جمهرة العلوم

جمهرة العلوم (http://jamharah.net/index.php)
-   الناسخ والمنسوخ (http://jamharah.net/forumdisplay.php?f=488)
-   -   سورة البقرة (http://jamharah.net/showthread.php?t=17055)

منى بكري 21 رمضان 1432هـ/20-08-2011م 10:58 PM

سورة البقرة
 
الناسخ والمنسوخ في سورة البقرة

عناصر الموضوع
عدد الآيات المنسوخة في سورة البقرة
مواضع النسخ في سورة البقرة
...- الموضع الأول: قول الله تعالى: { ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ(3)}
...-الموضع الثاني: قوله تعالى {إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَٱلَّذِينَ هَادُوا۟ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلصَّٰبِـِٔينَ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحًۭا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(62)}
...- الموضع الثالث: قوله تعالى: {بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةًۭ وَأَحَٰطَتْ بِهِۦ خَطِيٓـَٔتُهُۥ فَأُو۟لَٰٓئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ(81) }
...- الموضع الرابع: قوله تعالى {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ (83)}
...- الموضع الخامس: قوله تعالى: { يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَقُولُوا۟ رَٰعِنَا وَقُولُوا۟ ٱنظُرْنَا وَٱسْمَعُوا۟ ۗ وَلِلْكَٰفِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌۭ(104)}
...- الموضع السادس: قوله تعالى {وَدَّ كَثِيرٌۭ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّنۢ بَعْدِ إِيمَٰنِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًۭا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنۢ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْحَقُّ ۖ فَٱعْفُوا۟ وَٱصْفَحُوا۟ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِۦٓ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌۭ(109)}
...- الموضع السابع: قوله تعالى {وَلِلَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ ۚ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا۟ فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ وَٰسِعٌ عَلِيمٌۭ(115)}
...- الموضع الثامن: قوله تعالى { قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِى ٱللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَآ أَعْمَٰلُنَا وَلَكُمْ أَعْمَٰلُكُمْ وَنَحْنُ لَهُۥ مُخْلِصُونَ(139)}
...- الموضع التاسع: قوله تعالى { قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى ٱلسَّمَآءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةًۭ تَرْضَىٰهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا۟ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُۥ ۗ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَٰبَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ(144)}
. .- الموضع العاشر: قوله تعالى: {إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًۭا فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ(158)}
...- الموضع الحادي عشر: قوله تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَٰتِ وَٱلْهُدَىٰ مِنۢ بَعْدِ مَا بَيَّنَّٰهُ لِلنَّاسِ فِى ٱلْكِتَٰبِ ۙ أُو۟لَٰٓئِكَ يَلْعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ ٱللَّٰعِنُونَ(159)}
...- الموضع الثاني عشر: قوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَيْرِ ٱللَّهِ ۖ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍۢ وَلَا عَادٍۢ فَلَآ إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌۭ رَّحِيمٌ(173)}
...- الموضع الثالث عشر: قوله تعالى: { يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ فِى ٱلْقَتْلَى ۖ ٱلْحُرُّ بِٱلْحُرِّ وَٱلْعَبْدُ بِٱلْعَبْدِ وَٱلْأُنثَىٰ بِٱلْأُنثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِىَ لَهُۥ مِنْ أَخِيهِ شَىْءٌۭ فَٱتِّبَاعٌۢ بِٱلْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَٰنٍۢ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌۭ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌۭ ۗ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُۥ عَذَابٌ أَلِيمٌۭ(178)}
...- الموضع الرابع عشر: قوله تعالى: { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا ٱلْوَصِيَّةُ لِلْوَٰلِدَيْنِ وَٱلْأَقْرَبِينَ بِٱلْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ(180)}
...- الموضع الخامس عشر: قوله تعالى: { يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(183)}
...- الموضع السادس عشر: قوله تعالى: {أَيَّامًۭا مَّعْدُودَٰتٍۢ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍۢ فَعِدَّةٌۭ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدْيَةٌۭ طَعَامُ مِسْكِينٍۢ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًۭا فَهُوَ خَيْرٌۭ لَّهُۥ ۚ وَأَن تَصُومُوا۟ خَيْرٌۭ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(184)}
...- الموضع السابع عشر: قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌۭ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌۭ لَّهُنَّ ۗ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ۖ فَٱلْـَٰٔنَ بَٰشِرُوهُنَّ وَٱبْتَغُوا۟ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا۟ وَٱشْرَبُوا۟ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلْأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلْأَسْوَدِ مِنَ ٱلْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا۟ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيْلِ ۚ وَلَا تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَٰكِفُونَ فِى ٱلْمَسَٰجِدِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ(187)}
...- الموضع الثامن عشر: قوله تعالى: { وَقَٰتِلُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوٓا۟ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ(190)}
...- الموضع التاسع عشر: قول الله تعالى: {وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ۚ وَٱلْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلْقَتْلِ ۚ وَلَا تُقَٰتِلُوهُمْ عِندَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَٰتِلُوكُمْ فِيهِ ۖ فَإِن قَٰتَلُوكُمْ فَٱقْتُلُوهُمْ ۗ كَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَٰفِرِينَ(191)}
...- الموضع العشرون: قوله تعالى: {فَإِنِ ٱنتَهَوْا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌۭ رَّحِيمٌۭ(192)}
...- الموضع الحادي والعشرون: قوله تعالى: { ٱلشَّهْرُ ٱلْحَرَامُ بِٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْحُرُمَٰتُ قِصَاصٌۭ ۚ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُوا۟ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ(194)}
...- الموضع الثاني والعشرون: قوله تعالى { وَأَتِمُّوا۟ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ لِلَّهِ ۚ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْىِ ۖ وَلَا تَحْلِقُوا۟ رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْهَدْىُ مَحِلَّهُۥ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِۦٓ أَذًۭى مِّن رَّأْسِهِۦ فَفِدْيَةٌۭ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍۢ ۚ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلْعُمْرَةِ إِلَى ٱلْحَجِّ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْىِ ۚ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَٰثَةِ أَيَّامٍۢ فِى ٱلْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ۗ تِلْكَ عَشَرَةٌۭ كَامِلَةٌۭ ۗ ذَٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُۥ حَاضِرِى ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ(196)}
...- الموضع الثالث والعشرون: قوله تعالى { يَسْـَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ ۖ قُلْ مَآ أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍۢ فَلِلْوَٰلِدَيْنِ وَٱلْأَقْرَبِينَ وَٱلْيَتَٰمَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا۟ مِنْ خَيْرٍۢ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٌۭ(215)}
...- الموضع الرابع والعشرون: قوله تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْ‌هٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَ‌هُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ‌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ‌ لَّكُمْ ۗ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ(216)}
...- الموضع الخامس والعشرون: قوله تعالى {يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍۢ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌۭ فِيهِ كَبِيرٌۭ ۖ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌۢ بِهِۦ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِۦ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ ۚ وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ ۗ وَلَا يَزَالُونَ يُقَٰتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ ٱسْتَطَٰعُوا۟ ۚ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِۦ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌۭ فَأُو۟لَٰٓئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَٰلُهُمْ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلْءَاخِرَةِ ۖ وَأُو۟لَٰٓئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ(217)}
...- الموضع السادس والعشرون: قوله تعالى { يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌۭ كَبِيرٌۭ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ وَيَسْـَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلْءَايَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ(219)}
...- الموضع السابع والعشرون: قوله تعالى: {فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۗ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ ۖ قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ۖ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(220)}
...- الموضع الثامن والعشرون: قوله تعالى {وَلاَ تَنْكِحُوْا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُوْا الْمُشْرِكِيْنَ حَتَّى يُؤْمِنُوْا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُوْنَ إِلَى النَّارِ وَاللهُ يَدْعُوْ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُوْنَ.(221)}
...- الموضع التاسع والعشرون: قوله تعالى: { وَيَسْـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًۭى فَٱعْتَزِلُوا۟ ٱلنِّسَآءَ فِى ٱلْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ(222)}
...- الموضع الثلاثون: قوله تعالى: {لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍۢ ۖ فَإِن فَآءُو فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌۭ رَّحِيمٌۭ(226)}
...- الموضع الحادي والثلاثون: قوله تعالى: {وَٱلْمُطَلَّقَٰتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَٰثَةَ قُرُوٓءٍۢ ۚ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِىٓ أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ ۚ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِى ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوٓا۟ إِصْلَٰحًۭا ۚ وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِى عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌۭ ۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(228)}
...- الموضع الثاني والثلاثون: قوله تعالى: {ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌۢ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌۢ بِإِحْسَٰنٍۢ ۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا۟ مِمَّآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ شَيْـًٔا إِلَّآ أَن يَخَافَآ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا ٱفْتَدَتْ بِهِۦ ۗ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ(229)}
...- الموضع الثالث والثلاثون: قوله تعالى: { وَٱلْوَٰلِدَٰتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَٰدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ ۚ وَعَلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُۥ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ ۚ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَا تُضَآرَّ وَٰلِدَةٌۢ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌۭ لَّهُۥ بِوَلَدِهِۦ ۚ وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذَٰلِكَ ۗ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍۢ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍۢ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ۗ وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوٓا۟ أَوْلَٰدَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ ءَاتَيْتُم بِٱلْمَعْرُوفِ ۗ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌۭ(233)}
...- الموضع الرابع والثلاثون: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُ‌ونَ أَزْوَاجًا يَتَرَ‌بَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْ‌بَعَةَ أَشْهُرٍ‌ وَعَشْرً‌ا ۖ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُ‌وفِ ۗ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ‌(234)}
...- الموضع الخامس والثلاثون: قوله تعالى { وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّ‌ضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ ۚ عَلِمَ اللَّـهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُ‌ونَهُنَّ وَلَـٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّ‌ا إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُ‌وفًا ۚ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُ‌وهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ‌ حَلِيمٌ(235)}
...- الموضع السادس والثلاثون: قوله تعالى: {لَّا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِ‌ضُوا لَهُنَّ فَرِ‌يضَةً ۚ وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُ‌هُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ‌ قَدَرُ‌هُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُ‌وفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ(236)}
...- الموضع السابع والثلاثون: قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّـهِ قَانِتِينَ(238)}
...- الموضع الثامن والثلاثون: قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُ‌ونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ‌ إِخْرَ‌اجٍ ۚ فَإِنْ خَرَ‌جْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُ‌وفٍ ۗ وَاللَّـهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(240)}
...- الموضع التاسع والثلاثون: قوله تعالى: { لَا إِكْرَ‌اهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّ‌شْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَن يَكْفُرْ‌ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّـهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْ‌وَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّـهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ(256)}
...- الموضع الأربعون: قوله تعالى { وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَ‌ةٍ فَنَظِرَ‌ةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَ‌ةٍ ۚ وَأَن تَصَدَّقُوا خَيْرٌ‌ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(280)}
...- الموضع الحادي والأربعون: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ۚ وَلْيَكْتُب بَّيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ ۚ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّـهُ ۚ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّـهَ رَ‌بَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا ۚ فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ ۚ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّ‌جَالِكُمْ ۖ فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَ‌جُلَيْنِ فَرَ‌جُلٌ وَامْرَ‌أَتَانِ مِمَّن تَرْ‌ضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ‌ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَ‌ىٰ ۚ وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا ۚ وَلَا تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيرً‌ا أَوْ كَبِيرً‌ا إِلَىٰ أَجَلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّـهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَىٰ أَلَّا تَرْ‌تَابُوا ۖ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَ‌ةً حَاضِرَ‌ةً تُدِيرُ‌ونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا ۗ وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ ۚ وَلَا يُضَارَّ‌ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ ۚ وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ ۗ وَاتَّقُوا اللَّـهَ ۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّـهُ ۗ وَاللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(282)}
...- الموضع الثاني والأربعون: قوله تعالى:{لِّلَّـهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْ‌ضِ ۗ وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّـهُ ۖ فَيَغْفِرُ‌ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّـهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ‌(284)}
...- الموضع الثالث والأربعون: قوله تعالى:{لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ۗ رَ‌بَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ۚ رَ‌بَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرً‌ا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا ۚ رَ‌بَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ ۖ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ‌ لَنَا وَارْ‌حَمْنَا ۚ أَنتَ مَوْلَانَا فَانصُرْ‌نَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِ‌ينَ(286)}


أم صفية آل حسن 15 جمادى الآخرة 1434هـ/25-04-2013م 10:00 PM

عدد الآيات المنسوخة في سورة البقرة
قال الوليد بن محمد الموقّري الأموي (ت:182هـ): حدثني محمد بن مسلم ابن شِهَاب الزهري(124هـ) قال: (هذا كتابٌ منسوخ القرآن. قال الله تعالى: {ما ننسخ من آية أو ننسها} وقال عز وجل: {وإذا بدلنا آية مكان آيةٍ}. وقال تعالى: {يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب}
قال الله عز وجل: {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسعٌ عليمٌ}. نسخ بقوله تعالى: {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلةً ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام}
وأيضاً في آية الصوم قال الله تعالى: {فديةٌ طعام مساكين} {مسكين}...
وقال أيضاً: {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}...
قوله تعالى: {إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين}...
وقال تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروءٍ ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهم أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحاً}...
وقال تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمةٌ مؤمنةٌ خيرٌ من مشركةٍ ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبدٌ مؤمنٌ خيرٌ من مشركٍ ولو أعجبكم}...
وقال الله عز وجل: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به}. *
وقال تعالى: {لا يكلف الله نفساً إلا وسعها}. فيما فرض إن لم يستطع الحج ولا الجهاد أولم يستطع أن يصلي قائماً فيصلي جالساً. قال تعالى: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله فيغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء}. نسخت بقوله تعالى:الله نفساً إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت} أي لا يكتب على أحدٍ إلا ما فعل وما عمل
). [الناسخ والمنسوخ للزهري: 18-22]
قال محمد بن كثيرٍ العَبْدي (ت:223هـ)
حدثنا همّام بن يحيى البصري قال:
(سمعت قتادة يقول في قول الله عز وجل: {فأينما تولوا فثم وجه الله} قال كانوا يصلون نحو بيت المقدس ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة وبعدما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا ثم وجهه الله تعالى نحو الكعبة البيت الحرام
وقال في آية أخرى: {فلنولينك قبلة ترضها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} أي تلقاءه ونسخت هذه ما كان قبلها من أمر القبلة
وعن قوله جل وعز: {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره}...
وعن قوله جل وعز: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم}...
وقال في آية أخرى: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير}...
وعن قوله جل وعز: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء}...
وعن قوله عز وجل {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك}...
وعن قوله عز وجل: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية}...
وعن قوله عز وجل: {يسألونك عن الخمر والميسر}...
وعن قوله عز وجل: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج}...
وعن قوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات إلى قوله من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} )[الناسخ والمنسوخ لقتادة: 1/31-38]
قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (باب الناسخ والمنسوخ على نظم القرآن ,اعلم أن نزول المنسوخ بمكة كثير ونزول الناسخ بالمدينة كثير...
1 -سورة البقرة: وهي مدنية ففيها ستة وعشرون موضعا (26)
1 - {إن الذين آمنوا والذين هادوا..}...
2 - الآية الثانية: قوله تعالى: {وقولوا للناس...حسنا}...
3 - الآية الثالثة: قوله تعالى: {فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره..}...
4 - الآية الرابعة: قوله تعالى: {ولله الشرق والمغرب..} ...
5 - الآية الخامسة: قوله تعالى: {إن الذين تكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى}...
6 - الآية السادسة: قوله تعالى: {إنما حرم عليكم الميتة والدم..}...
7 - الآية السابعة: قوله تعالى: {كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى}...
8 - الآية الثامنة: قوله تعالى: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين}...
9 - الآية التاسعة: قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم}...
10 - الآية العاشرة: قوله تعالى: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين}...
11 - الآية الحادية عشرة: قوله تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين}...
12 - الآية الثانية عشرة: قوله تعالى: {ولاتقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه }...
13- الآية الثالثة عشرة: قوله تعالى: {فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم}...
14 - الآية الرابعة عشرة: قوله تعالى: {ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغالهدى محله..}...
15 - الآية الخامسة عشرة: قوله تعالى: {يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين..}...
16 - الآية السادسة عشرة: قوله تعالى: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه..}...
17 - الآية السابعة عشرة: قوله تعالى: {يسألونك عن الخمر والميسر..}...
18 - الآية الثامنة عشرة: قوله تعالى: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو}...
19 - الآية التاسعة عشرة: قوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن}...
20 - الآية العشرون: قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء}...
21 - الآية الحادية والعشرون: قوله تعالى في آية الخلع: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا}...
22 - الآية الثانية والعشرون: قوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين..}...
23 - الآية الثالثة والعشرون: قوله تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم..}...
24 - الآية الرابعة والعشرون: قوله تعالى: {لا إكراه في الدين..}...
25 - الآية الخامسة والعشرون: قوله تعالى: {وأشهدوا إذا تبايعتم..}...
26 - الآية السادسة والعشرون: قوله تعالى: {لله ما في السموات وما في الأرض) هذا محكم ثم قال: (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله}) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (باب السّور الّتي فيها النّاسخ والمنسوخ
فأوّل ذلك: السّورة الّتي تذكر فيها البقرة
قال أبو جعفرٍ: حدّثنا بكر بن سهلٍ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قال: " فكان أوّل ما نسخ اللّه جلّ وعزّ من القرآن القبلة وذلك أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم لمّا هاجر إلى المدينة وكان أكثر أهلها اليهود أمره اللّه جلّ وعزّ أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود بذلك فاستقبلها رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بضعة عشر شهرًا فكان رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يحبّ قبلة إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم فكان يدعو اللّه جلّ وعزّ وينظر إلى السّماء فأنزل اللّه جلّ وعزّ {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء} [البقرة: 144] إلى قوله جلّ وعزّ {فولّوا وجوهكم شطره} [البقرة: 144] يعني نحوه فارتاب من ذلك اليهود وقالوا: {ما ولّاهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها} [البقرة: 142] فأنزل اللّه جلّ وعزّ {قل للّه المشرق والمغرب} [البقرة: 142] وقال {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} [البقرة: 115] وقال اللّه جلّ وعزّ {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلّا لنعلم من يتّبع الرّسول
ممّن ينقلب على عقبيه}...
باب ذكر الآية الثّانية من هذه السّورة قال اللّه جلّ وعزّ {وللّه المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه إنّ اللّه واسعٌ عليمٌ}...
باب ذكر الآية الثّالثة من هذه السّورة قال اللّه جلّ وعزّ {حافظوا على الصّلوات والصّلاة الوسطى وقوموا للّه قانتين}...
باب ذكر الآية الرّابعة {يا أيّها الّذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيءٌ فاتّباعٌ بالمعروف وأداءٌ إليه بإحسانٍ ذلك تخفيفٌ من ربّكم ورحمةٌ فمن اعتدى بعد ذلك فله عذابٌ أليمٌ}...
باب ذكر الآية الخامسة قال اللّه جلّ وعزّ {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرًا الوصيّة للوالدين والأقربين بالمعروف حقًّا على المتّقين}...
باب ذكر قوله جلّ وعزّ {كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم لعلّكم تتّقون}وهي الآية السّادسة...
باب ذكر الآية السّابعة قال جلّ وعزّ {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ فمن تطوّع خيرًا فهو خيرٌ له وأن تصوموا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون}...
باب ذكر الآية الثّامنة قال اللّه جلّ وعزّ {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم}...
باب ذكر ما في الآية التّاسعة قال جلّ وعزّ {وقولوا للنّاس حسنًا}...
باب ذكر الآية العاشرة قال جلّ وعزّ {يا أيّها الّذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا}...
باب ذكر الآية الحادية عشرة قال اللّه جلّ وعزّ {ودّ كثيرٌ من أهل الكتاب لو يردّونكم من بعد إيمانكم كفّارًا حسدًا من عند أنفسهم من بعد ما تبيّن لهم الحقّ فاعفوا واصفحوا حتّى يأتي اللّه بأمره إنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}...
باب ذكر الآية الثّانية عشرة قال جلّ وعزّ {وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين}...
باب ذكر الآية الثّالثة عشرة قال جلّ وعزّ {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين}...
باب ذكر الآية الرّابعة عشرة قال جلّ وعزّ {الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}...
باب ذكر الآية الخامسة عشرة قال جلّ وعزّ: {كتب عليكم القتال وهو كرهٌ لكم}...
باب ذكر الآية السّادسة عشرة قال جلّ وعزّ: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه قل قتالٌ فيه كبيرٌ}...
باب ذكر الآية السّابعة عشرة قال اللّه جلّ وعزّ {وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه}...
باب ذكر الآية الثّامنة عشرة قال جلّ وعزّ {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس وإثمهما أكبر من نفعهما}...
باب ذكر الآية التّاسعة عشرة قال جلّ وعزّ {قل العفو}...
باب ذكر الآية الّتي هي تتمّة العشرين قال اللّه جلّ وعزّ {ولا تنكحوا المشركين حتّى يؤمنوا}...
باب ذكر الآية الحادية والعشرين قال جلّ وعزّ: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذًى فاعتزلوا النّساء في المحيض ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن فإذا تطهّرن}...
باب ذكر الآية الثّانية والعشرين قال جلّ وعزّ: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ}...
باب ذكر الآية الثّالثة والعشرين قال اللّه جلّ وعزّ {الطّلاق مرّتان}...
باب ذكر الآية الرّابعة والعشرين قال اللّه جلّ وعزّ: {وعلى الوارث مثل ذلك}...
باب ذكر الآية الخامسة والعشرين قال جلّ وعزّ {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا}...
باب ذكر الآية السّادسة والعشرين قال جلّ وعزّ: {لا جناح عليكم إن طلّقتم النّساء ما لم تمسّوهنّ أو تفرضوا لهنّ فريضةً ومتّعوهنّ على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعًا بالمعروف حقًّا على المحسنين}...
باب ذكر الآية السّابعة والعشرين قال جلّ وعزّ: {لا إكراه في الدّين}...
باب ذكر الآية الثّامنة والعشرين قال جلّ وعزّ {وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌ إلى ميسرةٍ} ...
باب ذكر الآية التّاسعة والعشرين قال جلّ وعزّ: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا تداينتم بدينٍ إلى أجلٍ مسمًّى فاكتبوه}...
باب ذكر الآية الّتي هي تتمّة ثلاثين آيةً قال جلّ وعزّ {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه}...). [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 1/454-630]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (وسورة البقرةمدنيّة تحتوي على ثلاثين آية منسوخة
أولها قوله تعالى {وممّا رزقناهم ينفقون}...
الآية الثّانية قوله تعالى {إن الّذين آمنوا والّذين هادوا}...
الآية الثّالثة قوله تعالى {وقولوا للّناس حسناً} و {حسناً}...
الآية الرّابعة قوله تعالى {فاعفوا واصفحوا}...
الآية الخامسة قوله تعالى {وللّه المشرق والمغرب}...
الآية السّادسة قوله تعالى {ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم}...
الآية السّابعة قوله تعالى {إنّ الصفا والمروة من شعائر الله}...
الآية الثّامنة قوله تعالى {إنّ الّذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى}...
الآية التّاسعة قوله تعالى {إنّما حرم عليكم الميتة والدّم}...
الآية العاشرة قوله تعالى {يا أيّها الّذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحرّ}...
الآية الحادية عشرة قوله تعالى {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصيّة للوالدين والأقربين بالمعروف حقّاً على المتّقين}...
الآية الثّانية عشرة قوله تعالى {يا أيّها الّذين آمنوا كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم}...
الآية الثّالثة عشرة قوله تعالى {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ}...
الآية الرّابعة عشرة قوله تعالى {وقاتلوا في سبيل الله الّذين يقاتلونكم ولا تعتدوا}...
الآية الخامسة عشرة قوله تعالى {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه}...
الآية السّادسة عشرة قوله تعالى {فإن انتهوا فإنّ الله غفورٌ رحيم}...
الآية السّابعة عشرة قوله تعالى {ولا تحلقوا رؤوسكم حتّى يبلغ الهدي محلّه}...
الآية الثّامنة عشرة قوله تعالى {يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السّبيل}...
الآية التّاسعة عشرة قوله تعالى {يسألونك عن الشهر الحرام قتالٍ فيه}...
الآية العشرون قوله تعالى {يسألونك عن الخمر والميسر}...
الآية الحادية والعشرون قوله تعالى {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو}...
الآية الثّانية والعشرون قوله تعالى {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمن}...
الآية الثّالثة والعشرون قوله تعالى {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروء}...
الآية الرّابعة والعشرون قوله تعالى {ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئاً}...
الآية الخامسة والعشرون قوله تعالى {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين}...
الآية السّادسة والعشرون قوله تعالى {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً وصيّةً لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج}...
الآية السّابعة والعشرون قوله تعالى {لا إكراه في الدّين}...
الآية الثّامنة والعشرون قوله تعالى {وأشهدوا إذا تبايعتم}...
الآية التّاسعة والعشرون قوله تعالى {للّه ما في السماوات وما في الأرض}...
الآية الثّلاثون قوله تعالى {لا يكلّف الله نفسا إلّا وسعها}). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (سورة البقرة (مدنية)اعلم أن هذه الآيات التي تذكر من الناسخ والمنسوخ تختلف أحوالها، فمنها ما الأشهر فيه النسخ، ومنها ما الأشهر فيه أنه محكم غير منسوخ، ومنها ما يحتمل الوجهين جميعا.
ونحن نبين ذلك في كل آية أثبتها المتقدمون في الناسخ والمنسوخ

قوله تعالى: {إنّ ٱلّذين آمنوا وٱلّذين هادوا} إلى قوله: {فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون}...
قوله تعالى: {وقولوا للنّاس حسنًا}...
قوله تعالى: {لا تقولوا راعنا}...
قوله تعالى: {فاعفوا واصفحوا حتّى يأتي الله بأمره}...
قوله تعالى: {فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره}...
قوله تعالى: {فأينما تولّوا فثمّ وجه الله}...
قوله تعالى: {إنّ الّذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى من بعد ما بيّناه للنّاس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاّعنون}...
قوله تعالى: {يا أيّها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى}...
قوله تعالى: {فمن عفي له من أخيه شيءٌ فاتّباعٌ بالمعروف}...
قوله تعالى: {الوصيّة للوالدين والأقربين}...
قوله تعالى: {كتب عليكم الصّيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلّكم تتقون}...
قوله تعالى: {علم الله أنّكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا}...
قوله تعالى: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين}...
قوله تعالى: {فالآن باشروهن}...
قوله تعالى: {ولا تعتدوا}...
قوله تعالى: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه}...
قوله تعالى: {الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}...
قوله تعالى:{ولا تحلقوا رؤوسكم حتّى يبلغ الهدي محلّه}...
قوله تعالى: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه قل قتالٌ فيه كبير} ...
قوله تعالى: {وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه}...
قوله تعالى: {يسألونك عن الخمر والميسر}...
قوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ}...
قوله تعالى: {ويسألونك عن المحيض}...
قوله تعالى: {للّذين يؤلون من نسائهم تربّص أربعة أشهرٍ}...
قوله تعالى: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروء}...
قوله تعالى: {الطّلاق مرّتان}...
قوله تعالى: {ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئًا إلاّ أن يخافا ألاّ يقيما حدود الله}...
قوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين}...
قوله تعالى: {وعلى الوارث مثل ذلك}...
قوله تعالى: {والذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا}...
قوله تعالى: {فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ من معروفٍ}...
قوله تعالى: {لا جناح عليكم إن طلّقتم النّساء ما لم تمسّوهنّ}...
قوله تعالى: {حافظوا على الصّلوات والصّلاة الوسطى وقوموا للّه قانتين}...
قوله تعالى: {وقوموا للّه قانتين}...
قوله تعالى: {لا إكراه في الدّين}...
قوله تعالى: {وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌ إلى ميسرةٍ}...
قوله تعالى: {يا أيّها الذين آمنوا إذا تداينتم بدينٍ إلى أجلٍ مسمّىً فاكتبوه}...
قوله تعالى: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله}).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (مناقشة 247 قضيةمن بين 62 سورة قرآنية
باب: ذكر الآيات اللّواتي ادّعي عليهنّ النّسخ في سورة البقرة
ذكر الآية الأولى: قوله تعالى: {وممّا رزقناهم ينفقون}...
ذكر الآية الثّانية: (قوله) تعالى: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا}...
ذكر الآية الثّالثة: قوله تعالى: {بلى من كسب سيّئةً وأحاطت به خطيئته}...
ذكر الآية الرّابعة: قوله تعالى: {وقولوا للنّاس حسناً}...
ذكر الآية الخامسة: قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تقولوا راعنا}...
ذكر الآية السّادسة: قوله تعالى: {فاعفوا واصفحوا حتّى يأتي اللّه بأمره}...
ذكر الآية السّابعة: قوله تعالى: {وللّه المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه}...
ذكر الآية الثّامنة: قوله تعالى: {ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم}...
ذكر الآية التّاسعة: قوله تعالى: {إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه}...
ذكر الآية العاشرة: قوله تعالى: {إنّ الّذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى} إلى قوله: {اللاّعنون}...
ذكر الآية الحادية عشرة: قوله تعالى: {إنّما حرّم عليكم الميتة والدّم ولحم الخنزير}...
ذكر الآية الثّانية عشرة: قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى}...
ذكر الآية الثّالثة عشرة: قوله تعالى: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصيّة للوالدين والأقربين}...
ذكر الآية الرّابعة عشرة: قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم}...
ذكر الآية الخامسة عشرة: قوله تعالى: {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ}...
ذكر الآية السّادسة عشرة: قوله تعالى: {وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين}...
ذكر الآية السّابعة عشرة: قوله تعالى: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه}...
ذكر الآية الثّامنة عشرة: قوله تعالى: {فإن انتهوا فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ}...
ذكر الآية التّاسعة عشرة: قوله تعالى: {الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ}...
ذكر الآية العشرين: قوله تعالى: {وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه}...
ذكر الآية الحادية والعشرين: قوله تعالى: {ولا تحلقوا رؤوسكم حتّى يبلغ الهدي محلّه}...
ذكر الآية الثّانية والعشرين: قوله تعالى: {يسألونك ماذا ينفقون}...
ذكر الآية الثّالثة والعشرين: قوله تعالى: {كتب عليكم القتال}...
ذكر الآية الرّابعة والعشرين: قوله تعالى: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه قل قتالٌ فيه كبيرٌ}...
ذكر الآية الخامسة والعشرين: قوله تعالى: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس}...
ذكر الآية السّادسة والعشرين: قوله تعالى: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} ...
ذكر الآية السّابعة والعشرين: قوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ}...
ذكر الآية الثّامنة والعشرين: قوله تعالى: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذىً}...
ذكر الآية التّاسعة والعشرين: قوله تعالى: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ}...
ذكر الآية الثّلاثين: قوله تعالى: {الطّلاق مرّتان}...
ذكر الآية الحادية والثّلاثين: قوله تعالى: {ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئاً إلّا أن يخافا ألاّ يقيما حدود اللّه فإن خفتم ألّا يقيما حدود اللّه فلا جناح عليهما فيما افتدت به}...
ذكر الآية الثّانية والثّلاثين: قوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين}...
ذكر الآية الثّالثة والثّلاثين: قوله تعالى: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً وصيّةً لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراجٍ}...
ذكر الآية الرّابعة والثّلاثين: قوله تعالى: {لا إكراه في الدّين}...
ذكر الآية الخامسة والثّلاثين: قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا تداينتم بدينٍ إلى أجلٍ مسمّىً فاكتبوه}...
ذكر الآية السّادسة والثّلاثين: قوله تعالى: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به}...
ذكر الآية السّابعة والثّلاثين: قوله تعالى: {لا يكلّف اللّه نفساً إلاّ وسعها}). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (باب ذكر آي في سورة البقرة في ذلك
الآية الأولى: قوله تعالى {وممّا رزقناهم ينفقون}...
الثانية: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا}...
الثالثة: {بلى من كسب سيّئةً}...
الرابعة: {وقولوا للنّاس حسناً}...
الخامسة: {فاعفوا واصفحوا حتّى يأتي اللّه بأمره}...
السادسة: {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه}...
السابعة: {ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم}...
الثامنة: {إنّ الّذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى}...
التاسعة: {كتب عليكم القصاص في القتلى الحرّ بالحرّ}...
العاشرة: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصيّة}...
الحادية عشرة: {كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم}...
الثانية عشرة: {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ}...
الثالثة عشرة: {وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم ولا تعتدوا}...
الرابعة عشرة: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه}...
الخامسة عشرة {فإن انتهوا فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ}...
السادسة عشرة: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه قل قتالٌ فيه كبيرٌ}...
السابعة عشرة: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبيرٌ}...
الثامنة عشرة: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو}...
التاسعة عشرة: {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ}...
وكذلك العشرون وذلك قوله {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ} ...
الحادية والعشرون: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً وصيّةً لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراجٍ}...
الثانية والعشرون: {لا إكراه في الدّين}...
الثالثة والعشرون: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به اللّه}). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 14-21]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (سورة البقرة: وقد عد قوم من المنسوخ آيات كثيرة ليس فيها أمر ولا نهي، وإنما هي أخبار، وذلك غلط، نحو قوله عز وجل: {ومما رزقناهم ينفقون} الآية [البقرة: 3] زعموا أنها منسوخة بإيجاب الزكاة، وعدوا أيضا من الأوامر والنواهي جملة، فقالوا: هي منسوخة نحو قوله عز وجل: {وقولوا للناس حسنا} الآية [البقرة: 83].
وقوله عز وجل: {ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} الآية [البقرة: 190] وذلك لا يصح
). [جمال القراء: 1/249-271]

أم صفية آل حسن 16 جمادى الآخرة 1434هـ/26-04-2013م 10:04 AM

قول الله تعالى: { ٱلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِٱلْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقْنَٰهُمْ يُنفِقُونَ(3)}

قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (أولها قوله تعالى {وممّا رزقناهم ينفقون} اختلف أهل العلم في ذلك فقال طائفة وهم الأكثرون هي الزّكاة المفروضة وقال مقاتل ابن حيّان وجماعة هذا ما فضل عن الزّكاة نسخته الزّكاة المفروضة وقال أبو جعفر يزيد بن القعقاع نسخت الزّكاة المفروضة كل صدقة في القرآن ونسخ صيام شهر رمضان كل صيام في القرآن ونسخ ذبيحة الأضحى كل ذبح). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية الأولى: قوله تعالى: {وممّا رزقناهم ينفقون}.
اختلف المفسّرون في المراد بهذه النفقة على أربعة أقوال:
أحدها: أنّها النّفقة على الأهل والعيال، قاله ابن مسعود وحذيفة.
والثّاني: الزّكاة المفروضة، قاله ابن عبّاسٍ، وقتادة.
والثّالث: الصّدقات النّوافل، قاله مجاهدٌ والضّحّاك.
والرّابع: أنّ الإشارة بها إلى نفقةٍ كانت واجبةً قبل الزّكاة.
ذكره بعض ناقلي التّفسير، وزعموا: أنّه كان فرضٌ على الإنسان أن يمسك ممّا في يده قدر كفايته (يومه) وليلته ويفرّق باقيه على (الفقراء) ثمّ نسخ ذلك بآية الزّكاة وهذا قولٌ ليس (بصحيحٍ) لأنّ لفظ الآية لا يتضمّن ما ذكروا وإنّما يتضمّن مدح المنفق، والظّاهر، أنّها تشير إلى الزّكاة لأنّها قرنت مع الإيمان بالصّلاة.
وعلى هذا، لا وجه للنّسخ (وإن كانت) تشير إلى الصّدقات النّوافل والحثّ عليها باقٍ، والّذي أرى، ما بها مدحٌ لهم على جميع نفقاتهم في الواجب والنّفل وقد قال أبو جعفرٍ يزيد بن القعقاع: نسخت آية الزّكاة كلّ صدقةٍ
(كانت) قبلها ونسخ صوم رمضان كلّ صومٍ كان قبله والمراد بهذا كلّ صدقةٍ وجبت بوجود المال مرسلاً كهذه الآية.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (الآية الأولى: قوله تعالى {وممّا رزقناهم ينفقون} قال مجاهد هي نفقة النقل وقال آخرون هي الزكاة وتحتمل العموم فالآية محكمة وزعم بعضهم أنها نفقة كانت واجبة قبل الزكاة وزعم أنه كان فرض أن يمسك مما في يده قدر كفاية يومه وليلته ويفرق الباقي على الفقراء ثمّ نسخ ذلك بآية الزّكاة وهو بعيد.). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 14-21]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (سورة البقرة: وقد عد قوم من المنسوخ آيات كثيرة ليس فيها أمر ولا نهي، وإنما هي أخبار، وذلك غلط، نحو قوله عز وجل: {ومما رزقناهم ينفقون} الآية [البقرة: 3] زعموا أنها منسوخة بإيجاب الزكاة، وعدوا أيضا من الأوامر والنواهي جملة، فقالوا: هي منسوخة نحو قوله عز وجل: {وقولوا للناس حسنا} الآية [البقرة: 83].). [جمال القراء: 1/249-271]


روابط ذات صلة:

أم صفية آل حسن 16 جمادى الآخرة 1434هـ/26-04-2013م 10:35 AM

قوله تعالى {إِنَّ ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ وَٱلَّذِينَ هَادُوا۟ وَٱلنَّصَٰرَىٰ وَٱلصَّٰبِـِٔينَ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ وَعَمِلَ صَٰلِحًۭا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ(62)}

قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (فأول ذلك قوله: {إن الذين آمنوا والذين هادوا...} الآية [26 مدنية / البقرة] منسوخة وناسخة قوله تعالى: {ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه} [85 مدنية / آل عمران / 3].) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية الثّانية قوله تعالى {إن الّذين آمنوا والّذين هادوا} والنّاس في ذلكقائلان فقالت طائفة منهم مجاهد والضّحّاك ابن مزاحم هي محكمة وقدرونها ويقرؤونها بالمحذوف المقدر فيكون التّقدير على قولهما إن الّذين آمنوا ومن آمن من الّذين هادوا والنّصارى وقال الأكثرون هي منسوخة وناسخة عندهم {ومن يبتغ غير الصائبين الإسلام دينا فلن يقبل منه}). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {إنّ ٱلّذين آمنوا وٱلّذين هادوا} إلى قوله: {فلا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون} [البقرة: 62]
أكثر العلماء على أنها محكمةٌ، ونزلت في من كان قبل بعث النبي -صلى الله عليه وسلم- منهم.
وروى عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس أنه قال: هي منسوخةٌ بقوله تعالى: {ومن يبتغ غير الإسلام دينًا فلن يقبل منه} [آل عمران: 85] الآية.
والصّواب أن تكون محكمةً؛ لأنها خبرٌ من الله بما يفعل بعباده الّذين كانوا على أديانهم قبل مبعث النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وهذا لا ينسخ. لأنّ الله لا يضيع أجر من أحسن عملاً من الأوّلين والآخرين.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية الثّانية: (قوله) تعالى: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا} الآية..اختلف المفسّرون في معنى هذه الآية على ثلاثة أقوالٍ:
أحدها: أنّ المعنى: إنّ الّذين آمنوا من هذه الأمّة، والّذين هادوا، وهم أتباع موسى، (والنّصارى، وهم) أتباع عيسى، والصابؤون: الخارجون من الكفر إلى الإسلام من آمن، أي: من دام منهم على الإيمان.
والثّاني: إنّ الّذين آمنوا بألسنتهم وهم، المنافقون والّذين هادوا:
وهم اليهود، والنّصارى والصابؤن: وهم كفّارٌ أيضًا،: من آمن أي من دخل في الإيمان بنيّةٍ صادقةٍ.
والثّالث: إنّ المعنى (إنّ الّذين آمنوا) ومن آمن من الّذين هادوا، فيكون قوله: بعد هذا: من آمن راجعًا إلى المذكورين مع الذين آمنوا،
ومعناه: من يؤمن [منهم] وعلى هذه الأقوال الثّلاثة لا وجه لادّعاء نسخ هذه الآية. وقد قيل: إنّها منسوخةٌ بقوله: {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه}.
فأخبرنا المبارك بن عليٍّ (الصّيرفيّ) قال: أخبرنا أحمد بن الحسن بن قريشٍ، قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر البرمكيّ، قال: أخبرنا محمّد بن إسماعيل الورّاق، قال: حدّثنا أبو بكر بن أبي داود، قال: حدّثنا يعقوب بن سفيان قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا والنّصارى والصّابئين} الآية. قال: فأنزل اللّه تعالى بعد هذه الآية {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}.
قلت: فكأنّه أشار بهذا إلى النّسخ وهذا القول لا يصحّ لوجهين:
أحدهما: أنّه إن أشير بقوله: {والّذين هادوا والنّصارى} إلى من كان تابعًا
لنبيّه قبل أن يبعث النّبيّ الآخر فأولئك على الصّواب وإن أشير إلى من كان في زمن نبيّنا صلّى اللّه عليه وسلّم، فإنّ من ضرورة من لم يبدّل دينه ولم يحرّف أن يؤمن بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ويتّبعه.
والثّاني: أنّ هذه الآية خبرٌ والأخبار لا يدخلها النّسخ.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ):(الثانية: {إنّ الّذين آمنوا والّذين هادوا} زعم قوم إنّها منسوخةٌ بقوله {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه} وهذا لا يصح لأنه إن أشير إلى من كان في زمن نبي تابعا لنبيه قبل بعثة نبي آخر فأولئك على الصّواب.
وإن أشير إلى من كان في زمن نبينا فإن من ضرورته أن يؤمن بنبينا عليه السلام ولا وجه للنسخ ويؤكده أنها خبر والخبر لا ينسخ.
). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 14-21]

روابط ذات صلة:

أم صفية آل حسن 16 جمادى الآخرة 1434هـ/26-04-2013م 11:00 AM

قوله تعالى: {بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةًۭ وَأَحَٰطَتْ بِهِۦ خَطِيٓـَٔتُهُۥ فَأُو۟لَٰٓئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ(81) }

قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْن
ُ
الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (
ذكر الآية الثّالثة: قوله تعالى: {بلى من كسب سيّئةً وأحاطت به خطيئته}.جمهور المفسّرين على أنّ المراد بالسّيّئة الشّرك فلا يتوجّه على هذاالقول نسخٌ (أصلا) وقد روى السّدّيّ عن أشياخه: أنّ المراد بالسّيّئة الذّنب من الذّنوب الّتي وعد اللّه تعالى عليها النّار فعلى هذا يتوجّه النّسخ بقوله: {إنّ اللّه لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} على أنّه يجوز أن يحمل ذلك، على من أتى السّيّئة مستحلاً فلا يكون نسخاً.). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (الثالثة: {بلى من كسب سيّئةً} الجمهور على أن المراد بها الشرك فلا يتوجه النسخ وقيل الذنوب دون الشرك فيتوجه بقوله {ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} ويمكن حمله على من أتى السيئة مستحلا فلا نسخ.). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 14-21]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين

أم صفية آل حسن 16 جمادى الآخرة 1434هـ/26-04-2013م 11:43 AM

قوله تعالى {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ (83)}

قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (الآية الثانية: قوله تعالى: {وقولوا للناس...حسنا} الآية [83 /البقرة] منسوخة وناسخة {آية السيف} قوله تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم...} [5 مدنية / التوبة / 9].) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ):
(
قال جلّ وعزّ {وقولوا للنّاس حسنًا} [البقرة: 83]
قال سعيدٌ، عن قتادة،: «نسختها آية السّيف»
وقال عطاءٌ «قولوا للنّاس كلّهم حسنًا»
وقال سفيان: {قولوا للنّاس حسنًا} [البقرة: 83] «مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر»
وهذا أحسن ما قيل فيها لأنّ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر فرضٌ من اللّه جلّ وعزّ كما قال {ولتكن منكم أمّةٌ يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} [آل عمران: 104] فجميع المنكر النّهي عنه فرضٌ، والأمر بالمعروف من الفرائض فرضٌ
وعن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم «لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر ولتأطرنّ عليه أطرًا أو ليعمّنّكم اللّه منه بعذابٍ»
فصحّ أنّ الآية غير منسوخةٍ وأنّ معنى {وقولوا للنّاس حسنًا} [البقرة: 83] ادعوهم إلى اللّه جلّ وعزّ كما قال جلّ ثناؤه {ادع إلى سبيل ربّك بالحكمة والموعظة الحسنة} [النحل: 125]
والبيّن في الآية العاشرة أنّها منسوخةٌ
). [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 1/454-630]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية الثّالثة قوله تعالى {وقولوا للّناس حسناً} و {حسناً} فيها قولان قال عطاء بن أبي رباح وأبو جعفر محمّد بن عليّ بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب هي محكمة واختلفا بعد ما أجمعا على إحكامها فقال محمّد بن عليّ رضي الله عنه {وقولوا للنّاس} أي قولوا لهم إن محمّدًا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وقال عطاء بن أبي رباح وقولوا للنّاس ما تحبون أن يقال لكم
وقال ابن جريج قلت لعطاء إن مجلسك هذا قد يحضره البر والفاجر أفتأمرني أن أغلظ على الفاجر فقال لا ألم تسمع إلى قول الله تعالى {وقولوا للّناس حسناً}وقال جماعة هي منسوخة وناسخها عندهم قوله تعالى {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} الآية
). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {وقولوا للنّاس حسنًا}:من قال: إن معنى الآية: سالموا الناس وقابلوهم بالقول الحسن جعلها منسوخةً بآية السّيف -وهو قول قتادة-.ومن قال معناها: مروهم بالمعروف وانهوهم عن المنكر قال: هي محكمةٌ، إذ لا يصلح نسخ الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر، -وهو قول عطاء-).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية الرّابعة: قوله تعالى: {وقولوا للنّاس حسناً}.
اختلف المفسّرون في المخاطبين بهذا على قولين:
أحدهما: أنّهم اليهود، والتّقدير من سألكم عن شأن محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم فاصدقوه وبيّنوا له صفته ولا تكتموا أمره، قاله ابن عباس، وابن جبير وابن جريج ومقاتل.
والثّاني: أمّة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم. ثمّ اختلف أرباب هذا القول، فقال الحسن: "مروهم بالمعروف، وانهوهم عن المنكر" وقال أبو العالية: "وقولوا للنّاس معروفًا" وقال محمّد بن عليّ بن الحسين: "كلّموهم بما تحبّون أن يقولوا لكم" فعلى هذا الآية محكمة.
وذهب قومٌ إلى أنّ المراد بذلك: مساهلة المشركين في دعائهم إلى الإسلام، فالآية عند هؤلاء منسوخةٌ بآية السّيف وهذا قولٌ بعيدٌ، لأنّ لفظ النّاس عامٌّ فتخصيصه بالكفّار يفتقر إلى دليلٍ ولا دليل ها هنا، ثمّ إنّ (إنذار) الكفّار من الحسنى.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (الرابعة: {وقولوا للنّاس حسناً} قيل الخطاب لليهود فالتقدير من ساءلكم عن بيان محمد فاصدقوه وقيل أي كلموهم بما تحبون أن يقال لكم فعلى هذا الآية محكمة وقيل المراد بذلك مساهلة المشركين في دعائهم إلى الإسلام فالآية عند هؤلاء منسوخةٌ بآية السّيف وفيه بعد لأن لفظ الناس عام فتخصيصه بالكفار يحتاج إلى دليل.). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 14-21]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (سورة البقرة: وقد عد قوم من المنسوخ آيات كثيرة ليس فيها أمر ولا نهي، وإنما هي أخبار، وذلك غلط، نحو قوله عز وجل: {ومما رزقناهم ينفقون} الآية [البقرة: 3] زعموا أنها منسوخة بإيجاب الزكاة، وعدوا أيضا من الأوامر والنواهي جملة، فقالوا: هي منسوخة نحو قوله عز وجل: {وقولوا للناس حسنا} الآية [البقرة: 83].). [جمال القراء: 1/249-271]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين

أم صفية آل حسن 18 جمادى الآخرة 1434هـ/28-04-2013م 10:49 AM

قوله تعالى: { يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تَقُولُوا۟ رَٰعِنَا وَقُولُوا۟ ٱنظُرْنَا وَٱسْمَعُوا۟ ۗ وَلِلْكَٰفِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌۭ(104)}


قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (باب ذكر الآية العاشرةقال جلّ وعزّ {يا أيّها الّذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا} [البقرة: 104]
قرئ على عبد اللّه بن الصّقر بن نصرٍ، عن زياد بن أيّوب، عن هشيمٍ، قال: حدّثنا عبد الملك، عن عطاءٍ، {يا أيّها الّذين آمنوا لا تقولوا راعنا} [البقرة: 104] قال: «كانت لغة الأنصار في الجاهليّة فنزلت هذه الآية»
قال أبو جعفرٍ: فنسخ هذا ما كان مباحًا قوله، وكان السّبب في ذلك أنّ اليهود كانت هذه الكلمة فيهم سبًّا فنسخها اللّه جلّ وعزّ من كلام المسلمين لئلّا تجد اليهود بذلك سببًا إلى سبّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم
قال مجاهدٌ: «راعنا خلافًا.
وهذا ما لا يعرف في اللّغة»
ومعنى راعنا عند العرب فرّغ لنا سمعك وتفهّم عنّا ومنه أرعني سمعك
قال أبو جعفرٍ: ولراعنا موضعٌ آخر تكون من الرّعية وهي الرّقبة، وأمّا قراءة الحسن «راعنًا» بالتّنوين فشاذّةٌ ومحظورٌ على المسلمين أن يقرءوا بالشّواذ أو أن يخرجوا عمّا قامت به الحجّة ممّا أدّته الجماعة
والبيّن في الآية الحادية عشرة أنّه قد نسخ منها
). [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 1/454-630]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {لا تقولوا راعنا}:هذه الآية - عند عطاء - ناسخةٌ لما كان عليه الأنصار في الجاهليّة وبرهةً من الإسلام، كانوا يقولون للنبي -صلى الله عليه وسلم-: راعنا سمعك، أي، فرّغ لنا سمعك لما نقول لك. وكانت هذه الكلمة عند اليهود سبًّا فنسخها الله من كلام المسلمين، ونهى أن تقال لئلاّ يجد اليهود سببًا إلى سبّ النبي -عليه السلام-.وقد كان حقّ هذا ألاّ يذكر في الناسخ لأنه لم ينسخ قرآنًا؛ إنما نسخ ما كانوا عليه. وأكثر القرآن على ذلك. وقد بيّنا هذا.).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية الخامسة: قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا لا تقولوا راعنا}.قال المفسّرون: كانت هذه الكلمة لغةٌ في الأنصار، وهي من راعيت الرّجل إذا تأمّلته وتعرّفت أحواله ومنه قولهم: أرعني (سمعك) وكانت الأنصار تقولها لرسول صلّى اللّه عليه وسلّم وهي بلغة اليهود سبٌّ بالرّعونة وكانوا يقولونها له وينوون بها السّبّ فنهى اللّه سبحانه المؤمنين عن قولها لئلا يقولها اليهود وأمرهم أن يجعلوا مكانها (أنظرنا) وقرأ الحسن والأعمش وابن المحيصن (راعنًا) بالتّنوين فجعلوه مصدرًا، أي: لا تقولوا رعونةً.وقرأ ابن مسعودٍ: (لا تقولوا راعونا) على الأمر بالجماعة كأنّه نهاهم أن يقولوا ذلك فيما بينهم، والنّهي في مخاطبة النّبيّ بذلك أولى، وهذه الآية قد ذكروها في المنسوخ، ولا وجه لذلك بحالٍ، ولولا إيثاري ذكر ما ادّعي عليه النّسخ لم أذكرها. قال أبوجعفر النّحّاس: "هي ناسخةٌ لما كان مباحاً قوله".قلت: وهذا تحريفٌ في القول، لأنّه إذا نهي عن شيءٍ لم تكن الشّريعة أتت به لم يسمّ النّهي نسخًا). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (فأما قول عطاء في قوله عز وجل: {لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا} الآية [البقرة: 104] إنه ناسخ لما كانوا عليه من قولهم في الجاهلية والإسلام: راعنا سمعك: أي فرغه لنا، لما وجد اليهود بهذه الكلمة سبيلا إلى السب؛ لأنها في كلامهم سب، فليس ذلك بصحيح، ولو كان ذلك ناسخا لكان جميع ما أمرهم به من مكارم الأخلاق ومما يستحسن في القول والفعل ناسخا لما كانوا عليه، ولهذه الآية نظائر كثيرة، فكل ما قيل في ذلك بأنه ناسخ لعادة جرت أو شريعة تقدمت فهذه سبيله، فاعلم ذلك.). [جمال القراء: 1/249-271]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين

أم صفية آل حسن 18 جمادى الآخرة 1434هـ/28-04-2013م 11:15 AM

قوله تعالى {وَدَّ كَثِيرٌۭ مِّنْ أَهْلِ ٱلْكِتَٰبِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّنۢ بَعْدِ إِيمَٰنِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًۭا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنۢ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ ٱلْحَقُّ ۖ فَٱعْفُوا۟ وَٱصْفَحُوا۟ حَتَّىٰ يَأْتِىَ ٱللَّهُ بِأَمْرِهِۦٓ ۗ إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍۢ قَدِيرٌۭ(109)}

قال محمد بن كثيرٍ العَبْدي (ت:223هـ)عن همّام بن يحيى البصري قال: (وعن قوله جل وعز: {ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم من بعد إيمانكم كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره} فأمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعفو عنهم ويصفح حتى يأتي الله بأمره ولم يؤمر يومئذ بقتالهم فأنزل الله عز وجل في براءة فأتى الله فيها بأمره وقضائه فقال: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله} إلى {وهم صاغرون} فنسخت هذه الآية ما كان قبلها وأمر فيها بقتال أهل الكتاب حتى يسلموا أو يفدوا بالجزية ). [الناسخ والمنسوخ لقتادة: 1/31-38]
قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (الآية الثالثة: قوله تعالى: {فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره...} الآية [109 / البقرة / 2] منسوخة وناسخها قوله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر...} إلى قوله تعالى: {حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون} [29 مدنية / التوبة / 9]) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30].
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ):
(
باب ذكر الآية الحادية عشرةقال اللّه جلّ وعزّ {ودّ كثيرٌ من أهل الكتاب لو يردّونكم من بعد إيمانكم كفّارًا حسدًا من عند أنفسهم من بعد ما تبيّن لهم الحقّ فاعفوا واصفحوا حتّى يأتي اللّه بأمره إنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ}[البقرة: 109]
حدّثنا أبو جعفر قال: حدّثنا جعفر بن مجاشعٍ، قال: حدّثنا إبراهيم بن إسحاق، قال: حدّثنا حسينٌ، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، {فاعفوا واصفحوا} [البقرة: 109] قال: " هي منسوخةٌ نسختها {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر} [التوبة: 29] "
قال أبو جعفرٍ: وإنّما قلنا: إنّ البيّن أنّ منها منسوخًا وهو {فاعفوا واصفحوا} [البقرة: 109] لأنّ المؤمنين كانوا بمكّة يؤذون ويضربون فيتفلّتون على قتال المشركين فحظر عليهم وأمروا بالعفو والصّفح حتّى يأتي اللّه جلّ وعزّ بأمره فأتى اللّه بأمره ونسخ ذلك والبيّن في الآية الثّانية عشرة أنّها غير منسوخةٍ
). [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 1/454-630]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية الرّابعة قوله تعالى {فاعفوا واصفحوا} نسخ ما فيها من العفو والصفح بقوله تعالى {قاتلوا الّذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر} إلى قوله {وهم صاغرون} وباقي الآية محكم). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {فاعفوا واصفحوا حتّى يأتي الله بأمره}.
هذه الآية - عند السّدّي - منسوخةٌ بالأمر بالقتال في سورة براءة وغيرها، وقد أعلمنا الله في نصّها أنه سيأتي بأمره وينسخها.
وقد قال جماعةٌ: إنها ليست من هذا الباب، ولا نسخ فيها، لأنّ الله عزّ وجلّ قد جعل للعفو والصّفح أجلاً بقوله: {حتّى يأتي الله بأمره}. فهو فرضٌ أعلمنا الله أنه سينقلنا عنه في وقتٍ آخر. والمنسوخ لا يكون محدودًا بوقتٍ، إنما يكون مطلقًا.
قال أبو محمد: والقول بأنها منسوخةٌ أبين لأنّ الوقت الّذي تعلّق به الأمر بالعفو والصّفح غير معلوم حدّه وأمده.
ولو حدّ الوقت وبيّنه فقال: إلى وقت كذا لكان كون الآية غير منسوخة أبين.
وكلا القولين حسنٌ - إن شاء الله -.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية السّادسة: قوله تعالى: {فاعفوا واصفحوا حتّى يأتي اللّه بأمره}.قال المفسّرون: أمر اللّه بالعفو والصّفح عن أهل الكتاب قبل أن يؤمر بقتالهم، ثمّ نسخ العفو والصّفح بقوله: {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه} الآية، هذا مرويٌّ عن ابن مسعودٍ، وابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما وغيرهما.
أخبرنا أبوبكر بن حبيب الله العامريّ قال: أخبرنا عليّ بن الفضل، قال: أخبرنا عبد الصّمد، قال: أخبرنا (ابن) حمّوية، قال: أخبرنا إبراهيم بن خريم، قال: بنا عبد الحميد، قال: بنا مسلم بن إبراهيم، وأخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أخبرنا أبو الفضل البقّال، قال أبنا ابن بشران قال أخبرنا إسحاق الكاذيّ، قال حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، قال حدّثني أبي، قال حدثنا عبد الصمد، كلاهما عن همّام بن يحيى عن قتادة قال: أمر اللّه نبيّه أن يعفو عنهم ويصفح، حتّى يأتي اللّه بأمره، فأنزل في براءةٍ {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر} [الآية] فنسخها بهذه الآية، وأمره فيها بقتال أهل الكتاب حتّى يسلموا،] أو يقرّوا [ بالجزية.
قال أحمد: وحدّثنا عبد الرّزّاق، قال: حدّثنا معمرٌ عن قتادة {فاعفوا واصفحوا} نسختها {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}. أخبرنا ابن ناصرٍ، قال: أخبرنا عليّ بن أيّوب قال: أخبرنا ابن شاذان، قال: أخبرنا أبو بكرٍ النّجّاد، قال: أخبرنا أبو داود السجستاني، قال: بنا أحمد ابن محمّدٍ المروزيّ، قال أخبرنا آدم بن أبي إياسٍ، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع بن أنسٍ عن أبي العالية {فاعفوا واصفحوا} قال: نسخ بقوله: {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر} الآية.
فصلٌ: واعلم أنّ تحقيق الكلام دون التّحريف فيه أن يقال: إنّ هذه الآية ليست بمنسوخةٍ، لأنّه لم يأمر بالعفو مطلقًا، وإنّما أمر به إلى غايةٍ وبيّن الغاية بقوله: {حتّى يأتي اللّه بأمره} وما بعد الغاية يكون حكمه مخالفًا لما قبلها، وما هذا سبيله لا يكون أحدهما ناسخًا للآخر، بل يكون الأوّل قد انقضت مدته بغايته والآخر محتاجاً إلى حكمٍ آخر، وقد ذهب إلى ما قلته جماعةٌ من فقهاء المفسّرين وهو الصّحيح وهذا إذا قلنا: إنّ المراد العفو عن قتالهم (وقد قال) الحسن: هذا فيما بينكم وبينهم دون ترك حقّ اللّه تعالى حتّى يأتي اللّه بالقيامة.
وقال غيره: بالعقوبة، فعلى هذا يكون الأمر بالعفو محكمًا لا منسوخاً.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (الخامسة: {فاعفوا واصفحوا حتّى يأتي اللّه بأمره} زعم قومأنّها منسوخةٌ بآية السّيف وليس بصحيحٍ لأنّه لم يأمر بالعفو مطلقا بل إلى غاية ومثل هذا لا يدخل في المنسوخ.). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 14-21]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (سورة البقرة: وقد عد قوم من المنسوخ آيات كثيرة ليس فيها أمر ولا نهي، وإنما هي أخبار، وذلك غلط، نحو قوله عز وجل: {ومما رزقناهم ينفقون} الآية [البقرة: 3] زعموا أنها منسوخة بإيجاب الزكاة، وعدوا أيضا من الأوامر والنواهي جملة، فقالوا: هي منسوخة نحو قوله عز وجل: {وقولوا للناس حسنا} الآية [البقرة: 83].وقوله عز وجل: {ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} الآية [البقرة: 190] وذلك لا يصح ومتى كان للخطاب طريق في الحكم بأنه محكم كان أولى من حمله على أنه منسوخ، نحو قوله عز وجل: {فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره} الآية [البقرة: 109] فحمل هذا على أنه محكم أولى.). [جمال القراء: 1/249-271]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين

أم صفية آل حسن 18 جمادى الآخرة 1434هـ/28-04-2013م 12:04 PM

قوله تعالى {وَلِلَّهِ ٱلْمَشْرِقُ وَٱلْمَغْرِبُ ۚ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا۟ فَثَمَّ وَجْهُ ٱللَّهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ وَٰسِعٌ عَلِيمٌۭ(115)}

قال الوليد بن محمد الموقّري الأموي (ت:182هـ): حدثني محمد بن مسلم بن عبد الله بن شِهَاب الزهري(124هـ) قال: (أول ما نسخ من القرآن من سورة البقرة القبلة. كانت نحو بيت المقدس، تحولت نحو الكعبة، فقال الله عز وجل: {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسعٌ عليمٌ}. نسخ بقوله تعالى: {قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلةً ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام}.). [الناسخ والمنسوخ للزهري: 18-22]
قال محمد بن كثيرٍ العَبْدي (ت:223هـ) عن همّام بن يحيى البصري قال: (سمعت قتادة يقول في قول الله عز وجل: {فأينما تولوا فثم وجه الله} قال كانوا يصلون نحو بيت المقدس ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة وبعدما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا ثم وجهه الله تعالى نحو الكعبة البيت الحرام
وقال في آية أخرى: {فلنولينك قبلة ترضها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} أي تلقاءه ونسخت هذه ما كان قبلها من أمر القبلة
). [الناسخ والمنسوخ لقتادة: 1/31-38]
قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): ( الآية الرابعة: قوله تعالى: {ولله الشرق والمغرب...} [115مدنية / البقرة / 2] هذا محكم والمنسوخ منها قوله: {فأينما تولوا فثم وجه الله} الآية [115 / البقرة] منسوخة وناسخة قوله تعالى: {وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} [144 مدنية / البقرة / 2].) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (باب ذكر الآية الثّانية من هذه السّورةقال اللّه جلّ وعزّ {وللّه المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه إنّ اللّه واسعٌ عليمٌ} [البقرة: 115] فللعلماء في هذه الآية ستّة أقوالٍ:
قال قتادة: «هي منسوخةٌ»، وذهب إلى أنّ المعنى صلّوا كيف شئتم فإنّ المشرق والمغرب للّه فحيث استقبلتم فثمّ وجه اللّه جلّ وعزّ لا يخلو منه مكانٌ كما قال جلّ وعزّ {ما يكون من نجوى ثلاثةٍ إلّا هو رابعهم}[المجادلة: 7] الآية
وقال ابن زيدٍ: «كانوا أبيحوا أن يصلّوا إلى أيّ قبلةٍ شاءوا؛ لأنّ المشارق والمغارب للّه جلّ وعزّ» فأنزل اللّه جلّ وعزّ {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} [البقرة: 115] فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ((هؤلاء يهود قد استقبلوا بيتًا من بيوت اللّه تبارك وتعالى)) يعني بيت المقدس فصلّوا إليه فصلّى رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه إليه بضعة عشر شهرًا فقالت اليهود: ما اهتدى لقبلته حتّى هديناه فكره النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قولهم ورفع طرفه إلى السّماء فأنزل اللّه عزّ وجلّ {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء} [البقرة: 144]
قال أبو جعفرٍ: فهذا قولٌ
وقال مجاهدٌ، والضّحّاك في قوله جلّ وعزّ {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} [البقرة: 115] معناه أينما تولّوا من مشرقٍ أو مغربٍ فثمّ وجه اللّه الّتي أمر بها وهي استقبال الكعبة فجعلوا الآية
ناسخةً، وجعل قتادة، وابن زيدٍ الآية منسوخةً
وقال إبراهيم النّخعيّ: " من صلّى في سفرٍ في مطرٍ وظلمةٍ شديدةٍ إلى غير القبلة ولم يعلم فلا إعادة عليه {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} [البقرة: 115]
" والقول الرّابع أنّ قومًا قالوا: لمّا صلّى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم على النّجاشيّ صلّى عليه وكان يصلّي إلى غير قبلتنا فأنزل اللّه جلّ وعزّ {وللّه المشرق والمغرب} [البقرة: 115]
والقول الخامس أنّ المعنى ادعوا كيف شئتم مستقبلي القبلة وغير مستقبليها فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه يستجب لكم
والقول السّادس من أجلّها قولًا وهو أنّ المصلّي في السّفر على راحلته النّوافل جائزٌ له أن يصلّي إلى القبلة وإلى غير القبلة
قال أبو جعفرٍ: وهذا القول عليه فقهاء الأمصار ويدلّك على صحّته أنّه:
قرئ على أحمد بن شعيبٍ، عن محمّد بن المثنّى، وعمرو بن عليٍّ، عن يحيى بن سعيدٍ، عن عبد الملك، قال: حدّثنا سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عمر، " أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم كان يصلّي وهو مقبلٌ من مكّة إلى المدينة على دابّته وفي ذلك أنزل اللّه {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} [البقرة: 115]
" قال وأخبرنا قتيبة، عن مالكٍ، عن عبد اللّه بن دينارٍ، عن ابن عمر، «أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم كان يصلّي على راحلته حيثما توجّهت به»
قال أبو جعفرٍ: والصّواب أن يقال: ليست الآية ناسخةً ولا منسوخةً لأنّ العلماء قد تنازعوا القول فيها وهي محتملةٌ لغير النّسخ وما كان محتملًا لغير النّسخ لم يقل فيه ناسخٌ ولا منسوخٌ إلّا بحجّةٍ يجب التّسليم لها فأمّا ما كان يحتمل المجمل والمفسّر والعموم والخصوص فعن النّسخ بمعزلٍ ولا سيّما مع هذا الاختلاف
وقد اختلفوا أيضًا في الآية الثّالثة
). [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 1/454-630]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية الخامسة قوله تعالى {وللّه المشرق والمغرب} هذا محكم والمنسوخ منها قوله تعالى {فأينما تولّوا فثمّ وجه الله} وذلك أن طائفة أرسلهم النّبي (صلى الله عليه وسلم)
في سفر فعميت عليهم القبلة فصلوا إلى غير جهتها فلمّا تبينوا ذلك رجعوا إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فأخبروه فنزلت هذه الآية {وللّه المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثم وجه الله}

وقال قتادة والضّحّاك وجماعة لما قدم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) المدينة صلى نحو بيت المقدّس سبعة عشر شهرا ثمّ حول إلى الكعبة وهذا قول الأكثرين من أهل التّاريخ منهم معقل بن يسار والبراء بن عازب وقال قتادة ثمانية عشر شهرا وفيها رواية أخرى عن إبراهيم الحربيّ قال فيها ثلاثة عشر شهرا وقال آخرون قالت اليهود بعد تحويل القبلة لا يخلو محمّد منأمرين إمّا أن يكون كان على حق فقد رجع عنه وإمّا أن يكون على باطل فما كان ينبغي له أن يقيم عليه فأنزل الله تعالى {وللّه المشرق والمغرب} الآية ثمّ نسخت بقوله {وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره}
واختلف أهل العلم في أي صلاة وفي أي وقت فقال الأكثرون حولت القبلة في يوم الإثنين النّصف من رجب على رأس سبعة عشر شهرا من مقدّمة المدينة في وقت الظّهر وقال قتادة حولت يوم الثّلاثاء النّصف من شعبان على رأس ثمانية عشر شهرا من مقدّمة المدينة وكان النّبي (صلى الله عليه وسلم) إذا قام إلى الصّلاة يحول وجهه ويرنو نحو السّماء بطرفه ويقول يا جبريل إلى متى أصلّي إلى قبلة اليهود فقال جبريل إنّما أنا عبد مأمور فسل ربك قال فبينما هو على ذلك إذ نزل عليه جبريل عليه السّلام فقال اقرأ يا محمّد / قد نرى تقلب ذلك وجهك في السماء / تنتظر الأمر فحذف هذا من الكلام لعلم السّامع به ونزل {فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} أي نحوه وتلقاءه والشطر فيكلام العرب النّصف وهذه ههنا لغة الأنصار فصارت ناسخة لقوله {فأينما تولّوا فثمّ وجه الله}
وفي رواية أخرى رواه إبراهيم الحربي قال حولت القبلة في جمادي الآخرة
). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {فأينما تولّوا فثمّ وجه الله}ظاهر هذا يدلّ على جواز الصّلاة إلى كلّ جهةٍ من شرقٍ وغربٍ وغيره.
وهو منسوخٌ - عند مالك وأصحابه - بقوله: {فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} [البقرة: 144، 149، 150] فيكون هذا مما نسخ قبل العمل به؛ لأنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه صلّوا في سفرٍ ولا حضرٍ فريضةً إلى حيثما توجّهوا. ونسخها بقوله: {فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} وهو أيضًا قول قتادة، وابن زيد، وهو مرويٌّ عن ابن عباس والحسن.
وللعلماء في هذه الآية خمسة أقوال غير القول الذي ذكرنا:
الأول: قول مجاهد والضحاك: قالا: هي ناسخةٌ للصّلاة إلى بيت
المقدس لأن اليهود أنكروا رجوع النبي صلى الله عليه وسلم إلى الكعبة وترك بيت المقدس، وقالوا: {ما ولاّهم عن قبلتهم التي كانوا عليها}؟ [البقرة: 142] فأنزل الله: {قل للّه المشرق والمغرب} وأنزل تعالى: {فأينما تولّوا فثمّ وجه الله} [البقرة: 115] أي: فثمّ جهة الله التي أمر بها.
وقيل: الذين أنكروا ذلك هم العرب الكفار، وهم السّفهاء.
الثاني: قول النخعي: قال: هي مخصوصةٌ محكمةٌ نزلت فيمن جهل القبلة له أن يصلّي أينما توجّه ولا إعادة عليه. وعليه الإعادة عند مالك وأصحابه في الوقت. وهو خارجٌ عن الأصول.
الثالث: قاله بعض أهل المعاني: قالوا هي محكمةٌ مخصوصةٌ في صلاة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- على النجاشي حين صلّى عليه، واستقبل جهته إلى غير قبلة، فهي خصوصٌ للنبي -عليه السلام-.
الرابع: قاله بعض أهل المعاني، قالوا: الآية مخصوصةٌ في الدّعاء، ومعناها: ادعوا كيف شئتم مستقبلين القبلة وغير مستقبلين، الله يسمع ذلك كلّه.
الخامس: قيل إنها مخصوصةٌ في صلاة المسافر للنوافل على راحلته، يصلّي أينما توجّهت به راحلته، وهو جارٍ على مذهب مالك وأصحابه.
قوله تعالى: {إنّ الّذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى من بعد ما بيّناه للنّاس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاّعنون}
ذكر ابن حبيبٍ أنه منسوخٌ بقوله: {إلاّ الّذين تابوا} [البقرة: 160].
وهذا غلطٌ ظاهرٌ، ليس هو من الناسخ والمنسوخ؛ إنما هو استثناءٌ -استثنى الله جلّ ذكره- في التائبين من الموصوفين قبله.
ولا يحسن أن يقال في الاستثناء إنه نسخٌ؛ لأنّ الاستثناء لا يكون إلاّ بحرفٍ يدلّ على معنى استثناء كذا ولا يكون الاستثناء إلا لبيان الأعيان.
والنّسخ إنّما هو لبيان الأزمان التي انتهى إليها الفرض الأوّل، وابتدأ منها الفرض الثاني. وقد بيّنا هذا فيما تقدّم.
وكذلك ذكر ابن حبيب آياتٍ كثيرةً من الاستثناء أدخلها في الناسخ والمنسوخ. وهو وهمٌ ظاهر.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية السّابعة: قوله تعالى: {وللّه المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه}.
اختلف المفسّرون في المراد بهذه الآية على ثمانية أقوال:
أحدها: أنّها نزلت في اشتباه القبلة. أخبرنا أبو بكر بن حبيبٍ قال: أخبرنا عليّ بن الفضل، قال: أخبرنا محمّد بن عبد الصّمد، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد، قال: أخبرنا إبراهيم بن خريم قال: حدّثنا عبد الحميد، قال أخبرنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا أشعث بن سعيدٍ قال: حدّثنا
عاصم بن عبيد اللّه، عن عبد الله بنا (عامر) بن ربيعة عن أبيه قال: كنّا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في غزاةٍ في ليلةٍ سوداء مظلمةٍ فلم نعرف القبلة فذكرنا ذلك لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فأنزل اللّه {وللّه المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه إنّ اللّه واسعٌ عليمٌ}.
وروى جابر بن عبد اللّه قال: بعث رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سريّةً كنت فيها فأصابتنا ظلمةٌ فلم نعرف القبلة، فقالت طائفةٌ: القبلة هاهنا فصلّوا وخطّوا خطًّا، وقال بعضهم هاهنا فصلّوا وخطّوا خطًّا، فلمّا أصبحنا أصبحت تلك الخطوط لغير القبلة، فلمّا قفلنا من سفرنا سألنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن ذلك فسكتّ، فأنزل اللّه تعالى: {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه}.
قلت: وهذا الحكم باقٍ عندنا وإنّ من اشتبهت عليه القبلة فصلّى بالاجتهاد فصلاته صحيحةٌ مجزيةٌ وهو قول سعيد بن المسيّب ومجاهد و[عطاء] والشّعبيّ، والنّخعيّ وأبي حنيفة، وللشّافعيّ قولان:
أحدهما: كمذهبنا.
والثّاني:يجب الإعادة، وقال الحسن، والزّهريّ،
وربيعة يعيد في الوقت، فإذا فات الوقت لم يعد، وهو قول مالكٍ.
القول الثّاني: إنّ المراد بالآية صلاة التّطوّع.
أخبرنا أبو بكر بن حبيب، قال: بنا عليّ بن الفضل، قال: أخبرنا ابن عبد الصّمد، قال: أخبرنا عبد اللّه بن أحمد بن حموية قال: أبنا إبراهيم
ابن خريم، قال: حدّثنا عبد الحميد، قال: أخبرنا يزيد بن هارون قال: أخبرنا عبد الملك بن أبي سليمان، قال: سمعت سعيد بن جبيرٍ يحدّث عن ابن عمر قال: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي على راحلته تطوّعًا أينما توجّهت به، وهو جاءٍ من مكّة إلى المدينة ثمّ قرأ ابن عمر {وللّه المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} فقال ابن عمر رضي اللّه عنه: في هذا أنزلت الآية.
القول الثّالث: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا صلّى على النّجاشيّ، قال أصحاب رسوله اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كيف نصلّي على رجلٍ مات وهو يصلّي على غير قبلتنا؟ وكان يصلّي إلى بيت المقدس حتّى مات
وقد صرفت القبلة إلى الكعبة فنزلت هذه الآية رواه عطاءٌ عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما.
القول الرّابع: أنّ المراد بالآية: أينما كنتم من شرقٍ أو غربٍ فاستقبلوا الكعبة، قاله مجاهدٌ.
القول الخامس: أنّ اليهود لمّا تكلّموا] حين [ صرفت القبلة إلى الكعبة نزلت هذه الآية، ومعناها: لا تلتفتنّ إلى اعتراض اليهود بالجهل وإنّ المشرق والمغرب للّه يتعبّدكم بالصّلاة إلى مكانٍ ثمّ يصرفكم عنه كما يشاء. ذكره أبو بكر بن الأنباريّ، وقد روى معناه عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما.
والقول السّادس: أنّه ليس المراد بالصّلاة وحدها وإنّما معنى الآية من أيّ وجهٍ قصدتم اللّه، وعلى أيّ حالٍ عبدتموه علم ذلك وأثابكم عليه.
والعرب تجعل الوجه بمعنى القصد، قال الشّاعر:

أستغفر اللّه ذنبًا لست محصيه..=. ربّ العباد إليه الوجه والعمل

معناه: إليه القصد والتّقدّم. ذكره محمّد بن القاسم أيضًا.
والقول السّابع: أنّ معنى الآية أينما كنتم [من] الأرض فعلم اللّه بكم محيطٌ لا يخفى عليه شيءٌ من أعمالكم ذكره ابن القاسم أيضًا وعلى هذه الأقوال الآية محكمةٌ.
القول الثّامن: ذكر أربابه أنّها منسوخةٌ، فروى عكرمة عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما قال: أوّل ما نسخ من القرآن شأن القبلة، قوله
تعالى: {وللّه المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} فاستقبل رسول اللّه صلّى اللّه
عليه وسلّم بصلاته صخرة بيت المقدس (فصلّى) إليها، وكانت قبلة اليهود، ليؤمنوا به وليتبعوه وليدعوا بذلك الأمّيّين من العرب فنسخ ذلك {ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره}.
أخبرنا] إسماعيل [ بن أحمد السّمرقنديّ قال: أبنا أبو الفضل عمر بن عبيد اللّه البقّال قال أبنا أبو الحسين عليّ بن محمّد بن بشران، قال: أبنا أبو الحسين إسحاق ابن أحمد الكاذي، قال: بنا عبد اللّه بن حنبلٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثني حجّاج بن محمد، قال: أنبا بن جريجٍ عن عطاءٍ الخراسانيّ عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما قال: أوّل ما نسخ من القرآن - فيما ذكر لنا واللّه أعلم - شأن القبلة، قال: {وللّه المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} فاستقبل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فصلّى نحو بيت المقدس، وترك البيت العتيق ثمّ صرفه اللّه إلى البيت العتيق فقال: {سيقول السّفهاء من النّاس ما ولاهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها} يعنون بيت المقدس، فنسخها وصرف إلى البيت العتيق فقال: {ومن حيث خرجت فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره}.
قال أحمد بن حنبلٍ: وحدّثنا عبد الوهّاب بن عطاءٍ، أخبرنا سعيد ابن أبي عروبة عن قتادة {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} قال: كانوا يصلّون نحو بيت المقدس ونبيّ اللّه بمكّة وبعدما هاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نحو بيت المقدس ستّة عشر شهرًا ثمّ وجهه اللّه تعالى بعد ذلك نحو الكعبة البيت الحرام، قال أحمد، وبنا عبد الصّمد بن عبد الوارث، قال: بنا همام قال، بنا قتادة {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} قال: وكانوا يصلّون نحو بيت المقدس ثمّ وجّهه اللّه نحو الكعبة
وقال عز وجل: {فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولّوا وجوهكم شطره} فنسخت هذه الآية ما كان قبلها من قبلةٍ. أخبرنا
محمّد بن عبد اللّه العامريّ، قال: أبنا عليّ بن الفضل، قال: أبنا محمّد بن عبد الصّمد، قال: أبنا عبد اللّه بن أحمد، قال: أبنا إبراهيم بن خريم، قال: بنا عبد الحميد، قال: بنا يونس، عن شيبان عن قتادة {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} قال: نسخ هذا بعد ذلك، فقال الله عز وجل {فولّ وجهك شطر المسجد الحرام}.
قلت: وهذا قول أبي العالية والسدي.
فصلٌ: واعلم: أنّ قوله تعالى: {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} ليس فيه أمرٌ بالتّوجّه إلى بيت المقدس ولا إلى غيره بل هو دالٌّ على أنّ الجهات كلّها سواءٌ في جواز التّوجّه إليها.
فأمّا التّوجّه إلى بيت المقدس فاختلف العلماء، هل كان برأي النّبيّ، صلّى اللّه عليه وسلم واجتهاده، أوكان عن وحيٍ؟ فروي عن ابن عبّاسٍ وابن جريجٍ أنّه كان عن أمر اللّه تعالى لقوله عز وجل: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتّبع الرّسول}.
وأخبرنا المبارك بن عليٍّ، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريشٍ، قال: أبنا إبراهيم بن عمر البرمكيّ، قال: حدّثنا محمّد بن إسماعيل بن العبّاس، قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود، قال: أبنا محمّد بن الحسين قال بنا كثير بن يحيى
قال: بنا أبي، قال: بنا أبو بكرٍ الهدبيّ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما قال: قالت اليهود إنّ محمّدًا مخالفٌ لنا في كلّ شيءٍ فلو تابعنا على قبلتنا، أو على شيء لتابعناه، فظنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ هذا منهم جدٌّ، وعلم اللّه منهم الكذب، وأنّهم لا يفعلون فأراد اللّه أن يبيّن ذلك لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلم.
فقال: إذا قدمت المدينة فصلّ قبل بيت المقدس، ففعل ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالت اليهود: قد تابعنا على قبلتنا ويوشك أن يتابعنا على ديننا، فأنزل الله عز وجل {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه} فقد علمنا أنهم لا يفعلون، ولكن أردنا أن نبيّن ذلك لك.
وقال الحسن وعكرمة وأبو العالية، والرّبيع بل كان برأيه واجتهاده وقال قتادة: كان النّاس يتوجهون إلى أي جهة شاؤوا، بقوله تعالى: {وللّه المشرق والمغرب} ثمّ أمرهم النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم باستقبال بيت المقدس وقال ابن زيدٍ: "كانوا ينحون أن يصلوا إلى أي قبلة" شاؤوا، لأنّ
المشارق والمغارب للّه، وأنزل اللّه تعالى: {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "هؤلاء يهودٌ قد استقبلوا بيتًا من بيوت اللّه - يعني بيت المقدس- فصلّوا إليه" فصلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه بضعة عشر شهرًا، فقالت اليهود: ما اهتدى لقبلته حتّى هديناه، فكره النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قولهم ورفع طرفه إلى السّماء فأنزل اللّه تعالى: {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء}.
أخبرنا المبارك بن عليٍّ، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريش، قال: أبنا أبو إسحق البرمكيّ، قال: أبنا محمّد بن إسماعيل الوراق، قال: بنا أبو بكر بن أبي داود، قال: بنا محمد بن أيوب قال: بنا أحمد بن عبد الرّحمن، قال بنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه عن الرّبيع، قال: حدّثني أبو العالية: أنّ نبيّ اللّه خيّر بين أن يوجّه حيث يشاء، فاختار بيت المقدس، لكي يتألّف أهل الكتاب ثمّ وجّهه اللّه إلى البيت [الحرام].
واختلف العلماء في سبب اختياره بيت المقدس على قولين:
أحدهما: أنّ العرب لمّا كانت تحجّ ولم تألف بيت المقدس، أحبّ اللّه امتحانهم بغير ما ألفوه ليظهر من يتّبع الرّسول ممّن لا يتّبعه، كما قال تعالى: {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلاّ لنعلم من يتّبع الرّسول ممّن ينقلب على عقبيه} وهذا قول الزّجّاج.
والثّاني: أنّه (اختاره) ليتألّف أهل الكتاب، قاله: أبو جعفر ابن جرير الطبري.
قلت: فإذا ثبت أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم اختار بيت المقدس فقد وجب استقباله بالسّنّة، ثمّ نسخ ذلك بالقرآن.
والتّحقيق في هذه الآية أنّها أخبرت أنّ الإنسان أين تولّى بوجهه فثمّ وجه اللّه، فيحتاج مدعّي نسخها أن يقول: فيها إضمارٌ. تقديره: {فولّوا وجوهكم} في الصّلاة أين شئتم ثمّ نسخ ذلك المقدّر، وفي هذا بعد، والصحيح إحكامها.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (السادسة: {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} ذهب بعضهم إلى أن هذه الآية اقتضت جواز التوجه إلى جميع الجهات فاستقبل رسول الله بيت المقدس ليتألف أهل الكتاب ثم نسخت بقوله {فولّ وجهك شطر المسجد الحرام} فإنما يصح القول بنسخها إذا قدر فيها إضمار تقديره فولوا وجوهكم في الصلاة أنى شئتم ثم ينسخ ذلك القدر. والصحيح أنها محكمة لأنها أخبرت أن الإنسان أين تولى فثم وجه الله ثم ابتدأ الأمر بالتوجه إلى الكعبة لا على وجه النسخ.). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 14-21]


روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين

أم صفية آل حسن 18 جمادى الآخرة 1434هـ/28-04-2013م 03:15 PM

قوله تعالى { قُلْ أَتُحَآجُّونَنَا فِى ٱللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَآ أَعْمَٰلُنَا وَلَكُمْ أَعْمَٰلُكُمْ وَنَحْنُ لَهُۥ مُخْلِصُونَ(139)}

قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية السّادسة قوله تعالى {ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم} نسخ هذا بآية السّيف على قول الجماعة). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية الثّامنة: قوله تعالى: {ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم}.
قد ذهب بعض المفسّرين إلى أنّ هذا الكلام اقتضى نوع مساهلةٍ للكفّار ثمّ نسخ بآية السّيف، ولا أرى هذا القول صحيحاً، لأربعة أوجه:
أحدها: أنّ معنى الآية: أتخاصموننا في دين اللّه وكانوا يقولون: نحن أولى باللّه منكم، لأنّنا أبناء اللّه وأحبّاؤه ومنّا كانت الأنبياء وهو ربّنا وربّكم أي: نحن كلّنا في حكم العبوديّة سواءٌ فكيف يكونون أحقّ به؟ {ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم} أي (لا اختصاص لأحدٍ به) إلا من جهة
الطّاعة والعمل، وإنّما يجازى كلٌّ منّا بعمله. ولا تنفع الدّعاوى وعلى هذا البيان لا وجه للنّسخ.
والثّاني: أنّه خبرٌ خارجٌ مخرج الوعيد والتّهديد.
والثّالث: أنّا قد علمنا أعمال أهل الكتاب وعليها أقررناهم.
والرّابع: أنّ المنسوخ ما لا يبقى له حكمٌ، وحكم هذا الكلام لا يتغيّر فإنّ كلّ عاملٍ له (جزاء) عمله فلو ورد الأمر بقتالهم لم يبطل تعلق أعمالهم بهم.
.). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (السابعة: {ولنا أعمالنا ولكم أعمالكم} قال بعضهم هذا يقتضي نوع مساهلة الكفار ثم نسخ بآية السيف وهو بعيد لأن من شرطها التنافي ولا تنافي وأيضا فإنه خبر.). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 14-21]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين

أم صفية آل حسن 18 جمادى الآخرة 1434هـ/28-04-2013م 03:17 PM

قوله تعالى { قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِى ٱلسَّمَآءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةًۭ تَرْضَىٰهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا۟ وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُۥ ۗ وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوا۟ ٱلْكِتَٰبَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۗ وَمَا ٱللَّهُ بِغَٰفِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ(144)}

قال محمد بن كثيرٍ العَبْدي (ت:223هـ)
عن همّام بن يحيى البصري قال
: (سمعت قتادة يقول في قول الله عز وجل: {فأينما تولوا فثم وجه الله} قال كانوا يصلون نحو بيت المقدس ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة وبعدما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى نحو بيت المقدس ستة عشر شهرا ثم وجهه الله تعالى نحو الكعبة البيت الحرام
وقال في آية أخرى: {فلنولينك قبلة ترضها فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} أي تلقاءه ونسخت هذه ما كان قبلها من أمر القبلة
). [الناسخ والمنسوخ لقتادة: 1/31-38]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (قال أبو جعفرٍ: حدّثنا بكر بن سهلٍ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قال: " فكان أوّل ما نسخ اللّه جلّ وعزّ من القرآن القبلة وذلك أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم لمّا هاجر إلى المدينة وكان أكثر أهلها اليهود أمره اللّه جلّ وعزّ أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود بذلك فاستقبلها رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بضعة عشر شهرًا فكان رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يحبّ قبلة إبراهيم صلّى الله عليه وسلّم فكان يدعو اللّه جلّ وعزّ وينظر إلى السّماء فأنزل اللّه جلّ وعزّ {قد نرى تقلّب وجهك في السّماء} [البقرة: 144] إلى قوله جلّ وعزّ {فولّوا وجوهكم شطره} [البقرة: 144] يعني نحوه فارتاب من ذلك اليهود وقالوا: {ما ولّاهم عن قبلتهم الّتي كانوا عليها} [البقرة: 142] فأنزل اللّه جلّ وعزّ {قل للّه المشرق والمغرب} [البقرة: 142] وقال {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} [البقرة: 115] وقال اللّه جلّ وعزّ {وما جعلنا القبلة الّتي كنت عليها إلّا لنعلم من يتّبع الرّسول
ممّن ينقلب على عقبيه} [البقرة: 143] " قال ابن عبّاسٍ: ليتميّز أهل اليقين من أهل الشّكّ والرّيبة
" قال أبو جعفرٍ: فهذا يسهل في حفظ نسخ هذه الآية ونذكر ما فيها من الإطالة كما شرطنا
فمن ذلك ما قرئ على أحمد بن عمرٍو، عن محمّد بن المثنّى قال: حدّثنا يحيى بن حمّادٍ قال: حدّثنا أبو عوانة قال: حدّثنا الأعمش، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: «صلّى رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بمكّة إلى بيت المقدس والكعبة بين يديه وبعدما هاجر ستّة عشر شهرًا»
قال أبو جعفرٍ: وحدّثنا جعفر بن مجاشعٍ، قال: حدّثنا إبراهيم بن إسحاق، قال: حدّثنا ابن نميرٍ، قال: حدّثنا يحيى بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أبو عوانة، عن الأعمش، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: «صلّى النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بمكّة نحو بيت المقدس والكعبة بين يديه وبعدما هاجر إلى المدينة ستّة عشر شهرًا ثمّ صرف إلى الكعبة»
قال أبو جعفرٍ: وفي حديث البراء «صلّى ستّة عشر أو سبعة عشر شهرًا»
وروى الزّهريّ، عن عبد الرّحمن بن عبد اللّه بن كعب بن مالكٍ، قال: «صرف رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم إلى الكعبة في جمادى» وقال ابن إسحاق: «في رجبٍ» وقال الواقديّ: «في النّصف من شعبان» قال أبو جعفرٍ: وأولاها بالصّواب القول الأوّل؛ لأنّ الّذي قال به أجلّ، ولأنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قدم المدينة في شهر ربيعٍ الأوّل فإذا صرف في آخر جمادى الآخرة إلى الكعبة صار ذلك ستّة عشر شهرًا كما قال ابن عبّاسٍ وأيضًا فإذا صلّى إلى الكعبة في جمادى فقد صلّى إليها فيما بعدها فعلى قول ابن عبّاسٍ إنّ اللّه جلّ وعزّ كان أمره بالصّلاة إلى بيت المقدس ثمّ نسخه.
وقال غيره: بل نسخ فعله ولم يكن أمره بالصّلاة إلى بيت المقدس ولكنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يتبع آثار الأنبياء قبله حتّى يؤمر بنسخ ذلك
وقال قومٌ: بل نسخ اللّه جلّ وعزّ قوله {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} [البقرة: 115] بالأمر بالصّلاة إلى الكعبة
قال أبو جعفرٍ: وأولى الأقوال بالصّواب الأوّل وهو صحيحٌ عن ابن عبّاسٍ والّذي يطعن في إسناده يقول: ابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عبّاسٍ وإنّما أخذ التّفسير عن مجاهدٍ وعكرمة
وهذا القول لا يوجب طعنًا؛ لأنّه أخذه عن رجلين ثقتين وهو في نفسه ثقةٌ صدوقٌ
وحدّثني أحمد بن محمّدٍ الأزديّ، قال: سمعت عليّ بن الحسين، يقول: سمعت الحسين بن عبد الرّحمن بن فهمٍ، يقول: سمعت أحمد بن حنبلٍ، يقول بمصر: «كتاب التّأويل عن معاوية بن صالحٍ لو جاء رجلٌ إلى مصر فكتبه ثمّ انصرف به ما كانت رحلته عندي ذهبت باطلًا»
فأمّا أن تكون الآية ناسخةً لقول اللّه جلّ وعزّ {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} [البقرة: 115] فبعيدٌ؛ لأنّها تحتمل أشياء سنبيّنها في ذكر الآية الثّانية
). [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 1/454-630]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {فول وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره}
هذه الآية عند أكثر المفسرين وأهل المعاني ناسخة للصلاة إلى بيت المقدس وهي عندهم أول ما نسخ.
وإذا كان هذا أوّل ناسخٍ ومنسوخٍ -على قول جميعهم- والناسخ والمنسوخ مدنيّ - فواجبٌ أن لا يكون ناسخٌ ومنسوخٌ مكيًّا؛ إذ أوّل النسخ عندهم إنّما حدث بالمدينة، وكان نسخ القبلة بعد الهجرة بستّة عشر شهرًا، وقيل سبعة عشر شهرًا، إلا أن يكونوا أرادوا بقولهم هذا: أوّل ناسخٍ ومنسوخٍ، يعنون: بالمدينة، فيجوز أن يكون ثمّ مكيٌّ نسخ مكّيًا. ولم أجده مجمعًا عليه، وسترى ما وجدت منه.
واختلف في صلاة النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- إلى بيت المقدس، هل كان بأمرٍ من الله -عزّ وجلّ- أو باختياره؟
فقال جماعةٌ: كان بأمرٍ من الله، بدليل قوله: {وما جعلنا القبلة التي كنت عليها} -يعني بيت المقدس-
وقد قيل: القبلة في هذه الآية: الكعبة، و"كنت": بمعنى: أنت. فلا
حجّة فيه لمن استدلّ به على أن النّبيّ - صلّى الله عليه وسلم – صلى إلى بيت المقدس بأمرٍ من الله - على هذا القول -؛ لأنّ القبلة في قوله: {الّتي كنت عليها} مرادٌ بها الكعبة.
وعلى القول الأول، يراد بها بيت المقدس.
و"كنت" بمعنى: أنت، جائزٌ على أن تكون "كان" زائدةً. وقد قيل في قوله: {كنتم خير أمّةٍ} معناه: أنتم خير أمّة.
قال ابن زيد: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه بمكّة يصلّون نحو الكعبة ثماني سنين. قال وكانوا يصلّون ركعتين بالغداة وركعتين بالعشيّ، فلما فرض الله "خمس صلواتٍ"؛ إذ عرج النبيّ -صلى الله عليه وسلم- صارت الركعتان للمسافر. قال: فلما هاجر النبيّ عليه السلام إلى المدينة أمره الله - عزّ وجل - بالصّلاة نحو بيت المقدس.
وعنه أيضًا أنه قال: لما قدم النبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة، قال: ما ندري أين نتوجه؟ فأنزل الله: {وللّه المشرق والمغرب فأينما تولّوا فثمّ وجه الله} [البقرة: 115] فصلّى النبي صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس ستّة عشر شهرًا، فتكلّمت اليهود
فقالوا: ما درى محمدٌ وأصحابه. ولا اهتدوا لقبلتهم إلا بنا، فشقّ ذلك على النبيّ عليه السلام فنسخ الله القبلة، وأمره بالصّلاة نحو الكعبة.
وقال ابن حبيب: كان الله - جلّ وعزّ - قد أمر نبيّه أن يقتدي بمن كان قبله من الأنبياء، يريد بقوله: {فبهداهم اقتده} [الأنعام: 90]. قال: فلمّا قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة صلّى نحو بيت المقدس؛ لأنها كانت قبلة جماعةٍ من الأنبياء قبله. ثم شقّ على النبي قول اليهود في القبلة. فنسخ الله ذلك بالكعبة.
وقد قيل: إن الله جلّ ذكره كان قد فرض على إبراهيم - خليله - الصّلاة نحو الكعبة، ودلّ على ذلك قوله: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلّى} - على قراءة من قرأ بفتح الخاء - على الخبر -.
ثم أمر الله نبيّه - بغير قرآن - بالصّلاة نحو بيت المقدس، فصلّى نحوها بضعة عشر شهرًا، وكان يحبّ التّوجّه إلى الكعبة.
فنسخ الله الصّلاة نحو بيت المقدس بالصّلاة إلى الكعبة، فصار المنسوخ ناسخًا لما نسخه الله قبل. وهذا قليل النّظير في الناسخ والمنسوخ.
فهذا كلّه يدلّ على أن الصلاة نحو بيت المقدس كان بأمر الله له، فهو نسخ قرآن بقرآن.
وقد روي أن الأنصار صلّت نحو بيت المقدس قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم حولين).
فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم صلّى نحو بيت المقدس بضعة عشر شهرًا، وكانت نفسه تائقةً إلى قبلة أبيه إبراهيم. فأمره الله باستقبالها.
وقيل: بل صلّى نحو بيت المقدس ليتألّف بذلك اليهود؛ وذلك أنه هاجر إلى المدينة، وكان أكثر أهلها ومن حواليها اليهود، فصلّى نحو بيت المقدس، ليتألّف بذلك اليهود، فطعنوا في ذلك وتكلّموا فيه بما شقّ على النبيّ وأصحابه. فأمر الله بالصلاة نحو الكعبة.فيكون - على هذا القول - من نسخ السّنة بالقرآن -.
والشّطر: النحو - في الآية -.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (قوله عز وجل: {فول وجهك شطر المسجد الحرام} الآية [البقرة: 144]، قالوا: هي ناسخة للصلاة إلى بيت المقدس، قالوا: والصلاة إلى بيت المقدس أول ما نسخ، وهذا ليس بناسخ لقرآن؛ لأن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لم تكن بقرآن أنزل عليه.
وقال ابن عباس رضي الله عنه: (أول ما نسخ من القرآن شأن القبلة، قال الله لنبيه صلى الله عليه وسلم: {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله} الآية [البقرة: 115] فصلى النبي صلى الله عليه وسلم نحو بيت المقدس، ثم صرف إلى البيت العتيق)، فعلى هذا تكون الآية ناسخة لقوله سبحانه: {فأينما تولوا فثم وجه الله} الآية [البقرة: 115]؛ لأنه سبحانه أباح له صلى الله عليه وسلم استقبال ما شاء من الجهات ثم نسخه بما ذكرنا.
وقال عبد الله بن عمر رضي الله عنه: (نزلت في صلاة التطوع، يصلي حيث ما توجهت به الراحلة).
وقيل: نزلت في قوم عميت عليهم القبلة فصلوا باجتهادهم إلى جهات مختلفة، فأعلموا أن صلاتهم جائزة.
وروى عامر بن ربيعة عن أبيه: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، فتغيمت السماء وأشكلت علينا القبلة، فصلينا وعلمنا، فلما طلعت الشمس إذا نحن قد صلينا إلى غير القبلة فنزلت: {فأينما تولوا فثم وجه الله} الآية [البقرة: 115]).
). [جمال القراء: 1/249-27]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين

أم صفية آل حسن 19 جمادى الآخرة 1434هـ/29-04-2013م 06:39 AM

قوله تعالى: {إِنَّ ٱلصَّفَا وَٱلْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ ٱللَّهِ ۖ فَمَنْ حَجَّ ٱلْبَيْتَ أَوِ ٱعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا ۚ وَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًۭا فَإِنَّ ٱللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ(158)}

قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية السّابعة قوله تعالى {إنّ الصفا والمروة من شعائر الله} هذا محكم والمنسوخ قوله {فمن حجّ البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما} ومعناها أن لا يطّوف بهما وكان على الصّفا صنم يقال له إساف وعلى المروة صنم يقال له نائلة وكانا رجلا وامرأة في
الجاهليّة فدخلا الكعبة فزنيا الكعبة فيها فمسخهما الله تعالى صنمين فوضعت المشركون الصّنم الّذي كان رجلا على الصّفا والصنم الّذي كان امرأة على المروة وعبدوهما من دون الله تعالى فلمّا أسلمت الأنصار تحرجوا أن يسعوا بينهما فأنزل الله تعالى {إنّ الصفا والمروة من شعائر الله} الآية ثمّ نسخ الله تعالى ذلك بقوله {ومن يرغب عن ملّة إبراهيم إلّا من سفه نفسه} الآية
). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية التّاسعة: قوله تعالى: {إنّ الصّفا والمروة من شعائر اللّه} الآية.
قد ذكر عن بعض المفسّرين أنّه قال: معنى الآية فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما. قال: ثمّ نسخ ذلك بقوله تعالى: {ومن يرغب عن ملّة إبراهيم إلاّ من سفه نفسه} والسّعي بينهما من ملّة إبراهيم.
قلت: وهذا قولٌ مرذولٌ: لا يصلح الالتفات إليه، لأنّه يوجب إضمارًا في الآية ولا يحتاج إليه. وإن كان قد قرئ به فإنّه مرويٌّ عن ابن مسعود، وأبي بن كعب، وأنس، وابن جبيرٍ، وابن سيرين، وميمون بن مهران أنهم قرأوا (فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما)، ولهذه القراءة وجهان:
أحدهما: أن تكون دالّةً على أنّ السّعي بينهما لا يجب.
والثّاني: أن يكون (لا) صلةً. كقوله: ما (منعك) أن لا تسجد فيكون معناه معنى القراءة المشهورة، وقد ذهب مالكٌ والشّافعيّ وأحمد إلى أنّ السّعي من أركان الحجّ وقال أبو حنيفة وأصحابه: هو واجبٌ (يجزي) عنه الدّم.
والصّحيح في سبب نزول هذه الآية، ما أخبرنا به أبوبكر بن حبيبٍ، قال: أبنا عليّ الفضل، قال: أبنا محمّد بن عبد الصّمد، قال: أبنا ابن حمّوية، قال: أبنا: إبراهيم بن خريم، قال: بنا عبد الحميد، قال: أبنا عبد الوهّاب بن عطاءٍ عن داود، عن عامرٍ، قال: كان على الصّفا [وثنٌ] يدعى (أساف) ووثنٌ على المروة يدعى نائلة، وكان أهلالجاهليّة يسعون بينهما ويمسّحون الوثنين فلمّا جاء الإسلام أمسك المسلمون عن السّعي بينهما فنزلت هذه الآية.
قلت: فقد بان بهذا أنّ المسلمين إنّما امتنعوا عن الطّواف لأجل الصّنمين فرفع اللّه عز وجل الجناح عمّن طاف بينهما، لأنّه إنّما يقصد تعظيم اللّه تعالى بطوافه دون الأصنام.
). [نواسخ القرآن:125- 236]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين

أم صفية آل حسن 19 جمادى الآخرة 1434هـ/29-04-2013م 06:52 AM

قوله تعالى: {إِنَّ ٱلَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَآ أَنزَلْنَا مِنَ ٱلْبَيِّنَٰتِ وَٱلْهُدَىٰ مِنۢ بَعْدِ مَا بَيَّنَّٰهُ لِلنَّاسِ فِى ٱلْكِتَٰبِ ۙ أُو۟لَٰٓئِكَ يَلْعَنُهُمُ ٱللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ ٱللَّٰعِنُونَ(159)}

قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): ( الآية الخامسة: قوله تعالى: {إن الذين تكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى} الآية [159 / مدنية / البقرة / 2] نسخها الله تعالى بالاستثناء فقال: {إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا} [159 / البقرة].) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية الثّامنة قوله تعالى {إنّ الّذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى} إلى قوله {ويلعنهم اللاعنون} نسخها الله تعالى عمّن أسلم بالاستثناء وهو قوله تعالى {إلّا الّذين تابوا وأصلحوا وبينوا} وقال أبو هريرة لولا هذه الآية ما حدثتكم بشيء,,ويقال من ورع العالم أن يتكلّم ومن ورع الجاهل أن يسكت). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {إنّ الّذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى من بعد ما بيّناه للنّاس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاّعنون}
ذكر ابن حبيبٍ أنه منسوخٌ بقوله: {إلاّ الّذين تابوا} [البقرة: 160].
وهذا غلطٌ ظاهرٌ، ليس هو من الناسخ والمنسوخ؛ إنما هو استثناءٌ -استثنى الله جلّ ذكره- في التائبين من الموصوفين قبله.
ولا يحسن أن يقال في الاستثناء إنه نسخٌ؛ لأنّ الاستثناء لا يكون إلاّ بحرفٍ يدلّ على معنى استثناء كذا ولا يكون الاستثناء إلا لبيان الأعيان.والنّسخ إنّما هو لبيان الأزمان التي انتهى إليها الفرض الأوّل، وابتدأ منها الفرض الثاني. وقد بيّنا هذا فيما تقدّم.وكذلك ذكر ابن حبيب آياتٍ كثيرةً من الاستثناء أدخلها في الناسخ والمنسوخ. وهو وهمٌ ظاهر.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية العاشرة: قوله تعالى: {إنّ الّذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى} إلى قوله: {اللاّعنون}.
قد زعم قوم من القرّاء (الّذين) قلّ حظّهم من علم العربيّة والفقه أنّ هذه الآية منسوخةٌ بالاستثناء بعدها ولو كان لهم نصيبٌ من ذلك، لعلموا أنّ الاستثناء ليس بنسخٍ وإنّما هو إخراج بعض ما شمله اللّفظ، وينكشف هذا من وجهين.
أحدهما: أنّ النّاسخ والمنسوخ لا يمكن العمل بأحدهما إلا بترك العمل بالآخر، وههنا يمكن العمل بالمستثنى والمستثنى منه.
والثّاني: أنّ الجمل إذا دخلها الاستثناء يثبت أنّ المستثنى لم يكن مرادًا دخوله في الجملة الباقية وما لا يكون مرادًا باللّفظ الأوّل لا يدخل عليه النّسخ.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (الثامنة: {إنّ الّذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى} . زعم بعض من قلّ فهمه أنّها نسخت بالاستثناء بعدها وهذا لا يلتفت إليه وذلك كلما أتى من هذا الجنس فإن الاستثناء إخراج بعض ما شمله اللّفظ وليس بناسخ.). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 14-21]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين

أم صفية آل حسن 19 جمادى الآخرة 1434هـ/29-04-2013م 07:09 AM

قوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ٱلْمَيْتَةَ وَٱلدَّمَ وَلَحْمَ ٱلْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ بِهِۦ لِغَيْرِ ٱللَّهِ ۖ فَمَنِ ٱضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍۢ وَلَا عَادٍۢ فَلَآ إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌۭ رَّحِيمٌ(173)}

قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): ( الآية السادسة: قوله تعالى: {إنما حرم عليكم الميتة والدم...} الآية [173 مدنية / البقرة / 2] فنسخ بالسنة بعض الميتة وبعض الدم بقوله (ص) أحلت لنا ميتتان ودمان: السمك والجراد والكبد والطحال وقال سبحانه: {وما أهل به لغير الله} ثم رخص للمضطر إذ كان غير باغ ولا عاد بقوله تعالى: {فلا إثم عليه}.) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30]

قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية التّاسعة قوله تعالى {إنّما حرم عليكم الميتة والدّم} الآية نسخ الله تعالى بالسنة بعض الميتة والدّم بقوله عليه السّلام أحلّت لنا ميتتان ودمان السّمك والجراد والكبد والطحال ثمّ قال {وما أهلًّ به لغير الله} ثمّ رخص للمضطر وللجائع غير الباغي والعادي بقوله تعالى {فمن اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ فلا إثم عليه}). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية الحادية عشرة: قوله تعالى: {إنّما حرّم عليكم الميتة والدّم ولحم الخنزير} الآية.
ذهب جماعةٌ من مفسّري القرآن إلى أنّ أوّل هذه الآية منسوخٌ بقوله [تعالى] {فمن
اضطرّ غير باغٍ ولا عادٍ} وزعم بعضهم أنّه إنّما نسخ منها حكم الميتة والدّم بقول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "أحلّت لنا ميتتان ودمان، السّمك والجراد، والكبد والطّحال" وكلا القولين باطلٌ، لأنّ اللّه تعالى: استثنى من التّحريم حال الضّرورة والنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم استثنى بالتّخصيص ما ذكره في الحديث ولا وجه للنسخ بحال
). [نواسخ القرآن:125- 236]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين

أم صفية آل حسن 19 جمادى الآخرة 1434هـ/29-04-2013م 07:32 AM

قوله تعالى: { يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلْقِصَاصُ فِى ٱلْقَتْلَى ۖ ٱلْحُرُّ بِٱلْحُرِّ وَٱلْعَبْدُ بِٱلْعَبْدِ وَٱلْأُنثَىٰ بِٱلْأُنثَىٰ ۚ فَمَنْ عُفِىَ لَهُۥ مِنْ أَخِيهِ شَىْءٌۭ فَٱتِّبَاعٌۢ بِٱلْمَعْرُوفِ وَأَدَآءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَٰنٍۢ ۗ ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌۭ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌۭ ۗ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُۥ عَذَابٌ أَلِيمٌۭ(178)}

قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (الآية السابعة: قوله تعالى: {كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى} [178 / البقرة] وها هنا موضع النسخ من الآية الأنثى وباقيها محكم وناسخها قوله تعالى: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} الآية [45 / المائدة] وقيل ناسخها قوله في سورة بني إسرائيل {ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل} [33 مدنية / الإسراء / 17] وقتل الحر بالعبد إسراف وكذلك قتل المسلم بالكافر.) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (باب ذكر الآية الرّابعة
{يا أيّها الّذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيءٌ فاتّباعٌ بالمعروف وأداءٌ إليه بإحسانٍ ذلك تخفيفٌ من ربّكم ورحمةٌ فمن اعتدى بعد ذلك فله عذابٌ أليمٌ} [البقرة: 178]
في هذه الآية موضعان أحدهما {الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى} [البقرة: 178] فيه خمسة أقوالٍ منها:
ما حدّثناه عليل بن أحمد، قال: حدّثنا محمّد بن هشامٍ السّدوسيّ، قال: حدّثنا عاصم بن سليمان، قال: حدّثنا جويبرٌ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ،
{الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى} [البقرة: 178] قال: " نسختها {وكتبنا عليهم فيها أنّ النّفس بالنّفس} [المائدة: 45]
" وروى ابن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قال: " كان الرّجل لا يقتل بالمرأة ولكن يقتل الرّجل بالرّجل والمرأة بالمرأة فنزلت {أنّ النّفس بالنّفس} [المائدة: 45]
" قال أبو جعفرٍ: فهذا قولٌ
وقال الشّعبيّ: نزلت في قومٍ تقاتلوا فقتل بينهم خلقٌ فنزل هذا لأنّهم قالوا: لا نقتل بالعبد منّا إلّا الحرّ ولا بالأنثى إلّا الذّكر
وقال السّدّيّ: نزلت في فريقين وقعت بينهم قتلى فأمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أن يقاصّ بينهم ديات النّساء بديات النّساء وديات الرّجال بديات الرّجال
والقول الرّابع قول الحسن البصريّ، رواه عنه قتادة، وعوفٌ، وزعم أنّه قول عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه قال:
هذا على التّراجع إذا قتل رجلٌ امرأةً كان أولياء المرأة بالخيار إن شاءوا قتلوا الرّجل وأدّوا نصف الدّية وإن شاءوا أخذوا نصف الدّية فإذا قتلت امرأةٌ رجلًا فإن شاء أولياء الرّجل قتلوا المرأة وأخذوا نصف الدّية وإن شاءوا أخذوا الدّية كاملةً، وإذا قتل رجلٌ عبدًا فإن شاء مولى العبد أن يقتل الرّجل ويؤدّي بقيّة الدّية بعد ثمن العبد، وإذا قتل عبدٌ رجلًا فإن شاء أولياء الرّجل أن يقتلوا العبد ويأخذوا بقيّة الدّية وإن شاءوا أخذوا الدّية
والقول الخامس: إنّ الآية معمولٌ بها يقتل الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى بهذه الآية ويقتل الرّجل بالمرأة، والمرأة بالرّجل، والحرّ بالعبد، والعبد بالحرّ لقوله جلّ وعزّ {ومن قتل مظلومًا فقد جعلنا لوليّه سلطانًا} [الإسراء: 33] ولقول رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم الّذي نقله الجماعة: «المؤمنون تتكافأ دماؤهم» وهو صحيحٌ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم
كما قرئ على أحمد بن شعيبٍ، عن محمّد بن المثنّى، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن الحسن، عن قيس بن عبّادٍ، قال: انطلقت أنا والأشتر إلى عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه فقلنا: هل عهد إليك نبيّ اللّه صلّى الله عليه وسلّم شيئًا لم يعهده إلى النّاس؟ قال: لا إلّا ما في كتابي هذا، فأخرج كتابًا من قراب سيفه فإذا فيه «المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يدٌ على من سواهم ويسعى بذمّتهم أدناهم، لا يقتل مؤمنٌ بكافرٍ ولا ذو عهدٍ في عهده، من أحدث حدثًا فعلى نفسه ومن آوى محدثًا فعليه لعنة اللّه والملائكة والنّاس أجمعين»
قال أبو جعفرٍ: فسوّى رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بين المؤمنين في الدّماء شريفهم ووضيعهم وحرّهم وعبدهم وهذا قول الكوفيّين في العبد خاصّةً فأمّا في الذّكر والأنثى فلا اختلاف بينهم إلّا ما ذكرناه من التّراجع
والموضع الآخر قوله تعالى {فمن عفي له من أخيه شيءٌ فاتّباعٌ بالمعروف}[البقرة: 178] الآية قيل: هي ناسخةٌ لما كان عليه بنو إسرائيل من القصاص بغير ديةٍ
كما حدّثنا أحمد بن محمّد بن نافعٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق،
قال: أخبرنا معمر عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، وابن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: " كان القصاص في بني إسرائيل ولم تكن الدّية فقال اللّه جلّ وعزّ لهذه الأمّة {فمن عفي له من أخيه شيءٌ} [البقرة: 178] قال: والعفو أن تقبل الدّية في العمد، {فاتّباعٌ بالمعروف} [البقرة: 178] من الطّالب ويؤدّي إليه المطلوب بإحسانٍ {ذلك تخفيفٌ من ربّكم ورحمةٌ} [البقرة: 178] عمّا كتب على من كان قبلكم "
قال أبو جعفرٍ: يكون التّقدير فمن صفح له عن الواجب عليه من الدّم فأخذت منه الدّية، وقيل: عفي بمعنى كثر من قوله جلّ وعزّ {حتّى عفوا} [الأعراف: 95]
وقيل: كتب بمعنى فرض على التّمثيل، وقيل: كتب عليكم في اللّوح المحفوظ وكذا كتب في آية الوصيّة وهي الآية الخامسة
). [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 1/454-630]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية العاشرة قوله تعالى {يا أيّها الّذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحرّ} الآية وذلك أن حيين اقتتلا قبل الإسلام بقليل وكان لأحدهما على الآخر طول فلم يقتصّ أحدهما من صاحبه حتّى جاء الإسلام فقال الأكثرون لا نرضى أن يقتل بالعبد منا إلّا الحر منهم وبالمرأة منا إلّا الرجل منهم فسوى الله تعالى بينهما في القصاص ونزل {كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحرّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى} إلى ههناموضع النّسخ وباقي الآية محكم وأجمع المفسّرون على نسخ ما فيها من المنسوخ واختلفوا في ناسخها قال العراقيّون وجماعة ناسخها الآية الّتي في المائدة وهي قوله تعالى {وكتبنا عليهم فيها أنّ النّفس بالنّفس} الآية فإن قيل هذا كتب على بني إسرائيل كيف يلزمنا حكمه فالجواب على ذلك أن آخر الآية ألزمنا ذلك وهو قوله تعالى {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظّالمون}وقال الحجازيون وجماعة إن ناسخها الآية الّتي في بني إسرائيل وهي قوله تعالى {ومن قتل مظلوماً فقد جعلنا لوليّه سلطانا فلا يسرف في القتل} وقتل المسلم بالكافر إسراف وكذلك قتل الحر بالعبد لا يجوز عند جماعة من النّاس ,,وقال العراقيّون يجوز واحتجّوا بحديث ابن البيلماني أن النّبي (صلى الله عليه وسلم) قتل مسلما بكافر معاهد وقال أنا أحق من وفي بعهده). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (
قوله تعالى: {يا أيّها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى} الآية.
يجب من ظاهر لفظ الآية أن لا يقتل الرّجل بالمرأة، ولا المرأة بالرّجل، ولا العبد بالحرّ ولا الحرّ بالعبد.
وقال ابن عباس: هذا منسوخٌ بقوله في المائدة: {النّفس بالنّفس} [المائدة: 45].
فهذه الآية أوجبت قتل الرّجل بالمرأة، والمرأة بالرّجل، والعبد
بالحرّ، وهذا لا يجوز عند جماعةٍ من العلماء؛ لأنّ ما فرضه الله علينا لا ينسخه ما حكى الله لنا من شريعة غيرنا؛ إنّما أخبرنا الله -في المائدة- بما شرع لغيرنا، لم يفرضه علينا، فيكون ناسخًا لما تقدّم من سنّة الفرض علينا.
ولكن: الآيتان محكمتان لا نسخ في واحدةٍ منهما، على ما نبيّنه بعد -إن شاء الله تعالى-.
وفي هذه الآية أربعة أقوالٍ غير القول الأول الذي ذكرناه:
الأول: قاله الشعبي وغيره، قالوا: آية البقرة مخصوصةٌ نزلت في قوم تقاتلوا، فقتل منهم خلقٌ كثيرٌ وكانت إحدى الطّائفتين أعزّ من الأخرى، فقالت العزيزة: لا يقتل العبد منّا إلا بالحرّ منكم، ولا بالأنثى منّا إلا بالرّجل منكم، فنزلت الآية في ذلك، ثم هي في كلّ من أراد أن يفعل كفعلهم، فهي محكمة.
الثاني: قاله السّدّي، قال: هي مخصوصةٌ في فريقين تقاتلا
على عهد النبي عليه السلام ووقع بينهما قتلى، فأمر النبيّ صلى الله عليه وسلم أن يفادى بينهم، ديّات النّساء بديّات النّساء، وديّات الرّجال بديّات الرّجال، فهي في شيءٍ بعينه، وهي تعبّدٌ لمن يأتي بعدهم، فهي محكمة.
الثالث: قاله الحسن البصريّ، قال: نزلت آية البقرة في نسخ التّراجع الذي كانوا يفعلونه، وذلك أنهم كانوا يحكمون فيما بينهم أنّ الرّجل إذا قتل امرأةً، كان أولياء المرأة بالخيار، إن شاؤوا قتلوا الرّجل، وأدّوا نصف ديته، وإن شاؤا أخذوا نصف دية رجل. وإذا قتلت المرأة رجلاً، كان أولياء الرجل مخيّرين إن شاءوا قتلوا المرأة وأخذوا نصف دية الرجل وإن شاءوا أخذوا الدّية كاملةً، ولم يقتلوا المرأة، فنسخ الله ذلك من فعلهم. وقد روي هذا القول عن عليٍّ -رضي الله عنه- فتكون هذه الآية -على هذا القول- محكمةً ناسخةً لما كانوا يفعلونه.
الرابع: قاله أبو عبيد، قال: آية المائدة مفسّرةٌ لآية البقرة؛ لأن أنفس الأحرار متساويةٌ فيما بينهم.
وعلى هذا أكثر الفقهاء.
يقتل الحرّ بالحرّ والأنثى بالأنثى بآية البقرة وآية المائدة.
ويقتل الرّجل بالمرأة، والمرأة بالرّجل بآية المائدة.
والآية -عند مالك- محكمةٌ، وروي عنه أنه قال: أحسن ما سمعت في هذه الآية، أنها يراد بها الجنس، الذّكر والأنثى فيه سواء. وأشار أبو عبيدٍ إلى أن قوله هو مذهب ابن عباس.
ومعنى قوله تعالى: {فمن عفي له من أخيه شيءٌ فاتّباعٌ بالمعروف} [البقرة: 178] الآية:
قال مؤلفو النّاسخ والمنسوخ: هذا ناسخٌ لما كان عليه بنو إسرائيل من امتناع أخذ الدّية، فخفّف الله عن هذه الأمّة، وأباح لهم العفو عن القاتل عمدًا وأخذ الدّية.
قال أبو محمد: وقد كان يجب ألاّ يذكروا هذه الآية وشبهها في الناسخ والمنسوخ؛ لأنها كآي القرآن كلّها التي نسخت شرائع الكفار وأهل الكتاب، ولو نسخت آيةً أخرى لوجب ذكرها. وقد بيّنا هذا.
وفي هذه الآية إشكالٌ -على مذهب مالك- نبيّنه إن شاء الله تعالى: المعروف من مذهب مالكٍ وأصحابه: أن المعفوّ له بالديّة وليّ الدّم، عفي له بديّة أعطيها عوضًا من قتل القاتل فقبلها والعافي: القاتل عفا عن نفسه بأن بذل الديّة.
والتقدير: فمن أعطي ديّة فقبلها فعليه أن يتبع المعطي بالمعروف، وعلى المعطي أن يؤدّي ما بذل بإحسانٍ.
فـ "من". في قوله: {فمن عفي له}: اسم وليّ الدم.
فاتّباعٌ بالمعروف: أمرٌ للوليّ أن يتبع القاتل فيما بذل له من الدّية بمعروف.
وقوله: وأداءٌ إليه بإحسان: أمرٌ للقاتل أمر أن يؤدّي إلى الوليّ ما بذل له من الدّية بإحسان.
وفي رجوع الهاءات بيان هذا المعنى: فالهاء في "له" وفي "أخيه"، وفي "إليه" يعدن على الوليّ.
والأخ: هو القاتل.
وعفي له -على هذا القول- معناه: يسّر.
فهذا مذهب مالكٍ وأصحابه.
وقال عبد العزيز بن أبي سلمة: معناها:
من أعطي له من أخيه شيءٌ من العقل فرضي به فليتبعه بالمعروف، وليؤدّه إليه القاتل بإحسان.
ومذهب غير مالكٍ:
أن المعفوّ له: هو القاتل.
والعافي: وليّ الدم.
وعفي: بمعنى: ترك -على هذا القول-.
فاتباع بالمعروف: أمر للوليّ - مثل القول الأول -.
وأداء إليه بإحسان: أمرٌ للقاتل - كالقول الأول -.
والأخ - في هذا القول -: وليّ الدم.
و "من" - في هذا القول -: اسم القاتل.
والهاء في "له" وفي "أخيه" - على هذا القول -: تعودان على القاتل.
والهاء في "إليه" تعود على الوليّ - كالقول الأول -.
فأما الترجيح بين المذهبين فليس هذا موضع ذكره.
وقد قال مالك في قوله تعالى: {أو يعفو الّذي بيده عقدة النكاح} [البقرة: 237]:
إن العافي: الوليّ بترك ما وجب لابنته البكر أو لأمته سمّي عافيًا، لأنه ترك ما وجب له، وهو ضدّ قوله في هذه الآية.
وقال غيره: العافي: هو الزوج.
قال أبو محمد: ولا عفو له إذا أدّى ما عليه.
وهو ضدّ قوله في آية القتل.
فكلّ واحدٍ على ضدّ قوله في الآية الأخرى.
وإنما شرحت معناها على المذهبين؛ لأني ما رأيت أحدًا بيّن ذلك ولا كشفه.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية الثّانية عشرة: قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى}.
ذهب بعض المفسّرين إلى أنّ دليل خطاب هذه الآية منسوخٌ، لأنّه لمّا قال: {الحرّ بالحرّ} اقتضى أن لا يقتل العبد بالحرّ، وكذا لمّا قال: {والأنثى بالأنثى} اقتضى، أن لا يقتل الذّكر بالأنثى من جهة دليل الخطاب، وذلك منسوخٌ بقوله تعالى {وكتبنا عليهم فيها أنّ النّفس بالنّفس} وإلى هذا أشار ابن عبّاسٍ فيما رواه عثمان بن عطاءٍ عن أبيه عن ابن عبّاسٍ قال: نسختها الآية الّتي في المائدة {أنّ النّفس بالنّفس} وإلى نحو هذا ذهب سعيد بن جبيرٍ ومقاتلٌ.
أخبرنا المبارك بن عليٍّ، قال: أبنا أحمد بن الحسين بن قريشٍ، قال أبنا أبو إسحق البرمكيّ، قال: أبنا أبو بكرٍ محمد بن إسماعيل إذنا قال: أبنا أبو بكر بن أبي داود، قال: أبنا يعقوب بن سفيان، قال: بنا يحيى بن
عبد اللّه بن بكيرٍ، قال: حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، عن عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، أنّ حيّين من العرب اقتتلوا في الجاهليّة قبل الإسلام بقليلٍ، فكان بينهم قتلٌ وجراحاتٌ، حتّى قتلوا (العبيد والنّساء) فلم يأخذ بعضهم من بعضٍ حتّى أسلموا وكان أحد الحيّين يتطاولون على الآخر في العدّة والأموال فحلفوا أن لا نرضى حتّى نقتل بالعبد منّا الحرّ منهم، وبالمرأة منّا الرّجل منهم فنزل فيهم {الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى} فرضوا بذلك فصارت آية {الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى} منسوخة نسخها {أنّ النّفس بالنّفس}.
قلت: وهذا (القول) ليس بشيءٍ لوجهين:
أحدهما: أنّه إنّما ذكر في آية المائدة ما كتبه على أهل التّوراة وذلك لا يلزمنا وإنّما نقول في إحدى الرّوايتين عن أحمد: إنّ شرع من قبلنا شرعٌ لنا ما لم يثبت نسخه، وبخطابنا بعد خطابهم قد ثبت النّسخ، فتلك الآية أولى أن تكون منسوخةً بهذه من هذه بتلك.
والثّاني: أنّ دليل الخطاب عند الفقهاء حجّةٌ ما لم يعارضه دليلٌ أقوى منه، وقد ثبت بلفظ الآية أنّ الحرّ يوازي الحر فلأن يوازي العبد أولى، ثمّ إنّ أوّل الآية يعمّ، وهو قوله: {كتب عليكم القصاص} وإنّما الآية نزلت فيمن كان يقتل حرًّا بعبدٍ وذكرًا بأنثى فأمروا بالنّظر في التّكافؤ.
أخبرنا أبو بكرٍ محمّد بن عبد اللّه بن حبيبٍ قال: أبنا عليّ بن الفضل، قال: أبنا محمّد بن عبد الصّمد، قال: أبنا عبد اللّه بن أحمد السّرخسيّ، قال: أبنا إبراهيم بن خريم، قال: بنا عبد الحميد، قال: بنا يونس عن شيبان، عن قتادة {يا أيّها الّذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى}.
قال: كان أهل الجاهليّة فيهم بغيٌ وطاعةٌ (للشّيطان) فكان الحيّ منهم إذا كان فيهم عددٌ وعدّةٌ، فقتل لهم عبدٌ قتله عبد قومٍ آخرين. قالوا: لن نقتل به إلا حرًّا تعزّزًا وتفضّلا على غيرهم في أنفسهم. وإذا قتلت لهم أنثى قتلتها امرأةٌ. قالوا: (لن نقتل) بها إلا رجلا فأنزل اللّه هذه الآية يخبرهم أنّ الحرّ بالحرّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى، وينهاهم عن البغي ثمّ أنزل في سورة المائدة {وكتبنا عليهم فيها أنّ النّفس بالنّفس} إلى قوله: {والجروح قصاصٌ}.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (
التاسعة: {كتب عليكم القصاص في القتلى الحرّ بالحرّ} . ذهب بعضهم إلى أن دليل الخطاب منسوخ لأنه لما قال {الحرّ بالحرّ} اقتضى أنه لا يقتل العبد بالحرّ وكذا لمّا قال {والأنثى بالأنثى} اقتضى أن لا يقتل الذّكر بالأنثى من جهة دليل الخطاب فذلك منسوخ بقوله {وكتبنا عليهم فيها أنّ النّفس بالنّفس} وهذا ليس بشيء يعول عليه لوجهين أحدهما أنه إنما ذكر في المائدة ما كتبه أهل التوراة وذلك لا يلزمنا فإن قيل شرع من قبلنا شرعٌ لنا ما لم يثبت نسخه وخطابنا بعد خطابهم قد ثبت النّسخ فتلك الآية أولى أن تكون منسوخةً بهذه من هذه بتلك والثّاني أنّ دليل الخطاب إنما يكون حجة ما لم يعارضه دليل أقوى منه وقد ثبت بلفظ الآية أنّ الحرّ يوازي الحرة فلأن يوازي العبد أولى.). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 14-21]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (ومن هذا قول الحسن البصري في قوله عز وجل: {الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى} الآية [البقرة: 178] أنها نزلت في نسخ التراجع الذي كانوا يفعلونه إذا قتل الرجل امرأة كان أولياؤها بالخيار بين قتله مع تأدية نصف ديته، وبين أخذ نصف دية الرجل وتركه، وإن كان قاتل الرجل امرأة كان أولياء المقتول بالخيار بين قتل المرأة وأخذ نصف دية الرجل، وإن شاءوا أخذوا الدية كاملة ولم يقتلوها.
قال: فنسخت هذه الآية ما كانوا يفعلونه، فإن كانت هذه الآية نزلت في ذلك فهي محكمة، ولا يقال إنها ناسخة لفعلهم؛ لأن فعلهم ذلك لم يكن بقرآن ترك، ولا هو حكم من أحكام الله عز وجل، ولا يقال أيضا لذلك الفعل الذي كانوا يفعلونه منسوخ؛ لأنه لم يكن حكما ثابتا بخطاب سابق لهذا الخطاب.
وعن ابن عباس أن هذه الآية منسوخة بقوله عز وجل في "المائدة": {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} الآية [المائدة: 45] فهذه أوجبت قتل الرجل بالمرأة، والمرأة بالرجل، والحر بالعبد والعبد بالحر، وليس هذا مما أصححه عن ابن عباس رحمه الله؛ لأن هذه الآية إنما هي إخبار من الله عز وجل بما أنزل في التوراة.
فإن قيل: فقد قال بعد ذلك: {ومن لم يحكم بما أنزل الله} الآية [المائدة: 45].
قلت: أراد سبحانه أن اليهود إذا خالفوا التوراة ولم يحكموا بها، وقد قال بعد ذلك: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا} الآية [المائدة: 48] فأعلمنا سبحانه أن لنا شرعة تخالف شرعتهم، ومنهاجا يخالف منهاجهم.
قال الشعبي وغيره: آية البقرة نزلت في قوم اقتتلوا، فقتل بينهم جماعة كثيرة، وكانت إحدى الطائفتين تعاظمت على الأخرى وأرادت أن تقتل بالعبد منها الحر من الأخرى، وبالأنثى الرجل، فنزلت.
ثم هي لمن أراد مثل ما طلبوا.
قال هؤلاء: فهي محكمة. وليس هذا بصحيح؛ فإن الرجل يقتل بالمرأة عند عامة الفقهاء إلا ما ذكر عن عمر بن عبد العزيز والحسن البصري وعطاء وعكرمة، إلا أن يريدوا قتل الرجل الحر بالأمة فيكون قول الله عز وجل: {والأنثى بالأنثى} الآية [البقرة: 178] أي الأنثى من الإماء بالأنثى منهن.
أي: لا يقتل بالأمة الرجل الحر، إنما يقتل بها أنثى مثلها، أو عبد مثلها، وفيه بعد؛ لأن قوله عز وجل: {والأنثى بالأنثى} الآية [البقرة: 178] يقتضي ألا يقتل أنثى إلا بأنثى.
وقيل: إنهم أرادوا قتل امرأتين بامرأة، وقتل رجلين برجل فعلى هذا يصح معنى الآية.
وقال السدي وغيره: اقتتل فريقان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فأمر النبي صلى الله عليه وسلم في ديات قتلاهم: ديات النساء بديات النساء، وديات الرجال بديات الرجال.
قال هؤلاء: فهي في شيء بعينه، وهي على هذا الحكم باقية لمن أتى بعدهم، وهي محكمة، وعلى هذا الذي ذكره يصح تأويل الآية ومعناها أيضا.
وذهب سعيد بن المسيب، والثوري، والنخعي، والشعبي، وقتادة، وأبو حنيفة وأصحابه إلى أن آية البقرة منسوخة بقوله عز وجل: {أن النفس بالنفس} الآية [المائدة: 45] فأجروا القصاص بين الحر والعبد، والذكر والأنثى، وقد مر الكلام على أنها منسوخة، وأن آية المائدة لا تصلح أن تكون ناسخة.
). [جمال القراء: 1/249-271]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين

أم صفية آل حسن 20 جمادى الآخرة 1434هـ/30-04-2013م 06:23 PM

قوله تعالى: { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا ٱلْوَصِيَّةُ لِلْوَٰلِدَيْنِ وَٱلْأَقْرَبِينَ بِٱلْمَعْرُوفِ ۖ حَقًّا عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ(180)}

قال الوليد بن محمد الموقّري الأموي (ت:182هـ): حدثني محمد بن مسلم بن عبد الله بن شِهَاب الزهري(124هـ) قال: (قوله تعالى: {إن ترك خيراً الوصية للوالدين والأقربين}. نسخت بآية الميراث.). [الناسخ والمنسوخ للزهري: 18-22]
قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ):
(
الآية الثامنة: قوله تعالى: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين} [180 مدنية / البقرة / 2] هذه الآية منسوخة وناسخها قوله تعالى: {يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين} [11 مدنية / النساء / 4].) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (باب ذكر الآية الخامسةقال اللّه جلّ وعزّ {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرًا الوصيّة للوالدين والأقربين بالمعروف حقًّا على المتّقين} [البقرة: 180]
في هذه الآية خمسة أقوالٍ:
فمن قال: إنّ القرآن يجوز أن ينسخ بالسّنّة، قال: نسخها:
«لا وصيّة لوارثٍ»
ومن قال من الفقهاء: لا يجوز أن ينسخ القرآن إلّا قرآنٌ قال: نسختها الفرائض
كما حدّثنا عليّ بن الحسين، عن الحسن بن محمّدٍ، قال: حدّثنا حجّاجٍ، عن ابن جريجٍ، وعثمان بن عطاءٍ، عن عطاءٍ،
عن ابن عبّاسٍ، في قوله جلّ وعزّ {الوصيّة للوالدين والأقربين} [البقرة: 180] قال: " كان ولد الرّجل يرثونه وللوالدين والأقربين الوصيّة فنسخها {للرّجال نصيبٌ ممّا ترك الوالدان والأقربون وللنّساء نصيبٌ ممّا ترك الوالدان والأقربون} [النساء: 7]
" وقال مجاهدٌ: " نسختها {يوصيكم اللّه في أولادكم للذّكر مثل حظّ الأنثيين} [النساء: 11] "
والقول الثّالث قاله الحسن قال:
«نسخت الوصيّة للوالدين وثبتت للأقربين الّذين لا يرثون»، وكذا روى ابن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ
وقال الشّعبيّ، والنّخعيّ: «الوصيّة للوالدين والأقربين على النّدب لا على الحتم»
والقول الخامس: إنّ الوصيّة للوالدين والأقربين واجبةٌ بنصّ القرآن إذا كانوا لا يرثون
قال أبو جعفرٍ: وهذا قول الضّحّاك، وطاوسٍ
قال طاوسٍ: «من أوصى لأجنبيّين وله أقرباء انتزعت الوصيّة فردّت إلى الأقرباء»
وقال الضّحّاك: «من مات وله شيءٌ ولم يوص لأقربائه فقد مات عن معصيةٍ للّه جلّ وعزّ»
وقال الحسن: «إذا أوصى رجلٌ لقومٍ غرباء بثلثه وله أقرباء أعطي الغرباء ثلث الثّلث وردّ الباقي على الأقرباء»
قال أبو جعفرٍ: فتنازع العلماء معنى هذه الآية وهي متلوّةٌ فالواجب أن لا يقال: إنّها منسوخةٌ؛ لأنّ حكمها ليس بنافٍ حكم ما فرضه اللّه جلّ وعزّ من الفرائض فوجب أن يكون {كتب عليكم إذا حضر أحدكم} [البقرة: 180] الآية
كقوله {كتب عليكم الصّيام} [البقرة: 183]
). [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 1/454-630]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية الحادية عشرة قوله تعالى {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصيّة للوالدين والأقربين بالمعروف حقّاً على المتّقين} نسخت بالكتاب والسّنة فالكتاب قوله تعالى {يوصيكم الله في أولادكم} الآية والسّنة قوله عليه السّلام ألا لا وصيّة لوارث
وقد ذهب طائفة إلى أن النّبي (صلى الله عليه وسلم) قال من لم يوصي لقرابته فقد ختم عمله بمعصية
وقال جماعة الآية كلها محكمة ذهب إلى ذلك الحسن البصريّوطاووس وقتادة والعلاء بن زيد ومسلم بن يسار
). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {الوصيّة للوالدين والأقربين}:
[الأشهر في هذه الآية أنها منسوخةٌ. واختلف في الناسخ لها ما هو؟ فمن أجاز أن تنسخ السّنة المتواترة القرآن قال: نسخ فرض الوصية للوالدين ما تواتر نقله من قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لا وصيّة لوارث)). - وقد حكاه أبو الفرج عن مالك كذلك -. ونسخت آية المواريث فرض الوصيّة للأقربين.
ومن منع نسخ القرآن بالسّنة قال:
نسخت الوصيّة للوالدين بقوله: {ولأبويه لكلّ واحد منهما السّدس} [النساء: 11] -وكذلك قال مالك في الموطأ- ونسخت الوصيّة للأقربين بالمواريث.
ولا حجّة لمن قال هذا على من قال له: ولم لا تثبت الوصيّة والفرض لهما؟ -لأنّه مطلقٌ في الموضعين لم يقل: لا شيء لوالديه إلا السّدسان فيكون ذلك ناسخًا للوصية. إنما قال: لهما السدسان فرضًا، وقال: لهما الوصية -.
فلا بدّ من استعمال قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا وصيّة لوارث)).
وقد يحتجّ من قال: نسخت آية المواريث الوصيّة بأن المواريث قد حدّ فيها قدرًا معروفًا، والوصيّة لم يحد فيها قدرًا معروفًا، فكان المحدود أولى من غير المحدود، وله من الحجّة غير ذلك.
وقد روى ابن وهبٍ وابن القاسم عن مالك أنه قال: نزلت هذه الآية قبل الفرائض، ثم أنزل الله فرائض المواريث، فنسخت المواريث الوصية للوالدين ولكل وارث، إلا أن يأذن الورثة -وكذلك قال ابن شهاب والحسن وعطاء وزيد بن أسلم-.
وقيل: الأحسن: أن يكون نسخ الوصية للوالدين قوله: ((لا وصية لوارث)). لأن الله لما ذكر فرض الوالدين، قال بعده: {من بعد وصيّةٍ}، فقد كان يجوز أن يثبت لهما الفرض المذكور من بعد ما يوصي لهما به بنصّ القرآن، فنسخ الوصية للوالدين بآية المواريث فيه إشكال لاتّصال قوله: {من بعد وصيّةٍ يوصي بها أو دين} بفرض الوالدين. فالنّسخ بالسنّة أولى به إذ لا إشكال في ذلك.
- على أنه قد أجمع المفسرون أنّ قوله: {الوصيّة للوالدين} نزل قبل نزول آية المواريث، ففي هذا قوّةٌ لنسخ الوصيّة للوالدين بآية المواريث-.
وكذلك الكلام في نسخ الوصيّة للزّوجات، في قوله: {وصيّةً لأزواجهم} [البقرة: 240]؛ لأن بعد فرضهنّ: {من بعد وصيّةٍ}، فنسخ ذلك بالسّنة أولى وأحسن عند قوم لما ذكرنا أولاً فافهمه.
وقد قيل: بل نسخ الوصيّة للأقربين التخصيص في قوله: {وإذا حضر القسمة أولو القربى واليتامى} [النساء: 8] -الآية-.
فحضّ الله على أن يعطوا إذا حضروا، ولو لم يفرض لهم ذلك، بدلالة الإجماع على أن اليتامى والمساكين المذكورين مع أولي القربى إذا حضروا القسمة لا فرض لهم يعطونه، وقد عطفوا على الأقربين، فالحكم فيهم واحد لا فرض لجميعهم. ولكنّه ندبٌ نسخ ما كان فرضًا من الوصيّة للأقربين. وبيّنت السّنّة أنّا غير مخيّرين في الوصيّة للوالدين المنسوخة وتركها؛ إذ قال -صلى الله عليه وسلم-: ((لا وصيّة لوارثٍ)).
وبقي التّخيير لنا في الوصيّة للأقربين غير الوارثين المنسوخة، إن شئنا فعلنا ذلك، وإن شئنا لم نفعله، وفعله أفضل كصوم عاشوراء - وهذا قول مالك وأصحابه وهو مروي عن ابن عباس، وهو قول مجاهد وابن زيد، وهو قول ابن عمر والسّدّي-.وقال قتادة والحسن في هذه الآية: نسخ منها الوصية للوالدين بآية المواريث، وبقي فرض الوصية للأقربين ممّن لا يرث، وهو اختيار الطبري.
وقد قال الضحاك: من مات ولم يوص لذي قرابته فقد ختم عمله بمعصية.
وقال الحسن: إذا أوصى الرّجل لغير ذي قرابته بثلثه فلهم ثلث الثلث، والباقي من الثلث لقرابته -وقاله طاووس-.
وقال الشعبي والنخعي: الوصيّة للوالدين والأقربين في الآية على الندب لا على الفرض. فمنعت السنة من جواز الوصية للوالدين وبقيت الوصيّة للأقربين على الندب.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (
ذكر الآية الثّالثة عشرة: قوله تعالى: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصيّة للوالدين والأقربين}.
اختلف المفسّرون في هذه الوصيّة، هل كانت واجبةً أم لا على قولين:
أحدهما: أنّها كانت ندبًا لا واجبةً، وهذا مذهب جماعةٍ منهم الشّعبيّ والنّخعيّ واستدلّوا بقوله (بالمعروف) قالوا: المعروف لا يقتضي الإيجاب وبقوله: (على المتقين) والواجب لا يختصّ به المتّقون.
والثّاني: (أنّها كانت فرضًا ثمّ نسخت، وهو قول جمهور المفسّرين، واستدلوا بقوله: {كتب} وهو بمعنى فرض كقوله تعالى: {كتب عليكم الصّيام} وقد نصّ أحمد في رواية الفضل بن زيادٍ، على نسخ هذه الآية، فقال: الوصيّة للوالدين، منسوخةٌ.
وأجاب أرباب هذا القول أهل القول الأوّل، فقالوا: ذكر المعروف لا يمنع الوجوب، لأنّ المعروف بمعنى العدل الذي لا شطط فيه ولا تقصير كقوله تعالى: {وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ بالمعروف} ولا خلاف في وجوب هذا [الرّزق والكسوة، فذكر المعروف في الوصيّة لا يمنع وجوبها بل يؤكّده، وكذلك تخصيص الأمر بالمتّقين دليلٌ على توكيده لأنّها إذا وجبت على المتقّين كان وجوبها على غيرهم أولى، وإنّما خصّهم بالذّكر، لأنّ فعل ذلك من تقوى اللّه تعالى، والتّقوى لازمةٌ لجميع الخلق.
فصلٌ: ثمّ اختلف القائلون، بإيجاب الوصيّة ونسخها بعد ذلك، في المنسوخ من الآية على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنّ جميع ما في الآية من إيجاب الوصيّة منسوخٌ، قاله ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما. أخبرنا عبد الوهّاب الحافظ، قال: أبنا أبو الفضل ابن خيرون، وأبو طاهرٍ الباقلاويّ، قالا: أخبرنا بن شاذان، قال: أبنا أحمد ابن كاملٍ، قال: أبنا محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي الحسين بن الحسن بن عطيّة قال: حدّثني أبي عن جدّي عن عبد اللّه بن عبّاسٍ
رضي اللّه عنهما {إن ترك خيراً الوصيّة للوالدين والأقربين}. قال: "نسخت الفريضة الّتي للوالدين والأقربين (الوصية) ".
أخبرنا ابن ناصرٍ، قال: أبنا ابن أيّوب، قال: أبنا ابن شاذان، قال: أبنا أبو بكرٍ النجاد، قال: بنا أبو داود السجستاني، قال: بنا الحسن بن محمّدٍ. وأخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد اللّه البقّال، قال: أبنا
عليّ بن محمّد بن بشران، قال: أبنا إسحاق بن أحمد الكاذيّ قال: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبلٍ، قال: حدثني أبي قال بنا حجاج قال:بنا ابن جريجٍ عن عطاءٍ الخراسانيّ عن ابن عبابس رضي اللّه عنهما {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصيّة} نسختها {للرّجال نصيبٌ ممّا ترك الوالدان} الآية.
أخبرنا عبد الحقّ بن عبد الخالق بن يوسف قال: أبنا محمّد بن مرزوقٍ، قال: أبنا أبو بكرٍ الخطيب، قال: أبنا ابن رزقٍ، قال: أبنا أحمد ابن سلمان، قال: بنا أبو داود، قال: بنا أحمد بن محمّدٍ، هو المروزيّ، قال: حدّثني عليّ بن الحسين بن واقدٍ، عن أبيه عن يزيد النّحويّ، عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما {إن ترك خيراً الوصيّة للوالدين والأقربين} فكانت الوصيّة كذلك حتّى نسختها آية الميراث.
أخبرنا أبو بكرٍ العامريّ، قال: أبنا عليّ بن الفضل، قال: أبنا ابن عبد الصّمد، قال: أبنا ابن حموية، قال: بنا إبراهيم بن خريم، قال: بنا عبد الحميد، قال: أبنا النّضر بن شميلٍ، قال: أبنا ابن عونٍ عن ابن سيرين، قال: كان ابن عبّاسٍ يخطب، فقرأ هذه الآية {إن ترك خيراً الوصيّة للوالدين والأقربين} فقال: هذه نسخت.
قال عبد الحميد: وحدّثنا يحيى بن آدم عن ابن حمّادٍ الحنفيّ عن جهضمٍ عن عبد اللّه بن بدرٍ الحنفيّ، قال: سمعت ابن عمر يسأل عن هذه الآية {الوصيّة للوالدين والأقربين} قال: نسختها آية المواريث.
قال عبد الحميد: وحدّثنا يحيى بن آدم عن محمد بن الفضيل، عن أشعث عن الحسن {إن ترك خيراً الوصيّة للوالدين والأقربين} قال: نسختها آية الفرائض.
قال عبد الحميد وأخبرني شبابة عن ورقاء عن (ابن أبي نجيحٍ) عن مجاهدٍ قال: كان الميراث للولد، والوصيّة للوالدين والأقربين، فهي منسوخة، وكذلك قال: سعيد بن جبيرٍ: {إن ترك خيراً الوصيّة} قال: نسخت).
القول الثّاني: أنّه نسخ منها الوصيّة للوالدين.
أخبرنا عبد الوهّاب، قال: أبنا أبو ظاهرٍ الباقلاويّ، قال: أبنا ابن شاذان، قال: أبنا عبد الرّحمن
ابن الحسن، قال: بنا إبراهيم بن الحسين، قال: بنا آدم عن الورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ {إن ترك خيراً الوصيّة} قال: كان الميراث للولد، والوصيّة للوالدين والأقربين ثمّ نسخ منه الوالدين.
أخبرنا إسماعيل، قال: أبنا أبو الفضل البقال قال: أبنا بن بشران، قال: أبنا إسحاق الكاذيّ، قال: أخبرنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبلٍ، قال: حدّثني أبي، قال: بنا أسود بن عامر، قال: بنا إسرائيل، عن مغيرة عن إبراهيم، قال: "كانت الوصيّة للوالدين فنسختها آية الميراث، وصارت الوصيّة للأقربين".
قال أحمد: وحدّثنا أبو داود عن زمعة عن ابن طاؤس عن أبيه قال: "نسخت الوصيّة عن الوالدين، وجعلت للأقربين".
قال أبو داود: وحدثنا حماد بن سلمة عن عطاء بن أبي ميمونة، قال:
سألت العلاء بن زيادٍ ومسلم بن يسارٍ عن الوصيّة، فقالا: "هي للقرابة".
القول الثّالث: أنّ الّذي نسخ من الآية الوصيّة (لمن) يرث ولم ينسخ الأقربون الّذين لا يرثون. رواه عكرمة عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، وهو قول الحسن والضّحّاك وأبي العالية.
أخبرنا أبو بكرٍ العامريّ، قال: أبنا علي بن الفضل، قالت: أبنا ابن عبد الصّمد، قال: أبنا عبد اللّه بن أحمد، قال: أبنا إبراهيم بن خريم، قال: بنا عبد الحميد، قال: بنا مسلم بن إبراهيم عن همّام بن يحيى، عن قتادة قال: أمر أن يوصي لوالديه، وأقربيه ثمّ نسخ الوالدين وألحق لكلّ ذي ميراثٍ نصيبه منها، وليست لهم منه وصيّةٌ فصارت الوصيّة لمن لا يرث من قريبٍ أو غير قريبٍ.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا أبو الفضل البقال، قال: بنا أبو الحسن بن بشران قال: أبنا إسحاق الكاذي، قال: بنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبلٍ، قال: حدّثني أبي قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أبنا يونس عن الحسن، قال: كانت الوصيّة للوالدين والأقربين فنسخ ذلك، وأثبتت لهما نصيبهما في سورة النّساء وصارت الوصيّة للأقربين الّذين لا يرثون، ونسخ من الأقربين كلّ وارثٍ.
قال أحمد: وحدّثنا عبد الوهّاب عن سعيدٍ عن قتادة {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت} قال: "أمر اللّه أن يوصي لوالديه وأقربائه ثمّ نسخ ذلك في سورة النّساء فألحق لهم نصيبًا معلومًا، وألحق لكلّ ذي ميراث نصيبه منه وليست لهم وصيّةٌ، فصارت الوصيّة لمن لا يرث من قريبٍ أو بعيدٍ".
أخبرنا أبو بكرٍ العامريّ، قال: أبنا عليّ بن الفضل، قال: أبنا ابن عبد الصّمد قال: أبنا ابن حمّوية، قال: أبنا إبراهيم، قال: بنا عبد الحميد، قال: بنا يحيى بن آدم، قال: بنا إسماعيل بن عياش، قال: بنا شرحبيل بن مسلمٍ، قال: سمعت أبا أمامة الباهليّ يقول سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم يقول: ((إنّ اللّه قد أعطى كلّ ذي حقٍّ حقّه فلا وصيّة لوارث))
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (العاشرة: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصيّة} . ذهب كثير من العلماء إلى نسخها بآية الميراث. ونصأحمد على ذلك فقال: الوصية للوالدين منسوخة.). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 14-21]قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (وقوله عز وجل: {كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين} الآية [البقرة: 180]، يجوز أن تكون منسوخة بآية الميراث وأن تكون محكمة: قالوا: كانت الوصية للوالدين والأقربين ثم نسخ ذلك.
وقيل: معناها أن يوصى للوالدين والأقربين بإمضاء ما فرض الله لهم، وسوغه من مال الميت، وألا يتعدى حكم الله فيه، فتكون على هذا محكمة.
قالوا: ومما يؤيد أنها منسوخة أنها نزلت قبل أن ينزل ما في "النساء".
وقال طاووس والحسن وغيرهما: هي محكمة.
وقيل: بعضها منسوخ وهو قوله تعالى: {للوالدين} وبعضها محكم وهو {الوصية للأقربين} وممن قال ذلك الشعبي والنخعي، واختاره الطبري، ويروي ذلك عن الحسن وعن قتادة والضحاك، وقال الضحاك: من مات ولم يوص للأقربين فقد ختم عمله بمعصية.
وقال الحسن وطاووس: إذا أوصى بثلث ماله لأجنبي فلقرابته من ذلك الثلثان وللأجنبي الثلث.
). [جمال القراء: 1/249-271]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين

أم صفية آل حسن 20 جمادى الآخرة 1434هـ/30-04-2013م 06:41 PM

قوله تعالى: { يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ كُتِبَ عَلَيْكُمُ ٱلصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ(183)}

قال الوليد بن محمد الموقّري الأموي (ت:182هـ): حدثني محمد بن مسلم بن عبد الله بن شِهَاب الزهري(124هـ) قال: (وقال أيضاً: {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}. كانوا في أول الصيام إذا صلى الناس العتمة ونام أحدهم حرم عليه الطعام والشراب والنساء، وصلوا الصيام حتى الليلة المقبلة. فاختان رجلٌ نفسه فجامع أهله بعدما صلى العتمة فنسخ ذلك فقال: {علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم}. وهو عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، وامرأته الأنصارية أم عاصم بن عمر واسمها جميلة بنت أبي عاصم الذي حماه الدبر أن يؤخذ رأسه وقتلوا يومئذ أبا الجيلان بن هذيل وأسروا خبيب بن عدي وزيد بن الدثنة، فنسخ شأن الصوم والنساء فقال تعالى: {فالآن باشروهن وابتغوا ما كتب الله لكم وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل}.
والذي أنزلت فيه آية الصوم هو صرمة بن أبي إياس، غلبته عينه فنام فحرم عليه الطعام والشراب حتى الليلة المقبلة فأنزل الله عز وجل الرخصة في الصوم والفرح والنسوة، وذلك [قوله تعالى: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} ]. *
). [الناسخ والمنسوخ للزهري: 18-22]
قال محمد بن كثيرٍ العَبْدي (ت:223هـ) عن همّام بن يحيى البصري قال: (وعن قوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياما معدودات إلى قوله من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} كانت فيها رخصة الشيخ الكبير والعجوز الكبيرة وهما لا يطيقان الصوم أن يطعما مكان كل يوم مسكينا أو يفطرا ثم نسخ تلك الآية التي بعدها فقال : {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر} فنسختها هذه الآية فكان أهل العلم يرون ويرجون أن الرخصة قد ثبتت للشيخ الكبير والعجوز الكبيرة إذا لم يطيقا القيام أن يطعما مكان كل يوم مسكينا وللحبلى إذا خشيت على ما في بطنها والمرضع إذا خشيت على ولدها
حدثنا قتادة عن يزيد بن عبد الله أخي مطرف بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص للحبلى والمرضع
). [الناسخ والمنسوخ لقتادة: 1/31-38]
قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (الآية التاسعة: قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} الآية [183 مدنية / البقرة / 2] منسوخة وذلك أنهم كانوا إذا فطروا أكلوا وشربوا وجامعوا النساء ما لم يصلوا العشاء الأخيرة ويناموا قبل ذلك ثم نسخ الله ذلك بقوله تعالى: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} ... إلى قوله: {وابتغوا ما كتب الله لكم} [187 / البقرة] في شأن عمر رضي الله عنه والأنصاري لأنهما جامعا معا ونزل في صرفه {وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} [187 مدنية / البقرة / 2]. ) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (كقوله {كتب عليكم الصّيام} [البقرة: 183]
باب ذكر قوله جلّ وعزّ {كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم لعلّكم تتّقون}[البقرة: 183]
وهي الآية السّادسة
قال أبو جعفرٍ: في هذه الآية خمسة أقوالٍ:
قال جابر بن سمرة: «هي ناسخةٌ لصوم يوم عاشوراء»، يذهب إلى أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمر بصوم يوم عاشوراء فلمّا فرض صيام شهر رمضان نسخ ذلك فمن شاء صام يوم عاشوراء ومن شاء أفطره
وإن كان قد صحّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم من حديث أبي قتادة «صوم يوم عاشوراء يكفّر سنةً مستقبلةً»
وقال عطاءٌ: {كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم} [البقرة: 183] «كتب عليكم صيام ثلاثة أيّامٍ من كلّ شهرٍ»
قال أبو جعفرٍ: فهذان قولان على أنّ الآية ناسخةٌ
وقال أبو العالية والسّدّي: هي منسوخةٌ؛ لأنّ اللّه جلّ وعزّ كتب على من قبلنا إذا نام بعد المغرب لم يأكل ولم يقرب النّساء، ثمّ كتب ذلك علينا فقال جلّ ثناؤه {كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم} [البقرة: 183] ثمّ نسخه بقوله جلّ وعزّ {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم} [البقرة: 187] وبما بعده
والقول الرّابع: إنّ اللّه جلّ وعزّ كتب علينا الصّيام شهرًا كما كتب على الّذين من قبلنا وأن نفعل كما كانوا يفعلون من ترك الوطء والأكل بعد النّوم ثمّ أباح الوطء والأكل بعد النّوم إلى طلوع الفجر
والقول الخامس: إنّه كتب علينا الصّيام وهو شهر رمضان كما كتب صوم شهر رمضان على من قبلنا
قال مجاهدٌ: كتب اللّه جلّ وعزّ صوم شهر رمضان على كلّ أمّةٍ
وقال قتادة: كتب اللّه جلّ وعزّ صوم شهر رمضان على من قبلنا وهم النّصارى
قال أبو جعفرٍ: وهذا أشبه بما في الآية، وفيه حديثٌ يدلّ على صحّته قد مرّ قبل هذا غير مسندٍ ثمّ كتبناه مسندًا
عن محمّد بن محمّد بن عبد اللّه، قال: حدّثنا اللّيث بن الفرج، قال: حدّثنا معاذ بن هشام بن أبي عبد اللّه الدّستوائيّ، قال: حدّثني أبي، عن قتادة، عن الحسن، عن دغفل بن حنظلة، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: " كان على النّصارى صوم شهرٍ فمرض رجلٌ منهم فقالوا: لئن اللّه جلّ وعزّ شفاه لنزيدنّ عشرًا، ثمّ كان ملكٌ آخر فأكل لحمًا فأوجع فاه فقالوا: لئن اللّه جلّ وعزّ شفاه لنزيدنّ سبعًا، ثمّ كان ملكٌ آخر فقال: لنتمّنّ هذه السّبعة الأيّام ونجعل صومنا في الرّبيع " قال: فصار خمسين " قال أبو جعفرٍ: أمّا قول عطاءٍ: إنّها ناسخةٌ لصوم ثلاثة أيّامٍ فغير معروفٍ وقول من قال: إنّه نسخ منها ترك الأكل والوطء بعد النّوم لا يمتنع، وقد تكون الآية ينسخ منها الشّيء كما قيل في الآية السّابعة
). [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 1/454-630]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {كتب عليكم الصّيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلّكم تتقون} الآية.
قال ابن حبيب: هذا من قوله: {فبهداهم اقتده} [الأنعام: 90] وكان المسلمون يقتدون بصيام أهل الكتاب وفعلهم، فكانوا إذا صلّوا العشاء حرم عليهم الطعام والشّراب والوطء إلى مثلها من اللّيلة القابلة.
وقيل: كان يلزمهم ذلك إذا ناموا.
فخفّف الله ذلك عنهم، ونسخه بقوله: {وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود} [البقرة: 187] الآية. وبقوله: {أحلّ لكم ليلة الصيام الرّفث إلى نسائكم} [البقرة 187] الآية.
ونسخ فرض صيام من كان قبلنا بفرض رمضان.
قلت: فالآية على قوله منسوخةٌ، أعلمنا الله فيها أنه فرض علينا مثل ما فرض على من كان قبلنا. ثم نسخ ذلك. وهو قول السّدّي وأبي العالية.
وقيل: الآية ناسخةٌ وليست بمنسوخةٍ واختلف في ذلك:
فقيل: هو ناسخٌ لما فرض النبيّ -صلى الله عليه وسلم- على أمته من صوم يوم عاشوراء. قالت عائشة -رضي الله عنها-: "كان يوم عاشوراء يومًا تصومه قريش في الجاهلية، فلمّا قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة، صامه وأمر بصيامه. فلما فرض رمضان كان هو الفريضة. وترك صيام يوم عاشوراء، فمن شاء صامه ومن شاء تركه" -وقاله جابر بن سمرة وغيره-.
وقد قال قومٌ: إن فرض صوم يوم عاشوراء باقٍ إلى الآن،
وهو قول شاذٌّ، غير معمولٍ به.
والنّسخ لصوم يوم عاشوراء كان بالمدينة لحديث عائشة -رضي الله عنها- وقولها: فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة صامه، وأمر الناس بصيامه؛ لأن صوم رمضان بالمدينة فرض.
وقال ابن عباس: هذا ناسخ لما كان أمر به النبي صلى الله عليه وسلم كان أمر بصيام ثلاثة أيام من كلّ شهر في أوّل قدومه المدينة، وقاله معاذٌ وغيره وقال عطاء: هو ناسخٌ لما فرض على من كان قبلنا، كان فرض عليهم صوم ثلاثة أيام من كلّ شهر، وهو قول قتادة.
قال أبو محمد: وقوله تعالى: {علم الله أنّكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا} [البقرة: 187]، يدلّ على أن الله فرض علينا ما كان فرضه على من كان قبلنا من الصيام وترك الطّعام والشراب والوطء بعد النوم. فهو منسوخٌ بما بعده، دليل ذلك أن الخيانة لا تلحق إلاّ من ترك ما أمر به وفعل ما نهي عنه.
وقوله: {فتاب عليكم}، يدلّ على ذنبٍ اكتسبوه وهو الوطء والأكل والشّرب بعد النوم في ليالي الصيام.
وكذلك قوله: {وعفا عنكم} يدلّ على أنهم أذنبوا ذنبًا عفا لهم عنه، وهو ما ذكرنا. ولا يكون الذّنب إلاّ عن ركوب نهيٍ أو ترك أمر، فدلّ على أنه كان مفروضًا عليهم، ثم نسخ بإباحة الأكل والشرب والوطء بعد النوم.
وقد قال الشعبي والحسن ومجاهد: الآية محكمةٌ غير ناسخة ولا منسوخة. وذلك أن الله جلّ ذكره كان قد افترض على من كان قبلنا من النصارى صوم رمضان، فحولّوه عن وقته، ثم زاد كل قرنٍ يومًا في أوله للاستبراء والاحتياط ويومًا في آخره حتّى صار إلى خمسين يومًا، ففرض الله علينا صومه خاصّة كما كان فرضًا عليهم بقوله: {كتب عليكم الصّيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلّكم تتّقون} [البقرة: 183].والكلام في إعراب الكاف من قوله: {كما كتب}، يصرح بالمعنى وببيّنه، وقد ذكرناه في غير هذا الكتاب.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية الرّابعة عشرة: قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم}.
أمّا قوله كتب، فمعناه: فرض.والّذين من قبلنا، هم أهل الكتاب وفي كاف التّشبيه في قوله: (كما) ثلاثة أقوال:
أحدها: أنّها ترجع إلى حكم الصّوم وصفته لا إلى عدده.
أخبرنا عبد الحقّ بن عبد الخالق، قال: أبنا محمّد بن مرزوقٍ، قال: أبنا أحمد بن عليّ بن ثابتٍ، قال: أبنا عبد اللّه بن يحيى السّكّريّ، قال: أبنا جعفرٌ الخلديّ، وقال: أبنا أبو علاثة محمّد بن عمرو بن خالد، قال: بنا أبي قال: بنا يونس بن راشدٍ، عن عطاءٍ الخراسانيّ عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما.
وأخبرنا إسماعيل بن أحمد، وقال: بنا أبو الفضل البقّال، قال: أبنا أبو الحسين بن بشران قال: بنا إسحاق الكاذي قال: بنا عبد اللّه بن أحمد قال حدثني أبي قال: بنا حجّاجٌ عن ابن جريجٍ عن عطاءٌ عن ابن عبّاسٍ رضي
اللّه عنهما ولم يذكر عكرمة.
قال: {كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم} يعني بذلك: أهل الكتاب، وكان كتابه على أصحاب محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، أنّ الرّجل كان يأكل ويشرب، وينكح، ما بينه وبين أن يصلّي العتمة، أو يرقد وإذا صلّى العتمة أو رقد منع ذلك إلى مثلها، فنسختها هذه الآية {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم}.
أخبرنا محمّد بن أبي منصورٍ قال: أبنا عليّ بن أبي أيّوب، قال: أبنا أبو عليّ بن شاذان، قال: أخبرنا أبو بكر النجاد، قال: بنا أبو داود السّجستانيّ، قال: أبنا نصر بن علي، قال: بنا أبو أحمد، قال: بنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن البراء، قال: كان الرّجل إذا صام فنام لم يأكل إلى مثلها من القابلة، وأنّ قيس بن صرمة، أتى امرأته، وكان صائمًا فقال: عندك شيءٌ قالت: لعلّي أذهب فأطلب لك، فذهبت وغلبته عينه فجاءت فقالت: خيبةٌ لك فذكر ذلك للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم،
فنزلت {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم} إلى قوله {من الفجر}.
وقال سعيد بن جبيرٍ: "كتب عليهم إذا نام أحدهم قبل أن يطعم لم يحلّ له أن يطعم إلى القابلة، والنّساء عليهم حرامٌ ليلة الصّيام، وهو عليهم ثابتٌ وقد أرخص لكم". فعلى هذا القول تكون الآية منسوخةً بقوله تعالى: {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم} الآية.
وقد روي أنّ قيس بن صرمة أكل بعدما نام، وأن عمربن الخطّاب جامع زوجته بعد أن نامت، فنزل فيهما قوله تعالى: {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم} الآية.
القول الثّاني: أنّها ترجع إلى عدد الصّوم لا إلى صفته، ولأرباب هذا القول في ذلك ثلاثة أقواله:
أمّا الأوّل: فأخبرنا أبو بكر بن حبيب، قالت: أبنا عليّ بن الفضل العامريّ قال: أبنا ابن عبد الصّمد، قال: أبنا ابن حمّوية، قال: أبنا إبراهيم ابن خريم قال: حدّثنا عبد الحميد، قال: بنا هاشم بن القاسم، قال بنا محمّد بن طلحة عن الأعمش، قال: قال ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما كتب على النّصارى الصّيام كما كتب عليكم، فكان أوّل أمر النّصارى أن قدموا يوماً قالوا: حتى لا نخطئ.
قال: ثمّ آخر أمرهم صار إلى أن قالوا: نقدّمه عشرًا ونؤخر عشراً حتى لا نخطئ. فضلّوا، وقال دغفل بن حنظلة كان على
النّصارى صوم رمضان فمرض ملكهم (فقالوا) إن شفاه الله تعالى لنزيدن
عشرةً، ثمّ كان بعده ملكٌ آخر فأكل اللّحم فوجع فوه فقال: إن شفاه ليزيدنّ سبعة أيّامٍ ثمّ ملكٌ بعده ملكٌ، فقال: ما ندع من هذه الثّلاثة الأيّام أن نتمّها، ونجعل صومنا في الرّبيع، ففعل فصارت خمسين يومًا.
وروى السّدّيّ عن أشياخه، قال: اشتدّ على النّصارى صيام رمضان، وجعل يتقلّب عليهم في الشّتاء والصّيف، فلمّا رأوا ذلك اجتمعوا فجعلوا صيامًا في الفصل بين الشّتاء والصّيف، وقالوا نزيد عشرين يومًا نكفّر بها ما صنعنا فجعلوا صيامهم خمسين يومًا فعلى هذا البيان الآية محكمةٌ غير منسوخةٍ.
وأمّا الثّاني: فأخبرنا عبد الوهّاب، قال: أبنا أبو الفضل بن خيرون، وأبو طاهرٍ الباقلاويّ، قالا. أخبرنا أبو عليّ بن شاذان، قال: أبنا أحمد بن كاملٍ، قال: أبنا محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثنا أبي قال حدّثني عمّي الحسين ابن الحسن بن عطيّة، قال: حدّثني أبي عن جدّي عن ابن عباس رضي الله
عنهما {كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم} فكان ثلاثة أيّامٍ في
كلّ شهرٍ، ثمّ نسخ ذلك ما أنزل من صيام رمضان وقال قتادة: كتب الله عز وجل على النّاس قبل نزول شهر رمضان ثلاثة أيّامٍ من كلّ شهرٍ.
وأمّا الثّالث: فقد روى (النّزّال) بن سبرة عن ابن مسعودٍ، أنّه قال: ثلاثة أيّامٍ من كلّ شهرٍ، ويوم (عاشوراء) وقد زعم أرباب هذا القول، أنّ الآية منسوخةٌ بقوله: {شهر رمضان} وفي هذا بعدٌ كثيرٌ، لأنّ قوله {شهر رمضان} جاء عقيب قوله {كتب عليكم الصّيام} فهو كالتّفسير للصّيام والبيان له.
القول الثّالث: إنّ التّشبيه راجعٌ إلى نفس الصّوم لا إلى صفته ولا إلى عدده، وبيان ذلك، أنّ قوله تعالى: {كما كتب على الّذين من قبلكم} لا يدلّ على عددٍ ولا صفةٍ، ولا وقتٍ، وإنّما يشير إلى نفس الصّيام كيف وقد عقّبه اللّه بقوله تعالى {أيّاماً معدوداتٍ} فتلك يقع على يسير الأيّام وكثيرها.
فلمّا قال تعالى: في نسق التّلاوة شهر رمضان، بيّن عدد الأيّام المعدودات ووقتها، وأمر بصومها فكان التّشبيه الواقع في نفس الصّوم. والمعنى كتب عليكم أن تصوموا كما كتب عليهم، وأمّا صفة الصّوم وعدده فمعلومٌ من وجوهٍ أخر لا من نفس الآية.وهذا المعنى مرويٌّ عن ابن أبي ليلى وقد أشار إليه السّدّيّ والزّجّاج، والقاضي أبو يعلى، وما رأيت مفسّرًا يميل إلى التحقيق إلا وقد أومأ إليه، وهو الصّحيح. وما ذكره المفسّرون فإنّه شرح حال صوم المتقدمين، وكيف كتب عليهم لا أنه تفسيرٌ للآية وعلى هذا البيان لا تكون الآية منسوخةً أصلا.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية الثّانية عشرة قوله تعالى {يا أيّها الّذين آمنوا كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم} اختلف النّاس في الإشارة إلى من هي فقال بعضهم الإشارة إلى الأمم الخالية وهو قول الأكثرين وذلك أن الله تعالى ما أرسل نبيا إلّا فرض عليه وعلى أمته صيام شهر رمضان فكفرت به الأمم كلها وآمنت به أمة محمّد (صلى الله عليه وسلم) فيكون التّنزيل على هذا الوجه مدحا لهذه الأمة وقال بعضهم الإشارة إلى النّصارى وذلك أنهم كانوا إذا أفطروا وأكلوا وشربوا جامعوا النّساء ما لم يناموا وكان المسلمين كذلك وزيادة عليهم كانوا إذا أفطروا وأكلوا وشربوا جامعوا النّساء ما لم يناموا ويصلوا العشاء الآخرة فعمد أربعون رجلا من المهاجرين والأنصار فجامعوا نساءهم بعد النّوم منهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه وذلك
أنه رواد امرأته عن نفسها فقالت إنّي كنت قد نمت وكان أي الزّوجين إذا نام حرم على الآخر فلم يلتفت إلى قولها فجامعها فجاءت الأنصار فأقرت على أنفسها عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بفعالها وأقر عمر على نفسه بفعله فقال له النّبي (صلى الله عليه وسلم) لقد كنت يا عمر جديرًا أن لا تفعل فقام يبكي وكان النّبي (صلى الله عليه وسلم) يمشي بالمدينة فرأى شيخا كبيرا من الأنصار يقال له صرمة بن قيس يكنى أبا قيس من بني النجار وهو يهادي بين رجلين ورجلاه تخطان الأرض خطا فقال له النّبي (صلى الله عليه وسلم) ما لي أراك يا أبا قيس طليحا قال الشّيخ هبة الله والطليح الضّعيف فقال يا رسول أنّي دخلت على امرأتي البارحة فقالت عليّ رسلك أبا قيس حتّى أسخن لك طعاما قد صنعته لك فمضت لإسخانه فحملتني عيناي فنمت فجائتني بالطّعام فقالت الخيبة الخيبة حرم واللهعليك الطّعام والشراب فأصبحت طاويا وعملت في أرضي فغشي عليّ من الضعف فرق له النّبي (صلى الله عليه وسلم) حتّى دمعت عيناه وكان قصّة صرمة قبل قصّة عمر والأنصار فبدأ الله بقصّة عمر والأنصار لأن الجناح في الوطء أعظم منه في الأكل والشرب فنزل {أحلّ لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم} إلى قوله {فتاب عليكم وعفا عنكم} في شأن عمر والأنصار ونزل في قصّة صرمة قوله تعالى {وكلوا واشربوا} إلى قوله {ثمّ أتمّوا الصيام إلى الليل} فصارت هذه الآية ناسخة لقوله تعالى {كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم} الآية
). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (الحادية عشرة: {كتب عليكم الصّيام كما كتب على الّذين من قبلكم} ذهب بعضهم إلى أن الإشارة إلى صفة الصوم وكان قد كتب على من قبلنا أنه إذا نام أحدهم في الليل لم يجز له الأكل إذا انتبه بالليل ولا الجماع فنسخ ذلك عنا بقوله {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم} الآية والصحيح أن الإشارة إلى نفس الصوم والمعنى كتب على من قبلكم أن يصوموا وليست الإشارة إلى صفة الصوم ولا إلى عدده فالآية على هذا محكمة.). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 14-21]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (وقال قوم في قوله عز وجل: {كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم} الآية [البقرة: 183] إن الآية منسوخة، وإن المسلمين كانوا يقتدون بفعل أهل الكتاب في صومهم، فكانوا إذا ناموا حرم بعد نومهم أن يأكلوا أو يشربوا أو يقربوا النساء، وكذلك بعد صلاة العشاء الآخرة وإن لم يناموا، وليس هذا القول بشيء، وإنما المعنى: فرض عليكم الصيام كما فرض على الذين من قبلكم. أي: أوجبه الله تعالى عليكم كما أوجبه على الذين من قبلكم.
قال علي رضي الله عنه: (أولهم آدم وجميع الأمم مفروض عليهم الصوم).
وقال قوم: أراد بقوله: {أياما معدودات} الآية [البقرة: 184] يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر، كتب على رسول الله صلى الله عليه وسلم صيامها حين هاجر، ثم نسخ بشهر رمضان، وهذا غير صحيح؛ لأنه بين الأيام المعدودات بقوله عز وجل: {شهر رمضان} الآية [البقرة: 185].
وأما قوله عز وجل: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين) قيل: إنها منسوخة، وكانوا: من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا عن كل يوم، ثم نسخ ذلك بقوله عز وجل: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} الآية [البقرة: 185]، وقد قيل إنها محكمة.
وقوله: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} الآية [البقرة: 185] يريد: من أفطر لمرض ثم صح فأطاق القضاء فلم يقض حتى أدركه فرض الصوم لعام آخر فإنه يصوم الذي أدركه فإذا فرغ منه قضى الذي فاته وأطعم عن كل يوم مدا، وأما من اتصل به المرض فلم يطق أن يقضي حتى جاء الصوم الآخر، فإنه يقضي، إذا أطاق بعد ذلك ولا إطعام عليه، وهذا القول قول زيد بن أسلم وابن شهاب ومالك رحمه الله في رواية ابن وهب عنه.
ويجوز – والله أعلم – أن تكون محكمة، ويكون معنى قوله: {وعلى الذين يطيقونه} الآية [البقرة: 184] أي الذين يتعمدون الفطر من غير عذر فإنهم يلزمهم إطعام ستين مسكينا، أو العتق، أو صوم شهرين. والسنة بينت الإطعام وزادت العتق والصيام.
وليس التأويل الأول: كانوا من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم – بمتفق عليه بين الصحابة – إنما ذلك قول معاذ بن جبل رحمه الله، وقد خالفه ابن عباس وأبو بكر الصديق رضي الله عنه، وقرأ: (وعلى الذين يطوقونه) بضم الياء وفتح الطاء وتشديد الواو.
وقال ابن عباس رحمه الله: (نزلت في الكبيرين اللذين لا يقدران على الصوم والمريض)، وعلى هذه القراءة أيضا عائشة رضي الله عنها وعطاء وابن جبير وعكرمة.
وعن مجاهد: (يطوقونه) بفتح الواو وتشديد الطاء والواو، أي يتكلفونه.
ومعنى الأولى يكلفونه على جهد وعسر، ولو كانوا في صدر الإسلام على ما قيل من التأويل الأول لمنع شهرة ذلك من وقوع هذا الخلاف.
وأنا أذكر بعون الله الآيات التي قيل إنها منسوخة ولها وجه تحمل عليه فتكون محكمة.
). [جمال القراء: 1/249-271]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين

أم صفية آل حسن 20 جمادى الآخرة 1434هـ/30-04-2013م 06:50 PM

قوله تعالى: {أَيَّامًۭا مَّعْدُودَٰتٍۢ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍۢ فَعِدَّةٌۭ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى ٱلَّذِينَ يُطِيقُونَهُۥ فِدْيَةٌۭ طَعَامُ مِسْكِينٍۢ ۖ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْرًۭا فَهُوَ خَيْرٌۭ لَّهُۥ ۚ وَأَن تَصُومُوا۟ خَيْرٌۭ لَّكُمْ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ(184)}

قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (الآية العاشرة: قوله تعالى: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} [184 مدنية / البقرة / 2] هذه الآية نصفها منسوخ وناسخها قوله تعالى: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} [185 / البقرة] يعني فمن شهد منكم الشهر حيا بالغا صحيحا عاقلا فليصمه.) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (باب ذكر الآية السّابعةقال جلّ وعزّ {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ فمن تطوّع خيرًا فهو خيرٌ له وأن تصوموا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون} [البقرة: 184]
قال أبو جعفرٍ: في هذه الآية أقوالٌ أصحّها أنّها منسوخةٌ، سياق الآية يدلّ على ذلك والنّظر والتّوقيف من رجلين من أصحاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم
كما قرئ على أحمد بن شعيبٍ، عن قتيبة بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بكر بن مضر، عن عمرو بن الحارث، عن بكيرٍ، عن يزيد، مولى سلمة بن الأكوع، عن سلمة بن الأكوع، قال: " لمّا نزلت هذه الآية {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ} [البقرة: 184] كان من شاء منّا صام ومن شاء أن يفتدي فعل حتّى نسختها الآية الّتي بعدها "
قال أبو جعفرٍ: حدّثنا عليّ بن الحسين، عن الحسن بن محمّدٍ، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، وعثمان بن عطاءٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قول اللّه تبارك وتعالى {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ} [البقرة: 184] قال: " كان الرّجل يصبح صائمًا أو المرأة في شهر رمضان ثمّ إن شاء أفطر وأطعم مسكينًا فنسختها {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه} [البقرة: 185] " قال أبو جعفرٍ: فهذا قولٌ
وقال السّدّيّ {وعلى الّذين يطيقونه} [البقرة: 184] كان الرّجل يصوم من رمضان ثمّ يعرض له العطاش فأطلق له الفطر وكذلك الشّيخ الكبير والمرضع يفطرون ويطعمون عن كلّ يومٍ مسكينًا {فمن تطوّع خيرًا} [البقرة: 184] فأطعم مسكينين فهو خيرٌ له
وقال الزّهريّ {فمن تطوّع خيرًا} [البقرة: 184] صام وأطعم مسكينًا فهو خيرٌ له
وقيل: المعنى الّذين يطيقونه على جهدٍ قال أبو جعفرٍ: الصّواب أن يقال: الآية منسوخةٌ بقوله جلّ وعزّ {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه} [البقرة: 185]؛ لأنّ من لم يجعلها منسوخةً جعله مجازًا وقال المعنى: يطيقونه على جهدٍ أو قال: كانوا يطيقونه فأضمر كان وهو مستغنٍ عن هذا وقد اعترض قومٌ بقراءة من قرأ «يطوّقونه»، «ويطّوّقونه»
ولا يجوز لأحدٍ أن يعترض بالشّذوذ على ما نقله جماعة المسلمين في قراءتهم وفي مصاحفهم ظاهرًا مكشوفًا وما نقل على هذه الصّورة فهو الحقّ الّذي لا شكّ فيه أنّه من عند اللّه جلّ وعزّ ومحظورٌ على المسلمين أن يعارضوا ما تثبت به الحجّة أنّه من عند اللّه بالظّنون والأوهام والشّذوذ، وما لا يوقف منه على حقيقةٍ
غير أنّ العلماء قد احتجّوا بهذه الآية وإن كانت منسوخةً؛ لأنّها ثابتةٌ في الخطّ وهذا لا يمتنع، فقد أجمع العلماء على أنّ قوله جلّ وعزّ: {واللّاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهنّ أربعةً منكم} [النساء: 15] أنّه منسوخٌ
وثبّتوا منها شهادة أربعةٍ في الزّنا فكذا {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ} [البقرة: 184]
وإن كانت منسوخةً ففيها غير حجّةٍ وذلك أنّه قد أجمع العلماء على أنّ المشايخ والعجائز الّذين هم لا يطيقون الصّيام أو يطيقونه على مشقّةٍ شديدةٍ فلهم الإفطار، وقال ربيعة، ومالكٌ: لا شيء عليهم إذا أفطروا غير أنّ مالكًا قال: لو أطعموا عن كلّ يومٍ مسكينًا مدًّا كان أحبّ إليّ، وقال أنس بن مالكٍ، وابن عبّاسٍ، وقيس بن السّائب، وأبو هريرة عليهم الفدية
وهو قول الشّافعيّ اتّباعًا منه لقول الصّحابة وهذا أصلٌ من أصوله
وحجّةٌ أخرى فيمن قال: عليهم الفدية: إنّ هذا ليس بمرضٍ ولا هم مسافرون فوجبت عليهم الفدية لقول اللّه جلّ وعزّ {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ} [البقرة: 184]
والحجّة لمن قال: لا شيء عليهم أنّه من أفطر ممّن أبيح له الفطر فإنّما عليه القضاء إذا وصل إليه وهؤلاء لا يصلون إلى القضاء، وأموال النّاس محظورةٌ إلّا بحجّةٍ يجب التّسليم لها ولم يأت ذلك
وممّا وقع فيه الاختلاف أيضًا الحبلى والمرضع إذا خافتا على ولديهما
فأفطرتا فمن النّاس من يقول: عليهما القضاء بلا كفّارةٍ هذا قول الحسن، وعطاءٍ، والضّحّاك، وإبراهيم، وهو قول أهل المدينة
وقول ابن عمر، ومجاهدٍ عليهما القضاء والكفّارة وهو قول الشّافعيّ
وقول ابن عبّاسٍ، وسعيد بن جبيرٍ، وعكرمة عليهما الفدية ولا قضاء عليهما
والحجّة لمن قال عليهما القضاء بلا كفّارةٍ أنّ من أفطر وهو مأذونٌ له في الفطر فإنّما عليه يومٌ يصومه كاليوم الّذي أفطره
وحجّة من قال: عليهما القضاء والكفّارة أنّهما أفطرتا من أجل غيرهما فعليهما القضاء لتكملا العدّة وعليهما الكفّارة لقول اللّه جلّ وعزّ {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ} [البقرة: 184] وحجّة من قال: عليهما الفدية بغير قضاءٍ الآية أيضًا وليس في الآية قضاءٌ فاحتجّ العلماء بالآية وإن كانت منسوخةً وكان بعضهم يقول: ليست بمنسوخةٍ، والصّحيح أنّها
منسوخةٌ والآية الثّامنة ناسخةٌ بإجماعٍ
). [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 1/454-630]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية الثّالثة عشرة قوله تعالى {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ} وهذه الآية نصفها منسوخ ونصفها محكم وقد قرأت {يطوقونه} فمن قرأ {يطيقونه} أراد يطيقون صيامه ومن قرأ يطوّقونه يعني يكلفونهوكان الرجل في بدء الإسلام مخيّرا إن شاء صام وإن شاء أفطر وأطعم مكان يومه مسكينا حتّى قال الله تعالى فمن تطوع خيرا وأطعم مسكينا بمكان يومه كان أفضل والإطعام مد من طعام على قول أهل الحجاز وعلى قول أهل العراق نصف صاع حتّى أنزل الله تعالى الآية الّتي تليها وهي قوله تعالى {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} وهذا الظّاهر يحتاج إلى كشف ومعناه والله أعلم من شهد منكم الشّهر حاضرا عاقلا بالغا صحيحا فليصمه فصار هذا ناسخا لقوله تعالى {وعلى الّذين يطيقونه}). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (
قوله تعالى: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين} الآية:
الأشهر المعوّل عليه في هذه الآية أنها منسوخةٌ بقوله تعالى: {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه} [البقرة: 185].
وذلك أن الله جلّ ذكره فرض صوم شهر رمضان، وكان قد أباح بهذه الآية للمقيم القادر على الصّوم أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينًا، بقوله: {وعلى الذين يطيقونه فديةٌ طعام مساكين} أي: على الذين يطيقون الصّوم ويفطرون فديةٌ، ثم بيّن الفدية، فقال: طعام مسكين يعني: عن كل يوم.
ثم نسخ ذلك بقوله: {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه}، أي: فمن شهده في المصر صحيحًا فليصمه فأوجب عليه الصّوم.
قال معاذ بن جبل: لما قال الله جلّ ذكره: {وعلى الذين يطيقونه فديةٌ طعام مساكين}، كان من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينًا عن
كلّ يوم. قال: ثمّ أوجب الله الصّيام على الصحيح المقيم بقوله: {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه}، وثبت الإطعام على من لا يطيق الصّوم إذا أفطر من كبرٍ - وهو قول ابن عمر وعكرمة والحسن وعطاء، وعليه جماعةٌ من العلماء -.
وقال مالك: الآية منسوخةٌ والإطعام على الكبير إذا أفطر ولم يطق الصّوم، وروي عنه أنه استحبّ الإطعام للكبيرين إذا أفطرا ولم يطيقا الصوم من غير إيجاب.
وأما الحامل تخاف على نفسها فتفطر فعليها القضاء إذا وضعت. ولا إطعام عليها لأنها مريضةٌ.
والمرضع إذا خشيت على ولدها فأفطرت فالإطعام عليها مع القضاء إيجابٌ، بخلاف الحامل والكبيرين؛ ولأنها صحيحةٌ، وإنما أفطرت من أجل ولدها.
فأما المريض فلا إطعام عليه إذا أفطر ولم يقدر على الصّوم، وعليه القضاء إذا صحّ. وكذلك المسافر لقوله تعالى: {فمن كان منكم مريضًا أو على سفرٍ فعدّةٌ من أيّامٍ أخر} [البقرة: 184] أي: فعليه صوم عدّة ما أفطر من أيام أخر، لا غير.
وقد روى ابن وهب، قال، قال لي مالكٌ في الآية:
إنما ذلك في الرّجل يمرض فيفطر ثمّ يبرأ فلا يقضي ما أفطر حتّى يدركه رمضانٌ آخر من قابل، فعليه أن يبدأ برمضان الذي أدركه، ثم يقضي الذي فاته بعد ذلك، ويطعم عن كلّ يوم مدًّا من حنطة.
قال مالك: وأما رجل اتّصل به المرض إلى أن دخل عليه رمضان المقبل، فليس عليه إطعام وعليه القضاء على كلّ حال.
قال أبو محمد: وهذا التأويل يدلّ على أن الآية: محكمة عنده في هذه الرّواية، ومعنى {الّذين يطيقونه} - على هذا التأويل -: أي: يطيقون قضاء ما عليهم فلا يقضون حتى يأتي رمضانٌ آخر فعليهم صوم الداخل وقضاء الفائت بعد ذلك وإطعام مدٍّ عن كل يوم فهي محكمة على هذا التأويل وهو قول زيد بن أسلم. وقاله ابن شهاب أيضًا. وعنه أنها منسوخةٌ.
وقال قتادة: إنما كانت الرّخصة في الإفطار والإطعام للكبيرين يطيقان الصّوم، ثم نسخ ذلك بقوله: {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه}، قال: والرّخصة باقية للكبيرين اللّذين لا يطيقان الصوم، يفطران ويطعمان. وقد روي مثل ذلك عن ابن عباس. روي عنه أنه قال: نزلت في
الكبيرين اللّذين لا يطيقان الصّوم والمريض فهي محكمةٌ غير منسوخةٍ - على هذا القول -.
قال أبو محمد: وهذا التأويل إنما يصحّ على قراءة من قرأ: {وعلى الذين يطوّقونه} بالتشديد وفتح الطاء على معنى: يكلفون الصّوم ولا يقدرون عليه فيفطرون، وهي قراءة مرويةٌ عن عائشة رضي الله عنها وبذلك قرأ ابن جبير وعطاء وعكرمة.
وقرأ مجاهد: {وعلى الذين يطّوّقونه} بفتح الياء وتشديد الطّاء والواو على معنى: يتكلفونه. أي: يتكلفون الصوم ولا يقدرون عليه.
فهي محكمةٌ غير منسوخة هاتين القراءتين. وقد روي عن ابن عباس أنه قرأ: يطيّقونه - بفتح الياء الأولى وبياء مشددة مفتوحة بعد الطاء -.
وقد طعن في هذه القراءة بالياء؛ لأن الفعل عينه "واو" ومعناها كمعنى القراءتين اللّتين قبلها في أن الآية محكمةٌ في الكبيرين والمريض.
يفطرون إذا لم يقدروا على الصّوم ويطعمون، إلا أنّ المريض يقضي إذا صحّ، ولا يقضي الكبيران؛ لأنهما لا ينتقلان إلى غير الكبر إلاّ أن يكونا مريضين، أو كانا صحيحين يقدران على الصوم فيفطرن للمرض، فلا بدّ من القضاء عليهما.
وأكثر الناس على أنه لا إطعام على المريض.
وقد ذكر الأشعريّ عن الحسن في هذه الآية قولاً غريبًا قال: إن المعنى: وعلى الذين يطيقون الإطعام ويعجزون عن الصّيام طعام مساكين وقال: هذا قولٌ مروي عن السّلف وهو قول الحسن.
وذكر ذلك ابن الأنباري ولم يذكر الحسن.
قال: وذهب ذاهبون إلى أن الهاء راجعةٌ على الفداء، وقدّروه: وعلى الذين يطيقون الفداء إذا كرهوا الصّوم فديةٌ طعام مساكين فنسخ ذلك بما بعده.
قال: وبنى آخرون على أن الهاء تعود على الفداء أيضًا. والآية غير منسوخة. وقالوا: نزلت الرّخصة في الشيخ الفاني والعجوز الهرمة فالمعنى على هذا القول: وعلى الذين يطيقون الفداء، ولا يطيقون الصوم فديةٌ طعام مساكين. وهذا هو قول الأشعري الذي حكينا عنه. قال ابن الأنباري: وإنما رجعت الهاء على الفداء، وإن لم يتقدّم ذكره، كما رجعت الهاء في قوله: {فأصلح بينهم} [البقرة: 182] على غير مذكورين، يريد أن الخطاب يدلّ على صاحب الإضمار، وقد ذكرنا حكم الشيخ والعجوز وشبههما في الإفطار إذا لم يطيقوا الصوم.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (
ذكر الآية الخامسة عشرة: قوله تعالى: {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ}.
اختلف المفسّرون في معنى الآية على قولين:
أحدهما: أنه يقتضي التخيير بين الصوم وبين الإفطار مع الإطعام، لأنّ معنى الكلام: وعلى الّذين يطيقونه ولا يصومونه فديةٌ، فعلى هذا يكون الكلام منسوخًا بقوله تعالى: {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه}.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا أبو الفضل البقّال، قال: أبنا بن بشران، قال: بنا الكاذي، قال: بنا عبد اللّه بن أحمد، قال: حدّثني أبي أحمد بن حنبلٍ، قال: بنا عبد الرازق قال: بنا معمرٌ عن أيّوب عن ابن سيرين عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما {وعلى الّذين يطيقونه} قالت: نسختها {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه}.
قال أحمد: وحدّثنا حجّاجٌ عن ابن جريجٍ عن عطاءٍ الخراسانيّ عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما {وعلى الّذين يطيقونه} وكانت الإطاقة أنّ الرّجل والمرأة يصبح صائمًا، ثمّ إن شاء أفطر وأطعم لذلك مسكينًا فنسختها {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه}.
قال أحمد: وحدّثنا عبد اللّه بن إدريس، قال: بنا الأعمش، عن إبراهيم عن علقمة {وعلى الّذين يطيقونه} قال: نسختها {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه}.
قال أحمد: وحدثنا وكيع، قال: بنا محمّد بن سليمٍ عن ابن سيرين عن عبيدة {وعلى الّذين يطيقونه} قال: نسختها الّتي بعدها والّتي
تليها.
أخبرنا أبو بكر بن حبيبٍ، قال: أبنا عليّ بن الفضل، قال: أبنا ابن عبد الصمد، قال. بنا عبد اللّه بن أحمد، قال: بنا إبراهيم بن خريم، قال: بنا عبد الحميد، قالت أبنا عبيد اللّه موسى عن إسرائيل عن منصورٍ، عن إبراهيم عن علقمة قال: كانوا إذا أراد الرّجل أن يفطر يومًا من رمضان من غير مرضٍ أفطر وأطعم نصف صاعٍ حتّى نسختها {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفرٍ} فلم يكن إلا لهما.
قال عبد الحميد: وحدّثنا مسلم بن إبراهيم، قال: بنا وهيب بن خالدٍ، عن ابن شبرمة عن الشّعبيّ، قال لمّا نزلت {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ}. أفطر الأغنياء وأطعموا وحصل الصّوم على الفقراء فأنزل اللّه تعالى {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه} فصام الناس جميعاً.
أخبرنا عبد الرّحمن بن محمّدٍ القزّاز قال: أبنا أحمد بن عليّ بن ثابتٍ، قال: أبنا أبوعمرو بن مهديٍّ، قال: أبنا محمّد بن مخلد، قال: بنا القاسم بن عياد، قال: بنا بشر بن عمر، قال: بنا حمّاد بن زيدٍ عن سلمة ابن علقمة عن ابن سيرين أنّ ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما قال: {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ} قال: هذه منسوخةٌ.
وروى عطيّة، وابن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما قال: كان في الصّوم الأوّل فديةٌ طعام مسكينٍ
فمن شاء من مسافرٍ أو مقيمٍ أن يطعم مسكينًا ويفطر، كان ذلك رخصةً له، ثمّ نسخ ذلك.
أخبرنا محمّد بن ناصرٍ، قال: أبنا عليّ بن أيّوب، قال: أبنا أبو علي ابن شاذان، قال: بنا أبو بكر النجاد، قال: بنا أبو داود السجستاني قال: بنا قتيبة. وأبنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا أبو بكرٍ محمّد بن هبة اللّه الطّبريّ، قال: أبنا أبو الحسين بن الفضل القطان، قال: بنا أبو محمد بن درستويه قال: بنا يعقوب بن سفيان، قال بنا أبو صالح، قال: بنا بكر بن مضرٍ عن عمرو بن الحارث، عن بكير بن عبد اللّه بن الأشجّ عن يزيد مولى أمّ سلمة عن سلمة بن الأكوع قال: لمّا نزلت: {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ} كان من أراد منّا أن يفطر ويفتدي، فعل حتّى نزلت الآية الّتي بعدها فنسختها.
وقال أنسٌ رضي اللّه عنه لمّا قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة أمرهم بصيام ثلاثة أيّامٍ وكانوا قومًا لم يتعوّدوا الصّيام وكان الصّوم عليهم شديدًا وكان من لم يصم أطعم مسكينًا. وقد روى هذا المعنى: أنّه كان من شاء صام ومن شاء أفطر وافتدى لقوله: {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكينٍ} إلى أن نزل قوله: {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه} فنسخ ذلك بهذه، عن جماعةٍ منهم معاذ بن جبل وابن مسعود،
وابن عمر، والحسن، وعكرمة، وقتادة، والضّحّاك، والنّخعيّ، والزّهريّ رضي الله عنهم.
والقول الثّاني: أنّه محكمٌ غير منسوخٍ وأنّ فيه إضمارًا تقديره: وعلى الّذين كانوا يطيقونه أو لا يطيقونه فديةٌ، وأشير بذلك إلى الشّيخ الفاني الّذي يعجز عن الصّوم، والحامل الّتي تتأذّى بالصّوم والمرضع.
أخبرنا عبد الوهّاب قال: أبنا أبو الفضل بن خيرون، وأبو ظاهرٍ الباقلاويّ، قالا: أبنا ابن شاذان، قال: أبنا أحمد بن كاملٍ، قال: أبنا محمّد ابن سعدٍ العوفيّ، قال: حدّثني أبي قال: بنا عمّي الحسين بن الحسن بن عطيّة، قال: حدّثني أبي عن جدّي عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ} وهو الشّيخ الكبير كان يطيق صيام رمضان وهو شابٌّ فكبر وهو عليه لا يستطيع صومه فليتصدّق على مسكينٍ واحدٍ لكلّ يومٍ أقطٌ.
وأخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد اللّه البقّال، قال: أبنا ابن بشران قال: أبنا إسحاق الكاذي، قال بنا عبد اللّه بن أحمد قال: حدثني أبي، قال: بنا روح قال: بنا زكريا بن إسحق، قال: بنا عمرو ابن دينارٍ عن عطاءٍ أنّه سمع ابن عبّاسٍ يقرأ: {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ} قال: ليست بمنسوخةٍ وهو الشّيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعما مكان كلّ يوم مسكيناً.
أخبرنا أبو بكرٍ العامريّ، قال: أبنا عليّ بن الفضل، قال: أبنا بن عبد الصّمد، قال: أبنا عبد اللّه بن أحمد، قال: أبنا إبراهيم بن خريم، قال: أبنا عبد الحميد، قال: أبنا عبد الرازق عن معمرٍ عن أيّوب عن عكرمة، قال: كان ابن عبّاسٍ يقول: لم ينسخ.
قال عبد الحميد: وأخبرنا النّضر بن شميلٍ، قال: بنا حمادبن سلمة عن عمرو بن دينارٍ عن عطاءٍ عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ} قال: هم الّذي يكلّفونه ولا يطيقونه هو الشّيخ والشّيخة.
قال عبد الحميد وأخبرنا إبراهيم عن أبيه عن عكرمة {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ} قال: هو الشّيخ الكبير الّذي لا يطيق الصّيام يطعم عنه لكل يوم مسكين.
وقد روى قتادة عن عكرمة قال: نزلت في الحامل والمرضع وقد أخبرنا ابن الحصين، قال: أبنا أبو طالب بن غيلان، قال: أبنا أبو بكر الشافعي، قال: أبنا إسحق بن إبراهيم بن الحسن، قال: بنا موسى بن مسعودٍ النّهديّ، قال: بنا سفيان الثّوريّ، عن منصورٍ عن مجاهدٍ، قال: كان ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما يقرؤها {وعلى الذين يطوقونه}. قال: الشّيخ الكبير الّذي لا يطيق الصّيام يطعم عنه وبالإسناد حدّثنا سفيان عن عبد الرّحمن بن حرملة عن
سعيد بن المسيب (وعلى الذين [يطوقونه] فدية) قال: الشّيخ الكبير الّذي يصوم فيعجز والحامل إن اشتدّ عليها الصّوم يطعمان لكلّ يومٍ مسكينًا
قلت: هذه القراءة لا يلتفت إليها لوجوه:
أحدها: أنّها شاذّةٌ خارجةٌ عمّا اجتمع عليه المشاهير فلا يعارض ما تثبت الحجة بنقله.
والثائي: أنّها تخالف ظاهر الآية، لأنّ الآية تقتضي إثبات الإطاقة لقوله: {وأن تصوموا خيرٌ لكم} وهذا القراءة تقتضي نفيها.
والثّالث: إنّ الّذين يطيقون الصّوم ويعجزون عنه ينقسمون إلى قسمين:
أحدهما: من يعجز لمرضٍ أو لسفرٍ، أو لشدّة جوعٍ أو عطشٍ فهذا يجوز له الفطر ويلزمه القضاء من غير كفارة.
والثّاني: من يعجز لكبر السّنّ (فهذا يلزمه الكفّارة من غير قضاءٍ، وقد يجوز الإفطار للعذر لا للعجز ثم يلزمه القضاء والكفارة)، كما نقول في الحامل والمرضع إذا خافتا على الولد، وهذا كلّه ليس بمستفادٍ من الآية إنّما المعتمد فيه على السّنّة وأقوال الصّحابة. فعلى هذا البيان يكون النسخ أولى بالآية من الإحكام، يدلّ على ما قلنا قوله تعالى: في تمام الآية {وأن تصوموا خيرٌ لكم}.وغير جائزٍ أن يعود هذا الكلام إلى المرضى والمسافرين ولا إلى الشّيخ الكبير ولا إلى الحامل والمرضع إذا خافتا على الولد، لأنّ الفطر في حقّ هؤلاء أفضل من الصّوم من جهة أنّهم قد نهوا أن يعرّضوا أنفسهم للتّلف، وإنّما عاد الكلام إلى الأصحّاء المقيمين خيّروا بين الصّوم والإطعام فانكشف بما أوضحنا أن الآية منسوخة.
قال أبو عبيدٍ القاسم بن سلامٍ لا تكون الآية على القراءة الثانية، وهي: {يطيقونه} إلا منسوخةً.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (الثانية عشرة: {وعلى الّذين يطيقونه فديةٌ} في هذا مضمر تقديره وعلى الذين يطيقونه ولا يصومونه فدية ثم نسخت بقوله {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه} .). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 14-21]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (وقال قوم: أراد بقوله: {أياما معدودات} الآية [البقرة: 184] يوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر، كتب على رسول الله صلى الله عليه وسلم صيامها حين هاجر، ثم نسخ بشهر رمضان، وهذا غير صحيح؛ لأنه بين الأيام المعدودات بقوله عز وجل: {شهر رمضان} الآية [البقرة: 185].
وأما قوله عز وجل: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مساكين) قيل: إنها منسوخة، وكانوا: من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم مسكينا عن كل يوم، ثم نسخ ذلك بقوله عز وجل: {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} الآية [البقرة: 185]، وقد قيل إنها محكمة.
وقوله: {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين} الآية [البقرة: 185] يريد: من أفطر لمرض ثم صح فأطاق القضاء فلم يقض حتى أدركه فرض الصوم لعام آخر فإنه يصوم الذي أدركه فإذا فرغ منه قضى الذي فاته وأطعم عن كل يوم مدا، وأما من اتصل به المرض فلم يطق أن يقضي حتى جاء الصوم الآخر، فإنه يقضي، إذا أطاق بعد ذلك ولا إطعام عليه، وهذا القول قول زيد بن أسلم وابن شهاب ومالك رحمه الله في رواية ابن وهب عنه.
ويجوز – والله أعلم – أن تكون محكمة، ويكون معنى قوله: {وعلى الذين يطيقونه} الآية [البقرة: 184] أي الذين يتعمدون الفطر من غير عذر فإنهم يلزمهم إطعام ستين مسكينا، أو العتق، أو صوم شهرين. والسنة بينت الإطعام وزادت العتق والصيام.
وليس التأويل الأول: كانوا من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم – بمتفق عليه بين الصحابة – إنما ذلك قول معاذ بن جبل رحمه الله، وقد خالفه ابن عباس وأبو بكر الصديق رضي الله عنه، وقرأ: (وعلى الذين يطوقونه) بضم الياء وفتح الطاء وتشديد الواو.
وقال ابن عباس رحمه الله: (نزلت في الكبيرين اللذين لا يقدران على الصوم والمريض)، وعلى هذه القراءة أيضا عائشة رضي الله عنها وعطاء وابن جبير وعكرمة.
وعن مجاهد: (يطوقونه) بفتح الواو وتشديد الطاء والواو، أي يتكلفونه.
ومعنى الأولى يكلفونه على جهد وعسر، ولو كانوا في صدر الإسلام على ما قيل من التأويل الأول لمنع شهرة ذلك من وقوع هذا الخلاف.
وأنا أذكر بعون الله الآيات التي قيل إنها منسوخة ولها وجه تحمل عليه فتكون محكمة.
). [جمال القراء: 1/249-271]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين

أم صفية آل حسن 20 جمادى الآخرة 1434هـ/30-04-2013م 07:25 PM

قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ ٱلصِّيَامِ ٱلرَّفَثُ إِلَىٰ نِسَآئِكُمْ ۚ هُنَّ لِبَاسٌۭ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌۭ لَّهُنَّ ۗ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ ۖ فَٱلْـَٰٔنَ بَٰشِرُوهُنَّ وَٱبْتَغُوا۟ مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا۟ وَٱشْرَبُوا۟ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ ٱلْخَيْطُ ٱلْأَبْيَضُ مِنَ ٱلْخَيْطِ ٱلْأَسْوَدِ مِنَ ٱلْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا۟ ٱلصِّيَامَ إِلَى ٱلَّيْلِ ۚ وَلَا تُبَٰشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَٰكِفُونَ فِى ٱلْمَسَٰجِدِ ۗ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ ءَايَٰتِهِۦ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ(187)}

قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (باب ذكر الآية الثّامنةقال اللّه جلّ وعزّ {أحلّ لكم ليلة الصّيام الرّفث إلى نسائكم} [البقرة: 187] الآية
قال أبو العالية، وعطاءٌ: هي ناسخةٌ لقوله جلّ وعزّ {كما كتب على الّذين من قبلكم} [البقرة: 183]
وقال غيرهما: هي ناسخةٌ لفعلهم الّذي كانوا عليه
حدّثنا أبو جعفرٍ قال: حدّثنا جعفر بن مجاشعٍ، قال: حدّثنا إبراهيم بن إسحاق، قال: حدّثنا أحمد بن عبد الملك، قال: حدّثنا زهيرٌ، قال: حدّثنا أبو إسحاق، عن البراء " أنّ الرّجل منهم كان إذا نام قبل أن يتعشّى في رمضان لم يحلّ له أن يأكل ليلته ومن الغد حتّى نزلت {وكلوا واشربوا حتّى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} [البقرة: 187]
نزلت في أبي قيسٍ وهو ابن عمرٍو أتى أهله وهو صائمٌ يعني بعد المغرب قال: هل عندكم من شيءٍ؟ فقالت له امرأته: لا تنم حتّى أخرج فألتمس لك شيئًا فلمّا رجعت وجدته نائمًا
فقالت: لك الخيبة، فبات وأصبح صائمًا إلى ارتفاع النّهار فغشي عليه فنزلت {وكلوا واشربوا} [البقرة: 187] الآية
وقال كعب بن مالكٍ: وكان النّاس في رمضان إذا نام أحدهم بعد المساء حرّم عليه الطّعام والشّراب والنّساء فسمر عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه عند النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليلةً فأتى منزله فأراد امرأته فقالت: إنّي قد نمت فقال: ما نمت فوقع عليها وصنع كعب بن مالكٍ مثل ذلك فأتى عمر النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فأخبره فنزلت {علم اللّه أنّكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهنّ} [البقرة: 187] الآية
فاتّفقت الأقوال أنّها ناسخةٌ إمّا بفعلهم وإمّا بالآية فذلك غير متناقضٍ
وفي هذه الآية {ولا تباشروهنّ وأنتم عاكفون في المساجد}[البقرة: 187]
قال الضّحّاك كانوا يجامعون وهم معتكفون في المساجد، فنزلت،
يعني هذه الآية
وقال مجاهدٌ: كانت الأنصار تجامع يعني في الاعتكاف
قال الشّافعيّ: فدلّ أنّ المباشرة قبل نزول الآية كانت مباحةً في الاعتكاف حتّى نسخ بالنّهي عنه، واللّه جلّ وعزّ أعلم
واختلف العلماء في الآية التّاسعة، والصّحيح أنّه لا نسخ فيها
). [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 1/454-630]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {فالآن باشروهن} الآية:أباح الله تعالى المباشرة للنّساء ليالي الصّيام كلّه إباحةً عامةً.
والمباشرة: الجماع لا اختلاف في هذا، لقوله تعالى: {وابتغوا ما كتب الله لكم} [البقرة: 187] يعني: الولد.
وقد توهّم قومٌ أنّ هذا الحكم منسوخٌ بقوله تعالى: {فاعتزلوا النّساء في المحيض} [البقرة: 222]، وليس الأمر كذلك. وإنما هو على أحد وجهين:
- إما أن يكون تحريم وطء الحائض نزل قبل إباحة الوطء ليلة الصيام، فنزل ذلك وقد استقرّ في أنفسهم تحريم وطء الحائض، فصارت المباشرة المباحة مخصوصةً ليل الصّوم في غير الحائض من زوجةٍ أمة.
- وإمّا أن يكون تحريم وطء الحائض نزل بعد هذه الآية، فتكون مبيّنةً لها ومخصّصةً أنها في غير ذوات الحيض.
فلا يجب أن يدخل هذا في الناسخ والمنسوخ.
ولو نسخ إباحة المباشرة لم ينسخ إلاّ بمنع ذلك كلّه، فيعود الأمر إلى منع الوطء في ليل الصّوم. وهذا لا يجوز للنّصّ والإجماع على إباحته.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين

أم صفية آل حسن 21 جمادى الآخرة 1434هـ/1-05-2013م 03:39 PM

قوله تعالى: { وَقَٰتِلُوا۟ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَٰتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوٓا۟ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ(190)}

قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (الآية الحادية عشرة: قوله تعالى: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين} [190 مدنية / البقرة / 2] هذه جميعا محكمة إلا قوله تعالى: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقتلوكم فيه...} الآية [191 مدينة / البقرة / 2] منسوخة وناسخها قوله تعالى: {فإن قاتلوكم فاقتلوهم} [191 مدنية 2 البقرة / 2].) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (باب ذكر الآية الثّانية عشرةقال جلّ وعزّ {وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين} [البقرة: 190]
قال ابن زيدٍ: " هي منسوخةٌ نسخها {وقاتلوا المشركين كافّةً كما يقاتلونكم كافّةً} [التوبة: 36] " وعن ابن عبّاسٍ: «أنّها محكمةٌ»
روى عنه ابن أبي طلحة {وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم ولا تعتدوا} [البقرة: 190] قال: «لا تقتلوا النّساء والصّبيان ولا الشّيخ الكبير ولا من ألقى إليكم السّلم وكفّ يده فمن فعل ذلك فقد اعتدى»
قال أبو جعفرٍ: وهذا أصحّ القولين من السّنّة والنّظر
فأمّا السّنّة: فحدّثنا أبو جعفرٍ قال: حدّثنا بكر بن سهلٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، قال: أخبرنا مالكٌ، عن نافعٍ، عن ابن عمر، «أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم رأى في بعض مغازيه امرأةً مقتولةً فكره ذلك ونهى عن قتل النّساء والصّبيان» وهكذا، يروى أنّ عمر بن عبد العزيز رحمه اللّه كتب:
لا تقتلوا النّساء والصّبيان والرّهبان في دار الحرب فتعتدوا {إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين} [البقرة: 190]
والدّليل على هذا من اللّغة أنّ فاعل يكون من اثنين فإنّما هو من أنّك
تقاتله ويقاتلك فهذا لا يكون في النّساء ولا في الصّبيان ولهذا قال من قال من الفقهاء: لا يؤخذ من الرّهبان جزيةٌ لقول اللّه جلّ وعزّ {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر} [التوبة: 29] إلى {حتّى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون} [التوبة: 29] وليس الرّهبان ممّن يقاتل
فصار المعنى: وقاتلوا في طريق اللّه وأمره الّذين يقاتلونكم ولا تعتدوا فتقتلوا النّساء والصّبيان والرّهبان ومن أعطى الجزية فصحّ أنّ الآية غير منسوخةٍ
وقد تكلّم العلماء في الآية الثّالثة عشرة
). [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 1/454-630]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية الرّابعة عشرة قوله تعالى {وقاتلوا في سبيل الله الّذين يقاتلونكم ولا تعتدوا} أي فتقاتلوا من لا يقاتلكم كان هذا في الابتداء ثمّ نسخ الله تعالى ذلك بقوله تعالى {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} وبقوله {وقاتلوا المشركين كافّة كما يقاتلونكم كافّة} أي جميعًا وبقوله {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم} الآية). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {ولا تعتدوا} الآية:
قال ابن زيد: نسخها الأمر بالقتال وبالقتل للمشركين.
وقيل: إنّها أوّل ما نزل في إباحة القتال. أبيح لهم أن يقاتلوا من قاتلهم، ولا يعتدوا فيقاتلوا من لم يقاتلهم ثم نسخ النهي عن قتال من لم يقاتلهم بالأمر بالقتال والقتل.
وقيل: أوّل ما نزل في إباحة القتال، قوله تعالى: {أذن للّذين يقاتلون بأنهم ظلموا} [الحج: 39]، فهي مكيّة وقيل: مدنية.
وعن ابن عباس وعمر بن عبد العزيز ومجاهد أن الآية محكمةٌ غير منسوخةٍ، لكنّها مخصوصةٌ في النّهي عن قتل الصّبيان والنّساء والشيخ الفاني ومن ألقى السّلم وكفّ يده. وقد نهى صلى الله عليه وسلم عن قتل هؤلاء، وعن قتل الرّهبان. فيكون معنى الآية: وقاتلوا في سبيل الله الذين فيهم مقدرةٌ على قتالكم، ولا تعتدوا فتقتلوا من ليس له مقدرةٌ على القتال، ولا من ليس من عادته القتال، كالنّساء والصّبيان، والكبير، والرهبان.
فهذا كلّه محكمٌ وحكمه باق معمولٌ به.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية السّادسة عشرة: قوله تعالى: {وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إنّ اللّه لا يحبّ المعتدين}.
اختلف المفسّرون في هذه الآية هل هي منسوخةٌ أو محكمةٌ على قولين:
أحدهما: أنّها منسوخةٌ ثمّ اختلف أرباب هذا القول في المنسوخ منها على قولين:
أحدهما: أنّه أوّلها، وهو قوله: {وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم}، قالوا: وهذا يقتضي أنّ القتال إنّما يباح في حقّ من قاتل من الكفّار فأمّا من لم يقاتل فإنّه لا يقاتل ولا يقتل.
ثمّ اختلف هؤلاء في ناسخ ذلك على أربعة أقوال:
أحدهما: أنّه قوله تعالى: {وقاتلوا المشركين كافّةً كما يقاتلونكم كافّةً}.
والثاني: أنّه قوله تعالى: {واقتلوهم حيث ثقفتموهم}.
والثّالث: {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر}.
والرّابع: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}.
قلت: وهذا القول الّذي قالوا إنما أخذوه من دليل الخطاب (إنّما هو) حجّة ما لم يعارضه دليلٌ أقوى منه وقد عارضه ما هو أقوى منه كآية السّيف وغيرها ممّا يقتضي إطلاق قتل الكفّار، قاتلوا أو لم يقاتلوا.
فأمّا الآية الأولى الّتي زعموا أنّها ناسخةٌ فإنّها تشبه المنسوخة وتوافقها في حكمها، لأنّها إنّما تضمّنت قتال من قاتل.
وأمّا الآية الثّانية فإنّها إنّما تضمّنت قتال الّذين أمروا بقتالهم؛ لأن قوله {واقتلوهم} عطفٌ على المأمور بقتالهم.
وأمّا الآية الثّالثة: فإنّها تتضمّن قتال أهل الكتاب والآية الّتي ادّعي نسخها مطلقةٌ في كلّ من يقاتل.
وأمّا الرّابعة تصلح ناسخةً لو وجدت ما تنسخه وليس ههنا إلا دليل الخطاب، وليس بحجّةٍ ههنا على ما بيّنّا.
القول الثّاني: أنّ المنسوخ منها قوله: {ولا تعتدوا} للمفسّرين في معنى هذا الاعتداء خمسة أقوال:
أحدها: لا تعتدوا بقتل النّساء والولدان، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ، وابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ.
الثّاني: بقتال من لم يقاتلكم، قاله أبو العالية، وسعيد بن جبيرٍ، وابن زيدٍ وهؤلاء إن عنوا من لم يقاتل، لأنّه لم يعدّ نفسه للقتال كالنساء
والولدان، والرّهبان فالآية محكمةٌ؛ لأنّ هذا الحكم ثابتٌ. وإن عنوا من لم يقاتل من الرّجال المستعدين للقتال توجه النسخ.
والثّالث: أنّ الاعتداء إتيان ما نهى اللّه عنه، قاله الحسن.
والرّابع: أنّه ابتداء المشركين بالقتال في الشّهر الحرام في الحرم قاله مقاتلٌ.
والخامس: لا تعتدوا بقتال من وادعكم وعاقدكم. قاله ابن قتيبة والظّاهر إحكام الآية كلها ويبعد ادعاء النسخ فيها.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (الثالثة عشرة: {وقاتلوا في سبيل اللّه الّذين يقاتلونكم ولا تعتدوا} قيل المنسوخ منها أولها لأنه اقتضى أنّ القتال إنّما يباح في حقّ من قاتل من الكفار دون من لم يقاتل ثم نسخ بآية السيف وهذا القائل إنما أخذه من دليل الخطاب ودليل الخطاب إنما يكون حجة إذا لم يعارضه دليلٌ أقوى منه وقد عارضه ما هو أقوى منه كآية السّيف وغيرها وقال آخرون المنسوخ منها {ولا تعتدوا} قالوا والمراد به ابتداء المشركين بالقتال في الشهر الحرام والحرم ثم نسخ بآية السيف وهذا بعيد والصحيح إحكام جميع الآية.). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 14-21]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (من ذلك قوله عز وجل: {وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا} الآية [البقرة: 190] قيل: هي منسوخة نزلت في قتال من قاتل، ونسخها الأمر بقتال المشركين.
وهي محكمة؛ على أن قوله سبحانه: {ولا تعتدوا} أي: لا تعتدوا فيقتل الصبيان والنسوان ومن لا قدرة له على القتال كالشيخ الفاني والراهب الذي لا يقاتل.
). [جمال القراء: 1/249-271]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين

أم صفية آل حسن 21 جمادى الآخرة 1434هـ/1-05-2013م 04:11 PM

قول الله تعالى: {وَٱقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ۚ وَٱلْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ ٱلْقَتْلِ ۚ وَلَا تُقَٰتِلُوهُمْ عِندَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ حَتَّىٰ يُقَٰتِلُوكُمْ فِيهِ ۖ فَإِن قَٰتَلُوكُمْ فَٱقْتُلُوهُمْ ۗ كَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلْكَٰفِرِينَ(191)}


قال محمد بن كثيرٍ العَبْدي (ت:223هـ) عن همّام بن يحيى البصري قال: (وعن قوله جل وعز: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم} فأمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم ألا يقاتلهم عند المسجد الحرام إلا أن يبدأوا فيه بقتال
وقال في آية أخرى: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير} كان القتال فيه كبيرا كما قال الله عز وجل فنسخ هاتين الآيتين في براءة {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد} وقال عز وجل: {وقاتلوا المشركين كافة يعني بالكافة جميعا كما يقاتلونكم كافة} وقال: {والأشهر الحرم} قال كان عهد بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين قريش أربعة أشهر بعد يوم النحر كانت تلك بقية مدتهم ومن لا عهد له لانسلاخ في المحرم فأمر الله جل وعز لنبيه صلى الله عليه وسلم إذا مضى الأجل أن يقاتلهم في الحل والحرم وعند البيت حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله
). [الناسخ والمنسوخ لقتادة: 1/31-38]

قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (الآية الثانية عشرة: قوله تعالى: {ولاتقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه... } منسوخة وناسخها قوله تعالى: {فإن قاتلوكم فاقتلوهم})[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (باب ذكر الآية الثّالثة عشرةقال جلّ وعزّ {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم كذلك جزاء الكافرين} [البقرة: 191] هذه الآية من أصعب ما في النّاسخ والمنسوخ فزعم جماعةٌ من العلماء أنّها غير منسوخةٍ واحتجّوا بها وبأشياء من السّنن وزعم جماعةٌ أنّها منسوخةٌ واحتجّوا بآياتٍ غيرها وبأحاديث من السّنن
فممّن قال: إنّها غير منسوخةٍ مجاهدٌ روى عنه ابن أبي نجيحٍ أنّه قال:

«فإن قاتلوكم في الحرم فاقتلوهم لا يحلّ لأحدٍ أن يقاتل أحدًا في الحرم إلّا أن يقاتله فإن عدا عليك فقاتلك فقاتله» وهذا قول طاوسٍ.
والاحتجاج لهما بظاهر الآية ومن الحديث
بما حدّثناه أحمد بن شعيبٍ، قال: أخبرنا محمّد بن رافعٍ، قال: حدّثنا
يحيى بن آدم، قال: حدّثنا مفضّلٌ، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، عن طاوسٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يوم فتح مكّة: «إنّ هذا البلد حرامٌ حرّمه اللّه جلّ وعزّ لم يحلّ فيه القتال لأحدٍ قبلي وأحلّ لي ساعةً وهو حرامٌ بحرمة اللّه جلّ وعزّ»
وأمّا من قال: إنّها منسوخةٌ فمنهم قتادة
كما قرئ على عبد اللّه بن أحمد بن عبد السّلام، عن أبي الأزهر، قال: حدّثنا روحٌ، عن سعيدٍ، عن قتادة، {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه} [البقرة: 191] " فكان هذا كذا حتّى نسخ فأنزل اللّه جلّ وعزّ {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ} [البقرة: 193] أي شركٌ {ويكون الدّين للّه} [البقرة: 193] أي لا إله إلّا اللّه عليها قاتل رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وإليها دعا {فإن انتهوا فلا عدوان إلّا على الظّالمين} [البقرة: 193] من أبى أن يقول: لا إله إلّا اللّه، أن يقاتل حتّى يقول لا إله إلّا اللّه "
قال أبو جعفرٍ: وأكثر أهل النّظر على هذا القول؛ إنّ الآية منسوخةٌ وإنّ المشركين يقاتلون في الحرم وغيره بالقرآن والسّنّة قال جلّ وعزّ {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5] وبراءة نزلت بعد سورة البقرة بسنين وقال جلّ وعزّ {وقاتلوا المشركين كافّةً كما يقاتلونكم كافّةً} [التوبة: 36] وأمّا السّنّة:
فحدّثنا أحمد بن شعيبٍ، قال: أخبرنا قتيبة، قال: حدّثنا مالكٌ، عن ابن شهابٍ، عن أنسٍ، أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم دخل مكّة وعليه المغفر فقيل له: إنّ ابن خطلٍ متعلّقٌ بأستار الكعبة فقال: «اقتلوه»
وقرئ على محمّد بن جعفر بن أعين، عن الحسن بن بشر بن سلمٍ الكوفيّ، قال: حدّثنا الحكم بن عبد الملك، عن قتادة، عن أنسٍ، قال: " أمّن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أهل مكّة يوم الفتح إلّا أربعةً من النّاس: عبد العزّى بن خطلٍ، ومقيس بن صبابة الكنانيّ، وعبد اللّه بن سعد بن أبي سرحٍ، وأم سارة، فأمّا ابن خطلٍ فقتل وهو متعلّقٌ بأستار الكعبة " وذكر الحديث
وقرأ أكثر الكوفيّين {ولا تقتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقتلوكم فيه فإن قتلوكم فاقتلوهم}
وهذه قراءةٌ بيّنة البعد وقد زعم قومٌ أنّه لا يجوز القراءة بها؛ لأنّ اللّه جلّ وعزّ لم يفرض على أحدٍ من المسلمين أن لا يقتل المشركين حتّى يقتلوا المسلمين
وقال الأعمش: " العرب تقول: قتلناهم أي قتلنا منهم "
قال أبو جعفرٍ: فهذا أيضًا المطالبة فيه قائمةٌ غير أنّه قد قرأ به جماعةٌ واللّه جلّ وعزّ أعلم بمخرج قراءتهم
وقد تنازع العلماء أيضًا في الآية الرّابعة عشرة
). [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 1/454-630]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية الخامسة عشرة قوله تعالى {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّىيقاتلوكم فيه} صارت هذه الآية منسوخة بآية السّيف). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]

قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه}:
قال قتادة: هذا منسوخٌ بقوله: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ} [البقرة: 193، الأنفال: 39]، أي: شرك وبقوله: {قاتلوا المشركين كافّةً} [التوبة: 36].
وقد قال إسماعيل بن أويس: إن قوله: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام} الآية ناسخٌ لقوله: {واقتلوهم حيث ثقفتموهم} [النساء: 91] في النساء، قال: ثم نسخها الله بقوله في براءة: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5]، فصارت الآية ناسخةً ومنسوخةً، وهو قليل النّظير.
وقال مجاهد: الآية محكمةٌ غير ناسخةٍ ولا منسوخةٍ، لكنّها مخصوصةٌ في النهي عن القتال في الحرم، ولا يحلّ القتال في الحرم إلاّ أن يقاتلوك، وهو قول طاووس.
والبيّن الظاهر في الآية أنها منسوخةٌ. وهو قول أكثر العلماء؛ لأن قتال
المشركين فرضٌ لازمٌ في كل موضعٍ كانوا فيه، بقوله في براءة: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} وبراءة نزلت بعد البقرة بمدة طويلة.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (الآية السّابعة عشرة: قوله تعالى: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه}.
اختلف العلماء هل هذه الآية منسوخةٌ أو محكمةٌ على قولين:
أحدهما: أنّها منسوخةٌ واختلفوا في ناسخها على ثلاثة أقواله:
أحدها: أنّه قوله تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} فأمر بقتلهم في الحلّ والحرم قاله قتادة.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا أبو الفضل البقّال، قال: أبنا ابن بشران قال: أبنا إسحق الكاذي، قال: بنا عبد اللّه بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: بنا عبد الوهّاب عن همّامٍ عن قتادة {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه}، فأمر أن لا يبدؤوا بقتالٍ، ثمّ قال: {قل قتالٌ فيه كبيرٌ} ثمّ نسخت الآيتان في براءةٍ فقال: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}.
قال أحمد: وحدّثنا حسينٌ عن شيبان عن قتادة {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام}. قال: كانوا لا يقاتلون فيه حتّى يقاتلوهم ثمّ نسخ ذلك
فقال: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} فأمر اللّه بقتالهم في الحلّ والحرم وعلى كلّ حالٍ.
والثّاني: قوله تعالى: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ} قاله الربيع ابن أنسٍ وابن زيدٍ.
والثّالث: قوله تعالى: {واقتلوهم حيث ثقفتموهم} قاله مقاتلٌ.
والقول الثّاني: أنّها محكمةٌ وأنّه لا يجوز أن يقاتل أحدٌ في المسجد الحرام حتّى يقاتل، وهذا قول مجاهدٍ والمحقّقين ويدلّ عليه ما روي في الصّحيحين من حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنه قال:
في مكّة ((أنّها لا تحلّ لأحدٍ من بعدي، وإنّما أحلّت لي ساعةً من نهارٍ)) وفي الصّحيحين من حديث ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: ((إنّ هذا البلد حرّمه اللّه يوم خلق السّماوات والأرض أنّه لم يحلّ القتال فيه لأحدٍ قبلي ولا يحلّ إلا ساعةً من نهارٍ)).
وقد ادّعى بعض من لا علم له أنّ هذه الآية نسخت بحديث أنسٍ رضي اللّه عنه (أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم دخل مكّة وعلى رأسه المغفر فأمر بقتل ابن خطل وهو متعلق بأستار الكعبة).
وهذا باطلٌ من وجهين:
أحدهما: أنّ القرآن لا ينسخ إلا القرآن، ولو أجزنا نسخه بالسّنّة لاحتجنا إلى أن نعتبر في نقل ذلك النّاسخ ما اعتبرنا في نقل المنسوخ، وطريق الرّواية لا يثبت ثبوت القرآن.
والثّاني: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قد بيّن أنّه إنّما خصّ بالإباحة في ساعةٍ من نهارٍ، والتّخصيص ليس بنسخٍ، لأنّ النّسخ ما رفع الحكم على الدّوام
كما كان ثبوت حكم المنسوخ على الدّوام.
فالحديث دالٌّ على التّخصيص لا على النّسخ، ثمّ إنّما يكون النّسخ مع تضادّ اجتماع النّاسخ والمنسوخ، وقد أمكن الجمع بين ما ادّعوه ناسخًا ومنسوخًا وصحّ العمل بهما فيكون قوله: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} وقوله: {وقاتلوهم حتّى لا تكون فتنةٌ} في غير الحرم بدليل قوله: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه} وكذلك قوله: {واقتلوهم حيث ثقفتموهم} أي: في غير الحرم بدليل قوله عقب ذلك {وأخرجوهم من حيث أخرجوكم}. ولو جاز قتلهم في الحرم لم يحتج إلى ذكر الإخراج، فقد بان ممّا أوضحنا إحكام الآية وانتفى النسخ عنها.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (الرابعة عشرة: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتّى يقاتلوكم فيه} ذهب قوم إلى أن هذا منسوخ بآية السيف والصحيح أنه محكم وأنه لا يجوز أن يقال أحل في المسجد الحرام حتى يقاتلوا فإنما أحل القتال لرسول الله ساعة من نهار وكان ذلك تخصيصا له لا على وجه النسخ.). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 14-21]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (وقوله عز وجل: {ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه} الآية [البقرة: 191] قال قتادة: هي منسوخة بقوله عز وجل: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة} الآية [البقرة: 193] أي: شرك، وبقوله: {وقاتلوا المشركين كافة} الآية [التوبة: 36].
وقيل: إنها ناسخة لقوله عز وجل: {واقتلوهم حيث ثقفتموهم} الآية [البقرة: 191] ثم نسخت بقوله عز وجل: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} الآية [البقرة: 193]، فصارت – أعني آية البقرة ناسخة لآية النساء منسوخة بآية التوبة، وهذا معدوم النظير.
وقيل: ليست آية البقرة بناسخة ولا منسوخة، وإنما هي مخصوصة بالنهي عن القتال في الحرم، ولا يحل القتال فيه إلا لمن قاتل، قال ذلك مجاهد وطاووس.
وأكثر العلماء على وجوب قتال المشركين أينما كانوا بآية التوبة، والتوبة نزلت بعد البقرة بمدة متطاولة.
). [جمال القراء: 1/249-271]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين

أم صفية آل حسن 21 جمادى الآخرة 1434هـ/1-05-2013م 08:24 PM

قوله تعالى: {فَإِنِ ٱنتَهَوْا۟ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌۭ رَّحِيمٌۭ(192)}

قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ):
(
الآية الثالثة عشرة: قوله تعالى: {فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم} [192 / البقرة] وهذا من الأخبار التي معناها الأمر تأويله فاغفروا لهم واعفوا عنهم ثم أخبار العفو منسوخة بآية السيف قال تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم...} الآية [5 مدنية / التوبة / 9].) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية السّادسة عشرة قوله تعالى {فإن انتهوا فإنّ الله غفورٌ رحيم} هذا من الأخبار الّتي معناها الآمر وتقديره فاعفوا عنهم واصفحوا لهم صار ذلك العفو والصفح منسوخا بآية سيف). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية الثّامنة عشرة: قوله تعالى: {فإن انتهوا فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ}.
اختلف المفسّرون في المراد بهذا الانتهاء على قولين:
أحدهما: أنّه الانتهاء عن الكفر.
والثّاني: عن قتال المسلمين لا عن الكفر فعلى القول الأوّل الآية محكمةٌ والثّاني يختلف في المعنى فمن المفسّرين من يقول: {فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} إذ لم يأمركم بقتالهم في الحرم بل يخرجون منه على ما ذكرنا في الآية الّتي قبلها فلا يكون نسخٌ أيضًا.
ومنهم من يقول: المعنى اعفوا عنهم وارحموهم، فيكون لفظ الآية لفظ خبرٍ ومعناه: الأمر بالرّحمة لهم والعفو عنهم، وهذا منسوخٌ بآية السيف.
ذكر الآية التّاسعة عشرة: قوله تعالى: {الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ}.
اختلف العلماء هل في هذه الآية منسوخٌ أم لا على قولين:
أحدهما: أنّ فيها منسوخًا. واختلف أرباب هذا القول فيه على قولين:
أحدهما: أنّه قوله: {الشّهر الحرام بالشّهر الحرام} قالوا: وذلك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم اعتمر في ذي القعدة فصدّه المشركون عن أداء عمرته فقضاها في السّنّة الثّانية في ذي القعدة فاقتضى هذا، أنّ من فاته أداء ما وجب عليه بالإحرام الّذي عقده في الأشهر الحرم أن يجب عليه قضاؤه في مثل ذلك الشّهر الحرام، ثمّ نسخ ذلك وجعل له قضاؤه أيّ وقتٍ شاء، أمّا في مثل ذلك الشّهر أو غيره. قال شيخنا عليّ بن عبيد اللّه: وممّن حكي ذلك عنه عطاءٌ.
قلت: وهذا القول لا يعرف عن عطاءٍ ولا يشترط أحدٌ من الفقهاء المشهورين على من منع من عمرته أو أفسدها أن يقضيها في مثل ذلك الشّهر.
والثّاني: أنّه قوله: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}.
ثمّ اختلف أرباب هذا القول في معنى الكلام ووجه نسخه على ثلاثة أقوالٍ:
أحدها: أنّ هذا نزل بمكّة، والمسلمون قليلٌ ليس لهم سلطانٌ يقهرون به المشركين، وكان المشركون يتعاطونهم بالشّتم والأذى فأمر اللّه تعالى المسلمين أن يأتوا إليهم مثل ما أتوا إليهم أو يعفوا ويصبروا فلمّا هاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى المدينة وأعزّ اللّه سلطانه نسخ ما كان تقدّم من ذلك، رواه عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما.
والثّاني: أنّه كان في أوّل الأمر إذا اعتدي على الإنسان فله أن يقتصّ لنفسه بنفسه من غير مرافعةٍ إلى سلطان المسلمين ثمّ نسخ ذلك بوجوب الرّجوع إلى السّلطان في إقامة الحدود والقصاص. قال شيخنا وممّن حكي ذلك عنه ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما.
قلت: وهذا لا يثبت عن ابن عبّاسٍ
ولا يعرف له صحّةٌ، فإنّ النّاس ما زالوا يرجعون إلى رؤسائهم وسلاطينهم في الجاهليّة والإسلام إلا أنّه لو أنّ إنسانًا استوفى حقّ نفسه من خصيمه من غير سلطانٍ أجزأ ذلك، وهل يجوز له ذلك؟ فيه روايتان عن أحمد.
والثّالث: أنّ معنى الآية فمن اعتدى عليكم في الشّهر الحرام فاعتدوا عليه فيه ثمّ نسخ ذلك، وهذا مذكورٌ عن مجاهدٍ، ولا يثبت ولو ثبت كان مردودًا، بأنّ دفع الاعتداء جائزٌ في جميع الأزمنة عند جميع العلماء، وهذا حكمٌ غير منسوخٍ، والصّحيح في هذه الآية أنها محكمة غيرمنسوخةٍ. فأمّا أوّلها فإنّ المشركين لمّا منعوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من دخول مكة في شهر حرام اقتصر لنبيّه عليه السّلام بإدخاله مكّة في شهرٍ حرامٍ.
أخبرنا عبد الوهّاب بن المبارك، قال: أبنا أحمد بن الحسن بن خيرون وأبو ظاهرٍ الباقلاويّ، قال: أبنا أبو عليّ بن شاذان، قال: أبنا أحمد بن كاملٍ القاضي، قال: أبنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ، قال: حدّثني أبي قال. حدّثني عمّي الحسين بن حسن بن عطيّة، قال: حدّثني أبي عن جدّي عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما قال: كان المشركون حبسوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في ذي القعدة عن البيت ففخروا عليه بذلك فرجعّه اللّه في ذي القعدة فأدخله البيت الحرام فاقتصّ له منهم.
فأمّا قوله: {فمن اعتدى عليكم} فقال سعيد بن جبيرٍ: كان المشركون قد عاهدوه يوم الحديبية أن يخلوا له مكّة ولأصحابه العام المقبل ثلاثة أيّامٍ، فلمّا جاء العام الذي كان الشّرط بينهما قفل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه محرمين بعمرةٍ فخافوا، أن لا (يوفّ) لهم المشركون بما شرطوا وأن يقتلوهم عند المسجد الحرام، وكره المسلمون القتال في شهرٍ حرامٍ وبلدٍ حرامٍ فنزلت {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه} أي: من قاتلكم من المشركين في الحرم فقاتلوه.
فإن قال قائلٌ: فكيف يسمّى الجزاء اعتداءً؟
فالجواب: إنّ صورة الفعلين واحدةٌ وإن اختلف حكماهما.
قال الزّجّاج: والعرب تقول: ظلمني فلا] ن فظلمته: أي: جازيته بظلمه، وجهل عليّ فجهلت عليه، أي جازيته بجهله.
قلت: فقد بان بما ذكرنا أنّ الآية محكمةٌ ولا وجه لدخولها في المنسوخ أصلا.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (الخامسة عشرة {فإن انتهوا فإنّ اللّه غفورٌ رحيمٌ} قال بعضهم إن انتهوا عن الكفر فعلى هذا الآية محكمة وقال آخرون عن قتال المسلمين لا عن الكفر فتوجه النسخ بآية السيف.). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 14-21]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين

أم صفية آل حسن 21 جمادى الآخرة 1434هـ/1-05-2013م 09:01 PM

قوله تعالى: { ٱلشَّهْرُ ٱلْحَرَامُ بِٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ وَٱلْحُرُمَٰتُ قِصَاصٌۭ ۚ فَمَنِ ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ فَٱعْتَدُوا۟ عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا ٱعْتَدَىٰ عَلَيْكُمْ ۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ(194)}

قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (باب ذكر الآية الرّابعة عشرةقال جلّ وعزّ {الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} [البقرة: 194]
قال أبو جعفرٍ: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ الأنباريّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أيّوب، وعبد اللّه بن يحيى، قالا: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قلت لعطاءٍ: قول اللّه جلّ وعزّ {الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٍ} [البقرة: 194] قال: «هذا يوم الحديبية صدّوا رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم عن البيت الحرام وكان معتمرًا فدخل في السّنة الّتي بعدها معتمرًا مكّة فعمرةٌ في الشّهر الحرام بعمرةٍ في الشّهر الحرام»
وقال مجاهدٌ: فخرت قريشٌ بردّها رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم محرمًا في ذي القعدة فاعتمر في السّنة الثّانية في ذي القعدة
قال أبو جعفرٍ: التّقدير عمرة الشّهر الحرام بعمرة الشّهر الحرام.
والشّهر الحرام هاهنا ذو القعدة بلا اختلافٍ وسمّي ذا القعدة لأنّهم كانوا يقعدون فيه عن القتال، وكان النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم اعتمر في ذي القعدة من سنة ستٍّ من الهجرة فمنعوه من مكّة
قال ابن عبّاسٍ: " فرجعه اللّه تبارك وتعالى في السّنة الأخرى فأقصّه منهم {والحرمات قصاصٌ} [البقرة: 194] "
وروي عن ابن عبّاسٍ، أنّه قال: {والحرمات قصاصٌ} [البقرة: 194] «منسوخةٌ كان اللّه جلّ وعزّ قد أطلق للمسلمين إذا اعتدى عليهم أحدٌ أن يقتصّوا منه فنسخ اللّه جلّ وعزّ ذلك وصيّره إلى السّلطان فلا يجوز لأحدٍ أن يقتصّ من أحدٍ إلّا بأمر السّلطان ولا أن يقطع يد سارقٍ ولا غير ذلك»
وأمّا مجاهدٌ فذهب إلى أنّ «المعنى فمن اعتدى عليكم فيه أي في الحرم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم»
والّذي قاله مجاهدٌ أشبه بسياق الكلام؛ لأنّ قبله ذكر الحرم وهو متّصلٌ به إلّا أنّه منسوخٌ عند أكثر العلماء
وقد أجمع المسلمون أنّ المشركين أو الخوارج لو غلبوا على الحرم لقوتلوا حتّى يخرجوا منه فإن قيل فما معنى الحديث «أحلّت لي ساعةً وهي حرامٌ بحرمة اللّه جلّ وعزّ» فالجواب أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم دخلها غير محرمٍ يوم الفتح ولا يحلّ هذا لأحدٍ بعده إذا لم يكن من أهل الحرم فأمّا {والحرمات} [البقرة: 194] فإنّما جمع واللّه أعلم؛ لأنّه أريد به حرمة الإحرام وحرمة الشّهر الحرام وحرمة البلد الحرام
وأمّا {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} [البقرة: 194] فسمّي

الثّاني اعتداءً وإنّما الاعتداء الأوّل ففيه جوابان
أحدهما أنّه مجازٌ على ازدواج الكلام سميّ الثّاني باسم الأوّل مثل {وجزاء سيّئةٍ مثلها}
والجواب الآخر أنّه حقيقةٌ يكون من الشّدّ والوثوب أي: من شدّ عليكم ووثب بالظّلم فشدّوا عليه وثبوا بالحقّ
وقد تكلّم العلماء من الصّحابة وغيرهم بأجوبةٍ مختلفةٍ في الآية الخامسة عشرة
). [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 1/454-630]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}.
قال ابن عبّاس: إباحة الاعتداء منسوخٌ، لأنّ الله جلّ ذكره ردّه إلى السلطان، ولا يجوز لأحدٍ أن يقتصّ ممّن اعتدى عليه إلاّ بالسلطان، ولا يقطع يد سارقٍ إلاّ بالسلطان.
قال أبو محمد: وهذا القول إنما يجوز على مذهب من أجاز نسخ القرآن بالسّنّة المتواترة.
وقد روي عن ابن عباس أنه قال: نسخها قوله تعالى: {ومن قتل مظلومًا فقد جعلنا لوليّه سلطانًا} [الإسراء: 33] قال: يأتي السلطان حتى ينتصف منه له.
قال أبو محمد: وهذا لا يصحّ عن ابن عباس، لأنّ السّلطان هاهنا: الحجّة؛ ولأنّ سورة "سبحان" مكيةٌ، والبقرة: مدنيةٌ. ولا ينسخ المكيّ المدنيّ؛ لأنه نزل قبل المدني، والناسخ لا يصحّ أن يكون نزوله إلاّ بعد المنسوخ. وأيضًا فإنّ الرّجوع إلى السّلطان في القصاص، إنما أخذ بالإجماع، والإجماع لا ينسخ القرآن لكنه يبيّنه كما تبيّنه الأخبار من السنن.
فهذا مثل قوله {وجزاء سيّئةٍ سيّئةٌ مثلها} [الشورى: 40].
وقيل: الآية نزلت في إباحة قتال من قاتلهم إلى الآن في الشّهر الحرام، وفهم منها منع قتال من لم يقاتلهم في الشّهر الحرام، وإباحة ذلك في غير الشهر الحرام، ثم نسخ ذلك بالأمر بالقتال في الشّهر الحرام، وإن لم يقاتلوهم، بقوله تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5] في براءة.
قال أبو محمد: وهذا القول أبين الأقوال فيها، لكنّه نسخ مفهوم التلاوة. وله نظائر ستراها.
وقال مجاهد: الآية محكمةٌ غير منسوخةٍ، والمعنى: فمن اعتدى عليكم في الحرم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم، أي: من قاتلكم في الحرم فقاتلوه فيه، ولا يحلّ أن تبدؤا بالقتال في الحرم عنده إلى الآن.وأكثر الناس على خلافه.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية التّاسعة عشرة: قوله تعالى: {الشّهر الحرام بالشّهر الحرام والحرمات قصاصٌ}.
اختلف العلماء هل في هذه الآية منسوخٌ أم لا على قولين:
أحدهما: أنّ فيها منسوخًا. واختلف أرباب هذا القول فيه على قولين:
أحدهما: أنّه قوله: {الشّهر الحرام بالشّهر الحرام} قالوا: وذلك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم اعتمر في ذي القعدة فصدّه المشركون عن أداء عمرته فقضاها في السّنّة الثّانية في ذي القعدة فاقتضى هذا، أنّ من فاته أداء ما وجب عليه بالإحرام الّذي عقده في الأشهر الحرم أن يجب عليه قضاؤه في مثل ذلك الشّهر الحرام، ثمّ نسخ ذلك وجعل له قضاؤه أيّ وقتٍ شاء، أمّا في مثل ذلك الشّهر أو غيره. قال شيخنا عليّ بن عبيد اللّه: وممّن حكي ذلك عنه عطاءٌ.
قلت: وهذا القول لا يعرف عن عطاءٍ ولا يشترط أحدٌ من الفقهاء المشهورين على من منع من عمرته أو أفسدها أن يقضيها في مثل ذلك الشّهر.
والثّاني: أنّه قوله: {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم}.
ثمّ اختلف أرباب هذا القول في معنى الكلام ووجه نسخه على ثلاثة أقوالٍ:
أحدها: أنّ هذا نزل بمكّة، والمسلمون قليلٌ ليس لهم سلطانٌ يقهرون به المشركين، وكان المشركون يتعاطونهم بالشّتم والأذى فأمر اللّه تعالى المسلمين أن يأتوا إليهم مثل ما أتوا إليهم أو يعفوا ويصبروا فلمّا هاجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى المدينة وأعزّ اللّه سلطانه نسخ ما كان تقدّم من ذلك، رواه عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما.
والثّاني: أنّه كان في أوّل الأمر إذا اعتدي على الإنسان فله أن يقتصّ لنفسه بنفسه من غير مرافعةٍ إلى سلطان المسلمين ثمّ نسخ ذلك بوجوب الرّجوع إلى السّلطان في إقامة الحدود والقصاص. قال شيخنا وممّن حكي ذلك عنه ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما.
قلت: وهذا لا يثبت عن ابن عبّاسٍ ولا يعرف له صحّةٌ، فإنّ النّاس ما زالوا يرجعون إلى رؤسائهم وسلاطينهم في الجاهليّة والإسلام إلا أنّه لو أنّ إنسانًا استوفى حقّ نفسه من خصيمه من غير سلطانٍ أجزأ ذلك، وهل يجوز له ذلك؟ فيه روايتان عن أحمد.
والثّالث: أنّ معنى الآية فمن اعتدى عليكم في الشّهر الحرام فاعتدوا عليه فيه ثمّ نسخ ذلك، وهذا مذكورٌ عن مجاهدٍ، ولا يثبت ولو ثبت كان مردودًا، بأنّ دفع الاعتداء جائزٌ في جميع الأزمنة عند جميع العلماء، وهذا حكمٌ غير منسوخٍ، والصّحيح في هذه الآية أنها محكمة غير
منسوخةٍ. فأمّا أوّلها فإنّ المشركين لمّا منعوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم من دخول مكة في شهر حرام اقتصر لنبيّه عليه السّلام بإدخاله مكّة في شهرٍ حرامٍ.
أخبرنا عبد الوهّاب بن المبارك، قال: أبنا أحمد بن الحسن بن خيرون وأبو ظاهرٍ الباقلاويّ، قال: أبنا أبو عليّ بن شاذان، قال: أبنا أحمد بن كاملٍ القاضي، قال: أبنا محمّد بن سعدٍ العوفيّ، قال: حدّثني أبي قال. حدّثني عمّي الحسين بن حسن بن عطيّة، قال: حدّثني أبي عن جدّي عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما قال: كان المشركون حبسوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في ذي القعدة عن البيت ففخروا عليه بذلك فرجعّه اللّه في ذي القعدة فأدخله البيت
الحرام فاقتصّ له منهم.
فأمّا قوله: {فمن اعتدى عليكم} فقال سعيد بن جبيرٍ: كان المشركون قد عاهدوه يوم الحديبية أن يخلوا له مكّة ولأصحابه العام المقبل ثلاثة أيّامٍ، فلمّا جاء العام الذي كان الشّرط بينهما قفل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأصحابه محرمين بعمرةٍ فخافوا، أن لا (يوفّ) لهم المشركون بما شرطوا وأن يقتلوهم عند المسجد الحرام، وكره المسلمون القتال في شهرٍ حرامٍ وبلدٍ حرامٍ فنزلت {فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه} أي: من قاتلكم من المشركين في الحرم فقاتلوه.
فإن قال قائلٌ: فكيف يسمّى الجزاء اعتداءً؟
فالجواب: إنّ صورة الفعلين واحدةٌ وإن اختلف حكماهما.
قال الزّجّاج: والعرب تقول: ظلمني فلا] ن فظلمته: أي: جازيته بظلمه، وجهل عليّ فجهلت عليه، أي جازيته بجهله.
قلت: فقد بان بما ذكرنا أنّ الآية محكمةٌ ولا وجه لدخولها في المنسوخ أصلا.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (قوله عز وجل: {الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} الآية [البقرة: 194] قال مجاهد: هي محكمة، والمعنى: فمن اعتدى عليكم في الحرم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم. فأباح أن تقاتل في الحرم من قاتلك، ولا يحل أن تبدأه بالقتال فيه وهو حكم ثابت عنده إلى الأبد.
وعن ابن عباس: أنها منسوخة، وقد نسخ اعتداء من اعتدى عليه برد أمره إلى السلطان، فلا يقتص بيده، إنما يقتص له السلطان.
قالوا: قال ابن عباس: (نسخها قوله عز وجل: {فقد جعلنا لوليه سلطانا} الآية [الإسراء: 33]) ولا يصح ذلك عن ابن عباس، لأن " سبحان" مكية باتفاق، والمكي لا ينسخ المدني.
). [جمال القراء: 1/249-271]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين

أم صفية آل حسن 21 جمادى الآخرة 1434هـ/1-05-2013م 09:27 PM

قوله تعالى { وَأَتِمُّوا۟ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ لِلَّهِ ۚ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْىِ ۖ وَلَا تَحْلِقُوا۟ رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْهَدْىُ مَحِلَّهُۥ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِۦٓ أَذًۭى مِّن رَّأْسِهِۦ فَفِدْيَةٌۭ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍۢ ۚ فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلْعُمْرَةِ إِلَى ٱلْحَجِّ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْىِ ۚ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَٰثَةِ أَيَّامٍۢ فِى ٱلْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ۗ تِلْكَ عَشَرَةٌۭ كَامِلَةٌۭ ۗ ذَٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُۥ حَاضِرِى ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ ۚ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ(196)}

قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (الآية الرابعة عشرة: قوله تعالى: {ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغالهدى محله...} الآية [196 مدنية / البقرة / 2] نسخت بالاستثناء بقوله تعالى: {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك...} الآية [196 مدنية / البقرة / 2]) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30].
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (باب ذكر الآية السّابعة عشرةقال اللّه جلّ وعزّ {وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه} [البقرة: 196] الآية، وقد صحّ عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أنّه أمر أصحابه بعد أن أحرموا بالحجّ ففسخوه وجعلوه عمرةً
واختلف العلماء في فسخ أصحاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم
الحجّ بعد أن أهلّوا به إلى العمرة فقالوا فيه أربعة أقوالٍ:
فمنهم من قال: إنّه منسوخٌ: كما روي عن عمر، رحمه اللّه أنّه قال في {وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه} [البقرة: 196] : «إتمامهما أن لا يفسخا وقد قيل في إتمامهما غير هذا» كما قرئ على عبد اللّه بن أحمد بن عبد السّلام، عن أبي الأزهر، قال: حدّثنا روحٌ، قال: حدّثنا شعبة، عن عمرو بن مرّة، عن عبد اللّه بن سلمة، عن عليّ بن أبي طالبٍ، رضي اللّه عنه في قول اللّه جلّ وعزّ {وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه} [البقرة: 196] قال: «أن تحرم من دويّرة أهلك»
وقال سفيان: «إتمام الحجّ والعمرة أن تخرج قاصدًا لهما لا لتجارةٍ»، وقيل: إتمامهما أن تكون النّفقة حلالًا
وقال مجاهدٌ، وإبراهيم: «إتمامهما أن يفعل فيهما كلّ ما أمر به، وهذا قولٌ جامعٌ»
وذهب أبو عبيدٍ إلى أنّ فسخ الحجّ إلى العمرة منسوخٌ بما فعله الخلفاء الرّاشدون المهديّون أبو بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٌّ رضي اللّه عنهم؛ لأنّهم لم يفسخوا حجّهم ولم يحلّوا إلى يوم النّحر فهذا قولٌ في فسخ الحجّ: إنّه منسوخٌ
والقول الثّاني إنّ فسخ الحجّ إنّما كان لعلّةٍ وذلك أنّهم كانوا لا يرون العمرة في أشهر الحجّ ويرون أنّ ذلك عظيمٌ فأمرهم رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بفسخ الحجّ وتحويله إلى العمرة ليعلموا أنّ العمرة في أشهر الحجّ جائزةٌ
والدّليل على أنّهم كانوا يتجنّبون العمرة في أشهر الحجّ وهي شوّال وذو القعدة وذو الحجّة في قول ابن عمر وفي قول ابن عبّاسٍ: «شوّال وذو القعدة وعشرٌ من ذي الحجّة» والقولان صحيحان؛ لأنّ العرب تقول: جئتك رجبًا ويوم الجمعة وإنّما جئت في بعضه فذو الحجّة شهر الحجّ؛ لأنّ الحجّ فيه ولأنّ أحمد بن شعيبٍ حدّثنا قال: أخبرنا عبد الأعلى بن واصل بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا أبو أسامة، عن وهيب بن خالدٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن طاوسٍ، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: كانوا يرون أنّ العمرة، في أشهر الحجّ من أفجر فجورٍ في الأرض ويجعلون المحرّم صفرًا ويقولون: إذا برأ الدّبر وعفا الوبر وانسلخ صفر أو قال: دخل صفر حلّت العمرة لمن اعتمر، فقدم رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه رضي اللّه عنهم صبيحة رابعةٍ مهلّين بالحجّ فأمرهم رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أن يجعلوها عمرةً فتعاظم ذلك عندهم فقالوا: يا رسول اللّه، أيّ الحلّ نحلّ؟ قال: «الحلّ كلّه» فهذان قولان
والقول الثّالث: إنّ ابن عبّاسٍ كان يرى الفسخ جائزًا ويقول: من حجّ فطاف بالبيت فقد حلّ لا اختلاف في ذلك عنه
قال ابن أبي مليكة: قال له عروة يا ابن عبّاسٍ، أضللت النّاس
قال له: بم ذاك يا عريّة؟ قال: تفتي النّاس بأنّهم إذا طافوا بالبيت حلّوا وقد حجّ أبو بكرٍ، وعمر فلم يحلّا إلى يوم النّحر فقال له ابن عبّاسٍ: قال اللّه جلّ وعزّ {ثمّ محلّها إلى البيت العتيق} [الحج: 33] أأقول لك قال اللّه جلّ وعزّ ثمّ تقول لي قال أبو بكرٍ، وعمر وقد أمر رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بالفسخ؟
قال أبو جعفرٍ: وهذا القول انفرد به ابن عبّاسٍ كما انفرد بأشياء غيره
فأمّا قوله جلّ وعزّ {ثمّ محلّها إلى البيت العتيق} [الحج: 33] فليس فيه حجّةٌ لأنّ الضّمير للبدن وليس للنّاس ومحلّ النّاس يوم النّحر على قول الجماعة ولهذا سميّ يوم الحجّ الأكبر وذلك صحيحٌ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم
وعن عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه، وعن ابن عبّاسٍ، وإن كان قد روي عن ابن عبّاسٍ أنّه يوم عرفاتٍ فهذه ثلاثة أقوالٍ في فسخ الحجّ
والقول الرّابع: أصحّها للتّوقيف من رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وهو أنّه مخصوصٌ
كما حدّثنا أحمد بن شعيبٍ، قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، عن عبد العزيز عن ربيعة بن أبي عبد الرّحمن، عن الحارث بن بلالٍ، عن أبيه، قال: قلنا: يا رسول اللّه، أفسخ الحجّ لنا خاصّةً أم للنّاس عامّةٌ؟ قال: «بل لنا خاصّةً»
وقال أبو ذرٍّ: كان فسخ الحجّ لنا رخصةً
فإن احتجّ محتجٌّ بقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم في غير هذا الحديث:
«ذلك لأبد الأبد» فلا حجّة له فيه؛ لأنّه يعني بذلك جواز العمرة في أشهر الحجّ
فأمّا حديث عمر أنّه قال في المتعة: إن أتيت بمن فعلها عاقبته، وكذا المتعة الأخرى
فإحداهما المتعة المحرّمة بالنّساء الّتي هي بمنزلة الزّنا، والأخرى فسخ الحجّ فلا ينبغي لأحدٍ أن يتأوّل عليه أنّها المتعة في أشهر الحجّ لأنّ اللّه جلّ وعزّ قد أباحها بقوله جلّ وعزّ {فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ فما استيسر من الهدي} [البقرة: 196]
واختلف العلماء في العمرة فقال بعضهم: هي واجبةٌ بفرض اللّه جلّ وعزّ، وقال بعضهم: هي واجبةٌ بسنّة رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وقال بعضهم: ليست واجبةً ولكنّها سنّةٌ فممّن يروى عنه أنّه قال: إنّها واجبةٌ عمر وابن عمر، وابن عبّاسٍ، وهو قول الثّوريّ، والشّافعيّ
وأمّا السّنّة:
فحدّثنا أحمد بن شعيبٍ، قال: أخبرنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا خالدٌ، قال: حدّثنا شعبة، قال: سمعت النّعمان بن سالمٍ، قال: سمعت عمرو بن أوسٍ، يحدّث عن أبي رزينٍ، أنّه قال: يا رسول اللّه، إنّ أبي شيخٌ كبيرٌ لا يستطيع الحجّ ولا العمرة ولا الظّعن قال: «حجّ عن أبيك واعتمر»
واحتجّ قومٌ في وجوبها بظاهر قول اللّه جلّ وعزّ {وللّه على النّاس حجّ البيت من استطاع} [آل عمران: 97] والحجّ القصد وهو يقع للحجّ والعمرة، وقال جلّ وعزّ {يوم الحجّ الأكبر} [التوبة: 3] والحجّ الأصغر العمرة إلّا أنّ أهل اللّغة
يقولون: اشتقاق العمرة من غير اشتقاق الحجّ، لأنّ العرب تقول: اعتمرت فلانًا أي زرته فمعنى العمرة زيارة البيت ولهذا كان ابن عبّاسٍ لا يرى العمرة لأهل مكّة لأنّهم بها فلا معنى لزيارتهم إيّاها، والحجّ في اللّغة القصد
وممّن قال: العمرة غير واجبةٍ جابر بن عبد اللّه، وسعيد بن المسيّب
وهو قول مالكٍ وأبى حنيفة وقال من احتجّ لهم:
روى الحجّاج بن أرطأة، عن محمّد بن المنكدر، عن جابرٍ، قال: قيل: يا رسول اللّه، العمرة واجبةٌ؟ قال: «لا وأن تعتمروا خيرٌ لكم»
[قال أبو جعفرٍ: وهذا لا حجّة فيه؛ لأنّ الحجّاج بن أرطاة يدلّس عمّن لقيه وعمّن لم يلقه فلا تقوم بحديثه حجّةٌ إلّا أن يقول: حدّثنا أو أخبرنا أو سمعت ولكنّ الحجّة في ذلك قول من قال: الفرائض لا تقع باختلافٍ وإنّما تقع باتّفاقٍ
وممّا يدخل في هذا الباب الاشتراط في الحجّ وهو أن يقول إذا لبّى بالحجّ إنّ حبسني حابسٌ فمحلّي حيث حبسني
فممّن قال بالاشتراط في الحجّ عمر، وعليٌّ، وابن مسعودٍ، ومعاذٌ، وسعيد بن جبيرٍ، وعطاءٌ، والحسن، وقتادة، وابن سيرين وهو قول أحمد بن محمّد بن حنبلٍ، وإسحاق بن راهويه وقول الشّافعيّ بالعراق ثمّ تركه بمصر
وممّن لم يقل به مالكٌ، وأبو حنيفة، والشّافعيّ بمصر وحجّة الّذين قالوا به:
ما حدّثنا أحمد بن شعيبٍ، قال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن الزّهريّ، عن عروة، عن عائشة، وعن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، رضي اللّه عنها أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم دخل على ضباعة فقالت: يا رسول اللّه، إنّي أريد الحجّ، وأنا شاكيةٌ فقال: حجّي واشترطي أنّ محلّي حيث تحبسني " قال إسحاق: قلت لعبد الرّزّاق: الزّهريّ، وهشامٌ قالا: عن عائشة؟ قال: نعم كلاهما، قال أحمد بن شعيبٍ: لم يصله إلّا عبد الرّزّاق، عن معمرٍ فلا أدري من أيّهما ذلك؟
وحدّثنا أحمد بن شعيبٍ، قال: أخبرني عمران بن يزيد، قال: حدّثنا شعيبٌ، وهو ابن إسحاق قال: حدّثنا ابن جريجٍ، قال: أخبرني أبو الزّبير، أنّه سمع طاوسًا، وعكرمة، يخبران عن ابن عبّاسٍ، قال جاءت ضباعة بنت الزّبير إلى رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فقالت: إنّي امرأةٌ ثقيلةٌ وأنا أريد الحجّ فكيف تأمرني أن أصنع؟ قال: «أهلّي واشترطي أنّ محلّي حيث حبستني»
قال أبو جعفرٍ: أهلّي معناه لبّي، وأصله من رفع الصّوت، ومنه استهلّ المولود ومنه {وما أهلّ لغير اللّه به} [المائدة: 3]
فقد صحّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم الاشتراط في الحجّ فقال بهذا من ذكرناه واتّبعوا ما جاء عن الرّسول صلّى الله عليه وسلّم، وكرهه قومٌ واحتجّوا بحديث الزّهريّ عن سالمٍ، عن أبيه أنّه كره الاشتراط في الحجّ، وقال «أما حسبكم سنة نبيّكم صلّى الله عليه وسلّم أنّه لم يشترط» واحتجّ بعض من كرهه بأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم إنّما قال لها: «واشترطي أنّ محلّي حيث حبستني» ولم يقل لها: إنّه ليس عليك حجٌّ إن أحصرت
[وفي الآية {فمن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ فما استيسر من الهدي} [البقرة: 196] فكان هذا ناسخًا لما كانوا يعتقدونه من أنّ العمرة لا تجوز في أشهر الحجّ فجازت في أشهر الحجّ وجاز القرآن ولم يكونوا يستعملونه
ثمّ اختلف العلماء في حجّة الوداع فقال قومٌ: إنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أفرد الحجّ فيها، وقال قومٌ: بل تمتّع بالعمرة إلى الحجّ، وقال قومٌ: بل قرن وجمع بين الحجّ والعمرة وكلّ هذا مرويٌّ بأسانيد صحاحٍ حتّى طعن بعض أهل الأهواء وبعض الملحدين في هذا وقالوا: هذه الحجّة الّتي حجّها رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أجمع ما كان أصحابه فقد اختلفتم فيها وهي أصلٌ من أصول الدّين، فكيف يقبل منكم ما رويتموه من أخبار الآحاد، وهذا الطّعن من أحد اثنين إمّا أن يكون الطّاعن به جاهلًا باللّغة الّتي خوطب بها القوم وإمّا أن يكون جائرًا عن الحقّ، وسنذكر أصحّ ما روي من الاختلاف في هذا ونبيّن أنّه غير متضادٍّ
وقد قال الشّافعيّ: «هذا من أيسر ما اختلفوا فيه وإن كان قبيحًا»
وهذا كلامٌ صحيحٌ؛ لأنّ المسلمين قد أجمعوا أنّه يجوز الإفراد والتّمتّع والقران وإن كان بعضهم قد اختار بعض هذا
قال أبو جعفرٍ: كما قرئ على أحمد بن محمّد بن خالدٍ البراثيّ، عن خلف بن هشامٍ المقرئ، قال: سمعت مالك بن أنسٍ، في " الإفراد بالحجّ: إنّه أحبّ إليه لا التّمتّع والقران قال: وليس على المفرد هديٌ "
قال البراثيّ، وحدّثنا عبد اللّه بن عونٍ، قال: حدّثنا مالك بن أنسٍ، عن عبد الرّحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، رضي اللّه عنها «أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أفرد الحجّ» وهذا إسنادٌ مستقيمٌ لا مطعن فيه
والحجّة لمن اختار الإفراد أنّ المفرد أكثر تعبًا من المتمتّع لإقامته على الإحرام فرأى أنّ ذلك أعظم لثوابه
والحجّة في اتّفاق الأحاديث أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم لمّا أمر بالتّمتّع والقرآن جاز أن يقال: تمتّع رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وقرن كما قال جلّ وعزّ {ونادى فرعون في قومه} [الزخرف: 51]
وقال عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه: «رجمنا ورجم رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، وإنّما أمرنا بالرّجم»
وحدّثنا بكر بن سهلٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، قال: أخبرنا مالكٌ، عن نافعٍ، عن ابن عمر، «أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قطع في مجنٍّ قيمته ثلاثة دراهم» وإنّما أمر من قطع فلمّا كان رسول اللّه صلّى الله عليه
وسلّم قد أمر بالتّمتّع والقران جاز هذا ومن الدّليل على أمره بذلك:
أنّ أحمد بن شعيبٍ حدّثنا قال: أخبرنا يحيى بن حبيب بن عربيٍّ، قال: حدّثنا حمّادٌ، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، قالت: خرجنا مع رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم موافين لهلال ذي الحجّة، فقال: ((من شاء منكم أن يهلّ بحجّةٍ فليهلّ، ومن شاء أن يهلّ بعمرةٍ فليهلّ بعمرةٍ))
قال أبو جعفرٍ: هذا احتجاجٌ لمن رأى إفراد الحجّ، وسنذكر غيره
فأمّا التّمتّع بالعمرة إلى الحجّ فهذا موضع ذكره
قال أبو جعفرٍ: قرئ على أحمد بن محمّد بن الحجّاج، عن يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، عن اللّيث بن سعدٍ، قال: حدّثني عقيلٌ، عن الزّهريّ، قال: أخبرني سالم بن عبد اللّه، عن عبد اللّه بن عمر، قال: تمتّع رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بالعمرة إلى الحجّ وأهدى فساق الهدي من ذي الحليفة وبدأ فأهلّ بالعمرة ثمّ أهلّ بالحجّ وتمتّع النّاس مع رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بالعمرة إلى الحجّ، وساق الحديث
قال الزّهريّ: وأخبرني عروة، عن عائشة،، عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم في تمتّعه بالعمرة إلى الحجّ مثل الّذي أخبرني سالمٌ عن عبد اللّه بن عمر، عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم
قال أبو جعفرٍ: فإن قال قائلٌ: هذا متناقضٌ رويتم عن القاسم، عن عائشة أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أفرد الحجّ، ورويتم هاهنا عن الزّهريّ، عن عروة، عن عائشة التّمتّع، قيل له: الحديثان متّفقان وذلك بيّنٌ ألا ترى أنّ في هذا الحديث نصًّا، وبدأ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فأهلّ بالعمرة ثمّ أهلّ بالحجّ أفلا ترى الحجّ مفردًا من العمرة فهذا بيّنٌ جدًّا
قال أبو جعفرٍ:حدّثنا أحمد بن شعيبٍ، قال: أخبرنا محمّد بن المثنّى، عن عبد الرّحمن، عن سفيان، عن قيس بن مسلمٍ، عن طارق بن شهابٍ، عن أبي موسى، قال: قدمت على رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وهو بالبطحاء فقال: «بم أهللت؟» فقلت بإهلال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «هل سقت من هديٍ؟» قلت: لا قال: «فطف بالبيت وبالصّفا والمروة وحلّ» فطفت بالبيت وبالصّفا والمروة ثمّ أتيت امرأةً من قومي فمشّطتني وغسلت رأسي فلم أزل أفتي النّاس بذلك في إمارة أبي بكرٍ وإمارة عمر فإنّي لقائمٌ بالموسم إذ أتاني رجلٌ فقال: إنّك لا تدري ما أحدث أمير المؤمنين في النّسك، فقلت: يا أيّها النّاس من أفتيناه بشيءٍ فليتّئد فإنّ أمير المؤمنين قادمٌ فأتمّوا به فلمّا قدم قلت: يا أمير المؤمنين ما أحدثت في النّسك؟ قال: أن نأخذ بكتاب اللّه جلّ وعزّ فقد قال اللّه جلّ ثناؤه {وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه}[البقرة: 196] وأن نأخذ بسنّة رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فإنّه لم يحلّ حتّى نحر الهدي
قال أبو جعفرٍ: قوله: فليتّئد معناه فليتثبّث، مشتقٌّ من التّؤدة، وقوله: لم يحلّ أي: لم يحلّ من إحرامه، أي: لم يستحلّ لبس الثّياب والطّيب وما أشبههما
وفي هذا الحديث من رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أمر أبي موسى بالتّمتّع وفيه أنّ أبا موسى توقّف عن الفتيا بالتّمتّع وقد أمره به رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم إلى أن وافى عمر فلمّا وافى عمر منع من التّمتّع فلم يرادّه أبو موسى، لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قد أجاز غيره فدلّ هذا على أنّ إمام المسلمين إذا اختار قولًا يجوز ويجوز غيره وجب أن لا يخالف عليه ونظير هذا أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قال: «أنزل القرآن على سبعة أحرفٍ»
فرأى عثمان رضي اللّه عنه أن يزيل منها ستّةً وأن يجمع النّاس على حرفٍ واحدٍ فلم يخالفه أكثر الصّحابة حتّى قال عليٌّ رضي اللّه عنه: «لو كنت موضعه لفعلت كما فعل»
وفي هذا الحديث أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال لأبي موسى: «طف بالبيت وبين الصّفا والمروة وحلّ» ولم يقل له: احلق ولا قصّر فدلّ على أنّ الحلق والتّقصير غير واجبين وفيه أهللت بإهلال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فدلّ هذا على أنّ هذا جائزٌ لمن فعله، وقال بعض أهل العلم: هذا يدلّ على أنّه جائزٌ أن يلبّي الرّجل ولا يريد حجًّا ولا عمرةً ثمّ يوجب بعد ذلك ما شاء واستدل قائل هذا على أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم لبّى مرّةً بالإفراد ومرّةً بالتّمتّع ومرّةً بالقران حتّى نزل عليه القضاء فقرن
وقال بعض أهل العلم: كان رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قارنًا وإذا كان قارنًا فقد حجّ واعتمر، واتّفقت الأحاديث
ومن أحسن ما قيل في هذا أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أهلّ بعمرةٍ فقال من رآه تمتّع ثمّ أهلّ بحجّةٍ فقال من رآه أفرد ثمّ قال: «لبّيك بحجّةٍ وعمرةٍ» فقال من سمعه: قرن فاتّفقت الأحاديث والدّليل على هذا أنّه لم يرو أحدٌ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال أفردت ولا تمتّعت وصحّ عنه أنّه قال «قرنت»
كما حدّثنا أحمد بن شعيبٍ، قال: أخبرني معاوية بن صالحٍ، قال: حدّثنا يحيى بن معينٍ، قال: حدّثنا حجّاجٌ، قال: حدّثنا يونس، عن أبي إسحاق، عن البراء، قال: كنت مع عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه حين أمّره رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم على اليمن فلمّا قدم على النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال عليٌّ: أتيت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فقال لي رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: " ماذا صنعت؟ قلت: أهللت بإهلالك قال: «فإنّي سقت الهدي وقرنت» ثمّ أقبل على أصحابه فقال: «لو استقبلت من أمري كما استدبرت لفعلت كما فعلتم ولكن سقت الهدي وقرنت»
وحدّثنا أحمد بن شعيبٍ، قال: حدّثنا يعقوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا حميدٌ، قال: حدّثنا بكر بن عبد اللّه المزنيّ، قال: سمعت أنس بن مالكٍ، يقول: سمعت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يلبّي بالعمرة والحجّ جميعًا فحدّثت بذلك ابن عمر، فقال: لبّى بالحجّ وحده، فلقيت أنسًا فحدّثته فقال: ما تعدّوننا إلّا صبيانًا سمعت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يقول: «لبّيك عمرةً وحجّةً معًا»
[فهذه أحاديث بيّنةٌ ويزيدك في ذلك بيانًا:
أنّ بكر بن سهلٍ حدّثنا، قال: حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، قال: أخبرنا مالكٌ، عن نافعٍ، عن ابن عمر، عن حفصة، قالت: قلت: يا رسول اللّه، ما بال النّاس قد حلّوا من عمرتهم ولم تحلّ؟ قال: «إنّي لبّدت رأسي وسقت هديي فلا أحلّ حتّى أنحر» وهذا يبيّن أنّه كان قارنًا، لأنّه لو كان متمتّعًا أو مفردًا لم يمتنع من نحر الهدي
فهذا ما في الحجّ من ناسخٍ ومنسوخٍ واحتجاجٍ، ونذكر بعده ما في الخمر
من النّسخ ونذكر قول من قال: إنّ الآية الّتي في سورة البقرة ناسخهٌ لما كان مباحًا من شرب الخمر، وقول من قال إنّها منسوخةٌ ونذكر ما هو بمنزلة الخمر من الشّراب وما يدلّ على ذلك من الأحاديث الصّحاح عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم، وما يدلّ من المعقول ومن الاشتقاق واللّغة على أنّ ما أسكر كثيره فقليله حرامٌ وأنّه خمرٌ ونذكر الشّبهة الّتي أدخلها قومٌ وهذا كلّه في الآية الثّامنة عشرة
). [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 1/454-630]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية السّابعة عشرة قوله تعالى {ولا تحلقوا رؤوسكم حتّى يبلغ الهدي محلّه}نزلت في كعب بن عجرة الأنصاريّ وذلك أنه قال لما نزلنا مع النّبي (صلى الله عليه وسلم) الحديبية مر بي النّبي (صلى الله عليه وسلم) وأنا أطبخ قدرا لي والقمل يتهافت على وجهي فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يا كعب بن عجرة لعلّك يؤذيك هوامرأسك فقلت نعم يا رسول الله فقال ادع بحلاق فاحلق رأسك ونزلت {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه} وفي الكلام محذوف تقديره فحلق فعليه ما في قوله تعالى {ففديةٌ من صيامٍ أو صدقةٍ أو نسكٍ}). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى:{ولا تحلقوا رؤوسكم حتّى يبلغ الهدي محلّه}:
ثم أباح ذلك لمن كان مريضًا، أو به أذىً من رأسه، وأوجب عليه الفدية.
فقال قوم: هذا ناسخٌ للنّهي عن حلق الرّأس حتى يبلغ الهدي محلّه.
والظّاهر في هذا البيّن أنه ليس فيه نسخٌ، لأنّه متّصلٌ بالأوّل غير منفصل منه. وإنما يكون الناسخ منفصلاً من المنسوخ. فهي أحكامٌ مختلفةٌ في شروطها متّصلٌ بعضها ببعض لا ينسخ بعضها بعضًا.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه}: [البقرة: 196]
أمر الله المسلمين بإتمام ما دخلوا فيه وعقدوه على أنفسهم من حجٍ أو عمرةٍ.
ولا دليل في هذا على فرض العمرة إنّما هو أمرٌ بإتمام ما دخلوا فيه من ذلك.
ويبيّن أن العمرة ليست بفرض قراءة الشعبي: "والعمرة لله" - بالرفع - فهذه القراءة لا تأويل فيها لفرض العمرة. وقوله: {وأتموا الحجّ} ولم يقل: حجّوا واعتمروا يدلّ على أن ذلك مرادٌ به غير الفرض.
وإنما هو مثل قوله: {أوفوا بالعقود} [المائدة: 1] فمن عقد برًّا على نفسه وجب عليه إتمامه.
وقراءة ابن مسعود: "والعمرة للبيت لله" وعنه: "والعمرة إلى البيت لله". يدل على أن العمرة ليست بفرض - قرئ بنصب العمرة أو برفعها -.
وكما أن ذكر الحجّ في هذه الآية ليس يوجب فرض الحج، إنما وجب فرض الحجّ بقوله تعالى: {ولله على النّاس حجّ البيت} [آل عمران: 97]. كذلك ذكر العمرة فيها لا يوجب فرضها. ولا آية أخرى توجب فرض العمرة في القرآن فبان أنّ العمرة ليست بفرض. وقد ذكر أهل المعاني والتفسير أنّ هذه الآية ناسخةٌ لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أمر أصحابه بعد أن أحرموا بالحجّ أن يفسخوه في عمرة.
والآية محكمةٌ، تدلّ على أنّ من دخل في طاعة وعقدها على نفسه أن عليه إتمامها.
وقد أبى من فسخ الحجّ في عمرة أبو بكر وعثمان وعلي -رضي الله عنهم- بحكم ظاهر الآية.
وأجازه ابن عباس لإباحة النبي صلى الله عليه وسلم ذلك.
وذهب أبو عبيد: إلى أنّ فسخ الحجّ في عمرة منسوخٌ بفعل الخلفاء الراشدين، يعني الذين ذكرنا. وعلى منعه أكثر العلماء مالكٌ وغيره.
وقد قيل: إنه إنما أباح النبيّ صلى الله عليه وسلم ذلك لعلّةٍ، وذلك أنهم كانوا لا يرون العمرة في أشهر الحج جائزةً، ويرونه ذنبًا، فأمرهم النبيّ صلى الله عليه وسلم بفسخ الحجّ وتحويله إلى عمرة في أشهر الحجّ، ليعلموا أن العمرة جائزةٌ في أشهر الحجّ. ففعله ذلك كان لعلّةٍ، فبزوال تلك العلة يزول الحكم. وله نظائر في القرآن.
وقيل: إن ذلك مخصوصٌ للنبي صلى الله عليه وسلم وروي عنه أنه سئل عن ذلك فقال: إنه لنا خاصّة.
قال أبو محمد: ومعنى فسخ الحجّ في عمرة: هو أن يهلّ الرّجل بالحجّ ولا هدي معه، فعليه أن يدخل مكة فيطوف ويبقى على إحرامه حتّى يحجّ ويقضي مناسكه من الوقوف بعرفاتٍ والمزدلفة ومن رمي الجمار وغير ذلك، وهو على إحرامه، ويحلق ويطوف طواف الإفاضة، وعليه السّعي بين الصّفا والمروة بعد الطّواف، ويحلّ من حجّته بعد ذلك كلّه، فهذا لازمٌ
له، وبه يتمّ ما عقده من الحجّ.
فإن فسخ حجّه في عمرة على قول ابن عباس فإنما عليه أن يدخل مكة ويطوف ويسعى ويحلق ويحلّ.
فذلك الأول عمل الحج.
وهذا عمل العمرة.
فإذا حلّ من عمرته التي فسخ الحجّ فيها ابتدأ الإهلال بالحجّ من مكة أو من الحلّ إن شاء، وبه يتمّ حجّه على ما ذكرنا.
وإن تمادى في حجّه ولم يفسخه في عمرةٍ، وأراد العمرة، فإنه إذا حلّ من حجّه خرج إلى التنعيم إلى الحلّ، أو إلى الحلّ من أي ناحيةٍ شاء، فأحرم ولبّى ودخل مكة فطاف وسعى وحلق، وحلّ من عمرته.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية العشرين: قوله تعالى: {وأتمّوا الحجّ والعمرة للّه}.
اختلف المفسّرون في المراد بإتمامها على خمسة أقوال:
(أحدها) : أن يحرم بهما من دويرة أهله، قاله علي وسعيد ابن جبير وطاوس.
والثّاني: الإتيان بما أمر اللّه به فيهما. قاله مجاهدٌ.
والثّالث: إفراد كلّ واحدٍ عن الآخر. قاله الحسن وعطاءٌ.
والرّابع: أن لا يفسخهما بعد الشّروع فيهما، رواه عطاءٌ عنابن عبّاسٍ.
والخامس: أن يخرج قاصدًا لهما لا يقصد شيئًا آخر من تجارة أو غيرها وهذا القول فيه بعدٌ. وقد ادّعى بعض العلماء على قائله أنه يزعم أنّ الآية نسخت بقوله تعالى: {ليس عليكم جناحٌ أن تبتغوا فضلاً من ربّكم}.
والصّحيح في تفسير الآية ما قاله ابن عبّاسٍ، وهو محمولٌ على النّهي عن فسخهما لغير عذر أو قصد صحيح، وليست هذه الآية بداخلةٍ في المنسوخ أصلا.
ذكر الآية الحادية والعشرين: قوله تعالى: {ولا تحلقوا رؤوسكم حتّى يبلغ الهدي محلّه}
ذكر بعض المفسّرين أنّ هذا الكلام اقتضى تحريم حلق الشّعر، سواءٌ وجد به أذًى أو لم يوجد ولم يزل الأمر على ذلك حتّى رأى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم (كعب ابن عجرة).والقمل يتناثر على وجهه، فقال: (أتجد) شاة فقال.
لا. فنزلت: {فمن كان منكم مريضاً أو به أذىً من رأسه ففديةٌ من صيامٍ أو صدقةٍ أو نسكٍ} والمعنى: فحلقٌ ففديةٌ. فاقتضى هذا الكلام إباحة حلق الشّعر عند الأذى مع الفدية وصار ناسخًا لتحريمه المتقدّم.
قلت: وفي هذا بعد من وجهين:
أحدهما: أنّه يحتاج أن يثبت أنّ نزول قوله: {فمن كان منكم مريضاً} تأخّر عن نزول أوّل الآية ولا يثبت هذا. والظّاهر نزول الآية في مرّةٍ، بدليل قول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم "أتجد شاةً" والشّاة هي النّسك المذكور في قوله: {أو نسكٍ}.
والثّاني: إنّا لو قدّرنا نزوله متأخّرًا فلا يكون نسخًا، [لأنّه قد بان بذكر العذر أنّ الكلام] الأوّل لمن لا عذر له، فصار التّقدير: ولا تحلقوا رؤسكم إلا أن يكون منكم مريض أو من يؤذيه هوامّه فلا ناسخ ولا منسوخ.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (قوله عز وجل: {ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله} الآية [البقرة: 196] قيل: هو منسوخ بقوله عز وجل بعد ذلك: {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه} الآية [البقرة: 196] قال كعب بن عجرة الأنصاري: (لما نزلنا الحديبية مر بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أطبخ قدرا لي والقمل يتناثر على رأسي، فقال: يا كعب لعلك يؤذيك هوام رأسك، فقلت: نعم، فقال: احلق رأسك، ونزل: {فمن كان منكم مريضا..} الآية).
وقال قوم: الآية محكمة، ولم يكن قوله عز وجل: {ولا تحلقوا رءوسكم} الآية [البقرة: 196] متناولا للمريض ولمن به أذى من رأسه.
قوله عز وجل: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه} الآية [البقرة: 217] قال ابن عباس وقتادة والضحاك وابن المسيب والأوزاعي: (هي منسوخة بآية السيف)، إذ أباحت قتالهم في كل مكان وزمان.
وقال مجاهد وعطاء: هي محكمة، ولا يجوز القتال في الأشهر الحرم، والعلماء على خلاف ذلك.
فإن قيل: فقد قال الله عز وجل: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} الآية [التوبة: 5] فهذا يؤيد قول عطاء ومجاهد، وكيف تكون هذه الآية ناسخة لآية البقرة، وإنما أباحت قتل المشركين بعد انسلاخ الأشهر الحرم؟.
فالجواب: أن الأشهر الحرم في براءة ليست هي التي قال الله عز وجل فيها: {منها أربعة حرم} الآية [التوبة: 36]، إنما هي أربعة أشهر أخر، وهي أشهر السياحة، أمر المؤمنون بقتل المشركين بعد انسلاخها حيث وجدوهم، وفي أي زمان لقوهم، وكان أولها بعد يوم النحر من ذلك العام.
وأما الأشهر الحرم التي حرم الله فيها القتال ثم نسخ فهي: محرم، ورجب، وذو القعدة، وذو الحجة بغير خلاف، وإنما الخلاف في أنها من سنة أو من عامين، فأهل المدينة يجعلونها في عامين، يقولون: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب، وقال أهل العراق: أولها محرم فتكون من عام واحد.
). [جمال القراء: 1/249-271]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين

أم صفية آل حسن 22 جمادى الآخرة 1434هـ/2-05-2013م 06:30 AM

قوله تعالى { يَسْـَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ ۖ قُلْ مَآ أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍۢ فَلِلْوَٰلِدَيْنِ وَٱلْأَقْرَبِينَ وَٱلْيَتَٰمَىٰ وَٱلْمَسَٰكِينِ وَٱبْنِ ٱلسَّبِيلِ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا۟ مِنْ خَيْرٍۢ فَإِنَّ ٱللَّهَ بِهِۦ عَلِيمٌۭ(215)}

قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (الآية الخامسة عشرة: قوله تعالى: {يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين...} الآية [215 مدنية / البقرة / 2] منسوخة وناسخها قوله تعالى: {إنما الصدقات للفقراء والمساكين...} الآية [60 مدنية / التوبة / 9].) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية الثّامنة عشرة قوله تعالى {يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين واليتامى والمساكين وابن السّبيل} الآية
كان هذا قبل أن يفرض الله الزّكاة فلمّا فرضت الزّكاة نسخ الله بها كل صدقة في القرآن فقال الله تعالى إنّما الصّدقات للفقراء والمساكين الآية قال أبو جعفر يزيد بن القعقاع نسخت الزّكاة كل صدقة في القرآن ونسخ شهر رمضان كل صيام ونسخ ذباحة الأضحى كل ذبح فصارت هذه ناسخة لما قبلها
). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية الثّانية والعشرين: قوله تعالى: {يسألونك ماذا ينفقون}.اختلفوا: هل هذه منسوخةٌ أم محكمةٌ؟
روى السّدّيّ عن أشياخه أنّه يوم نزلت هذه لم تكن زكاةً، وإنّما هي نفقة الرّجل على أهله، والصّدقة يتصدّقون بها فنسختها الزّكاة وروى عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما قال: نسخت هذه بآية الصّدقات في براءةٍ.
وروى أبو صالحٍ عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما قال: نسخ منها الصّدقة على الوالدين وصارت الصّدقة لغيرهم الّذين لا يرثون من الفقراء والمساكين والأقربين وقد قال الحسن البصريّ، والمراد بها التّطوّع على من لا يجوز إعطاؤه الزّكاة، كالوالدين والمولودين وهي غير منسوخةٍ، وقال ابن زيدٍ هي في النّوافل وهم أحق بفضلك.
قلت: من قال بنسخها ادّعى أنّه وجب عليهم أن ينفقوا فسألوا عن وجوه الإنفاق فدلّوا على ذلك وهذا يحتاج إلى نقلٍ، والتّحقيق أنّ الآية عامّةٌ في الفرض والتّطوّع فحكمها ثابتٌ غير منسوخٍ، لأنّ ما يجب من النّفقة على الوالدين والأقربين إذا كانوا فقراء لم ينسخ بالزّكاة، وما يتطوّع به لم ينسخ بالزّكاة وقد قامت الدّلالة على أنّ الزّكاة لا تصرف إلى الوالدين والولد، وهذه الآية بالتّطوّع أشبه، لأنّ ظاهرها أنّهم طلبوا بيان الفضل في إخراج الفضل (فبينت) لهم وجوه الفضل.
). [نواسخ القرآن:125- 236]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين

أم صفية آل حسن 22 جمادى الآخرة 1434هـ/2-05-2013م 06:30 AM

قوله تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْ‌هٌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَ‌هُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ‌ لَّكُمْ ۖ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ‌ لَّكُمْ ۗ وَاللَّـهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ(216)}

قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (باب ذكر الآية الخامسة عشرةقال جلّ وعزّ: {كتب عليكم القتال وهو كرهٌ لكم} [البقرة: 216] فقال قومٌ: هي ناسخةٌ لحظر القتال عليهم ولما أمروا به من الصفح والعفو بمكّة
وقال قومٌ: هي منسوخةٌ وكذا قالوا في قوله جلّ وعزّ {انفروا خفافًا وثقالًا} [التوبة: 41] والنّاسخة {وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً فلولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم طائفةٌ} [التوبة: 122]
وقال قومٌ: هي على النّدب لا على الوجوب، وقال قومٌ: هي واجبةٌ والجهاد فرضٌ
وقال عطاءٌ: هي فرضٌ إلّا أنّها على غيرنا يعني أنّ الّذي خوطب بها الصّحابة
قال أبو جعفرٍ: فهذه خمسة أقوالٍ، فأمّا القول الأوّل وهو أنّها ناسخةٌ فبيّنٌ صحيحٌ
وأمّا قول من قال: هي منسوخةٌ فلا يصحّ؛ لأنّه ليس في قوله جلّ وعزّ {وما كان المؤمنون لينفروا كافّةً} [التوبة: 122] نسخٌ لفرض القتال
وأمّا قول من قال: هي على النّدب فغير صحيحٍ؛ لأنّ الأمر إذا وقع بشيءٍ لم يحمل على غير الواجب إلّا بتوقيفٍ من الرّسول صلّى الله عليه وسلّم أو بدليلٍ قاطعٍ
وأمّا قول عطاءٍ: إنّها فرضٌ ولكنّه فرضٌ على الصّحابة فقولٌ مرغوبٌ عنه وقد ردّه العلماء حتّى قال الشّافعيّ رحمه اللّه في إلزامه: من قال:
{وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصّلاة} [النساء: 102] إنّ هذا للنّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خاصّةً ولا تصلّى صلاة الخوف بعده فعارضه بقوله جلّ وعزّ {خذ من أموالهم صدقةً تطهّرهم وتزكّيهم بها} [التوبة: 103]
فقول عطاءٍ أسهل ردًّا من قول من قال: هي على النّدب؛ لأنّ الّذي قال: هي على النّدب قال: هي مثل قوله جلّ وعزّ {يا أيّها الّذين آمنوا كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت} الآية
قال أبو جعفرٍ: وهذا ليس على النّدب وقد بيّنّاه فيما تقدّم، فأمّا قول من قال: إنّ الجهاد فرضٌ بالآية فقوله صحيحٌ وهو قول حذيفة، وعبد اللّه بن عمرٍو وقول الفقهاء الّذين تدور عليهم الفتيا إلّا أنّه فرضٌ يحمله بعض النّاس عن بعضٍ فإن احتيج إلى الجماعة نفروا فرضًا واجبًا؛ لأنّ نظير {كتب عليكم القتال} [البقرة: 216] {كتب عليكم الصّيام} [البقرة: 183]
قال حذيفة: الإسلام ثمانية أسهمٍ: الإسلام سهمٌ والصّلاة سهمٌ
والزّكاة سهمٌ والصّيام والحجّ سهمٌ والجهاد سهمٌ والأمر بالمعروف سهمٌ والنّهي عن المنكر سهمٌ
ونظير الجهاد في أنّه فرضٌ يقوم به بعض المسلمين عن بعضٍ الصّلاة على المسلمين إذا ماتوا ومواراتهم قال أبو عبيدٍ: وعيادة المريض وردّ السّلام وتشميت العاطس
وأمّا قول من قال: الجهاد نافلةٌ، فيحتجّ بأشياء وهو قول ابن عمر، وابن شبرمة، وسفيان الثّوريّ
ومن حجّتهم قول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم رواه ابن عمر:
(( بني الإسلام على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلّا اللّه، وأنّ محمّدًا عبده ورسوله، والصّلاة، والصّيام، والزّكاة، وحجّ البيت ))
قال أبو جعفرٍ: وهذا لا حجّة فيه؛ لأنّه قد روي عن ابن عمر أنّه قال: " استنبطت هذا ولم يرفعه ولو كان رفعه صحيحًا لما كان فيه أيضًا حجّةٌ؛ لأنّه يجوز أن يترك ذكر الجهاد هاهنا لأنّه مذكورٌ في القرآن، أو لأنّ بعض النّاس يحمله عن بعضٍ فقد صحّ فرض الجهاد بنصّ القرآن وبسنّة رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم كما روى مالكٌ، عن نافعٍ، عن ابن عمر، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ((الخيل معقودٌ في نواصيها الخير إلى يوم القيامة)) فسّره العلماء أنّه في الغزو وفي ذلك أحاديث كثيرةٌ كرهنا أن نطوّل الكتاب بها لأنّ فيما تقدّم كفايةً
والصّحيح في الآية السّادسة عشرة أنّها منسوخةٌ
). [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 1/454-630]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {كتب عليكم القتال وهو كرهٌ لكم}[البقرة: 216] الآية:
أكثر العلماء على أنّ هذه الآية ناسخةٌ لكلّ رخصةٍ في القرآن في ترك القتال. إلاّ أنه فرضٌ يحمله بعض الناس عن بعض. وإن احتيج إلى الجماعة كان فرضًا عليهم الخروج. ومثله الصّلاة على الجنائز. وردّ السلام.
وقد قيل: هي منسوخةٌ بقوله - عزّ وجلّ -: {وما كان المؤمنون لينفروا كافةً} [التوبة: 122].
وقيل: هي على الندب.
قال أبو محمد: والأمر لا يحمل على النّدب إلا بقرينةٍ ودليل.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (ذكر الآية الثّالثة والعشرين: قوله تعالى: {كتب عليكم القتال}.
اختلفوا في هذه الآية هل هي منسوخة أو محكمة؟
فقال قومٌ: هي منسوخةٌ لأنّها تقتضي وجوب القتال على الكلّ؛ لأنّ الكلّ خوطبوا بها، وكتب بمعنى فرض.
قال ابن جريجٍ سألت عطاء، أواجبٌ الغزو على النّاس من أجل هذه الآية؟ فقال: لا، إنّما كتب على أولئك حينئذٍ.
وقال ابن أبي نجيحٍ سألت مجاهدًا (هل الغزو واجبٌ على النّاس؟) فقال: لا. إنّما كتب عليهم يومئذٍ.
وقد اختلف أرباب هذا القول في ناسخها على قولين:
أحدهما: أنّه قوله تعالى: {لا يكلّف الله نفساً إلاّ وسعها} قاله عكرمة.
والثاني: قوله: {فلولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم طائفةٌ} وقد زعم بعضهم أنّها ناسخةٌ من وجهٍ، ومنسوخةٌ من وجهٍ، وذلك أنّ الجهاد كان على ثلاث طبقاتٍ:
الأولى: المنع من القتال، وذلك مفهومٌ من قوله تعالى: {ألم تر إلى الّذين قيل لهم كفّوا أيديكم} فنسخت بهذه الآية ووجب بها التّعيّن على الكلّ، وساعدها قوله تعالى: {انفروا خفافاً وثقالاً} ثمّ استقرّ الأمر على أنّه إذا قام بالجهاد قومٌ سقط على الباقين بقوله تعالى: {فلولا نفر من كلّ فرقةٍ منهم طائفةٌ}.
والصّحيح أنّ قوله: {كتب عليكم القتال} محكمٌ وأنّ فرض الجهاد لازمٌ للكلّ، إلا أنّه من فروض الكفايات، إذا قام به قومٌ سقط عن الباقين فلا وجه للنسخ).
). [نواسخ القرآن:125- 236]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين

أم صفية آل حسن 22 جمادى الآخرة 1434هـ/2-05-2013م 07:10 AM

قوله تعالى {يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ قِتَالٍۢ فِيهِ ۖ قُلْ قِتَالٌۭ فِيهِ كَبِيرٌۭ ۖ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ وَكُفْرٌۢ بِهِۦ وَٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِۦ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ ٱللَّهِ ۚ وَٱلْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ ٱلْقَتْلِ ۗ وَلَا يَزَالُونَ يُقَٰتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ ٱسْتَطَٰعُوا۟ ۚ وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِۦ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌۭ فَأُو۟لَٰٓئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَٰلُهُمْ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلْءَاخِرَةِ ۖ وَأُو۟لَٰٓئِكَ أَصْحَٰبُ ٱلنَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَٰلِدُونَ(217)}
قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): ( الآية السادسة عشرة: قوله تعالى: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه...} الآية [217 / البقرة] منسوخة وناسخها قوله تعالى: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم...} الآية [5 مدنية / التوبة / 9].) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (باب ذكر الآية السّادسة عشرةقال جلّ وعزّ: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه قل قتالٌ فيه كبيرٌ} [البقرة: 217] الآية
العلماء على أنّ هذه الآية منسوخةٌ وأنّ قتال المشركين في الأشهر الحرم مباحٌ غير عطاءٍ فإنّه قال: «الآية محكمةٌ ولا يجوز القتال في الأشهر الحرم»
ويحتجّ له بما حدّثناه إبراهيم بن شريكٍ، قال: حدّثنا أحمد يعني ابن عبد اللّه بن يونس، قال: حدّثنا ليثٌ، عن أبي الزّبير، عن جابرٍ، قال: «كان رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم لا يقاتل في الشّهر الحرام إلّا أن يغزى أو يغزو فإذا حضر ذلك أقام حتّى ينسلخ»
قال أبو جعفرٍ: وهذا الحديث يجوز أن يكون قبل نسخ الآية
وابن عبّاسٍ، وسعيد بن المسيّب، وسليمان بن يسارٍ، وقتادة، والأوزاعيّ على أنّ الآية منسوخةٌ فمن ذلك:
ما حدّثناه عليل بن أحمد، قال: حدّثنا محمّد بن هشامٍ، قال: حدّثنا عاصم بن سليمان، قال: حدّثنا جويبرٌ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، قال: وقوله {يسألونك عن الشّهر الحرام، قتالٍ فيه} [البقرة: 217] أي في الشّهر الحرام {قل قتالٌ فيه كبيرٌ} [البقرة: 217] " أي عظيمٌ، فكان القتال فيه محظورًا حتّى نسخته آية السّيف في براءة {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5] فأبيحوا القتال في الأشهر الحرم وفي غيرها "
حدّثنا جعفر بن مجاشعٍ، قال: حدّثنا إبراهيم بن إسحاق، قال: حدّثنا عبيد اللّه،
قال: حدّثنا يزيد، قال: أخبرنا سعيدٌ، عن قتادة، في قوله جلّ وعزّ {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه قل قتالٌ فيه كبيرٌ} [البقرة: 217] " فكان كذلك حتّى نسخه هاتان الآيتان في براءة {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5] ثمّ قال جلّ وعزّ {وقاتلوا المشركين كافّةً كما يقاتلونكم كافّةً} [التوبة: 36] والأشهر الحرم عهدٌ كان بين رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وبين مشركي قريشٍ، انسلاخ أربعة أشهرٍ بعد يوم النّحر لمن كان له عهدٌ ومن لم يكن له عهدٌ فإلى انسلاخ المحرّم فأمر اللّه جلّ وعزّ نبيّه صلّى الله عليه وسلّم إذا انسلخت الأشهر الأربعة أن يقاتل المشركين في الحرم وغيره حتّى يشهدوا أن لا إله إلّا اللّه وأنّ محمّدًا رسول اللّه "
قال أبو جعفرٍ: هذه الأشهر الّتي ذكرها قتادة وقال: «هي الحرم هي أشهر السّياحة فسمّاها حرمًا؛ لأنّه حظر القتال فيها»
فأمّا الأشهر الحرم فهي أربعةٌ والعلماء يختلفون في اللّفظ بها فمن أهل المدينة من يقول: أوّلها ذو القعدة، وذو الحجّة، والمحرّم، ورجبٌ، ومنهم من يبدأ برجبٍ
وأهل الكوفة يقولون: أوّلها المحرّم، ورجبٌ، وذو القعدة، وذو الحجّة،
وينكرون ما قاله المدنيّون وقالوا: قولنا أولى لتكون من سنةٍ واحدةٍ
ومن قال من المدنيّين: أوّلها رجبٌ احتجّ بأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قدم المدينة في شهر ربيعٍ الأوّل فوجب أن يكون أوّلها رجبٌ على هذا
قال أبو جعفرٍ: والأمر في هذا كلّه سهلٌ؛ لأنّ الواو لا تدلّ على أنّ الثّاني بعد الأوّل عند أحدٍ من النّحويّين علمته
فإذا كان الأمر على هذا فالأولى أن يؤتى بالأشهر الحرم على ما لفظ به رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وأدّي عنه بالأسانيد الصّحاح وهو قول المدنيّين الأوّل
روى أبو بكرة، وغيره، أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم خطب فقال: «إنّ الزّمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللّه السّموات والأرض فالسّنة اثنا عشر شهرًا منها أربعةٌ حرمٌ ذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم ورجب مضرٍ الّذي بين جمادى وشعبان»
قال أبو جعفرٍ: وقد قامت الحجّة بأنّ قوله جلّ وعزّ {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه} [البقرة: 217] منسوخٌ بما ذكرناه من نصّ القرآن وقول العلماء وأيضًا فإنّ النّقل يبيّن ذلك؛ لأنّه نقل إلينا أنّ هذه الآية نزلت في جمادى الآخرة أو في رجبٍ في السّنة الثّانية من هجرة رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة وقد قاتل رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم هوازن بحنينٍ وثقيفًا بالطّائف في شوّالٍ وذي القعدة وذو القعدة من الأشهر الحرم وذلك في سنة ثمانٍ من الهجرة
قال أبو جعفرٍ: فهذا ما في القتال والجهاد من النّاسخ والمنسوخ في هذه السّورة مجموعًا بعضه إلى بعضٍ ثمّ نرجع إلى ما فيها من ذكر الحجّ في الآية السّابعة عشرة
). [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 1/454-630]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية التّاسعة عشرة قوله تعالى {يسألونك عن الشهر الحرام قتالٍ فيه} وذلك أنهم كانوا يمتنعون عن القتال في الجاهليّة في الأشهر الحرم حتّى خرج عبد اللهابن جحش وأمره النّبي (صلى الله عليه وسلم) أن يخرج إلى بطن نخله يلقي بها عمرو الحضرميّ فقاتله فقتله فعير المشركون المسلمين بقتل هذا الرجل لعمرو بن الحضرميّ وكان قد قتل في آخر يوم من جمادى الآخرة وكان ذلك في ابتداء رجب فأنزل الله تعالى هذه الآية يعظم الله شأن الشّهر الحرام والقتل فيه ثمّ صارت منسوخه بقوله {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} يعني في الحل والحرام). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه قل قتالٌ فيه كبير}
أكثر العلماء أنّ هذه الآية منسوخةٌ؛ لأنّ الله عظّم القتال في الشّهر الحرام. ثم نسخ ذلك في براءة بقوله: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} [التوبة: 5] وبقوله: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر} [التوبة: 29]. فأباح قتلهم وقتالهم في كلّ موضعٍ، وفي كلّ وقتٍ من شهرٍ حرامٍ وغيره، وهو قول ابن عبّاس، وقتادة، والضّحّاك، والأوزاعي، وابن المسيّب. وقال عطاءٌ ومجاهدٌ: الآية محكمةٌ، ولا يجوز القتال في الأشهر الحرم. والجماعة على خلاف ذلك.
والأشهر الحرم التي كان الله قد حرّم فيها القتال ثمّ نسخه لم يختلف فيه أعيانها، وهي: المحرّم، ورجبٌ، وذو القعدة وذو الحجّة. واختلف في ترتيبها:
فقال قوم من أهل المدينة: هي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب. يجعلونها من سنتين.
وقال بعض المدنيين: أوّلها رجب، وهي من سنتين؛ لأن النبيّ عليه السلام قدم المدينة في ربيع الآخر وقد قيل في ربيع الأول وأول شهرٍ كان بعد قدومه من الحرم رجب.
وقال الكوفيون: هي من سنة واحدة، وأولها المحرّم، وهي المذكورة في قوله تعالى: {منها أربعةٌ حرم}. [التوبة: 36].
وأمّا الأشهر الحرم المذكورة في أول سورة براءة في قوله: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم} [التوبة: 5] فليست الحرم التي كان قد حرّم فيها القتال المذكور في سورة البقرة، ولا هي المذكورة في قوله تعالى: {منها أربعةٌ حرم} [التوبة: 36].
إنما هي أربعة أشهرٍ بعد يوم النّحر من ذلك العام، وهو عهدٌ كان بين
النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش، ويقال لها: أشهر السّياحة، أمر الله المؤمنين أن يقتلوا المشركين حيث وجدوهم بعد انقضاء أربعة أشهرٍ من يوم النّحر من ذلك العام، وهي آخر العهد الذي انعقد بين النبيّ صلى الله عليه وسلم وبين قريش.
وأشهر الحجّ: شوّال وذو القعدة وعشرٌ من ذي الحجّة، هذا قول أبي حنيفة -رضي الله عنه-.
وقال الشافعي: تسعٌ من ذي الحجة.
وعن مالك: وذو الحجّة كلّه.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية الرّابعة والعشرين: قوله تعالى: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه قل قتالٌ فيه كبيرٌ}
سبب سؤالهم عن هذا، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعث سريّةً فقتلوا عمرو ابن الحضرمي في أوّل ليلةٍ من رجبٍ فعيّرهم المشركون بذلك فنزلت هذه الآية وهي تقتضي تحريم القتال في الشّهر الحرام، لقوله: {قل قتالٌ فيه كبيرٌ} قال ابن مسعودٍ وابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما لا يحلّ.
وفي رواية أبي صالحٍ عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما عظّم العقوبة وهذا إقرارٌ لهم على ما كانوا عليه في الجاهليّة فإنّهم كانوا يحرّمون القتال في الأشهر الحرم.
أخبرنا أبو الحسن الأنصاريّ، قال: أبنا عبد اللّه بن عليٍّ الألوسي،
قال: أخبرني عبد الملك بن عمر الرزاز، قال: أبنا بن شاهين، قال: بنا يحيى بن محمد بن صاعد، قال: بنا محمّد بن توبة العنبريّ، قال: أبنا أزهر بن سعدٍ، قال: بنا ابن عون، قال: قال: أبو رجاءٍ العطارديّ: كان إذا دخل شهر رجبٍ قالوا: قد جاء منصل الأسنّة فيعمد أحدهم إلى سنان رمحه فيخلعه ويدفعه إلى النّساء، فيقول: أشدن هذا في عكومكنّ فلو مرّ أحدنا على قاتل أبيه لم يوقظه.
قلت: واختلف العلماء هل هذا التّحريم باقٍ أم نسخ؟
وأخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد اللّه البقّال، قال: أبنا ابن بشران، قالت بنا الكاذي قال: بنا عبد اللّه بن أحمد، قال: حدثني أبي قال (بنا) حجّاجٌ عن ابن جريجٍ، قال: قلت لعطاءٍ: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه} ما لهم إذ ذاك لا يحل لهم أن يغزو أهل الشّرك في الشّهر الحرام ثمّ غزوهم فيه بعد فحلف لي باللّه، ما يحلّ للنّاس الآن أن يغزو في الحرم ولا في الشّهر الحرام إلا أن يقاتلوا فيه (أو يغزو) وما نسخت.
وروى (عبد خيرٍ) عن عليٍّ عليه السّلام في قوله: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه} قال: نسختها {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم}.
وقال سعيد بن المسيّب، وسليمان بن يسارٍ وسائر علماء الأمصار إنّ القتال في الشّهر الحرام جائزٌ فإدن هذه الآية منسوخةٌ بقوله: {فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} وقوله: {قاتلوا الّذين لا يؤمنون باللّه ولا باليوم الآخر}.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا أبو الفضل البقّال قال: أبنا ابن بشران قال: أبنا إسحاق الكاذي، قال: بنا عبد اللّه بن أحمد، قال: حدثني أبي قال: بنا عبد الرازق عن معمرٍ قال: قال الزّهريّ: كان النّبيّ صلّى اللّه
عليه وسلّم فيما بلغّنا يحرّم القتال في الشّهر الحرام ثمّ أحلّ له بعد.
ذكر الآية الخامسة والعشرين: قوله تعالى: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس}.
اختلف العلماء في هذه الآية: فقال قومٌ: إنّها تضمّنت ذمّ الخمر (لا تحريمها) وهو مذهب ابن عبّاسٍ وسعيد بن جبيرٍ، ومجاهدٍ، وقتادة.
وقال آخرون: بل تضمّنت تحريمها، وهو مذهب الحسن وعطاءٍ.
فأمّا قوله تعالى: {وإثمهما أكبر من نفعهما} فيتجاذبه أرباب القولين، فأمّا أصحاب القول الأوّل فإنّهم قالوا إثمهما بعد التّحريم أكبر من نفعهما قبله.
وقال أصحاب القول الثّاني: إثمهما قبل التّحريم أكبر من نفعهما حينئذٍ أيضًا لأنّ الإثم الحادث عن شربها من ترك الصّلاة والإفساد الواقع عن السّكر لا يوازي منفعتها الحاصلة من لذّةٍ أو بيعٍ ولمّا كان الأمر محتملاً للتأويل، قال عمربن الخطّاب بعد نزول هذه الآية: اللّهمّ بيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا، وعلى القول الأوّل يتوجه النسخ بقوله تعالى فا[جتبوه].
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (السادسة عشرة: {يسألونك عن الشّهر الحرام قتالٍ فيه قل قتالٌ فيه كبيرٌ} نسخت الآية بآية السيف.). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (قوله عز وجل: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه} الآية [البقرة: 217] قال ابن عباس وقتادة والضحاك وابن المسيب والأوزاعي: (هي منسوخة بآية السيف)، إذ أباحت قتالهم في كل مكان وزمان.
وقال مجاهد وعطاء: هي محكمة، ولا يجوز القتال في الأشهر الحرم، والعلماء على خلاف ذلك.
فإن قيل: فقد قال الله عز وجل: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم} الآية [التوبة: 5] فهذا يؤيد قول عطاء ومجاهد، وكيف تكون هذه الآية ناسخة لآية البقرة، وإنما أباحت قتل المشركين بعد انسلاخ الأشهر الحرم؟.
فالجواب: أن الأشهر الحرم في براءة ليست هي التي قال الله عز وجل فيها: {منها أربعة حرم} الآية [التوبة: 36]، إنما هي أربعة أشهر أخر، وهي أشهر السياحة، أمر المؤمنون بقتل المشركين بعد انسلاخها حيث وجدوهم، وفي أي زمان لقوهم، وكان أولها بعد يوم النحر من ذلك العام.
وأما الأشهر الحرم التي حرم الله فيها القتال ثم نسخ فهي: محرم، ورجب، وذو القعدة، وذو الحجة بغير خلاف، وإنما الخلاف في أنها من سنة أو من عامين، فأهل المدينة يجعلونها في عامين، يقولون: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب، وقال أهل العراق: أولها محرم فتكون من عام واحد.
). [جمال القراء: 1/249-271]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين

أم صفية آل حسن 22 جمادى الآخرة 1434هـ/2-05-2013م 07:40 AM

قوله تعالى { يَسْـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ ۖ قُلْ فِيهِمَآ إِثْمٌۭ كَبِيرٌۭ وَمَنَٰفِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ۗ وَيَسْـَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ ۗ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلْءَايَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ(219)}

قال محمد بن كثيرٍ العَبْدي (ت:223هـ) عن همّام بن يحيى البصري قال: (وعن قوله عز وجل: {يسألونك عن الخمر والميسر} القمار كله قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وذمهما ولم يحرمهما وهي لهم حلال يومئذ ثم أنزل الله عز وجل بعد ذلك هذه الآية في شأن الخمر وهي أشد منها فقال : {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} فكان السكر منها حراما عليهم ثم إن الله عز وجل أنزل الآية التي في سورة المائدة فقال : {يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر إلى قوله فهل أنتم منتهون} فجاء تحريمها في هذه الآية قليلها وكثيرها ما أسكر وما لم يسكر ). [الناسخ والمنسوخ لقتادة: 1/31-38]
قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (الآية السابعة عشرة: قوله تعالى: {يسألونك عن الخمر والميسر...} الآية [219 مدنية / البقرة / 2] منسوخة نسخها آية منها قوله تعالى: {وإثمهما أكبر من نفعهما} [219 / البقرة] فلما نزلت هذه الآية امتنع قوم عن شربها وبقي قوم، ثم أنزل الله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وانتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} [43 / النساء / 4] وكانوا يشربون بعد العشاء الآخرة ثم يرقدون ثم يقومون من غد وقد صحوا ثم يشربونها بعد الفجر إن شاءوا فإذا جاء وقت الظهر لا يشربونها البتة ثم أنزل الله تعالى: {فاجتنبوه} [90 مدنية / المائدة / 5] فاتركوه واختلف العلماء على التحريم ههنا.
أو قوله تعالى: {فهل أنتم منهون} [91 مدنية / المائدة / 5] لأن المعنى انتهوا - كما قال في سورة الفرقان {أتصبرون} [20 مكية / الفرقان / 25] الشعراء {...قوم فرعون ألا يتقون} [11 مكية / الشعراء / 26] المعنى اتقوا.
) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (باب ذكر الآية الثّامنة عشرةقال جلّ وعزّ {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس وإثمهما أكبر من نفعهما} [البقرة: 219]
قال جماعةٌ من العلماء: هذه الآية ناسخةٌ لما كان مباحًا من شرب الخمر
وقال آخرون: هي منسوخةٌ بتحريم الخمر في قوله جلّ وعزّ {فاجتنبوه} [المائدة: 90]
قال أبو جعفرٍ: وسنذكر حجج الجميع فمن قال: إنّها منسوخةٌ احتجّ بأنّ المنافع الّتي فيها إنّما كانت قبل التّحريم ثمّ نسخت وأزيلت كما حدّثنا جعفر بن مجاشعٍ، قال: حدّثنا إبراهيم بن إسحاق، قال: حدّثنا إبراهيم بن عبد اللّه، عن محمّد بن يزيد، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، في قوله جلّ وعزّ {يسألونك عن الخمر، والميسر} [البقرة: 219]، قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس قال: «المنافع قبل التّحريم»
وحدّثنا جعفر بن مجاشعٍ، قال: حدّثنا إبراهيم بن إسحاق، قال: حدّثنا محمّد بن هارون، قال: حدّثنا صفوان، عن عمر بن عبد الواحد، عن عثمان بن عطاءٍ، عن أبيه، {يسألونك عن الخمر، والميسر، قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس} [البقرة: 219] قال: " نسختها {يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى} [النساء: 43] يعني المساجد ثمّ أنزل {ومن ثمرات النّخيل والأعناب تتّخذون منه سكرًا ورزقًا} [النحل: 67]
ثمّ أنزل {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشّيطان فاجتنبوه} [المائدة: 90] " الآيتين
واحتجّ من قال: إنّها ناسخةٌ بالأحاديث المتواترة الّتي فيها بيان علّة نزول تحريم الخمر وبغير ذلك
قال أبو جعفرٍ: فمن الحجج: ما قرئ على أحمد بن محمّد بن الحجّاج، أنّ عبد العزيز بن عمران بن أيّوب بن مقلاصٍ حدّثهم سنة تسعٍ وعشرين ومائتين قال: حدّثنا محمّد بن يوسف، قال: حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي ميسرة عمرو بن شرحبيل، عن عمر، أنّه قال " اللّهمّ بيّن لنا في الخمر، فنزلت {يسألونك عن الخمر والميسر} [البقرة: 219] الآية فقرئت عليهم فقال: اللّهمّ بيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا فإنّها تذهب العقل والمال فنزلت {يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون} [النساء: 43] فكان منادي رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم ينادي وقت الصّلاة لا يقربنّ الصّلاة سكران فدعى عمر فقرئت عليه فقال: اللّهمّ بيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا فإنّها تذهب العقل والمال فنزلت {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشّيطان} [المائدة: 90] إلى {فهل أنتم منتهون} [المائدة: 91] فقال عمر رضي اللّه عنه: انتهينا انتهينا "
قال أحمد بن محمّد بن الحجّاج: وحدّثنا عمر بن خالدٍ، سنة خمسٍ وعشرين قال: حدّثنا زهيرٌ، قال: حدّثنا سماكٌ، قال: حدّثني مصعب بن سعدٍ، عن سعدٍ، قال: " مررت بنفرٍ من المهاجرين والأنصار فقالوا لي: تعال نطعمك ونسقيك خمرًا وذلك قبل أن تحرّم الخمر: فأتيتهم في حشٍّ قال والحشّ البستان فإذا عندهم رأس جزورٍ مشويٌّ وزقّ خمرٍ فأكلنا وشربنا فذكرت الأنصار فقلت: المهاجرون خيرٌ من الأنصار فأخذ رجلٌ منهم أحد لحيي الرّأس فجرح به أنفي فأتيت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فأخبرته فنزلت {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر} [المائدة: 90] "
قال أبو جعفرٍ: وفي حديث سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: نزل تحريم الخمر في حيّين من قبائل الأنصار لمّا ثملوا شجّ بعضهم
بعضًا ووقعت بينهم الضّغائن فنزلت {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر} [المائدة: 90] إلى {منتهون} [المائدة: 91]
قال أبو جعفرٍ: فهذا يبيّن أنّ الآية ناسخةٌ
ومن الحجّة لذلك أيضًا أنّ جماعةً من الفقهاء يقولون: تحريم الخمر بآيتين من القرآن بقوله جلّ وعزّ {قل فيهما إثمٌ كبيرٌ} [البقرة: 219] وبقوله {قل إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم} [الأعراف: 33] فلمّا حرّم الإثم وأخبر أنّ في الخمر إثمًا وجب أن تكون محرّمةً
فأمّا قول من قال: إنّ الخمر يقال لها الإثم فغير معروفٍ من حديثٍ ولا لغةٍ والقول الأوّل جائزٌ وأبين منه أنّها محرّمةٌ بقوله تعالى {فاجتنبوه} [المائدة: 90] وإذا نهى اللّه جلّ وعزّ عن شيءٍ فهو محرّمٌ
وفي الأحاديث الّتي ذكرناها ما يحتاج إلى تفسيرٍ فمن ذلك ثملوا معناه: سكروا، وبعضهم يروي في حديث سعدٍ: ففزر به أنفي، أي فلقه وشقّه ومنه فزرت الثّوب، والفزر القطعة من الغنم
وفي الأحاديث في سبب نزول تحريم الخمر أسبابٌ يقول القائل: كيف يتّفق بعضها مع بعضٍ وعمر رضي اللّه عنه يقول شيئًا وسعدٌ يقول غيره وابن عبّاسٍ قد أتى بسواهما
قال أبو جعفرٍ: والجواب أنّ الأحاديث متّفقةٌ لأنّ عمر رضي اللّه عنه سأل بيانًا شافيًا في تحريم الخمر ولم يقل: نزلت في ذلك لا في غيره فيجوز أن يكون سؤال عمر وافق ما كان من سعد بن أبي وقّاصٍ ومن الحيّين اللّذين من قبائل الأنصار، فتتّفق الأحاديث ولا تتضادّ وفيها من الفقه أنّ منادي رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم كان ينادي وقت الصّلاة لا يقربنّ الصّلاة سكران فدلّ بهذا على أنّ القول ليس كما قال بعض الفقهاء إنّ السّكران الّذي لا يعرف السّماء من الأرض ولا الذّكر من الأنثى وإنّ رجلًا لو قال له وأشار إلى السّماء ما هذه؟ فقال: الأرض لم يكن سكران لأنّه قد فهم عنه كلامه ولو كان الأمر على هذا لما جاز أن يخاطب من لا يعرف الذّكر من الأنثى ولا يفهم الكلام فيقال له: لا تقرب الصّلاة وأنت سكران فتبيّن بهذا الحديث أنّ السّكران هو الّذي أكثر أمره التّخليط
وقد حكى أحمد بن محمّد بن الحجّاج أنّ أحمد بن صالحٍ سئل عن السّكران فقال: أنا آخذ فيه بما رواه ابن جريجٍ عن عمرو بن دينارٍ، عن يعلى بن منية، عن أبيه قال: سألت عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه عن حدّ السّكران، فقال: «هو الّذي إذا استقرأته سورةً لم يقرأها وإذا خلطت ثوبه مع ثيابٍ لم يخرجه» وفي الحديث من الفقه أنّ قوله: «لا يقربنّ الصّلاة سكران» قد دلّ على أنّ قول اللّه جلّ وعزّ {لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى} [النساء: 43] ليس من النّوم وأنّه من الشّرب حين كان مباحًا وقد تبيّن أنّ الآية ناسخةٌ لما ذكرنا
وبقي البيان عن الخمر المحرّمة وما هي؟ لأنّ قومًا قد أوقعوا في هذا شبهةً فقالوا: الخمر هي المجمع عليها ولا يدخل فيها ما اختلف فيه فهذا ظلمٌ من القول يجب على قائله أن لا يحرّم شيئًا اختلف فيه وهذا عظيمٌ من القول
واحتجّ أيضًا بأنّ من قال: الخمر الّتي لا اختلاف فيها محلّها كافرٌ وليس كذا غيرها وهذان الاحتجاجان أشدّ ما لهم
فأمّا الأحاديث الّتي جاءوا بها فلا حجّة فيها لضعف أسانيدها ولتأويلهم إيّاها على غير الحقٍّ
وقد قال عبد اللّه بن المبارك: ما صحّ تحليل النّبيذ الّذي يسكر كثيره عن أحدٍ من الصّحابة ولا التّابعين إلّا عن إبراهيم النّخعيّ
قال أبو جعفرٍ: فأمّا الاحتجاجان الأوّلان اللّذان يعتمدون عليهما فقد بيّنّا الرّدّ في أحدهما وسنذكر الآخر
فالخمر المحرّمة تنقسم قسمين أحدهما المجمع عليها وهي عصير العنب إذا رغا وأزبد فهذه الخمر الّتي من أحلّها كافرٌ والخمر الأخرى الّتي من أحلّها ليس بكافرٍ وهي الّتي جاء بها التّوقيف عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أنّها الخمر وعن أصحابه رضي اللّه عنهم بالأسانيد الّتي لا يدفعها إلّا صادٌّ عن الحقّ أو جاهلٌ إذ قد صحّ عنه صلّى الله عليه وسلّم تسميتها خمرًا وتحريمها، فمن ذلك: ما حدّثناه بكر بن سهلٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، قال: أخبرنا
مالك بن أنسٍ، عن ابن شهابٍ، عن أبي سلمة، عن عائشة، أنّها قالت: سئل رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم عن البتع فقال: «كلّ شرابٍ أسكر حرامٌ» قال أبو جعفرٍ: فلو لم يكن في هذا الباب إلّا هذا الحديث لكفى لصحّة إسناده واستقامة طريقه وقد أجمع الجميع أنّ الآخر لا يسكر إلّا بالأوّل فقد حرّم الجميع بتوقيف رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم
وفي هذا الباب ممّا لا يدفع ما قرئ على أبي القاسم عبد اللّه بن محمّد بن عبد العزيز، عن أبي عبد اللّه أحمد بن محمّد بن حنبلٍ قال: حدّثنا يونس بن محمّدٍ، قال حدّثنا حمّاد بن زيدٍ، عن أيّوب، عن نافعٍ، عن ابن عمر قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ مسكرٍ خمرٌ وكلّ مسكرٍ حرامٌ» قال أبو عبد اللّه: هذا إسنادٌ صحيحٌ
قال أبو عبد اللّه، وحدّثنا روح بن عبادة، قال: حدّثنا ابن جريحٍ، قال: أخبرني موسى بن عقبة، عن نافعٍ، عن ابن عمر، أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم قال: «كلّ مسكرٍ حرامٌ وكلّ مسكرٍ خمرٌ»
قال أبو عبد اللّه: وحدّثنا يزيد بن هارون، قال: أخبرنا محمّد بن عمرٍو، عن أبي سلمة، عن ابن عمر، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: ((كلّ مسكرٍ خمرٌ وكلّ مسكرٍ حرامٌ))
قال أبو عبد اللّه: وحدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن سعيد بن أبي بردة، عن أبيه، عن جدّه، قال: سمعت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم حين وجّه أبا موسى، ومعاذ بن جبلٍ إلى اليمن فقال أبو موسى: يا رسول اللّه، إنّا بأرضٍ يصنع بها شرابٌ من العسل يقال له البتع، وشرابٌ من شعيرٍ
يقال له المزر فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ مسكرٍ حرامٌ»
قال أبو عبد اللّه: وحدّثنا يحيى بن سعيدٍ، عن محمّد بن عمرٍو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ((كلّ مسكرٍ حرامٌ))
فهذه الأسانيد المتّفق على صحّتها
وقرئ على أبي بكرٍ أحمد بن عمرٍو، عن عليّ بن الحسين الدّرهميّ، قال: حدّثنا أنس بن عياضٍ، قال: حدّثنا موسى بن عقبة، عن سالم بن عبد اللّه بن عمر، عن أبيه، أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ((ما أسكر كثيره فقليله حرامٌ))
فهذا تحريم قليل ما أسكر كثيره نصًّا عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بهذا الإسناد المستقيم
قال أبو بكرٍ أحمد بن عمرٍو وقد روى التّحريم عائشة، وسعد بن أبي وقّاصٍ، وجابرٌ، وعمر، وابن عبّاسٍ، وأنسٌ، وأبو سعيدٍ الخدريّ، وعبد اللّه ابن عمر، وأبو هريرة، وقرّة بن إياسٍ، وخوّات بن جبيرٍ، والدّيلم بن الهوشع، وأبو موسى الأشعريّ، وبريدة الأسلميّ، وأمّ سلمة، وميمونة، وقيس بن سعدٍ وإسناد حديث عائشة وابن عمر، وأنسٍ صحيحٌ وسائر الأحاديث يؤيّد بعضها بعضًا وقرئ على أحمد بن شعيب بن عليٍّ أبي عبد الرّحمن، عن هشام بن عمّارٍ، قال: حدّثنا صدقة بن خالدٍ، عن زيد بن واقدٍ، قال: أخبرني خالد بن عبد اللّه بن حسينٍ، عن أبي هريرة، قال: علمت أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم كان يصوم فتحيّنت فطره بنبيذٍ صنعته له في دبّاءٍ فجئته به فقال: «أدنه» فأدنيته منه فإذا هو ينشّ فقال: «اضرب بهذا الحائط فإنّ هذا شراب من لا يؤمن باللّه واليوم الآخر»
قال أبو عبد الرّحمن: وفي هذا دليلٌ على تحريم المسكر قليله وكثيره ليس كما يقوله المخادعون لأنفسهم بتحريمهم آخر الشّربة وتحليلهم ما تقدّمها الّذي سرى في العروق قبلها قال: ولا خلاف بين أهل العلم أنّ السّكر بكلّيّته لا يحدث عن الشّربة الآخرة دون الأولى والثّانية بعدها
قال أبو عبد الرّحمن: وأخبرنا عبيد اللّه بن سعيدٍ، قال: حدّثنا يحيى، عن عبيد اللّه، قال: حدّثنا عمرو بن شعيبٍ، عن أبيه، عن جدّه، أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ((ما أسكر كثيره فقليله حرامٌ))
قال أبو عبد الرّحمن: " إنّما يتكلّم في حديث عمرو بن شعيبٍ إذا رواه عنه غير الثّقات فأمّا إذا رواه الثّقات فهو حجّةٌ، وعبد اللّه بن عمرٍو جدّ عمرو بن شعيبٍ كان يكتب ما سمع من النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وحديثه من أصحّ الحديث
قال أبو عبد الرّحمن: وأخبرنا إسحاق بن إبراهيم، قال: أخبرنا أبو عامرٍ، والنّضر بن شميلٍ، ووهب بن جريرٍ، قالوا: حدّثنا شعبة، عن سلمة بن كهيلٍ، قال: سمعت أبا الحكم، يحدّث قال: قال ابن عبّاسٍ: «من سرّه أن يحرّم إن كان محرّمًا ما حرّم اللّه ورسوله، فليحرّم النّبيذ»
قال أبو عبد الرّحمن: وأخبرنا قتيبة، قال: حدّثنا عبد العزيز، عن عمارة بن غزيّة، عن أبي الزّبير، عن جابرٍ، أنّ رجلًا، من جيشان وجيشان من اليمن قدم فسأل النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم عن شرابٍ يشربونه بأرضهم من الذّرة يقال له المزر فقال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «أو مسكرٌ هو؟» قال: نعم قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «كلّ مسكرٍ حرامٌ إنّ اللّه عزّ وجلّ عهد لمن شرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال» قالوا: يا رسول اللّه، وما طينة الخبال؟ قال: عرق أهل النّار " أو قال: «عصارة أهل النّار»
وما يبيّن أنّ الخمر تكون من غير عصير العنب من لفظ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم وأصحابه ومن اللّغة ومن الاشتقاق، فأمّا لفظ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم ممّا لا يدفع إسناده
أنّه قرئ على أحمد بن شعيبٍ، عن سويد بن نصرٍ، عن ابن المبارك، عن الأوزاعيّ، قال: حدّثني أبو كثيرٍ، واسمه يزيد بن عبد الرّحمن، قال أبو عبد الرّحمن: وأخبرني حميد بن مسعدة، عن سفيان وهو ابن حبيبٍ، عن الأوزاعيّ، قال: حدّثنا أبو كثيرٍ، قال: سمعت أبا هريرة، يقول: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: ((الخمر من هاتين الشّجرتين)) قال سويدٌ: في هاتين الشّجرتين النّخلة والعنبة
فوقفنا رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم على أنّ الخمر من النّخلة، فخالف ذلك قومٌ وقالوا: لا يكون إلّا من العنبة ثمّ نقضوا قولهم وقالوا: نقيع التّمر والزّبيب خمرٌ؛ لأنّه لم يطبخ
وقرئ على أحمد بن عمرٍو، وأبي بكرٍ، عن عليّ بن سعيدٍ المسروقيّ، قال: حدّثنا عبد الرّحيم بن سليمان، قال: حدّثنا السّريّ بن إسماعيل، عن الشّعبيّ، عن النّعمان بن بشيرٍ، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: «الخمر من خمسةٍ من الحنطة والشّعير والتّمر والزّبيب والعسل وما خمّرته فهو خمرٌ»
وقرئ على أحمد بن شعيبٍ عن يعقوب بن إبراهيم، قال حدّثنا: ابن عليّة، قال: حدّثنا أبو حيّان، قال: حدّثني الشّعبيّ، عن ابن عمر، قال: سمعت عمر، يخطب على منبر المدينة قال: «أيّها النّاس ألا إنّه نزل تحريم الخمر يوم
نزل وهي من خمسةٍ من العنب، والتّمر، والعسل والحنطة، والشّعير، والخمر ما خامر العقل»
فهذا توقيفٌ في الخمر أنّها من غير عنبٍ
وفيه بيان الاشتقاق وأنّه ما خامر العقل مشتقٌّ من الخمر وهو كلّ ما وارى من نخلٍ وغيره فقيل: خمرٌ؛ لأنّها تستر العقل ومنه فلانٌ مخمورٌ يقال هذا فيما كان من عصير العنب وغيره لا فرق بينهما وما منهما إلّا ما يريد الشّيطان أن يوقع بينهم فيه العداوة والبغضاء ويصدّ به عن ذكر اللّه وعن الصّلاة فالقليل من هذا ومن هذا واحدٌ فهذا أصحّ ما قيل في اشتقاقها وأجلّه إسنادًا قاله عمر رضي اللّه عنه على المنبر بحضرة الصّحابة
فأمّا سعيد بن المسيّب فروي عنه أنّه قال:
إنّما سمّيت الخمر خمرًا؛ لأنّها صعد صفوها ورسب كدرها
قال أبو جعفرٍ: فاشتقاق هذا أيضًا على أنّ الصّفو ستر الكدر وقال بعض المتأخّرين: سمّيت خمرًا؛ لأنّها تخمّر أي: تغطّي وسمّي نبيذًا؛ لأنّه ينبذ ولو صحّ هذا لكان النّبيذ أيضًا يخمّر
وممّا يشبه ما تقدّم ما حدّثناه بكر بن سهلٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، قال: حدّثنا مالكٌ، عن إسحاق بن عبد اللّه بن أبي طلحة، عن أنس بن مالكٍ، قال: " كنت أسقي أبا عبيدة بن الجرّاح، وأبا طلحة الأنصاريّ، وأبيّ بن كعبٍ شراب فضيخٍ وتمرٍ فجاءهم آتٍ فقال: إنّ الخمر قد حرّمت
فقال أبو طلحة: يا أنس، قم إلى تلك الجرار فاكسرها فقمت إلى مهراسٍ لنا فدفعتها بأسفله فكسرتها "
قال أبو جعفرٍ: ففي هذه الأحاديث من الفقه تصحيح قول من قال: إنّ ما أسكر كثيره فقليله حرامٌ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم والصّحابة ثمّ كان الصّحابة على ذلك وبه يفتون أشدّهم فيه عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه يخاطبهم نصًّا
((بأنّ ما أسكر كثيره فقليله حرامٌ)) ثمّ ابن عمر لمّا سئل عن نبيذٍ ينبذ بالغداة ويشرب بالعشيّ قال محمّد بن سيرين فقال للسّائل:
إنّي أنهاك عن قليل، ما أسكر كثيره وإنّي أشهد اللّه جلّ وعزّ عليك فإنّ أهل خيبر يشربون شرابًا يسمّونه كذا وهي الخمر وإنّ أهل فدكٍ يشربون شرابًا يسمّونه كذا وهي الخمر وإنّ أهل
يعني مصر يشربون شرابًا من العسل يسمّونه البتع وهي الخمر
ثمّ عائشة رضي اللّه عنها لمّا سئلت عن غير عصير العنب فقالت:
صدق اللّه ورسوله، سمعت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يقول: ((يشرب قومٌ الخمر يسمّونها بغير أسمائها))
فلم يزل الّذين يروون هذه الأحاديث يحملونها على هذا عصرًا بعد عصرٍ حتّى عرض فيها قومٌ فقالوا: المحرّم الشّربة الآخرة الّتي تسكر
وقالوا قد قالت اللّغة الخبز المشبع والماء المروّي قال أبو جعفرٍ: فإن صحّ هذا في اللّغة فهو حجةٌ عليهم لا لهم؛ لأنّه لا يخلو من إحدى جهتين
إمّا أن يكون معناه للجنس كلّه أي صفة الخبز أنّه يشبع وصفة الماء أنّه يروي فيكون هذا لقليل الخبز وكثيره؛ لأنّه جنسٌ فكذا قليل ما يسكر
أو يكون الخبز المشبع فهو لا يشبع إلّا بما كان قبله فكلّه مشبعٌ فكذا قليل المسكر وكثيره
وإن كانوا قد تأوّلوه على أنّ معنى المشبع هو الآخر الّذي يشبع وكذا الماء المروّي فيقال لهم: ما حدّ ذلك المروّي والّذي لا يروّي؟ فإن قالوا: لا حدّ له فهو كلّه إذا مروٍّ وإن حدّوه قيل لهم: ما البرهان على ذلك؟ وهل يمتنع الّذي لا يروّي ممّا حدّدتموه أن يكون يروي عصفورًا؟ وما أشبهه فبطل الحدّ وصار القليل ممّا يسكر كثيره داخلًا في التّحريم
وعارضوا بأنّ المسكر بمنزلة القاتل لا يسمّى مسكرًا حتّى يسكر كما لا يسمّى القاتل قاتلًا حتّى يقتل
قال أبو جعفرٍ: وهذا لا يشبه من هذا شيئًا، لأنّ المسكر جنسٌ وليس كذا القاتل ولو كان كما قالوا لوجب ألّا يسمّى الكثير من المسكر مسكرًا حتّى يسكر وكان يجب أن يحلّوه، وهذا خارجٌ عن قول الجميع
وقالوا: معنى: كلّ مسكرٍ حرامٌ، على القدح الّذي يسكر وهذا خطأٌ من جهة اللّغة وكلام العرب، لأنّ «كلّ» معناها العموم فالقدح الّذي يسكر مسكرٌ والجنس كلّه مسكرٌ وقد حرّم رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم الكلّ فلا يجوز الاختصاص إلّا بتوقيفٍ وإنّما قولنا: مسكرٌ يقع للجنس القليل والكثير كما يقال: التّمر بالتّمر زيادة ما بينهما ربا فدخل في هذه التّمرة والتّمرتان والقليل والكثير، كذا دخل في كلّ مسكرٍ القليل والكثير
وشبّه بعضهم هذا بالدّواء والبنج الّذي يحرم كثيره ويحلّ قليله وهذا التّشبيه بعيدٌ لأنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال:
((ما أسكر كثيره فقليله حرامٌ)) وقال:
((كلّ مسكرٍ خمرٌ))
فالمسكر وهو الخمر هو الجنس الّذي قال اللّه جلّ وعزّ فيه {إنّما يريد الشّيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر} [المائدة: 91] وليس هذا في الدّواء والبنج، وإنّما هذا في كلّ شرابٍ فهو هكذا، وعارضوا بأن قالوا: فليس ما أسكر كثيره بمنزلة الخمر في كلّ أحواله
قال أبو جعفرٍ: وهذه مغالطةٌ وتمويهٌ على السّامع، لأنّه لا يجب من هذا إباحةٌ، وقد علمنا أنّه ليس من قتل مسلمًا غير نبيٍّ بمنزلة من قتل نبيًّا فليس يجب إذا لم يكن بمنزلةٍ في جميع الأحوال أن يكون مباحًا كذا من شرب ما أسكر كثيره وإن لم يكن بمنزلة من شرب عصير العنب الّذي قد نشّ فليس يجب من هذا أن يباح له ما قد شرب ولكنّه بمنزلته في أنّه قد شرب محرّمًا وشرب خمرًا وأنّه يحدّ في القليل منه كما يحدّ في القليل من الخمر، وهذا
قول من لا يدفع قوله منهم عمر، وعليٌّ رضي اللّه عنهما
ومعنى ((كلّ مسكرٍ خمرٌ))يجوز أن يكون بمنزلة الخمر في التّحريم وأن يكون المسكر كلّه يسمّى خمرًا كما سمّاه رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم ومن ذكرنا من الصّحابة والتّابعين بالأسانيد الصّحيحة
وقد عارض قومٌ بعض الأسانيد من غير ما ذكرناه فمن ذلك:
ما قرئ على عبد اللّه بن محمّد بن عبد العزيز، عن شيبان بن فرّوخ، عن مهديّ بن ميمون، قال حدّثنا أبو عثمان الأنصاريّ، قال: حدّثنا القاسم بن محمّدٍ، عن عائشة، قالت: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: ((كلّ مسكرٍ حرامٌ وما أسكر الفرق فملء الكفّ منه حرامٌ))
قال أبو جعفرٍ: الفرق بفتح الرّاء لا غير وهو ثلاث أصوعٍ وكذا فرق الصّبح بالفتح وكذا الفرق من الفزع والفرق أيضًا تباعد ما بين الشّيئين فأمّا الفرق بإسكان الرّاء ففرق الشّعر وكذا الفرق بين الحقّ والباطل
وقرئ على أبي القاسم عبد اللّه بن محمّد بن عبد العزيز، عن أبي سعيدٍ الأشجّ، عن الوليد بن كثيرٍ، قال: حدّثنا الضّحّاك بن عثمان، عن بكير بن عبد اللّه بن الأشجّ، عن عامر بن سعدٍ، عن أبيه، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «أنهاكم عن قليل، ما أسكر كثيره»
قال أبو القاسم: وحدّثنا أحمد بن محمّد بن حنبلٍ قال حدّثنا سليمان بن داود يعني الهاشميّ، قال: حدّثنا إسماعيل بن جعفرٍ، قال: حدّثنا داود بن بكرٍ يعني ابن أبي الفرات، قال: حدّثنا محمّد بن المنكدر، عن جابرٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: ((ما أسكر كثيره فقليله حرامٌ))
قال أبو جعفرٍ: فمن عجيب ما عارضوا به أن قالوا: أبو عثمان الأنصاريّ مجهولٌ والمجهول لا تقوم به حجّةٌ فقيل لهم: ليس بمجهولٍ والدّليل على ذلك أنّه قد روى عنه الرّبيع بن صبيحٍ، وليث بن أبي سليمٍ، ومهديّ بن ميمونٍ، ومن روى عنه اثنان فليس بمجهولٍ
وقالوا: الضّحّاك بن عثمان مجهولٌ قيل لهم: قد روى عنه عبد العزيز بن محمّدٍ، وعبد العزيز بن أبي حازمٍ، ومحمّد بن جعفر بن أبي كثيرٍ، وابن أبي فديكٍ
وقالوا: داود بن بكرٍ مجهولٌ قيل لهم: قد روى عنه إسماعيل بن جعفرٍ، وأنس بن عياضٍ
وإنّما تعجب من معارضتهم بهذا؛ لأنّهم يقولون في دين اللّه جلّ وعزّ بما رواه أبو فزارة زعموا عن أبي زيدٍ، عن ابن مسعودٍ:
أنّه كان مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليلة الجنّ وأنّه توضّأ بنبيذ التّمر
وأبو زيدٍ لا يعرف ولا يدرى من أين هو؟
وقد روى إبراهيم عن علقمة قال:
سألت عبد اللّه هل كنت مع النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ليلة الجنّ؟ فقال «لا وبودّي أن لو كنت معه»
ويحتجّون بحديثٍ رووه قال أبو جعفرٍ: سنذكره بإسناده
عن أبي إسحاق، عن ابن ذي لعوةٍ، أنّ عمر، حدّ رجلًا شرب من إداوته وقال: «أحدّك على السّكر»
وهذا من عظيم ما جاءوا به، وابن ذي لعوة لا يعرف، وهكذا قول أبي بكر بن عيّاشٍ، لعبد اللّه بن إدريس
" حدّثنا أبو إسحاق، عن أصحابه، أنّ ابن مسعودٍ، " كان يشرب الشّديد فقال له عبد اللّه بن إدريس: استحييت لك يا شيخ " من أصحابه؟ وأبو إسحاق إذا سمّى من حدّث عنه ولم يقل: سمعت لم يكن حجّةٌ، وما هذا الشّديد؟ أهو خلٌّ أم نبيذٌ؟ ولكن حدّثنا محمّد بن عمرٍو، عن أبي سلمة عن ابن عمر، وأبي هريرة أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ((كلّ مسكرٍ خمرٌ وكلّ مسكرٍ حرامٌ)) وحدّثنا محمّد بن عمرٍو، عن أبي سلمة، عن عائشة عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: ((كلّ شرابٍ أسكر حرامٌ)) فأفحم أبو بكر بن عيّاشٍ، وكان عبد اللّه بن إدريس في الكوفيّين متشدّدًا في تحريم قليل ما أسكر كثيره
وقال الأوزاعيّ: قلت لسفيان الثّوريّ: " إنّ اللّه جلّ وعزّ لا يسألني يوم القيامة لم لم تشرب النّبيذ؟ ويسألني لم شربته؟ فقال: «لا أفتي به أبدًا»
وقال أبو يوسف: «في أنفسنا من الفتيا به أمثال الجبال ولكن عادة البلد»، ثمّ اجتمعوا جميعًا على تحريم المعاقرة وتحريم النّقيع
وقال أبو حنيفة: «هو بمنزلة الخمر»
فأمّا الأحاديث الّتي احتجّوا بها فما علمت أنّها تخلو من إحدى جهتين
إمّا أن تكون واهية الإسناد وإمّا تكون لا حجّة لهم فيها إلّا التّمويه فرأينا أن نذكرها ونذكر ما فيها ليكون الباب كامل المنفعة فمن ذلك:
ما حدّثناه أحمد بن محمّدٍ الأزديّ، قال: حدّثنا روحٌ، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أبو إسحاق، عن عمرو بن ميمونٍ، قال: شهدت عمر حين طعن فجاءه الطّبيب فقال: أيّ الشّراب أحبّ إليك؟ قال: «النّبيذ» قال: فأتي بنبيذٍ فشربه فخرج من إحدى طعناته وكان يقول: " إنّا نشرب من هذا النّبيذ شرابًا يقطّع لحوم الإبل قال: وشربت من نبيذه فكان كأشدّ النّبيذ "
قال أبو جعفرٍ: هذا الحديث لا تقوم به حجّةٌ؛ لأنّ أبا إسحاق لم يقل: حدّثنا عمرو بن ميمونٍ، وهو مدلّسٌ لا تقوم بحديثه حجّةٌ حتّى يقول: حدّثنا وما أشبهه، ولو صحّحنا الحديث على قولهم لما كانت لهم فيه حجّةٌ؛ لأنّ النّبيذ غير محظورٍ إذا لم يسكر كثيره ومعنى النّبيذ في اللّغة منبوذٌ وإنّما هو ماءٌ نبذ فيه تمرٌ أو زبيبٌ أو نظيرهما ممّا يطيّب الماء ويحلّيه؛ لأنّ مياه المدينة كانت غليظةً فما في هذا الحديث من الحجّة؟
واحتجّوا بما حدّثناه أحمد بن محمّدٍ الأزديّ، قال: حدّثنا فهدٌ، قال: حدّثنا عمر بن حفص بن غياثٍ، قال: حدّثنا أبي، عن الأعمش، قال: حدّثنا حبيب بن أبي ثابتٍ، عن نافع بن علقمة، قال: أمر عمر رضي اللّه عنه بنزلٍ له في بعض تلك المنازل فأبطأ عليهم ليلةً فجيء بطعامٍ فطعم ثمّ أتي بنبيذٍ قد أخلف واشتدّ فشرب منه ثمّ قال: «إنّ هذا لشديدٌ ثمّ أمر بماءٍ فصبّ عليه ثمّ شرب هو وأصحابه»
قال أبو جعفرٍ: هذا الحديث فيه غير علّةٍ منها أنّ حبيب بن أبي ثابتٍ على محلّه لا تقوم بحديثه حجّةٌ لمذهبه وكان مذهبه أنّه قال: لو حدّثني رجلٌ، عنك بحديثٍ ثمّ حدّثت به عنك لكنت صادقًا ومن هذا أنّه روي عن عروة، عن عائشة: «أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قبّل بعض نسائه ثمّ صلّى ولم يتوضّأ»
فعيّب بعض النّاس؛ لأنّه ردّ بهذا على الشّافعيّ؛ لأنّه أوجب الوضوء في القبلة فقيل له لا تثبت بهذا حجّةٌ لانفراد حبيبٍ به
قال أبو جعفرٍ: وفيه من العلل أنّ نافع بن علقمة ليس بمشهور بالرّواية
ولو صحّ الحديث عن عمر لما كانت فيه حجّةٌ؛ لأنّ اشتداده قد يكون من حموضته
وقد اعترض بعضهم فقال: من أين لكم أنّ مزجه بالماء كان لحموضته؟ أفتقولون هذا ظنًّا؟ فالظّنّ لا يغني من الحقّ شيئًا
قال: وليس يخلو من أن يكون نبيذ عمر يسكر كثيره أو يكون خلًّا
قال أبو جعفرٍ: فهذه المعارضة على من عارض بها لا له؛ لأنّه الّذي قال بالظّنّ؛ لأنّه قد ثبتت الرّواية عمّن قد صحّت عدالته أنّ ذلك من حموضته
قال نافعٌ: «كان لتخلّله»
وهم قد رووا حديثًا متّصلًا فيه أنّه كان مزجه إيّاه لأنّه كاد يكون خلًّا
قال أبو جعفرٍ: حدّثنا أحمد بن محمّدٍ، قال: حدّثنا وهبان بن عثمان، قال: حدّثنا الوليد بن شجاعٍ، قال: حدّثنا يحيى بن زكريّا بن أبي زائدة، قال: حدّثنا إسماعيل، عن قيسٍ، قال: حدّثني عتبة بن فرقدٍ، قال: أتي عمر بعسٍّ
من نبيذٍ قد كاد يكون خلًّا فقال لي: «اشرب» فأخذته وما أكاد أستطيعه فأخذه منّي فشربه، وذكر الحديث
فزال الظّنّ بالتّوقيف ممّن شاهد عمر رحمه اللّه وهو من روايتهم
وأمّا قوله لا يخلو من أن يكون نبيذًا يسكر كثيره أو يكون خلًّا فقد خلا من ذينك؛ لأنّ العرب تقول: للنّبيذ إذا دخلته حموضة نبيذٍ حامضٍ فإذا زادت صار خلًّا فترك هذا القسم وهو لا يخيل على من عرف اللّغة، ثمّ روى حديثًا إن كانت فيه حجّةٌ فهي عليه
حدّثنا أحمد بن محمّدٍ، قال: حدّثنا فهدٌ، قال: حدّثنا عمر بن حفصٍ، قال: حدّثنا أبي قال،: حدّثنا الأعمش، قال: حدّثني إبراهيم، عن همّام بن الحارث، قال: أتي عمر بنبيذٍ فشرب منه فقطّب ثمّ قال: " إنّ نبيذ الطّائف له عرامٌ ثمّ ذكر شدّةً لا أحفظها ثمّ دعا بماءٍ فصبّ عليه ثمّ شرب
قال أبو جعفرٍ: وهذا لعمري إسنادٌ مستقيمٌ ولا حجّة له فيه بل الحجّة عليه؛ لأنّه إنّما يقال: قطّب لشدّة حموضة الشّيء ومعنى قطّب في كلام العرب خالطت بياضه حمرةٌ، مشتقٌّ من قطبت الشّيء أقطبه وأقطبه إذا خلطته
وفي الحديث له عرامٌ أي خبثٌ، ورجلٌ عارمٌ أي: خبيثٌ
حدّثنا أحمد بن محمّدٍ الأزديّ، قال: حدّثنا فهدٌ، قال: حدّثنا عمر بن حفصٍ، قال: حدّثنا أبي، عن الأعمش، قال: حدّثني أبو إسحاق، عن سعيد بن ذي حدّان أو ابن ذي لعوة، قال: جاء رجلٌ قد ظمئ إلى خازن عمر فاستسقاه فلم يسقه فأتي بسطيحةٍ لعمر فشرب منها فسكر فأتي به عمر فاعتذر إليه فقال: إنّما شربت من سطيحتك فقال عمر: «إنّما أضربك على السّكر» فضربه عمر "
قال أبو جعفرٍ: هذا الحديث من أقبح ما روي في هذا الباب وعلله بيّنةٌ لمن لم يتّبع الهوى فمنها أنّ ابن ذي لعوة لا يعرف ولم يرو عنه إلّا هذا الحديث ولم يرو عنه إلّا أبو إسحاق، ولم يذكر أبو إسحاق فيه سماعًا وهو مخالفٌ لما نقله أهل العدالة عن عمر
قال أبو جعفرٍ: حدّثنا بكر بن سهلٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، قال: أخبرنا مالكٌ، عن الزّهريّ، عن السّائب بن يزيد، أنّ عمر، رضي اللّه عنه خرج عليهم فقال: «إنّي وجدت من فلانٍ ريح شرابٍ قد زعم أنّه شرب
الطّلاء وأنا سائلٌ عمّا شرب فإن كان يسكر جلدته الحدّ»، قال: فجلده عمر الحدّ ثمانين
فهذا إسنادٌ لا مطعن فيه والسّائب بن يزيد رجلٌ من أصحاب النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فهل يعارض مثل هذا بابن ذي لعوة، وعمر رضي اللّه عنه يخبر بحضرة الصّحابة أنّه يجلد في الرّائحة من غير سكرٍ لأنّه لو كان سكران ما احتاج أن يسأل عمّا شرب فرووا عن عمر رحمه اللّه ما لا يحلّ لأحدٍ أن يحكيه عنه من غير جهة لوهاء الحديث وأنّه زعم شرب من سطيحته وأنّه يحدّ على السّكر وذلك ظلمٌ لأنّ السّكر ليس من فعل الإنسان وإنّما هو شيءٌ يحدث عن الشّرب وإنّما الضّرب عن الشّرب كما أنّ الحدّ في الزّنا إنّما هو على الفعل لا على اللّذّة
ومن هذا قيل لهم: تحريم السّكر محالٌ؛ لأنّ اللّه جلّ وعزّ إنّما يأمر وينهى بما في الطّاقة وقد يشرب الإنسان يريد السّكر فلا يسكر ويريد أن لا يسكر فيسكر وقيل لهم: كيف يحصّل ما يسكر وطباع النّاس فيه مختلفةٌ؟
ثمّ تعلّقوا بشيءٍ روي عن ابن عبّاسٍ: حدّثناه أحمد بن محمّدٍ، قال: حدّثنا فهدٌ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، عن مسعرٍ، عن أبي عونٍ، عن عبد اللّه بن شدّادٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: «حرّمت الخمر بعينها قليلها وكثيرها، والسّكر من كلّ شرابٍ»
قال أبو جعفرٍ: وهذا الحديث قد رواه شعبة على إتقانه وحفظه على غير هذا
كما قرئ على عبد اللّه بن محمّد بن عبد العزيز، عن أحمد بن محمّد بن حنبلٍ، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن مسعرٍ، عن أبي عونٍ، عن عبد اللّه بن شدّادٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: «حرّمت الخمر بعينها والمسكر من كلّ شرابٍ»
وقد بيّنّا أنّ السّكر ليس من فعل الإنسان وإذا جاء حديثٌ معارضٌ لما قد ثبتت صحّته وقد اختلفت روايته فلا معنى للاحتجاج به
وقد روى يحيى القطّان، عن عثمان الشّحّام، بصريٌّ مشهورٌ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: «نزل تحريم الخمر وهي الفضيخ»
قال أبو جعفرٍ: فهذا خلاف ذاك؛ لأنّ الفضيخ بسرٌ يفضخ فجعله خمرًا وأخبر بالتّنزيل فيه وفي تحريمه
قال أبو جعفرٍ: حدّثنا أحمد بن محمّدٍ، قال: حدّثنا محمّد بن عمرو بن يونس السّوسيّ، قال: حدّثنا أسباط بن محمّدٍ القرشيّ، عن الشّيبانيّ، عن عبد الملك بن نافعٍ، قال: سألت ابن عمر فقلت: إنّ أهلنا ينتبذون نبيذًا في سقاءٍ لو نكهته لأخذ فيّ فقال ابن عمر: " إنّما البغي على من أراد البغي شهدت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم عند هذا الرّكن وأتاه رجلٌ بقدحٍ من نبيذٍ فأدناه إلى فيه فقطّب وردّه فقال رجلٌ: يا رسول اللّه، أحرامٌ هو؟ فردّ الشّراب ثمّ دعا بماءٍ فصبّه عليه ثمّ قال: «إذا اغتلمت عليكم هذه الأسقية فاقطعوا متونها بالماء»
قال أحمد بن شعيبٍ: عبد الملك بن نافعٍ لا يحتجّ بحديثه وليس
بالمشهور، وقد روى أهل العدالة سالمٌ، ونافعٌ، ومحمّد بن سيرين، عن ابن عمر خلاف ما روى وليس يقوم مقام واحدٍ منهم ولو عاضده جماعةٌ من أشكاله
قال أبو جعفرٍ: ثمّ رجعنا إلى متن الحديث فقلنا: لو صحّ ما كانت فيه حجّةٌ لمن احتجّ به بل الحجّة عليه به بيّنةٌ وذلك أنّ قوله صلّى الله عليه وسلّم: «إذا اغتلمت عليكم» وبعضهم يقول: «إذا رابكم من شرابكم ريبٌ فاكسروا متنه بالماء»، والرّيب في الأصل الشّكّ ثمّ يستعمل بمعنى المخافة والظّنّ مجازًا
فاحتجّوا بهذا وقالوا: معناه إذا خفتم أن يسكر كثيره فاكسروه بالماء
قال أبو جعفرٍ: وهذا من قبيح الغلط؛ لأنّه لو كان كثيره يسكر لكان قد زال الخوف وصار يقينًا ولكنّ الحجّة فيه لمن خالفهم أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أمر أن لا يقرّ الشّراب إذا خيف منه أن ينتقل إلى الحرام حتّى يكسر بالماء الّذي يزيل الخوف ومع هذا فحجّةٌ قاطعةٌ عند من عرف معاني كلام العرب وذلك أنّ الشّراب الّذي بمكّة لم يزل في الجاهليّة والإسلام لا يطبخ بنارٍ وإنّما هو ماءٌ يجعل فيه زبيبٌ أو تمرٌ ليطيّب؛ لأنّ مياههم فيها ملوحةٌ وغلظٌ ولم تتّخذه للذّةٍ
وقد أجمع العلماء منهم أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمّدٌ أنّ ما نقع ولم يطبخ بالنّار وكان كثيره يسكر فهو خمرٌ والخمر إذا صبّ فيها الماء أو صبّت على الماء فلا اختلاف بين المسلمين أنّها قد نجسّت الماء إذا كان قليلًا فقد صار حكم هذا حكم الخمر وإذا أسكر كثيره فقليله حرامٌ بإجماع المسلمين، فزالت الحجّة بهذا الحديث لو صحّ
قال أبو جعفرٍ: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا فهدٌ، قال: حدّثنا محمّد بن سعيدٍ الأصبهانيّ، قال: حدّثنا يحيى بن اليمان، عن الثّوريّ، عن منصورٍ، عن خالد بن سعدٍ، عن أبي مسعودٍ، قال: " عطش النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حول الكعبة فاستسقى فأتي بنبيذٍ من نبيذ السّقاية فشمّه فقطّب فصبّ عليه من ماء زمزم ثمّ شرب فقال رجلٌ: أحرامٌ هو؟ قال: «لا»
قال أبو جعفرٍ: قد ذكرنا النّبيذ الّذي في السّقاية بما فيه كفايةٌ على أنّ هذا الحديث لا يحلّ لأحدٍ من أهل العلم أن يحتجّ به فإن كان من أهل الجهل فينبغي أن يتعرّف ما يحتجّ به في الحلال والحرام قبل أن يقطع به
قال أحمد بن شعيبٍ: هذا الحديث لا يحتجّ به؛ لأنّ يحيى بن اليمان انفرد به، عن الثّوريّ دون أصحابه، ويحيى بن اليمان ليس بحجّةٍ لسوء حفظه وكثرة خطئه
وقال غير أبي عبد الرّحمن: أصل هذا الحديث أنّه من رواية الكلبيّ فغلط يحيى بن اليمان فنقل متن حديثٍ إلى حديثٍ آخر وقد سكت العلماء عن كلّ ما رواه الكلبيّ فلم يحتجّوا بشيءٍ منه
وحدّثنا أحمد، قال: حدّثنا عليّ بن معبدٍ، قال: حدّثنا يونس بن محمّدٍ، قال: حدّثنا شريكٌ، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن أبيه، قال: بعثني رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أنا ومعاذًا، إلى اليمن فقلنا: يا رسول اللّه، إنّ بها شرابين يصنعان من البرّ والشّعير أحدهما يقال له المزر والآخر البتع فما نشرب؟ قال: «اشربا ولا تسكرا»
قال أبو جعفرٍ: هذا الحديث أتى من شريكٍ في حروفٍ فيه يبيّن لك ذلك:
ما قرئ على أحمد بن شعيبٍ، عن أحمد بن عبد اللّه بن عليّ بن مسروقٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن يعني ابن مهديٍّ، قال: حدّثنا إسرائيل، قال: حدّثنا أبو إسحاق، عن أبي بردة، عن أبي موسى، قال: بعثني رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أنا ومعاذًا، إلى اليمن فقال معاذٌ: يا رسول اللّه، إنّك تبعثنا إلى بلدٍ كثيرٍ شراب أهله فما نشرب؟ قال: «اشرب ولا تشرب مسكرًا» واحتجّوا بحديثين عن ابن مسعودٍ أحدهما من رواية الحجّاج بن أرطأة وقد ذكرنا ما في حديثه من العلّة
والحديث الآخر حدّثناه أحمد بن محمّدٍ، قال: حدّثنا إبراهيم بن مرزوقٍ، قال: حدّثنا محمّد بن كثيرٍ، قال: حدّثنا سفيان الثّوريّ، عن أبيه، عن لبيد بن شمّاسٍ، قال: قال عبد اللّه: «إنّ القوم ليجلسون على الشّراب وهو حلٌّ لهم فما يزالون حتّى يحّرم عليهم»
[قال أبو جعفرٍ: هذا الحديث لا يحتجّ به؛ لأنّ لبيد بن شمّاسٍ، وشريكٌ يقول: شمّاس بن لبيدٍ لا يعرف ولم يرو عنه أحدٌ إلّا سعيد بن مسروقٍ، ولا روي عنه إلّا هذا الحديث، والمجهول لا تقوم به حجّةٌ فلم تقم لهم حجّةٌ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم ولا عن أحدٍ من أصحابه
والحقّ في هذا ما قاله ابن المبارك
قرئ على أحمد بن شعيبٍ، عن أبي قدامة عبيد اللّه بن سعيدٍ، قال: حدّثنا أبو أسامة وهو حمّاد بن أسامة، قال: سمعت عبد اللّه بن المبارك، يقول: «ما وجدت الرّخصة في المسكر عن أحدٍ صحيحةً إلّا عن إبراهيم» قال أبو أسامة: وما رأيت أحدًا أطلب للعلم من عبد اللّه بن المبارك بالشّام ومصر والحجاز واليمن
قال أبو جعفرٍ: وأمّا الميسر فهو القمار
كما حدّثنا بكر بن سهلٍ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {يسألونك عن الخمر، والميسر} [البقرة: 219] قال: «كان أحدهم يقامر بأهله وماله فإذا قمر أخذ أهله وماله»
قال أبو جعفرٍ: حكى أهل العلم بكلام العرب أنّ الميسر كان القمار في الجزر خاصّةً قال أبو إسحاق: «فلمّا حرّم حرّم جميع القمار كما أنّه لمّا حرّمت الخمر حرّم كلّ ما أسكر كثيره»، وذكر الشّعبيّ «أنّ القمار كان حلالًا ثمّ حرّم» ويدلّ على ما قال: حديث ابن عبّاسٍ قال:
«لمّا أنزل اللّه جلّ وعزّ {ألم غلبت الرّوم في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون} وكانت قريشٌ تحبّ أن تغلب فارس لأنّهم أهل أوثانٍ وكان المسلمون يحبّون أن تغلب الرّوم فخاطرهم أبو بكرٍ إلى أجلٍ»
قال أبو جعفرٍ: وقيل: لا يقال: كان هذا حلالًا ولكن يقال: مباحًا ثمّ نسخ بتحريمه، وتحريم الخمر
وفي هذه الآية قوله جلّ وعزّ {ويسألونك ماذا ينفقون} [البقرة: 219]
قال أبو جعفرٍ: وهذا آخر الآية في عدد المدنيّ الأوّل، والجواب في أوّل الآية التّاسعة عشرة ). [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 1/454-630]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ):(باب ذكر الآية التّاسعة عشرةقال جلّ وعزّ {قل العفو} [البقرة: 219] فيه ثلاثة أقوالٍ
من العلماء من قال: إنّها منسوخةٌ بالزّكاة المفروضة، ومنهم من قال: هي الزّكاة، ومنهم من قال: هو شيءٌ أمر به غير الزّكاة لم ينسخ
أخبرنا أبو جعفرٍ قال: حدّثنا بكر بن سهلٍ، قال: حدّثنا أبو صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} [البقرة: 219] قال: «هو ما لا يتبيّن وهذا قبل أن تفرض الصّدقة»
قال أبو جعفرٍ: وقال الضّحّاك: «نسخت الزّكاة كلّ صدقةٍ في القرآن»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 1/631]
فهذا قول من قال: إنّها منسوخةٌ
وحدّثنا أبو جعفرٍ قال: حدّثنا عليّ بن الحسين، عن الحسن بن محمّدٍ، قال: حدّثنا شبابة، قال: حدّثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله جلّ وعزّ {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} [البقرة: 219] قال: «الصّدقة المفروضة»
قال أبو جعفرٍ: والزّكاة هي لعمري شيءٌ يسيرٌ من كثيرٍ إلّا أنّ هذا القول لا يعرف إلّا عن مجاهدٍ والقول الّذي قبله: إنّها منسوخةٌ بعيدٌ؛ لأنّهم إنّما سألوا
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 1/632]
عن شيءٍ فأجيبوا عنه بأنّهم سبيلهم أن ينفقوا ما سهل عليهم
والقول الثّالث عليه أكثر أهل التّفسير:
كما حدّثنا عليّ بن الحسين، عن الحسن بن محمّدٍ، قال: حدّثنا أبو معاوية، قال: حدّثنا ابن أبي ليلى، عن الحكم، عن مقسمٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله جلّ وعزّ {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} [البقرة: 219] قال: «ما فضل عن العيال»
قال أبو جعفرٍ: فهذا القول بيّنٌ وهو مشتقٌّ من عفا يعفو إذا كثر وفضل والمعنى واللّه أعلم: ويسألونك ماذا ينفقون قل: ينفقون ما
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 1/633]
سهل عليهم وفضل عن حاجتهم وأكثر التّابعين على هذا التّفسير
قال طاوسٌ: «العفو اليسير من كلّ شيءٍ»
وقال الحسن: {قل العفو} [البقرة: 219] «أي لا تجهد مالك حتّى تبقى تسأل النّاس»
وقال خالد بن أبي عمران: سألت القاسم، وسالمًا عن قول اللّه جلّ وعزّ {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} [البقرة: 219] فقالا: «هو فضل المال ما كان عن ظهر غنيًّ»
قال أبو جعفرٍ: وهذا من حسن العبارة في معنى الآية، وهو موافقٌ لقول رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم
كما حدّثنا أبو الحسين محمّد بن الحسن بن سماعة بالكوفة، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا عمرٌو يعني ابن عثمان بن عبد اللّه بن موهبٍ، قال: سمعت موسى بن طلحة، يذكر عن حكيم بن حزامٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: ((خير الصّدقة عن ظهر غنًى واليد العليا خيرٌ من اليد السّفلى وابدأ بمن تعول))
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 1/634]
قال أبو جعفرٍ: فصار المعنى ويسألونك ماذا ينفقون قل: ما سهل عليكم ونظيره {خذ العفو وأمر بالعرف} [الأعراف: 199] أي خذ ما سهل من أخلاق النّاس ولا تتقصّ عليهم فهذا العفو من أخلاق النّاس وذاك العفو ممّا ينفقون
كما قال عبد اللّه بن الزّبير وقد تلا {خذ العفو} [الأعراف: 199] قال: «من أخلاق النّاس وايم اللّه لأستعملنّ ذاك فيهم»
وقال أخوه عروة وتلا {خذ العفو} [الأعراف: 199] قال: خذ ما ظهر من أعمالهم، وقولهم
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 1/635]

(قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية العشرون قوله تعالى {يسألونك عن الخمر والميسر} فالخمر كل ما خامر العقل وغطاه والميسر القمار كله وذلك أنالله تعالى حرم الخمر في أوطان خمسة فأولهن قوله تعالى {ومن ثمرات النخيل والأعناب تتّخذون منه سكرا ورزقًا حسنا} فمعناها وتتركون رزقا حسنا وهو تعيير من الله تعالى لهم فظاهرها تعدد النعم وليس كذلك فلمّا نزلت هذه الآية امتنع عن شربها قوم وبقي آخرون حتّى قدم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) المدينة فخرج حمزة بن عبد المطلب وقد شرب الخمر فلقيه رجل من الأنصار وبيده ناضح له والأنصاري يتمثّل ببيتين لكعب بن مالك في مدح قومه وهماجمعنا مع الإيواء نصرا وهجرة
فلم ير حيّ مثلنا في المعاشر = فأحياؤنا من خير أحياء من مضى
وأمواتنا في خير أهل المقابر
فقال له حمزة أولئك المهاجرون فقال له الأنصاريّ بل نحن الأنصار فتنازعا فجرد حمزة سيفه وعدا على الأنصار فلم يمكن الأنصاريّ أن يقوم له فترك ناضحه وهرب فظفر حمزة بالناضح وجعل يقطعه فجاء الأنصاريّ إلى النّبي (صلى الله عليه وسلم) مستعديا فأخبره بخبر حمزة وفعاله بالناضح فغرم النّبي (صلى الله عليه وسلم) له ناضحا فقال عمر بن الخطاب يا رسول الله أما ترى إلى ما نلقي من أمر الخمر إنّها مذهبة للعقل متلفة للمال فأنزل الله تعالى بالمدينة {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير}
وقد قرئ كثير والمعنيان متقاربان {ومنافع للنّاس} وعلى هذا معارضة لقائل يقول أين المنفعة منها وقد قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن الله تعالى لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها فالجواب على ذلك أنهم كانوا يبتاعونها في الشّام بالثّمن اليسير ويبيعونها في الحجاز بالثّمن الثمين وكانت المنافع فيها من الأرباح وكذلك قال الله تعالى {قل فيهما إثمٌ كبيرٌ} فانتهى عن شربها قوم وبقي آخرون حتّى دعا محمّد ابن عبد الرّحمن بن عوف الزّهريّ قوما فأطعمهم وسقاهم حتّى سكروا فلمّا حضر وقت الصّلاة صلوا المغرب فقدموا رجلا منهم يصلّي بهم وكان أكثرهم قرآنًا يقال له ابن أبي جعونة حليف الأنصار فقرأ فاتحة الكتاب وقل يا أيّها الكافرون فمن أجل سكره خلط فقال في موضع {لا أعبد} أعبد وفي موضع {أعبد} لا أعبد فبلغ ذلك رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فشق عليه فأنزل الله تعالى {يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون}
الآية فكان الرجل منهم يشرب الخمر بعد العشاء الأخيرة ثمّ يرقد ويقوم عند صلاة الفجر وقد صحا ثمّ كان يشربها إن شاء بعد صلاة الفجر فيصحوا منها عند صلاة الظّهر فإذا كان وقت الظّهر لم يشربها البتّة حتّى يصلّي العشاء الأخيرة حتّى دعا سعد بن أبي وقاص الزّهريّ وقد عمل وليمة على رأس جزور فدعا أناسًا من المهاجرين والأنصار فأكلوا وشربوا وسكروا وافتخروا فعمد رجل والأنصار فأخذ أحد لحيي الجزور فضرب به أنف سعد ففزره وجاء سعد مستعديا إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فأنزل الله تعالى {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشّيطان فاجتنبوه أي فاتركوه لعلّكم تفلحون} وهذه الآية تدل على تحريم الخمر في القرآن لأن الله تعالى ذكره مع المحرمات واختلف المفسّرون في موضع التّحريم أهو ههنا أم غيره فقال الأكثرون ههنا وقال آخرون التّحريم عند قوله تعالى {فهل أنتم منتهون} فقالوا أنتهينا يا رسول الله والمعنى انتهوا كما قال في الفرقان {أتصبرون} والمعنى اتّقوا اصبروا وفي الشّعراء {قوم فرعون ألا يتّقون} والمعنى اتّقوا
وأكد تحريها بقوله تعالى {قل إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحقٍّ} والإثم الخمر قال الشّاعر
شربت الإثم حتّى ضل عقلي = كذاك الإثم يذهب بالعقول
وقال آخر
تشرب الإثم بالكؤوس جهاراً = وترى المتك بيننا مستعارا
ويروي بالنّهار جهارا والمتك الأترج فهذا تحريم الخمر والنتقاله في مواطنه
الآية الحادية والعشرون قوله تعالى {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} ومعنى العفو الفضل من المال وذلك أن الله تعالى فرض عليهم قبل الزّكاة إذا كان للإنسان مال أن يمسك منه ألف درهم أو قيمتها من الذّهب ويتصدّق بما بقي وقال آخرون فرض عليهم أن يمسكوا ثلث أموالهم ويتصدقوا بما بقى وإن كان من أهل زراعة الأرض وعمارتها أمرهم أن يمسكوا ما يقيتهم حولا ويتصدقوا بما بقي وإن كان ممّن يلي عمله بيديه أمسك ما يقوته يومه ويتصدّق
بما بقى فشق ذلك عليهم حتّى أنزل الله تعالى الزّكاة ففرض في المال الذّهب والفضّة إذا حال عليه الحول ربع عشرة إذا بلغ من الذّهب عشرين دينارا أو من الورق مائتي درهم فيكون من كل عشرين دينارا نصف دينار ومن كل مائتي درهم خمسة دراهم فأسقط عنهم الفضل في ذلك فصارت آية الزّكاة وهي قوله تعالى {خذ من أموالهم صدقةً تطهرهم وتزكيهم بها} فبينت ألسنة أعيان الزّكاة من الذّهب والفضّة والنّخل والزّرع والماشية فصارت هذه الآية ناسخة لما قبلها
). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {يسألونك عن الخمر والميسر} الآية:
أكثر العلماء على أنها ناسخةٌ لما كان مباحًا من شرب الخمر؛ لأنه تعالى أخبرنا أن في الخمر إثمًا، وأخبرنا أن الإثم محرمٌ بقوله تعالى: {قل إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحقّ} [الأعراف: 33] فنصّ على أن الإثم محرمٌ، وأخبر أن في شرب الخمر إثمًا، فهي محرّمةٌ بالنصّ الظّاهر الذي لا إشكال فيه. وما حرم: كثيره وقليله حرام، كلحم الخنزير والميتة والدّم.
وسورة البقرة مدنيةٌ، فلا يعترض على ما فيها بما نزل في الأنعام المكيّة في قوله: {قل لا أجد فيما أوحي إليّ محرمًا على طاعمٍ يطعمه إلاّ أن يكون} [الأنعام: 145] الآية -؛ لأن هذا تحريمٌ نزل بمكّة والخمر نزل تحريمها بالمدينة.
وزادنا الله تأكيدًا في تحريم الخمر بقوله: {فهل أنتم منتهون}!!! فهذا تهديدٌ ووعيدٌ يدلاّن على تأكيد التحريم للخمر. وزاد ذلك بيانًا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((حرّمت الخمر بعينها والسّكر من غيرها)).
وأكّد الله ذلك وحقّقه بقوله تعالى: {فاجتنبوه لعلّكم تفلحون} [المائدة: 90]. و"لعلّ" من الله واجبةٌ، فضمان الفلاح في اجتنابها، فنظيره الخسران مع مواقعتها.
وكما أنه تعالى حرّم أكل لحم الخنزير، وقليله ككثيره حرام بإجماع كذلك يجب أن يكون الخمر والمسكر من غيرها في التحريم قليلها ككثيرها في التحريم، وزاد ذلك بيانًا قوله عليه السلام: ((ما أسكر كثيره فقليله حرام)).
قال ابن جبير: لما نزلت: {قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس} [البقرة: 219] كره الخمر قومٌ للإثم، وشربها قومٌ للمنافع، حتى نزل: {لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى} [النساء: 43] فتركوها عند الصّلاة حتى نزلت: {فاجتنبوه لعلّكم تفلحون} [المائدة: 90] فحرّمت.
فهذا يدلّ على أن آية البقرة منسوخةٌ بآية المائدة، والمائدة نزلت بعد البقرة بلا شك.
وقوله تعالى: {ومنافع للناس}: منسوخٌ إباحة منافعها بنسخ الخمر. والمنافع: هي ما كانوا ينحرون على الميسر من الجزور للضّعفاء ولأنفسهم، وذلك قمار، حرّمه الله لأنه من أكل المال بالباطل المحرّم بنصّ القرآن.
وقال ابن حبيب: المنافع التي في الخمر: هي أنّ الرّجل كان إذا أصابته مصيبةٌ تكربه وتغمّه، سقي الخمر فذهب عنه ذلك الغمّ.
وقيل: المنافع في الخمر: ما يصيبون من لذّتها وسرورها عند شربها.
قوله تعالى: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} [البقرة: 219].
قال ابن عباس: هي منسوخةٌ بفرض الزكاة.
وقيل: هي محكمةٌ غير منسوخةٍ والمراد بالعفو: الزّكاة بعينها.
وقيل: هي محكمةٌ مخصوصةٌ في التطوّع. والعفو - عند ابن عباس -: القليل الذي لا يتبين خروجه من المال.
وقال طاووس: العفو: اليسير من كلّ شيء.
وقال الحسن وعطاء: العفو: ما لا يكون إسرافًا ولا إقتارًا.
وقال مجاهد: العفو: الصدقة عن ظهر غنى.
وقال الربيع: العفو: ما طاب من المال.
وقال قتادة: العفو أفضل المال وأطيبه.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية الخامسة والعشرين: قوله تعالى: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس}.
اختلف العلماء في هذه الآية: فقال قومٌ: إنّها تضمّنت ذمّ الخمر (لا تحريمها) وهو مذهب ابن عبّاسٍ وسعيد بن جبيرٍ، ومجاهدٍ، وقتادة.
وقال آخرون: بل تضمّنت تحريمها، وهو مذهب الحسن وعطاءٍ.
فأمّا قوله تعالى: {وإثمهما أكبر من نفعهما} فيتجاذبه أرباب القولين، فأمّا أصحاب القول الأوّل فإنّهم قالوا إثمهما بعد التّحريم أكبر من نفعهما قبله.
وقال أصحاب
القول الثّاني: إثمهما قبل التّحريم أكبر من نفعهما حينئذٍ أيضًا لأنّ الإثم الحادث عن شربها من ترك الصّلاة والإفساد الواقع عن السّكر لا يوازي منفعتها الحاصلة من لذّةٍ أو بيعٍ ولمّا كان الأمر محتملاً للتأويل، قال عمربن الخطّاب بعد نزول هذه الآية: اللّهمّ بيّن لنا في الخمر بيانًا شافيًا، وعلى القول الأوّل يتوجه النسخ بقوله تعالى فا[جتبوه].
ذكر الآية السّادسة والعشرين: قوله تعالى: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو}
فالمراد بهذا الإنفاق ثلاثة أأقوال:
أحدها: أنّه الصّدقة والعفو ما يفضل عن الإنسان.
أخبرنا عبد الوهّاب الحافظ، قال: أبنا أبو الفضل بن خيرون وأبو طاهرٍ الباقلاويّ، قالا: أبنا أبو عليّ بن شاذان، قال: أبنا أحمد بن كاملٍ قال: أبنا محمّد بن (إسماعيل بن) سعدٍ قال حدّثني أبي، قال حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي عن جدّي، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما (قل العفوا) قال ما أتوك به من شيءٍ قليلٍ أو كثيرٍ فاقبله منهم لم يفرض فيه فريضةً معلومةً، ثمّ نزلت بعد ذلك الفرائض مسمّاةً، وقد قيل: إنّ المراد بهذه الصّدقة الزّكاة.
أخبرنا محمّد بن عبد اللّه بن حبيبٍ، قال: أبنا عليّ بن الفضل، قال: أبنا عبد الصّمد، قال: أبنا عبد اللّه بن حمّوية، قال: أبنا إبراهيم بن خريم، قال: أبنا عبد الحميد، قال: بنا شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ، قال: العفو: الصّدقة المفروضة.
والقول الثّاني: [ أنّه كان فرض عليهم قبل الزّكاة أن ينفقوا ما يفضل عنهم، فكان أهل (المكاسب) يأخذون قدر ما يكفيهم من نصيبهم، ويتصدّقون بالباقي، وأهل الذّهب والفضّة يأخذون قدر ما يكفيهم في تجار = تهم ويتصدّقون = بالباقي، ذكره بعض المفسّرين.
والثّالث: أنّها نفقة التّطوّع، وذلك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لمّا حثّهم على الصّدقة (ورغّبهم بها قالوا: ماذا ننفق؟ وعلى من ننفق؟ فنزلت هذه الآية).
قال مقاتل بن حيان في قوله: {ويسألونك ماذا ينفقون} قال: هي النّفقة في التّطوّع، فكان الرّجل يمسك من ماله ما يكفيه سنةً ويتصدّق بسائره، وإن كان ممن يعمل بيديه أمسك ما يكفيه يومًا ويتصدّق بسائره وإن كان من أصحاب الحقل والزّرع أمسك ما يكفيه سنة وتصدق (بسائره) فاشتدّ ذلك على المسلمين فنسختها آية الزّكاة.
قلت: فعلى هذا القول، معنى قوله: اشتدّ ذلك على المسلمين، أي: صعب ما ألزموا نفوسهم به، فإن قلنا إن هذه النّفقة نافلةٌ أو هي الزكاة فالآية محكمةٌ، وإن قلنا إنّها نفقةٌ فرضت قبل الزّكاة فهي منسوخة بآية الزكاة والأظهر أنها في الإنفاق في المندوب إليه.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (الثامنة عشرة: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} قيل المراد بهذا الإنفاق الزكاة وقيل صدقة التطوع فالآية محكمة وزعم آخرون أنه إنفاق ما يفضل عن حاجة الإنسان وكان هذا واجبا فنسخ بالزكاة.). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 14-21]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (وقوله عز وجل: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما} الآية [البقرة: 219].
قال بعض مؤلفي الناسخ والمنسوخ:
أكثر العلماء على أنها ناسخة لما كان مباحا من شرب الخمر، قال: لأن الله تعالى أخبرنا أن في الخمر إثما، وأخبرنا أن الإثم محرم بقوله عز وجل: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم} الآية [الأعراف: 33] قال: فنص على أن الإثم محرم، وأخبر أن في شرب الخمر إثما فهي محرمة بالنص الظاهر الذي لا إشكال فيه.
قال: وما حرم كثيره فقليله حرام كلحم الميتة والخنزير والدم، وسورة البقرة مدنية فلا يعترض على ما فيها بما في "الأنعام" المكية في قوله عز وجل: {قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه} الآية [الأنعام: 145] لأن هذا التحريم نزل بمكة، والخمر نزل تحريمها بالمدينة، وزادنا الله في تأكيد تحريم الخمر بقوله: {فهل أنتم منتهون} الآية [المائدة: 91]، فهذا تهديد ووعيد يدلان على تأكيد تحريم الخمر، وزاد ذلك بيانا قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((حرمت الخمر بعينها والمسكر من غيرها))، وأكد الله تعالى ذلك وحققه بقوله: {فاجتنبوه لعلكم تفلحون} الآية [المائدة: 90]، و(لعل) من الله واجبة، فضمن الفلاح مع اجتنابها، فنظيره الخسران مع مواقعتها وكما أنه تعالى حرم أكل الخنزير، وقليله ككثيره بإجماع، كذلك يجب أن يكون الخمر والميسر من غيرها، فقلتهما ككثرتهما في التحريم، وزاد لذلك بيانا ((ما أسكر كثيره فقليله حرام)).
قال وقال ابن جبير: لما نزل: {قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس} الآية [البقرة: 219] كره الخمر قوم للإثم، وشربها قوم للمنافع حتى نزل: {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} الآية [النساء: 43] فتركوها عند الصلاة حتى نزل: {فاجتنبوه لعلكم تفلحون} الآية [المائدة: 90] فحرمت بهذا، فهذا يدل على أن آية البقرة منسوخة بآية المائدة، والمائدة نزلت بعد البقرة بلا شك. وهذا سياق قول مكي بن أبي طالب في كتابه المسمى بـ "الموضح في الناسخ والمنسوخ".
وأقول مستعينا بالله: قوله إنها ناسخة لما كان مباحا من شرب الخمر يلزم منه أن الله عز وجل أنزل إباحتها ثم نسخ ذلك، ومتى أحل الله عز وجل شرب الخمر!، وإنما كان مسكوتا عنهم في شربها، جارون في ذلك على عادتهم ثم نزل التحريم، كما سكت عنهم في غيرها من المحرمات إلى وقت التحريم. وهذه الآية وما ذكر من الآيات الكل في التحريم كما جاء تحريم الميتة في غير آية.
وقوله: إن الله عز وجل أخبرنا أن في الخمر إثما، وأخبرنا أن الإثم محرما إلى قوله: فهي محرمة بالنص الظاهر الذي لا إشكال فيه – كلام لا وجه له؛ لأن الإثم هو الذنب، وإذا كان الذنب كبيرا أو كثيرا في ارتكاب شيء لم يجز ارتكابه، فكيف يسمعون قول الله عز وجل: {قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما} الآية [البقرة: 219] ثم يقدمون عليها مع التصريح بالخسران إذ كان الإثم أكبر من النفع، بل هذا كاف في التحريم.
وقوله: فأخبر أن في شرب الخمر إثما، ونص على أن الإثم محرم بقوله: {والإثم والبغي} الآية [الأعراف: 33] لا حاصل له؛ لأنه إن أراد أن الخمر هي الإثم، فكيف يقول: فنص على أن الإثم محرم، وأخبر أن في شرب الخمر إثما، فكيف تكون هي الإثم المحرم على هذا، وإن أراد بالإثم الذنب لم يحتج إلى شيء آخر، وإنما معنى آية "الأعراف": إنما حرم ربي الفواحش وما فيه الإثم، وكلامه كله فاسد إلى آخره.
وقوله: (لعل) من الله عز وجل واجبة ليس بصحيح، فقد قال عز وجل: {فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى} الآية [طه: 44]، وقد ألانا له القول {فكذب وعصى * ثم أدبر يسعى * فحشر فنادى * فقال أنا ربكم الأعلى} الآية [النازعات: 24] وإنما معنى قوله تعالى: {لعلكم تفلحون} فاجتنبوه راجين الفلاح، أو: فاجتنبوه وانووا إرادة الفلاح.
وأما قول ابن جبير: كره الخمر قوم للإثم، وشربها قوم للمنفعة وأي منفعة تبقى مع أن الإثم أكبر منها، فكيف يقدم مقدم على الانتفاع بشيء فيه وبال أكثر وأكبر من الانتفاع به، وأطرف من هذا قوله: تركوها عند الصلاة.
فاعلم أن الآية محكمة، غير ناسخة ولا منسوخة، وهي مصرحة بتحريم الخمر.
وأما قول الله عز وجل: {تتخذون منه سكرا} الآية [النحل: 67] فإن قلنا: السكر: الطعم، كما قال: جعلت عيب الأكرمين سكرا
فلا كلام، وإن قلنا: إن السكر الخمر، فليس فيه دليل على الإباحة؛ لأنه عز وجل امتن عليهم بما ذكره من ثمرات النخيل والأعناب، ثم قال: تتخذون من المذكور سكرا ورزقا حسنا فنبه بقوله عز وجل: {ورزقا حسنا} الآية [النحل: 67] على أن السكر ليس كذلك، وأشار فيه إلى ذم الخمر إن كان المراد بالسكر الخمر، وإن كان المراد بالسكر: الطعم، فهو سكر ورزق حسن، أي: تتخذون منه طعما تأكلونه رطبا، ورزقا حسنا، يعني التمر والزبيب، وزعموا أن قوله عز وجل: {منافع للناس} الآية [البقرة: 219] منسوخ بنسخ إباحة الخمر، وهذا ما أدري ما يقال فيه.
وقالوا في قوله عز وجل: {قل العفو} الآية [البقرة: 219] هي منسوخة بفرض الزكاة، وحكوا ذلك عن ابن عباس.
والعفو: القليل الذي لا يظهر من المال نقصه.
وقال طاووس: هو اليسير من كل شيء.
وقال الحسن وعطاء: العفو ما لا يكون إسرافا ولا إقتارا.
وقال مجاهد: العفو: الصدقة عن ظهر غنى.
وقال الربيع: العفو: ما طاب من المال، وكذلك قال قتادة، وقال: قوم كانوا قبل فرض الزكاة قد فرض عليهم: من كان له مال أن يمسك لنفسه منه ألف درهم أو قيمة ذلك من الذهب ويتصدق بالباقي، وإن كانوا من أهل الزراعة أمسكوا ما يقيمهم حولا وتصدقوا بما بقي، ومن لم يكن له إلا العمل بيده أمسك ما يقوته يومه وتصدق بما بقي، فشق ذلك عليهم، فأنزل الله عز وجل فرض الزكاة.
قلت: فلتكن آية الزكاة إذن ناسخة لا منسوخة؛ لأنها موافقة لقوله عز وجل: {قل العفو} الآية [البقرة: 219]؛ لأنها نقيض ما كانوا فيه من الجهد واستفراغ الوسع، وهذه حقيقة العفو، كما قالوا: العفو: الأرض السهلة، والآية محكمة، فإن أريد بها الزكاة فذاك، وإن أريد التطوع فذاك.
). [جمال القراء: 1/249-271]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين

أم صفية آل حسن 22 جمادى الآخرة 1434هـ/2-05-2013م 07:40 AM

قوله تعالى: {فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۗ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَىٰ ۖ قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ ۖ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(220)}

قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (قال أبو جعفرٍ: ومن هذه الآية في عدد المدنيّ الأوّل {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاحٌ لهم خيرٌ وإن تخالطوهم فإخوانكم} [البقرة: 220] فزعم قومٌ أنّها ناسخةٌ لقول اللّه جلّ وعزّ {إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا} [النساء: 10] الآية ورووا هذا عن ابن عبّاسٍ
قال أبو جعفرٍ: وهذا ممّا لا يجوز فيه ناسخٌ ولا منسوخٌ؛ لأنّه خبرٌ ووعيدٌ ونهيٌ عن الظّلم والتّعدّي فمحالٌ نسخه فإن صحّ ذلك عن ابن عبّاسٍ فتأويله من اللّغة أنّ هذه الآية على نسخة تلك الآية فهذا جوابٌ واضحّ منه ما عليه أهل التّأويل
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 1/636]
قال سعيد بن جبيرٍ: " لمّا نزلت {إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا} [النساء: 10] اشتدّت على النّاس وامتنعوا من مخالطة اليتامى حتّى نزلت {ويسألونك عن اليتامى} [البقرة: 220] الآية
فالمعنى على هذا القول أنّه لمّا وقع بقلوبهم أنّه لا ينبغي أن يخالطوا اليتامى في شيءٍ لئلّا يحرجوا بذلك، فنسخ اللّه جلّ وعزّ ما وقع بقلوبهم منه أي أزاله بأن أباح لهم مخالطة اليتامى
وبيّن مجاهدٌ ما هذه المخالطة، فقال:
«في الرّاعي والإدام»، ومعنى هذا أن يكون لليتيم تمرٌ أو ما أشبهه ولوليّه مثله فيخلطه معه فيأكلا جميعًا فتوقّفوا عن هذا مخافة أن يكون الوليّ يأكل أكثر ممّا يأكل اليتيم فأباح اللّه جلّ وعزّ ذلك إذا كان على جهة الإصلاح ولم يقصد فيه الإفساد ودلّ على هذا {واللّه يعلم المفسد من المصلح} [البقرة: 220]
قال مجاهدٌ: " {ولو شاء اللّه لأعنتكم} [البقرة: 220] أي حرّم عليكم مخالطتهم "
قال أبو جعفرٍ: فهذا الظّاهر في اللّغة أن تكون المخالطة في الطّعام لا في الشّركة؛ لأنّ مشاركة اليتيم إن وقع فيها استبدادٌ بشيءٍ فهي خيانةٌ وإن كانت
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 1/637]
الشّركة قد يقال لها مخالطةٌ فليس باسمها المعروف فثبت بهذا أنّه لا ناسخٌ في هذا ولا منسوخٌ إلّا على ما ذكرناه
وقد قال بعض الفقهاء: وما أعرف آيةً في الوعيد هي أشدّ ولا أوكد على المسلمين من قوله جلّ وعزّ {إنّ الّذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنّما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرًا} [النساء: 10]
والّذين في اللّغة عامٌ فأوجب اللّه سبحانه النّار على العموم لكلّ من فعل هذا
والآية الّتي هي تتمّة العشرين قد أدخلها العلماء في النّاسخ والمنسوخ وإن كان فيها اختلافٌ بين الصّحابة
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 1/638]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين

أم صفية آل حسن 24 جمادى الآخرة 1434هـ/4-05-2013م 03:36 PM

قوله تعالى {وَلاَ تَنْكِحُوْا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنْكِحُوْا الْمُشْرِكِيْنَ حَتَّى يُؤْمِنُوْا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَئِكَ يَدْعُوْنَ إِلَى النَّارِ وَاللهُ يَدْعُوْ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُوْنَ.(221)}


قال الوليد بن محمد الموقّري الأموي (ت:182هـ): حدثني محمد بن مسلم بن عبد الله بن شِهَاب الزهري(124هـ) قال:
وقال تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ولأمةٌ مؤمنةٌ خيرٌ من مشركةٍ ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا ولعبدٌ مؤمنٌ خيرٌ من مشركٍ ولو أعجبكم}. فنسخ منها ما أحل من المشركات من نساء أهل الكتاب من اليهود والنصارى في النكاح. ). [الناسخ والمنسوخ للزهري: 18-22]

قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (الآية التاسعة عشرة: قوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} [231 / البقرة] وليس في هذه شيء منسوخ إلا بعض حكم المشركات وجميعها محكم وذلك أن المشركات يعم الكتابيات والوثنيات ثم استثنى من جميع المشركات الكتابيات فقط وناسخها قوله تعالى: {والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم...}[5 مدنية / المائدة / 5] يعني بذلك اليهوديات والنصرانيات ثم مع الإباحة عفتهن فإن كن عواهر لم يجز) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (قال اللّه جلّ وعزّ {ولا تنكحوا المشركين حتّى يؤمنوا} [البقرة: 221] فيها ثلاثة أقوالٍ
من العلماء من قال هي منسوخةٌ ومنهم من قال هي ناسخة ومنهم من قال هي محكمةٌ لا ناسخةٌ ولا منسوخةٌ
فممّن قال إنّها منسوخةٌ ابن عبّاسٍ
كما حدّثنا بكر بن سهلٍ، قال حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، عن معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ} [البقرة: 221] قال: " ثمّ استثنى نساء أهل الكتاب فقال جلّ ثناؤه: {والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب} [المائدة: 5] حلٌّ لكم {إذا آتيتموهنّ أجورهنّ} [المائدة: 5] يعني مهورهنّ {محصناتٍ غير مسافحاتٍ} [النساء: 25] يقول: عفائف غير زوانٍ "
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/4]
قال أبو جعفرٍ: هكذا في الحديث حلٌّ لكم وليس هو في التّلاوة وهكذا قال {محصناتٍ غير مسافحاتٍ} [النساء: 25] وفي التّلاوة «محصنين غير مسافحين» فهذه قراءةٌ على التّفسير وهكذا كلّ قراءةٍ خالفت المصحف المجمع عليه
وممّن قال إنّ الآية منسوخةٌ أيضًا مالك بن أنسٍ وسفيان بن سعيدٍ، وعبد الرّحمن بن عمرٍو، فأمّا من قال إنّها ناسخةٌ فقوله شاذّ
حدّثنا جعفر بن مجاشعٍ، قال سمعت إبراهيم بن إسحاق الحربيّ، يقول «فيه وجهٌ ذهب إليه قومٌ جعلوا الّتي في البقرة هي الناسخة والّتي في المائدة هي المنسوخة يعني فحرّموا نكاح كلّ مشركةٍ كتابيّةٍ أو غير كتابيّةٍ»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/5]
قال أبو جعفرٍ: ومن الحجّة لقائل هذا ممّا صحّ سنده
ما حدّثناه محمّد بن زبّان، قال حدّثنا محمّد بن رمحٍ، قال أخبرنا اللّيث بن سعدٍ، عن نافعٍ، أنّ عبد اللّه بن عمر، " كان إذا سئل عن نكاح الرّجل النّصرانيّة، أو اليهوديّة قال: " حرّم اللّه عزّ وجلّ المشركات على المسلمين ولا أعرف شيئًا من الإشراك أعظم من أن تقول المرأة: ربّها عيسى أو عبدٌ من عباد اللّه جلّ وعزّ "
والقول الثّالث قال به جماعةٌ من العلماء
كما حدّثنا أحمد بن محمّد بن نافعٍ، قال حدّثنا سلمة، قال حدّثنا عبد الرّزّاق، قال أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ} [البقرة: 221] قال «المشركات من غير نساء أهل الكتاب وقد تزوّج حذيفة نصرانيّةً أو يهوديّةً»
قرئ على أحمد بن محمّد بن الحجّاج، عن يحيى بن سليمان، قال حدّثنا وكيعٌ، قال حدّثنا سفيان، عن حمّادٍ، قال: سألت سعيد بن جبيرٍ عن قول اللّه، جلّ وعزّ {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ} [البقرة: 221] قال: «هم أهل الأوثان»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/6]
قال أبو جعفرٍ: وهذا أحد قولي الشّافعيّ رحمه اللّه أن تكون الآية عامّةً يراد بها الخاصّ فتكون المشركات هاهنا أهل الأوثان والمجوس
فأمّا من قال إنّها ناسخةٌ للّتي في المائدة وزعم أنّه لا يجوز نكاح نساء أهل الكتاب، فقوله خارجٌ عن قول الجماعة الّذين تقوم بهم الحجّة؛ لأنّه قد قال بتحليل نكاح نساء أهل الكتاب من الصّحابة والتّابعين جماعةٌ منهم عثمان وطلحة، وابن عبّاسٍ، وجابرٌ، وحذيفة ومن التّابعين سعيد بن
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/7]
المسيّب، وسعيد بن جبيرٍ، والحسن، ومجاهدٌ، وطاووسٌ، وعكرمة، والشّعبيّ، والضّحّاك، وفقهاء الأمصار عليه
وأيضًا فيمتنع أن تكون هذه الآية من سورة البقرة ناسخةٌ للآية الّتي في سورة المائدة لأنّ البقرة من أوّل ما نزل بالمدينة والمائدة من آخر ما نزل وإنّما الآخر ينسخ الأوّل
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/8]

وأمّا حديث ابن عمر فلا حجّة فيه؛ لأنّ ابن عمر رحمه اللّه كان رجلًا متوقّفًا فلمّا سمع الآيتين، في واحدةٍ التّحليل وفي الأخرى التّحريم ولم يبلغه النّسخ توقّف ولم يؤخذ عنه ذكرٌ للنّسخ وإنّما تؤوّل عليه وليس يؤخذ النّاسخ والمنسوخ بالتّأويل
وأبين ما في الآية أن تكون منسوخةً على قول من قال ذلك من العلماء وهو أيضًا أحد قولي الشّافعيّ وذلك أنّ الآية إذا كانت عامّةً لم تحمل على الخصوص إلّا بدليلٍ قاطعٍ فإن قال قائلٌ فقد قال قومٌ من العلماء إنّه لا يقال لأهل الكتاب مشركون وإنّما المشرك من عبد وثنًا مع اللّه جلّ وعزّ فأشرك به
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/9]
قال أبو جعفرٍ: وممّن يروى عنه هذا القول أبو حنيفة وزعم أنّ قول اللّه تعالى: {إنّما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا} [التوبة: 28]أنّه يراد به أهل الأوثان وأنّ لليهود والنّصارى أن يقربوا المسجد الحرام [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/11]
قال أبو جعفرٍ: " وهذا قولٌ خارجٌ عن قول الجماعة من أهل العلم واللّغة وأكثر من هذا أنّ في كتاب اللّه جلّ وعزّ نصًّا تسمّيه اليهود والنّصارى بالمشركين، قال اللّه جلّ وعزّ: {اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون اللّه والمسيح ابن مريم وما أمروا إلّا ليعبدوا إلهًا واحدًا لا إله إلّا هو سبحانه عمّا يشركون}[التوبة: 31]
فهذا نصّ القرآن فمن أشكل عليه أن قيل له اليهود والنّصارى لم يشركوا أجيب عن هذا بجوابين
أحدهما أن يكون هذا اسمًا إسلاميًّا ولهذا نظائر قد بيّنها من يحسن الفقه واللّغة من ذلك مؤمنٌ أصله من آمن إذا صدّق ثمّ صار لا يقال مؤمنٌ إلّا لمن آمن بمحمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم ثمّ تبع ذلك العمل ومن الأسماء الإسلاميّة المنافق ومنها على قول بعض العلماء الخمر سمّي ما أسكر كثيره خمرًا على لسان رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم
والجواب الآخر وهو عن أبي إسحاق بن إبراهيم بن السّرّيّ قال: كلّ من كفر بمحمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم فهو مشركٌ، قال وهذا من اللّغة؛ لأنّ محمّدًا صلّى الله عليه وسلّم قد جاء من البراهين بما لا يجوز أن يأتي به بشرٌ إلّا من عند اللّه جلّ وعزّ فإذا كفر بمحمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم فقد زعم أنّ ما لا يأتي به إلّا اللّه قد جاء به غير اللّه جلّ وعزّ فجعل للّه جلّ وعزّ شريكًا [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/12]
قال أبو جعفرٍ: وهذا من لطيف العلم وحسنه
فأمّا نكاح إماء أهل الكتاب فحرامٌ عند العلماء إلّا أبا حنيفة وأصحابه، فإنّهم أجازوه واحتجّ لهم محتجٌّ بشيءٍ قاسه قال: لمّا أجمعوا على أنّ قوله جلّ وعزّ: {ولا تنكحوا المشركات} [البقرة: 221] يدخل فيه الأحرار والإماء وجب في القياس أن يكون قوله {والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب} [المائدة: 5] داخلًا فيه الحرائر والإماء لتكون الناسخة مثل المنسوخة
قال أبو جعفرٍ: وهذا الاحتجاج خطأٌ من غير جهةٍ فمن ذلك أنّه لم يجمع على أنّ الآية الّتي في البقرة منسوخةٌ ومن ذلك أنّ القياسات والتّمثيلات لا يؤخذ بها في النّاسخ والمنسوخ، وإنّما يؤخذ النّاسخ والمنسوخ بالتّيقّن والتّوقيف
وأيضًا فقد قال اللّه جلّ وعزّ نصًّا {ومن لم يستطع منكم طولًا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات} [النساء: 25] فكيف يقبل ممّن قال من فتياتكم الكافرات؟
وأمّا نكاح الحربيّات فروي عن ابن عبّاسٍ وإبراهيم النّخعيّ أنّهما منعا من ذلك وغيرهما من العلماء يجيز ذلك، ونصّ الآية يوجب جوازه وهو قول مالكٍ والشّافعيّ إلّا أنّهما كرها ذلك مخافة تنصير الولد أو الفتنة [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/13]
وأمّا نكاح الإماء المجوسيّات والوثنيّات فالعلماء على تحريمه إلّا ما رواه يحيى بن أيّوب، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، وعمرو بن دينارٍ، " أنّهما سئلا عن نكاح الإماء المجوسيّات، فقالا لا بأس بذلك وتأوّلا قول اللّه جلّ وعزّ: {ولا تنكحوا المشركات} [البقرة: 221]
فهذا عندهما على عقد النّكاح لا على الأمة المشتراة، واحتجّا بسبي أوطاسٍ وأنّ الصّحابة نكحوا الإماء منهنّ بملك اليمين
" قال أبو جعفرٍ: وهذا قولٌ شاذٌّ، أما سبي أوطاسٍ فقد يجوز أن يكون الإماء أسلمن فجاز نكاحهنّ [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/14]
وأمّا الاحتجاج بقوله جلّ وعزّ: {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ} [البقرة: 221] فغلطٌ لأنّهم حملوا النّكاح على العقد والنّكاح في اللّغة يقع على العقد وعلى الوطء، فلمّا قال جلّ وعزّ: {ولا تنكحوا المشركات} [البقرة: 221] حرّم كلّ نكاحٍ يقع على المشركات من نكاحٍ ووطءٍ، وفي هذا من اللّغة شيءٌ بيّنٌ
حدّثني من أثق به قال: سمعت أحمد بن يحيى يقول: " أصل النّكاح في اللّغة الوطء وإنّما يقع للعقد مجازًا قال: والدّليل على هذا أنّ العرب تقول أنكحت الأرض البرّ إذا أدخلت البرّ في الأرض
قال أبو جعفرٍ: وهذا من حسن اللّغة والاستخراج اللّطيف
ووجب من هذا أن يكون قوله جلّ وعزّ: {فلا تحلّ له من بعد حتّى تنكح زوجًا غيره} [البقرة: 230] حتّى يطأها وبذلك جاءت السّنّة أيضًا [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/15]
وقد أدخلت الآية الّتي تلي هذه في النّاسخ والمنسوخ وهي الآية الحادية والعشرون [الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/16]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية الثّانية والعشرون قوله تعالى {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمن} هذا عام في جميع أنواع الكفر فنسخ الله تعالى بعض أحكامها من اليهوديات والنصرانيات بالآية الّتي في سورة المائدة وهي قوله تعالى {اليوم أحلّ لكم الطّيّبات وطعام الّذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم} إلى والطّعام الذّبائح فقط وهو عمومالآية لأن الشّرك يعم الكتابيات والوثنيات لأن المفسّرين أجمعوا على نسخ الآية الّتي في سورة البقرة المذكورة وعلى إحكام الآية الّتي في المائدة غير عبد الله بن عمر فإنّه يقول الآية الّتي في سورة البقرة محكمة والآية الّتي في سورة المائدة منسوخة وما تابعه على هذا القول أحد فإن كانت المرأة الكتابيّة عاهرة لم يجز نكاحها وإن كانت عفيفة جاز). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ} الآية:
الظاهر في هذه الآية أنها محكمةٌ مخصّصةٌ مبيّنةٌ بآية المائدة في جواز نكاح الكتابيّات. وقد تقدّم ذكر هذا وقاله قتادة وابن جبير.
وعن ابن عباس: أنّها في المشركات من الكتابيّات وغيرهنّ اللواتي في دار الحرب، لا يحل نكاح كتابيةٍ مقيمةٍ في دار الحرب لأنّها ليست من أهل ذمّة المسلمين، وهو قول أكثر العلماء. فالآية محكمةٌ على هذا القول غير عامّة وغير منسوخةٍ ولا مخصّصةٍ.
وآية المائدة في الكتابيّات من أهل الذمّة ذوات العهد المقيمات مع المسلمين.
فالآية مخصوصةٌ في غير الكتابيّات اللواتي بدار الإسلام، فهي محكمةٌ غير منسوخةٍ وغير مخصّصةٍ.
وقد روي عن مالك أنه قال: هي في غير أهل الكتاب، قال مالكٌ: قال الله جلّ ذكره: {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} [الممتحنة: 10]، فهي عنده محكمةٌ لم ينسخ منها شيءٌ، إلا أنّها غير عامة، أريد بها الخصوص في كل مشركةٍ من غير أهل الكتاب، وبيّن تخصيصها آية المائدة في تحليل نكاح الكتابيّات.
وروي عن ابن عمر أنه قال: هذه الآية محكمةٌ، لا يجوز نكاح مشركةٍ كتابيةٍ ولا غيرها. وقيل عنه: إنه إنّما كره ذلك ولم يحرّمه. ولا يصحّ عنه تحريم نكاح الكتابيات ذوات الذّمّة؛ لأنّ نصّ القرآن يدلّ على تحليل الكتابية ذميّةً كانت أو غير ذمّيّةٍ.
وعن مالك: أنه كره نكاح الكتابيّة التي في دار الحرب، ولم يحرّمه.
وعلى تحريمه جماعةٌ من العلماء، جعلوا آية المائدة في الكتابيّات ذوات الذمّة خاصةً.
وهي عامّة في كلّ كتابيةٍ - عند مالكٍ وغيره، وعليه أكثر الصّحابة والعلماء؛ لقوله: {والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهنّ أجورهنّ} [المائدة: 5] فعمّ.
فآية المائدة محكمةٌ غير منسوخةٍ، لكنّها مخصّصةٌ ومبيّنةٌ لآية البقرة.
وقد روي عن ابن عباسٍ أنه قال: آية البقرة منسوخةٌ بآية المائدة. وهو أيضًا مرويٌ عن مالك، وسفيان بن سعيد وعبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي.
قال أبو محمد: وهذا إنما يجوز على أن تكون آية البقرة في الكتابيات خاصة ثم نسختها آية المائدة، ويكون تحريم نكاح المشركات من غير أهل الكتاب بالسنّة.

وحمل آية البقرة على العموم في كل المشركات ثم خصّصتها وبيّنتها آية المائدة أولى وأحسن؛ ليكون تحريم نكاح المشركات من غير أهل الكتاب بنصّ القرآن.
وعن ابن عباس أيضًا أنه قال: استثنى الله منها نساء أهل الكتاب فأحلّهنّ بآية المائدة، وهذا معنى مفهومٌ من قوله، وإن كان بغير لفظ الاستثناء، فهو تخصيصٌ وبيان، كما أن الاستثناء بيانٌ أيضًا.
وقد قال الحسن وعكرمة في آية البقرة: نسخ الله منها نساء أهل الكتاب فأحلّ نكاحهنّ. وقد ذكرنا هذه الآية فيما تقدّم.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية السّابعة والعشرين: قوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ}.
اختلف المفسّرون في المراد بالمشركات هاهنا على قولين:
أحدهما: أنّهنّ الوثنيّات.
أخبرنا أبو بكر بن حبيبٍ العامريّ قال: أبنا عليّ بن الفضل، قال: أبنا محمّد بن عبد الصّمد، قال: أبنا عبد اللّه بن
أحمد، قال: أبنا إبراهيم بن خريم، قال: بنا عبد الحميد، قال: بنا قبيصة عن سفيان عن حماد، قال: سألت إبراهيم عن تزويج اليهوديّة والنّصرانيّة، قال: لا بأس به فقلت: أليس اللّه تعالى يقول: {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ} ؟ قال: إنّما ذلك المجوسيّات وأهل الأوثان.
قال عبد الحميد: حدّثنا يونس عن سفيان عن قتادة {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ} قال: المشركات العرب اللاتي ليس لهن كتاب يقرأنه قال سعيد بن جبيرٍ: هنّ المجوسيّات وعابدات الأوثان.
والثّاني: أنّه عامٌّ في الكتابيّات وغيرهنّ من الكافرات، فالكلّ مشركاتٌ، وافترق أرباب هذا القول على قولين:
[أحدهما] (أنّ هذا القدر من الآية نسخ بقوله تعالى: {والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم}.
فأخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد اللّه البقّال، قال: أبنا ابن بشران، قال: أبنا إسحق الكاذي، قال: بنا عبد اللّه بن أحمد، قال: حدّثني أبي، قال: أبنا إبراهيم بن إسحق الطالقاني، قال بنا ابن مباركٍ عن يونس عن الزّهريّ {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ} ثمّ أحلّ نكاح المحصنات من أهل الكتاب فلم ينسخ من هذه الآية غير ذلك فنكاح كلّ مشركٍ سوى نساء أهل الكتاب حرامٌ.
والثّاني: أنّ قوله: {ولا تنكحوا المشركات} لفظٌ عامٌّ خصّ منه الكتابيّات بآية المائدة وهذا تخصيصٌ لا نسخٌ. وعلى هذا الفقهاء وهو الصّحيح.
وقد زعم قومٌ أنّ أهل الكتاب ليسوا مشركين، وهذا فاسد، لأنهم قالوا عزير بن الله) والمسيح بن الله فهم بذلك مشركون.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (التاسعة عشرة: {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ} هذا اللفظ عام خص منه أهل الكتاب والتخصيص ليس بنسخ وقد غلط من سماه نسخا.). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 14-21] .
(قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ):(قوله عز وجل: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} الآية [البقرة: 221] قيل: سبب نزولها أن مرثد بن أبي مرثد بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكة ليخرج ناسا من المسلمين، فقالت له عناق، وهي امرأة كان يخلو بها في الجاهلية: هل لك في الخلوة، فقال: حال بيننا الإسلام.
قالت له: فتزوج بي، فقال: أرجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستأمره، فنزلت هذه الآية، فالآية على هذا محكمة؛ لأن نكاح الكفار غير أهل الكتاب محرم، وقيل: هي محكمة محرمة لنكاح المشركات والكتابيات اللواتي في دار الحرب، ويروى ذلك عن ابن عباس.
وقاله قتادة وابن جبير وأكثر العلماء، وعن ابن عمر أنها محكمة عامة في كل مشركة كتابية، حربية وغير حربية.
وقيل: إنه إنما كره ذلك ولم يحرمه؛ لأن آية المائدة أباحت نكاح الكتابيات كلهن الحربيات والذميات، وقيل: هي عامة في الكتابيات كلهن، وهي منسوخة بآية المائدة، وكره بعض العلماء نكاح الحربيات ولم يحرمه، وروي مثل ذلك عن مالك، وحرمه جماعة منهم، وخصوا آية المائدة بالذميات.
وآية المائدة عن أكثر العلماء عامة في كل كتابية، وعلى ذلك أكثر الصحابة والعلماء.
). [جمال القراء: 1/249-271]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين

أم صفية آل حسن 24 جمادى الآخرة 1434هـ/4-05-2013م 04:10 PM

قوله تعالى: { وَيَسْـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ ۖ قُلْ هُوَ أَذًۭى فَٱعْتَزِلُوا۟ ٱلنِّسَآءَ فِى ٱلْمَحِيضِ ۖ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ ۖ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّٰبِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ(222)}

قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (قال جلّ وعزّ: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذًى فاعتزلوا النّساء في المحيض ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن فإذا تطهّرن} [البقرة: 222]
قال أبو جعفرٍ: أدخلت هذه الآية في النّاسخ والمنسوخ لأنّه معروفٌ من شريعة بني إسرائيل أن لا يجتمعوا مع الحائض في بيتٍ ولا يأكلوا معها ولا يشربوا، فنسخ اللّه جلّ وعزّ ذلك من شريعتهم
كما قرئ على أحمد بن عمرو بن عبد الخالق، عن محمّد بن أحمد بن الجنيد البغداديّ، عن عمرو بن عاصمٍ، قال حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن ثابتٍ، وعاصمٍ الأحول، عن أنس بن مالكٍ، قال " كانت اليهود يعتزلون النّساء في الحيض فأنزل اللّه جلّ وعزّ: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذًى فاعتزلوا النّساء في المحيض ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن} [البقرة: 222] الآية فأمرنا رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أن نؤاكلهنّ ونشاربهنّ ونصنع كلّ شيءٍ إلّا النّكاح فقالت اليهود: ما يريد محمّدٌ أن يدع شيئًا من أمرنا إلّا خالفنا فيه "
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/17]
قال أبو جعفرٍ: " فدلّ هذا الحديث على أنّه لا يحرم من الحائض إلّا النّكاح في الفرج، وهذا قول جماعةٍ من العلماء أنّ الرّجل له أن يباشر الحائض وينال منها ما دون الوطء في الفرج، وهو قول عائشة رضي اللّه عنها وأمّ سلمة، وابن عبّاسٍ، ومسروقٍ، والحسن، وعطاءٍ، والشّعبيّ، وإبراهيم النّخعيّ،
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/18]
وسفيان الثّوريّ، ومحمّد بن الحسن وهو الصّحيح من قول الشّافعيّ قال أبو جعفرٍ: وهذا الحديث المسند دالٌّ عليه
قرئ على أحمد بن محمّد بن الحجّاج، عن يحيى بن سليمان، قال حدّثنا عبد الرّحمن بن زيادٍ، عن عبيد اللّه بن عمرٍو، قال حدّثنا أيّوب السّختيانيّ، عن أبي معشرٍ، عن إبراهيم، عن مسروقٍ، قال سألت عائشة رضي اللّه عنها ما يحلّ لي من امرأتي وهي حائضٌ؟ قالت: «كلّ شيءٍ إلّا الفرج»
قال أبو جعفرٍ: فهذا إسنادٌ متّصلٌ
والحديث الآخر أنّها قالت «كان رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/19]
يباشرني فوق الإزار» ليس فيه دليلٌ على حظر غير ذلك وقد يحتمل أن يكون المعنى فوق الإزار وهو مفروشٌ فهذا قولٌ
قال عبيدة: «اللّحاف واحدٌ والفراش مختلفٌ وهذا قولٌ شاذّ يمنع منه ما صحّ عن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم من مباشرته نساءه وهنّ حيّضٌ»
وقولٌ ثالثٌ أن يعتزل الحائض فيما بين السّرّة والرّكبة وهو قول جماعةٍ من
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/20]
العلماء منهم ميمونة ويروى عن ابن عبّاسٍ ومنهم سعيد بن المسيّب، ومالك بن أنسٍ وأبو حنيفة
والحجّة لهم ما حدّثناه إبراهيم بن شريكٍ، قال حدّثنا أحمد بن عبد اللّه بن يونس، قال حدّثنا ليثٌ يعني ابن سعدٍ، عن الزّهريّ، عن حبيبٍ، مولى عروة، عن ندبة، مولاة ميمونة عن ميمونة «أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم كان يباشر المرأة من نسائه وهي حائضٌ إذا كان إزارها إلى نصف فخذيها أو إلى ركبتيها محتجزةً به»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/21]
قال أبو جعفرٍ: اللّيث يقول ندبة وغيره يقول بديّة وليس في هذا الحديث دليلٌ على حظر ما تقدّمت إباحته
وقد زعم قومٌ أنّ حديث أنسٍ الّذي بدأنا به منسوخٌ لأنّه كان في أوّل ما نزلت الآية وأنّ النّاسخ له حديث أبي إسحاق عن عميرٍ، مولى عمر عن عمر، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال في الحائض «لك ما فوق الإزار وليس لك ما تحته»
قال أبو جعفرٍ: وهذا ادّعاءٌ في النّسخ ولا يعجز أحدًا ذلك، والإسناد الأوّل أحسن استقامةً من هذا، وهذا القول قال به جماعةٌ قد ذكرناهم، ولم
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/22]
يقل أحدٌ منهم فيه بنسخٍ والّذي قال هذا بعض المحدّثين
والتّقدير على القول الأوّل فاعتزلوا جماع النّساء في موضع المحيض أي في الفرج فيكون المحيض اسمًا للموضع كما أنّ المجلس اسمٌ للموضع الّذي يجلس فيه وكذا {ولا تقربوهنّ} [البقرة: 222]
كما حدّثنا بكر بن سهلٍ، قال حدّثنا أبو صالحٍ، قال حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، {فاعتزلوا النّساء في المحيض} [البقرة: 222] قال «اعتزلوا نكاح فروجهنّ»
قال أبو جعفرٍ: ومن قرأ {حتّى يطهرن} [البقرة: 222] فمعناه حتّى يحلّ لهنّ أن يطهرن كما تقول قد حلّت المرأة للأزواج أي حلّ لها أن تتزوّج ومن قرأ {حتّى يطّهّرن} [البقرة: 222] جعله بمعنى يغتسلن وقد قرأ الجماعة بالقراءتين وهما بمنزلة آيتين لا تحلّ له حتّى تطهر وتطّهّر
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/23]
فأمّا قول من قال إنّها تحلّ له إذا غسلت فرجها من الأذى بعد أن تخرج من الحيض فقولٌ خارجٌ عن الإجماع، وعن ظاهر القرآن، قال اللّه جلّ وعزّ: {وإن كنتم جنبًا فاطّهّروا} [المائدة: 6] وفي موضعٍ آخر {ولا جنبًا إلّا عابري سبيلٍ حتّى تغتسلوا} [النساء: 43] فجاء القرآن يتطهّروا ويغتسلوا بمعنًى واحدٍ، وكذا حتّى يطهرن أي الطّهور الّذي يصلّين به
وأمّا قول من قال: إذا طهرت من الحيض حلّت وإن لم تغتسل إذا دخل عليها وقت صلاةٍ أخرى فخارجٌ أيضًا عن الإجماع وليس يعرف من قولٍ واحدٍ، وإنّما قيس على شيءٍ من قول أبي حنيفة أنّه قال: إذا طلّق الرّجل امرأته طلاقًا يملك معه الرّجعة كان له أن يراجعها من غير إذنها ما لم تغتسل من الحيضة الثّالثة إلّا أن تطهر من الحيضة الثّالثة فيدخل عليها وقت صلاةٍ أخرى ولم تغتسل، فقاسوا على هذا
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/24]
والدّليل على ذلك ما حدّثناه أحمد بن محمّدٍ الأزدي، قال حدّثنا إبراهيم بن مرزوقٍ، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال حدّثنا سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله جلّ وعزّ {ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن} [البقرة: 222] قال «من الدّم فإذا تطهّرن قال اغتسلن»
قال أحمد بن محمّدٍ: ولا أعلم بين العلماء في هذا اختلافًا
قال أبو جعفرٍ: فأمّا {من حيث أمركم اللّه} [البقرة: 222] ففي معناه اختلافٌ
فعن ابن عبّاسٍ، ومجاهدٍ، قالا «في الفرج»
وعن محمّد بن عليّ بن الحنفيّة، قال: «من قبل الحلال من قبل التّزويج»
وعن أبي رزينٍ، قال: «من قبل الطّهر لا من قبل الحيض»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/25]
قال أبو جعفرٍ: وهذا القول أشبه بسياق الكلام وأصحّ في اللّغة لأنّه لو كان المراد به الفرج كانت في هاهنا أولى فإن قيل لم لا يكون معناه من قبل الفرج، قيل لو كان كذا لم يجز أن يطأها من دبرها في فرجها، والإجماع على غير ذلك {إنّ اللّه يحبّ التّوّابين} [البقرة: 222]
قال عطاءٌ: «أي من الذّنوب» وهذا لا اختلاف فيه
واختلفوا في معنى {ويحبّ المتطهّرين} [البقرة: 222] فمن أهل التّفسير من قال: المتطهّرين من أدبار النّساء، وقيل من الذّنوب
وقال عطاءٌ: «المتطهّرين بالماء»
وهذا أولى بسياق الآية واللّه جلّ وعزّ أعلم
وأمّا الآية الثّانية والعشرون فقد أدخلها بعض العلماء في النّاسخ والمنسوخ وهو قتادة فذكرناها ليكون الكتاب مشتملًا على ما ذكره العلماء
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/26]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {ويسألونك عن المحيض}.
أكثر العلماء على أنها ناسخةٌ لشريعة بني إسرائيل؛ لأنهم كانوا لا يجتمعون مع الحائض في بيتٍ، ولا يأكلون ولا يشربون معها، فنسخ الله ذلك من شريعتهم، وأمرنا باعتزال الحائض من الوطء لا غير.
قال أبو محمد: وإنما أدخل هذا وأشباهه في الناسخ والمنسوخ، وهو لم ينسخ قرآنًا، لقوله تعالى: {فبهداهم اقتده} [الأنعام: 90] - على قول من قال -: تلزمنا شريعتهم حتى نؤمر بتركها.
فأمّا من قال: لا يلزمنا من شريعتهم إلاّ ما أمرنا به منها، فلا يجب أن يدخل هذا ونحوه في الناسخ والمنسوخ؛ إذ لم ينسخ قرآنًا، وهو الصّواب إن شاء الله تعالى لأن معنى: {فبهداهم اقتده} يعني: في التوحيد خاصة، لا في الشّرائع. ويدلّ على أنه ليس يراد به الشرائع التي كانوا عليها، قوله: {لكلٍّ جعلنا منكم شرعةً ومنهاجًا} [المائدة: 48].
ويدلّ على ذلك أيضًا أنّ شرائع من كان قبلنا مختلفةٌ في الأحكام، ولا سبيل لنا إلى الجمع بين التّحريم والتّحليل في شيء واحد، ولا إلى فعل شيءٍ وتركه في عبادةٍ واحدةٍ. فقد كانت لحوم الإبل وألبانها وشحوم البقر والغنم حلالاً لمن كان قبل يعقوب من الأنبياء، ثم حرّمت على يعقوب وعلى بني إسرائيل، فلا سبيل إلى الجمع بين الشّريعتين البتّة. والله جلّ ذكره لم يخصّ الأمر بالاقتداء بشريعة واحدٍ من الأنبياء، وإنما جمعهم فقال: {فبهداهم اقتده}. وهم لم يجتمعوا إلاّ على التّوحيد والتّصديق بالله ورسله وكتبه. واختلفوا في الشرائع التي شرع الله لهم
على ما شرع لكلّ نبي.
فليس علينا أن نقتدي من فعلهم إلا بما اجتمعوا عليه. وما اختلفوا فيه لا سبيل إلى فعله لاختلاف أحكامه في شرائعهم. وإنما نفعل من شرائعهم ما أمرنا به. فعلى هذا القول: كان يجب ألاّ تدخل هذه الآية ونحوها في الناسخ والمنسوخ؛ لأنها لم تنسخ قرآنًا.
ومذهب مالك في هذا الباب: أنّ ما أنزل الله علينا في كتابه وأعلمنا أنه كان فرضًا عليهم ولم يأمرنا بخلافه، ولا بترك العمل به فواجبٌ علينا العمل به، نحو قوله تعالى: {وكتبنا عليهم فيها أنّ النّفس} [المائدة: 45] الآية. وقد اعترض على هذا المذهب بقصّة أيوب في يمينه، وبتزوّج موسى إحدى المرأتين، ولا يقول مالك بشيءٍ من ذلك. وعن هذا أجوبةٌ يطول ذكرها، ليست من هذا العلم، سنذكرها في غير هذا الكتاب إن شاء الله.
وهذه المعاني من الأصول لها مواضع يتقصّى الكلام فيها ويبيّن في غير هذا الكتاب إن شاء الله فهي أصل الفقه والدّين، وعليها بنى الفقهاء مسائلهم وفتياهم، وإنما اختلفوا في الفتيا على نحو اختلافهم في معاني الأصول. فمعرفة الأصول عليها العمدة عند أهل الفهم والنظر. ومعرفة المسائل بغير معرفة الأصول إنما هو للمقلّدين الضعفاء في الأفهام.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {فالآن باشروهن} الآية:
أباح الله تعالى المباشرة للنّساء ليالي الصّيام كلّه إباحةً عامةً،
والمباشرة: الجماع لا اختلاف في هذا، لقوله تعالى: {وابتغوا ما كتب الله لكم} [البقرة: 187] يعني: الولد.
وقد توهّم قومٌ أنّ هذا الحكم منسوخٌ بقوله تعالى: {فاعتزلوا النّساء في المحيض} [البقرة: 222]، وليس الأمر كذلك. وإنما هو على أحد وجهين:
- إما أن يكون تحريم وطء الحائض نزل قبل إباحة الوطء ليلة الصيام، فنزل ذلك وقد استقرّ في أنفسهم تحريم وطء الحائض، فصارت المباشرة المباحة مخصوصةً ليل الصّوم في غير الحائض من زوجةٍ أمة.
- وإمّا أن يكون تحريم وطء الحائض نزل بعد هذه الآية، فتكون مبيّنةً لها ومخصّصةً أنها في غير ذوات الحيض.
فلا يجب أن يدخل هذا في الناسخ والمنسوخ.
ولو نسخ إباحة المباشرة لم ينسخ إلاّ بمنع ذلك كلّه، فيعود الأمر إلى منع الوطء في ليل الصّوم. وهذا لا يجوز للنّصّ والإجماع على إباحته.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية الثّامنة والعشرين: قوله تعالى: {ويسألونك عن المحيض قل هو أذىً}.توهّم قومٌ قلّ علمهم أنّ هذه الآية منسوخةٌ، فقالوا: هي تقتضي مجانبة الحائض على الإطلاق كما يفعله اليهود، ثمّ نسخت بالسنة، وهو ما روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم
أنّه أباح الاستمتاع بالحائض إلا النّكاح، وكان صلّى اللّه عليه وسلّم (يستمتع) من الحائض بما دون الإزار. وهذا ظنٌّ منهم فاسدٌ، لأنّه لا خلاف بين الآية والأحاديث.
قال أحمد بن حنبل: المحيض موضع الدّم ويوضّح هذا التّعليل للنّهي بأنّه أذًى فخصّ المنع مكان الأذى ثمّ لو كانت الأحاديث تضادّ الآية قدّمت الآية، لما بيّنّا في أوّل الكتاب من أنّ النّاسخ ينبغي من أن يشابه المنسوخ في قوّته والقرآن أقوى من السنة.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (وأدخلوا في هذا الباب قوله تعالى: {ويسألونك عن المحيض} الآية [البقرة: 222] وقالوا: هي ناسخة لما كان عليه بنو إسرائيل من اجتناب الحائض على كل حال من مؤاكلة ومضاجعة وغير ذلك، فنسخ، فإنا لا نعتزلها إلا في الوطء خاصة، قالوا: وإنما أدخلنا ذلك في باب الناسخ والمنسوخ لقوله عز وجل: {فبهداهم اقتده} الآية [الأنعام: 90] قالوا: فشريعتهم لازمة لنا حتى نؤمر بتركها.
والصحيح أن مثل هذا لا يدخل في الناسخ والمنسوخ؛ لأنه لم ينسخ قرآنا؛ ولأن الحاجة إلى معرفة الناسخ والمنسوخ ألا نظن في منسوخ أنه محكم فنعمل به، وأما إذا لم تكن آية منسوخة تحتاج إلى بيان أنها منسوخة فلا وجه لذكر الناسخ لغير القرآن، ولا فائدة من ذكره، ولا يضرنا أن نجهل ما كان حرم على من كان قبلنا أو أحل لهم حتى يقال: نسخت هذه الاية ما كان عليه من قبلنا..
). [جمال القراء: 1/249-271]'

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين

أم صفية آل حسن 24 جمادى الآخرة 1434هـ/4-05-2013م 04:33 PM

قوله تعالى: {لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍۢ ۖ فَإِن فَآءُو فَإِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌۭ رَّحِيمٌۭ(226)}

قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {للّذين يؤلون من نسائهم تربّص أربعة أشهرٍ}.
قال بعض العلماء: هذه الآية ناسخةٌ لما كانوا عليه، كان الرّجل يؤلي من امرأته السّنة والسنتين وأكثر، ولا تطلق عليه، فنسخ الله ذلك بأربعة أشهر، فإذا رافعته إلى السلطان استوفى له أربعة أشهر. فإن رجع إلى الوطء، وإلاّ طلقت عليه واحدة.
ولا إيلاء على من حلف ألاّ يطأ أقلّ من أربعة أشهر.
ولا تعدّ الأربعة الأشهر إلاّ من وقت ترفعه إلى السلطان إذا كانت يمينه على غير الوطء مما يمنع معه الوطء.
فإن كان يمينه على الوطء بعينه فأجله أربعة أشهر من يوم يمينه إذا رفعته إلى السلطان.
هذا كلّه مذهب مالك، وفيه اختلافٌ ليس هذا موضع ذكره.
وإيجاب النّسخ بهذه الآية لما كانوا عليه مروي عن ابن عباس رضي الله عنه.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (ومن ذلك قولهم: كان الرجل يؤلي من امرأته السنة وأكثر من ذلك، ولا تطلق عليه، فنسخ ذلك بقوله عز وجل: {للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر} الآية [البقرة: 226].). [جمال القراء: 1/249-271]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين

أم صفية آل حسن 24 جمادى الآخرة 1434هـ/4-05-2013م 06:13 PM

قوله تعالى: {وَٱلْمُطَلَّقَٰتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَٰثَةَ قُرُوٓءٍۢ ۚ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ ٱللَّهُ فِىٓ أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْءَاخِرِ ۚ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِى ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوٓا۟ إِصْلَٰحًۭا ۚ وَلَهُنَّ مِثْلُ ٱلَّذِى عَلَيْهِنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌۭ ۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(228)}

قال الوليد بن محمد الموقّري الأموي (ت:182هـ): حدثني محمد بن مسلم بن عبد الله بن شِهَاب الزهري(124هـ) قال: (وقال تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروءٍ ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهم أحق بردهن في ذلك إن أرادوا إصلاحاً}.
وذلك أن الرجل كان إذا طلق زوجته كان أحق بردها إن كان قد طلقها ثلاثاً. فلما أنزل الله عز وجل: {الطلاق مرتان فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ}. فضرب الله حينئذٍ أجلاً لمن مات أو لمن طلق. فقال تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصيةً لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراجٍ}. فنسخها بآية الميراث التي فرض لهن فيها الربع والثمن.
). [الناسخ والمنسوخ للزهري: 18-22]
قال محمد بن كثيرٍ العَبْدي (ت:223هـ) عن همّام بن يحيى البصري قال: (وعن قوله جل وعز: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} فجعل عدة المطلقة ثلاث حيض ثم أنه نسخ منها عدة المطلقة التي طلقت ولم يدخل بها زوجها قال الله عز وجل في سورة الأحزاب : {يا أيها الذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن من قبل أن تمسوهن فما لكم عليهن من عدة تعتدونها فمتعوهن وسرحوهن سراحا جميلا} فهذه ليس عليها عدة إن شاءت تزوجت من يومها
وقد نسخ من الثلاثة قروء اثنان : {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم} فهذه العجوز قد قعدت من الحيض {واللائي لم يحضن} فهذه البكر التي لم تبلغ الحيض فعدتها ثلاثة أشهر وليس الحيض من أمرهما في شيء
ثم نسخ من الثلاثة قروء الحامل فقال : {وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن} فهذه أيضا ليست من القروء في شيء إنما أجلها أن تضع حملها
). [الناسخ والمنسوخ لقتادة: 1/31-38]
قال محمد بن كثيرٍ العَبْدي (ت:223هـ) عن همّام بن يحيى البصري قال: (وعن قوله عز وجل {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} أي في القروء الثلاثة فنسخ منها المطلقة ثلاثا قال الله جل وعز: {فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره} ). [الناسخ والمنسوخ لقتادة: 1/31-38]
قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (الآية العشرون: قوله تعالى: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} [228 مدنية / البقرة / 2] هذه الآية جميعها محكم إلا كلاما في وسطها وهو قوله تعالي: {وبعولتهن أحق بردهن في ذلك} الآية [228 مدنية / البقرة / 2] وناسخها قوله تعالى: {الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان...} الآية [229 مدنية / البقرة / 2]) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (قال جلّ وعزّ: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ} [البقرة: 228] الآية قال أبو جعفرٍ: فممّن جعلها في النّاسخ والمنسوخ الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ، وقتادة إلّا أنّ لفظ ابن عبّاسٍ أن قال: استثنى، ولفظ قتادة نسخ قال:
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/27]
قال اللّه تبارك وتعالى: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ} [البقرة: 228] ثمّ نسخ من الثّلاث الحيّض المطلّقات اللّواتي لم يدخل بهنّ في سورة الأحزاب فقال جلّ ثناؤه: {يا أيّها الّذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثمّ طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ فما لكم عليهنّ من عدّةٍ تعتدّونها} [الأحزاب: 49]، ونسخ الحيض عن أولات الحمل فقال جلّ وعزّ: {وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ} [الطلاق: 4]
قال أبو جعفرٍ: وقال غيرهما من العلماء ليس هذا بنسخٍ ولكنّه تبيينٌ بيّن جلّ وعزّ بهاتين الآيتين أنّه لم يرد بالأقراء الحوامل ولا اللّواتي لم يدخل بهنّ
ثمّ اختلف العلماء في الأقراء فقالوا فيها ثلاثة أقوالٍ
كما حدّثنا أحمد بن محمّدٍ الأزدي، قال حدّثنا محمود بن حسّان، قال حدّثنا عبد الملك بن هشامٍ، قال: حدّثنا أبو زيدٍ الأنصاريّ، قال: سمعت أبا عمرو بن العلاء، يقول: «العرب تسمّي الطّهر قرءًا، وتسمّي الحيض قرءًا،
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/28]
وتسمّي الطّهر مع الحيض جميعًا قرءًا»
وقال الأصمعيّ: «أصل القرء الوقت يقال أقرأت النّجوم إذا طلعت لوقتها»
قال أبو جعفرٍ: فلمّا صحّ في اللّغة أنّ القرء الطّهر، والقرء الحيض وأنّه لهما جميعًا وجب أن يطلب الدّليل على المراد بقوله {ثلاثة قروءٍ} [البقرة: 228] من غير اللّغة إلّا أنّ بعض العلماء يقول: هي الأطهار ويردّه إلى اللّغة من جهة الاشتقاق وسنذكر قوله بعد ذكر ما في ذلك عن الصّحابة والتّابعين وفقهاء الأمصار
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/29]
فممّن قال الأقراء الأطهار عائشة بلا اختلافٍ عنها
كما قرئ على إسحاق بن إبراهيم بن جابرٍ، عن سعيد بن الحكم بن محمّد بن أبي مريم، قال حدّثنا عبد اللّه بن عمر بن حفصٍ، قال أخبرني عبد الرّحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، قالت: «إنّما الأقراء الأطهار»
قال أبو جعفرٍ: وقد رواه الزّهريّ عن عروة وعمرة عن عائشة
وممّن روي عنه الأقراء الأطهار باختلافٍ ابن عمر، وزيد بن ثابتٍ
قال أبو جعفرٍ كما حدّثنا بكر بن سهلٍ، قال حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، قال أخبرنا مالكٌ، عن نافعٍ، عن ابن عمر، أنّه كان يقول: «إذا طلّق الرّجل امرأته فرأت الدّم من الحيضة الثّالثة فقد برئت منه وبرئ منها ولا ترثه ولا يرثها»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/30]
وإنّما وقع الخلاف فيه عن ابن عمر
لأنّ بكر بن سهلٍ حدّثنا، قال حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، قال: أخبرنا مالكٌ، عن نافعٍ، عن عبد اللّه بن عمر، أنّه كان يقول: «إذا طلّق العبد امرأته اثنتين حرّمت عليه حتّى تنكح زوجًا غيره حرّةً كانت أو أمةً، وعدّة الأمة حيضتان وعدّة الحرّة ثلاث حيضٍ»
قال أبو جعفرٍ: والحديثان جميعًا في الموطّأ، فأمّا حديث زيدٍ ففيه روايتان
إحداهما من حديث الزّهريّ، عن قبيصة بن ذؤيبٍ، عن زيد بن ثابتٍ، قال «عدّة الأمة حيضتان، وعدّة الحرّة ثلاث حيضٍ»
والمخالف له
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/31]
ما حدّثنا إبراهيم بن شريكٍ، قال: حدّثنا أحمد يعني ابن عبد اللّه بن يونس، قال حدّثنا ليثٌ، عن نافعٍ، أنّ سليمان بن يسارٍ، حدّثه " أنّ الأحوص وهو ابن حكيمٍ طلّق امرأته بالشّام فهلك وهي في آخر حيضتها يعني الثّالثة فكتب معاوية إلى زيد بن ثابتٍ يسأله فكتب إليه لا ترثه ولا يرثها وقد برئت منه وبرئ منها، قال نافعٌ: فقال عبد اللّه بن عمر مثل ذلك "
وقرئ على بكر بن سهلٍ، عن سعيد بن منصورٍ، قال: حدّثنا سفيان بن عيينة، عن الزّهريّ، عن عمرة، عن عائشة، وعن سليمان بن يسارٍ، عن
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/32]
زيد بن ثابتٍ، قالا «يبينها من زوجها إذا طعنت في الحيضة الثّالثة»
قال أبو جعفرٍ: فهؤلاء الصّحابة الّذين روي عنهم أنّ الأقراء الأطهار وهم ثلاثةٌ
فأمّا التّابعون وفقهاء الأمصار ففيهم القاسم، وسالم، وسليمان بن يسارٍ، وأبو بكر بن عبد الرّحمن، وأبان بن عثمان، ومالك بن أنسٍ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/33]
والشّافعيّ، وأبو ثورٍ
وأمّا الّذين قالوا الأقراء الحيض فأحد عشر من أصحاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم بلا اختلافٍ عنهم وزيادة اثنين باختلافٍ
كما قرئ على أحمد بن محمّد بن الحجّاج، عن يحيى بن سليمان، قال: وحدّثنا خالد بن إسماعيل، ووكيع بن الجرّاح، قالا: حدّثنا عيسى بن أبي عيسى، عن الشّعبيّ، قال أحد عشر من أصحاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أو اثنا عشر الخير فالخير منهم عمر وزاد وكيعٌ وأبو بكرٍ قالا وعليٌّ، وابن مسعودٍ وابن عبّاسٍ: «إذا طلّق الرّجل امرأته تطليقةً أو تطليقتين فله عليها الرّجعة ما لم تغتسل من القرء الثّالث وقال وكيعٌ في حديثه ما لم تغتسل من حيضتها الثّالثة»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/34]
قال أبو جعفرٍ: «الأحد عشر أبو بكرٍ، وعمر، وعثمان، وعليٌّ وابن عبّاسٍ وابن مسعودٍ، ومعاذٌ وعبادة وأبو الدّرداء، وأبو موسى وأنسٌ والاثنان بالاختلاف ابن عمر، وزيدٌ»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/35]
قرئ على بكر بن سهلٍ، عن سعيد بن منصورٍ، قال حدّثنا سفيان بن عيينة، عن الزّهريّ، عن سعيد بن المسيّب، في الرّجل يطلّق امرأته تطليقةً أو تطليقتين قال: قال عليٌّ: «هو أحقّ برجعتها ما لم تغتسل من الحيضة الثّالثة»
قال سفيان، حدّثنا منصورٌ، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عمر، وابن مسعودٍ أنّهما قالا: «هو أحقّ بها ما لم تغتسل»
قال سفيان: وحدّثنا أيّوب، عن الحسن عن أبي موسى الأشعريّ،: مثل ذلك
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/36]
ومن التّابعين وفقهاء الأمصار سعيد بن المسيّب، وسعيد بن جبيرٍ، وطاووسٌ، وعطاءٌ والضّحّاك ومحمّد بن سيرين، والشّعبيّ، والحسن، وقتادة، والأوزاعيّ، والثّوريّ، وأبو حنيفة وأصحابه،
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/37]
وإسحاق، وأبو عبيدٍ
وحكى الأثرم عن أحمد بن حنبلٍ أنّه كان يقول الأقراء الأطهار ثمّ وقف فقال: وكان الأكابر من أصحاب محمّدٍ صلّى الله عليه وسلّم يقولون غير هذا
قال أبو جعفرٍ: فهذا ما جاء عن العلماء بالرّوايات ونذكر ما في ذلك من النّظر واللّغة من احتجاجاتهم إذ كان الخلاف قد وقع، فمن أحسن ما احتجّ به من قال الأقراء الأطهار قوله جلّ وعزّ: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ} [البقرة: 228] فأخبر جلّ وعزّ أنّ القروء هي العدد، والعدد عقيبة الطّلاق
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/38]
وإنّما يكون الطّلاق في الطّهر فلو كانت الأقراء هي الحيّض كان بين الطّلاق والعدّة فصلٌ واحتجّوا بالحديث
حدّثنا بكر بن سهلٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، قال: أخبرنا مالكٌ، عن نافعٍ، عن ابن عمر " أنّه طلّق امرأته وهي حائضٌ فسأل عمر بن الخطّاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فقال: «مره فليراجعها ثمّ ليمسكها حتّى تطهر ثمّ تحيض ثمّ تطهر ثمّ إن شاء أمسك بعد وإن شاء طلّق قبل أن يمسّ فتلك العدّة الّتي أمر اللّه جلّ وعزّ أن يطلّق لها النّساء» قال المحتجّ فتلك إشارةٌ إلى الطّهر
وفي حديث أبي الزّبير، عن ابن عمر، وتلا رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: فطلّقوهنّ في قبل عدّتهنّ قال: «فقبل عدّتهنّ هو الطّهر»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/39]
قال أبو جعفرٍ: ومخالفه يحتجّ عليه بالحديث بعينه وسيأتي ذلك
واحتجّ بعضهم بأنّه من قريت الماء أي حبسته فكذا القرء: احتباس الحيض وهذا غلطٌ بيّنٌ لأنّ قريت الماء غير مهموزٍ وهذا مهموزٌ فاللّغة تمنع أخذ هذا من هذا
واحتجّ بعضهم بأنّ الآية ثلاثة قروءٍ بالهاء فوجب أن تكون للطّهر لأنّ الطّهر مذكّرٌ وعدد المذكّر يدخل فيه الهاء ولو كان للحيضة لقيل ثلاثٌ
قال أبو جعفرٍ: وهذا غلطٌ في العربيّة لأنّ الشّيء يكون له اسمان مذكّرٌ ومؤنّثٌ فإذا جئت بالمؤنّث أنّثته وإذا جئت بالمذكّر ذكّرته كما تقول رأيت ثلاث أدؤرٍ ورأيت ثلاثة منازل لأنّ الدّار مؤنّثةٌ والمنزل مذكّرٌ والمعنى واحدٌ
وأمّا احتجاج الّذين قالوا الأقراء الحيض فبشيءٍ من القرآن ومن الإجماع ومن السّنّة ومن القياس قالوا قال اللّه جلّ وعزّ {واللّائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدّتهنّ ثلاثة أشهرٍ} [الطلاق: 4] فجعل الميئوس منه الحيض فدلّ على أنّه هو العدّة وجعل العوض منه الأشهر إذا كان معدومًا
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/40]
وقال اللّه جلّ وعزّ: {فطلّقوهنّ لعدّتهنّ} [الطلاق: 1] وبيّن رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم أنّ معنى {فطلّقوهنّ لعدّتهنّ} [الطلاق: 1] أن يطلّق في طهرٍ لم يجامع فيه ولا تخلو لعدّتهنّ من أن يكون معناه ليعتددن في المستقبل أو يكون للحال أو للماضي، ومحالٌ أن تكون العدّة قبل الطّلاق أو أن يطلّقها في حال عدّتها فوجب أن تكون للمستقبل
قال أبو جعفرٍ: والطّهر كلّه جائزٌ أن يطلّق فيه وليس بعد الطّهر إلّا الحيض
وقال جلّ وعزّ: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ} [البقرة: 228] قالوا: فإذا طلّقها في الطّهر ثمّ احتسبت به قرءًا فلم تعتدّ إلّا قرئين وشيئًا وليس هكذا نصّ القرآن وقد احتجّ محتجٌّ في هذا فقال: التّثنية جمعٌ واحتجّ بقوله جلّ وعزّ: {الحجّ أشهرٌ معلوماتٌ} [البقرة: 197] وإنّما ذلك شهران وأيّامٌ فهذا الاحتجاج غلطٌ لأنّه لم يقل جلّ وعزّ ثلاثة أشهرٍ فيكون مثل ثلاثة قروءٍ وإنّما هذا مثل قوله جلّ وعزّ: {يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا} [البقرة: 234] فلا
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/41]
يجوز أن يكون أقلّ منها وكذا فصيام ثلاثة أيّامٍ في الحجّ وسبعةٍ إذا رجعتم
فأمّا من السّنّة:
فحدّثنا الحسن بن غليبٍ، قال: حدّثنا يحيى بن عبد اللّه، قال أخبرني اللّيث، عن يزيد بن أبي حبيبٍ، عن بكير بن عبد اللّه بن الأشجّ، عن المنذر بن المغيرة، عن عروة بن الزّبير، أنّ فاطمة ابنة أبي حبيشٍ أخبرته أنّها، أتت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فشكت إليه الدّم فقال: «إنّما ذلك عرقٌ فانظري إذا أتاك قرؤك فلا تصلّي وإذا مرّ القرء فتطهّري ثمّ صلّي من القرء إلى القرء»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/42]
وهذا لفظ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم سمّى الحيض قرءًا في أربعة مواضع
وأمّا الإجماع: فأجمع المسلمون على الاستبراء بحيضةٍ
وقال عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه بحضرة أصحاب رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم عدّة الأمة حيضتان نصف عدّة الحرّة ولو قدرت على أن أجعلها حيضةً ونصفًا لفعلت وهذا يدخل في باب الإجماع لأنّه لم ينكره عليه أحدٌ من الصّحابة
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/43]
وقالوا قد أجمع العلماء على أنّ المطلّقة ثلاثًا إذا ولدت فقد خرجت من العدّة لا اختلاف في ذلك وإنّما اختلفوا في المتوفّى عنها زوجها قالوا فالقياس أن يكون الحيض بمنزلة الولد؛ لأنّهما جميعًا يخرجان من الجوف وفي سياق الآية أيضًا دليلٌ، قال اللّه جلّ وعزّ: {ولا يحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق اللّه في أرحامهنّ} [البقرة: 228] فللعلماء في هذا قولان:
قال ابن عبّاسٍ «الحبل»
وقال الزّهريّ «الحيض»، وليس ثمّ دليلٌ يدلّ على اختصاص أحدهما فوجب أن يكون لهما جميعًا، وإنّما حظر عليها كتمان الحيض والحبل لأنّ زوجها إذا طلّقها طلاقًا يملك معه الرّجعة كان له أن يراجعها من غير أمرها ما لم تنقض عدّتها فإذا كرهته قالت قد حضت الحيضة الثّالثة أو قد ولدت لئلّا يراجعها فنهيت عن ذلك
قال جلّ وعزّ: {وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك} [البقرة: 228]
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/44]
حدّثنا أحمد بن محمّد بن نافعٍ، قال حدّثنا سلمة، قال حدّثنا عبد الرّزّاق، قال أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، {وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك} [البقرة: 228] قال: «هو أحقّ بردّها في العدّة»
قال أبو جعفرٍ: التّقدير في العربيّة في ذلك الأجل وأمّا {ولهنّ مثل الّذي عليهنّ بالمعروف} [البقرة: 228]
فقال فيه ابن زيدٍ «عليه أيضًا أن يتّقي اللّه فيها» وأمّا {وللرّجال عليهنّ درجةٌ} [البقرة: 228] ففيه أقوالٌ: فقال ابن زيدٍ: «عليها أن تطيعه وليس عليه أن يطيعها» قال الشّعبيّ: «إذا قذفها لاعن ولم يحدّ وإذا قذفته حدّت» ومن أحسن ما قيل فيه ما رواه عكرمة عن ابن عبّاسٍ قال: «ما أريد أن أستنظف حقوقي على زوجتي»
قال أبو جعفرٍ: ومعنى هذا أنّ اللّه تبارك وتعالى ندب الرّجال إلى أن يتفضّلوا على نسائهم وأن تكون لهم عليهنّ درجةٌ في العفو والتّفضل
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/45]
والاحتمال؛ لأنّ معنى: درجةٌ في اللّغة زيادةٌ وارتفاعٌ
قال أبو العالية: «واللّه عزيزٌ في انتقامه حكيمٌ في تدبيره» قال أبو جعفرٍ: وهذا قولٌ حسنٌ أي عزيزٌ في انتقامه ممّن خالف أمره وحدوده في أمر الطّلاق والعدّة حكيمٌ فيما دبّر لخلقه
واختلف العلماء في الآية الّتي تلي هذه فمنهم من جعلها ناسخةً ومنهم من جعلها منسوخةً ومنهم من جعلها محكمةً وهي الآية الثّالثة والعشرون
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/46]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (
الآية الثّالثة والعشرون قوله تعالى {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروء} الآية أجمع النّاس على إحكام أولها وآخرها إلّا كلمات في وسطها وذلك أن الله تعالى جعل عدّة المطلقة ثلاثة قروء إذا كانت ممّن تحيض وإن كانت آيسة فثلاثة أشهر وإن كانت ممّن لم تحض فمثل ذلك والحوامل وضع حملهنّ فجميع ذلك محكم وهو أي المنسوخ من الآية قوله تعالى {وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك} وذلك أن الرجل كان يطلق المرأة وهي حامل وكان يخيّر في مراجعها ما لم تضع نزلت في رجل من غفار أو من أشجع يعرف بإسماعيل بن عبد الله جنى على امرأته فطلقها وهي حامل ثمّ لم يطلّ حكمها كما طال في حكم المنسوخ فكان أحق برجعتها ما لم تضع يقال أنه لم تضع امرأته حتّى نسخت وناسخها الآية
الّتي تلتها وبعض الثّالثة وهي قوله تعالى {الطلاق مرّتان} فإن قال قائل فأين الثّالثة قيل هي قوله تعالى {فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ} يروى ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال آخرون بل نسخها الله تعالى بالآية الّتي تليها وهي قوله تعالى {فإن طلّقها فلا تحلّ له من بعد حتّى تنكح زوجاً غيره}
). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية التّاسعة والعشرين: قوله تعالى: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ}.
قد ذهب جماعةٌ من القدماء إلى أنّ في هذه الآية منسوخًا ثمّ اختلفوا في المنسوخ منها على قولين:
أحدهما: أنّه قوله: {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ}.
قالوا: فكان يجب على كلّ مطلّقةٍ أن تعتدّ ثلاثة قروءٍ فنسخ من ذلك حكم الحامل بقوله: {وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ}. ونسخ
حكم (الآيسة) والصّغيرة من ذلك بقوله: {واللاّئي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدّتهنّ ثلاثة أشهرٍ واللاّئي لم يحضن} ونسخ حكم المطلّقة قبل الدّخول بقوله: {إذا نكحتم المؤمنات ثمّ طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ فما لكم عليهنّ من عدّةٍ تعتدّونها}.
وهذا مرويٌّ عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما وقتادة إلا أنّ ابن عبّاسٍ استثنى ولفظ قتادة [نسخ].
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا أبو الفضل البقّال، قال: أبنا أبو الحسين بن بشران، قال: أبنا إسحاق الكاذيّ، قال: بنا عبد اللّه بن أحمد، قال: حدثني أبي، قال: بنا عبد الوهّاب عن سعيدٍ عن قتادة، {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ} قال: فجعل عدّة المطلّقة ثلاث حيضٍ، ثمّ نسخ منها الّتي لم يدخل بها فقال: {إذا نكحتم المؤمنات ثمّ طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ فما لكم عليهنّ من عدّةٍ تعتدّونها} فهذه ليس لها عدّةٌ، وقد نسخ من الثّلاثة قروءٍ، امرأتان، فقال: {واللاّئي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم} فهذه العجوز الّتي لا تحيض عدّتها ثلاثة أشهرٍ، ونسخ من الثّلاثة قروءٍ الحامل فقال: {وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ}.
والقول الثّاني: أنّ أوّل الآية محكمٌ وإنّما المنسوخ منها قوله: {وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ}.
قالوا: فكان الرّجل إذا طلّق ارتجع،، سواءً كان الطلاق ثلاثًا أو دون ذلك فنسخ هذا بقوله {فإن طلّقها فلا تحلّ له من بعد حتّى تنكح زوجاً غيره}.
واعلم: أنّ القول الصّحيح المعتمد عليه أنّ هذه الآية كلّها محكمةٌ، لأنّ أوّلها عامٌّ في المطلّقات، وما ورد في الحامل والآيسة والصّغيرة فهو مخصوصٌ من جملة العموم وليس على سبيل النسخ. وأما الارتجاع فإن الرجعية زوجة، ولهذا قال: {وبعولتهنّ} ثمّ بيّن الطّلاق الّذي يجوز منه الرّجعة، فقال: {الطّلاق مرّتان} إلى قوله {فإن طلّقها} يعني: الثلاثة {فلا تحلّ له من بعد حتّى تنكح زوجاً غيره
}.). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (التاسعة عشرة: {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ} هذا اللفظ عام خص منه أهل الكتاب والتخصيص ليس بنسخ وقد غلط من سماه نسخا. وكذلك العشرون وذلك قوله {والمطلّقات يتربّصن بأنفسهنّ ثلاثة قروءٍ} عام خص منه الحامل والآيس والصغير لا على وجه النسخ0.). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 14-21]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (وقوله عز وجل: {والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء} الآية [البقرة: 228] قالوا: هي عامة في كل مطلقة، فنسخ منها غير المدخول بها والتي يئست من المحيض والحامل، قال ذلك قتادة، وليس كما ذكروا، وإنما أريد بالمطلقات المدخول بهن اللواتي يحضن، الخاليات عن الحمل، يدلك على ذلك قوله عز وجل: {ثلاثة قروء}.). [جمال القراء: 1/249-271]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين

أم صفية آل حسن 24 جمادى الآخرة 1434هـ/4-05-2013م 09:30 PM

قوله تعالى: {ٱلطَّلَٰقُ مَرَّتَانِ ۖ فَإِمْسَاكٌۢ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌۢ بِإِحْسَٰنٍۢ ۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا۟ مِمَّآ ءَاتَيْتُمُوهُنَّ شَيْـًٔا إِلَّآ أَن يَخَافَآ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ ۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ ٱللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا ٱفْتَدَتْ بِهِۦ ۗ تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا ۚ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ ٱللَّهِ فَأُو۟لَٰٓئِكَ هُمُ ٱلظَّٰلِمُونَ(229)}


قال الوليد بن محمد الموقّري الأموي (ت:182هـ): حدثني محمد بن مسلم بن عبد الله بن شِهَاب الزهري(124هـ) قال: (
وقال الله عز وجل: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به}. *). [الناسخ والمنسوخ للزهري: 18-22]
قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (الآية الحادية والعشرون: قوله تعالى في آية الخلع: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا} [229 مدنية / البقرة / 2] ثم نسخها بالاستثناء وهو قوله تعالى: {إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله} [229 مدنية / البقرة / 2].) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (قال اللّه جلّ وعزّ {الطّلاق مرّتان} [البقرة: 229] الآية
فمن العلماء من يقول هي ناسخةٌ لما كانوا عليه لأنّهم كانوا في الجاهليّة مدّةٍ، وفي أوّل الإسلام برهةً يطلّق الرّجل امرأته ما شاء من الطّلاق فإذا كادت تحلّ من طلاقها راجعها ما شاء فنسخ اللّه ذلك بأنّه إذا طلّقها ثلاثًا لم تحلّ له حتّى تنكح زوجًا غيره وإذا طلّقها واحدةً أو اثنتين كانت له مراجعتها ما دامت في العدّة، فقال جلّ وعزّ: {الطّلاق مرّتان} [البقرة: 229] أي الطّلاق الّذي تملك معه الرّجعة وهذا معنى قول عروة
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/47]
وحدّثنا أبو جعفرٍ قال: قرئ على عبد اللّه بن أحمد بن عبد السّلام، عن أبي الأزهر، قال حدّثنا روح بن عبادة، عن سعيدٍ، عن قتادة، في قوله جلّ وعزّ {الطّلاق مرّتان} [البقرة: 229] قال: «فنسخ هذا ما كان قبله فجعل اللّه جلّ وعزّ حدّ الطّلاق ثلاثًا وجعل له الرّجعة ما لم يطلّق ثلاثًا» فهذا قولٌ
والقول الثّاني: إنّها منسوخةٌ بقوله جلّ وعزّ: {فطلّقوهنّ لعدّتهنّ} [الطلاق: 1]
والقول الثّالث: إنّها محكمةٌ وافترق قول من قال إنّها محكمةٌ على ثلاث جهاتٍ:
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/48]
فمنهم من قال لا ينبغي للرّجال إذا أراد أن يطلّق امرأته أن يطلّقها إلّا اثنتين لقول اللّه تبارك وتعالى {الطّلاق مرّتان} [البقرة: 229] ثمّ إن شاء طلّق الثّالثة بعد وهذا قول عكرمة
والقول الثّاني: أنّه يطلّقها في طهرٍ لم يجامعها فيه إن شاء واحدةً وإن شاء اثنتين وإن شاء ثلاثًا وهذا قول الشّافعيّ
والقول الثّالث: الّذي عليه أكثر العلماء أن يطلّقها في كلّ طهرٍ طلقةً واحدةً ويحتجّ لصاحب هذا القول:
بقول رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم لعمر «مره فليراجعها
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/49]
ثمّ ليمسكها حتّى تطهر ثمّ تحيض ثمّ تطهر ثمّ إن شاء أمسك وإن شاء طلّق قبل أن يجامع»
قال أبو جعفرٍ: وقد ذكرناه بإسناده وكانت السّنّة أن يكون بين كلّ طلقتين حيضةٌ فلو طلّق رجلٌ امرأته وهي حائضٌ ثمّ راجعها ثمّ طلّقها في الطّهر الّذي يلي الحيضة وقعت تطليقتان بينهما حيضةٌ واحدةٌ، وهذا خلاف السّنّة فلهذا أمر أن يراجعها ثمّ يمسكها حتّى تطهر ثمّ تحيض ثمّ تطهر
ومن الحجّة أيضًا {الطّلاق مرّتان} [البقرة: 229] لأنّ مرّتين يدلّ على التّفريق كذا هو في اللّغة قال سيبويه: وقد تقول سير عليه مرّتين تجعله للدّهر أي ظرفًا فسيبويه يجعل مرّتين ظرفًا فالتّقدير أوقات الطّلاق مرّتان
وحدّثنا أحمد بن محمّد بن نافعٍ، قال حدّثنا سلمة، قال حدّثنا عبد الرّزّاق، قال أخبرنا سفيان الثّوريّ، قال أخبرني إسماعيل بن سميعٍ، عن أبي رزينٍ، أنّ رجلًا، قال يا رسول اللّه أسمع اللّه تبارك وتعالى يقول {الطّلاق مرّتان} [البقرة: 229] فأين الثّالثة؟ قال: «التّسريح بإحسانٍ»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/50]
قال أبو جعفرٍ: وفي هذه الآية ما قد اختلف فيه اختلافٌ كثيرٌ وجعله بعضهم في المنسوخ بعد الاتّفاق على أنّه في مخالفة الرّجل امرأته قال جلّ وعزّ: {ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئًا إلّا أن يخافا ألّا يقيما حدود اللّه} [البقرة: 229] إلى آخر الآية
قال عقبة بن أبي الصّهباء سألت بكر بن عبد اللّه المزنيّ عن الرّجل تريد امرأته أن تخالعه، فقال: " لا يحلّ له أن يأخذ منها شيئًا قلت فأين قول اللّه عزّ وجلّ في كتابه {فإن خفتم أن لا يقيما حدود اللّه فلا جناح عليهما فيما افتدت به} قال نسخت، قلت: فأين جعلت؟ قال في سورة النّساء {وإن أردتم استبدال زوجٍ مكان زوجٍ وآتيتم إحداهنّ قنطارًا فلا تأخذوا منه شيئًا أتأخذونه بهتانًا وإثمًا مبينًا} [النساء: 20] والآية الأخرى "
قال أبو جعفرٍ: وهذا قولٌ شاذٌّ خارجٌ عن الإجماع وليس إحدى الآيتين رافعةً للأخرى فيقع النّسخ لأنّ قوله جلّ وعزّ {فإن خفتم أن لا يقيما حدود اللّه فلا جناح عليهما فيما افتدت به} ليس بمزالٍ بتلك لأنّهما إذا خافا هذا لم يدخل الزّوج في {وإن أردتم استبدال زوجٍ مكان زوجٍ} [النساء: 20] لأنّ هذا للرّجال خاصّةً
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/51]
ومن الشّذوذ في هذا ما روي عن سعيد بن جبيرٍ، ومحمّد بن سيرين، والحسن أنّهم قالوا: لا يجوز الخلع إلّا بأمر السّلطان
قال شعبة قلت لقتادة عمّن أخذ الحسن الخلع إلى السّلطان قال عن زيادٍ
قال أبو جعفرٍ: وهو صحيحٌ معروفٌ عن زيادٍ ولا معنى لهذا القول لأنّ الرّجل إذا خالع امرأته فإنّما هو على ما يتراضيان به ولا يجوز أن يجبره السّلطان على ذلك فلا معنى لقول من قال: هو إلى السّلطان ومع هذا فقول الصّحابة وأكثر التّابعين إنّ الخلع جائزٌ من غير إذن السّلطان فممّن قال ذلك عمر، وعثمان، وابن عمر
كما حدّثنا محمّد بن زيّان، قال حدّثنا محمّد بن رمحٍ، قال أخبرني اللّيث، عن نافعٍ، أنّه سمع الرّبيّع ابنة معوّذ بن عفراء، تخبر عبد اللّه بن عمر أنّها اختلعت من زوجها في عهد عثمان فجاء عمّها معاذ بن عفراء إلى عثمان فقال إنّ ابنة
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/52]
معوّذٍ اختلعت من زوجها أفتنتقل؟ فقال عثمان: «لتنتقل ولا ميراث بينهما ولا عدّة عليها ولكن لا تنكح حتّى تحيض حيضةً خشية أن يكون بها حملٌ» فقال ابن عمر: عثمان خيرنا وأعلمنا
وفي حديث أيّوب، وعبيد اللّه، عن نافعٍ، عن ابن عمر، عن عثمان، «ولا نفقة لها»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/53]
وفي هذا الحديث أحكامٌ وعلومٌ فمنها أنّ عثمان رحمه اللّه أجاز الخلع على خلاف ما قال بكر بن عبد اللّه وأجازه من غير إذن السّلطان على خلاف ما قال زيادٌ وجعله طلاقًا على خلاف ما يروى عن ابن عبّاسٍ وأجازه بالمال ولم يسأل أهو أكثر من صداقها أم أقلّ على خلاف ما يقول أبو حنيفة وأصحابه: إنّ الخلع لا يجوز بأكثر ممّا ساق إليها من الصّداق وأجاز
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/54]
للمختلعة أن تنتقل وجعلها خلاف المطلّقة ولم يجعل عليها عدّةً كالمطلّقة
وقال بهذا القول إسحاق بن راهويه قال: وليس على المختلعة عدّةٌ وإنّما عليها الاستبراء بحيضةٍ وهو قول ابن عبّاسٍ بلا اختلافٍ وعن ابن عمر فيه اختلافٌ فلمّا جاء عن ثلاثةٍ من الصّحابة لم يقل بغيره ولا سيّما ولم يصحّ عن أحدٍ من الصّحابة خلافه فأمّا عن غيرهم فكثيرٌ
قال جماعةٌ من العلماء عدّة المختلعة عدّة المطلّقة منهم سعيد بن المسيّب، وسليمان بن يسارٍ، وسالم بن عبد اللّه، وعروة بن الزّبير، وعمر بن
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/55]
عبد العزيز والزّهريّ، والحسن، وإبراهيم النّخعيّ، وسفيان الثّوريّ، والأوزاعيّ، ومالكٌ، وأبو حنيفة وأصحابه والشّافعيّ، وأحمد بن حنبلٍ
وفي حديث عثمان أنّه أوجب أنّ المختلعة أملك بنفسها لا تتزوّج إلّا برضاها وإن كانت لم تطلّق إلّا واحدةً، وفيه أنّها لا نفقة لها ولا سكنى وأنّهما
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/56]
لا يتوارثان، وإن كان إنّما طلّقها واحدةٍ وفيه أنّها لا تنكح حتّى تحيض حيضةً وفيه أنّ عبد اللّه بن عمر خبّر أنّ عثمان خيرٌ وأعلم من كلّ من ولّي عليه
وأمّا حديث ابن عبّاسٍ فحدّثناه، أحمد بن محمّدٍ الأزدي، قال حدّثنا محمّد بن خزيمة، قال حدّثنا حجّاجٌ، قال حدّثنا أبو عوانة، عن ليثٍ، عن طاوسٍ: أنّ ابن عبّاسٍ، «جمع بين رجلٍ وامرأته بعد أن طلّقها تطليقتين وخالعها»
وهذا قولٌ شاذٌّ خارجٌ عن الإجماع والمعقول وذلك أنّه إذا قال لامرأته: أنت طالقٌ إذا كان كذا فوقعت الصّفة طلّقت بإجماعٍ فكيف يكون إذا أخذ منها
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/57]
شيئًا وطلّق بصفةٍ لم يقع الطّلاق فهذا محالٌ في المعقول، وطاوسٌ وإن كان رجلًا صالحًا فعنده عن ابن عبّاسٍ مناكير يخالف عليها ولا يقبلها أهل العلم منها أنّه:
روي عن ابن عبّاسٍ، أنّه قال في رجلٍ قال لامرأته أنت طالقٌ ثلاثًا إنّما يلزمه واحدةٌ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/58]
ولا يعرف هذا عن ابن عبّاسٍ إلّا من روايته والصّحيح عنه وعن عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنهما أنّها ثلاثٌ كما قال اللّه جلّ وعزّ {فإن
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/58]
طلّقها فلا تحلّ له من بعد} [البقرة: 230] أي الثّالثة
فأمّا العلّة الّتي رويت عن ابن عبّاسٍ في المختلعة فإنّه روي عنه أنّه قال:
وقع الخلع بين طلاقين، قال جلّ وعزّ: {الطّلاق مرّتان} [البقرة: 229] ثمّ ذكر المختلعة فقال جلّ وعزّ: {فإن طلّقها} [البقرة: 230]
قال أبو جعفرٍ: الّذي عليه أهل العلم أنّ قوله جلّ وعزّ {الطّلاق مرّتان فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسانٍ} [البقرة: 229] كلامٌ قائمٌ بنفسه ثمّ قال جلّ وعزّ ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئًا فكان هذا حكمًا مستأنفًا ثمّ قال جلّ وعزّ: {فإن طلّقها} [البقرة: 230] فرجع إلى الأوّل ولو كان على ما روي عن ابن عبّاسٍ لم تكن المختلعة إلّا من طلّقت تطليقتين فهذا ما لا يقول به أحدٌ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/60]
ومثل هذا في التّقديم والتّأخير {وامسحوا برءوسكم وأرجلكم}
قال أبو جعفرٍ: وهذا بيّنٌ في النّحو
وفي الآية من اللّغة وقد ذكره مالكٌ رحمه اللّه نصًّا فقال المختلعة الّتي اختلعت من كلّ مالها والمفتدية الّتي افتدت ببعض مالها والمبارئة الّتي بارأت زوجها من قبل أن يدخل بها، فقالت: قد أبرأتك فبارئني قال: وكلّ هذا سواءٌ وهذا صحيحٌ في اللّغة وقد يدخل بعضه في بعضٍ فيقال مختلعةٌ وإن دفعت بعض مالها فيكون تقديره أنّها اختلعت نفسها من زوجها وكذا المفتدية وإن افتدت بكلّ ما لها
فأمّا قول من قال لا يجوز أن تختلع بأكثر ممّا ساق إليها من الصّداق فشيءٌ لا توجبه الآية لأنّ اللّه تبارك وتعالى قال: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به} [البقرة: 229] وليس في التّلاوة {فيما افتدت به} [البقرة: 229] من ذلك ولا منه فيصحّ ما قالوا
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/61]
على أنّ سعيد بن المسيّب يروى عنه أنّه قال «لا يجوز الخلع إلّا بأقلّ من الصّداق»
وقال ميمون بن مهران «من أخذ الصّداق كلّه فلم يسرّح بإحسانٍ» وقد أدخلت الآية الرّابعة والعشرون في النّاسخ والمنسوخ قال ذلك مالك بن أنسٍ رحمه اللّه
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/62]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {الطّلاق مرّتان} الآية:
هذا ناسخ لقوله: {وبعولتهنّ أحقّ بردّهنّ في ذلك} [البقرة: 228] يعني: في العدّة، أو هي حامل.
قال ابن أبي أويس: كان الرّجل في أوّل الإسلام يطلّق زوجته ثلاثًا، وهي حبلى، وهو أحقّ برجعتها ما دامت في العدّة، فنسخ الله ذلك بقوله: {الطّلاق مرّتان فإمساكٌ بمعروفٍ أو تسريحٌ بإحسان}.
وقال جماعةٌ من أهل المعاني: هذه الآية ناسخةٌ لما كانوا عليه في الجاهلية وفي أوّل الإسلام، كان الرّجل يطلّق امرأته ما شاء من الطلاق، واحدةً بعد واحدة، فإذا كادت تحلّ من العدّة راجعها ما شاء، فنسخ ذلك من فعلهم بهذه الآية. والمعنى: آخر عدد الطلاق الذي يملك معه الرّجعة تطليقتان.
وقد كان يجب ألاّ تذكر هذه الآية في الناسخ والمنسوخ على هذا القول؛ لأنها لم تنسخ قرآنًا. ويلزم ذكرها على القول الأول.
وقد قيل: إنها منسوخةٌ بقوله: {فطلّقوهنّ لعدّتهنّ} [الطلاق: 1].
قال أبو محمد: وهذا قول بعيدٌ، بل الآيتان محكمتان في معنيين مختلفين، لا ينسخ أحدهما الآخر آية البقرة ذكر الله فيها بيان عدد الطّلاق، وآية الطّلاق ذكر الله فيها بيان وقت بالطّلاق. فهما حكمان مختلفان معمولٌ بهما، لا ينسخ أحدهما الآخر لتباين معنييهما.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئًا إلاّ أن يخافا ألاّ يقيما حدود الله} [البقرة: 229] الآية:
أدخل أبو عبيد هذه الآية في الناسخ والمنسوخ. وليست منه إنما هو استثناءٌ بحرف الاستثناء.
وقد قيل: إنه منسوخٌ بقوله: {فإن طبن لكم عن شيءٍ منه نفسًا فكلوه} [النساء: 4] الآية.
والأولى والأحسن: أن تكون الآيتان محكمتين في حكمين مختلفين، لا ينسخ أحدهما الآخر:
آية البقرة في منع ما يأخذ الزّوج من زوجته على الإكراه والمضارّة بها.
وآية النساء في جواز ما يأخذ منها على التطوّع وطيب النفس من غير مضارّة منه لها.
فهما حكمان مختلفان.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية الثّلاثين: قوله تعالى: {الطّلاق مرّتان}.
قد زعم قومٌ: أنّ هذه الآية نسخت ما كانوا عليه، من أنّ أحدهم كان يطلّق ما شاء.
أخبرنا ابن ناصرٍ، قال: بنا عليّ بن أيّوب، قال: أبنا ابن شاذان، قال: بنا أبو بكر النجاد، قال: بنا أبو داود السجستاني، قال: بنا أحمد بن محمّد، قال: بنا عليّ بن الحسين عن أبيه عن (يزيد) النّحويّ عن عكرمة عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما قال: كان الرّجل إذا طلّق امرأته، فهو أحقّ برجعتها وإن طلّقها ثلاثًا فنسخ اللّه ذلك، فقال: {الطّلاق مرّتان} الآية.
وروى سعيدٍ عن قتادة في قوله تعالى: {الطّلاق مرّتان} قال: فنسخ هذا ما كان قبله وجعل اللّه حدّ الطّلاق ثلاثاً.
قلت: وهذا يجوز في الكلام يريدون به تغيير تلك الحال وإلا فالتّحقيق أنّ هذا لا يقال فيه ناسخٌ ولا منسوخٌ وإنّما هو ابتداء شرعٍ وإبطالٌ لحكم العادة.
وزعم آخرون: أنّ هذه الآية لمّا اقتضت إباحة الطّلاق على الإطلاق من غير تعيين زمانٍ، نزل قوله: {فطلّقوهنّ لعدّتهنّ} أي: من قبل عدّتهنّ وذلك أن تطلّق المرأة في زمان طهرها لتستقبل الاعتداد بالحيض.
وهذا قول من لا يفهم النّاسخ والمنسوخ، وإنّما أطلق الطّلاق في هذه الآية وبيّن في الأخرى كيف ينبغي أن يوقع. ثمّ إنّ الطّلاق واقعٌ، وإن طلّقها في زمان الحيض، فعلم أنّه تعليم أدبٍ والصّحيح أن الآية محكمة.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْن
ُ
الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (
ذكر الآية الحادية والثّلاثين: قوله تعالى: {ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئاً إلّا أن يخافا ألاّ يقيما حدود اللّه فإن خفتم ألّا يقيما حدود اللّه فلا جناح عليهما فيما افتدت به}.هذه الآية مبيّنةٌ لحكم الخلع ولا تكاد تقع الفرقة بين الزّوجين إلا بعد فساد الحال، ولذلك علّق القرآن جوازه مخافة تركهما القيام بالحدود، وهذا أمرٌ ثابتٌ والآية محكمةٌ عند عامّة العلماء.
إلا أنّه قد أخبرنا إسماعيل ابن أحمد، قال: أبنا عمر بن عبيد اللّه البقّال قال: أبنا أبو الحسين بن بشران، قال: أبنا إسحاق ابن أحمد الكاذي، قال: بنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبلٍ، قال: حدّثني أبي، قال: بنا حمّاد بن خالدٍ الخيّاط، قال: بنا عقبة بن أبي الصّهباء، (قال: سألت بكر بن عبد اللّه) عن رجلٍ سألته (امرأته) الخلع؟ فقال:
لا يحلّ له أن يأخذ منها شيئًا، قلت له: يقول الله عز وجل: {فلا جناح عليهما فيما افتدت به تلك حدود اللّه} الآية؟ قال: نسخت، قلت: فأين جعلت؟ قال: في سورة النّساء {وإن أردتم استبدال زوجٍ مكان زوجٍ وآتيتم إحداهنّ قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً}.
قلت: وهذا قولٌ (بعيدٌ) من وجهين:
أحدهما: أنّ المفسّرين قالوا في قوله تعالى {وإن أردتم استبدال زوجٍ مكان زوجٍ} نزلت في الرّجل يريد أن يفارق امرأته ويكره أن يصل إليها ما فرض لها من المهر فلا يزال يتبعها بالأذى حتّى تردّ عليه ما أعطاها لتخلص منه. فنهى اللّه تعالى عن ذلك، فأمّا آية الخلع فلا تعلّق لها بشيءٍ من ذلك.
والثّاني: أنّ قوله: {فلا تأخذوا منه شيئاً} إذا كان النّشوز من قبله، وأراد استبدال غيرها، وقوله: {فيما افتدت به} إذا كان النّشوز من قبلها فلا وجه للنّسخ.
وقد ذكر السّدّيّ في هذه الآية نسخًا من وجهٍ آخر فقال: قوله {ولا يحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئاً} منسوخ بالاستثناء وهو قوله: {إلاّ أن يخافا}.
قلت: وهذا من أرذل الأقوال، لأنّ الاستثناء إخراج بعض ما شمله اللّفظ وليس بنسخٍ.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (ومن ذلك قولهم في قوله عز وجل: {الطلاق مرتان} الآية [البقرة: 229] وقالوا: هي ناسخة لشيء كانوا عليه في أول الإسلام: كان الرجل يطلق ثلاثا وهي حبلى، ويكون أحق بارتجاعها ما دامت في العدة، وقيل: هي ناسخة لما كانوا عليه في الجاهلية ثم في صدر الإسلام: كان أحدهم يطلق امرأته ما شاء مرة بعد مرة يطلقها، وإذا كادت تخرج من العدة ارتجعها بفعل ذلك ما شاء، فنسخ ذلك من فعلهم بهذه الآية، ولا تدخل هذه الآية في الناسخ لما ذكرته، وقيل: هي منسوخة بقوله عز وجل: {فطلقوهن لعدتهن} الآية [الطلاق: 1] والآيتان محكمتان لم تنسخ واحدة منهما الأخرى: التي في البقرة لبيان عدة الطلاق، والتي في الطلاق فيها بيان وقت الطلاق.). [جمال القراء: 1/249-271]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (ومن ذلك قوله عز وجل: {ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا} الآية [البقرة: 229] قال أبو عبيد: نسخ ذلك بقوله: {إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله} الآية [البقرة: 229] وهذا ظاهر الفساد، وهذا استثناء وليس بنسخ.
وقال قوم: هو منسوخ بقوله عز وجل: {فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه} الآية [النساء: 4] وليس كذلك؛ لأن آية البقرة في منع الزوج من ارتجاع ما أعطاه من غير رضى المرأة، والتي في النساء في إباحة ذلك إذا كان عن رضى فليس بينهما نسخ.
). [جمال القراء: 1/249-271]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين

أم صفية آل حسن 25 جمادى الآخرة 1434هـ/5-05-2013م 03:16 PM

قوله تعالى: { وَٱلْوَٰلِدَٰتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَٰدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ۖ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ ٱلرَّضَاعَةَ ۚ وَعَلَى ٱلْمَوْلُودِ لَهُۥ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ ۚ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا ۚ لَا تُضَآرَّ وَٰلِدَةٌۢ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌۭ لَّهُۥ بِوَلَدِهِۦ ۚ وَعَلَى ٱلْوَارِثِ مِثْلُ ذَٰلِكَ ۗ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍۢ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍۢ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ۗ وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوٓا۟ أَوْلَٰدَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّآ ءَاتَيْتُم بِٱلْمَعْرُوفِ ۗ وَٱتَّقُوا۟ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُوٓا۟ أَنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌۭ(233)}
قَالَ أَبو عَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ الأَنْدَلُسِيُّ (ت: 320 هـ): (الآية الثانية والعشرون: قوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهنحولين كاملين...} الآية [233 / البقرة] نسخت بالاستثناء بقوله: {فإن أرادا فصالا عن تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهما} [233 / البقرة / 2] فصارت هذه الإرادة بالاتفاق ناسخة لحولين كاملين. ) .[الناسخ والمنسوخ لابن حزم: 19-30]
قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (قال اللّه جلّ وعزّ: {وعلى الوارث مثل ذلك} [البقرة: 233] في هذه الآية للعلماء أقوالٌ
فمنهم من قال هي منسوخةٌ ومنهم من قال إنّها محكمةٌ والّذين قالوا إنّها محكمةٌ لهم فيها ستّة أجوبةٍ:
فمنهم من قال: {وعلى الوارث مثل ذلك} [البقرة: 233] ألّا يضارّ، ومنهم من قال: الوارث عصبة الأب عليهم النّفقة والكسوة ومنهم من قال على وارث المرضع النّفقة والكسوة ومنهم من قال وعلى الوارث أي الصّبيّ نفسه، ومنهم من قال الوارث الباقي من الأبوين ومنهم من قال الوارث كلّ ذي رحمٍ محرّمٍ
قال أبو جعفرٍ: ونحن ننسب هذه الأقوال إلى قائليها من الصّحابة والتّابعين والفقهاء ونشرحها لتكمل الفائدة في ذلك
حكى عبد الرّحمن بن القاسم في الأسديّة عن مالك بن أنسٍ رحمه اللّه
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/63]
أنّه قال: لا يلزم الرّجل نفقة أخٍ ولا ذي قرابةٍ ولا ذي رحمٍ منه قال: وقول اللّه جلّ وعزّ {وعلى الوارث مثل ذلك} [البقرة: 233] هو منسوخٌ قال أبو جعفرٍ: هذا لفظ مالكٍ رحمه اللّه ولم يبيّن ما النّاسخ لها ولا عبد الرّحمن بن القاسم
ومذهب ابن عبّاسٍ، ومجاهدٍ، والشّعبيّ أنّ المعنى {وعلى الوارث} [البقرة: 233] أن لا يضارّ
والّذين قالوا على وارث الأب النّفقة والكسوة عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه والحسن بن أبي الحسن
كما قرئ على محمّد بن جعفر بن حفصٍ، عن يوسف بن موسى، قال حدّثنا قبيصة، قال حدّثنا سفيان، عن ابن جريجٍ، عن عمرو بن شعيبٍ، عن سعيد بن المسيّب: أنّ عمر، «أجبر بني عمٍّ على منفوسٍ» وفي رواية ابن
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/64]
عيينة: الرّجال دون النّساء
وقال الحسن «إذا خلّف أمّه وعمّه الأمّ موسرةٌ والعمّ معسرٌ فالنّفقة على العمّ»
والّذين قالوا: وعلى وارث المولود النّفقة والكسوة زيد بن ثابتٍ قال:
إذا خلّف أمًّا وعمًّا فعلى كلّ واحدٍ منهما على قدر ميراثهما وهو قول عطاءٍ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/65]
وقال قتادة «على وارث الصّبيّ على قدر ميراثهم» وقال قبيصة بن ذؤيبٍ الوارث الصّبيّ
كما قرئ على محمّد بن جعفر بن حفصٍ، عن يوسف بن موسى، قال حدّثنا أبو عبد الرّحمن المقرئ، قال أخبرنا حيوة، قال حدّثنا جعفر بن ربيعة، عن قبيصة بن ذؤيبٍ، {وعلى الوارث مثل ذلك}[البقرة: 233] قال: «الوارث الصّبيّ»
وروى ابن المبارك عن سفيان الثّوريّ قال: «إذا كان للصّبيّ أمٌّ وعمٌّ أجبرت الأمّ على رضاعةٍ ولم يطالب العمّ بشيءٍ»
وأمّا الّذين قالوا على كلّ ذي رحمٍ محرمٍ فهم أبو حنيفة وأبو يوسف، ومحمّدٌ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/66]
قال أبو جعفرٍ: فهذه جميع الأقوال الّتي وصفناها من أقوال الصّحابة والتّابعين والفقهاء
فأمّا قول مالكٍ إنّها منسوخةٌ فلم يبيّنه ولا علمت أنّ أحدًا من أصحابه بيّن ذلك والّذي يشبه أن يكون النّاسخ لها عنده واللّه جلّ وعزّ: أعلم أنّه لمّا أوجب اللّه تبارك وتعالى للمتوفّى عنها زوجها من مال المتوفّى نفقة حولٍ والسّكنى ثمّ نسخ ذلك ورفعه نسخ ذلك أيضًا عن الوارث
وأمّا قول من قال: {وعلى الوارث مثل ذلك} [البقرة: 233] أن لا يضارّ فقولٌ حسنٌ لأنّ أموال النّاس محظورةٌ فلا يخرج منها شيءٌ إلّا بدليلٍ قاطعٍ
وأمّا قول من قال على ورثة الأب فالحجّة له أنّ النّفقة كانت على الأب فورثته أولى من ورثة الابن
وأمّا حجّة من قال على ورثة الابن فيقول: كما يرثونه يقومون به
قال أبو جعفرٍ: وكان محمّد بن جريرٍ يختار قول من قال الوارث هاهنا الابن وهو وإن كان قولًا غريبًا فالإسناد به صحيحٌ والحجّة به ظاهرةٌ؛ لأنّ ماله أولى به
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/67]
وقد أجمع الفقهاء إلّا من شذّ منهم أنّ رجلًا لو كان له ولدٌ طفلٌ وللولد مالٌ والأبّ موسرٌ أنّه لا يجب على الأب نفقةٌ ولا رضاعٌ وأنّ ذلك من مال الصّبيّ فإن قيل قد قال اللّه جلّ وعزّ {وعلى المولود له رزقهنّ وكسوتهنّ} [البقرة: 233] قيل هذا الضّمير للمؤنّث ومع هذا فإنّ الإجماع حذًا للآية مبيّنٌ لها لا يسع مسلمًا الخروج عنه
وأمّا قول من قال ذلك على من بقي من الأبوين فحجّته أنّه لا يجوز للأمّ تضييع ولدها وقد مات من كان ينفق عليها وعليه
وأمّا قول من قال النّفقة والكسوة على كلّ ذي رحمٍ محرّمٍ فحجّته أنّ على الرّجل أن ينفق على كلّ ذي رحمٍ محرّمٍ إذا كان فقيرًا قال أبو جعفرٍ: وقد عورض هذا القول بأنّه لم يؤخذ من كتاب اللّه جلّ وعزّ ولا من إجماعٍ ولا من سنّةٍ صحيحةٍ بل لا يعرف من قولٍ سوى من ذكرناه، فأمّا القرآن فقال جلّ وعزّ {وعلى الوارث مثل ذلك} [البقرة: 233]
فتكلّم الصّحابة والتّابعون فيه بما تقدّم ذكره فإن كان على الوارث النّفقة والكسوة فقد خالفوا ذلك، فقالوا: إذا ترك خاله وابن عمّه فالنّفقة على خاله وليس على ابن عمّه شيءٌ فهذا مخالفة نصّ القرآن لأنّ الخال لا يرث مع
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/68]
ابن العمّ في قول أحدٍ ولا يرث وحده في قول كثيرٍ من العلماء، والّذي احتجّوا به من النّفقة على كلّ ذي رحمٍ محرّمٍ أكثر أهل العلم على خلافه
وأمّا الآية الخامسة والعشرون فقد تكلّم العلماء أيضًا فيها فقال أكثرهم: هي ناسخةٌ وقال بعضهم فيها ما نسخ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/69]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية الخامسة والعشرون قوله تعالى {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين} ثمّ نسخ الله الحولين بقوله {فإن أرادا فصالاً عن تراضٍ منهما وتشاورٍ فلا جناح عليهما}فصارت هذه الآية ناسخة للحولين الكاملين بالاتّفاق). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين}:
فأمر الله جلّ ذكره بالحولين.
ثم قال: {فإن أرادا فصالاً عن تراضٍ منهما وتشاورٍ فلا جناح عليهما} [البقرة: 233].
فأباح مع التّشاور والرضا أن يفطما المولود قبل الحولين.
فنسخ الله الأول.
فذهب قوم إلى هذا.
قال أبو محمد: ولا يجوز أن يكون فيه نسخٌ؛ لأنه تعالى قال أولاً: {لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة}، فهو تخيير وليس بإلزام فلا نسخ فيه.
قوله تعالى: {وعلى الوارث مثل ذلك} [البقرة: 233]:
روى ابن القاسم عن مالك أنه قال: هذا منسوخٌ ولم يذكر ما نسخه، ولا كيف كان الحكم المنسوخ.
وتأويل ذلك فيما نرى والله أعلم: أنه كان الحكم في الآية: أن على وارث المولود نفقته إذا لم يكن له مال، ولا أب. وهو مذهب جماعة من العلماء، ممّن لم ير في الآية نسخًا، فنسخ ذلك بالإجماع على أن من مات وترك حملاً، ولا مال للميت، أنه لا نفقة للحامل على وارث الحمل، وقد كانت النفقة تلزم الزوج لو كان حيًّا.
فكأنه كانت الإشارة بذلك إلى النّفقة، فصارت إلى ترك المضارّة، وهو مذهب مالك المشهور عنه، أن الإشارة في قوله: {وعلى الوارث مثل ذلك} إلى ترك المضارّة، وقد رواه عن مالك ابن وهب وأشهب. والنسخ بالإجماع لا يقول به مالك.
وقد قال جماعة من العلماء: الإشارة بذلك إلى النفقة، ولا نسخ في الآية.
واختلف في الوارث من هو؟
فقيل: هو وارث المولود لو مات.
وقيل: هو وارث الولاية على المولود. وهو الصواب إن شاء الله:
يكون عليه من نفقة أم المولود من مال المولود مثل ما كان على الأب، إن حملت الإشارة على النفقة.
فإن حملتها على ترك المضارّة كان معناه: وعلى وارث ولاية المولود أن لا يضارّ بالأم.
وكلا القولين على هذا المعنى حسنٌ صواب.
ويجوز أن تحمل الإشارة بذلك على النّفقة وعلى ترك المضارّة جميعًا، أي على من يرث الولاية على المولود ترك مضارّة الأم، وعليه النفقة عليها من مال المولود.
وقال السّدّي وقتادة: على وارث الطّفل مثل الذي على الأب لو كان حيًّا من النفقة وقاله الحسن.
وفي "الوارث" ومعناه أقوال غير هذا تركت ذكرها لضعفها.
والاختيار: أن يكون "الوارث" معناه: وارث الولاية على المولود على ما قدّمنا.
ولا ينكر أن يسمى انتقال الولاية وراثةً، فقد قال زكريّا صلى الله عليه وسلم: {فهب لي من لدنك وليًّا يرثني ويرث من آل يعقوب} [مريم: 6]، قيل معناه: يرث النبوّة لا المال.
وقد قيل: معنى الآية: وعلى الصبيّ المولود وهو وارث الأب نفقة أمّه من ماله إن كان له مال، ولم يكن له أب وهو اختيار الطبري، وهو قول الضّحاك.
فالوارث على هذا القول: اسم المولود. لأنه وارث الزّوج - وهو الأب الميّت، والده - وهو قولٌ حسن.
وعن ابن عباس في معنى ذلك: وعلى وارث الصّبيّ من أجر الرّضاع مثل ما كان على أبيه إن لم يكن للصّبيّ مال.
وقال قتادة: على ورثة الصّبيّ أن ينفقوا عليه على قدر ميراث كلّ واحدٍ منهم. وبه قال أهل العراق.
فالآية محكمةٌ عندهم.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قَالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنُ الجَوْزِيِّ (ت: 597هـ): (ذكر الآية الثّانية والثّلاثين: قوله تعالى: {والوالدات يرضعن أولادهنّ حولين كاملين}.
عامّة أهل العلم على أنّ هذا الكلام محكمٌ، والمقصود منه بيان (مدّة) الرّضاع، ويتعلّق بهذه (المدّة) أحكام الرّضاع. وذهب قومٌ من القرّاء إلى أنّه منسوخٌ بقوله: {فإن أرادا فصالاً} قالوا فنسخ تمام الحولين باتّفاقهما على ما دون ذلك وهذا ليس بشيءٍ، لأنّ اللّه تعالى قال: {لمن أراد أن يتمّ الرّضاعة}، فلمّا قال: {فإن أرادا فصالاً} خيّر بين الإرادتين (فلا تعارض).
وفي الآية موضع آخر وهو قوله تعالى: {وعلى الوارث مثل ذلك}.
اختلفوا في الوارث:
فقال بعضهم: هو وارث المولود.
وقال بعضهم: هو وارث الوالد.
وقال بعضهم: المراد بالوارث، الباقي من والدي الولد بعد وفاة
الآخر.
وقيل: المراد بالوارث الصّبيّ نفسه، عليه لأمّه مثل ما كان على أبيه لها من (الكسوة) والنّفقة.
وقيل: بل على الوارث أن لا يضارّ.
واعلم: أنّ قول من قال: الوارث الصّبيّ والنّفقة عليه لا ينافي قول من قال: المراد بالوارث وارث الصّبيّ لأنّ النّفقة إنّما تجب على الوارث إذا ثبت إعسار المنفق عليه، وقال مالك بن أنسٍ: لا يلزم الرّجل نفقة أخٍ ولا ذي
قرابةٍ، ولا ذي رحمٍ منه. (قال) وقول اللّه عز وجل: {وعلى الوارث مثل ذلك} منسوخٌ ولم يبيّن مالكٌ ما الناسخ.
قال أبو جعفرٍ النّحّاس ويشبه أن يكون النّاسخ عنده أنّه لما أوجب الله عز وجل للمتوفى عنها زوجها من مال المتوفّي نفقة حولٍ والسّكنى ثمّ نسخ ذلك ورفعه نسخ ذلك أيضاً عن الوارث.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (ومن ذلك قوله عز وجل: {وعلى الوارث مثل ذلك} الآية [البقرة: 233]، اختلف في الوارث: فقيل: هو من يرث والد الرضيع، إذا مات قام ورثته مقامه، وكان عليهم للصبي ما كان على أبيه.
وقيل: الوارث من يرث الصبي إذا مات.
قال ابن عباس: (على وارث الصبي من أجر الرضاع ما كان على أبيه إن لم يكن للصبي مال).
وقال زيد بن ثابت: (يلزم من يرث الصبي من النفقة على رضاعه بقدر حصته من ميراثه منه).
وروى سعيد بن المسيب وسلمان بن يسار أن رجلا مات وترك ابنا مسترضعا ولم يترك مالا، فقضى عمر رضي الله عنه أن رضاعه على ورثته بالحصص.
وقيل: الوارث: من يرث الولاية على الرضيع، ينفق من مال الصبي عليه مثل ما كان ينفق أبوه.
وقيل: الإشارة في قوله عز وجل: {مثل ذلك} الآية [البقرة: 233] إلى ترك المضاررة.
وقيل: الوارث: الصبي؛ لأنه وارث الأب، فعليه النفقة من ماله، أي أن نفقة الرضاعة على الصبي في ماله، قال ذلك الضحاك، واختاره الطبري.
وقال مكي: وهو قول حسن، وما أراه كما قال.
وعن مالك رحمه الله أن الآية منسوخة، قال: ولا يجب على الرجل نفقة أخ ولا ذي قرابة.
وليست الآية بمنسوخة، ولم يذكر مالك رحمه الله لها ناسخا.
). [جمال القراء: 1/249-271]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين

أم صفية آل حسن 26 جمادى الآخرة 1434هـ/6-05-2013م 04:00 PM

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُ‌ونَ أَزْوَاجًا يَتَرَ‌بَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْ‌بَعَةَ أَشْهُرٍ‌ وَعَشْرً‌ا ۖ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُ‌وفِ ۗ وَاللَّـهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ‌(234)}


قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (قال جلّ وعزّ {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا} [البقرة: 234] الآية
أكثر العلماء على أنّ هذه الآية ناسخةٌ لقوله جلّ وعزّ: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا وصيّةً لأزواجهم متاعًا إلى الحول غير إخراجٍ} [البقرة: 240] لأنّ النّاس أقاموا برهةً من الإسلام إذا توفّي الرّجل، وخلّف امرأته حاملًا أوصى لها زوجها بنفقة سنةٍ وبالسّكنى ما لم تخرج فتتزوّج ثمّ نسخ ذلك بأربعة أشهرٍ وعشرٍ وبالميراث
واختلف الّذين قالوا هذا القول قال بعضهم نسخ من الأربعة الأشهر والعشر المتوفّى عنها زوجها وهي حاملٌ، فانقضاء عدّتها إذا ولدت وقال قومٌ: آخر الأجلين
وقال قومٌ هو عامٌّ بمعنى الخاصّ أي {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا} [البقرة: 234] لسن حوامل يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا
وقال قومٌ ليس في هذا نسخٌ وإنّما هو نقصانٌ من الحول وقال قومٌ هما محكمتان واستدلّوا بأنّها منهيّةٌ عن المبيت في غير منزل زوجها
قال أبو جعفرٍ: ونحن نشرح هذه الأقوال ونذكر قائلي من نعرف منهم
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/70]
فممّن قال: إنّ الآية ناسخةٌ وصحّ ذلك عنه عثمان بن عفّان وعبد اللّه بن الزّبير حتى قال عبد اللّه بن الزّبير:
قلت لعثمان: لم أثبت في المصحف {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا وصيّةً لأزواجهم متاعًا إلى الحول غير إخراجٍ} [البقرة: 240] وقد نسختها {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا} [البقرة: 234] فقال يا ابن أخي إنّي لا أغيّر شيئًا عن مكانه
فبيّن عثمان رضي اللّه عنه أنّه إنّما أثبت في المصحف ما أخذه عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأخذه النّبيّ عليه السّلام عن جبريل على ذلك التّأليف لم يغيّر منه شيئًا
وأخبرنا أبو جعفرٍ، قال حدّثنا أحمد بن محمّد بن نافعٍ، قال حدّثنا سلمة، قال حدّثنا عبد الرّزّاق، قال أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا وصيّةً لأزواجهم} [البقرة: 240] قال: " نسخها {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا} [البقرة: 234] قال {متاعًا إلى الحول} [البقرة: 240] غير إخراجٍ نسختها الرّبع أو الثّمن ونسخ الحول العدّة أربعة أشهرٍ وعشرٌ "
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/71]
قال أبو جعفرٍ وحدّثنا بكر بن سهلٍ، قال حدّثنا أبو صالحٍ، قال حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قال: وقوله عزّ وجلّ: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا وصيّةً لأزواجهم} [البقرة: 240] الآية " كانت المرأة إذا مات زوجها وتركها اعتدّت منه سنةً وينفق عليها من ماله ثمّ أنزل اللّه جلّ وعزّ بعد ذلك {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا} [البقرة: 234] إلّا أن تكون حاملًا فانقضاء عدّتها أن تضع ما في بطنها، ونزل {ولهنّ الرّبع ممّا تركتم إن لم يكن لكم ولدٌ فإن كان لكم ولدٌ فلهنّ الثّمن ممّا تركتم} [النساء: 12] فبيّن اللّه جلّ وعزّ الميراث وترك النّفقة والوصيّة "
قال أبو جعفرٍ: وأمّا قول من قال إنّه عامٌّ بمعنى الخاصّ فقولٌ حسنٌ لأنّه قد تبيّن ذلك بالقرآن والحديث وسنذكر ذينك
وأمّا قول من قال نسخ منها الحوامل فيحتجّ بقول ابن مسعودٍ:
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/72]
من شاء لاعنته أنّ سورة النّساء القصرى نزلت بعد الطّولى
يعني أنّ قوله جلّ وعزّ {وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ} [الطلاق: 4] نزلت بعد الّتي في البقرة
وهذا القول أعنّي أنّ {وأولات الأحمال} [الطلاق: 4] ناسخةٌ للّتي في البقرة أو مبيّنةٌ لها قول أكثر الصّحابة والتّابعين والفقهاء فمنهم عمر، وابن عمر، وابن
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/73]
مسعودٍ وأبو مسعودٍ البدريّ، وأبو هريرة وسعيد بن المسيّب، والزّهريّ، ومالكٌ، والأوزاعيّ، والثّوريّ وأصحاب الرّأي، والشّافعيّ وأبو ثورٍ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/74]
وأمّا قول من قال آخر الأجلين فحجّته أنّه جمع بين الآيتين، وممّن قال به بلا اختلافٍ عنه عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه وكان بينه وبين الصّحابة فيه منازعةٌ شديدةٌ من أجل الخلاف فيه
كما حدّثنا أحمد بن محمّدٍ الأزدي، قال حدّثنا إبراهيم بن مرزوق، قال حدّثنا أبو داود الطّيالسيّ، عن شعبة، قال حدّثنا عبيد بن الحسن، قال حدّثنا ابن معقلٍ، قال: " شهدت عليّ بن أبي طالبٍ، رضي اللّه عنه وقد سئل عن رجلٍ توفّي وامرأته حاملٌ فقال: تعتدّ آخر الأجلين فقيل له يا أمير المؤمنين إنّ أبا مسعودٍ البدريّ يقول لتبتغ لنفسها فقال: إنّ فرّوخًا لا يعلم شيئًا فبلغ ذلك أبا مسعودٍ فقال: بلى وأنا أعلم " وذكر الحديث
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/75]
وممّن صحّ عنه أنّه قال تعتدّ آخر الأجلين عبد اللّه بن عبّاسٍ
قال أبو جعفرٍ: وقد ذكرنا من قال بغير هذا من الصّحابة حتّى قال عمر:
إن وضعت حملها وزوجها على السّرير حلّت
وعلى القول الآخر لا تحلّ حتّى تمضي أربعة أشهرٍ وعشرًا ثمّ جاء التّوقيف عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم بأنّها تحلّ إذا توفّي زوجها وهي حاملٌ ثمّ ولدت قبل انقضاء أربعة أشهرٍ وعشرٍ، وصحّ ذلك عنه
كما حدّثنا بكر بن سهلٍ، قال حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، قال أخبرنا مالكٌ، عن يحيى بن سعيدٍ، عن سليمان بن يسارٍ، أنّ عبد اللّه بن عبّاسٍ، وأبا سلمة بن عبد الرّحمن سئلا عن المرأة يتوفّى عنها زوجها وهي حاملٌ، فقال ابن عبّاسٍ: «آخر الأجلين» وقال أبو سلمة: «إذا ولدت فقد حلّت» فقال أبو هريرة " أنا مع ابن أخي. يعني أبا سلمة فأرسلوا كريبًا مولى ابن عبّاسٍ إلى أمّ سلمة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم فجاء فأخبرهم أنّ أمّ سلمة قالت ولدت سبيعة الأسلميّة بعد وفاة زوجها بليالٍ فذكرت ذلك لرسول صلّى الله عليه وسلّم اللّه فقال: «قد حللت».
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/76]
وقال الحسن، والشّعبيّ: «لا تتزوّج حتّى تخرج من دم النّفاس» وكذا قال حمّاد بن أبي سليمان
قال أبو جعفرٍ: وإذا قال الرّسول صلّى الله عليه وسلّم شيئًا لم يلتفت إلى قولٍ غيره ولا سيّما ونصّ القرآن {وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ} [الطلاق: 4]
وقد أجمع الجميع بلا خلافٍ بينهم أنّ رجلًا لو توفّي وترك امرأته حاملًا فانقضت أربعة أشهرٍ وعشرٌ أنّها لا تحلّ حتّى تلد فعلم أنّ المقصود الولادة
وأمّا قول من قال: ليس في هذا نسخٌ وإنّما هو نقصانٌ من الحول فحجّته أنّ هذا مثل صلاة المسافر لما نقصت من الأربع إلى اثنتين لم يكن هذا نسخًا وهذا غلطٌ بيّنٌ لأنّه إذا كان حكمها أن تعتدّ سنةً إذا لم تخرج فإن خرجت لم تمنع ثمّ أزيل هذا ولزمتها العدّة أربعة أشهرٍ وعشرٌ فهذا هو
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/77]
النّسخ وليس صلاة المسافر من هذا في شيءٍ
والدّليل على ذلك أنّ عائشة رضي اللّه عنها قالت:
فرضت الصّلاة ركعتين ركعتين فزيد في صلاة الحضر وأقرّت صلاة المسافر بحالها
وهكذا يقول جماعةٌ من الفقهاء إنّ فرض المسافر ركعتان
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/78]
قال أبو جعفرٍ: وقد عورضوا في هذا بأنّ عائشة رضي اللّه عنها كانت تتمّ في السّفر فكيف تتمّ في السّفر وهي تقول فرض المسافر ركعتان فهذا متناقضٌ فأجابوا عن ذلك بأنّ هذا ليس بمتناقضٍ لأنّه قد صحّ عنها ما ذكرناه وهي أمّ المؤمنين فحيث حلّت فهي مع أولادها فليست بمسافرةٍ وحكمها حكم من كان حاضرًا فلذلك كانت تتمّ الصّلاة إن صحّ عنها الإتمام
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/79]
وممّا يدلّك على أنّ الآية منسوخةٌ
إنّ بكر بن سهلٍ حدّثنا، قال: حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، قال أخبرنا مالكٌ، عن عبد اللّه بن أبي بكر بن محمّد بن عمرو بن حزمٍ، عن حميد بن نافعٍ، عن زينب بنت أبي سلمة، أنّها أخبرته هذه الأحاديث الثّلاثة قالت زينب: «دخلت على أمّ حبيبة زوج النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم حين توفّي أبوها أبو سفيان بن حربٍ فدعت أمّ حبيبة، بطيبٍ فيه صفرةٌ خلوقٌ أو غيره فدهنت منه جاريةً ثمّ مسّت بعارضيها ثمّ قالت واللّه مالي بالطّيب من حاجةٍ غير أنّي سمعت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم يقول» لا يحلّ لامرأةٍ تؤمن باللّه واليوم الآخر أن تحدّ على ميّتٍ فوق ثلاث ليالٍ إلّا على زوجٍ أربعة أشهرٍ وعشرًا "
قالت زينب: " ودخلت على زينب بنت جحشٍ، حين توفّي أخوها فدعت بطيبٍ فمسّت منه ثمّ قالت: أما واللّه ما لي بالطّيب من حاجةٍ غير أنّي سمعت رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم على المنبر يقول: ((لا يحلّ لامرأةٍ تؤمن باللّه واليوم الآخر أن تحدّ على ميّتٍ فوق ثلاث ليالٍ إلّا على زوجٍ أربعة أشهرٍ وعشرًا))
قالت زينب وسمعت أمّ سلمة، تقول: " جاءت امرأةٌ إلى رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم فقالت يا رسول اللّه إنّ ابنتي توفّي عنها زوجها قد
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/80]
اشتكت عينيها أفأكحلها؟ فقال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «لا» مرّتين أو ثلاثًا، كلّ ذلك يقول: «لا» ثمّ قال رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم: «إنّما هي أربعة أشهرٍ وعشرٌ، وقد كانت إحداكنّ في الجاهليّة ترمي بالبعرة على رأس الحول» قال حميدٌ: فقلت لزينب وما ترمي بالبعرة على رأس الحول قال حميدٌ: فقالت زينب: «كانت المرأة إذا توفّي عنها زوجها دخلت حفشًا ولبست شرّ ثيابها ولم تمسّ طيّبًا ولا شيئًا حتّى تمرّ بها سنةٌ ثمّ تؤتى بدابّةٍ حمارٍ أو شاةٍ أو طائرٍ فتفتضّ به فقلّ ما تفتضّ بشيءٍ إلّا مات ثمّ تخرج فتعطى بعرةً فترمي بها ثمّ تراجع بعد ما شاءت من طيبٍ أو غيره»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/81]
وفي هذا الحديث من الفقه والمعاني واللّغة شيءٌ كثيرٌ فمن ذلك إيجاب الإحداد والامتناع من الزّينة والكحل على المتوفّى عنها زوجها على خلاف ما روى إسماعيل ابن عليّة عن يونس عن الحسن:
أنّه كان لا يرى بأسًا بالزّينة للمتوفّى عنها زوجها ولا يرى الإحداد شيئًا
وفيه قوله صلّى الله عليه وسلّم: ((لا يحلّ لامرأةٍ تؤمن باللّه واليوم الآخر أن تحدّ على ميّتٍ فوق ثلاثٍ إلّا على زوجٍ))فأوجب هذا على كلّ امرأةٍ بالغةٍ كانت أو غير بالغةٍ مدخولًا بها أو غير مدخولٍ بها أمةً كانت تحت حرٍّ أو حرّةٍ كانت تحت عبدٍ أو مطلقةٍ واحدةٍ أو اثنتين لأنّها بمنزلة من لم يطلّق ودلّ هذا على أنّه لا إحداد على المبتوتة وإنّما هو على المتوفّى عنها زوجها ودلّ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/82]
ظاهر الحديث على أنّه لا إحداد على كافرةٍ لقول النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: ((تؤمن باللّه واليوم الآخر)) ودلّ أيضًا ظاهره أنّه لا إحداد على الحامل لذكره عليه السّلام أربعة أشهرٍ وعشرًا
فأمّا معنى ترمي بالبعرة فقال فيه أهل اللّغة والعلماء بمعاني العرب: إنّهنّ كنّ يفعلن ذلك ليرينّ أنّ مقامهنّ حولًا أهون عليهنّ من تلك البعرة المرميّة
وفيه من اللّغة والغريب قوله تفتضّ وقد رواه بعض الفقهاء الجلّة تقبص وقال معناه تجعل أصابعها على الطّائر كما قرئ: فقبصت قبصةً، فخالفه أصحاب مالكٍ أجمعون فقالوا: تفتضّ وهو على تفسير مالكٍ كذا يجب
كما حدّثنا بكر بن سهلٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، قال: سمعت مالكًا، وسئل ما تفتضّ به قال: «تمسح به جلدها»
قال أبو جعفرٍ: هذا مشتقٌّ من انفضّ القوم إذا تفرّقوا وزال بعضهم عن
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/83]
بعضٍ قال جلّ وعزّ: {حتّى ينفضّوا} [المنافقون: 7] فمعنى تفتضّ به تزول به لأنّها لا تزول من مكانها إلّا بهذا فقد صارت تفتضّ به
وأمّا قول من قال الآيتان محكمتان واحتجّ بأنّ على المتوفّى عنها
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/84]
زوجها ألّا تبيت إلّا في منزلها فليس بشيءٍ؛ لأنّه لو كان كما قال وجب عليها أن تقيم سنةً كما في الآية المنسوخة وأيضًا فليس مقامها في منزلها إجماعًا بل قد اختلف فيه الصّدر الأوّل ومن بعدهم
فمن قال إنّ عليها المقام عمر، وعثمان، وأمّ سلمة، وابن مسعودٍ، وابن عمر
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/85]
وتابعهم على ذلك أكثر فقهاء الأمصار فقال مالكٌ: «تزور وتقيم بعد العشاء إلى أن يهدأ النّاس ولا تبيت إلّا في منزلها»
وهذا قول اللّيث، وسفيان الثّوريّ وأبي حنيفة، والشّافعيّ وقال محمّد بن الحسن «لا تخرج المتوفّى عنها زوجها ولا المبتوتة من منزلها البتّة»
وممّن قال غير هذا وقال لها أن تخرج وتحجّ إن شاءت ولا تقيم في منزلها عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه، وعلى هذا صحّ عنه أنّه أخرج ابنته أمّ كلثومٍ زوجة عمر بن الخطّاب لمّا قتل عمر فضمّها إلى منزله قبل أن
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/86]
تنقضي عدّتها وصحّ عن ابن عبّاسٍ مثل هذا
روى الثّوريّ، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: " ليس على المتوفّى عنها زوجها ولا على المبتوتة إقامةٌ في بيتها إنّما قال اللّه جلّ وعزّ {يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا} [البقرة: 234] فإنّما عليها العدّة وليس عليها مقامٌ ولا نفقة لها
«وممّن قال بهذا القول أعني أنّه ليس على المتوفّى عنها زوجها إقامةٌ عائشة وجابر بن عبد اللّه هؤلاء أربعةٌ من الصّحابة لم يوجبوا الإقامة
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/87]
ومنهم من احتجّ بالآية والحجّة لمخالفهم قوله جلّ وعزّ يتربّصن بأنفسهنّ فعليهنّ أن يحبسن أنفسهنّ عن كلّ الأشياء إلّا ما خرج بدليلٍ
ومن الحجّة أيضًا توقيف الرّسول صلّى الله عليه وسلّم وقوله للفريعة
حين توفّي عنها زوجها» أقيمي في منزلك حتّى يبلغ الكتاب أجله " وقد قال قومٌ: إنّ قوله جلّ وعزّ {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا وصيّةً لأزواجهم} [البقرة: 240] منسوخٌ بالحديث:
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/88]
((لا وصيّة لوارثٍ))
وأكثر العلماء على أنّها منسوخةٌ بالآية الّتي ذكرناها
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/89]
وممّا يبيّن لك أنّها منسوخةٌ اختلاف العلماء في النّفقة على المتوفّى عنها زوجها وهي حاملٌ فأكثر العلماء يقول لا نفقة لها ولا سكنى فمن الصّحابة عبد اللّه بن عبّاسٍ وابن الزّبير، وجابرٌ ومن التّابعين سعيد بن المسيّب، والحسن، وعطاء بن أبي رباحٍ وممّن دونهم مالك بن أنسٍ وأبو حنيفة وزفر وأبو يوسف ومحمّدٌ وهو الصّحيح من قول الشّافعيّ.
وممّن قال للمتوفّى عنها زوجها وهي حاملٌ النّفقة من رأس المال عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه وابن مسعودٍ وابن عمر وهو قول شريحٍ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/90]
وخلاس بن عمرٍو، والشّعبيّ، والنّخعيّ وأيّوب السّختيانيّ، وحمّاد بن أبي سليمان والثّوريّ، وأبي عبيدٍ
وفيه قولٌ ثالثٌ عن قبيصة بن ذؤيبٍ قال:
«لو كنت فاعلًا لجعلتها من مال ذي بطنها»
وحجّة من قال لا نفقة للمتوفّى عنها زوجها إجماع المسلمين أنّه لا نفقة لمن كانت تجب له النّفقة على الرّجل قبل موته من أطفاله وأزواجه وآبائه الّذين تجب عليه نفقتهم بإجماعٍ إذا كانوا زمنى فقراء فكذا تجب أيضًا في الحامل المتوفّى عنها زوجها.
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/91]
قال أبو جعفرٍ: واختلفوا أيضًا في الآية السّادسة والعشرين فمنهم من قال هي محكمةٌ واجبةٌ ومنهم من قال هي مندوبٌ إليها ومنهم من قال قد أخرج منها شيءٌ ومنهم من قال هي منسوخةٌ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/92]


قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {والذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا}.أكثر العلماء على أن الآية ناسخةٌ للآية التي بعدها، وهي قوله: {والذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا وصيّةً لأزواجهم متاعًا إلى الحول غير إخراج} [البقرة: 240].
فأوجبت هذه الآية للمتوفى عنها زوجها أن ينفق عليها سنةً من مال المتوفّى، وتسكن سنةً ما لم تخرج وتتزوج.
ثم نسخت النفقة بآية المواريث في النساء، وبقوله عليه السلام: ((لا وصيّة لوارث)) ونسخ الحول بأربعة أشهرٍ وعشرًا.
وذكر ابن حبيب أن الحرّة كانت إذا توفّي عنها زوجها خيّرت إن شاءت أن تقيم في بيت زوجها وينفق عليها من ماله سنة فإن أبت إلا الخروج لم يكن لها شيءٌ من ماله فنسخ ذلك بالمواريث في النساء.
وهذا مما تقدّم الناسخ فيه على المنسوخ في رتبة التّأليف للقرآن، وحقّ الناسخ في النّظر أن يأتي بعد المنسوخ: لأن الناسخ ثانٍ أبدًا، والمنسوخ متقدمٌ أبدًا.
وإنما استغرب هذا؛ لأنه في سورةٍ واحدةٍ، ولو كان في سورتين لم ينكر أن يكون الناسخ في الترتيب قبل المنسوخ، فهو كثيرٌ من سورتين، لأن السورة لم تؤلّف في التّقديم والتأخير على النزول، ألا ترى أنّ كثيرًا من المكّيّ بعد المدني، والمكيّ نزل أولاً.
وإنّما حكم في هذا بأن الأوّل نسخ الثاني دون أن ينسخ الثاني الأول على رتبة الناسخ والمنسوخ بالإجماع على أنّ المتوفى عنها زوجها ليس عليها أن تعتدّ سنةً، وأنّ عدّتها أربعة أشهرٍ وعشرًا، ولحديث النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال: ((إنّما هي أربعة أشهرٍ وعشرٌ، وقد كانت إحداكنّ
في الجاهلية ترمي بالبعرة عند رأس الحول)). فبيّن أن الحول أمرٌ كان في الجاهليّة وأن العدّة في الإسلام أربعة أشهرٍ وعشر، والنبي عليه السلام. يبيّن القرآن فقد بيّنه، فعلم أن الأول ناسخٌ للثاني وعلم أن الأولى في التلاوة نزلت بعد الثانية ناسخةً لها.
وقد قيل: إنّ هذا ليس بنسخ؛ وإنما هو نقصانٌ من الحول لم ينسخ الحول كلّه إنما نقص منه.
ويلزم قائل هذا أن يكون قوله تعالى: {وإن يكن منكم مائةٌ صابرةٌ يغلبوا مائتين} ليس بناسخٍ لما قبله إنما هو نقصانٌ مما قبله.
وكونه منسوخًا أبين في المعنى وعليه أكثر العلماء؛ لأنه إزالة حكمٍ ووضع حكمٍ آخر موضعه منفصلٍ منه. وقد قال ابن مسعود: إنّ قوله: {يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا} نسخ منها الحوامل بقوله: {وأولات الأحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ} [الطلاق: 4] والذي عليه أهل النّظر أنه تخصيصٌ وبيانٌ بأنّ آية البقرة في غير الحوامل والمعنى: ويذرون أزواجًا غير حوامل يتربصن بعدهم أربعة أشهرٍ وعشرًا.
قوله تعالى: {فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ من معروفٍ}:
ذكر ابن حبيبٍ أن قوله تعالى: {فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهنّ من معروف}: منسوخٌ بقوله: {والذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجًا يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشرًا} [البقرة: 234] فصار التربّص عزيمةً لا خيار لهنّ في ذلك، وكنّ في السّنّة مخيّرات.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (ومن ذلك قوله عز وجل: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} الآية [البقرة: 234] قالوا: نسخ منها الحوامل بقوله عز وجل: (وأولات الحمل أجلهن أن يضعن حملهن) وهذا ليس بنسخ، والآية ليست في الحوامل، يدل على ذلك قوله عز وجل: {فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن بالمعروف} الآية [البقرة: 234] أي: في ابتغاء الأزواج، والحامل ليس لها ذلك.
ومن ذلك قوله عز وجل: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج} الآية [البقرة: 240] قال جماعة: هي منسوخة بالتي تقدمت، وهي قوله عز وجل: {يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} الآية [البقرة: 234] قالوا: نسخت هذه الحول، ونسخت آية الميراث النفقة عليها إلى الحول.
وقال الربيع: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها أقامت إن شاءت حولا ولها السكنى والنفقة، فنسخ ذلك آية الميراث.
وقال عبد الملك بن حبيب: كانت الحرة المتوفى عنها زوجها تخير بين أن تقيم في بيته وينفق عليها من ماله سنة وبين أن تخرج فلا يكون لها شيء من ماله، فنسخ ذلك بآية الميراث.
وليست هذه الآية بمنسوخة بالتي قبلها؛ لأن الناسخ يتأخر نزوله عن المنسوخ، فكيف يكون نزولها متأخرا ثم توضع في التأليف قبل ما نزلت بعده، ناسخة له من غير فائدة في لفظ ولا معنى!، واحتجوا لذلك بأن المكي قد يؤخر عن المدني في السور، وليس هذا مثل ذلك، وليس في تقديم السورة وتأخيرها شيء من الإلباس بخلاف الآيات.
وقال الزمخشري: فإن قلت: كيف نسخت الآية المتقدمة المتأخرة؟ قلت: قد تكون الآية متقدمة في التلاوة وهي متأخرة في التنزيل، كقوله تعالى: {سيقول السفهاء} الآية [البقرة: 142] مع قوله: {قد نرى تقلب وجهك في السماء} الآية [البقرة: 144].
والذي قال: غير صحيح، بل التلاوة على ترتيب التنزيل، وقد تقدم أن قوله عز وجل: {فول وجهك شطر المسجد الحرام} الآية [البقرة: 144] نزل بعد قولهم: {ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها} الآية [البقرة: 142] أي: دم على ذلك {وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} الآية [البقرة: 144]، وقد قيل: إن أول ما نزل في ذلك قوله عز وجل: {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله} الآية [البقرة: 142]، قيل: أعلم الله نبيه ما هم قائلون، فقال: إذا قالوا ذلك فقل لهم: {ولله المشرق والمغرب} الآية [البقرة: 142].
وقد تقدم أيضا قوله: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} الآية [البقرة: 125] فهذا يدل على ما قلناه من أن قوله عز وجل: {فول وجهك شطر المسجد الحرام} الآية [البقرة: 144] أمر بالدوام على ما كان أمره به من اتخاذ المقام مصلى، ثم إن هذه الآيات كلها في قصة بخلاف الناسخ والمنسوخ، ولم يقل أحد من المفسرين إن قوله عز وجل: {سيقول السفهاء} الآية [البقرة: 142] أنزل بعد قوله تعالى: {قد نرى تقلب وجهك في السماء فول وجهك} الآية [البقرة: 144]، وإنما وهم الزمخشري فظن أن الإخبار بما يكون بعد الشيء قبل وقوعه هو الواقع بعده، وهذا غلط بين، وإنما مثال هذا أن يقول الملك لمن يريد أن يوليه ناحية: سيطعن السفهاء في ولايتك، ثم يقول له بعد ذلك: تول ناحية كذا كذلك.
قال الله تعالى: {سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها} الآية [البقرة: 142]، إخبارا بما سيكون بعد التولية، ثم قال سبحانه بعد ذلك: {قد نرى تقلب وجهك في السماء} الآية [البقرة: 144]، وهذا واضح جدا، وقد خفي عليه فصار إلى ما صار إليه من تقدم الآية في التلاوة وتأخرها في الإنزال، وليس بهين أن تجعل كلام الله عز وجل بهذه المثابة.
بل أقول: إن الآية غير منسوخة بالتي تقدمت، بل معناها إن المتوفى عنها زوجها كانت لها متعة كما أن للمطلقة متعة، وكانت متعة المتوفى عنها زوجها أن تخير بعد انقضاء العدة بين أن تقيم إلى تمام الحول ولها السكنى والنفقة، وبين أن تخرج، يدل على صحة ذلك قوله سبحانه وتعالى: {متاعا إلى الحول غير إخراج} الآية [البقرة: 240] أي: لا تخرج إذا لم ترد، ثم قال تعالى: {فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف} الآية [البقرة: 234]، وأباح لها أن تخرج، ولو كانت العدة حولا لم يبح لها ذلك، ولم تكن مخيرة فيه، ومن لم يفرق بين هذا وبين قوله عز وجل: {يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم} الآية [البقرة: 234]، ويميز بين المكث الواجب كيف جاء بهذا اللفظ، وبين المكث الراجع إلى الاختيار كيف جاء باللفظ الآخر، فقد سلب آلة التمييز، بل الآية المتأخرة دالة على تقدم الأولى بقوله عز وجل: {فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف} الآية [البقرة: 234] أي: فإن اخترن الخروج بعد بلوغ الأجل المذكور في الآية المتقدمة فلا حرج.
وقد قال مجاهد: إن الآية محكمة، ولها السكنى والنفقة من مال زوجها إن شاءت.
وإن قلنا: إن ذلك قد كان ثم بطل بأنه لا وصية لوارث، فذاك موافق لما عليه الجمهور، وأما أن نقول: إنها منسوخة بما تقدمها فلا.وهذا الموضع من أقبح ما ذكروه في كتاب الله عز وجل.
ثم ذكر بعد هذه المتعة الطلاق، فقال عز وجل عقيب هذه: {وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين} الآية [البقرة: 241].
). [جمال القراء: 1/249-271]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين

أم صفية آل حسن 26 جمادى الآخرة 1434هـ/6-05-2013م 04:13 PM

قوله تعالى { وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّ‌ضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ ۚ عَلِمَ اللَّـهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُ‌ونَهُنَّ وَلَـٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّ‌ا إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُ‌وفًا ۚ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُ‌وهُ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ‌ حَلِيمٌ(235)}

قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (ومن ذلك قول ابن زيد في قوله عز وجل: {إلا أن تقولوا قولا معروفا} الآية [البقرة: 235] إنه منسوخ بقوله عز وجل: {ولا تعزموا عقدة النكاح} الآية [البقرة: 235] وليس كما قال، بل هي محكمة، والمراد بذلك التعريض بالنكاح.). [جمال القراء: 1/249-271]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين

أم صفية آل حسن 26 جمادى الآخرة 1434هـ/6-05-2013م 05:39 PM

قوله تعالى: {لَّا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِ‌ضُوا لَهُنَّ فَرِ‌يضَةً ۚ وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُ‌هُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ‌ قَدَرُ‌هُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُ‌وفِ ۖ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ(236)}

قالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النَّحَّاسُ (ت: 338 هـ): (قال جلّ وعزّ: {لا جناح عليكم إن طلّقتم النّساء ما لم تمسّوهنّ أو تفرضوا لهنّ فريضةً ومتّعوهنّ على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعًا بالمعروف حقًّا على المحسنين} [البقرة: 236]
فممّن قال بظاهر الآية وأنّه واجبٌ على كلّ مطلّقٌ المتعة للمطلّقة كما قال اللّه جلّ وعزّ {ومتّعوهنّ} [البقرة: 236] من الصّحابة عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه ومن التّابعين الحسن
قال الحسن وأبو العالية: لكلّ مطلّقةٍ متعةٌ مدخولٍ بها أو غير مدخولٍ بها مفروضٍ لها أو غير مفروضٍ لها
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/93]
وهذا قول سعيد بن جبيرٍ والضّحّاك وهو قول أبي ثورٍ
قال أبو جعفرٍ وحدّثنا بكر بن سهلٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، قال: أخبرنا مالكٌ، عن ابن شهابٍ، أنّه كان يقول: «لكلّ مطلّقةٍ متعةٌ» وأمّا من قال قد أخرج منها شيءٌ فعبد اللّه بن عمر
كما حدّثنا بكر بن سهلٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن يوسف، قال أخبرنا مالكٌ، عن نافعٍ، عن ابن عمر، قال: «لكلّ مطلقةٍ متاعٌ إلّا الّتي لم يسمّ لها صداقٌ ولم تمسّ فحسبها نصف ما فرض لها»
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/94]
وأمّا قول من قال ومتّعوهنّ على النّدب لا على الحتم والإيجاب فهو قول شريحٍ قال:
«متّع إن كنت من المحسنين ألا تحبّ أن تكون من المتّقين» فهذا قول مالك بن أنسٍ أنّه لا يجبر على المتعة لامرأةٍ من المطلّقات كلّهنّ
وأمّا قول أبي حنيفة وأصحابه وهو يروى عن الشّافعيّ أنّه لا يجبر على
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/95]
المتعة إلّا أن يتزوّج امرأةً ولا يسمّي لها صداقًا فيطلّقها قبل أن يمسّها فإنّه يجبر على تمتيعها
وأمّا قول من قال بالنّسخ فيها فهو قول سعيد بن المسيّب
كما حدّثنا أحمد بن محمّدٍ الأزدي، قال حدّثنا أحمد بن الحسن الكوفيّ، قال حدّثنا أسباط بن محمّدٍ، قال حدّثنا سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيّب، قال: «كانت المتعة واجبةً لمن لم يدخل بها من النّساء في سورة الأحزاب ثمّ نسختها الآية الّتي في البقرة»
قال أبو جعفرٍ: يجب أن تكون الّتي في سورة الأحزاب {يا أيّها الّذين آمنوا إذا نكحتم المؤمنات ثمّ طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ فما لكم عليهنّ من عدّةٍ تعتدّونها فمتّعوهنّ} [الأحزاب: 49] فهذا إيجاب المتعة، والنّاسخة لها عنده الّتي في البقرة {وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضةً فنصف ما فرضتم} [البقرة: 237] الآية
وهذا لا يجب فيه ناسخٌ ولا منسوخٌ لأنّه ليس في الآية لا تمتّعوهنّ ولكنّ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/96]
القول الصّحيح البيّن أنّه اجتزئ بذكر المتعة ثمّ فلم تذكرها هنا ولا سيّما وبعده {وللمطلّقات متاعٌ بالمعروف} [البقرة: 241]
فهذا أوكد من متّعوهنّ؛ لأنّ متّعوهنّ قد يقع على النّدب وذكره التّمتيع في القرآن مؤكّدٌ قال اللّه جلّ وعزّ {على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعًا بالمعروف} [البقرة: 236] وكذا ظاهر القرآن وهو قول عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه ومن ذكرناه وهو أحد قولي الشّافعيّ: إنّ على كلّ مطلّقٍ متعةً إذا كان الطّلاق من قبله
فأمّا تفرضوا لهنّ فريضةً ففيه أنّ عليّ بن أبي طلحة روى عن ابن عبّاسٍ قال:
«الفريضة الصّداق»
قال أبو جعفرٍ: الفرض في اللّغة الإيجاب ومنه فرض الحاكم على فلانٍ كذا كما قال:

كانت فريضةً ما تقول كما = كان الزّناء فريضة الرّجم


<iframe src"http://static.ak.facebook.com/connect/xd_arbiter.php?version=24#channel=f3e2a1361a4a602&origin=http%3A%2F%2Fjamharah.net&channel_path=%2Fshowthread.php%3Ft%3D17055%26fb_xd_fragment%23xd_sig%3Df30fb6d87625aa%26" style="border: medium none;" tab-index="-1" title="Facebook Cross Domain Communication Frame" aria-hidden="true" id="fb_xdm_frame_http" allowtransparency="true" name="fb_xdm_frame_http" frameborder="0" scrolling="no"></iframe><iframe src="https://s-static.ak.facebook.com/connect/xd_arbiter.php?version=24#channel=f3e2a1361a4a602&origin=http%3A%2F%2Fjamharah.net&channel_path=%2Fshowthread.php%3Ft%3D17055%26fb_xd_fragment%23xd_sig%3Df30fb6d87625aa%26" style="border: medium none;" tab-index="-1" title="Facebook Cross Domain Communication Frame" aria-hidden="true" id="fb_xdm_frame_https" allowtransparency="true" name="fb_xdm_frame_https" frameborder="0" scrolling="no"></iframe>

[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/97]
وقد احتجّ قومٌ في أنّ التّمتيع ليس بواجبٍ لقول اللّه تبارك وتعالى {حقًّا على المحسنين} [البقرة: 236] وكذا {حقًّا على المتّقين} [البقرة: 180] وهذا لا يلزم لأنّه إذا كان واجبًا على المحسنين فهو على غيرهم أوجب وأيضًا فإنّ النّاس جميعًا مأمورون بأن يكونوا محسنين متّقين لأنّ معنى يجب أن تكون محسنًا يجب أن تحسن إلى نفسك بأن تؤدّي فرائض اللّه جلّ وعزّ وتجتنب معاصيه فتكون محسنًا إلى نفسك حتّى لا تدخل النّار ويجب أن تتّقي اللّه بترك معاصيه والانتهاء إلى ما كلّفكه من فرائضه فوجب على الخلق أن يكونوا محسنين متّقين
واختلف العلماء في الآية السّابعة والعشرين فقال بعضهم هي منسوخةٌ وقال بعضهم هي مخصوصةٌ
[الناسخ والمنسوخ للنحاس: 2/98]
قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {لا جناح عليكم إن طلّقتم النّساء ما لم تمسّوهنّ}:
أمر الله في هذه الآية بالمتعة على من طلّق قبل الدخول ولم يفرض. قال ابن المسيّب: كانت المتعة واجبةً لمن لم يدخل بها من النساء، بقوله في الأحزاب: {فمتّعوهنّ وسرّحوهنّ سراحًا جميلاً} [الأحزاب: 49]، وبقوله في هذه السّورة: {ومتّعوهنّ على الموسع قدره، وعلى المقتر قدره} [البقرة: 236]. فنسخ ذلك بقوله: {وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضةً فنصف ما فرضتم} [البقرة: 237].
وعنه أيضًا أنه قال: كانت المتعة واجبةً بالآية التي في الأحزاب قوله: {فمتّعوهنّ وسرّحوهنّ سراحًا جميلاً}، قال: ثمّ نسخها بالآية التي في البقرة، قوله: {حقًّا على المحسنين}، ولم يقل عليكم ولا واجبٌ عليكم.
قال أبو محمد: ويلزم من قال بهذا القول أن يكون المنسوخ منها التي قد فرض لها خاصة، وتكون التي لم يفرض لها باقيةً على حكم إيجاب المتعة؛ لأنه قال في الآية النّاسخة: {وقد فرضتم لهنّ فريضةً}، فإذا كانت المطلّقة قبل الدّخول بها لم يفرض لها شيءٌ، فهي باقيةٌ على حكم الآية الأولى في إيجاب المتعة وهو قول ابن عباس وجماعةٍ من الفقهاء.
لكن إيجاب ذلك على المتقين وعلى المحسنين دون غيرهم يدلّ على
أنه ندبٌ غير فرض؛ إذ لم يقل حقًا عليكم وإذ لم يأت بتحديد ما يمتّع به في كتابٍ ولا سنّةٍ ولا إجماعٍ. فالنّدب أولى به؛ إذ لا يعلم قدره.
وعن علي رضي الله عنه أنه قال: المتعة واجبةٌ لكلّ مطلّقةٍ وبه قال الحسن وابن جبيرٍ والضّحاك.
وقال شريح: المتعة: ندب الله إلى فعلها عباده: قال: ولو كانت واجبةً لم تجب على المحسنين وعلى المتقين دون غيرهم، ولكان يقول: حقًا عليكم. وكان شريح يقول: متّع إن كنت من المحسنين. ألا تحبّ أن تكون من المتقين.
وهذا القول هو الاختيار وهو مذهب مالك.
وأكثر الفقهاء يأمر من عقد النّكاح على التعريض ولم يفرض
وطلّق قبل الدخول بالمتعة، ولا يحكم عليه بها.
ويكون قوله تعالى في الأحزاب: {فمتّعوهنّ}، على الندب بدلالة آية البقرة في قوله: "على المحسنين"، "وعلى المتقين"؛ وبدلالة أنها غير محدودةٍ "ولا مقدّرةٍ"، من كتاب الله ولا من سنّة رسول الله ولا من إجماع.
فمن متّع بدرهمٍ فأقل وجب له اسم الإمتاع، وكذلك من متّع بألف مثقال.
وليس لهذا في الفروض نظيرٌ يحمل عليه. فهو بالنّدب أولى منه بالفرض. وهو قول عامّة الفقهاء والصّحابة والتابعين إلا اليسير منهم.
وقد أجمعوا على أن المطلّقة قبل الدخول لا تضرب مع الغرماء بالمتعة كان قد فرض لها أو لم يفرض، وتضرب معهم بنصف ما فرض لها. فدلّ ذلك على أن المتعة غير واجبةٍ.
وليس قول من احتجّ بأن سورة الأحزاب نزلت بعد البقرة فلا ينسخ ما في البقرة ما في الأحزاب بشيءٍ، لأنه لا يدّعي أحدٌ أن البقرة كلّها نزلت بعد الأحزاب. بل نزل منها شيءٌ قبل الأحزاب وبعدها.
فقد قال ابن عباسٍ وعمر بن عبد العزيز: آخر آيةٍ نزلت: {واتّقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله} [البقرة: 281].
وقال عمرٌ رضي الله عنه: آخر ما نزل آية الرّبا.
وروي أن قوله: {واتّقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله} نزل قبل موت النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث ساعات، فقال: اجعلوها بعد ثمانين ومائتين من البقرة. فهذا يدلّ على أنّ أشياء من البقرة نزلت بعد الأحزاب. ولسنا نعيّن شيئًا من ذلك إلا برواية صحيحة.
فلا حجّة في أن الأحزاب نزلت بعد البقرة.
وعن ابن عباس: أنّ المتعة واجبةٌ للتي طلّقت قبل الدخول ولم يفرض لها. وبه قال العراقيون غير أنّهم حدّوا ما تمتّع به، فقالوا: إذا طلّق قبل الدخول ولم يفرض لها، متّعها بمثل نصف صداق مثلها.
).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]
قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ): (ومن ذلك قوله عز وجل: {ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره متاعا بالمعروف حقا على المحسنين} الآية [البقرة: 236].
قال ابن المسيب: وجبت المتعة لغير المدخول بها بهذه الآية، وبقوله تعالى في الأحزاب: {فمتعوهن وسرحوهن} الآية [الأحزاب: 49] قال: ثمنسخ ذلك بقوله عز وجل: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن وقد فرضتم لهن فريضة فنصف ما فرضتم} الآية [البقرة: 237] وهذا ليس بنسخ لذلك؛ لأن الأولى في التي لم يفرض لها، والثانية في التي قد فرض لها.
وقال ابن المسيب أيضا: كانت المتعة واجبة بقوله عز وجل في سورة الأحزاب: {فمتعوهن وسرحوهن} الآية [الأحزاب: 49] ثم نسخت بآية البقرة، وهو قوله عز وجل: {حقا على المحسنين} الآية [البقرة: 236]، قال: ولم يقل: حقا عليكم، وهذا أيضا ليس كذلك؛ لأن قوله عز وجل {حقا على المحسنين} الآية [البقرة: 236] و{حقا على المتقين} الآية [البقرة: 241] لا يعارض قوله عز وجل: {فمتعوهن} ولذلك قال علي رضي الله عنه: المتعة واجبة لكل مطلقة، وإليه ذهب الحسن البصري والضحاك وابن جبير، وقال شريح: هي مندوب إليها، فمتع إن كنت تحب أن تكون من المحسنين، ألا تحب أن تكون من المتقين، وقال ابن عباس رحمه الله وغيره: (هي واجبة للتي لم يفرض لها إذا طلقت قبل الدخول، على الموسر خادم، ويمتع المتوسط بالورق، ودون المتوسط بالكسوة والنفقة)، وكذلك قال قتادة. وليس الغرض إيراد المذاهب وإنما الغرض أن الآية غير منسوخة ولا ناسخة.
). [جمال القراء: 1/249-271]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين

أم صفية آل حسن 26 جمادى الآخرة 1434هـ/6-05-2013م 08:09 PM

قوله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّـهِ قَانِتِينَ(238)}

قَالَ مَكِّيُّ بنُ أبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ) : (قوله تعالى: {حافظوا على الصّلوات والصّلاة الوسطى وقوموا للّه قانتين}.تواترت الأخبار عن عائشة رضي الله عنها أنها قرأت: والصّلاة الوسطى وصلاة العصر.
فقال بعض العلماء: إن هذا مما نسخ من التّلاوة وبقي حفظه في القلوب.
وقيل: هي قراءةٌ على التفسير، وهذا إنما يصحّ بحذف الواو من "وصلاة العصر".
وهذا كلّه صحّ فإنما نسخه الإجماع على ما في المصحف، لأنّه لا يزاد فيه شيءٌ يخالف خطّه.
وقد روي عن البراء بن عازب أن قال: كنّا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم {حافظوا على الصلوات وصلاة العصر}. قال: وكذلك نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم: قال: ثم إنّ الله نسخها بقوله: {حافظوا على الصّلوات والصّلاة الوسطى}.
فمن قال: الوسطى: صلاة العصر، قال: كان لها اسمان نسخ أحدهما بالآخر.
ومن قال: الوسطى غير صلاة العصر، لم يجعل للعصر إلا اسمًا واحدًا نسخ بصلاةٍ أخرى.
والوسطى عند مالك صلاة الصّبح لأنها بين صلاتين من اللّيل
وصلاتين من النهار، ولأنها أفضل الصلوات الخمس بدلائل قد ذكرناها في غير هذا. وفيها اختلافٌ كثيرٌ قد ذكرناه في غير هذا الكتاب.
قوله تعالى: {وقوموا للّه قانتين} [البقرة: 238]:قال بعض العلماء: هذا ناسخٌ لما كانوا عليه من الكلام في الصّلاة للنوائب، وردّ السلام، وتشميت العاطس في الخطبة، والأمر بقضاء الحوائج، ونسخ النّفخ في الصلاة بما نسخ به الكلام أيضًا، وكذلك، التّنحنح.
وقد روي أن النبيّ صلى الله عليه وسلم فعلهما في الصّلاة قبل نسخ الكلام في الصّلاة، ثم نسخا بما نسخ به الكلام.
قال أبو محمد: وقد كان يجب ألا يذكر هذا؛ لأنه لم ينسخ قرآنًا، إنما نسخ أمرًا كانوا عليه بغير إباحةٍ من الله ورسوله لهم، ولا نهى عنه. والقرآن كلّه على هذا المعنى نزل.
وأصل القنوت: الطاعة، فالواجب حمله على أصله، ويكون معناه: الأمر بالطاعة لله على كل حال لا يخص صلاة دون غيرها.
ويكون ترك الكلام في الصّلاة بفعل النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته بهم أكثر ما أقام بينهم، فهو من التّواتر المقطوع على تغييبه.
فمن قال نسخ الكلام في الصلاة بقوله: {وقوموا لله قانتين} قال: نسخ ذلك في المدينة.
ومن قال: نسخ ذلك بالسّنّة، قال: نسخ الكلام في الصّلاة بمكة وهو مذهب الشافعي.
.).[الإيضاح لناسخ القرآن ومنسوخه:123- 200]

روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين

أم صفية آل حسن 26 جمادى الآخرة 1434هـ/6-05-2013م 08:09 PM

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُ‌ونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِّأَزْوَاجِهِم مَّتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ‌ إِخْرَ‌اجٍ ۚ فَإِنْ خَرَ‌جْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِي مَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ مِن مَّعْرُ‌وفٍ ۗ وَاللَّـهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(240)}

قال الوليد بن محمد الموقّري الأموي (ت:182هـ): حدثني محمد بن مسلم بن عبد الله بن شِهَاب الزهري(124هـ) قال: (فقال تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصيةً لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراجٍ}. فنسخها بآية الميراث التي فرض لهن فيها الربع والثمن. *). [الناسخ والمنسوخ للزهري: 18-22]
قال محمد بن كثيرٍ العَبْدي (ت:223هـ) عن همّام بن يحيى البصري قال: (وعن قوله عز وجل: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج} قال كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها كان لها السكنى والنفقة حولا من مال زوجها ما لم تخرج ثم نسخ ذلك بعد في سورة النساء فجعل لها فريضة معلومة الثمن إن كان له ولد والربع إن لم يكن له ولد وعدتها {أربعة أشهر وعشرا} فنسخت هذه الآية ما كان قبلها من أمر الحول ونسخت الفريضة الثمن والربع ما كان قبلها من النفقة في الحول ). [الناسخ والمنسوخ لقتادة: 1/31-38]
قَالَ هِبَةُ اللهِ بنُ سَلامَةَ بنِ نَصْرٍ المُقْرِي (ت: 410 هـ): (الآية السّادسة والعشرون قوله تعالى {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً وصيّةً لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج} كان رجل إذا مات عن امرأته أنفق عليها من ماله حولا كاملا وهي في عدته ما لم تخرج فإن خرجت انقضت العدة ولا شيء لها وكانوا إذا أقاموا بعد الميّت حولا عمدت المرأة فأخذت بعرة فألقتها في وجه كلب تخرج بذلك من عدتها عندهم فنسخ الله تعالى ذلك بالآية الّتي قبلها في النّظم وهي قوله تعالى {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشراً} فصارت الأربعة أشهر والعشر ناسخة للحول وليس في كتاب الله تعالى آية ناسخة في سورة إلّا والمنسوخ قبلها إلّا هذه الآية وآية أخرى في سورة الأحزاب وهي قوله تعالى {لا يحل لك النساء من بعد} نسختها
الآية الّتي قبلها وهي قوله {يا أيها النّبي إنّا أحللنا لك أزواجك} الآية هذه الناسخة والمنسوخة {لا يحل لك النساء من بعد} ونسخ النّفقة بالربع والثمن فقال {والّذين يتوفون منكم} إلى قوله {وعشرا} جميعها محكم غير أولها
). [الناسخ والمنسوخ لابن سلامة: 31-59]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (ذكر الآية الثّالثة والثّلاثين: قوله تعالى: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً وصيّةً لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراجٍ}.
قال المفسّرون: كان أهل الجاهليّة إذا مات أحدهم مكثت زوجته في بيته حولا ينفق عليها من ميراثه فإذا تمّ الحول خرجت إلى باب بيتها ومعها بعرة فرمت بها كلباً، وخرجت بذلك من عدّتها وكان معنى رميها
بالبعرة: أنّها تقول مكثي بعد وفاة زوجي أهون عندي من هذه البعرة. ثمّ جاء الإسلام فأقرهم على ما كانوا عليه من مكث الحول بهذه الآية ثمّ نسخ ذلك بالآية المتقدّمة في نظم القرآن على هذه الآية. وهي قوله تعالى: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشراً} ونسخ الأمر بالوصيّة لها بما فرض لها من ميراثه وهذا مجموع (قول) الجماعة.
أخبرنا إسماعيل بن أحمد، قال: أبنا أبو الفضل عمر بن عبيد اللّه البقّال: قال، أبنا أبو الحسين بن بشران، قال: أبنا إسحاق بن أحمد الكاذيّ، فال: بنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبلٍ، قال حدّثني أبي، قال: بنا حجّاجٌ عن ابن جريجٍ عن عطاءٍ الخراسانيّ عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما {والّذين يتوفّون
منكم ويذرون أزواجاً وصيّةً لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراجٍ} فكان للمتوفي زوجها نفقتها وسكناها في الدّار سنةً فنسخها آية الميراث فجعل لهنّ الرّبع والثّمن ممّا ترك الزّوج.
وقال أحمد: وحدّثنا عبد الصّمد عن همّامٍ عن قتادة {متاعاً إلى الحول} فنسختها {يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشراً} فنسخت ما كان قبلها من أمر النّفقة في الحول ونسخت الفريضة الثّمن والرّبع ما كان قبلها من نققة (في الحول).
قال أحمد: وحدّثنا محمّد بن [جعفرٍ] الوركانيّ، قال بنا أبو الأحوص عن سماكٍ عن عكرمة {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً وصيّةً
لأزواجهم} قال: نسختها {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشراً}.
قال أحمد: وحدّثنا وكيعٌ عن سفيان عن ابن جريجٍ عن عطاء (وصية لأزواجهم) قال: كانت المرأة في
الجاهليّة تعطى سكنى سنةٍ من يوم توفّي زوجها [فنسختها (أربعة أشهرٍ وعشراً] ).
وعن سفيان عن حبيب بن أبي ثابتٍ قال: سمعت إبراهيم قال: هي منسوخةٌ.
قال أحمد: وحدّثنا عبد الوهّاب عن سعيدٍ عن قتادة {وصيّةً لأزواجهم متاعاً إلى الحول} قال: كانت المرأة إذا توفّي عنها زوجها كان لها السّكنى والنفقة حولاً من ماله مالم تخرج من بيته ثمّ نسخ ذلك بقوله: {يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشراً}.
). [نواسخ القرآن:125- 236]
قالَ أبو الفَرَجِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَلِيٍّ ابْنِ الْجَوْزِيِّ (ت:597هـ): (الحادية والعشرون: {والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً وصيّةً لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراجٍ} قال المفسرون كانت الجاهلية تمكث زوجة المتوفي في بيته حولا ينفق عليها من ميراثه فأقرهم بهذه الآية على مكث الحول ثم نسخها {يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهرٍ وعشراً} . ). [المصَفَّى بأكُفِّ أهلِ الرسوخ: 14-21]

قالَ عَلَمُ الدِّينِ عليُّ بنُ محمَّدٍ السَّخَاوِيُّ (ت:643هـ):(
ومن ذلك قوله عز وجل: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج} الآية [البقرة: 240] قال جماعة: هي منسوخة بالتي تقدمت، وهي قوله عز وجل: {يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا} الآية [البقرة: 234] قالوا: نسخت هذه الحول، ونسخت آية الميراث النفقة عليها إلى الحول.

وقال الربيع: كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها أقامت إن شاءت حولا ولها السكنى والنفقة، فنسخ ذلك آية الميراث.
وقال عبد الملك بن حبيب: كانت الحرة المتوفى عنها زوجها تخير بين أن تقيم في بيته وينفق عليها من ماله سنة وبين أن تخرج فلا يكون لها شيء من ماله، فنسخ ذلك بآية الميراث.
وليست هذه الآية بمنسوخة بالتي قبلها؛ لأن الناسخ يتأخر نزوله عن المنسوخ، فكيف يكون نزولها متأخرا ثم توضع في التأليف قبل ما نزلت بعده، ناسخة له من غير فائدة في لفظ ولا معنى!، واحتجوا لذلك بأن المكي قد يؤخر عن المدني في السور، وليس هذا مثل ذلك، وليس في تقديم السورة وتأخيرها شيء من الإلباس بخلاف الآيات.
وقال الزمخشري: فإن قلت: كيف نسخت الآية المتقدمة المتأخرة؟ قلت: قد تكون الآية متقدمة في التلاوة وهي متأخرة في التنزيل، كقوله تعالى: {سيقول السفهاء} الآية [البقرة: 142] مع قوله: {قد نرى تقلب وجهك في السماء} الآية [البقرة: 144].
والذي قال: غير صحيح، بل التلاوة على ترتيب التنزيل، وقد تقدم أن قوله عز وجل: {فول وجهك شطر المسجد الحرام} الآية [البقرة: 144] نزل بعد قولهم: {ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها} الآية [البقرة: 142] أي: دم على ذلك {وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره} الآية [البقرة: 144]، وقد قيل: إن أول ما نزل في ذلك قوله عز وجل: {ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله} الآية [البقرة: 142]، قيل: أعلم الله نبيه ما هم قائلون، فقال: إذا قالوا ذلك فقل لهم: {ولله المشرق والمغرب} الآية [البقرة: 142].
وقد تقدم أيضا قوله: {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} الآية [البقرة: 125] فهذا يدل على ما قلناه من أن قوله عز وجل: {فول وجهك شطر المسجد الحرام} الآية [البقرة: 144] أمر بالدوام على ما كان أمره به من اتخاذ المقام مصلى، ثم إن هذه الآيات كلها في قصة بخلاف الناسخ والمنسوخ، ولم يقل أحد من المفسرين إن قوله عز وجل: {سيقول السفهاء} الآية [البقرة: 142] أنزل بعد قوله تعالى: {قد نرى تقلب وجهك في السماء فول وجهك} الآية [البقرة: 144]، وإنما وهم الزمخشري فظن أن الإخبار بما يكون بعد الشيء قبل وقوعه هو الواقع بعده، وهذا غلط بين، وإنما مثال هذا أن يقول الملك لمن يريد أن يوليه ناحية: سيطعن السفهاء في ولايتك، ثم يقول له بعد ذلك: تول ناحية كذا كذلك.
قال الله تعالى: {سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها} الآية [البقرة: 142]، إخبارا بما سيكون بعد التولية، ثم قال سبحانه بعد ذلك: {قد نرى تقلب وجهك في السماء} الآية [البقرة: 144]، وهذا واضح جدا، وقد خفي عليه فصار إلى ما صار إليه من تقدم الآية في التلاوة وتأخرها في الإنزال، وليس بهين أن تجعل كلام الله عز وجل بهذه المثابة.
بل أقول: إن الآية غير منسوخة بالتي تقدمت، بل معناها إن المتوفى عنها زوجها كانت لها متعة كما أن للمطلقة متعة، وكانت متعة المتوفى عنها زوجها أن تخير بعد انقضاء العدة بين أن تقيم إلى تمام الحول ولها السكنى والنفقة، وبين أن تخرج، يدل على صحة ذلك قوله سبحانه وتعالى: {متاعا إلى الحول غير إخراج} الآية [البقرة: 240] أي: لا تخرج إذا لم ترد، ثم قال تعالى: {فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف} الآية [البقرة: 234]، وأباح لها أن تخرج، ولو كانت العدة حولا لم يبح لها ذلك، ولم تكن مخيرة فيه، ومن لم يفرق بين هذا وبين قوله عز وجل: {يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا فإذا بلغن أجلهن فلا جناح عليكم} الآية [البقرة: 234]، ويميز بين المكث الواجب كيف جاء بهذا اللفظ، وبين المكث الراجع إلى الاختيار كيف جاء باللفظ الآخر، فقد سلب آلة التمييز، بل الآية المتأخرة دالة على تقدم الأولى بقوله عز وجل: {فإن خرجن فلا جناح عليكم فيما فعلن في أنفسهن من معروف} الآية [البقرة: 234] أي: فإن اخترن الخروج بعد بلوغ الأجل المذكور في الآية المتقدمة فلا حرج.
وقد قال مجاهد: إن الآية محكمة، ولها السكنى والنفقة من مال زوجها إن شاءت.
وإن قلنا: إن ذلك قد كان ثم بطل بأنه لا وصية لوارث، فذاك موافق لما عليه الجمهور، وأما أن نقول: إنها منسوخة بما تقدمها فلا.
وهذا الموضع من أقبح ما ذكروه في كتاب الله عز وجل.
ثم ذكر بعد هذه المتعة الطلاق، فقال عز وجل عقيب هذه: {وللمطلقات متاع بالمعروف حقا على المتقين} الآية [البقرة: 241].
ومن ذلك قول ابن زيد في قوله عز وجل: {إلا أن تقولوا قولا معروفا} الآية [البقرة: 235] إنه منسوخ بقوله عز وجل: {ولا تعزموا عقدة النكاح} الآية [البقرة: 235] وليس كما قال، بل هي محكمة، والمراد بذلك التعريض بالنكاح.
). [جمال القراء: 1/249-271]
روابط ذات صلة:
- أقوال المفسرين


الساعة الآن 08:48 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة