في الإمالة بعلله
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (باب جامع في الإمالة بعلله
1- قال أبو محمد: إن سأل سائل فقال: هلا أمالو «على، وإلى، ولدى، وحتى» لأنهن كتبن في المصحف بالياء كما أمالوا: «قضى، ورمى، ورضى، وسعى» ونحوه، لأنهن كتبن في المصحف بالياء؟
فالجواب: أن «قضى، ورمى، وسعى» وشبهه إنما كتبن بالياء، لأن أصل ألفهن الياء، فدل الخط على الأصل، فأملن لتدل الإمالة على الأصل، وليتبع الخط فأما ألف «على، وإلى، ولدى» فليس لهن أصل في الياء، إنما كتبن بالياء، لانقلاب ألفهن مع المضمر إلى الياء في اللفظ، تقول: «عليه، وإليه، ولديه» فكتبن على الانفراد بالياء اتباعًا لاتصالهن بالمضمر، وأيضًا فإن «إلى، وعلى» حرفان، والحروف لا أصل لهن في الإمالات، إذ لا أصل لألفهن في الياء، و«لدى» ظرف غير متمكن بمعنى «عند» ألفه مجهولة، لو سمي به لكانت تثنيته بالواو، وكذلك «إلى» لو سمي به.
قال الأخفش: لو سميت بـ «لدى وإلى» لقلت في التثنية: «لدوان، وإلوان» ومثله «على» لو سميت به، فهذا يدلك على امتناع الإمالة في «إلى، وعلى، ولدى» سميت بذلك أو لم تسم، فقد فارق هذا علة امتناع «قضى، ورمى، وسعى» وقد قيل: إنما كتبت «على، وإلى، ولدى» بالياء لأنهن أشبهن في حال كونهن مع المضمر التثنية في قوله: «غلامية، وزيدية»،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/193]
وقيل: أشبهت: «قضيت، ورميت» في انقلاب الألف إلى الياء مع المضمر، تقول: «قضى، ورمى» بلفظ الألف كما تقول: «على، وإلى، ولدى» بلفظ الألف فإن أضفت إلى مضمر قلت: «قضيت، ورميت، وإليك، وعليك، ولديك» والياء في الخط في: «على، إلى، ولدى» ليس بأصل لهن، وإنما هو على التشبيه بما ذكرنا، فلم يُحكم لهن بالإمالة، كما حكم للذي شبهن به، فأما «حتى» فإنها حرف، ألفها مجهولة لا أصل لها في البناء، فامتنعت من الإمالة لذلك، لكن كتبت بالياء، لأنها كانت رابعة، وقيل إنما كتبت بالياء لأن أصلها «حت» ثم زيدت الألف فيها، فأشبهت الألف الزائدة في: «معزى، وعلقى» وقيل: إنما كتبت ليفرق بين دخولها على المضمر والظاهر، وإذا دخلت على المضمر كتبت بالألف تقول: «حتاك، وحتاي، وحتاه» فلا تكتب إلا بالألف، وإن قلت: «حتى زيد، وحتى عمرو» كتبت بالياء، للفرق بين حالها مع المضمر، وحالها مع المظهر، وكان المضمر أولى بالألف؛ لأن الإضمار يرد الأشياء إلى أصولها، وقد روي إمالة «حتى» عن بعض القراء، ولم أقرأ به.
2- فإن قيل: فلم أجمعوا على فتح «افتراء» وقد أمالوا «افترى»؟
فالجواب أنهم أمالوا «افترى» لأن الألف أصلها الياء، تقول: «افتريت، وافترى، يفتري»، وتقول: «الفرية»، فتجده كله بالياء، فتميل لتدل بالإمالة على الأصل، وعلى الخط لأنه بالياء في الخط، وأما «افتراء»
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/194]
فإن الألف فيه زائدة لا أصل لها في ياء ولا واو، والألف التي كانت في «افترى» انقلبت همزة في «افتراء» فألف «افترى» هي الهمزة في «افتراء»، فلا سبيل إلى إمالتها لتغيرها عن حالها وأصلها، ولا سبيل إلى إمالة الألف التي قبلها، إذ لا أصل لها في الياء.
ومثله الجواب عن فتحهم لـ «أهواء»، وإمالتهم لـ «هوى» الهمزة في «أهواء» هي الألف التي في «هوى»، والألف زائدة، لا أصل لها في الياء، فلا سبيل إلى إمالتهاز
ومن ذلك فتحهم لـ «مراء» إمالتهم لـ «تتمارى» فالهمزة في «مراء» هي الياء في «تتمارى» فافهمه، فلذلك لم يُمل، ومثله إمالتهم لـ «اعتدى» ولا يميلون «اعتداء» لأن الألف في «اعتدى» صارت همزة في «اعتداء » فافهمه.
3- فإن قيل: فلم فتح حمزة وغيره «وخافون» وهو يميل «خاف» حيث وقعت؟
فالجواب أنه أمال «خاف» لعلتين: احداهما أن يدل بالإمالة على أنه فعل، وأصله «خوف» فدلت الإمالة على كسرة الواو في الأصل، والعلة الأخرى أنه أمال لتدل الإمالة على كسر الخاء في الإخبار، إذا قلت: خفت، ألا ترى كيف فتح «مات» لأنه فعل بالفتح، ولأن الإخبار بضم الميم في أكثر اللغات، وأما «وخافون» فهو فعل مستقبل لا أصل له في الكسر، بل هو مفتوح الواو في قولك «يخاف» لأن أصله «يخوف» ولأنك إذا أخبرت عن نفسك
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/195]
في المستقبل قلت: أخاف، فأوله مفتوح، ولا سبيل إلى إمالته، لامتناع وجود إحدى العلتين فيه، ومثله «يخاف، ويخافا» وشبهه لا يمال لما ذكرنا.
4- فإن قيل: لم أمال أبو الحارث «رؤياي» مثل الدوري ولم يمل «رؤياك»؟
فالجواب أنه لما كانت «رؤياي» في موضع خفض أمالها في قوله: «رؤياي، وتأويل رؤياي» ولما كانت «رؤياك» في موضع نصب لم يملها للفرق بين ما هو في موضع خفض، وما هو في موضع نصب.
5- فإن قيل: لم فتح حمزة ياءات «الرؤيا» كلها، وألفها ألف تأنيث؟
فالجواب أنه فتح لأن تقريب الياء إلى الكسر ثقيل، ففتح للاستخفاف، لأن الفتح على الياء أخف من الكسر، مع أن الهمزة قبل الياء فيه ثقيلة، فلما اجتمع علتان فتح.
6- فإن قيل: لِمَ لم تمل ألف التثنية عند القراء، وهي تنقلب ياء في النصب والخفض، وذلك نحو قوله: «اثنتا عشرة، وقال رجلان» وشبهه؟
فالجواب أن ألف التثنية إنما هي حرف إعراب، أو دلالة على الإعراب زائدة، لا أصل لها في الياء، وإنما انقلبت ياء في النصب والخفض لتدل على الإعراب، فليس انقلابها علة تدل على أصلها؛ إذ لا أصل لها في الياء، وإنما انقلابها ياء تدل به على النصب والخفض لا غير، فلما كانت ألف التثنية لا أصل لها في الياء، لم تجز الإمالة فيها عند القراء، وقد تجوز في الكلام لعلة غير هذا.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/196]
وقد حكى إمالة «الزيدان» للياء التي قبل الألف، وإمالة «كيال، وبياع» جعلوا الياء كالكسرة في «جمال، وسناد» إذ أمالوا الألف للكسرة، وكذلك أمالوا «شيبان، وغيلان» ولا يعتدون بالحرف الذي حال بين الألف والكسرة، على ما تقدم ذكره في إمالة «كلاهما» ولم يمل هذا النوع أحد من القراء، وعلى ذلك أجمعوا على فتح «يخافا، وخانتاهما» وشبهه لأن الألف الأخيرة زائدة، وتدل على التثنية في الفعل، لا أصل لها في ياء ولا واو.
7- فإن قيل: فلم ترك القراء إمالة «أول كافرٍ به» المخفوض وبعد الألف كسرة، وراء مكسورة، وأمالوا «الكافرين»؟
فالجواب أن من أمال «الكافرين» أماله للكسرة في الفاء، ولكسرة الراء اللازمة لها، وللياء التي بعد الراء، فقويت الإمالة لتكرير الكسرات، ولم يكن ذلك في «كافر» لأن كسرة الراء عارضة في الخفض خاصة، ثم تزول في الرفع والنصب، فلما لم تثبت كسرة الراء ضعف عن مشابهة «الكافرين» ففتح «كافر» لذلك، ولم يمل، وإمالته حسنة جائزة في الخفض، لكن لم يفعله أهل الإمالة من القراء، وعلته ما ذكرت لك.
8- فإن قيل: فما بال أهل الإمالة لم يميلوا «مارد، وطارد، ومشارب، وبارد، ولا تمار، ومارج» ونحوه؟
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/197]
فالجواب أنهم عدلوا إلى الفتح في ذلك؛ لأنه الأصل، ولأنه ليس فيه من الإمالة اتباع خط، ليجمع بين اللغتين، ولأن ما أتى على أصله لا يجب أن يقال فيه: لِمَ أتى على أصله، والفتح هو الأصل، وإنما يعلل ما خرج على أصله بإمالة أو غيرها، والإمالة فيه جائزة، لكن لم ترو عن أحد من القراء علمته.
9- فإن قيل: فلم أمالوا «متى، وأنى، وبلى» وليست بأسماء ولا أفعال؟
فالجواب أن «متى، وأنى» ظرفان، فهما أدخل في الأسماء من كونهما في الحروف، ولما كتبا في المصحف بالياء أميلا، لتدل الإمالة على أن حكمهما حكم الأسماء الممالة، وأنهما في الخط بالياء، فأما «بلى» فهو حرف، لكن أصلها «بل» ثم زيدت الألف للوقوف عليها فأشبهت ألف التأنيث فأمليت كما تمال ألف التأنيث، وقد قيل: إنها ألف تأنيث على الحقيقة، دخلت لتأنيث الأداة، أو لتأنيث الكلمة أو لتأنيث اللفظة، كما دخلت التاء في «ثمت، وربت، ولات» لتأنيث الكلمة أو اللفظ). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/198]

جمهرة علوم القرآن 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م 03:51 PM

باب من الوقوف على الممال
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (باب من الوقوف على الممال
1- إذا كانت الإمالة جيء بها لتدل على الأصل، فالإمالة لازمة في الوقوف كالوصل، نحو إمالة «رمى، وسعى، وقضى» وشبهه، مما أميل ليدل على أن أصل الألف ياء، وإذا كانت الإمالة لكسرة ملفوظ بها قبل الألف، فكذلك الإمالة في الوقف كالوصل؛ لأن الكسرة لم تتغير نحو «كلاهما» وإذا كانت الإمالة لكسرة مقدرة فكذلك الإمالة في الوقف كالوصل نحو: «خاف، وزاد» لأن الكسرة منوية في الوقف كالوصل، وإذا كانت الإمالة لكسرة بعد الألف ثم وقفت بالروم ضعفت الإمالة قليلًا، لضعف الكسرة التي أوجبت الإمالة، نحو «النهار، والنار» فإن كنت تقف بالإسكان زالت الإمالة عند بعض القراء لزوال الكسرة، كما زالت الإمالة من السين في {موسى الكتاب}، ومن الراء في {النصارى المسيح} لذهاب الألف التي من أجلها أميلت السين والراء، وبعضم يبقى الإمالة في ذلك كله، على ما كانت عليه في الوصل، لأن الوقف عارض، ولأن الإمالة سبقت إلى لفظ الحرف الممال قبل الوقف، فبقي على حاله وعلى هذا القول العمل، ويلزم من اعتل بهذا أن يبقى الإمالة في فتحة السين والراء من {موسى الكتاب}، و{النصارى المسيح} في الوصل؛ لأن
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/199]
الحذف عارض، ولأن الإمالة سبقت إلى لفظ السين والراء، قبل حذف الأف، وهو لا يفعل ذلك، وإن زال الحرف الممال بعده ذهبت الإمالة من الحرف، الذي قبل المحذوف؛ لزوال ما أوجب الإمالة، وقد كان يلزم من أمال، مع سكون الكسرة التي أوجبت الإمالة في مثل «النار، والنهار» أن يبقي السين والراء من {موسى الكتاب}، و{النصارى المسيح} على إمالتهما، ولعمري إن ببينهما فرقًا قويًا، وذلك أن المحذوف في {موسى الكتاب} هو الحرف الممال، والمحذوف في الوقف على «النار» هي الكسرة، التي أوجبت الإمالة، والحرف الممال باق لم يحذف، فلا يشتبهان.
2- فإن قيل: فما الفرق في الوقف على إمالة النون والألف من «النار» في الوقف مع إسكان الراء التي أوجبت كسرتها الإمالة، وبين زوال الإمالة من السين من {موسى الكتاب} لزوال الألف التي أوجبت الإمالة؟
فالجواب أن قولك: «في النار» يمكن سبق الإمالة في النون والألف ثم لفظ بالراء المكسورة بكسرة أوجبت الإمالة، قبل اللفظ بها، لتقديرها والنية بها، ثم أسكنت الراء، للوقف بعد تمكن الإمالة في حرفين، والراء التي كانت عليها الكسرة ملفوظ بها لم تحذف، وقولك {موسى الكتاب} إنما أميلت السين لإمالة الألف، فالألف قد زالت بكليتها، وقد كانت كالراء التي هي ثابتة، فلما زالت الألف زالت الإمالة عن السين، ولا يلزم ذلك في النون والألف، إلا لو زالت الراء بكليتها، فلما لم تزل الراء بنفسها، إنما زالت حركتها، بقيت الإمالة في النون والألف على حالها قبل الوقف.
3- فإن قيل: كيف الحكم في الوقف على ما دخل التنوين فيه على ألف أصلها الياء نحو: «قرئ، ومفترى، ومصلى، وعدى» وشبهه؟
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/200]
فالجواب أن مذهب أبي الطيب، رحمه الله، فيه أن يقف بالإمالة عليه، وعلته في ذلك أن ما كان منه في موضع رفع أو خفض، فلا تعويض من التنوين فيه، فالوقف على الألف الأصلية بالإمالة لتدل الإمالة على أصلها، وذلك نحو: {سحر مفترى} هذا في موضع رفع، ونحو: {عن مولى} هذا في موضع خفض، والتنوين لا يُعوض منه شيء في الرفع والخفض، فالوقف على الألف الأصلية التي هي عوض من الياء بالإمالة لأن الإمالة لازمة فيه، وأما ما كان في موضع نصب فالوقف عليه أيضًا عند الشيخ أبي الطيب بالإمالة، وعلته في ذلك، أنك لما وقفت عوضت من التنوين ألفًا، وقبلها ألف أصلية عوض من الياء الأصلية، فحذفت الثانية لالتقاء الساكنين، وبقيت الأولى، وهي الأصلية، وكان بقاء الأصل أولى من بقاء الزائد، فأميلت في الوقف، لأنك تقف على ألف، أصلها الياء، وقد قال قوم: إن الموقوف عليه في هذا الألف التي هي عوض من التنوين، لأن الألف الأصلية قد كان أذهبها التنوين، فلا رجوع لها مع وجود التنوين، أو وجود ما هو عوض من التنوين، وأيضًا فإن الحذف للساكنين إنما يحذف فيه الأول أبدًا، وأيضًا فإن التنوين دخل بمعنى دليل الانصراف، ولا يحذف ما يدل على المعنى، فالوقف على الالف التي هي عوض من التنوين في حال النصب، فلا إمالة فيه على هذا القول، وذلك نحو: «غزى، ومصى، وقرى» كله في موضع نصب، والذي قرأنا به هو الإمالة في الوقف في هذا كله على حكم الوقف على الألف الأصلية، وحذف ألف التنوين.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/201]
4- فإن قيل: كيف الوقف على قوله: {طغى الماء} «الحاقة 11» والألف في «طغى» يُحتمل أن تكون من الواو لقولهم: «طغوت، وطَغَوَا، وطَغَوْا»؟
فالجواب أن الوقف عليه بالإمالة لحمزة والكسائي، وحجة ذلك أنهما لما نقل عنهما قوله تعالى: {اذهبا إلى فرعون إنه طغى} «طه 43» بالإمالة عُلم أنهما يقدران أن الألف منقلبة عن ياء على لغة من يقول: طغيت، بالياء، ولقوله: «طغيان»، فلما ظهر مذهبهما فيما ليس بعده ساكن حكم بذلك، فيما وقع بعده ساكن، فأجري على الإمالة مجرى ما ليس بعده ساكن، ولو كان {طغى الماء} عندهما من «طغوت» لم يميلا «إنه طغى» وأيضًا فإنه لما التبس قوله: {طغى الماء} وجاز أن يكون من «طغوت» ومن «طغيت» حمل على ما ليس بعده ساكن، وهو إمالتهما لقوله: {إنه طغى}، وعلم أن ذلك عندهما من «طغيت».
5- فإن قيل: كيف الوقف على «كلتا» من قوله: {كلتا الجنتين} «الكهف 33»؟
فالجواب أنك إن جعلت ألف «كلتا» ألف تثنية على مذهب الكوفيين فالوقف عليهما بالفتح؛ لأن ألف التثنية لا تمال؛ إذ لا أصل لها في الياء، وقد قدمنا الكلام على ذلك، وإن قدَّرت أن ألف «كلتا» ألف تأنيث على مذهب البصريين، وقفت بالإمالة؛ لأنها عندهم «فِعلى» كـ «ذكرى» والتاء بدل من واو، وأصلها «كلوا»، وهذه أحرف نأخذ فيها بالوجهين، لاحتمالهما الوجهين اللذين ذكرنا، وهذا الباب واسع يقاس عليه ما لم نذكر). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/202]

جمهرة علوم القرآن 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م 03:51 PM

باب علل إمالة ما قبل هاء التأنيث
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (باب علل إمالة ما قبل هاء التأنيث
1- اعلم أن هاء التأنيث أشبهت الألف التي للتأنيث من خمس جهات: احداها قرب المخرج من الألف، والثانية أنها زائدة كألف التأنيث، والثالثة، أنها تدل على التأنيث كالألف، والرابعة أنها تسكن في الوقف كالألف، والخامسة أن ما قبلها لا يكون إلا مفتوحًا كالألف، إلا في موضع واحد، لزمت لفظ الهاء في الوصل والوقف، فكسر ما قبلها على التشبيه بهاء الإضمار وذلك كقولك: هذه، ولأن أصل الهاء ياء في هذي، فلما تمكن الشبه في الوقف بالسكون أجراها الكسائي مجرى الألف في الوقف خاصة، فأمال ما قبلها من الفتح، فقرَّبه من الكسر كما يفعل بألف التأنيث، إلا أن ألف التأنيث تقرب في الإمالة نحو الياء، وليست كذلك الهاء، فإن وصل فتح؛ لأنها تصير تاء، فلا تشبه حينئذٍ الألف، فلذلك حسن الوقف بالإمالة، وذلك نحو: «حبة، ودابة» وشبهه، تقف بالإمالة عليه للكسائي.
2- فإن سأل سائل فقال: لم فتح ما قبل هاء التأنيث ولزمه الفتح، وقد كان قبل دخول هاء التأنيث يجري عليه الإعراب، فلما دخلت هاء التأنيث لزم الفتح، وإلا لزم السكون لزوال الإعراب عنه إلى هاء التأنيث؟
فالجواب أنك إذا قلت: «قائم، وصائم» جرى الإعراب في الميم، فإذا
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/203]
أدخلت هاء التأنيث انتقل الإعراب على الهاء فقلت: «قائمة، وصائمة» وكذلك ما أشبهه، فلما كان الحرف الذي عليه الإعراب، قبل دخول هاء التأنيث، قد يكون ما قبله ساكنًا في نحو: «نعمة، ورحمة» وشبهه، لم يُسكن إسكانه، ووجبت حركته، فاختير له الفتح لمشابهة هاء التأنيث الألف التي للتأنيث، التي لا يكون ما قبلها إلا مفتوحًا، وكان الفتح أولى به لخفته، ولأن الهاء زائدة، فلم يجمعوا على الاسم الزيادة مع حركة ثقيلة، فجعلوها حركة خفيفة، وهي الفتح، فلزم ما قبلها الفتح، كما لزم ما قبل الألف، وأيضًا فإن الفتح من موضع خروج الهاء؛ لأنه من الألف، والهاء من مخرج الألف فكان أولى بحركة ما قبلها لذلك، ولما كانت الهاء في هذه بدلًا من ياء، وخالفت الهاء سائر هاءات التأنيث، إذ لا ترجع في الوصل تاء، خولف بينهما، وبين سائر هاءات التأنيث، فكسر ما قبلها، ولا نظير لها، وقد قال جماعة من البصريين: إن الهاء إنما فتح ما قبلها لأنها بمنزلة اسم، ضُم إلى اسم، ففتح ما قبلها كما فتح ما قبل عشر من «خمسة عشر» وكما قالوا: شغر بغر، أي: متفرقون، وقال ثعلب لما نُحي بهاء التأنيث نحو ألف التأنيث لزم ما قبلها الفتح كالألف، وجازت الإمالة فيها كالألف، فأما علة فتح ما قبل هاء التأنيث في اختيار ابن مجاهد، إذا كان قبل الهاء حرف من حروف الاستعلاء أو عين أو حاء، فإن هذه الحروف حروف مستعلية في الحنك، ومنها حرف الإطباق، ينطبق اللسان بالحنك مستعليًا عند
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/204]
حروفها، فكره ابن مجاهد أن ينحى بهذه الحروف نحو الكسرة بعد استعلائها وتصعدها وانطباقها بالحنك، فكان الفتح أولى بها، لأنه أشبه بحالها من الكسر؛ لأن الكسر ضد حالها، وحروف الاستعلاء سبعة: الغين، والخاء، والقاف، والطاء، والظاء، والصاد، والضاد، وكذلك اختيار القراء الفتح مع الراء، إذا انفتح ما قبلها، أو كان ساكنًا غير الياء، قبله فتحة، لأن الراء حرف تكرير، الفتحة عليه قوية، كأنها فتحتان، فإذا انفتح ما قبلها، أو انفتح ما قبل الساكن الذي قبلها، تقوى الفتح فيها، وصار كأن قبل هاء التأنيث ثلاث فتحات، فبعد أن يُنحى بذلك نحو الكسرة لتمكنه في الفتح، وكذلك اختاروا الفتح فيما قبل هاء التأنيث، إذا كان همزة أو هاء، قبلها فتحة أو ضمة، أو ساكن غير الياء، ليس قبلها كسرة، نحو: «سفاهة، والنشأة، ومحشورة، وبررة» كل هذا الاختيار فيه الفتح.
وعلة ذلك أن الهمزة والهاء من حروف الحلق، وحروف الحلق بعيدة من الكسر، لبعدها من الياء، قوية في الفتح، لقربها من الألف، وكذلك الحاء والعين فيما ذكرنا أولًا، فلما كانت كذلك قوي الفتح وبعد الكسر، فتركت على فتحتها، واختير ذلك فيها، فإن انكسر ما قبلها، أو كان ياء قويت الإمالة، وجازت واستعملت في قراءة الكسائي؛ لأن الكسرة والياء توجبان الإمالة فسهلا إمالة ما بعدهما وحسناه نحو: «بالخاطئة، وفاكهة، والآخرة» وكان أبو الطيب رحمه الله يقول: إذا وقع قبل الهمزة ساكن أمال الكسائي الهمزة في الوقف، ولا يسأل عن حركة ما قبل الساكن، غير أنه استثنى «براءة» بالفتح في الموضعين.
وقد أضاف قوم امتناع الإمالة مع الكاف، لقربها من القاف، ومذهب أبي
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/205]
الطيب الإمالة مع الكاف على كل حال، وقد أضاف قوم إلى هاء التأنيث، في الإمالة، إمالة ما قبل هاء السكت في «كتابيه، وحسابيه» وهو غلط، لا يجوز ذلك؛ لأن هاء السكت لا تنقلب تاء في الوصل، ولا تشبه الألف، ولا أصل لما قبلها في الإمالة.
فإن وقع قبل هاء التأنيث ألف، منقلبة عن واو، فلا سبيل إلى الإمالة نحو: «الزكاة، والصلاة»، وعلة ذلك أنك لو أملت ما قبل هاء التأنيث في هذا لأملت الألف، ولم تقدر على الإمالة الألف حتى تميل الفتحة، التي قبلها نحو الكسرة، فيخرج الأمر إلى حكم آخر، وهو حكم إمالة ذوات الواو، وذلك غير مروي عن أحد، ويصير إلى إمالة ألف منقلبة عن واو ثالثة، وهذا غير جائز، إذ لا علة توجب الإمالة: لا كسرة، ولا أصل في الياء، ولا روي عن أحد.
فأما «الحياة» فلو رويت إمالة الألف لجاز ذلك، لأنه من الياء، وتكون إمالته من إمالة ذوات الياء، وليس من إمالة ما قبل هاء التأنيث في شيء، لأنك لو أملته نحوت بالألف نحو الياء، والفتحة التي قبلها نحو الكسرة، ولكن لم ترو إمالته عن أحد، وذلك ليتبع به نظائره نحو: «الصلاة، والزكاة».
3- فإن قيل: قد ذكرت أن هاء التأنيث لا يكون ما قبلها إلا مفتوحًا أبدًا، وهذه قبلها ساكن؟
فالجواب أن هذه الألف التي قبل هاء التأنيث في «الحياة، والزكاة،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/206]
والصلاة والقضاة» وشبهه، أصلها الفتح ولكنها لما تحركت بالفتح، وقبلها متحرك، قلبت ألفًا على أصول الاعتدال، فالهاء على أصلها، وإنما عرض فيما قبلها عارض تغير به عن الفتح وأصله الفتح، ولتغيره امتنعت الإمالة فيه لأنك إنما تنحو بالفتحة التي قبل هاء التأنيث إلى الكسرة عند الإمالة، فلما عدمت الفتحة من اللفظ امتنعت الإمالة في هذا النوع.
فأما «مناة» فالصواب فيها الوقف على الفتح، لأنها لو أميلت لهاء التأنيث لأميلت الفتحة التي قبلها، ولو أميلت في الوقف لكانت الإمالة في الوصل أولى، فترك الإمالة في الوصل يدل على أنها غير ممالة في الوقف، وليس في كلام العرب ألف ثانية تفتح في الوصل، وتمال في الوقف ألبتة، وكون ألف «مناة» من الياء لا يوجب إمالتها، لكون هاء التأنيث بعدها، كما لم توجب الإمالة في «الحياة»، والألف أصلها الياء.
فأما «كمشكاة، ومزجاة» وشبهه، فلم تقع الإمالة فيه لأجل هاء التأنيث، إنما وقعت ووجبت لأجل أن الألف رابعة، وكل ألف رابعة فالإمالة حسنة فيها، كانت الألف من الياء أو من الواو، ألا ترى أن «أزكى، وأدعى، ويدعى» وشبهه يمال، وإن كانت ألفه أصلها الواو، لأنها قد صارت رابعة، فخرجت عن حكم الألف الثالثة التي أصلها الواو، ألا ترى أنك تقول: «زكوت وأزكيت» فتثبت الواو إذا كانت ثالثة، وترجع الياء في موضعها إذا كانت رابعة.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/207]
فأما الإمالة في «تقاة، وتقاته» فإنما وجبت؛ لأجل أن أصل الألف الياء، فلا مزية للوقف على الوصل، ولا سبيل لهاء التأنيث في هذه الإمالة؛ لأن الممال في هذا هو الألف وما قبلها، يُنحى بالألف نحو أصلها، ويُنحى بالفتحة نحو الكسرة، لتتمكن الإمالة في الألف، وهاء التأنيث إنما تُمال الفتحة التي قبلها نحو الكسرة لا غير، فاعرف الفرق بينهما، والاختيار فتح ما قبل هاء التأنيث، لأنها كسائر الحروف، ولأن الوقف عارض، ولأنه الأصل، ولأن القراء أجمعوا عليه غير الكسائي.
قال أبو محمد: قد ذكرنا من علل الإمالة ما حضرنا في وقت تأليفنا لهذا الكتاب، فما أغفلنا الكلام على علته مما أماله القراء، فهو جار في علته، على ما ذكرنا وبينا وعللنا، فليس يخرج شيء مما أماله القراء في علته عما ذكرنا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/208]

جمهرة علوم القرآن 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م 03:52 PM

باب أحكام الراءات وعللها
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (باب أحكام الراءات وعللها
1- اعلم أن الراءات أصلها التغليظ والتفخيم ما لم تنكسر الراء، فإن انكسرت غلبت الكسرة عليها، فخرجت عن التفخيم إلى الترقيق وذلك نحو: «مررت بساتر وغافر» وشبهه، والدليل على أن أصلها التغليظ أن كل راء غير مكسورة فتغليظها جائز، وليس كل راء يجوز فيها الترقيق، ألا ترى أنك لو قلت: «رغدا، ورقد»، ونحوه بالترقيق لغيرت لفظ الراء إلى نحو الإمالة، وهذا لا يُمال، ولا علة فيه توجب الإمالة فيه.
2- واعلم أن الترقيق في الراء إمالة نحو الكسر، لكنها إمالة ضعيفة لانفرادها في حرف واحد، لأن الإمالة القوية ما كانت في حرفين، وأقوى منهما ما كان في ثلاثة أحرف أو أربعة. وقد مضى بيان ذلك وعلته.
3- واعلم أن الراء، التي يجوز تغليظها وترقيقها، تكون ساكنة ومفتوحة ومضمومة، فأما الراء الساكنة فحرف ضعيف لسكونه، فهو يدبره ما قبله مرة وما بعده مرة لضعفه في نفسه، فإذا كان قبله كسرة لازمة، غير عارضة، رققت الراء لقربها من الكسرة التي قبلها، وإذا كان بعدها ياء رققت، لقربها من الياء التي بعدها، وذلك في الكسر نحو: «من فرعون، وأنذرهم» وفي الياء نحو: «مريم، وقرية» فإن انكسر ما قبلها وأتت الياء بعدها فذلك أقوى في ترقيقها، نحو: «مرية» فهذا حكمها ما لم يأت بعدها حرف من حروف
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/209]
الاستعلاء، فإن أتى بعدها حرف من ذلك غلب على الراء التغليظ للحرف المستعلي، الذي بعدها، نحو «فرقة، وإرصادًا» وشبهه إلا أن تكون حركة الحرف كسرًا فتضعف عن تغليظ الياء، فترقق للكسرة التي قبلها وبعدها، وذلك نحو قوله: {كل فرق} «الشعراء 63»، فأما قوله تعالى: {بين المرء وقلبه} «الأنفال 24» و{بين المرء وزوجه} «البقرة 102» فالأشهر عن ورش الترقيق لقوة الهمزة وكسرتها، فصارت الكسرة كالياء في «مريم» ويلزم من رقق أن يرقق في «كرسيه» والرواية التغليظ فيه؛ لأن كسرة الهمزة أقوى من كسرة السين، وهذا الذي ذكرنا في الساكنة إجماع من القراء عليه، إلا «المر» في الموضعين، فكلهم غلظه إلا ورشًا، وعن ورش التغليظ مثلهم فيه، فأما الراء المفتوحة والمضمومة فكل القراء على تغليظها، إلا ما يمال، فهو على ما تقدم من الأصول، غير أن ورشًا قرأ على أصول في المفتوحة والمضمومة أنا أذكرها.
4- فمن ذلك أن يكون ما قبلها ياء ساكنة، أو كسرة لازمة، غير عارضة، أو يكون قبلها ساكن غير الياء، قبله كسرة، وليس بعد الراء حرف استعلاء، فورش وحده يرقق الراء إذا كانت على هذه الشروط، نحو: «خبير، وقدير، ويصرون، وذكر الله، وذكر من معي، وميراث، والخيرات، وإكراه» ونحوه، فإن انفتح ما قبلها أو انضم، أو أتى بعدهما حرف استعلاء
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/210]
غلظ ورش الراء كجماعة القراء، نحو: «سراط، وفراق، وفراغ، واليسر، وضرب الله، وحصرت صدورهم» وشبهه، لا يعتد بالساكن حائلًا قبل حرف الاستعلاء فإن وقف على {حصرت} رقق الراء لزوال حرف الاستعلاء الذي أوجب التغليظ في الراء، ولزوم الكسرة قبل الراء.
فإن وقع قبل الراء كسرة عارضة أو على حرف زائد لم يعتد بها، نحو: «لربهم، وبرازقين» كأن الحرف لم يذكر، وكأنه ابتدأ براء، لا شيء قبلها يوجب ترقيقها، وكذلك إن كانت الكسرة عارضة على حرف، ليس من الكلمة، نحو قراءته: «بعاد إرم» الراء مغلظة، لأن الكسرة التي على التنوين عارضة، إنما هي كسرة الهمزة ألقيت على التنوين، فإن ابتدأ بـ «إرم» غلظ الراء، لأن الكسرة عنده عارضة، إنما تثبت في الابتداء لا غير، وكذلك الراء الساكنة، إذا كانت الكسرة التي قبلها عارضة، أو من كلمة أخرى، لم تعمل في الراء، وكانت الراء مغلظة نحو: {يا بني اركب} الراء مغلظة؛ لأن الكسرة التي قبلها في كلمة أخرى، فإن ابتدأت بـ «اركب» غلظت الراء أيضًا، لأن الابتداء عارض، وألف الوصل غير لازمة، فضعت كسرتها، فلم تعمل في الراء، فبقيت مغلظة على أصلها، وقد خرجت عن هذه الأصول أشياء، نقلت بالوجهين بالترقيق والتغليظ، وأشياء مغلظة، وقبلها ما يوجب ترقيقها، لكنها أتت بالتغليظ على الأصل.
5- من ذلك «عشرون، وكبر، وعمران، وإبراهيم، وإسرائيل، ووزرك، ووزر أخرى، وذكرك، وفنظرة، وإصرهم، وحذركم، ولعبرة، وعبرة،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/211]
وكبره، ومصر» وعلل ذلك أن أكثر هذه الكسرات على حروف الحلق، وما قرب منها، وحروف الحلق بعيدة من الراء، فكأن الكسرة بعدت من الراء، على قدر بعد الحرف، الذي الكسرة عليه، من الراء في المخرج والصفة، فبعد عملها في الراء وقوي التغليظ فيها، ألا ترى أن «عشرون» لما كانت الكسرة بعيدة من الراء، لكونها على حرف حلق، وطالت الكلمة، وقويت الشين في الإحالة بين الراء والكسرة بالتفشي الذي فيها، لم يُعتد بالكسرة، فلغظ الراء، لأنه الأصل، ولأن المضمومة لا تحسن الإمالة فيها ألبتة، فضعفت كونها مرققة فغلظت.
وأن «كبرا» لما كانت الكسرة على حرف قريب من القاف، والقاف قريبة من حروف الحلق، وبعيدة عن الراء، بعدت الكسرة من الراء لذلك، وحال بينهما حرف قوي، وهو الباء، فكأن الفتح هو الأصل، ولم يعتد بالكسرة، وغلظ الراء.
وأن «عمران» لما كانت الكسرة على العين [وهي] من حروف الحلق، وحال بينها وبين الراء الميم، وفيها غنة، قوي الحائل، وبعد من بين الراء والكسرة لقوة الحائل، وبعده من الراء، ولبعد الحرف الذي عليه الكسرة من مخرج الراء، فكأن الكسرة بعدت من الراء لبعد الحرف منها، وزاده قوة لكون الألف بعد الراء، والألف من الفتحة، ففوت الألف فتحة الراء، وضعف الترقيق، فغلظت.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/212]
وإن «إبراهيم، وإسرائيل» لما كانت الكسرة على همزة، وهي من حروف الحلق بعدت الكسرة من الراء، لكونها على حرف بعيد من المخرج من الراء، فبعدت الراء، وقوي الحائل، وطال الاسم، وقوي الراء في الفتح الألف التي بعدها في الاسمين، فضعف الترقيق، فغلظتا.
وإن «وزرك، ووزر أخرى» لما كان الحائل حرفًا قويًا من حروف الصفير قوي في الإحالة بين الكسرة والراء، فضعف الترقيق، فغلظت الراء لأنه أصلها.
وإن «فنظرة» لما حال بين الكسرة والراء حرف من حروف الإطباق والاستعلاء قوي ذلك في الإحالة والحجز بين الكسرة والراء، فضعف الترقيق، فغلظت الراء؛ لأنه أصلها، وكذلك العلة في «إصرهم، ومصر» وإن «حذركم، ولعبرة، وكبرة» لما كانت الكسرة على حرف من حروف الحلق، والكاف تقرب من الحلق بعدت الكسرة من الراء كبعد مخرج حروف الحلق منها وأيضًا فقد حال بين الراء والكسرة حرف قوي، وهو الياء والذال، فضعف الترقيق، وقوي التغليظ؛ لأنه الأصل، والأصل أبدًا أقوى من الفرع، وعلى ذلك يُعلل ما روي عن ورش من تغليظ «إجرامي، وحيران، وعشيرتكم» في براءة، و«صهرا» في الفرقان، وبالوجهين قرأت في هذه الأربعة مواضع.
6- وعلة التغليظ ما ذكرنا من أنه الأصل، ولعبد الكسرة عن الراء في «إجرامي» لكونها على حرف من حروف الحلق، فبعدت الكسرة لبعد حرف الحلق عن الراء، ولكون الساكن من حروف الحلق، وكون الكسرة على حرف بعيد من الراء، وهو الصاد من «صهرا»، فأما «حيران، وعشيرتكم» فالترقيق والتغليظ فيهما متساوٍ في العلة، لأن الياء قريبة من الراء، ولم يحل بين الراء والياء حائل، فكلا الوجهين قوي في النظر والقياس، والتغليظ هو الأصل، وبالوجهين قرأت فيهما.
فأما ما ذكرنا من الراء المفتوحة المنونة في «فعيل» فالأشهر عن ورش فيها
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/213]
الترقيق في الوصل والوقف، لأن الياء لازمة قبل الراء في الوجهين جميعًا، وليس للتنوين في التغيظ عمل، وقد روي التفخيم فيها في «الرجال» خاصة، وهو مذهب أبي الطيب، ولا حجة له في ذلك غير الرواية، فإن كان فخم في الوصل لأجل التنوين، ورقق في الوقف لذهاب التنوين، فيلزمه تفخيم «قمطريرا، وخضرا» ونحوه في الوصل لأنه منون، وهو لا يفعل ذلك، فليس فيه غير الرواية، والترقيق هو الصواب لورش، والتفخيم هو الأصل، وعليه كل القراء، وهو الاختيار في الراءات كلها لأنه الأصل، ولإجماع القراء، ولأنه أفخم من التلاوة، إلا ما كان يُمال، فله أصله وروايته على ما قدمنا ن الراء همزة ممالة، فيمال ما بعدها نحو: «رأى، ورآك» وشبهه وقد قدمنا علة ذلك والاختلاف فيه.
7- ومما خرج عن الأصول الراء المفتوحة، يكون قبلها ساكن غير ياء في حال النصب، وهو منونة، وذلك نحو: «ذكرا، وسترا، ومصرا» الرواية فيه عن ورش بالتغليظ كجماعة القراء، وعلته في ذلك ما تقدم ذكره من كون الحائل من قرب الحلق، وكونه من حروف الصفير، وكونه من حروف الإطباق والصفير،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/214]
فقوي الحائل لذلك، فغلظت الراء، ولم تعمل الكسرة في الراء لضعفها وبعدها، وقوة الحائل.
8- ومما خرج عن هذه الأصول ما تكررت فيه الراء، والثانية مفتوحة أو مضمومة، وقبل الراء الأولى كسرة، أو ساكن قبله كسرة، فغلظه ورش كسائر القراء، وذلك نحو: «مدرارا، وفرارا، والقرار» وعلة ذلك أن الراء الثانية، لما كانت مفتوحة وهي حرف تكرير، كانت الفتحة عليها مقام مفتحتين، فقويت الفتحة في الراء الأولى لقوتها أيضًا في التكرير، وزادها قوة قوة الفتحة في الراء الثانية، والألف التي بينهما من الفتحة، فكأنه اجتمع خمس فتحات، والتغليظ مع الفتح يكون، فقوي التغليظ لذلك، وضعفت الكسرات التي قبل الراء لتكرير الفتحات بعدها، فكان التغليظ في الراء أقوى وأولى لذلك، وإذ هو الأصل وعليه كل القراء، فأما قوله تعالى: {بشرر} فإن ورشًا تفرد فيه بترقيق الراء الأولى، وعلى ذلك أن الراء الأولى، لما أتى بعدها راء مكسورة وهي حرف تكرير، والكسرة عليها مقام كسرتين ولم يحل بينهما حائل، قويت الكسرة فعملت في الراء الأولى، فقربت فتحة الأولى إلى الترقيق، الذي هو بين اللفظين، ليقرب من كسرة الراء الثانية، فيعمل اللسان عملًا، يقرب بعضه من بعض. فأما الراء الثانية فلا اختلاف في ترقيقها، لأنها مكسورة، ولأنها إذا كان يرقق من أجلها ما قبلها فهي أولى بالترقيق، وأحرى أن لا تكون غير مرققة، وترقيقها إجماع من القراء، وعلة ذلك أن التفخيم ضرب من إشباع الفتح، فلو فخمت المكسورة لأدخلت فيها طرفًا من الفتح، وهذا لا يتمكن، ولا يقدر عليه، ولا هو
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/215]
من كلام العرب، لا يكون فتح في كسر في شيء من الكلام، وقد كنا ألفنا كتابًا مفردًا في الراءات وعللها، فلذلك اقتصرنا في هذا الكتاب، على ما ذكرنا، ففيه كفاية من ذلك عن غيره). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/216]

جمهرة علوم القرآن 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م 03:53 PM

ومن باب حكم الوقف على الراء
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (ومن باب حكم الوقف على الراء
إذا وقفت على راء مكسورة وقفت بالترقيق، كما كانت في الوصل إذا رمت الحركة؛ لأنك قد أبقيت من الحركة بقية توجب ترقيق الراء، وهو بعض الكسر، الذي كان على الراء، فإن وقفت بالإسكان، وقبلها كسرة، وقفت أيضًا بالترقيق، كما ترقق الساكنة، إذا كان قبلها كسرة نحو: «مرية» وتقف على «بشرر» بالترقيق في الثانية إذا رمت الكسرة، وبالتغليظ إن أسكنت، لأنها تصير ساكنة قبلها فتحة مثل: «ترميهم» وكذلك: «سرر» تقف بالترقيق إن رمت الحركة، وإن أسكنت وقفت بالتغليظ، لأنها تصير ساكنة قبلها ضمة مثل: «ترجعون» فهذا حكم الوقف على الراء المكسورة في الوصل.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/216]
فإن كانت الراء مفتوحة في الوصل مفخمة، وقفت بالتفخيم أيضًا نحو: «قدر، وأدبر» لأنها تصير ساكنة قبلها فتحة، ولو استعملت الروم فيها لم تكن أيضًا إلا مفخمة، على حالها في الوصل، فإن كانت قبلها كسرة أو ياء وقفت بالترقيق، نحو «العير، وفاطر» لأنها تصير ساكنة قبلها كسرة كـ «مرية»، ولو رمت لوقفت لورش بالترقيق كالوصل، ولباقي القراء بالتغليظ كوصلهم، لكن لا يستعمل القراء الروم في المنصوب لخفته.
وقد اختلف علي ما فيه قول أبي الطيب، فمرة أجازه ومرة منعه، وتركه أحب إلي، فإن كانت الراء مضمومة وقفت بالروم، أجريتها على حكمها في الوصل، فإن أشممت الحركة أو أسكنت، وقبل الراء كسرة، وقفت بالترقيق نحو: «هو القادر» لأنها تصير ساكنة قبلها كسرة كـ «مرية»، فإن كان قبلها فتحة أو ضمة وقفت بالتغليظ، لأنها تصير ساكنة قبلها فتحة أو ضمة كـ «ترجعون، وترميم».
وحكم الياء قبل الراء في جميع ذلك حكم الكسرة قبلها، وكذلك حكم الساكن قبل الراء، وقبله كسرة، وحكم الكسرة قبل الراء، فتقف على «خبير، وبصير» المرفوعين بالترقيق إن لم ترم الحركة، فإن رمت الحركة وقفت لورش بالترقيق كما تصل، ووقفت لباقي القراء بالتغليظ كما يصلون؛ لأن بعض الحركة باق على الراء، فتجري في الوقف على حالها في الوصل، وكذلك «بصير، وخبير» وشبهه، المخفوض، تقف عليه كالوصل رمت الحركة أو لم ترم، وكذلك تقف على: «ذكر، وذكر من معي» المرفوعين بالترقيق، إن لم
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/217]
ترم لجميعهم، لأنها تصير ساكنة قبلها ساكن، قبله كسرة، فإن رمت الحركة وقفت لورش بالترقيق ولغيره بالتغليظ كالوصل، فأجر الراء مع روم الحركة أبدًا مجراها في الوصل، وأجرها إذا لم ترم مجرى الساكنة على حكمها، إذا كان قبلها كسرة أو ساكن، قبله كسرة أو ياء رققت، وإن كان قبلها فتحة أو ضمة، أو ساكن قبله فتحة، غلظت، فعلى هذا يجري الوقف على الراء.
ولو أن قائلًا قال: لا أعتد بالوقف لأنه عارض وأجري الراء في الوقف على ما كانت عليه في الوصل، من ترقيق أو تغليظ، لكان لقوله قياس، ولكن الأحسن ما ذكرت لك، فاستعمله، فإنه قياس الأصول، وعليه جرت الراءات، وهذا إنما أخذ سماعًا وقياسًا على ما سُمع، ونصه قليل غير موجود في الكتب، بل كل القراء أغفل الكلام على كثير مما ذكرنا، ولم يبين كيف هو يتفخم ولا يترقق، لكن القياس، على ما نصوا عليه، يوجب ما ذكرنا من الأحكام في الراءات). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/218]

جمهرة علوم القرآن 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م 03:55 PM

باب في ترقيق اللام وتغليظها
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (باب في ترقيق اللام وتغليظها
اعلم أن اللام حرف، يلزمه تفخيم وتغليظ، لمشاركته الراء في المخرج، والراء حرف تفخيم، ولمشاركته النون في المخرج، والنون حرف غنة، فاللام تفخم للتعظيم، وتفخم أحرف الإطباق، وحرف الإطباق مفخم، يأتي بعدها ليعمل اللسان عملًا واحدًا في التفخيم.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/218]
فأما تفخيمها للتعظيم فنحو اللام من اسم «الله» جل ذكره، هي مفخمة أبدًا للتعظيم، تقول: «الله ربي، قال الله، ولا إله إلا الله» لا تزال اللام مفخمة، إلا أن يأتي قبلها كسرة فترقق للكسرة، فإن زالت الكسرة رجعت اللام إلى التفخيم، تقول: «بالله أثق، وفي الله عوض، ولاسم الله حلاوة» فترقق اللام للكسرة التي قبلها، فإن زالت الكسرة رجعت اللام إلى أصلها ففخمت، تقول: «اسم الله عظيم، الله ثقتي، الله يعوض خيرًا» وهذا لا اختلاف فيه بين القراء، إنه على ما ذكرت لك.
وأما تفخيمها لحرف الإطباق قبلها فتفرد به ورش عن نافع في بعض المواضع وذلك إذا كان قبل اللام طاء أو صاد أو ظاء، ما لم تنكسر اللام أو تنضم أو تنكسر أو تنضم الظاء، فالذي يفخم نحو: «ظلموا، ومن أظلم، والصلاة، ومصلى، والطلاق، وطلقتم» وشبهه، قرأه ورش وحده بالتفخيم، ورققه باقو القراء، وعلة من فخم هذا النوع أنه، لما تقدم اللام حرف مفخم مطبق مستعل، أراد أن يقرب اللم نحو لفظه، فيعمل اللسان في التفخيم عملًا واحدًا، وهذا هو معظم مذاهب العرب في مثل هذا يقربون الحرف من الحرف، ليعمل اللسان عملًا واحدًا، ويقربن الحركة من الحركة ليعمل اللسان عملًا واحدًا، وعلى هذا أتت الإمالات في عللها، وعلى هذا أبدلوا من السين صادًا إذا أتى بعدها طاء أو قاف أو غين، أو خاء، ليعمل اللسان في الإطباق عملًا واحدًا، فذلك أخف عليهم من أن يسفل اللسان بالحرف، ثم يتصعد إلى ما بعده، وعلة من رقق أن اللام حرف كسائر الحروف، فأجراها مع حروف الإطباق قبلها كسائر الحروف، وأيضًا فإن الترقيق هو الأصل، ألا ترى أنه لا يجوز تفخيم كل لام،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/219]
ولا يجوز ترقيق كل لام، فالأعم هو الأصل، والتفخيم في اللام داخل فيها، لما ذكرت لك من مقاربتها للراء وللنون في المخرج، وأيضًا فإن الترقيق عليه كل القراء، فإجماعهم حجة.
فإن انكسرت اللام أو انضمت، أو أسكنت، أو انضمت الطاء، رقق ورش اللام كسائر القراء نحو: «لظلوم، وفطل، ويصلون، ومن يظلم، وفظلتم، وظلمات، ويصلي، وفصلناه»، وعلته في ذلك أنه إنما فخم اللام إذا كانت مفتوحة؛ لأن الفتحة مؤاخية للتفخيم ولأنها من الألف، ولأن الفتحة مستعلية في المخرج كحروف الاستعلاء؛ لأنها من الألف، والألف حرف يخرج من هواء الفم، فعامل اللام بالتفخيم مع الفتح، وحرف الإطباق قبله، ليعمل اللسان عملًا واحدًا، فلما تغيرت اللام عن الفتح رجع إلى الأصل، وهو الترقيق.
وأيضًا فإن اللام، إذا انكسرت في نفسها امتنع فيها التفخيم؛ لأن التفخيم إشباع فتح، ومحال أن يُشبع الفتح في حرف مكسورة أو مضموم، وكذلك فعل في الطاء، لما انكسرت بعد وقوع التفخيم بعد الكسر، لأن فيه تكلفًا وخروجًا من تسفل إلى تعصد، وذلك صعب قليل في الكلام، فرد اللام للترقيق لكسرة الطاء قبلها، وكان ذلك أليق وأسهل في اللفظ، ألا ترى أنه لو فخم اللام في «يصلي، ويظلم» لقبح اللفظ، وخرج عن حده؛ لأنه يفخم حرفًا مكسورًا، والكسر ضد التفخيم، فكان يجمع بين الشيء وضده، وليس هذا في كلام العرب، ولو فخم في نحو: «ظلال» لوجب أن يخرج من تسفل الكسر إلى تصعد التفخيم، وذلك مكروه صعب، واللام المشددة المفتوحة حكمها حكم المخففة
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/220]
المفتوحة، ففخم لورش بعد الحروف المذكورة نحو: «طلقتم، وظللنا، وصلى» وشبهه.
وقد قرأت في المشددة بعد الطاء لورش بالترقيق كالجماعة، والتغليظ أقيس، وهو ظاهر النص، فأما اللام الساكنة فهي مرققة لجميع القراء على كل حال، وهو الأصل، سوى «صلصال» فقد روي عن ورش تغليظ اللام الأولى فيه؛ لأجل كون اللام بين حرفي الإطباق، ولا نظير له، فذلك مما يقوي التغليظ، ليعمل اللسان عملًا واحدًا، وروي عنه ترقيقها، وبالوجهين آخذ، والترقيق هو الأصل، وعليه جماعة القراء، وقد كان يلزم من غلظ «صلصال» أن يغلظ اللام من «خلق» لوقوعها بين حرفي استعلاء، وقد روي، ولم أقرأ به، وبالترقيق قرأت فيه لقوة اللام بالحركة وضعفها بالسكون في «صلصال» فاعرفه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/221]

جمهرة علوم القرآن 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م 03:56 PM

باب حكم الوقف على اللام
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (باب حكم الوقف على اللام
اعلم أن اللام، إذا فخمت في الوصل لورش، للعلة التي ذكرنا، من كون حرف الإطباق قبلها، وكانت اللام متطرفة، فلك في الوقف عليها وجهان: إن شئت فخمت كما وصلت، وإن شئت رققت لأنها تصير ساكنة، والساكنة لا تفخم لحرف الإطباق إلا ما ذكرنا «من صلصال» ولا يقاس عليه لأن اللام من «صلصال» بين حرفي الإطباق، وليس كذلك غيره، فتقف لورش في الوقف مجرى حالها في الوصل، فهو قياس، وإن شئت وقفت بالترقيق؛ لأنها سكنت، والساكن لا يفخم بعد حرف الإطباق في «صلصال» و«صلصال » ليس بمنزلة «فصل، وتصل» لأن فيه حرفي إطباق وليس في «فصل، وتصل» وهذا جار على قياس ما ذكرنا في الراءات، فابن عليه.
واعلم أن اللام المفتوحة المفخمة، بعد الصاد، إذا وقعت رأس آية في قراءة ورش، رققتها، لأنه يقرؤها بين اللفظين في الألف، ولا يمكن ذلك حتى تنحو باللام بين اللفظين في الألف أيضًا، وبين اللفظين إمالة ضعيفة، ولا تجتمع الإمالة والتفخيم في حرف، فلابد أن ترقق اللام فيه كسائر اللامات، وذلك إذا كانت رأس آية، وذلك نحو: {عبدًا إذا صلى} «العلق 10» ونحو: {وذكر اسم ربه
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/222]
فصلى} «الأعلى 15»، ونحو: {فلا صدق ولا صلى} «القيامة 31» يقرأ ذلك بين اللفظين، كما يفعل في رؤوس الآي كلها، إذا كانت من ذوات الياء، فإذا قرأه بين اللفظين رقق اللام، إذ لا يمكن أن يقرأ الألف بين اللفظين، فيقر بها من الياء، حتى تقرب الفتحة، التي قبلها، نحو الكسر، ولا يمكن اجتماع تفخيم وكسر، فلابد من ترقيق اللام لما ذكرنا لورش.
فما غير ورش، ممن يرقق اللام على كل حال، فهو يرققها قرأه بين اللفظين أو لم يقرأ بذلك، وقد ذكرنا الإمالات في «كتاب الراءات» بأشبع من هذا، وفي الذي ذكرنا في هذا الكتاب كفاية إن شاء الله.
قال أبو محمد: وكل ما أغفلنا الكلام عليه، من الأصول المذكورة في كتاب «التبصرة» فعلة ذلك جارية على ما ذكرنا، ومقيسة على ما بينا، فقد اجتهدت فيما ذكرت، وبينت ما استطعت، والكلام لله جل ذكره، فلست أنكر أن أكون قد أغفلت أشياء، لم أذكر عللها، لكنها ترجع في عللها إلى قياس ما ذكرنا، فقس ما لم نذكره على ما ذكرت فهو الأكثر والأعم، والذي أغفلت هو الأقل، إن كنت أغفلت شيئًا من ذلك، ولم أترك شيئًا من ذلك عن تعمد). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/223]

جمهرة علوم القرآن 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م 03:56 PM

الوقف على لام المعرفة
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (الوقف على لام المعرفة
14- كان خلف عن حمزة يقف على لام المعرفة، إذا كان بعدها همزة
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/232]
وقفة خفيفة، نحو «الأولى، والآخرة» وشبهه حيث وقع، ولم يفعل ذلك الباقون.
15- وعلة الوقف فيه أن الهمزة حرف ثقيل، بعيد المخرج، وحكمه في هذه الأشياء الابتداء به، لأن لام المعرفة زائدة، فوقف على لام المعرفة ليستفرغ القوة، في النطق بالهمزة مبتدئًا، وليشعر أن الهمزة، حقها الابتداء بها وما قبلها زائد داخل عليها، فكأن لام المعرفة كلمة، وما فيه الهمزة كلمة، وقد أتى الوقف على لام المعرفة في أشعار العرب مع غير الهمزة وعلة من وصل أنه أجرى لام المعرفة مع الهمزة، كمجراها مع سائر الحروف، لأنها متصلة بما بعدها، ولا يوقف عليها وقفا منفصلًا بسكت، ويقوي ذلك قراءة من قرأ بإلقاء حركة الهمزة على اللام، فلولا أن اللام متصلة بما بعدها لما ألقى عليها حركة الهمزة، ويقوي اتصال لام المعرفة بما بعدها، لما ألقى عليها حركة الهمزة، ويقوي اتصال لام المعرفة بما بعدها أيضًا إدغامها في أربعة عشر حرفًا، مما تدخل عليه، فلو كانت منفصلة جاز إدغامها في أربعة عشر حرفًا، مما تدخل عليه، فلو كانت منفصلة ما جاز إدغامها، وأيضًا فإنه أخف، وعليه سائر اللغات، وهو إجماع القراء، وعليه الصدر الأول من الصحابة والتابعين. فما روي عن أحد منهم أنه وقف على لام التعريف، إلا ما نقله حمزة من ذلك في رواية خلف عنه، وروايته مقبولة لثقته وعدالته، لكن الاختيار ترك الوقف لما ذكرنا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/233]


الساعة الآن 09:43 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة