جمهرة العلوم

جمهرة العلوم (http://jamharah.net/index.php)
-   توجيه القراءات (http://jamharah.net/forumdisplay.php?f=1080)
-   -   مقدمات توجيه القراءات من كتاب الكشف عن وجوه القراءات للقيسي (http://jamharah.net/showthread.php?t=27941)

جمهرة علوم القرآن 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م 04:02 PM

فَصْلٌ فِي عِلَلِ الإِمَالَةِ
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (فَصْلٌ فِي عِلَلِ الإِمَالَةِ
«1» اعْلَمْ أَنَّ الْفَتْحَ هُوَ الأَصْلُ، وَالإِمَالَة فَرْعٌ، لِعِلَّةٍ تُوجِبُهَا عَلَى [مَا] قَدَّمْنَا فِي صَدْرِ الْكِتَابِ، دَلِيلُ ذَلِكَ أَنَّ الْفَتْحَ مُسْتَعْمَلٌ فِي كُلِّ مُمَالٍ وَغَيْرِ مُمَالٍ، وَالإِمَالَةُ لاَ تُسْتَعْمَلُ فِي كُلِّ شَيْءٍ مَفْتُوحٍ، فَمَا عَمَّ كُلَّ شَيْءٍ فَهُوَ الأَصْلُ، أَلاَ تَرَى أَنَّ «الدُّعَاءَ، وَالْغُثَاءَ، وَالسَّمَاءَ، وَالشُّرَكَاءَ، وَقَالَ، وَمَالَ، وَكَانَ، وَطَالَ» وَشِبْهَهُ لاَ تَجُوزُ فِيهِ الإِمَالَةُ، وَأَنَّ كُلَّ مَا تَجُوزُ فِيهِ الإِمَالَةُ يَجُوزُ فِيهِ الْفَتْحُ، وَمِمَّا يُقَوِّي الْفَتْحَ فِي الأَشْيَاءِ الَّتِي تَجُوزُ فِيهَا الإِمَالَةُ أَنَّ الإِمَالَةَ إِنَّمَا جِيءَ بِهَا لِتَدُلَّ عَلَى أَصْلِ الْحَرْفِ الْمُمَالِ، لِتُقَرِّبَهُ مِنْ كَسْرَةٍ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ، وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ الدَّلالَةِ عَلَى الأَصْلِ فِي قَوْلِهِمْ: مِيقَاتٌ وَمِيزَانٌ، وَشِبْهِهِ، بِغَيْرِ إِشَارَةٍ وَلاَ دَلِيلٍ عَلَى الأَصْلِ، إِذْ أَصْلُ الْيَاءِ فِيهِمَا الْوَاوُ، وَأَجْمَعُوا أَيْضًا عَلَى تَرْكِ الدَّلالَةِ عَلَى الأَصْلِ فِي قَوْلِهِمْ: مُوقِنٌ وَمُوسِرٌ، وَشِبْهِهِ بِغَيْرِ إِشَارَةٍ وَلاَ دَلِيلٍ عَلَى الأَصْلِ، وَالأَصْلُ فِي الْوَاوِ فِيهِمَا يَاءٌ، وَأَجْمَعُوا عَلَى إِبْدَالِ الْهَمْزَةِ الَّتِي هِيَ فَاءُ الْفِعْلِ فِي «آدَمَ وَآزَرَ» وَشِبْهِهِمَا بِأَلِفٍ، مِنْ غَيْرِ إِشَارَةٍ وَلا دَلِيلٍ عَلَى الأَصْلِ، وَالأَصْلُ الْهَمْزُ، وَأَجْمَعُوا عَلَى إِبْدَالِ الْوَاوِ فِي: قَالَ، وَكَالَ بِأَلِفٍ وَعَلَى إِبْدَالِ الْيَاءِ فِي: كَالَ، وَمَالَ، بِأَلِفٍ مِنْ غَيْرِ إِشَارَةٍ إِلَى الْوَاوِ، وَلاَ إِلَى الْيَاءِ فِي أَشْبَاهٍ لِهَذَا كَثِيرٍ، فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ تُتْرَكَ الإِشَارَةُ إِلَى
الأَصْلِ فِي «رَمَى، وَهَدَى، وَتَرَى، وَاشْتَرَى» وَشِبْهِهِ، وَأَنْ تُتْرَكَ الأَلِفُ عَلَى حَالِهَا وَلَفْظِهَا، وَفَتْحِ مَا قَبْلَهَا، وَلا تُغَيَّرَ بِإِشَارَةٍ إِلَى أَصْلِهَا، قِيَاسًا عَلَى
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/378]
مَا ذَكَرْنَا مِمَّا أَجْمَعُوا عَلَى تَرْكِ الإِشَارَةِ فِيهِ إِلَى الأَصْلِ، فَهَذَا بَابٌ يَقْوَى بِهِ الْفَتْحُ، فَأَمَّا الإِمَالَةُ فَفِيمَا يُقَوِّي اسْتِعْمَالَهَا، أَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تُبْقِي فِي الْكَلِمَةِ الْمُغَيَّرَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَصْلِهَا، فِي كَثِيرٍ مِنْ كَلاَمِهَا. مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ أَدْغَمُوا النُّونَ السَّاكِنَةَ وَالتَّنْوِينَ فِي الْمِيمِ وَالنُّونِ، وَحَقُّ الإِدْغَامِ أَنْ يَذْهَبَ فِيهِ لَفْظُ الْحَرْفِ الأَوَّلِ. فَلَمْ يَجْعَلُوا ذَلِكَ فِي هَذَا وَأَبْقَوُا الْغُنَّةَ تَدُلُّ عَلَى الأَصْلِ، وَهَذَا إِجْمَاعٌ مِنَ الْعَرَبِ، وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّهُمْ أَدْغَمُوا الطَّاءَ السَّاكِنَةَ فِي التَّاءِ فَأَبْقَوْا لَفْظَ الإِطْبَاقِ، لِيَدُلَّ عَلَى الأَصْلِ، إِجْمَاعٌ مِنْهُمْ فِي نَحْوِ قَوْلِكَ: أَحَطْتُ، وَفَرَّطْتُ، وَكَذَلِكَ فَعَلُوا بِالْقَافِ السَّاكِنَةِ، إِذَا أَدْغَمُوهَا فِي الْكَافِ، يُبْقُونَ لَفْظَ الإِطْبَاقِ، لِيَدُلَّ عَلَى الأَصْلِ فِي نَحْوِ قَوْلِهِ: {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ} «الْمُرْسَلاَتِ 20» وَشِبْهِهِ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فِي الأَفْعَالِ الْمُعْتَلاَّتِ الأَعْيُنِ مِنْ ذَوَاتِ الْوَاوِ، وَمِنْ ذَوَاتِ الْيَاءِ فِيمَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ. إِذَا انْكَسَرَ أَوَّلُهَا لِلاعْتِلاَلِ، أَبْقَوُا الإِشْمَامَ فِي أَوَائِلِهَا، لِيَدُلَّ عَلَى الأَصْلِ فِي نَحْوِ: قِيلَ، وَحِيلَ، وَغِيضَ، وَسِيقَ، وَشِبْهِهِ، وَكَذَلِكَ فَعَلُوا فِي الْوَقْفِ عَلَى الْمُتَحَرِّكِ، يُبْقُونَ الإِشْمَامَ وَالرَّوْمَ فِي أَوَاخِرِ الْكَلاَمِ الْمُتَحَرِّكِ، لِيَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ أَصْلُهُ فِي الْوَصْلِ، وَهَذَا فِي كَلامِهِمْ أَكْثَرُ مِمَّا أَصِفُ بِهِ، يَرْغَبُونَ فِي أَنْ يَبْقَى فِي الْكَلاَمِ الْمُغَيَّرِ مَا يَدُلُّ عَلَى الأَصْلِ، وَعَلَى ذَلِكَ انْفَتَحَ مَا قَبْلَ وَاوِ الْجَمْعِ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنْهُمْ، فِي نَحْوِ قَوْلِكَ: الْمَوْسَوْنُ، وَالْعَيْسَوْنُ، وَشِبْهِهِ، لِتَدُلَّ الْفَتْحَةُ عَلَى الأَصْلِ، وَيُنْبِئَ عَنْ حَذْفِ الأَلِفِ بَعْدَهَا، وَهَذَا كَثِيرٌ فِي كَلاَمِهِمْ، وَكَذَلِكَ فَعَلَ أَصْحَابُ الإِمَالَةِ فِي: رَمَى، وَسَعَى، وَاشْتَرَى، وَهَوَى، وَشِبْهِهِ، أَبْقَوُا الإِمَالَةَ لِتَدُلَّ عَلَى أَصْلِ الأَلِفِ، وَتُنْبِئَ أَنَّ أَصْلَهَا الْيَاءُ، فَهُمَا لُغَتَانِ فَاشِيَتَانِ قَوِيَّتَانِ فِي الاسْتِعْمَالِ وَالْقِيَاسِ، وَالْفَتْحُ الأَصْلُ لِمَا ذَكَرْنَا، وَالإِمَالَةُ فَرْعٌ جَارٍ عَلَى الأُصُولِ، قَوِيٌّ فِي الْقِيَاسِ، فَصِيحٌ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ، غَيْرُ مَدْفُوعٍ، فَأَمَّا مَا كَانَ مِنْ ذَوَاتِ الْوَاوِ فَبَعِيدٌ إِمَالَتُهُ، إِذْ لاَ أَصْلَ لَهُ فِي الْيَاءِ، يُنَحَّى بِهِ إِلَى ذَلِكَ، وَالْفَتْحُ أَوْلَى بِهِ.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/379]
«2» فَإِنْ قِيلَ: فَإِلاَّ نُحِّيَ بِذَوَاتِ الْوَاوِ نَحْوَ الْوَاوِ لِيَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْلِ الأَلِفِ، كَمَا نُحِّيَ بِذَوَاتِ الْيَاءِ نَحْوَ الْيَاءِ، لِيَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْلِ الأَلِفِ؟
فَالْجَوَابُ: أَنَّ الْفَتْحَةَ مِنَ الأَلِفِ، وَالأَلِفُ بَعِيدَةٌ مِنْ مَخْرَجِ الْوَاوِ، فَلَوْ نَحَوْتَ بِالْفَتْحَةِ فِي: دَعَا، وَدَنَا، وَنَحْوِهِمَا، وَقَالَ، وَخَلاَ، وَنَحْوِهِمَا، نَحْوَ الضَّمَّةِ، لِتُقَرِّبَ الأَلِفَ نَحْوَ الْوَاوِ، الَّتِي هِيَ أَصْلُهَا لَجَمَعْتَ بَيْنَ طَرَفَيْنِ مُتَبَاعِدَيْنِ، الْفَتْحَةُ مِنَ الأَلِفِ، وَالضَّمَّةُ مِنَ الْوَاوِ، وَهَذَا بَعِيدٌ قَبِيحٌ فِي الْجَوَازِ، وَعَلَى مَنْعِهِ أَكْثَرُ الْعَرَبِ.
«3» فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ جَازَ فِي إِمَالَةِ ذَوَاتِ الْيَاءِ أَنْ يُنَحَّى بِالْفَتْحَةِ نَحْوَ الْكَسْرَةِ، لِتُقَرِّبَ الأَلِفَ نَحْوَ الْيَاءِ، لِتَدُلَّ عَلَى أَنَّ أَصْلَ الأَلِفِ الْيَاءُ، وَالْفَتْحَةُ مِنَ الأَلِفِ، وَالْكَسْرَةُ مِنَ الْيَاءِ. فَالْجَوَابُ أَنَّ الأَلِفَ أَقْرَبُ إِلَى الْيَاءِ فِي الْمَخْرَجِ مِنْهَا إِلَى الْوَاوِ، لأَنَّ الْوَاوَ مِنَ الشَّفَتَيْنِ، وَالْيَاءَ مِنْ وَسَطِ اللِّسَانِ، فَالْيَاءُ قَرِيبَةٌ مِنَ الأَلِفِ، وَالْكَسْرَةُ مِنَ الْيَاءِ، فَحَسُنَ أَنْ تُقَرِّبَ الْفَتْحَةَ، الَّتِي هِيَ مِنَ الأَلِفِ، إِلَى الْكَسْرَةِ، الَّتِي هِيَ مِنَ الْيَاءِ، لِتُقَرِّبَ الأَلِفَ الَّتِي بَعْدَ الْفَتْحَةِ، إِلَى الْيَاءِ الَّتِي هِيَ أَصْلُهَا، لِقُرْبِ مَا بَيْنَ الأَلِفِ وَالْيَاءِ، وَبَعْدَ ذَلِكَ فِي الضَّمَّةِ مَعَ الْفَتْحَةِ لِبُعْدِ الْوَاوِ مِنَ الأَلِفِ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الأَلِفَ تُؤَاخِي الْيَاءَ فِي الْخِفَّةِ، وَتَبْعُدُ مِنَ الْوَاوِ لِثِقَلِ الْوَاوِ، فَحَسُنَ تَقْرِيبُ الْفَتْحَةِ الَّتِي هِيَ مِنَ الأَلِفِ الَى الْكَسْرَةِ، الَّتِي هِيَ مِنَ الْيَاءِ، لِمُؤَاخَاةِ الأَلِفِ الْيَاءَ فِي الْخِفَّةِ، وَبُعْدُ ذَلِكَ مِنَ الْوَاوِ لِبُعْدِ الْوَاوِ مِنَ الأَلِفِ فِي الثِّقَلِ.
«4» وَعِلَّةٌ أُخْرَى فِي مَنْعِ إِمَالَة ذَوَاتِ الْوَاوِ، وَذَلِكَ أَنَّكَ لَوْ قَرَّبْتَ الْفَتْحَةَ نَحْوَ الضَّمَّةِ فِي: دَنَا وَدَعَا، وَشِبْهِهِمَا، لِتُقَرِّبَ الأَلِفَ نَحْوَ الْوَاوِ، الَّتِي هِيَ الأَصْلُ، لَوَجَبَ كَوْنُ وَاوٍ مُتَطَرِّفَةٍ قَبْلَهَا حَرَكَةٌ، وَذَلِكَ لاَ يُوجَدُ فِي كَلامِ الْعَرَبِ، لَيْسَ فِي الْكَلاَمِ وَاوٌ مُتَطَرِّفَةٌ مَلْفُوظٌ بِهَا قَبْلَهَا حَرَكَةٌ.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/380]
«5» فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ أَجَازُوا إِمَالَةَ ذَوَاتِ الْوَاوِ فِي «دَحَاهَا، وَطَحَاهَا، وَتَلاهَا، وَسَجَى»؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّهَا أُمِيلَتْ لِتَدُلَّ الإِمَالَةُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الأَلِفَ الَّتِي أَصْلُهَا الْوَاوُ، قَدْ تَعُودُ يَاءً فِي بَعْضِ الأَحْوَالِ إِذَا قُلْتَ: دُحِيَ، وَطُحِيَ، وَتُلِيَ، وَسُجِيَ، وَالإِمَالَةُ فِي ذَلِكَ قَلِيلَةٌ بَعِيدَةٌ، وَإِنَّمَا تُمِيلُ الأَلِفَ قَبْلَهَا إِلَى نَحْوِ الْيَاءِ الَّتِي قَدْ تَرْجِعُ الأَلِفُ إِلَيْهَا فِي بَعْضِ الأَحْوَالِ، لَيْسَ تُمِيلُ الأَلِفَ فِيهَا نَحْوَ الْوَاوِ، وَإِنَّمَا أَمَالَ هَذِهِ الأَفْعَالَ الْكِسَائِيُّ وَحْدَهُ لِيُتْبِعَهَا فِي الإِمَالَةِ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا، لِتَتَّفِقَ أَلْفَاظُ أَوَاخِرِ الآيِ فِي الإِمَالَةِ، مَعَ جَوَازِ ذَلِكَ عِنْدَهُ، لِلْعِلَّةِ الَّتِي ذَكَرْنَا.
«6» فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ أَمَالُوا الْعَيْنَ مِنْ «خَافَ» وَأَصْلُهَا الْوَاوُ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّ إِمَالَةَ هَذَا قَلِيلَةٌ، لَمْ يُمِلْهُ غَيْرُ حَمْزَةَ، وَإِنَّمَا أَمَالَهُ لِيَدُلَّ بِالإِمَالَةِ عَلَى فَتْحَةِ الْخَاءِ، عَلَى أَنَّ الْخَاءَ قَدْ تُكْسَرُ فِي بَعْضِ الأَحْوَالِ، فِي قَوْلِكَ: خِفْتُ، وَقِيلَ: أَمَالَهُ لِيَدُلَّ بِالإِمَالَةِ عَلَى أَنَّ أَصْلَ الْعَيْنِ الْكَسْرُ، إِذْ أَصْلُ «خَافَ» «خَوِفَ» عَلَى «فَعِلَ».
«7» فَإِنْ قِيلَ: فَلِمَ أَمَالَ حَمْزَةُ [وَالْكِسَائِيُّ] (الرِّبَا، وَضُحَاهَا، وَضُحَى وَهُنَّ مِنَ الْوَاوِ؟ فَالْجَوَابُ: أَنَّهُمَا [إِنَّمَا] أَمَالاَ عَلَى لُغَةٍ لِلْعَرَبِ، يُثَنُّونَ مَا كَانَ مِنَ الأَسْمَاءِ مِنْ ذَوَاتِ الْوَاوِ، مَكْسُورَ الأَوَّلِ أَوْ مَضْمُومَهُ بِالْيَاءِ، فَلَمَّا جَازَ تَثْنِيَتُهُ بِالْيَاءِ جَازَ إِمَالَتُهُ، كَمَا يُجِيزَانِ إِمَالَةَ كُلِّ مَا يُثَنَّى بِالْيَاء مِنْ ذَوَاتِ الْيَاءِ، نَحْوُ «مُنْتَهَى، وَمُفْتَرَى، وَهُدَى» وَشِبْهِهِ. وَقِيلَ: إِنَّمَا أَمَالاَ هَذَا مِنْ ذَوَاتِ الْوَاوِ، لأَنَّ أَلِفَهُ قَدْ تَرْجِعُ إِلَى الْيَاءِ فِي بَعْضِ الأَحْوَالِ، نَحْوَ تَصْغِيرِكَ إِيَّاهَا تَقُولُ فِيهِ: ضُحَيٌّ وَرُبَيٌّ، وَالإِمَالَةُ فِي هَذَا قَلِيلَةٌ بَعِيدَةٌ فِي الْجَوَازِ، فَافْهَمْهُ، وَقَدْ قَدَّمْتُ فِي بَيَانِ هَذَا الصِّنْفِ جُمَلاً كَافِيَةً، وَهَذِهِ زِيَادَةٌ إِلَيْهَا مُقْنِعَةٌ، نَفَعَ اللَّهُ بِهَا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/381]

جمهرة علوم القرآن 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م 04:03 PM

بَابٌ نَذْكُرُ فِيهِ التَّكْبِيرَ
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (بَابٌ نَذْكُرُ فِيهِ التَّكْبِيرَ
«1» تَفَرَّدَ ابْنُ كَثِيرٍ، فِي رِوَايَةِ الْبَزِّيِّ عَنْهُ خَاصَّةً، بِالتَّكْبِيرِ فِي الابْتِدَاءِ بِكُلِّ سُورَةٍ مِنْ خَاتِمَةِ {وَالضُّحَى}، تَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. {أَلَمْ نَشْرَحْ}. وَكَذَلِكَ فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ إِلَى أَوَّلِ الْحَمْدِ.
ثُمَّ تَقْرَأُ بِالْحَمْدِ. فَإِذَا تَمَّ لَمْ يُكَبِّرْ، وَابْتَدَأَ بِالْبَقَرَةِ، مِنْ غَيْرِ تَكْبِيرٍ، فَقَرَأَ مِنْهَا خَمْسَ آيَاتٍ.
«2» وَرُوِيَ عَنِ الْبَزِّيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي تَكْبِيرِهِ فِي أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. وَبِالأَوَّلِ قَرَأْتُ [لَهُ] مِنْ خَاتِمَةِ {وَالضُّحَى} عَلَى مَا ذَكَرْنَا.
وَحُجَّتُهُ فِي التَّكْبِيرِ أَنَّهَا رِوَايَةٌ نَقَلَهَا عَنْ شُيُوخِهِ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فِي الْخَتْمِ،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/391]
يَجْعَلُونَ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي تَعْظِيم اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ، مَعَ التِّلاَوَةِ لِكِتَابِهِ، وَالتَّبَرُّكِ بِخَتْمِ وَحْيِهِ وَتَنْزِيلِهِ، وَالتَّنْزِيهِ لَهُ مِنَ السُّوءِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}
«الْمُدَّثِّرِ 3»، وَلِقَوْلِهِ: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ} «الْبَقَرَةِ 185»، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} «الإِسْرَاءِ 111» وَقَوْلِهِ: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} «الْعَنْكَبُوتِ 45»، وَقَوْلِهِ: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ} «الْحِجْرِ 98» وَقَوْلِهِ: {فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} «الطُّورِ 49» فَأَمَرَ نَبِيَّهُ فِي كُلِّ ذَلِكَ بِتَكْبِيرِهِ وَتَنْزِيهِهِ.
«3» وَحُجَّتُهُ فِي الابْتِدَاءِ، فِي آخِرِ خَتْمَتِهِ بِخَمْسِ آيَاتٍ مِنَ الْبَقَرَةِ، أَنَّهُ اعْتَمَدَ فِي ذَلِكَ عَلَى حَدِيثٍ صَحِيحٍ مَرْوِيٍّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سُئِلَ: (أَيُّ الأَعْمَالِ أَفْضَلُ. فَقَالَ: ((الْحَالُّ الْمُرْتَحِلُ)). يَعْنِي الَّذِي يَرْتَحِلُ مِنْ خَتْمَةٍ [أَتَمَّهَا]، وَيَحِلُّ فِي خَتْمَةٍ أُخْرَى، أَيْ: يَفْرَغُ مِنْ خَتْمَةٍ وَيَبْتَدِئُ بِأُخْرَى، وَعَلَى ذَلِكَ أَدْرَكَ أَهْلَ بَلَدِهِ بِمَكَّةَ. وَرُوِيَ أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ كَانُوا يُكَبِّرُونَ فِي آخِرِ كُلِّ خَتْمَةٍ مِنْ خَاتِمَةِ {وَالضُّحَى} لِكُلِّ الْقُرَّاءِ، لابْنِ
كَثِيرٍ وَغَيْرِهِ، سُنَّةً نَقَلُوهَا عَنْ شُيُوخِهِمْ، لَكِنَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَمَلُ عِنْدَ الْقُرَّاءِ أَنْ يُكَبِّرَ فِي قِرَاءَةِ الْبَزِّيِّ عَنِ ابْنِ كَثِيرٍ خَاصَّةً وَبِذَلِكَ قَرَأْتُ). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/392]

جمهرة علوم القرآن 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م 04:04 PM

بَابٌ فِي تَرْتِيبِ وَصْلِ التَّكْبِيرِ بِآخِرِ السُّوَرِ
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (بَابٌ فِي تَرْتِيبِ وَصْلِ التَّكْبِيرِ بِآخِرِ السُّوَرِ
«1» اعْلَمْ أَنَّهُ إِذَا كَانَ آخِرُ السُّورَةِ مَخْفُوضًا، وَوَصَلْتَهُ بِالتَّكْبِيرِ، رَقَّقْتَ اللاَّمَ مِنِ اسْمِ «اللَّهِ» جَلَّ ذِكْرُهُ، وَتَرَكْتَ الْمَخْفُوضَ عَلَى حَالِهِ، نَحْوُ: {النَّاسِ}، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَ{حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ}، اللَّهُ أَكْبَرُ. فَإِنْ كَانَ آخِرُ السُّورَةِ مَفْتُوحًا أَوْ
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/392]
مَضْمُومًا فَخَّمْتَ اللاَّمَ مِنِ اسْمِ «اللَّهِ» جَلَّ ذِكْرُهُ، وَتَرَكْتَ الْمَضْمُومَ وَالْمَفْتُوحَ عَلَى حَالِهِ، نَحْوُ: {الْحَاكِمِينَ}، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَنَحْوُ: {خَشِيَ رَبَّهُ}، اللَّهُ أَكْبَرُ. فَإِنْ كَانَ آخِرُ السُّورَةِ سَاكِنًا، تَنْوِينًا أَوْ غَيْرَهُ،
كَسَرْتَهُ، وَرَقَّقْتَ اللاَّمَ مِنِ اسْمِ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ، نَحْوُ: {فَارْغَبْ}، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَنَحْوُ: {حَامِيَةٌ}، اللَّهُ أَكْبَرُ، وَ{مَسَدٍ}، اللَّهُ أَكْبَرُ. وَذَلِكَ أَنْ تَصِلَ التَّكْبِيرَ بِآخِرِ
السُّورَةِ. وَلَكَ أَنْ تَقِفَ عَلَى آخِرِ السُّورَةِ وَقْفًا خَفِيفًا غَيْرَ مُنْقَطِعٍ وَتَبْتَدِئَ بِالتَّكْبِيرِ. وَلَكَ أَنْ تَقِفَ عَلَى آخِرِ السُّورَةِ وَقْفًا مُنْقَطِعًا، ثُمَّ تَبْتَدِئَ بِالتَّكْبِيرِ. وَلَيْسَ لَكَ أَنْ تَصِلَ التَّكْبِيرَ بِآخِرِ السُّورَةِ، وَتَقِفَ عَلَيْهِ. وَلاَ لَكَ أَنْ تَقِفَ عَلَى التَّسْمِيَةِ دُونَ أَوَّلِ السُّورَةِ فِي كُلِّ الْقُرْآنِ.
«2» قَالَ أَبُو مُحَمَّدٍ: قَدْ أَتَيْنَا عَلَى مَا شَرَطْنَا، وَاخْتَصَرْنَا الْكَلاَمَ فِي الْعِلَلِ غَايَةَ مَا قَدَرْنَا، مِنْ غَيْرِ أَنْ نَكُونَ قَدْ أَخْلَلْنَا بِعِلَّةٍ، أَوْ تَرَكْنَا حُجَّةً مَشْهُورَةً، وَأَوْجَزْنَا الْعِلَلَ خَوْفَ التَّطْوِيلِ، وَاخْتَصَرْنَا ذِكْرَ قِرَاءَةِ التَّابِعِينَ، وَمَنْ وَافَقَهُمْ لِمَنْ ذَكَرْنَا مِنَ الْقُرَّاءِ، لِئَلاَّ يَطُولَ الْكِتَابُ فَيُعْجَزُ عَنْ نَسْخِهِ، وَيَحْدُثُ الْمَلَلُ فِي قِرَاءَتِهِ. وَلَوْ تَقَصَّيْنَا جَمِيعَ الْعِلَلِ وَالْحُجَجِ فِي كُلِّ حَرْفٍ، وَذَكَرْنَا قِرَاءَةَ التَّابِعِينَ، وَمَنْ وَافَقَهُمْ لِكُلِّ حَرْفٍ، وَجَاوَبْنَا عَنْ كُلِّ اعْتِرَاضٍ يُمْكِنُ أَنْ يَعْتَرِضَ بِهِ مُعْتَرِضٌ، لَصَارَ الْكِتَابُ أَمْثَالَهُ، وَلَطَالَ الْكَلاَمُ، وَعَظُمَ الشَّرْحُ، وَلَكِنْ قَدْ ذَكَرْنَا مَا فِيهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ كِفَايَةً لِمَنْ فَهِمَ إِشَارَتِي وَتَعْلِيلِي، أَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ لاَ يَحْرِمَنَا الأَجْرَ عَلَى مَا تَكَلَّفْنَا مِنْ ذَلِكَ، وَأَنْ لاَ يُضِيعَ الْعَنَاءَ، وَأَنْ يَرْحَمَنَا بِالْقُرْآنِ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ أَهْلِهِ، وَمِنْ أَتْبَاعِهِ، الْعَامِلِينَ بِمَا فِيهِ، وَالْقَائِمِينَ بِحَقِّهِ، التَّالِينَ لَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ، وَأَنْ يُصَلِّيَ عَلَى خَيْرِ خَلْقِهِ، مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ، وَعَلَى آلِهِ، وَالنَّبِيِّينَ وَالْمُرْسَلِينَ
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/393]
أَجْمَعِينَ، وَعَلَى أَهْلِ طَاعَتِهِ، وَأَوْلِيَائِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ. وَمَنْ بَعْدَهُمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، آمِينَ، آمِينَ، آمِينَ). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/394]

جمهرة علوم القرآن 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م 04:04 PM

الخاتمة
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (تَمَّ الْكِتَابُ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَهُوَ كِتَابُ «الْكَشْفِ عَنْ وُجُوهِ الْقِرَاءَاتِ السَّبْعِ»، وَهُوَ شَرْحُ كِتَابِ «التَّبْصِرَةِ».
وَكَتَبَهُ الْعَبْدُ الْفَقِيرُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، وَإِلَى عَفْوِهِ وَرَحْمَتِهِ وَمَغْفِرَتِهِ، الرَّاجِي مِنْهُ سُبْحَانَهُ، مَغْفِرَةَ ذُنُوبِهِ، لَطَفَ اللَّهُ بِهِ وَعَامَلَهُ بِفَضْلِهِ، بِمَكَّةَ الْمُشَرَّفَةِ زَادَهَا اللَّهُ تَشْرِيفًا وَتَعْظِيمًا، وَفَرَغَ مِنْهُ فِي الثَّامِنِ لِشَهْرِ رَبِيعٍ الأَوَّلِ الْمُبَارَكِ عَرَّفَ اللَّهُ بَرَكَتَهُ، عَامَ خَمْسَةٍ وَثَلاثِينَ وَأَرْبَعَمِائَةٍ، فَرَحِمَ اللَّهُ كَاتِبَهُ وَالآمِرَ بِكَتْبِهِ وَقَارِئَهُ، وَلِمَنْ دَعَا لَهُمَا وَلِوَالِدَيْهِ وَلِلْمُسْلِمِينَ
أَجْمَعِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَسَلاَمٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/394]


الساعة الآن 12:16 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة