جمهرة العلوم

جمهرة العلوم (http://jamharah.net/index.php)
-   تفسير سورة المائدة (http://jamharah.net/forumdisplay.php?f=832)
-   -   تفسير سورة المائدة [ من الآية (72) إلى الآية (76) ] (http://jamharah.net/showthread.php?t=20377)

أم إسماعيل 18 ربيع الثاني 1434هـ/28-02-2013م 10:14 PM

تفسير سورة المائدة [ من الآية (72) إلى الآية (76) ]
 
تفسير سورة المائدة
[ من الآية (72) إلى الآية (76) ]


بسم الله الرحمن الرحيم
{لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (72) لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَى اللّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (74) مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا وَاللّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76)}


أم إسماعيل 20 ربيع الثاني 1434هـ/2-03-2013م 11:04 PM

تفسير السلف
 
تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا اللّه ربّي وربّكم إنّه من يشرك باللّه فقد حرّم اللّه عليه الجنّة ومأواه النّار وما للظّالمين من أنصارٍ}
وهذا خبرٌ من اللّه تعالى ذكره عن بعض ما فتن به الإسرائيليّين الّذين أخبر عنهم أنّهم حسبوا أن لا تكون فتنةٌ. يقول تعالى ذكره: فكان ممّا ابتليتهم واختبرتهم به فنقضوا فيه ميثاقي وغيّروا عهدي الّذي كنت أخذته عليهم، بأن لا يعبدوا سواي ولا يتّخذوا ربًّا غيري، وأن يوحّدوني، وينتهوا إلى طاعتي؛ عبدي عيسى ابن مريم، فإنّي خلقته وأجريت على يده نحو الّذي أجريت النّصارى، عليهم غضب اللّه.
يقول اللّه تعالى ذكره: فلمّا اختبرتهم وابتليتهم بما ابتليتهم به أشركوا بي قالوا لخلقٍ من خلقي وعبدٍ مثلهم من عبيدي وبشرٍ نحوهم معروفٌ نسبه وأصله مولودٌ من البشر يدعوهم إلى توحيدي ويأمرهم بعبادتي وطاعتي ويقرّ لهم بأنّي ربّه وربّهم وينهاهم عن أن يشركوا بي شيئًا، هو إلههم؛ جهلاً منهم باللّه وكفرًا به، ولا ينبغي للّه أن يكون والدًا ولا مولودًا.
ويعني بقوله: {وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا اللّه ربّي وربّكم} يقول: اجعلوا العبادة والتّذلّل للّذي له يذلّ كلّ شيءٍ وله يخضع كلّ موجودٍ، ربّي وربّكم، يقول: مالكي ومالككم، وسيّدي وسيّدكم، الّذي خلقني وإيّاكم {إنّه من يشرك باللّه فقد حرّم اللّه عليه الجنّة} أن يسكنها في الآخرة. {ومأواه النّار} يقول: ومرجعه ومكانه الّذي يأوي إليه ويصير في معاده، من جعل للّه شريكًا في عبادته نار جهنّم. {وما للظّالمين} يقول: وليس لمن فعل غير ما أباح اللّه له وعبد غير الّذي له عبادة الخلق {من أنصارٍ} ينصرونه يوم القيامة من اللّه، فينقذونه منه إذا أورده جهنّم). [جامع البيان: 8/578-579]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (لقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا اللّه ربّي وربّكم إنّه من يشرك باللّه فقد حرّم اللّه عليه الجنّة ومأواه النّار وما للظّالمين من أنصارٍ (72)
قوله تعالى: لقد كفر الّذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم إلى قولة: وربكم
- حدّثنا محمّد بن يحيى، ثنا أبو غسّان، ثنا سلمة بن الفضل عن محمّد بن إسحاق قال: فيما حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ قوله: اعبدوا أي وحّدوا ربّكم.
قوله تعالى: إنّه من يشرك بالله الآية
- حدّثنا أبي ثنا موسى بن إسماعيل، ثنا صدقة بن موسى عن أبي عمران الجذي عن يزيد بن قابوس عن عائشة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال:
الدّواوين يوم القيامة ثلاثةٌ: ديوانٌ لا يغفره اللّه، وديوانٌ لا يعبأ اللّه به شيئًا، وديوانٌ لا يدعه اللّه لشيءٍ. فأمّا الدّيوان الذي لا يغفر ف إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به وقال:
إنّه من يشرك باللّه فقد حرّم اللّه عليه الجنّة ومأواه النّار وما للظّالمين من أنصارٍ). [تفسير القرآن العظيم: 4/1178]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا الله ربي وربكم إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار * لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة وما من إله إلا إله واحد وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم * أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه والله غفور رحيم * ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون * قل أتعبدون من دون الله ما لا يملك لكم ضرا ولا نفعا والله هو السميع العليم}
أخرج ابن المنذر عن محمد بن كعب قال: لما رفع الله عيسى بن مريم اجتمع من علماء بني إسرائيل مائة رجل فقال بعضهم: أنتم كثير نتخوف الفرقة اخرجوا عشرة فاخرجوا عشرة ثم قالوا: أنتم كثير نتخوف الفرقة اخرجوا عشرة فاخرجوا عشرة ثم قالوا: أنتم كثير فاخرجوا عشرة فاخرجوا عشرة ثم قالوا: أنتم كثير فاخرجوا عشرة حتى بقي عشرة فقالوا: أنتم كثير حتى الآن فاخرجوا ستة وبقى أربعة فقال بعضهم: ما تقولون في عيسى فقال رجل منهم: أتعلمون أنه لا يعلم الغيب إلا الله قالوا: لا، فقال الرجل: هو الله كان في الأرض ما بدا له ثم صعد إلى السماء حين بدا له، وقال الآخر: قد عرفنا عيسى وعرفنا أمه هو ولده وقال الآخر: لا أقول كما تقولون قد كان عيسى يخبرنا أنه عبد الله وروحه وكلمته ألقاها إلى مريم فنقول كما قال لنفسه لقد خشيت أن تكونوا قلتم قولا عظيما، قال: فخرجوا على الناس فقالوا لرجل منهم: ماذا قلت قال: قلت هو الله كان في الأرض ما بدا له ثم صعد إلى السماء حين بدا له، قال: فاتبعه عنق من الناس وهؤلاء النسطورية واليعقوبية ثم خرج الرابع فقالوا له: ماذا قلت قال: قلت هو عبد الله روحه وكلمته ألقاها إلى مريم فاتبعه عنق من الناس فقال محمد بن كعب فكل قد ذكره الله في القرآن {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة} الآية، ثم قرأ {وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانا عظيما} النساء الآية 156 ثم قرأ {ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا} المائدة الآية 65 إلى قوله {منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون} المائدة الآية 66 قال محمد بن كعب: فهؤلاء أمة مقتصدة الذين قالوا: عيسى عبد الله وكلمته وروحه ألقاها إلى مريم). [الدر المنثور: 5/390-392]

تفسير قوله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {لقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه ثالث ثلاثةٍ وما من إلهٍ إلاّ إلهٌ واحدٌ وإن لم ينتهوا عمّا يقولون ليمسّنّ الّذين كفروا منهم عذابٌ أليمٌ}.
وهذا أيضًا خبرٌ من اللّه تعالى ذكره عن فريقٍ آخر من الإسرائيليّين الّذين وصف صفتهم في الآيات قبل أنّه لمّا ابتلاهم بعد حسبانهم أنّهم لا يبتلون ولا يفتنون، قالوا كفرًا بربّهم وشركًا: اللّه ثالث ثلاثةٍ. وهذا قولٌ كان عليه جماهير النّصارى قبل افتراق اليعقوبيّة والملكيّة والنّسطوريّة، كانوا فيما بلغنا يقولون: الإله القديم جوهرٌ واحدٌ يعمّ ثلاثة أقانيم: أبًا والدًا غير مولودٍ، وابنًا مولودًا غير والدٍ، وزوجًا متتبّعةً بينهما. يقول اللّه تعالى ذكره مكذّبًا لهم فيما قالوا من ذلك: {وما من إلهٍ إلاّ إلهٌ واحدٌ} يقول: ما لكم معبودٌ أيّها النّاس إلاّ معبودٌ واحدٌ، وهو الّذي ليس بوالدٍ لشيءٍ ولا مولودٍ، بل هو خالق كلّ والدٍ ومولودٍ {وإن لم ينتهوا عمّا يقولون} يقول: إن لم ينتهوا قائلو هذه المقالة عمّا يقولون من قولهم: اللّه ثالث ثلاثةٍ {ليمسنّ الّذين كفروا منهم عذابٌ أليمٌ} يقول: ليمسّنّ الّذين يقولون هذه المقالة، والّذين يقولون المقالة الأخرى هو المسيح ابن مريم؛ لأنّ الفريقين كلاهما كفرةٌ مشركون، فلذلك رجع في الوعيد بالعذاب إلى العموم. ولم يقل: ليمسّنّهم عذابٌ أليمٌ، لأنّ ذلك لو قيل كذلك صار الوعيد من اللّه تعالى ذكره خاصًّا لقائل القول الثّاني، وهم القائلون: اللّه ثالث ثلاثةٍ، ولم يدخل فيهم القائلون: المسيح هو اللّه. فعمّ بالوعيد تعالى ذكره كلّ كافرٍ، ليعلم المخاطبون بهذه الآيات أنّ وعيد اللّه قد شمل كلا الفريقين من بني إسرائيل ومن كان من الكفّار على مثل الّذي هم عليه
فإن قال قائلٌ: وإن كان الأمر على ما وصفت فعلى من عادت الهاء والميم اللّتان في قوله: منهم؟ قيل: على بني إسرائيل.
فتأويل الكلام إذ كان الأمر على ما وصفنا: وإن لم ينته هؤلاء الأسرائيليّون عمّا يقولون في اللّه من عظيم القول، ليمسّنّ الّذين يقولون منهم إنّ المسيح هو اللّه والّذين يقولون إنّ اللّه ثالث ثلاثةٍ وكلّ كافرٍ سلك سبيلهم عذابٌ أليمٌ بكفرهم باللّه
وقد قال جماعةٌ من أهل التّأويل نحو قولنا في أنّه عنى بهذه الآيات: النّصارى.
ذكر من قال ذلك:.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: لقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه ثالث ثلاثةٍ قال: قالت النّصارى: هو المسيح وأمّه، فذلك قول اللّه تعالى: أأنت قلت للنّاس اتّخذوني وأمّي إلهين من دون اللّه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال مجاهدٌ: لقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه ثالث ثلاثةٍ نحوه). [جامع البيان: 8/579-581]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (لقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه ثالث ثلاثةٍ وما من إلهٍ إلّا إلهٌ واحدٌ وإن لم ينتهوا عمّا يقولون ليمسّنّ الّذين كفروا منهم عذابٌ أليمٌ (73)
قوله تعالى: لقد كفر الّذين قالوا إنّ الله ثالث ثلاثة
[الوجه الأول]
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ
قوله: لقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه ثالث ثلاثةٍ قال: النّصارى يقولون إنّ اللّه ثالث ثلاثةٍ، وكذبوا.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو حذيفة، ثنا شبلٌ، عن عبد اللّه بن كثيرٍ سمع مجاهدًا يقول: تفرقت بنوا إسرائيل ثلاث فرقٍ في عيسى فقالت فرقةٌ: هو اللّه، وقالت فرقةٌ هو ابن اللّه وقالت فرقةٌ: هو عبد اللّه، ورسوله وروحه، وهي المقتصدة، ومن مسلمة أهل الكتاب.
- أخبرنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ فيما كتب إليّ، ثنا أحمد بن المفضّل، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ لقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه ثالث ثلاثةٍ قالت:
النّصارى إنّ اللّه هو المسيح وأمّه فذلك قوله: أأنت قلت للنّاس اتّخذوني وأمّي إلهين من دون اللّه
الوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسن الهسنجانيّ، ثنا سعيد بن الحكم بن أبي مريم، ثنا المفضّل حدّثني أبو صخرٍ في قول اللّه: لقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه ثالث ثلاثةٍ قال هو قول اليهود عزيرٌ ابن اللّه وقول النّصارى المسيح ابن الله فجعلوا لله تبارك وتعالى ثالث ثلاثةٍ.
- حدّثنا عبد اللّه بن جلالٍ الدّمشقيّ الرّوميّ، ثنا أحمد بن أبي الحواريّ قال أبو سليمان الدّارانيّ: يا أحمد واللّه ما حرّك ألسنتهم بقولهم ثالث ثلاثةٍ إلا هو ولو شاء لأخذ من ألسنتهم.
قوله تعالى: ليمسّنّ الّذين كفروا منهم عذابٌ أليمٌ
- حدّثنا عصام بن روّادٍ، ثنا آدم عن أبيه جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية قوله: عذابٌ أليمٌ قال: موجعٌ.
- حدّثنا أبي، ثنا عمران بن موسى الطّرسوسيّ، ثنا عبد الصّمد بن يزيد قال: سمعت الفضيل يقول: قول العبد أستغفر اللّه قال تفسيرها: اقبلني.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو بكر بن بشّارٍ، ثنا يحيى بن سعيدٍ، ثنا سفيان عن منصورٍ عن إبراهيم قال: المسيح الصديق). [تفسير القرآن العظيم: 4/1178-1179]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة قال هم النصارى). [تفسير مجاهد: 201]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة} قال: النصارى يقولون: {إن الله ثالث ثلاثة} وكذبوا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد قال: تفرق بنو إسرائيل ثلاث فرق في عيسى فقالت فرقة هو الله، وقالت فرقة: هو ابن الله، وقالت فرقة: هو عبد الله وروحه وهي المقتصدة وهي مسلمة أهل الكتاب.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في قوله {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة} قال: قالت النصارى: أن الله هو المسيح وأمه فذلك قوله {أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله} المائدة الآية 116، قال ابن أبي حاتم: حدثنا عبد الله بن هلال الدمشقي حدثنا أحمد بن أبي الحوارى قال: قال أبو سليمان الداراني: يا أحمد - والله - ما حرك السنتهم بقولهم ثالث ثلاثة إلا هو ولو شاء الله لأخرس ألسنتهم). [الدر المنثور: 5/392-393]

تفسير قوله تعالى: (أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أفلا يتوبون إلى اللّه ويستغفرونه واللّه غفورٌ رحيمٌ}
يقول تعالى ذكره: أفلا يرجع هذان الفريقان الكافران، القائل أحدهما: إنّ اللّه هو المسيح ابن مريم؛ والآخر القائل: إنّ اللّه ثالث ثلاثةٍ، عمّا قالا من ذلك، وينيبان بما قالا ونطقا به من كفرهما، ويسألان ربّهما المغفرة ممّا قالا. واللّه غفورٌ لذنوب التّائبين من خلقه، المنيبين إلى طاعته بعد معصيتهم، رحيمٌ بهم في قبوله توبتهم ومراجعتهم إلى ما يحبّ ممّا يكره، فيصفح بذلك من فعلهم عمّا سلف من إجرامهم قبل ذلك). [جامع البيان: 8/581]

تفسير قوله تعالى: (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ما المسيح ابن مريم إلاّ رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل وأمّه صدّيقةٌ كانا يأكلان الطّعام انظر كيف نبيّن لهم الآيات ثمّ انظر أنّى يؤفكون}
وهذا خبرٌ من اللّه تعالى ذكره احتجاجً لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم على فرق النّصارى في قولهم في المسيح. يقول مكذّبًا لليعقوبيّة في قيلهم: هو اللّه، والآخرين في قيلهم: هو ابن اللّه: ليس القول كما قال هؤلاء الكفرة في المسيح، ولكنّه ابن مريم ولدته ولادة الأمّهات أبناءهنّ، وذلك من صفة البشر لا من صفة خالق البشر، وإنّما هو للّه رسولٌ كسائر رسله الّذين كانوا قبله فمضوا وخلوا، أجرى على يده ما شاء أن يجريه عليها من الآيات والعبر حجّةً له على صدقه وعلى أنّه للّه رسولٌ إلى من أرسله إليه من خلقه، كما أجرى على أيدي من قبله من الرّسل من الآيات والعبر حجّةً لهم على حقيقة صدقهم في أنّهم للّه رسلٌ.
{وأمّه صدّيقةٌ} يقول تعالى ذكره: وأمّ المسيح صدّيقةٌ، والصّدّيقة: الفعيلة من الصّدق، وكذلك قولهم فلانٌ صدّيقٌ: فعيلٌ من الصّدق، ومنه قوله تعالى ذكره: {والصّدّيقين والشّهداء} وقد قيل: إنّ أبا بكرٍ الصّدّيق رضي اللّه عنه إنّما قيل له الصّدّيق لصدقه، وقد قيل: إنّما سمّي صدّيقًا لتصديقه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في مسيره في ليلةٍ واحدةٍ إلى بيت المقدس من مكّة وعوده إليها.
وقوله: {كانا يأكلان الطّعام} خبرٌ من اللّه تعالى ذكره عن المسيح وأمّه أنّهما كانا أهل حاجةٍ إلى ما يغذوهما وتقوم به أبدانهما من المطاعم والمشارب كسائر البشر من بني آدم. فإنّ من كان كذلك، فغير كائنٍ إلهًا؛ لأنّ المحتاج إلى الغذاء قوامه بغيره، وفي قوامه بغيره وحاجته إلى ما يقيمه دليلٌ واضحٌ على عجزه، والعاجز لا يكون إلاّ مربوبًا لا ربًّا). [جامع البيان: 8/582]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {انظر كيف نبيّن لهم الآيات ثمّ انظر أنّى يؤفكون}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ: صلّى اللّه عليه وسلّم انظر يا محمّد كيف نبيّن لهؤلاء الكفرة من اليهود والنّصارى الآيات، وهي الأدلّة والإعلام والحجج على بطول ما يقولون في أنبياء اللّه، وفي فريتهم على اللّه، وادّعائهم له ولدًا، وشهادتهم لبعض خلقه بأنّه لهم ربٌّ وإلهٌ، ثمّ لا يرتدعون عن كذبهم وباطل قيلهم، ولا ينزجرون عن فريتهم على ربّهم وعظيم جهلهم، مع ورود الحجج القاطعة عذرهم عليهم. يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: ثمّ انظر يا محمّد أنّى يؤفكون؟ يقول: ثمّ انظر مع تبييننا لهم آياتنا على بطول قولهم: أيّ وجهٍ يصرفون عن بياننا الّذي نبيّنه لهم، وكيف عن الهدى الّذي نهديهم إليه من الحقّ يضلّون؟
والعرب تقول لكلّ مصروفٍ عن شيءٍ: هو مأفوكٌ عنه، يقال: قد أفكت فلانًا عن كذا: أي صرفته عنه، فأنا آفكه إفكًا، وهو مأفوكٌ، وقد أفكت الأرض: إذا صرف عنها المطر). [جامع البيان: 8/583]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ما المسيح ابن مريم إلّا رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل وأمّه صدّيقةٌ كانا يأكلان الطّعام انظر كيف نبيّن لهم الآيات ثمّ انظر أنّى يؤفكون (75)
قوله تعالى: أنّى يؤفكون
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، ثنا بشر بن عمارة عن أبي روقٍ عن الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ قوله: أنّى يؤفكون قال: كيف يؤفكون؟ وروي عن أبي مالكٍ مثل ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 4/1180]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قل أتعبدون من دون اللّه ما لا يملك لكم ضرًّا ولا نفعًا واللّه هو السّميع العليم}.
وهذا أيضًا احتجاجٌ من اللّه تعالى ذكره لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم على النّصارى القائلين في المسيح ما وصف من قيلهم فيه قبل. يقول تعالى ذكره لمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد لهؤلاء الكفرة من النّصارى الزّاعمين أنّ المسيح ربّهم القائلين إنّ اللّه ثالث ثلاثةٍ: أتعبدون سوى اللّه الّذي يملك ضرّكم ونفعكم وهو الّذي خلقكم ورزقكم وهو يحييكم ويميتكم، شيئًا لا يملك لكم شرًّا ولا نفعًا؟ يخبرهم تعالى ذكره أنّ المسيح الّذي زعم من زعم من النّصارى أنّه إلهٌ، والّذي زعم من زعم منهم أنّه للّه ابنٌ، لا يملك لهم ضرًّا يدفعه عنهم إن أحلّه اللّه بهم، ولا نفعًا يجلبه إليهم إن لم يقضه اللّه لهم. يقول تعالى ذكره: فكيف يكون ربًّا وإلهًا من كانت هذه صفته؟ بل الرّبّ المعبود الّذي بيده كلّ شيءٍ والقادر على كلّ شيءٍ، فإيّاه فاعبدوا وأخلصوا له العبادة دون غيره من العجزة الّذين لا ينفعونكم ولا يضرّون.
وأمّا قوله: {واللّه هو السّميع العليم} فإنّه يعني تعالى ذكره بذلك: واللّه هو السّميع لاستغفارهم لو استغفروه من قيلهم ما أخبر عنهم أنّهم يقولونه في المسيح، ولغير ذلك من منطقهم ومنطق خلقه، العليم بتوبتهم لو تابوا منه، وبغير ذلك من أمورهم). [جامع البيان: 8/583-584]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قل أتعبدون من دون اللّه ما لا يملك لكم ضرًّا ولا نفعًا واللّه هو السّميع العليم (76)
قوله تعالى: ما لا يملك لكم ضرًّا ولا نفعًا
- حدّثنا أبي، ثنا أبو حذيفة، ثنا شبلٌ عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ ضرًّا ولا نفعًا قال: ضرًّا ضلالةً.
- حدّثنا محمّد بن العبّاس، ثنا محمّد بن عمرٍو، ثنا سلمة عن محمّد بن إسحاق السّميع أي سميعٌ ما يقولون.
- وبه عن محمّد بن إسحاق العليم أي عليمٌ بما يخفون). [تفسير القرآن العظيم: 4/1180]

أم إسماعيل 20 ربيع الثاني 1434هـ/2-03-2013م 11:04 PM

التفسير اللغوي
 
التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) )

قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله عز وجل: {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم}
قال إبراهيم النخعي: المسيح الصديق.
قال أبو جعفر: ووجدنا للعلماء في تفسير معناه ستة أقوال سوى هذا.
روي عن ابن عباس: سمي مسيحا؛ لأنه كان أمسح الرجل لا أخمص له.
وروى غيره عنه: إنما سمي مسيحا؛ لأنه كان لا يمسح بيده ذا عاهة إلا برأ ولا يضع يده على شيء إلا أعطي فيه مراده.
وقال ثعلب: لأنه كان يمسح الأرض أي يقطعها.
وقيل: لسياحته في الأرض.
وقيل: لأنه خرج من بطن أمه ممسوحا بالدهن.
وقال أبو عبيد: أحسب أصله بالعبرانية مشيحا، قال: وأما قولهم المسيح الدجال فإنما سمي مسيحا لأنه ممسوح إحدى العينين فهو مسيح بمعنى ممسوح،كما يقال: قتيل بمعنى مقتول). [معاني القرآن: 2/342-343]

تفسير قوله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {لّقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه ثالث ثلاثةٍ...}
يكون مضافا. ولا يجوز التنوين في (ثالث) فتنصب الثلاثة. وكذلك قلت: واحد من اثنين، وواحد من ثلاثة؛ ألا ترى أنه لا يكون ثانيا لنفسه ولا ثالثا لنفسه.
فلو قلت: أنت ثالث اثنين لجاز أن تقول: أنت ثالث اثنين، بالإضافة، وبالتنوين ونصب الاثنين؛ وكذلك لو قلت: أنت رابع ثلاثة جاز ذلك؛ لأنه فعل واقع.
وقوله: {وما من اله إلاّ اله واحدٌ} لا يكون قوله (إله واحد) إلا رفعا؛ لأن المعنى: ليس إله إلا إله واحد، فرددت ما بعد (إلا) إلى المعنى؛ ألا ترى أن (من) إذا فقدت من أوّل الكلام رفعت.
وقد قال بعض الشعراء:
ما من حوي بين بدرٍ وصاحةٍ=ولا شعبةٍ إلا شباعٌ نسورها
فرأيت الكسائي قد أجاز خفضه وهو بعد إلا، وأنزل (إلا) مع الجحود بمنزلة غير، وليس ذلك بشيء؛ لأنه أنزله بمنزلة قول الشاعر:
أبني لبيني لستم بيدٍ=إلا يدٍ ليست لها عضد
وهذا جائز؛ لأن الباء قد تكون واقعة في الجحد كالمعرفة والنكرة، فيقول: ما أنت بقائم، والقائم نكرة، وما أنت بأخينا، والأخ معرفة، ولا يجوز أن تقول: ما قام من أخيك، كما تقول ما قام من رجل). [معاني القرآن: 1/317-318]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({لّقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه ثالث ثلاثةٍ وما من إله إلاّ إله واحدٌ وإن لّم ينتهوا عمّا يقولون ليمسّنّ الّذين كفروا منهم عذابٌ أليمٌ}
[و] قال: {لّقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه ثالث ثلاثةٍ} وذلك أنهم جعلوا معه "عيسى" و"مريم". كذلك يكون في الكلام إذا كان واحد مع اثنين قيل "ثالث ثلاثةٍ" كما قال: {ثاني اثنين} وإنما كان معه واحد.
ومن قال: "ثالث اثنين" دخل عليه أن يقول: "ثاني واحدٍ". وقد يجوز هذا في الشعر وهو في القياس صحيح. قال الشاعر:
ولكن لا أخون الجار حتّى=يزيل الله ثالثة الأثافي
ومن قال: "ثاني اثنين" و"ثالث ثلاثةٍ" قال: حادي أحد عشر" إذا كان رجل مع عشرة.
ومن قال "ثالث اثنين" قال: "حادي عشرة".
فأمّا قول العرب: "حادي عشر" و"ثاني عشر" فهذا في العدد إذا كنت تقول: "ثاني" و"ثالث" و"رابع" و"عاشر" من غير أن تقول: عاشر كذا وكذا"، فلما جاوز العشرة أراد أن يقول: "حادي" و"ثاني" فكان ذلك لا يعرف معناه إلا بذكر العشرة فضم إليه شيئا من حروف العشرة). [معاني القرآن: 1/229]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (لقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه ثالث ثلاثة وما من إله إلّا إله واحد وإن لم ينتهوا عمّا يقولون ليمسّنّ الّذين كفروا منهم عذاب أليم (73)
معناه أنهم قالوا الله أحد ثلاثة آلهة، أو واحد من ثلاثة آلهة، ولا يجوز في ثلاثة إلا الجر؛ لأن المعنى أحد ثلاثة، فإن قلت زيد ثالث اثنين أو رابع ثلاثة جاز الجر والنّصب، فأما النصب فعلى قولك كان القوم ثلاثة فربعهم.
وأنا رابعهم غدا، أو رابع الثلاثة غدا، ومن جر فعلى حذف التنوين، كما قال عزّ وجلّ: (هديا بالغ الكعبة).
وقوله: (وما من إله إلّا إله واحد).
دخلت " من " مؤكدة، والمعنى ما إله إلا إله واحد.
وقوله: (وإن لم ينتهوا عمّا يقولون ليمسّنّ الّذين كفروا منهم عذاب أليم).
معنى الذين كفروا منهم. الذين أقاموا على هذا الدين وهذا القول). [معاني القرآن: 2/196]

تفسير قوله تعالى: (أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) )

تفسير قوله تعالى: (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {وأمّه صدّيقةٌ...}
وقع عليها التصديق كما وقع على الأنبياء. وذلك لقول الله تبارك وتعالى: {فأرسلنا إليها روحنا فتمثّل لها} فلما كلّمها جبريل صلى الله عليه وسلم وصدّقته وقع عليها اسم الرسالة، فكانت كالنبيّ). [معاني القرآن: 1/318]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( (أنّي يؤفكون) (75) أي كيف يحدّون ويصدّون عن الخير والدين والحق
ويقال: أفكت أرض كذا أي لم يصبها مطر وصرف عنها ولا نبات فيها ولا خير). [مجاز القرآن: 1/174-175]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله {وأمه صديقة} فقالوا: الصديقون: المصدقون بالشيء، وأبو بكر الصديق رحمه الله؛ وكان الحسن يقول: الصديق: المؤمن، وهو واحد، وهو من ذلك، من التصديق؛ وقالوا في كلامهم: رجل صديق؛ أي رجل صالح.
وقال ذو تبع الحميري:
تبارك امصديق حقا = كان من كل عتيقا
خالق الخلق جميعا = ويعود الخلق صيقا
الريح المنتنة؛ تقول: ما أشد صيقه؛ أي ما أنتن رائحته.
فأما قوله {أنى يؤفكون} فإنهم يقولون: أفكه عن وجهه؛ أي صرفه عنه {والمؤتفكة أهوى} هي من ذلك؛ المنقلبة بأهلها؛ وكذلك حكى بعض أهل الفقه؛ ويقولون: أفك الرجل، يأفك إفكا وأفكا؛ أي كذب؛ وقد قالوا: {والمؤتفكة}:
[معاني القرآن لقطرب: 498]
الكذبة؛ من معنى الكذب؛ والكذب قلب الشيء عن وجهه، وهو قريب المعنى، بعضه من بعض). [معاني القرآن لقطرب: 499]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({أنى يؤفكون}: كيف يصدون عن الحق، يقال أرض مأفوكة أي ليس فيها مطر ولا نبات). [غريب القرآن وتفسيره: 131]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({ما المسيح ابن مريم إلّا رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل} أي: تقدمت قبله الرسل. يريد أنه لم يكن أول رسول أرسل فيعجب منه.
وقوله: {كانا يأكلان الطّعام} هذا من الاختصار والكناية، وإنما نبّة بأكل الطعام على عاقبته وعلى ما يصير إليه وهو الحدث، لأن من أكل الطعام فلا بد له من أن يحدث.
{انظر كيف نبيّن لهم الآيات} وهذا من ألطف ما يكون من الكناية.
{أنّى يؤفكون} مثل قوله: {أنّى يصرفون} أي يصرفون عن الحق.
ويعدلون. يقال: أفك الرجل عن كذا: إذا عدل عنه. وأرض مأفوكة: أي محرومة المطر والنبات. كأن ذلك عدل عنها وصرف). [تفسير غريب القرآن: 145]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: (ما المسيح ابن مريم إلّا رسول قد خلت من قبله الرّسل وأمّه صدّيقة كانا يأكلان الطّعام انظر كيف نبيّن لهم الآيات ثمّ انظر أنّى يؤفكون (75)
أي إبراؤه الأكمه والأبرص وإتيانه بالآيات المعجزات ليس بأنه إله، إنما أتى بالآيات كما أتى موسى بالآيات، وكما أتى إبراهيم بالآيات.
(وأمّه صدّيقة).
أي مبالغة في الصدق والتصديق، وإنما وقع عليها صدّيقة لأنه أرسل إليها جبريل، فقال الله عزّ وجلّ: (وصدّقت بكلمات ربّها وكتبه)،
وصدّيق فعيل من أبنية المبالغة كما تقول فلان سكيت أي مبالغ في السكوت.
وقوله: (كانا يأكلان الطّعام).
هذا احتجاج بين، أي إنما يعيشان بالغذاء كما يعيش سائر الآدميين.
فكيف يكون إلها من لا يقيمه إلا أكل الطعام.
وقوله: (انظر كيف نبيّن لهم الآيات).
أي العلامات الواضحة.
(ثمّ انظر) أي انظر بعد البيان.
(أنّى يؤفكون).
أي من أين يصرفون عن الحق الواضح.
وكل شيء صرفته عن شيء وقلبته عنه، تقول أفكته آفكه إفكا، والإفك الكذب إنما سمّي لأنه صرف عن الحق، والمؤتفكات الرياح التي تأتي من جهات على غير قصد واحد). [معاني القرآن: 2/196-197]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام} من الصدق وفعيل في كلام العرب للتكثير كما، يقال: سكيت وقال جل وعز: {وصدقت بكلمات ربها وكتبه}
ومن هذا قيل: لأبي بكر رضي الله عنه صديق
ويروى أنه إنما قيل له: صديق؛ لأنه لما أخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم أسري به إلى بيت المقدس، فقال: إن كان قال فقد صدق). [معاني القرآن: 2/343-344]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {كانا يأكلان الطعام}
في معناه قولان:
أحدهما: كناية عن إتيان الحاجة كما يكنى عن الجماع بالغشيان وما أشبهه.
وقيل: كانا يتغذيان كما يتغذى سائر الناس فكيف يكون إلها من لا يعيش إلا بأكل الطعام). [معاني القرآن: 2/344]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز ذكره: {انظر كيف نبين لهم الآيات ثم انظر أنى يؤفكون} أي قد بينا لهم العلامات وأوضحنا الأمر فمن أين يصرفون
يقال: أفكه، يأفكه إذا صرفه). [معاني القرآن: 2/344-345]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({أَنَّى يُؤْفَكُونَ} أي من أين ينصرفون عن الحق ويعدلون.
ويقال: أرض مأفوكة: إذا حُرمت المطر والنبات). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 70]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يُؤْفَكُونَ}: يصدون عن الحق). [العمدة في غريب القرآن: 122]

تفسير قوله تعالى: (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76) )

أم إسماعيل 3 جمادى الأولى 1434هـ/14-03-2013م 04:29 AM

التفسير اللغوي المجموع
 
التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) }

تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (هذا باب ذكرك الاسم الذي به تبين العدة كم هي مع تمامها الذي هو من ذلك اللفظ
فبناء الاثنين وما بعده إلى العشرة فاعلٌ وهو مضافٌ إلى الاسم الذي به يبين العدد وذلك قولك ثاني اثنين قال الله عز وجل: {ثاني اثنين إذ هما في الغار} و: {ثالث ثلاثة} وكذلك ما بعد هذا إلى العشرة). [الكتاب: 3/559] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (هذا باب اشتقاقك للعدد اسم الفاعل
كقولك: هذا ثاني اثنين، وثالث ثلاثة، ورابع أربعة
اعلم أنك إذا قلت: هذا ثاني اثنين، فمعنى هذا: أحد اثنين؛ كما قال الله عز وجل: {إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين} وقال: عز وجل: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة} على هذا: فإن قلت: هذا ثالث اثنين فعلى غير هذا الوجه. إنما معناه: هذا الذي جاء إلى اثنين فثلثهما فمعناه الفعل. وكذلك هذا رابع ثلاثة. ورابعٌ ثلاثةٌ يا فتى، لأن معناه: أنه ربعهم، وثلثهم. وعلى هذا قوله عز وجل: {ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم}. ومثله قوله عز وجل: {سيقولون ثلاثةٌ رابعهم كلبهم}.
وتلك الأولى لا يجوز أن تنصب بها؛ لأن المعنى: أحد ثلاثة وأحد أربعة). [المقتضب: 2/179-180] (م)

تفسير قوله تعالى: {أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) }

تفسير قوله تعالى: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) }
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (واحدة المهيرات مهيرة، وهي الحرّة الممهورة، و"مفعول" يخرج إلى "فعيل" كمقتولٍ وقتيل، ومجروح وجريح، قال الأعشى:
ومنكوحةٍ غير ممهورةٍ = وأخرى يقال لها فادها
فهذا المعروف في كلام العرب، مهرت المرأة فهي ممهورةٌ، ويقال وليس بالكثير أمهرتها فهي ممهرةٌ، أنشدني المازنيّ:

أخذن اغتصابًا خطبةً عجرفيّة = وأمهرن أرماحًا من الخط ذبّلا
وأهل الحجاز يرزن النكاح العقد دون الفعل، ولا ينكرونه في الفعل ويحتجّون بقول الله عزّ وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا}، فهذا الأشيع في كلام العرب، قال الأعشى:

وأمتنعت نفسي من الغانيا = ت إمّا نكاحًا وإما أزن
ومن كل بيضاء رعبوبةٍ = لها بشرٌ ناصعٌ كاللّبن
ويكون النّكاح الجماع، وهو في الأصل كناية، قال الراجز:
إذا زنيت فأجد نكاحًا = وأعمل الغدوّ والرّواحا
والكناية تقع عن هذا الباب كثيرًا، والأصل ما ذكرنا لك، وفال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أنا من نكاح لا من سفاح". ومن خطب المسلمين: "إن الله عز وجل أحلّ النّكاح وحرم السّفاح".
والكناية تقع على جماع، قال الله عزّ وجل: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ}، فهذه كناية عن الجماع، قال أكثر الفقهاء في قوله تبارك وتعالى: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ}، قالوا: كناية عن الجماع، وليس الأمر عندنا كذلك، وما أصف مذهب أهل المدينة، قد فرغ من النكاح تصريحًا، وإنما الملامسة أن يلمسها الرجل بيد أو بإدناء جسدٍ من جسد، فذلك ينقض الوضوء في قول أهل المدينة، لأنه قال تبارك وتعالى بعد ذكر الجنب: {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ}.
وقوله عزّ وجل: {كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ}، كنايةٌ بإجماع عن قضاء الحاجة، لأن كلّ من يأكل الطعام في الدنيا أنجى، يقال: نجا وأنجى، إذا قام لحاجة الإنسان. وكذلك: {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا}. كناية عن الفروج، ومثله: {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ}، فإنما الغائط كالوادي، وقال عمرو بن معدي كرب:
وكم من غائط من دون سلمى = قليل الإنس ليس به كتيع).
[الكامل: 2/655-657] (م)

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76) }

محمد أبو زيد 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م 03:31 PM

تفاسير القرن الثالث الهجري

....

محمد أبو زيد 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م 03:31 PM

تفاسير القرن الرابع الهجري

....

محمد أبو زيد 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م 03:32 PM

تفاسير القرن الخامس الهجري

....

محمد أبو زيد 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م 03:32 PM

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم أخبر تعالى إخبارا مؤكدا بلام القسم عن كفر القائلين: إنّ اللّه هو المسيح ابن مريم وهذا قول اليعقوبية من النصارى، ثم أخبر تعالى عن قول المسيح لهم وتبليغه كيف كان؟ فقال: وقال المسيح يا بني إسرائيل الآية، وهذه المعاني قول المسيح بألفاظ لغته، وهي بعينها موجودة في تبليغ محمد صلى الله عليه وسلم في قوله إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به [النساء: 48- 116] إلى غير ذلك من الآيات، وأخبرهم عيسى عليه السلام أن الله تعالى هو ربه وربهم فضلوا هم وكفروا بسبب ما رأوا على يديه من الآيات، و «المأوى» هو المحل الذي يسكنه المرء ويرجع إليه، وقوله تعالى وما للظّالمين من أنصارٍ يحتمل أن يكون من قول عيسى عليه السلام لبني إسرائيل، ويحتمل أن يكون إخبارا مستأنفا لمحمد صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم القول في تفسير لفظة المسيح في سورة آل عمران). [المحرر الوجيز: 3/223-224]

تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: لقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه ثالث ثلاثةٍ وما من إلهٍ إلاّ إلهٌ واحدٌ وإن لم ينتهوا عمّا يقولون ليمسّنّ الّذين كفروا منهم عذابٌ أليمٌ (73) أفلا يتوبون إلى اللّه ويستغفرونه واللّه غفورٌ رحيمٌ (74) ما المسيح ابن مريم إلاّ رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل وأمّه صدّيقةٌ كانا يأكلان الطّعام انظر كيف نبيّن لهم الآيات ثمّ انظر أنّى يؤفكون (75)
هذه الآية إخبار مؤكد كالذي قبله، وهو عن هذه الفرقة الناطقة بالتثليث وهي فيما يقال الملكية وهم فرق منهم النسطورية وغيرهم، ولا معنى لذكر أقوالهم في كتاب تفسير، إنما الحق أنهم على اختلاف أحوالهم كفار من حيث جعلوا في الألوهية عددا ومن حيث جعلوا لعيسى عليه السلام حكما إلهيا، وقوله تعالى: ثالث ثلاثةٍ لا يجوز فيه إلا الإضافة وخفض ثلاثةٍ لأن المعنى أحد ثلاثة فإن قلت زيد ثالث اثنين أو رابع ثلاثة جاز لك أن تضيف كما تقدم وجاز أن لا تضيف وتنصب ثلاثة على معنى زيد يربع ثلاثة، وقوله تعالى وما من إلهٍ إلّا إلهٌ واحدٌ خبر صادع بالحق، وهو الخالق المبتدع المتصف بالصفات العلى تعالى عما يقول المبطلون، ثم توعد تبارك وتعالى هؤلاء القائلين هذه العظيمة بمس العذاب، وذلك وعيد بعذاب الدنيا من القتل والسبي وبعذاب الآخرة بعد لا يفلت منه أحد منهم). [المحرر الوجيز: 3/224-225]

تفسير قوله تعالى: {أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم رفق جل وعلا بهم بتحضيضه إياهم على التوبة وطلب المغفرة، ثم وصف نفسه بالغفران والرحمة استجلابا للتائبين وتأنيسا لهم ليكونوا على ثقة من الانتفاع بتوبتهم). [المحرر الوجيز: 3/225]

تفسير قوله تعالى: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ثم أخبر تعالى عن حقيقة أمر المسيح وأنه رسول بشر كالرسل المتقدمة قبله، وخلت معناه مضت وتقدمت في الخلاء من الأرض، وقرأ حطان بن عبد الله الرقاشي «قد خلت من قبله رسل» بتنكير الرسل، وكذلك قرأ وما محمّدٌ إلّا رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل [آل عمران: 144]، وقد مضى القول على وجه هذه القراءة هناك، وقوله تعالى: وأمّه صدّيقةٌ صفة ببناء مبالغة من الصدق، ويحتمل أن يكون من التصديق وبه سمي أبو بكر رضي الله عنه لتصديقه، وهذه الصفة لمريم تدفع قول من قال هي نبية، وقد يوجد في صحيح الحديث قصص قوم كلمتهم ملائكة في غير ما فن كقصة الثلاثة الأقرع والأعمى والأبرص وغيرهم، ولا تكون هنالك نبوة، فكذلك أمر مريم، وقوله تعالى: كانا يأكلان الطّعام تنبيه على نقص البشرية وعلى حال من الاحتياج إلى الغذاء تنتفي معها الألوهية، وذكر مكي والمهدي وغيرهما أنها عبارة عن الاحتياج إلى الغائط وهذا قول بشع ولا ضرورة تدفع إليه حتى يقصد هذا المعنى بالذكر، وإنما هي عبارة عن الاحتياج إلى التغذي ولا محالة أن الناظر إذا تأمل بذهنه لواحق التغذي وجد ذلك وغيره، ثم أمر تعالى محمدا صلى الله عليه وسلم وفي الضمن أمته بالنظر في ضلال هؤلاء القوم وبعدهم عن سنن الحق، وأن الآيات تبين لهم وتبرز في غاية الوضوح، ثم هم بعد ذلك يصرفون أي تصرفهم دواعيهم ويزيلهم تكسبهم عن الحق، وكيف في هذه الآية ليست سؤالا عن حال لكنها عبارة عن حال شأنها أن يسأل عنها بكيف، وهذا كقولك: كن كيف شئت فأنت صديق، وأنّى معناها من أي جهة، قال سيبويه معناها كيف ومن أين، ويؤفكون معناه: يصرفون، ومنه قوله عز وجل: يؤفك عنه من أفك [الذاريات: 9] والأرض المأفوكة التي صرفت عن أن ينالها المطر، والمطر في الحقيقة هو المصروف، ولكن قيل أرض مأفوكة لما كانت مأفوكة عنها). [المحرر الوجيز: 3/225-226]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: قل أتعبدون من دون اللّه ما لا يملك لكم ضرًّا ولا نفعاً واللّه هو السّميع العليم (76) قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحقّ ولا تتّبعوا أهواء قومٍ قد ضلّوا من قبل وأضلّوا كثيراً وضلّوا عن سواء السّبيل (77) لعن الّذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون (78)
أمر الله تعالى نبيه أن يوقفهم على عبادتهم شخصا من البشر لا يملك أن يضرهم ولا أن ينفعهم، ومن دون ودون فلان وما جاء من هذه اللفظة فإنما تضاف إلى من ليس في النازلة التي فيها القول، وتفسيرها بغير أمر غير مطرد، و «الضّر» بفتح الضاد المصدر، و «الضّر» بضمها الاسم وهو عدم الخير، والسّميع هنا إشارة إلى تحصيل أقوالهم والعليم بنياتهم، وقال بعض المفسرين: هاتان الصفتان منبهتان على قصور البشر، أي والله تعالى هو السميع العليم بالإطلاق لا عيسى ولا غيره، وهم مقرون أن عيسى قد كان مدة لا يسمع ولا يعلم، وقال نحوه مكي). [المحرر الوجيز: 3/226]

محمد أبو زيد 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م 03:32 PM

تفاسير القرن السابع الهجري

....

محمد أبو زيد 17 جمادى الآخرة 1435هـ/17-04-2014م 03:32 PM

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({لقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه هو المسيح ابن مريم وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا اللّه ربّي وربّكم إنّه من يشرك باللّه فقد حرّم اللّه عليه الجنّة ومأواه النّار وما للظّالمين من أنصارٍ (72) لقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه ثالث ثلاثةٍ وما من إلهٍ إلا إلهٌ واحدٌ وإن لم ينتهوا عمّا يقولون ليمسّنّ الّذين كفروا منهم عذابٌ أليمٌ (73) أفلا يتوبون إلى اللّه ويستغفرونه واللّه غفورٌ رحيمٌ (74) ما المسيح ابن مريم إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل وأمّه صدّيقةٌ كانا يأكلان الطّعام انظر كيف نبيّن لهم الآيات ثمّ انظر أنّى يؤفكون (75)}
يقول تعالى حاكمًا بتكفير فرق النّصارى، من الملكيّة واليعقوبيّة والنّسطوريّة، ممّن قال منهم بأنّ المسيح هو اللّه، تعالى اللّه عن قولهم وتنزّه وتقدّس علوًّا كبيرًا.
هذا وقد تقدّم إليهم المسيح بأنّه عبد اللّه ورسوله، وكان أوّل كلمةٍ نطق بها وهو صغيرٌ في المهد أن قال: {إنّي عبد اللّه آتاني الكتاب وجعلني نبيًّا} ولم يقل: أنا اللّه، ولا ابن اللّه. بل قال: {إنّي عبد اللّه آتاني الكتاب وجعلني نبيًّا} إلى أن قال: {وإنّ اللّه ربّي وربّكم فاعبدوه هذا صراطٌ مستقيمٌ} [مريم:30-36].
وكذلك قال لهم في حال كهولته ونبّوته، آمرًا لهم بعبادة اللّه ربّه وربّهم وحده لا شريك له؛ ولهذا قال تعالى: {وقال المسيح يا بني إسرائيل اعبدوا اللّه ربّي وربّكم إنّه من يشرك باللّه} أي: فيعبد معه غيره {فقد حرّم اللّه عليه الجنّة ومأواه النّار} أي: فقد أوجب له النّار، وحرّم عليه الجنّة، كما قال تعالى: {إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النّساء:48، 116]، وقال تعالى: {ونادى أصحاب النّار أصحاب الجنّة أن أفيضوا علينا من الماء أو ممّا رزقكم اللّه قالوا إنّ اللّه حرّمهما على الكافرين} [الأعراف:50].
وفي الصّحيح: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعث مناديًا ينادي في النّاس: "إنّ الجنّة لا يدخلها إلّا نفسٌ مسلمةٌ"، وفي لفظٍ: "مؤمنةٌ".
وتقدّم في أوّل سورة النّساء عند قوله: {إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به} [النّساء: 48، 116] حديث يزيد بن بابنوس عن عائشة: الدّواوين ثلاثةٌ فذكر منهم ديوانًا لا يغفره اللّه، وهو الشّرك باللّه، قال اللّه تعالى: {من يشرك باللّه فقد حرّم اللّه عليه الجنّة [ومأواه النّار]} الحديث في مسند أحمد.
ولهذا قال [اللّه] تعالى إخبارًا عن المسيح أنّه قال لبني إسرائيل: {إنّه من يشرك باللّه فقد حرّم اللّه عليه الجنّة ومأواه النّار وما للظّالمين من أنصارٍ} أي: وما له عند اللّه ناصرٌ ولا معينٌ ولا منقذٌ ممّا هو فيه). [تفسير القرآن العظيم: 3/157-158]

تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله {لقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه ثالث ثلاثةٍ} قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عليّ بن الحسن الهستجاني، حدّثنا سعيد بن الحكم بن أبي مريم، حدّثنا الفضل، حدّثني أبو صخرٍ في قول اللّه: {لقد كفر الّذين قالوا إنّ اللّه ثالث ثلاثةٍ} قال: هو قول اليهود: {عزيرٌ ابن اللّه} وقول النّصارى: {المسيح ابن اللّه} [التّوبة:30] فجعلوا اللّه ثالث ثلاثةٍ.
وهذا قولٌ غريبٌ في تفسير الآية: أنّ المراد بذلك طائفتا اليهود والنّصارى والصّحيح: أنّها أنزلت في النّصارى خاصّةً، قاله مجاهدٌ وغير واحدٍ.
ثمّ اختلفوا في ذلك فقيل: المراد بذلك كفّارهم في قولهم بالأقانيم الثّلاثة، وهو أقنوم الأب، وأقنوم الابن، وأقنوم الكلمة المنبثقة من الأب إلى الابن، تعالى اللّه عن قولهم علوًّا كبيرًا، قال ابن جريرٍ وغيره: والطّوائف الثّلاث من الملكيّة واليعقوبيّة والنّسطورية تقول بهذه الأقانيم. وهم مختلفون فيها اختلافًا متباينًا ليس هذا موضع بسطه، وكلّ فرقةٍ منهم تكفّر الأخرى، والحقّ أنّ الثّلاث كافرةٌ.
وقال السّدّي وغيره: نزلت في جعلهم المسيح وأمّه إلهين مع اللّه، فجعلوا اللّه ثالث ثلاثةٍ بهذا الاعتبار، قال السّدّيّ: وهي كقوله تعالى في آخر السّورة: {وإذ قال اللّه يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للنّاس اتّخذوني وأمّي إلهين من دون اللّه قال سبحانك} الآية [المائدة:116].
وهذا القول هو الأظهر، واللّه أعلم. قال اللّه تعالى: {وما من إلهٍ إلا إلهٌ واحدٌ} أي: ليس متعدّدًا، بل هو وحده لا شريك له، إله جميع الكائنات وسائر الموجودات.
ثمّ قال: تعالى متوعّدًا لهم ومتهدّدًا: {وإن لم ينتهوا عمّا يقولون} أي: من هذا الافتراء والكذب {ليمسّنّ الّذين كفروا منهم عذابٌ أليمٌ} أي: في الآخرة من الأغلال والنّكال). [تفسير القرآن العظيم: 3/158]

تفسير قوله تعالى: {أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال: {أفلا يتوبون إلى اللّه ويستغفرونه واللّه غفورٌ رحيمٌ} وهذا من كرمه تعالى وجوده ولطفه ورحمته بخلقه، مع هذا الذّنب العظيم وهذا الافتراء والكذب والإفك، يدعوهم إلى التّوبة والمغفرة، فكلّ من تاب إليه تاب عليه). [تفسير القرآن العظيم: 3/158]

تفسير قوله تعالى: {مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ قال: {ما المسيح ابن مريم إلا رسولٌ قد خلت من قبله الرّسل} أي: له سويّة أمثاله من سائر المرسلين المتقدّمين عليه، وأنّه عبدٌ من عباد اللّه ورسولٌ من رسله الكرام، كما قال: {إن هو إلا عبدٌ أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل} [الزّخرف:59].
وقوله: {وأمّه صدّيقةٌ} أي: مؤمنةٌ به مصدّقةٌ له. وهذا أعلى مقاماتها فدلّ على أنّها ليست بنبيّةٍ، كما زعمه ابن حزمٍ وغيره ممّن ذهب إلى نبوّة سارّة أمّ إسحاق، ونبوّة أمّ موسى، ونبوّة أمّ عيسى استدلالًا منهم بخطاب الملائكة لسارّة ومريم، وبقوله: {وأوحينا إلى أمّ موسى أن أرضعيه} [القصص: 7]، [قالوا] وهذا معنى النّبوّة، والّذي عليه الجمهور أنّ اللّه لم يبعث نبيًّا إلّا من الرّجال، قال اللّه تعالى: {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى} [يوسف: 109]، وقد حكى الشّيخ أبو الحسن الأشعريّ، رحمه اللّه، الإجماع على ذلك.
وقوله: {كانا يأكلان الطّعام} أي: يحتاجان إلى التّغذية به، وإلى خروجه منهما، فهما عبدان كسائر النّاس وليسا بإلهين كما زعمت فرق النّصارى الجهلة، عليهم لعائن اللّه المتتابعة إلى يوم القيامة.
ثمّ قال تعالى: {انظر كيف نبيّن لهم الآيات} أي: نوضّحها ونظهرها، {ثمّ انظر أنّى يؤفكون} أي: ثمّ انظر بعد هذا البيان والوضوح والجلاء أين يذهبون؟ وبأيّ قولٍ يتمسّكون؟ وإلى أيّ مذهبٍ من الضّلال يذهبون؟). [تفسير القرآن العظيم: 3/158-159]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قل أتعبدون من دون اللّه ما لا يملك لكم ضرًّا ولا نفعًا واللّه هو السّميع العليم (76) قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحقّ ولا تتّبعوا أهواء قومٍ قد ضلّوا من قبل وأضلّوا كثيرًا وضلّوا عن سواء السّبيل (77)}
يقول تعالى منكرًا على من عبد غيره من الأصنام والأنداد والأوثان، ومبّينًا له أنّها لا تستحقّ شيئًا من الإلهيّة: {قل} أي: يا محمّد لهؤلاء العابدين غير اللّه من سائر فرق بني آدم، ودخل في ذلك النّصارى وغيرهم: {أتعبدون من دون اللّه ما لا يملك لكم ضرًّا ولا نفعًا} أي: لا يقدر على إيصال ضررٍ إليكم، ولا إيجاد نفعٍ {واللّه هو السّميع العليم} أي: فلم عدلتم عن إفراد السّميع لأقوال عباده، العليم بكلّ شيءٍ إلى عبادة جماد لا يسمع ولا يبصر ولا يعلم شيئًا، ولا يملك ضرًّا ولا نفعًا لغيره ولا لنفسه). [تفسير القرآن العظيم: 3/159]


الساعة الآن 09:27 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة