جمهرة العلوم

جمهرة العلوم (http://jamharah.net/index.php)
-   تفسير سورة الإسراء (http://jamharah.net/forumdisplay.php?f=848)
-   -   تفسير سورة الإسراء [ من الآية (90) إلى الآية (93) ] (http://jamharah.net/showthread.php?t=21245)

أم سهيلة 28 جمادى الأولى 1434هـ/8-04-2013م 08:34 AM

تفسير سورة الإسراء [ من الآية (90) إلى الآية (93) ]
 
{وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93) }



أم سهيلة 28 جمادى الأولى 1434هـ/8-04-2013م 08:39 AM

تفسير السلف
 
تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (معمر عن قتادة في قوله تعالى حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا قال عيونا). [تفسير عبد الرزاق: 1/389]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقالوا لن نؤمن لك حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا}.
يقول تعالى ذكره: وقال يا محمّد المشركون باللّه من قومك لك: لن نصدّقك حتّى تفجر لنا من أرضنا هذه عينًا تنبع لنا بالماء.
وقوله {ينبوعًا} يفعولٌ من قول القائل: نبع الماء: إذا ظهر وفار، ينبع وينبع، وهو ما نبع. كما؛
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله {حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا} أي حتّى تفجر لنا من الأرض عيونًا: أي ببلدنا هذا.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، قوله {حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا} قال: عيونًا.
- حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة، مثله.
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، {ينبوعًا} قال: عيونًا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
واختلفت القرّاء في قراءة قوله {تفجر} فروي عن إبراهيم النّخعيّ أنّه قرأ {حتّى تفجر لنا} خفيفةً وقوله {فتفجّر الأنهار خلالها تفجيرًا} بالتّشديد، وكذلك كانت قرّاء الكوفيّين يقرءونها، فكأنّهم ذهبوا بتخفيفهم الأولى إلى معنى: حتّى تفجّر لنا من الأرض ماءً مرّةً واحدةً. وبتشديدهم الثّانية إلى أنّها " تفجّر " في أماكن شتّى، مرّةً بعد أخرى، إذا كان ذلك تفجّر أنهارٍ لا نهرٌ واحدٌ، والتّخفيف في الأولى والتّشديد في الثّانية على ما ذكرت من قراءة الكوفيّين أعجب إليّ لما ذكرت من افتراق معنييهما، وإن لم تكن الأخرى مدفوعةً صحّتها). [جامع البيان: 15/77-79]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 90 - 96.
أخرج ابن جرير، وابن إسحاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن عتبة وشيبة ابني ربيعة وأبا سفيان بن حرب ورجلا من بني عبد الدار وأبا البختري - أخا بني أسد - والأسود بن المطلب وزمعة بن الأسود والوليد بن المغيرة وأبا جهل بن هشام وعبد الله بن أبي أمية وأمية بن خلف والعاص بن وائل ونبيها ومنبها ابني الحجاج السهميين اجتمعوا بعد غروب الشمس عند ظهر الكعبة فقال بعضهم لبعض: ابعثوا إلى محمد وكلموه وخاصموه حتى تعذروا فيه، فبعثوا إليه أن أشراف قومك قد اجتمعوا إليك ليكلموك فجاءهم رسول الله صلى الله عليه وسلم سريعا وهو يظن أنهم قد بدا لهم في أمره بدء وكان عليهم حريصا يحب رشدهم ويعز عليه عنتهم حتى جلس إليهم فقالوا: يا محمد إنا قد بعثنا إليك لنعذرك وإنا والله، ما نعلم رجلا من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك لقد شتمت الآباء وعبت الدين وسفهت الأحلام وشتمت الآلهة وفرقت الجماعة فما بقي من قبيح إلا وقد جئته فيما بيننا وبينك، فإن كنت إنما جئت بهذا الحديث تطلب مالا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالا وإن كنت إنما تطلب الشرف فينا سودناك علينا وإن كنت تريد ملكا ملكناك علينا وإن كان هذا الذي يأتيك بما يأتيك رئيا تراه قد غلب عليك - وكانوا يسمون التابع من الجن الرئي - فربما كان ذلك بذلنا أموالنا في طلب الطب حتى نبرئك منه أو نعذر في، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بي ما تقولون، ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم ولا فيئكم ولا الملك عليكم ولكن الله بعثني إليكم رسولا وأنزل علي كتابا وأمرني أن أكون لكم بشيرا ونذيرا فبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم، فإن تقبلوا مني ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم، فقالوا: يا محمد فإن كنت غير قابل منا ما عرضنا عليك فقد علمت أنه ليس أحد من الناس أضيق بلادا ولا أقل مالا ولا أشد عيشا منا فاسأل ربك الذي بعثك بما بعثك به فليسير عنا هذه الجبال التي قد ضيقت علينا وليبسط لنا بلادنا وليجر فيها أنهارا كأنهار الشام والعراق وليبعث لنا من قد مضى من آبائنا وليكن فيمن يبعث لنا منهم قصي بن كلاب فإنه كان شيخا صدوقا فنسألهم عما تقول حق هو أم باطل فإن صنعت ما سألناك وصدقوك صدقناك وعرفنا به منزلتك من عند الله وإنه بعثك رسولا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بهذا بعثت إنما جئتكم من عند الله بما بعثني به فقد بلغتكم ما أرسلت به إليكم، فإن تقبلوه فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم، قالوا: فإن لم تفعل لنا فخر لنفسك فاسأل ربك أن يبعث ملكا يصدقك بما تقول ويراجعنا عنك وتسأله أن يجعل لك جنانا وكنوزا وقصورا من ذهب وفضة ويغنيك عما نراك تبتغي - فإنك تقوم بالأسواق وتلتمس المعاش كما نلتمسه - حتى نعرف منزلتك من ربك إن كنت رسولا كما تزعم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنا بفاعل، ما أنا بالذي يسأل ربه هذا، وما بعثت إليكم بهذا ولكن الله بعثني بشيرا ونذيرا فإن تقبلوا ما جئتكم به فهو حظكم في الدنيا والآخرة وإن تردوه علي أصبر لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم، قالوا: فأسقط السماء كما زعمت أن ربك إن شاء فعل فإنا لن نؤمن لك إلا أن تفعل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك إلى الله إن شاء فعل بكم ذلك، قالوا: يا محمد قد علم ربك أنا سنجلس معك ونسألك عما سألناك ونطلب منك ما نطلب فيتقدم إليك ويعلمك ما تراجعنا به ويخبرك بما صانع في ذلك بنا إذا لم نقبل منك ما جئتنا به فقد بلغنا أنه إنما يعلمك هذا رجل باليمامة يقال له الرحمن وإنا والله لا نؤمن بالرحمن أبدا فقد أعذرنا إليك يا محمد أما والله لا نتركك وما فعلت بنا حتى نهلكك أو تهلكنا، وقال قائلهم: لن نؤمن لك حتى تأتي بالله والملائكة قبيلا، فلما قالوا ذلك قام رسول الله صلى الله عليه وسلم عنهم وقام معه عبد الله بن أبي أمية فقال: يا محمد عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم ثم سألوك لأنفسهم أمورا ليعرفوا بها منزلتك عند الله فلم تفعل ذلك ثم سألوك أن تعجل ما تخوفهم به من العذاب، فوالله ما أؤمن لك أبدا حتى تتخذ إلى السماء سلما ثم ترقى فيه وأنا أنظر حتى تأتيها وتأتي معك بنسخة منشورة معك أربعة من الملائكة يشهدون لك أنك كما تقول وأيم الله لو فعلت ذلك لظننت أني لا أصدقك، ثم انصرف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهله حزينا أسفا لما فاته مما كان طمع فيه من قومه حين دعوه ولما رأى من متابعتهم إياه، وأنزل عليه فيما قال له عبد الله بن أبي أمية: {وقالوا لن نؤمن لك} إلى قوله: {بشرا رسولا} وأنزل عليه في قولهم لن نؤمن بالرحمن (كذلك أرسناك في أمة قد خلت) (الرعد آية 30) الآية، وأنزل عليه فيما سأله قومه لأنفسهم من تسيير الجبال وتقطيع الجبال وبعث من مضى من آبائهم الموتى (ولو أن قرآنا سيرت به الجبال) (الرعد آية 31) الآية). [الدر المنثور: 9/442-446]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن بن جبير رضي الله عنه في قوله: {وقالوا لن نؤمن لك} قال: نزلت في أخي أم سلمة عبد الله بن أبي أمية، وأخرح ابن جرير عن إبراهيم النخعي رضي الله عنه أنه قرأ {حتى تفجر لنا} خفيفة). [الدر المنثور: 9/446]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة رضي الله عنه في قوله: {حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا} أي ببلدنا هذا). [الدر المنثور: 9/446-447]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {ينبوعا} قال: عيونا). [الدر المنثور: 9/447]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه قال: الينبوع هو الذي يجري من العين). [الدر المنثور: 9/447]

تفسير قوله تعالى: (أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أو تكون لك جنّةٌ من نخيل وعنبٍ فتفجّر الأنهار خلالها تفجيرًا}.
يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: وقال لك يا محمّد مشركو قومك: لن نصدّقك حتّى تستنبط لنا عينًا من أرضنا، تدفّق بالماء أو تفور، أو يكون لك بستانٌ، وهو الجنّة، من نخيل وعنبٍ، فتفجّر الأنهار بأرضنا هذه الّتي نحن بها خلالها، يعني: خلال النّخيل والكروم.
ويعني بقوله: {خلالها تفجيرًا} بينها في أصولها تفجيرًا بسبب أبنيتها). [جامع البيان: 15/79]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {أو تكون لك جنة من نخيل وعنب} يقول: ضيعة). [الدر المنثور: 9/447]

تفسير قوله تعالى: (أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (معمر عن قتادة في قوله تعالى أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا قال قطعا). [تفسير عبد الرزاق: 1/389]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى أو تأتي بالله والملائكة قبيلا قال عيانا). [تفسير عبد الرزاق: 1/389]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({قبيلًا} [الإسراء: 92] : " معاينةً ومقابلةً، وقيل: القابلة لأنّها مقابلتها وتقبل ولدها "). [صحيح البخاري: 6/83-84]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله قبيلًا معاينةً ومقابلةً وقيل القابلة لأنّها مقابلتها وتقبل ولدها قال أبو عبيدة والملائكة قبيلا مجاز مقابلةٍ أي معاينةٍ قال الأعشى كصرخة حبلى بشرتها قبيلها أي قابلتها وقال بن التّين ضبط بعضهم تقبل ولدها بضمّ الموحّدة وليس بشيء وروى بن أبي حاتمٍ من طريق سعيدٍ عن قتادة قبيلًا أي جندًا تعاينهم معاينةً). [فتح الباري: 8/393]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (قبيلاً معاينةً ومقابلةً وقيل القابلة لأنّها مقابلتها تقبل ولدها
أشار به إلى قوله تعالى: {أو تأتي باللّه والملائكة قبيلاً} (الإسراء: 92) وفسره بقوله: معاينة ومقابلة. قوله: (وقيل القابلة) ، أراد أنه قيل للمرأة الّتي تتلقى الولد عند الولادة قابلة لأنّها مقابلتها، أي: مقابلة المرأة الّتي تولدها. قوله: (تقبل ولدها) أي: تتلقاه عند الولادة، يقال: قبلت القابلة المرأة تقبلها قبالة بالكسر، أي: تلقّته عند الولادة، وقال ابن التّين: ضبطه بعضهم بتقبل ولدها بضم الموحدة وليس ببين قلت: تقبل بالفتح هو البين لأنّه من باب علم يعلم، وقد يظنّ أن تقبل ولدها من التّقبيل، وليس بظاهر). [عمدة القاري: 19/24]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({قبيلًا}) في قوله تعالى: {أو تأتي بالله والملائكة قبيلًا} [الإسراه: 92] قال أبو عبيدة أي (معاينة ومقابلة) أو معناه كفيلًا بما تدّعيه (وقيل القابلة) المرأة التي تتولى ولادة المرأة (لأنها مقابلتها وتقبل ولدها) أي تتلقاها عند الولادة. قال الأعشى:
كصرخة حبلى بشرتها قبيلها
أي قابلتها). [إرشاد الساري: 7/202-203]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أو تسقط السّماء كما زعمت علينا كسفًا أو تأتي باللّه والملائكة قبيلاً}.
اختلفت القرّاء في قراءة قوله: {كسفًا} فقرأته عامّة قرّاء الكوفة والبصرة بسكون السّين، بمعنى: ( أو تسقط السّماء كما زعمت علينا كسفًا )، وذلك أنّ الكسف في كلام العرب: جمع كسفةٍ، وهو جمع الكثير من العدد وللجنس، كما تجمع السّدرة بسدرٍ، والتّمرة بتمرٍ، فحكي عن العرب سماعًا: أعطني كسفةً من هذا الثّوب: أي قطعةً منه، يقال منه: جاءنا بثريدٍ كسفٍ: أي قطع خبزٍ.
وقد يحتمل إذا قرئ كذلك " كسفًا " بسكون السّين أن يكون مرادًا به المصدر من كسف. فأمّا الكسف بفتح السّين، فإنّه جمع ما بين الثّلاث إلى العشر، يقال: كسفةٌ واحدةٌ، وثلاث كسفٍ، وكذلك إلى العشر.
وقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل المدينة وبعض الكوفيّين {كسفًا} بفتح السّين بمعنى: جمع الكسفة الواحدة من الثّلاث إلى العشر، يعني بذلك قطعًا: ما بين الثّلاث إلى العشر.
وأولى القراءتين في ذلك بالصّواب عندي قراءة من قرأه بسكون السّين، لأنّ الّذين سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ذلك، لم يقصدوا في مسألتهم إيّاه ذلك أن يكون بحدٍّ معلومٍ من القطع، إنّما سألوا أن يسقط عليهم من السّماء قطعًا، وبذلك جاء التّأويل أيضًا من أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله {كسفًا} قال: السّماء جميعًا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- قال ابن جريجٍ: قال عبد اللّه بن كثيرٍ، عن مجاهدٍ، قوله {كما زعمت علينا كسفًا} قال: هذه مرّةً واحدةً، والّتي في الرّوم {ويجعله كسفًا} قال: قطعًا، قال ابن جريجٍ: كسفًا لقول اللّه: {إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفًا من السّماء}.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {أو تسقط السّماء كما زعمت علينا كسفًا} قال: أي قطعًا.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة {كسفًا} قال: قطعًا.
- حدّثنا عليٌّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {كسفًا} يقول: قطعًا.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله {أو تسقط السّماء كما زعمت علينا كسفًا} يعني قطعًا.
القول في تأويل قوله: {أو تأتي باللّه والملائكة قبيلاً}.
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل المشركين لنبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: أو تأتي باللّه يا محمّد والملائكة قبيلاً.
واختلف أهل التّأويل في معنى القبيل في هذا الموضع، فقال بعضهم: معناه: حتّى تأتي باللّه والملائكة كلّ قبيلةٍ منّا قبيلةً قبيلةً، فيعاينونهم
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {والملائكة قبيلاً} قال: على حدتنا، كلّ قبيلةٍ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، قوله {أو تأتي باللّه والملائكة قبيلاً} قال: قبائل على حدتها كلّ قبيلةٍ.
وقال آخرون: معنى ذلك: أو تأتي باللّه والملائكة عيانًا نقابلهم مقابلةً، فنعاينهم معاينةً.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {أو تأتي باللّه والملائكة قبيلاً} نعاينهم معاينةً.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، {أو تأتي باللّه والملائكة قبيلاً} فنعاينهم.
ووجّهه بعض أهل العربيّة إلى أنّه بمعنى الكفيل من قولهم: هو قبيل فلانٍ بما لفلانٍ عليه وزعيمه.
وأشبه الأقوال في ذلك بالصّواب، القول الّذي قاله قتادة من أنّه بمعنى المعاينة، من قولهم: قابلت فلانًا مقابلةً، وفلان قبيل فلانٍ، بمعنى قبالته، كما قال الشّاعر:
نصالحكم حتّى تبوءوا بمثلها = كصرخة حبلى يسّرتها قبيلها
يعني قابلتها.
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يقول: إذا وصفوا بتقدير فعيلٍ من قولهم قابلت ونحوها، جعلوا لفظ صفة الاثنين والجميع من المؤنّث والمذكّر على لفظٍ واحدٍ، نحو قولهم: هذه قبيلي، وهما قبيلي، وهم قبيلي، وهنّ قبيلي). [جامع البيان: 15/79-83]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ينبوعا يعني عيونا أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا يعني السماء جميعا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا يعني بكل قبيل على حدة أو يكون لك بيت من زخرف يعني ذهب ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه من رب العالمين إلى فلان بن فلان لكل رجل صحيفة تصبح عند رأسه يقرؤها). [تفسير مجاهد: 370]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا} قال: قطعا). [الدر المنثور: 9/447]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {أو تأتي بالله والملائكة قبيلا} قال: عيانا). [الدر المنثور: 9/447]

تفسير قوله تعالى: (أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرني أشهل، عن شعبة بن الحجّاج، عن الحكم، عن مجاهد قال: ما كنا ندري ما {بيتٌ من زخرفٍ}، حتى سمعنا قراءة عبد الله: بيتاً من ذهبٍ). [الجامع في علوم القرآن: 1/139]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا إسرائيل عن أبي إسحاق وابن عيينة عن أصحابه عن أبي إسحاق عن رجل من بني تميم أنه قال لابن عباس ما ولا يظلمون فتيلا قال ففت بين أصبعيه فخرج بينهما شيء فقال هو هذا
قال أخبرني الثوري عن رجل عن الحكم قال: قال لي مجاهد كنا لا ندري ما الزخرف حتى رأيناه في قراءة ابن مسعود (أو يكون له بيت من ذهب)). [تفسير عبد الرزاق: 1/389-390] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى أو يكون لك بيت من زخرف قال بيت من ذهب). [تفسير عبد الرزاق: 1/390]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أو يكون لك بيتٌ من زخرفٍ أو ترقى في السّماء ولن نؤمن لرقيّك حتّى تنزل علينا كتابًا نقرؤه قل سبحان ربّي هل كنت إلاّ بشرًا رسولاً}.
يقول تعالى ذكره مخبرًا عن المشركين الّذين ذكر أمرهم في هذه الآيات: أو يكون لك يا محمّد بيتٌ من ذهبٍ، وهو الزّخرف. كما؛
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، {أو يكون لك بيتٌ من زخرفٍ} يقول: بيتٌ من ذهبٍ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله {من زخرفٍ} قال: من ذهبٍ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {أو يكون لك بيتٌ من زخرفٍ} والزّخرف هذا: الذّهب.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، في قوله {أو يكون لك بيتٌ من زخرفٍ} قال: من ذهبٍ.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن رجلٍ، عن الحكم، قال: قال مجاهدٌ: كنّا لا ندري ما الزّخرف حتّى رأيناه في قراءة ابن مسعودٍ: " أو يكون لك بيتٌ من ذهبٍ ".
- حدّثنا محمّد بن المثّنى حدّثنا قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن الحكم، عن مجاهدٍ، قال: لم أدر ما الزّخرف، حتّى سمعنا في قراءة عبد اللّه بن مسعودٍ: " بيتٌ من ذهبٍ ".
وقوله {أو ترقى في السّماء} يعني: أو تصعد في درجٍ إلى السّماء، وإنّما قيل في السّماء، وإنّما يرقى إليها لا فيها، لأنّ القوم قالوا: أو ترقى في سلّمٍ إلى السّماء، فأدخلت " في " في الكلام ليدلّ على معنى الكلام، يقال: رقيت في السّلم، فأنا أرقى رقيًا ورقيًّا ورقيًا، كما قال الشّاعر:
أنت الّذي كلّفتني رقي الدّرج = على الكلال والمشيب والعرج
وقوله: {ولن نؤمن لرقيّك} يقول: ولن نصدّقك من أجل رقيّك إلى السّماء {حتّى تنزّل علينا كتابًا} منشورًا {نقرؤه} فيه أمرنا باتّباعك والإيمان بك، كما؛
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قالا: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله {كتابًا نقرؤه} قال: من ربّ العالمين إلى فلانٍ، عند كلّ رجلٍ صحيفةٌ تصبح عند رأسه يقرؤها.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ بنحوه، إلاّ أنّه، قال: كتابًا نقرؤه من ربّ العالمين، وقال أيضًا: تصبح عند رأسه موضوعةً يقرؤها.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله {حتّى تنزّل علينا كتابًا نقرؤه} أي كتابًا خاصًّا نؤمر فيه باتّباعك.
وقوله: {قل سبحان ربّي} يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم: قل يا محمّد لهؤلاء المشركين من قومك القائلين لك هذه الأقوال، تنزيهًا للّه عمّا يصفونه به، وتعظيمًا له من أن يؤتى به وملائكته، أو يكون لي سبيلٌ إلى شيءٍ ممّا تسألونيه: {هل كنت إلاّ بشرًا رسولاً} يقول: هل أنا إلاّ عبدٌ من عبيده من بني آدم، فكيف أقدر أن أفعل ما سألتموني من هذه الأمور، وإنّما يقدر عليها خالقي وخالقكم، وإنّما أنا رسول أبلغكم ما أرسلت به إليكم، والّذي سألتموني أن أفعله بيد اللّه الّذي أنا وأنتم عبيدٌ له، لا يقدر على ذلك غيره.
وهذا الكلام الّذي أخبر اللّه أنّه كلّم به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيما ذكر كان من ملإٍ من قريشٍ اجتمعوا لمناظرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ومحاجّته، فكلّموه بما أخبر اللّه عنهم في هذه الآيات.
ذكر تسمية الّذين ناظروا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بذلك منهم
والسّبب الّذي من أجله ناظروه به
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا يونس بن بكيرٍ، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني شيخٌ من أهل مصر، قدم منذ بضعٍ وأربعين سنةً، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ أنّ عتبة وشيبة ابني ربيعة، وأبا سفيان بن حربٍ ورجلاً من بني عبد الدّار، وأبا البختريّ أخا بني أسدٍ، والأسود بن المطّلب، وزمعة بن الأسود، والوليد بن المغيرة، وأبا جهل بن هشامٍ، وعبد اللّه بن أبي أميّة، وأميّة بن خلفٍ، والعاص بن وائلٍ، ونبيهًا ومنبهًا ابني الحجّاج السّهميّين اجتمعوا، أو من اجتمع منهم، بعد غروب الشّمس عند ظهر الكعبة، فقال بعضهم لبعضٍ: ابعثوا إلى محمّدٍ فكلّموه وخاصموه حتّى تعذروا فيه، فبعثوا إليه: إنّ أشراف قومك قد اجتمعوا إليك ليكلّموك، فجاءهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سريعًا، وهو يظنّ أنّه بدا لهم في أمره بداءٌ، وكان عليهم حريصًا، يحبّ رشدهم ويعزّ عليه عنتهم، حتّى جلس إليهم، فقالوا: يا محمّد إنّا قد بعثنا إليك لنعذر فيك، وإنّا واللّه ما نعلم رجلاً من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك، لقد شتمت الآباء، وعبت الدّين، وسفّهت الأحلام، وشتمت الآلهة، وفرّقت الجماعة، فما بقي أمرٌ قبيحٌ إلاّ وقد جئته فيما بيننا وبينك، فإن كنت إنّما جئت بهذا الحديث تطلب مالاً، جمعنا لك من أموالنا حتّى تكون أكثرنا مالاً، وإن كنت إنّما تطلب الشّرف فينا سوّدناك علينا، وإن كنت تريد به ملكًا ملّكناك علينا، وإن كان هذا الّذي يأتيك بما يأتيك به رئيًا تراه قد غلب عليك وكانوا يسمّون التّابع من الجنّ: الرّئي فربّما كان ذلك، بذلنا أموالنا في طلب الطّبّ لك حتّى نبرّئك منه، أو نعذر فيك، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " ما بي ما تقولون، ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم، ولا الشّرف فيكم ولا الملك عليكم ولكنّ اللّه بعثني إليكم رسولاً، وأنزل عليّ كتابًا، وأمرني أن أكون لكم بشيرًا ونذيرًا، فبلّغتكم رسالة ربّي ونصحت لكم، فإن تقبلوا منّي ما جئتكم به فهو حظّكم في الدّنيا والآخرة، وإن تردّوه عليّ أصبر لأمر اللّه حتّى يحكم اللّه بيني وبينكم " أو كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقالوا: يا محمّد، فإن كنت غير قابلٍ منّا ما عرضنا عليك، فقد علمت أنّه ليس أحدٌ من النّاس أضيق بلادًا، ولا أقلّ مالاً، ولا أشد عيشًا منّا، فسل ربّك الّذي بعثك بما بعثك به، فليسيّر عنّا هذه الجبال الّتي قد ضيّقت علينا، ويبسط لنا بلادنا، وليفجّر فيها أنهارًا كأنهار الشّام والعراق، وليبعث لنا من مضى من آبائنا، وليكن فيمن يبعث لنا منهم قصيّ بن كلابٍ، فإنّه كان شيخًا صدوقًا، فنسألهم عمّا تقول، حقٌّ هو أم باطلٌ؟ فإن صنعت ما سألناك، وصدّقوك صدّقناك، وعرفنا به منزلتك عند اللّه، وأنّه بعثك بالحقّ رسولاً، كما تقول.
فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " وما بهذا بعثت، إنّما جئتكم من اللّه بما بعثني به، فقد بلّغتكم ما أرسلت به إليكم، فإن تقبلوه فهو حظّكم في الدّنيا والآخرة، وإن تردّوه عليّ أصبر لأمر اللّه حتّى يحكم اللّه بيني وبينكم " قالوا: فإن لم تفعل لنا هذا، فخذ لنفسك، فسل ربّك أن يبعث ملكًا يصدّقك بما تقول، ويراجعنا عنك، وتسأله فيجعل لك جنانًا وكنوزًا وقصورًا من ذهبٍ وفضّةٍ، ويغنيك بها عمّا نراك تبتغي، فإنّك تقوم بالأسواق، وتلتمس المعاش كما نلتمسه، حتّى نعرف فضل منزلتك من ربّك إن كنت رسولاً كما تزعم، فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " ما أنا بفاعلٍ، ما أنا بالّذي يسأل ربّه هذا، وما بعثت إليكم بهذا، ولكنّ اللّه بعثني بشيرًا ونذيرًا، فإن تقبلوا ما جئتكم به فهو حظّكم في الدّنيا والآخرة، وإن تردّوه عليّ أصبر لأمر اللّه حتّى يحكم اللّه بيني وبينكم " قالوا: فأسقط السّماء علينا كسفًا كما زعمت أنّ ربّك إن شاء فعل، فإنّا لا نؤمن لك إلاّ أن تفعل، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " ذلك إلى اللّه إن شاء فعل بكم ذلك " فقالوا: يا محمّد، فما علم ربّك أنّا سنجلس معك ونسألك عمّا سألناك عنه، ونطلب منك ما نطلب، فيتقدّم إليك، ويعلّمك ما تراجعنا به، ويخبرك ما هو صانعٌ في ذلك بنا إذ لم نقبل منك ما جئتنا به، فقد بلغنا أنّه إنّما يعلّمك هذا رجلٌ باليمامة يقال له الرّحمن، وإنّا واللّه ما نؤمن بالرّحمن أبدًا، أعذرنا إليك يا محمّد، أما واللّه لا نتركك وما بلغت بنّا حتّى نهلكك أو تهلكنا. وقال قائلهم: نحن نعبد الملائكة، وهنّ بنات اللّه، وقال قائلهم: لن نؤمن لك حتّى تأتينا باللّه والملائكة قبيلاً.
فلمّا قالوا ذلك، قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عنهم، وقام معه عبد اللّه بن أبي أميّة بن المغيرة بن عبد اللّه بن عمر بن مخزومٍ، وهو ابن عمّته ابن عاتكة ابنة عبد المطّلب، فقال له: يا محمّد عرض عليك قومك ما عرضوا فلم تقبله منهم، ثمّ سألوك لأنفسهم أمورًا، ليعرفوا منزلتك من اللّه فلم تفعل ذلك، ثمّ سألوك أن تعجّل ما تخوّفهم به من العذاب، فواللّه لا أومن لك أبدًا، حتّى تتّخذ إلى السّماء سلّمًا ترقى فيه، وأنا أنظر حتّى تأتيها، وتأتي معك بنسخةٍ منشورةٍ معك أربعةٌ من الملائكة يشهدون لك أنّك كما تقول، وايم اللّه لو فعلت ذلك لظننت ألاّ أصدّقك، ثمّ انصرف عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وانصرف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى أهله حزينًا أسفًا لما فاته ممّا كان يطمع فيه من قومه حين دعوه، ولما رأى من مباعدتهم إيّاه، فلمّا قام عنهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال أبو جهلٍ: يا معشر قريشٍ، إنّ محمّدًا قد أبى إلاّ ما ترون من عيب ديننا، وشتم آبائنا، وتسفيه أحلامنا، وسبّ آلهتنا، وإنّي أعاهد اللّه لأجلسنّ له غدًا بحجرٍ قدر ما أطيق حمله، فإذا سجد في صلاته فضخت رأسه به.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا ابن إسحاق، قال: حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ مولى زيد بن ثابتٍ، عن سعيد بن جبيرٍ أو عكرمة مولى ابن عبّاسٍ، عن ابن عبّاسٍ، بنحوه، إلاّ أنّه قال: وأبا سفيان بن حربٍ، والنّضر بن الحارث أخا بني عبد الدّار، وأبا البختريّ بن هشامٍ.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن أبي بشرٍ، عن سعيدٍ، قال: قلت له في قوله تعالى {لن نؤمن لك حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا} قال: قلت له: نزلت في عبد اللّه بن أبي أميّة، قال: قد زعموا ذلك). [جامع البيان: 15/84-91]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {أو يكون لك بيت من زخرف} قال: من ذهب). [الدر المنثور: 9/447]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو عبيد في فضائله، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن الأنباري في المصاحف وأبو نعيم في الحلية عن مجاهد رضي الله عنه قال: لم أكن أحسن ما الزخرف حتى سمعتها في قراءة عبد الله {أو يكون لك بيت من زخرف} قال: من ذهب). [الدر المنثور: 9/447-448]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن قتادة رضي الله عنه قال: الزخرف الذهب). [الدر المنثور: 9/448]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه} قال: من عند رب العالمين إلى فلان بن فلان يصبح عند كل رجل منا صحيفة عند رأسه موضوعة يقرؤها). [الدر المنثور: 9/448]


أم سهيلة 28 جمادى الأولى 1434هـ/8-04-2013م 08:41 AM

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({في هذا القرءان من كلّ مثلٍ فأبى أكثر النّاس إلا كفورًا {89} وقالوا لن نؤمن لك} [الإسراء: 89-90] لن نصدّقك.
{حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا} [الإسراء: 90]، أي: عيونًا ببلدنا هذا). [تفسير القرآن العظيم: 1/161]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (تفسير الكلبيّ في قوله: {لن نؤمن لك حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا} [الإسراء: 90]، قال: بلغنا، واللّه أعلم، أنّ عبد اللّه بن أبي أميّة المخزوميّ هو الّذي قال ذلك حين اجتمع الرّهط من قريشٍ بفناء الكعبة فسألوا نبيّ اللّه أن يبعث لهم بعض أمواتهم، ويسخّر لهم الرّيح، أو يسيّر لهم جبال مكّة، فلم يفعل شيئًا ممّا أرادوا، فقال عبد اللّه بن أبي أميّة عند ذلك: أما
تستطيع يا محمّد أن تفعل بقومك بعض ما سألوك، فوالّذي يحلف به عبد اللّه بن أبي أميّة لا أومن لك، أي: لا أصدّقك أبدًا حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا: عيونًا في تفسير مجاهدٍ وقتادة والكلبيّ.
{أو تكون لك جنّةٌ من نخيلٍ وعنبٍ فتفجّر الأنهار خلالها} [الإسراء: 91] يقول: بينها
{تفجيرًا {91} أو تسقط السّماء كما زعمت علينا كسفًا} [الإسراء: 91-92] قطعًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/162]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {من الأرض ينبوعاً...}.

الذي ينبع، ويقال: ينبع لغتان. و(تفجر) قرأها يحيى بن وثّاب وأصحاب عبد الله بالتخفيف. وكأن الفجر مرة واحد و(تفجّر) فكأن التفجير من أماكن.
وهو بمنزلة فتحت الأبواب وفتّحتها). [معاني القرآن: 2/131]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعاً} وهي يفعول من تبع الماء، أي ظهر وفاض). [مجاز القرآن: 1/390]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن وأبو عمرو {حتى تفجر لنا}.
إبراهيم {حتى تفجر لنا} من فجر يفجر). [معاني القرآن لقطرب: 831]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {من الأرض ينبوعا} وهي الينابيع من الماء؛ يقال: نبع الماء، ينبع وينبع وينبع، نبعًا ونبوعًا). [معاني القرآن لقطرب: 841]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {ينبوعا}: من نبع الماء). [غريب القرآن وتفسيره: 220]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ينبوعاً} أي عينا. وهو مفعول من نبع ينبع. ومنه يقال لمال على رحمه اللّه: ينبع). [تفسير غريب القرآن: 261]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {وقالوا لن نؤمن لك حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعا}
هذا قولهم بعد أن انقطعت حجتهم ولم يأتوا بسورة من القرآن ولا دفعوا أن يكون معجزة، فاقترحوا من الآيات ما ليس لهم، لأن الذي أتاهم به من القرآن وانشقاق القمر وما دلهم به على توحيد اللّه أبلغ وأعجز في القدرة مما اقترحوا، فقالوا: {حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعا}.
والينبوع تقديره تقدير يفعول، من نبع الشيء). [معاني القرآن: 3/259]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم أخبر الله أنهم لما عجزوا أن يأتوا بمثله وانقطعت حجتهم اقترحوا الآيات،
فقال جل وعز: {وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا} وقد أراهم الله من الآيات ما هو أكثر من هذا من انشقاق القمر وغير ذلك
وقال مجاهد ينبوع عيون
قال أبو جعفر وهو عند أهل اللغة من نبع ينبع وينبع
ومنه سمي مال علي بن أبي طالب رضي الله عنه ينبع). [معاني القرآن: 4/194-193]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ينبوعا} عينا). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 139]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {يَنْبوعاً}: فهو ينبع من الأرض). [العمدة في غريب القرآن: 184]

تفسير قوله تعالى: {أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({أو تكون لك جنّةٌ من نخيلٍ وعنبٍ فتفجّر الأنهار خلالها} [الإسراء: 91] خلال تلك الجنّة، {تفجيرًا {91} ). [تفسير القرآن العظيم: 1/162]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (تفسير الكلبيّ في قوله: {لن نؤمن لك حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا} [الإسراء: 90]، قال: بلغنا، واللّه أعلم، أنّ عبد اللّه بن أبي أميّة المخزوميّ هو الّذي قال ذلك حين اجتمع الرّهط من قريشٍ بفناء الكعبة فسألوا نبيّ اللّه أن يبعث لهم بعض أمواتهم، ويسخّر لهم الرّيح، أو يسيّر لهم جبال مكّة، فلم يفعل شيئًا ممّا أرادوا، فقال عبد اللّه بن أبي أميّة عند ذلك: أما
تستطيع يا محمّد أن تفعل بقومك بعض ما سألوك، فوالّذي يحلف به عبد اللّه بن أبي أميّة لا أومن لك، أي: لا أصدّقك أبدًا حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا: عيونًا في تفسير مجاهدٍ وقتادة والكلبيّ.
{أو تكون لك جنّةٌ من نخيلٍ وعنبٍ فتفجّر الأنهار خلالها} [الإسراء: 91] يقول: بينها
{تفجيرًا {91} أو تسقط السّماء كما زعمت علينا كسفًا} [الإسراء: 91-92] قطعًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/162] (م)

تفسير قوله تعالى: {أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({تفجيرًا {91} أو تسقط السّماء كما زعمت علينا كسفًا} [الإسراء: 91-92] قطعًا في تفسير قتادة.
وقال في آية أخرى: {إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفًا من السّماء} [سبأ: 9] وقال: {وإن يروا كسفًا} [الطور: 44] والكسف: القطعة {من السّماء ساقطًا يقولوا سحابٌ مركومٌ} [الطور: 44] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/162]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (تفسير الكلبيّ في قوله: {لن نؤمن لك حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا} [الإسراء: 90]، قال: بلغنا، واللّه أعلم، أنّ عبد اللّه بن أبي أميّة المخزوميّ هو الّذي قال ذلك حين اجتمع الرّهط من قريشٍ بفناء الكعبة فسألوا نبيّ اللّه أن يبعث لهم بعض أمواتهم، ويسخّر لهم الرّيح، أو يسيّر لهم جبال مكّة، فلم يفعل شيئًا ممّا أرادوا، فقال عبد اللّه بن أبي أميّة عند ذلك: أما
تستطيع يا محمّد أن تفعل بقومك بعض ما سألوك، فوالّذي يحلف به عبد اللّه بن أبي أميّة لا أومن لك، أي: لا أصدّقك أبدًا حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا: عيونًا في تفسير مجاهدٍ وقتادة والكلبيّ.
{أو تكون لك جنّةٌ من نخيلٍ وعنبٍ فتفجّر الأنهار خلالها} [الإسراء: 91] يقول: بينها
{تفجيرًا {91} أو تسقط السّماء كما زعمت علينا كسفًا} [الإسراء: 91-92] قطعًا). [تفسير القرآن العظيم: 1/162] (م)
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({أو تأتي باللّه والملائكة قبيلا} [الإسراء: 92] قال قتادة: أي نعاينهم معاينةً.
وقال مجاهدٌ: قبيلا: على حدّتها.
قال يحيى: وقال في آية أخرى: {أو جاء معه الملائكة مقترنين} [الزخرف: 53] ). [تفسير القرآن العظيم: 1/162]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {كما زعمت علينا كسفاً...}.

و {كسفاً} الكسف: الجماع. قال: سمعت أعرابيّا يقول لبزّاز ونحن بطريق مكة: أعطني كسفة أي قطعة. والكسف مصدر. وقد تكون الكسف جمع كسفة وكسف.
وقوله: {أو تأتي باللّه والملائكة قبيلاً} أي كفيلا). [معاني القرآن: 2/131]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {علينا كسفاً} من القطع فيجوز أن يكون واحداً أي قطعة، ويجوز أن يكون جميع كسفة فيخرج مخرج سدرة والجميع سدر، ويجوز أن تفتح ثاني حروفه فيخرج مخرج كسرة والجميع كسر، يقال: جاءنا بثريد كف، أي قطع خبز لم تثرد.
{والملائكة قبيلاً} مجازه: مقابلة، أي معاينة وقال:
نصالحكم حتى تبوؤا بمثلها= كصرخة حبلى بشّرتها قبيلها
أي قابلتها؛ فإذا وصفوا بتقدير فعيل من قولهم: قابلت ونحوها جعلوا لفظ صفة الأثنين والجميع من المذكر والمؤنث على لفظ واحد، نحو قولك: هي قبيلي وهما قبيلي وهم قبيلي وكذلك هن قبيلي). [مجاز القرآن: 1/391-390]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن كل ما في القرآن {كسفا}.
وأبو رجاء "كسفا".
وأبو عمرو كل ما في القرآن {كسفا} بكسر الكاف، وتسكين السين إلا التي في الروم {كسفا} فحرك.
[معاني القرآن لقطرب: 831]
والواحد من الكسف كسفة؛ وهو الغيم؛ وقالوا: كسفة وكسف وكسف لغات كلها؛ وقالوا: كسفت الثوب، أكسفه كسفا، وكسفته كسفًا؛ وكذلك الأديم، وكسفت عرقوبه كسفًا: إذا قطعت عصبه دون سائر الرجل؛ وكسفت الشمس تكسف كسوفًا، وانكسفت أيضًا، وكسفت، فهي مكسوفة؛ وكسفت باله وأكسفه الله إكسافًا: إذا أخذه باله بالشر.
قالت الخنساء ولم أسمعه إلا من كتاب:
وتناوحت هوج الرياح وأعصفت والماء جامد
كسفا تطردها الريا كأنها نزق طرائد
كأنه عنى الغين الذي ذكرنا). [معاني القرآن لقطرب: 832]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله {والملائكة قبيلا} فيكون ذلك من المقابلة؛ أي المعاينة.
وقال الشاعر:
[معاني القرآن لقطرب: 841]
نصالحكم حتى تبوءوا بمثلها = كصرخة حبلى يسرتها قبيلها
أي قابلتها؛ وهو واحد.
ويكون من قوله {يراكم هو وقبيله}؛ أي وصنفه.
وإن جعلت {قبيلا} من قبل به، وقبل به لغتان قبالة؛ والقبيل: الكفيل؛ فذلك معنى.
وقد ذكرنا كل ما فيه في سورة الأعراف). [معاني القرآن لقطرب: 842]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {كسفا}: قطعا ومن قال كسفا جعله جمع كسفة وهي القطعة.
[غريب القرآن وتفسيره: 220]
{والملائكة قبيلا}: جميعا وقال بعضهم معاينة ومقابلة). [غريب القرآن وتفسيره: 220]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {كسفاً} أي قطعا. الواحد: كسفة.
{أو تأتي باللّه والملائكة قبيلًا} أي ضمينا. يقال: قبلت به، أي كفلت به. وقال أبو عبيدة: معاينة. ذهب إلى المقابلة). [تفسير غريب القرآن: 261]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أو تكون لك جنّة من نخيل وعنب فتفجّر الأنهار خلالها تفجيرا * أو تسقط السّماء كما زعمت علينا كسفا أو تأتي باللّه والملائكة قبيلا }
(كسفا) و (كسفا)، فمن قرأ (كسفا) جعلها جمع كسفة، وهي القطعة.
ومن قرأ (كسفا) فكأنّه قال أو تسقطها طبقا علينا، واشتقاقه من كسفت الشيء إذا غطيته.
وقوله: {أو تأتي باللّه والملائكة قبيلا}.
في " قبيل " قولان، جائز أن يكون. تأمر بهم حتى نراهم مقابلة.
وأن يكون قبيلا كفيلا، يقال قبلت به أقبل قبالة، كقولك: كفلت به أكفل كفالة،
وكذلك قول الناس: قد تقبل فلان بهذا أي تكفل به). [معاني القرآن: 3/260-259]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفا}
روى معمر عن قتادة قال كسفا قطعا
وحكى الفراء أنه سمع أعرابيا يقول أعطني كسفه من هذا الثوب أي قطعة
ويقرأ كسفا والمعنى على هذه القراءة للسماء كلها أي طبقا
واشتقاقه من كسفت الشيء أي غطيته). [معاني القرآن: 4/194]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {أو تأتي بالله والملائكة قبيلا}
روى معمر وسعيد عن قتادة قال {قبيلا} أي عيانا
قال أبو جعفر ذهب إلى أنه من المقابلة
وقال غيره قبيلا أي كفيلا يقال قبلت به أي كفلت وتقبل فلان بكذا أي تكفل به). [معاني القرآن: 4/195-194]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {والملائكة قبيلا} أي ضمينا وقيل: معاينة). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 140]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {كِسَفاً}: قطعا.
{قَبيلاً}: جميعا). [العمدة في غريب القرآن: 184]

تفسير قوله تعالى: {أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {أو يكون لك بيتٌ من زخرفٍ} [الإسراء: 93] والزّخرف: الذّهب في تفسير قتادة والسّدّيّ، وقد ذكر ذلك قتادة عن ابن عبّاسٍ.
قال: {أو ترقى} [الإسراء: 93] تصعد.
{في السّماء ولن نؤمن لرقيّك} [الإسراء: 93] لصعودك.
{حتّى تنزّل علينا كتابًا نقرؤه} [الإسراء: 93] من اللّه إلى عبد اللّه بن أبي أميّة بن المغيرة: إنّي أرسلت محمّدًا، وتجيء بأربعةٍ من الملائكة يشهدون أنّ اللّه هو كتبه، ثمّ واللّه ما أدري بعد ذلك هل أؤمن لك، يقول أصدّقك أم لا.
قال اللّه لنبيّه: {قل سبحان ربّي هل كنت إلا بشرًا رسولا} [الإسراء: 93] وقال مجاهدٌ: {حتّى تنزّل علينا كتابًا نقرؤه} [الإسراء: 93] من ربّ العالمين، كلّ رجلٍ منّا تصبح عند رأسه صحيفةٌ موضوعةٌ يقرؤها.
وقال قتادة: {حتّى تنزّل علينا كتابًا نقرؤه} [الإسراء: 93] خاصّةٌ نؤمر فيه باتّباعك.
قال: {أو يكون لك بيتٌ من زخرفٍ} [الإسراء: 93] من ذهبٍ {أو ترقى في السّماء ولن نؤمن لرقيّك} [الإسراء: 93] أيضًا، فإنّ السّحرة قد تفعل ذلك فتأخذ بأعين النّاس، {حتّى تنزّل علينا كتابًا نقرؤه} [الإسراء: 93] إلى كلّ إنسانٍ منّا بعينه: من اللّه إلى فلان بن فلانٍ، وفلان بن فلانٍ وفلان بن فلانٍ، أن آمن بمحمّدٍ فإنّه رسولي.
أظنّه في تفسير الحسن وهو قوله: {بل يريد كلّ امرئٍ منهم أن يؤتى صحفًا منشّرةً} [المدثر: 52]، يعني: كتابًا من اللّه.
{قل سبحان ربّي هل كنت إلا بشرًا رسولا} [الإسراء: 93] هل كانت الرّسل تأتي بهذا فيما مضى، أن تأتي بكتابٍ من اللّه إلى كلّ إنسانٍ بعينه؟ كلا أنتم أهون على اللّه من أن يفعل بكم هذا.
فقالوا: لن نؤمن لك، لن نصدّقك حتّى تأتينا بخصلةٍ من هذه الخصال). [تفسير القرآن العظيم: 1/163]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ):
(وقوله: {أو ترقى في السّماء...}

المعنى: إلى السماء. غير أن جوازه أنهم قالوا: أو تضع سلّما فترقى عليه إلى السماء، فذهبت (في) إلى السلّم.
وقوله: {وما منع النّاس أن يؤمنوا} أن في موضع نصب {إلاّ أن قالوا} (أن) في موضع رفع.
{أو يكون لك بيتٌ من زخرفٍ} ... حدثني حبّان عن الكلبيّ قال: الزخرف: الذهب). [معاني القرآن: 2/132-131]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {بيتٌ من زخرفٍ} وهو مصدر المزخرف وهو المزيّن). [مجاز القرآن: 1/391]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله {أو ترقى في السماء} رقي يرقى رقيا: وهو صعوده؛ وهو قوله {ولن نؤمن لرقيك} ). [معاني القرآن لقطرب: 842]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {زخرف}: مزخرف مزين). [غريب القرآن وتفسيره: 221]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {بيتٌ من زخرفٍ} أي من ذهب). [تفسير غريب القرآن: 261]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السّماء ولن نؤمن لرقيّك حتّى تنزّل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربّي هل كنت إلّا بشرا رسولا}
جاء في التفسير أن معناه بيت من ذهب، وأصل الزخرف في اللغة والزخرفة الزينة، والدليل على ذلك قوله عزّ وجلّ: {حتّى إذا أخذت الأرض زخرفها} أي أخذت كمال زينتها.
وزخرفت الشيء إذا أكملت زينته، ولا شيء في تزيين بيت وتحسينه، وزخرفته كالذهب.
فليس يخرج ما فسروه عن الحق في هذا.
وقوله: {أو ترقى في السّماء ولن نؤمن لرقيّك}.
يقال في الصعود: رقيت أرقى رقيا، ويقال فيما تداويه بالعوذة: رقيت أرقى رقية ورقيا.
وقوله: {حتّى تنزّل علينا كتابا نقرؤه}.
أي حتى تنزّل علينا كتابا يشهد بنبوتك.
فأعلم اللّه - جل ثناؤه - أن ذلك لو نزل عليهم لم يؤمنوا فقال: {ولو نزّلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الّذين كفروا إن هذا إلّا سحر مبين}.
فإذا كانوا يدعون فيما يعجز عنه أنه سحر فكيف يوصل إلى تبصيرهم والتبيين لهم بأكثر مما أتى به النبي - صلى الله عليه وسلم - من الآية الباقية، وهي القرآن، ومن الأنباء ما يدبرونه بينهم وبما يخبرهم به من أخبار الأمم السالفة، وهو لم يقرأ كتابا ولا خطه بيمينه، وقد أنبأ - صلى الله عليه وسلم - ودل على نبوته كل ما يخطر بالبال). [معاني القرآن: 3/260]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {أو يكون لك بيت من زخرف}
روى مجاهد قال كنا لا ندري ما الزخرف فرأيناه في قراءة ابن مسعود أو يكون لك بيت من ذهب
وقال أبو جعفر الزخرف في اللغة الزينة والذهب من الزينة). [معاني القرآن: 4/195]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه} أي كتابا بنبوتك
فأعلم الله أنه لو فعل بهم ذلك ما آمنوا فقال تعالى: {ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين} ). [معاني القرآن: 4/196-195]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث الله بشرا رسولا}
فاعلم الله أن الأعدل الأبلغ أن يبعث إلى كل خلق من كان من جنسه فقال قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا فقالوا من يشهد لك بهذا فقال جل وعز: {قل كفى بالله شهيدا بيني وبينكم} ). [معاني القرآن: 4/196]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {من زخرف} الزخرف - هاهنا: الذهب). [ياقوتة الصراط: 315]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {بيت من زخرف} أي من ذهب). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 140]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {زُخْرُفٍ}: مزيّن حسن). [العمدة في غريب القرآن: 185]

أم سهيلة 28 جمادى الأولى 1434هـ/8-04-2013م 08:44 AM

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) }

تفسير قوله تعالى: {أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91) }

تفسير قوله تعالى:{أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92) }

تفسير قوله تعالى: {أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93) }
قالَ أبو سعيدٍ الحَسَنُ بنُ الحُسَينِ السُّكَّريُّ (ت: 275هـ) : (
برقم ووشم كما زخرفت = بميشمها المزدهاة الهدي
...
(زخرفت) زينت.
...
غيره: (زخرفت) نقشت، و(هذا بيت مزخرف) أي منقش، و(ما أحسن
زُخْرُفَه)، و(الزُّخْرُف) النقش). [شرح أشعار الهذليين: 1/98-99] (م)
قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (يقال: رقيت السطح وما كان مثله أرقاه، مثل خشيته أخشاه، كما قال الله تبارك وتعالى: {أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ}، ويقال: رقيت اللّديغ أرقيه، مثل رميته أميه. ويقال: ما رقأت عينه من الدمع، مهموزٌ ترقأ يا فتى، مثل قرأت تقرأ يا فتى). [الكامل: 2/632]
قالَ أبو العبَّاسِ أَحمدُ بنُ يَحْيَى الشَّيبانِيُّ - ثَعْلَبُ - (ت:291هـ): (قال: والزخرف: الذهب، في الأصل. وكل ما زين فهو زخرف). [مجالس ثعلب: 121]

جمهرة التفاسير 15 ذو القعدة 1439هـ/27-07-2018م 07:43 PM

تفاسير القرن الرابع الهجري


جمهرة التفاسير 15 ذو القعدة 1439هـ/27-07-2018م 07:44 PM

تفاسير القرن الخامس الهجري


جمهرة التفاسير 15 ذو القعدة 1439هـ/27-07-2018م 07:46 PM

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وقالوا لن نؤمن لك} الآية. قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر: "حتى تفجر"، وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي: "حتى تفجر" بفتح التاء
[المحرر الوجيز: 5/542]
وضم الجيم، وفي القرآن "فانفجرت"، وانفجر مطاوع فجر، فهذا مما يقوي القراءة الثانية، وأما الأولى فتقتضي المبالغة في التفجير. و"الينبوع": الماء النابع، وهي صفة مبالغة إنما تقع للماء الكثير.
وطلبت قريش هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة، وإياها عنوا بـ "الأرض"، وإنما يراد بإطلاق لفظة الأرض هنا الأرض التي يكون فيها المعنى المتكلم فيه، كقوله تعالى: {أو ينفوا من الأرض}، فإنما يراد: من أرض تصرفهم وقطعهم السبل ومعاشهم، وكذلك أيضا اقتراحهم بالجنة إنما هو بمكة لامتناع ذلك فيها، وإلا ففي سائر البلاد كان ذلك يمكنه، وإنما طالبوه بأمر إلهي في ذلك الموضع الجدب). [المحرر الوجيز: 5/543]

تفسير قوله تعالى: {أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقرأ الجمهور: "جنة". وقرئ: "حبة" ذكره المهدوي. وقوله تعالى: "فتفجر" تضعيف مبالغة لا تضعيف تعدية، كقوله تعالى: {وغلقت الأبواب}، و"خلالها" ظرف، ومعناه: أثناءها وفي داخلها.
وروي في قول هذه المقالة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حديث طويل، مقتضاه أن عتبة وشيبة ابني ربيعة، وعبد الله بن أبي أمية، والنضر بن الحارث، وغيرهم من مشيخة قريش وساداتها اجتمعوا فعرضوا عليه أن يملكوه -إن أراد- الملك، ويجمعوا له كثيرا من المال إن أراد الغنى، أو يطبوه إن كان به داء، ونحو هذا من الأقاويل، فدعاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك إلى الله، وقال: "إنما جئتكم من عند الله بأمر فيه صلاح دينكم ودنياكم، فإن سمعتم وأطعتم فحسن، وإلا صبرت لأمر الله حتى يحكم الله بيني وبينكم بما شاء"، فقالوا له حينئذ: فإن كان ما تزعمه حقا ففجر ينبوعا ونؤمن لك، ولتكن لك جنة، إلى غير ذلك مما كلفوه، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هذا كله إلى الله، ولا يلزمني هذا ولا غيره، وإنما أنا مستسلم لأمر الله تعالى.
[المحرر الوجيز: 5/543]
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
هذا هو معنى الحديث، وفي الألفاظ اختلاف وروايات متشعبة يطول سوق جميعها، فاختصرت لذلك). [المحرر الوجيز: 5/544]

تفسير قوله تعالى: {أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {أو تسقط السماء} الآية. قرأ الجمهور: "أو تسقط" بضم التاء، "السماء" بالنصب، وقرأ مجاهد: "أو تسقط السماء" برفع "السماء" وإسناد الفعل إليها، وقوله: {كما زعمت} إشارة إلى ما تلا عليهم قبل ذلك في قوله عز وجل: {إن نشأ نخسف بهم الأرض أو نسقط عليهم كسفا من السماء}. وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: "كسفا" بسكون السين، إلا في الروم فإنهم حركوها، ومعناها: قطعا واحدا، قال مجاهد: السماء جميعا، وتقول العرب: "كسفت الثوب" ونحوه قطعته، فالكسف -بفتح السين- المصدر، والكسف: الشيء المقطوع، قال الزجاج: المعنى: أو تسقط السماء علينا طبقا، واشتقاقه من: كسفت الشيء إذا غطيته.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وليس بمعروف في دواوين اللغة "كسف" بمعنى "غطى"، وإنما هو بمعنى "قطع"، وكأن كسوف الشمس والقمر قطع منهما، وقرأ نافع، وعاصم -في رواية أبي بكر - "كسفا" بفتح السين، أي: قطعا، جمع "كسفة".
وقوله: "قبيلا" معناه: مقابلة وعيانا، وقيل: معناه: ضامنا وزعيما بتصديقك، ومنه القبالة، وهي الضمان، والقبيل: والمتقبل الضامن، وقيل: معناه: نوعا وجنسا لا نظير له عندنا. وقرأ الأعرج: "قبلا" وهو بمعنى المقابلة). [المحرر الوجيز: 5/544]

تفسير قوله تعالى: {أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى إلا أن قالوا أبعث
[المحرر الوجيز: 5/544]
الله بشرا رسولا قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا}
قال المفسرون: "الزخرف": الذهب في هذا الموضع، والزخرف: ما تزين به، كان بذهب أو غيره، ومنه: حتى إذا أخذت الأرض زخرفها، وفي قراءة عبد الله بن مسعود "أو يكون لك بيت من ذهب". وقوله: {في السماء} يريد: في الهواء علوا، والعرب تسمي الهواء علوا سماء، لأنه في حيز السمو، ويحتمل أن يريدوا السماء المعروفة، وهو الظاهر; لأنه أعلمهم أن إله الخلق فيها، وأنه يأتيه خبرها. و"ترقى" معناه: تصعد، والرقي: الصعود.
ويروى أن قائل هذه المقالة هو عبد الله بن أبي أمية، فإنه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا لا نؤمن لك حتى تأتينا بكتاب - أراد هنا كتابه- فيه: من الله عز وجل إلى عبد الله بن أبي أمية. وروي أن جماعتهم طلبت هذا النحو منه، فأمره الله تعالى أن يقول: {سبحان ربي}، أي: تنزيها له من الإتيان مع الملائكة قبيلا، ومن أن يخاطبكم بكتاب كما أردتم، ومن أن أقترح أنا عليه هذه الأشياء، وهل أنا إلا بشر منكم أرسلت إليكم بالشريعة، فإنما علي التبليغ فقط. وقرأ ابن كثير، وابن عامر: "قال سبحان ربي"، على معنى الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سبح عند قولهم). [المحرر الوجيز: 5/545]

أم إسماعيل 2 محرم 1440هـ/12-09-2018م 05:47 PM

تفاسير القرن السابع الهجري
...

أم إسماعيل 2 محرم 1440هـ/12-09-2018م 05:52 PM

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا (91)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وقالوا لن نؤمن لك حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا (90) أو تكون لك جنّةٌ من نخيلٍ وعنبٍ فتفجّر الأنهار خلالها تفجيرًا (91) أو تسقط السّماء كما زعمت علينا كسفًا أو تأتي باللّه والملائكة قبيلا (92) أو يكون لك بيتٌ من زخرفٍ أو ترقى في السّماء ولن نؤمن لرقيّك حتّى تنزل علينا كتابًا نقرؤه قل سبحان ربّي هل كنت إلا بشرًا رسولا (93)}
قال ابن جريرٍ: حدّثنا أبو كريب، حدّثنا يونس بن بكير، حدّثنا محمّد بن إسحاق، حدّثني شيخٌ من أهل مصر، قدم منذ بضعٍ وأربعين سنةً، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: أنّ عتبة وشيبة ابني ربيعة، وأبا سفيان بن حربٍ، ورجلًا من بني عبد الدّار، وأبا البختري أخا بني أسدٍ، والأسود بن المطّلب بن أسدٍ، وزمعة بن الأسود، والوليد بن المغيرة، وأبا جهل بن هشامٍ وعبد اللّه بن أبي أمية، وأمية ابن خلفٍ، والعاص بن وائلٍ، ونبيها ومنبّها ابني الحجّاج السّهميّين، اجتمعوا، أو: من اجتمع منهم، بعد غروب الشّمس عند ظهر الكعبة، فقال بعضهم لبعضٍ: ابعثوا إلى محمّدٍ فكلّموه وخاصموه حتّى تعذروا فيه فبعثوا إليه: أنّ أشراف قومك قد اجتمعوا لك ليكلّموك. فجاءهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم سريعًا وهو يظنّ أنّه قد بدا لهم في أمره بداءٌ، وكان عليهم حريصًا، يحبّ رشدهم، ويعزّ عليه عنتهم، حتّى جلس إليهم، فقالوا: يا محمّد، إنّا قد بعثنا إليك لنعذر فيك، وإنّا واللّه ما نعلم رجلًا من العرب أدخل على قومه ما أدخلت على قومك! لقد شتمت الآباء، وعبت الدّين، وسفّهت الأحلام، وشتمت الآلهة، وفرّقت الجماعة، فما بقي من أمرٍ قبيحٍ إلّا وقد جئته فيما بيننا وبينك! فإن كنت إنّما جئت بهذا الحديث تطلب به مالًا جمعنا لك من أموالنا حتّى تكون أكثرنا مالًا وإن كنت إنّما تطلب الشّرف فينا، سوّدناك علينا، وإن كنت تريد ملكًا ملّكناك علينا، وإن كان هذا الّذي يأتيك بما يأتيك رئيًا تراه قد غلب عليك -وكانوا يسمّون التّابع من الجنّ: الرّئي- فربّما كان ذلك، بذلنا أموالنا في طلب الطّبّ، حتّى نبرّئك منه، أو نعذر فيك.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما بي ما تقولون، ما جئتكم بما جئتكم به أطلب أموالكم، ولا الشّرف فيكم، ولا الملك عليكم، ولكن بعثني إليكم رسولًا وأنزل عليّ كتابًا، وأمرني أن أكون لكم بشيرًا ونذيرًا، فبلّغتكم رسالة ربّي، ونصحت لكم، فإن تقبلوا منّي ما جئتكم به، فهو حظّكم في الدّنيا والآخرة، وإن تردّوه عليّ أصبر لأمر اللّه، حتّى يحكم اللّه بيني وبينكم". أو كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم تسليمًا.
فقالوا: يا محمّد، فإن كنت غير قابلٍ منّا ما عرضنا عليك، فقد علمت أنّه ليس أحدٌ من النّاس أضيق منّا بلادًا، ولا أقلّ مالًا ولا أشدّ عيشًا منّا، فاسأل لنا ربّك الّذي بعثك بما بعثك به، فليسيّر عنّا هذه الجبال الّتي قد ضيّقت علينا، وليبسط لنا بلادنا، وليفجر فيها أنهارًا كأنهار الشّام والعراق، وليبعث لنا من مضى من آبائنا، وليكن فيمن يبعث لنا قصيّ بن كلابٍ، فإنّه كان شيخًا صدوقًا، فنسألهم عمّا تقول حقٌّ هو أم باطلٌ؟ فإن صنعت ما سألناك وصدّقوك، صدّقناك، وعرفنا منزلتك عند اللّه، وأنّه بعثك رسولًا كما تقول!
فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما بهذا بعثت، إنّما جئتكم من عند اللّه بما بعثني به، فقد بلّغتكم ما أرسلت به، فإن تقبلوه فهو حظّكم في الدّنيا والآخرة، وإن تردّوه عليّ أصبر لأمر الله، حتى يحكم اللّه بيني وبينكم".
قالوا: فإن لم تفعل لنا هذا فخذ لنفسك، فاسأل ربّك أن يبعث ملكًا يصدّقك بما تقول ويراجعنا عنك، وتسأله فيجعل لك جنانًا، وكنوزًا وقصورًا من ذهبٍ وفضّةٍ، ويغنيك بها عمّا نراك تبتغي، فإنّك تقوم بالأسواق، وتلتمس المعاش كما نلتمسه، حتّى نعرف فضل منزلتك من ربّك، إن كنت رسولًا كما تزعم.
فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما أنا بفاعلٍ، ما أنا بالّذي يسأل ربّه هذا، وما بعثت إليكم بهذا، ولكنّ اللّه بعثني بشيرًا ونذيرًا، فإن تقبلوا ما جئتكم به فهو حظّكم في الدّنيا والآخرة، وإن تردّوه عليّ أصبر لأمر اللّه حتّى يحكم اللّه بيني وبينكم".
قالوا: فأسقط السّماء، كما زعمت أنّ ربّك إن شاء فعل ذلك، فإنّا لن نؤمن لك إلّا أن تفعل.
فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ذلك إلى اللّه إن شاء فعل بكم ذلك".
فقالوا: يا محمّد، أما علم ربّك أنّا سنجلس معك، ونسألك عمّا سألناك عنه، ونطلب منك ما نطلب فيقدّم إليك ويعلّمك ما تراجعنا به، ويخبرك ما هو صانعٌ في ذلك بنا، إذا لم نقبل منك ما جئتنا به، فقد بلغنا أنّه إنّما يعلّمك هذا رجلٌ باليمامة، يقال له: الرّحمن، وإنّا واللّه لا نؤمن بالرّحمن أبدًا، فقد أعذرنا إليك يا محمّد، أما واللّه لا نتركك وما فعلت بنا حتّى نهلكك أو تهلكنا. وقال قائلهم: نحن نعبد الملائكة وهي بنات اللّه. وقال قائلهم: لن نؤمن لك حتّى تأتي باللّه والملائكة قبيلًا.
فلمّا قالوا ذلك قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عنهم، وقام معه عبد اللّه بن أبي أميّة بن المغيرة بن عبد اللّه ابن عمر بن مخزومٍ، وهو ابن عمّته، ابن عاتكة ابنة عبد المطّلب، فقال: يا محمّد، عرض عليك قومك ما عرضوا، فلم تقبله منهم، ثمّ سألوك لأنفسهم أمورًا ليعرفوا بها منزلتك من اللّه، فلم تفعل ذلك، ثمّ سألوك أن تعجّل لهم ما تخوّفهم به من العذاب، فواللّه لا أؤمن بك أبدًا حتّى تتّخذ إلى السّماء سلّمًا، ثمّ ترقى فيه، وأنا أنظر حتّى تأتيها، وتأتي معك بنسخةٍ منشورةٍ، معك أربعةٌ من الملائكة، يشهدون أنّك كما تقول. وايم اللّه، لو فعلت ذلك لظننت أنّي لا أصدّقك. ثمّ انصرف عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وانصرف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى أهله حزينًا أسفًا لما فاته، ممّا كان طمع فيه من قومه حين دعوه، ولما رأى من مباعدتهم إيّاه.
وهكذا رواه زياد بن عبد اللّه البكّائي، عن ابن إسحاق، حدّثني بعض أهل العلم، عن سعيد ابن جبيرٍ وعكرمة، عن ابن عبّاسٍ، فذكر مثله سواءً.
وهذا المجلس الّذي اجتمع هؤلاء له، لو علم اللّه منهم أنّهم يسألون ذلك استرشادًا لأجيبوا إليه، ولكن علم أنّهم إنّما يطلبون ذلك كفرًا وعنادًا، فقيل للرّسول: إن شئت أعطيناهم ما سألوا فإن كفروا عذّبتهم عذابًا لا أعذّبه أحدًا من العالمين، وإن شئت فتحت عليهم باب التّوبة والرّحمة، فقال: "بل تفتح عليهم باب التّوبة والرّحمة" كما تقدّم ذلك في حديثي ابن عبّاسٍ والزّبير بن العوّام أيضًا، عند قوله تعالى: {وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذّب بها الأوّلون وآتينا ثمود النّاقة مبصرةً فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفًا} [الإسراء: 59] وقال تعالى: {وقالوا ما لهذا الرّسول يأكل الطّعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملكٌ فيكون معه نذيرًا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنّةٌ يأكل منها وقال الظّالمون إن تتّبعون إلا رجلا مسحورًا انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلّوا فلا يستطيعون سبيلا تبارك الّذي إن شاء جعل لك خيرًا من ذلك جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار ويجعل لك قصورًا بل كذّبوا بالسّاعة وأعتدنا لمن كذّب بالسّاعة سعيرًا} [الفرقان: 7 -11].
وقوله تعالى: {حتّى تفجر لنا من الأرض ينبوعًا} الينبوع: العين الجارية، سألوه أن يجري لهم عينًا معينًا في أرض الحجاز هاهنا وهاهنا، وذلك سهلٌ يسيرٌ على اللّه تعالى، لو شاء لفعله ولأجابهم إلى جميع ما سألوا وطلبوا، ولكن علم أنّهم لا يهتدون، كما قال تعالى: {إنّ الّذين حقّت عليهم كلمة ربّك لا يؤمنون ولو جاءتهم كلّ آيةٍ حتّى يروا العذاب الأليم} [يونس: 96، 97] وقال تعالى: {ولو أنّنا نزلنا إليهم الملائكة وكلّمهم الموتى وحشرنا عليهم كلّ شيءٍ قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء اللّه ولكنّ أكثرهم يجهلون} [الأنعام: 111]). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 117-120]

تفسير قوله تعالى: {أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا (92)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {أو تسقط السّماء كما زعمت} أي: أنّك وعدتنا أنّ يوم القيامة تنشقّ فيه السّماء وتهي، وتدلّى أطرافها، فعجّل ذلك في الدّنيا، وأسقطها كسفًا [أي: قطعًا، كقولهم: {اللّهمّ إن كان هذا هو الحقّ من عندك فأمطر علينا حجارةً من السّماء أو ائتنا بعذابٍ أليمٍ} الآية [الأنفال: 32]، وكذلك سأل قوم شعيبٍ منه فقالوا: {أسقط علينا كسفًا] من السّماء إن كنت من الصّادقين} [الشّعراء: 187]. فعاقبهم الرّبّ بعذاب يوم الظّلّة، إنّه كان عذاب يومٍ عظيمٍ. وأمّا نبيّ الرّحمة، ونبيّ التّوبة المبعوث رحمةً للعالمين، فسأل إنظارهم وتأجيلهم، لعلّ اللّه أن يخرج من أصلابهم من يعبده لا يشرك به شيئًا. وكذلك وقع، فإنّ من هؤلاء الّذين ذكروا من أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه حتّى "عبد اللّه بن أبي أميّة" الّذي تبع النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وقال له ما قال، أسلم إسلامًا تامًّا، وأناب إلى اللّه عزّ وجلّ). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 120]

تفسير قوله تعالى: {أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا (93)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({أو يكون لك بيتٌ من زخرفٍ} قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وقتادة: هو الذّهب. وكذلك هو في قراءة ابن مسعودٍ: "أو يكون لك بيتٌ من ذهبٍ"، {أو ترقى في السّماء} أي: تصعد في سلّمٍ ونحن ننظر إليك {ولن نؤمن لرقيّك حتّى تنزل علينا كتابًا نقرؤه} قال مجاهدٌ: أي مكتوبٌ فيه إلى كلٍّ واحدٍ واحدٍ صحيفةٌ: هذا كتابٌ من اللّه لفلان بن فلانٍ، تصبح موضوعة عند رأسه.
وقوله: {قل سبحان ربّي هل كنت إلا بشرًا رسولا} أي: سبحانه وتعالى وتقدّس أن يتقدّم أحدٌ بين يديه في أمرٍ من أمور سلطانه وملكوته، بل هو الفعّال لما يشاء، إن شاء أجابكم إلى ما سألتم، وإن شاء لم يجبكم، وما أنا إلّا رسولٌ إليكم أبلغكم رسالات ربّي وأنصح لكم، وقد فعلت ذلك، وأمركم فيما سألتم إلى اللّه عزّ وجلّ.
قال الإمام أحمد بن حنبلٍ: حدّثنا عليّ بن إسحاق، حدّثنا ابن المبارك، حدّثنا يحيى بن أيّوب، عن عبيد اللّه بن زحر، عن عليّ بن يزيد، عن القاسم عن أبي أمامة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "عرض ربّي عزّ وجلّ ليجعل لي بطحاء مكّة ذهبًا، فقلت: لا يا ربّ، ولكن أشبع يومًا، وأجوع يومًا -أو نحو ذلك- فإذا جعت تضرّعت إليك وذكرتك، وإذا شبعت حمدتك وشكرتك".
ورواه التّرمذيّ في "الزّهد" عن سويد بن نصرٍ عن ابن المبارك، به وقال: هذا حديثٌ حسنٌ. وعليّ بن يزيد يضّعّف في الحديث). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 120-121]


الساعة الآن 05:31 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة