جمهرة العلوم

جمهرة العلوم (http://jamharah.net/index.php)
-   منتدى جمهرة التراجم (http://jamharah.net/forumdisplay.php?f=1201)
-   -   تلخيص سيرة محمد بن إسحاق بن يسار المدني (ت: 151هـ) (http://jamharah.net/showthread.php?t=27994)

عبد العزيز بن داخل المطيري 15 رجب 1440هـ/21-03-2019م 01:48 PM

تلخيص سيرة محمد بن إسحاق بن يسار المدني (ت: 151هـ)
 
تلخيص سيرة محمد بن إسحاق بن يسار المدني(ت:151هـ)


اسمه وأصله وكنيته
المحدّث الأخباري المعروف، صاحب السيرة والمغازي.
- قال مصعب بن عبد الله: (يسار مولى عبد الله بن قيس بن مخرمة بن المطلب، جدّ محمد بن إسحاق صاحب المغازي من سبي عين التمر، ويقال: أول سبي دخل المدينة من العراق). رواه ابن أبي خيثمة.
قلت: وهي بلدة سيرين والد محمد بن سيرين، وبلدة أفلح مولى أبي أيوب الأنصاري.
وبنحو ما قال مصعب قال ابن سعد وابن حبان وغيرهما.
وقال أبو يوسف الفسوي: (محمد بن إسحاق بن يسار صاحب السيرة مولى فارسي).

وقد اختلف في كنيته:
- فقال البخاري ومسلم وابن حبان: (كنيته أبو بكر).
- وقال ابن سعد وخليفة بن خياط ويعقوب بن شيبة وابن عدي: (يكنى أبا عبد الله).

طبقته:
وهو في عداد صغار طبقة التابعين، ومن أهل العلم من يعدّه من طبقة أتباع التابعين، والأول أصحّ؛ لرؤيته أنس بن مالك رضي الله عنه.
- قال الذهبي: (رأى أنس بن مالك، وسعيد بن المسيب، ومولده سنة نيف وثمانين).
- وقال سلمة بن الفضل، عن ابن إسحاق قال: (رأيت أنساً عليه عمامة سوداء، والصبيان يشتدون ويقولون: (هذا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لا يموت حتى يلقى الدجال). رواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد وأبو موسى المديني في اللطائف.
- وقال أبو داود المباركي: حدثنا أبو شهاب، قال: قيل لمحمد بن إسحاق: أدركت سعيد بن المسيب؟
قال: (أدركته وأنا غلام). رواه الخطيب البغدادي.
وروى عن القاسم بن محمد، وسالم بن عبد الله بن عمر، ومحمد بن كعب القرظي، ومحمد بن جعفر بن الزبير، وعبد الرحمن بن هرمز الأعرج، وغيرهم.

ثناء جماعة من الأئمة على ابن إسحاق
كان ابن إسحاق موصوفاً بالحفظ وسعة العلم وكثرة الروايات، وصدق الحديث، وقد أثنى عليه جماعة من أهل العلم ثناء بليغاً في كلّ ذلك.
- فقال هارون بن معروف: سمعت أبا معاوية يقول: (كان ابن إسحاق من أحفظ الناس؛ فكان إذا كان عند الرجل خمسة أحاديث أو أكثر جاء واستودعها محمد بن إسحاق وقال: احفظها علي فإن نسيتها كنت قد حفظتها علي). رواه ابن أبي خيثمة والخطيب البغدادي.
- وقال أبو جعفر النفيلي: حدثني عبد الله بن فائد أبو عمير قال: (كنا نجلس إلى ابن إسحاق فإذا أخذ في فنّ من العلم ذهب المجلس بذلك الفن). رواه ابن عدي والخطيب البغدادي.
- وقال علي بن المديني: (مَدارُ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم على ستة)، فذكرهم، ثم قال: (فصار علم الستة عند اثني عشر أحدهم ابن إسحاق). رواه الخطيب البغدادي في تاريخه.
- وقال ابن أبي خيثمة في تاريخه: سألت يحيى بن معين، عن محمد بن إسحاق؟ فقال: قال عاصم بن عمر بن قتادة: (لا يزال في الناس علم ما عاش ابن إسحاق).
- وقال إبراهيم بن المنذر الحزامي: حدثني عمر بن عثمان التيمي، قال: )سمعت أنَّ ابنَ شهاب كان يخلي محمد بن إسحاق يتروَّى منه حديث عاصم بن عمر بن قتادة). رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال إبراهيم بن المنذر الحزامي، عن ابن عيينة، قال: والله لقد سمعت ابن شهاب - ورأى محمد بن إسحاق - قال: (ما يزل بالمدينة علم ما بقي هذا). رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال ابن أعين: سمعت سفيان يقول: كنا عند الزهري ونهض بن إسحاق فقال الزهري: (لا يزال بها علم ما بقي). رواه ابن عدي.
- وقال سفيان بن عيينة: رأيت ابن إسحاق قبل أن أرى الزهري، ورأيته جاء إلى الزهري؛ فقال له الزهري: كيف أنت يا محمد؟ ما لي لم أرك ؟!
قال: كيف أصل إليك مع بوَّابك هذا.
قال سفيان: فدعا الزهريُّ بوَّابه؛ فقال: (إذا جاء هذا فلا تحبسه عني، لا يزال بالمدينة علم ما كان بها). رواه ابن عدي واللفظ له، وابن أبي خيثمة، وأبو زرعة الدمشقي، والخطيب البغدادي من طرق عن سفيان بن عيينة.
- وقال علي بن المديني: سمعت سفيان يقول: قال ابن شهاب وسُئل عن مغازيه، فقال: (هذا أعلم الناس بها) يعني: ابن إسحاق. رواه الخطيب البغدادي.
- وقال يزيد بن هارون: سمعت شعبة يقول: (لو كان لي سلطان لأمَّرت ابن إسحاق على المحدثين). رواه ابن عدي.
- وقال شعبة بن الحجاج أيضاً: (محمد بن إسحاق أمير المؤمنين في الحديث). رواه الخطيب البغدادي من طرق عنه، وفي رواية من طريق يونس بن بكير: فقيل له: لم؟ فقال: (لحفظه).
- وقال حرملة بن يحيى التجيبي: سمعت محمد بن إدريس الشافعي يقول: (من أراد أن يتبحر في المغازي، فهو عيال على محمد بن إسحاق). رواه الخطيب البغدادي.
- وقال محمد بن عبد الله بن عبد الحكم: سمعت الشافعي رحمه الله يقول: قال الزهري: (لا يزال بهذه الحرة علم ما دام بها ذاك الأحول يريد محمد بن إسحاق). رواه ابن عدي.
- وقال إسحاق بن أحمد بن خلف البخاري: سمعت محمد بن إسماعيل البخاري يقول: (ينبغي أن يكون له ألف حديث ينفرد بها، لا يشاركه فيها أحد). رواه الخطيب البغدادي.
- وقال ابن سعد: (كان محمد بن إسحاق أول من جمع مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وألَّفها، وكان يروي عن عاصم بن عمر بن قتادة، ويزيد بن رومان، ومحمد بن إبراهيم، وغيرهم).
- وقال ابن حبان: (لم يكن أحد بالمدينة يقارب ابن إسحاق في علمه، ولا يوازيه في جمعه، وكان شعبة وسفيان يقولان: محمد بن إسحاق أمير المؤمنين في الحديث، ومن أحسن الناس سياقا للأخبار وأحسنهم حفظا لمتونها، وإنما أُتي ما أُتي لأنه كان يدلس على الضعفاء فوقع المناكير في روايته من قبل أولئك؛ فأما إذا بين السماع فيما يرويه فهو ثبت يحتج بروايته).
- وقال ابن عدي: (لو لم يكن لابن إسحاق من الفضل إلا أنه صرف الملوك عن كتب لا يحصل منها شيء فصرف أشغالهم حتى اشتغلوا بمغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومبتدأ الخلق ومبعث النبي صلى الله عليه وسلم فهذه فضيلة لابن إسحاق سبق بها، ثم بعده صنفه قوم آخرون، ولم يبلغوا مبلغ ابن إسحاق فيه، وقد فتَّشت أحاديثه الكثيرة؛ فلم أجد في أحاديثه ما يتهيأ أن يقطع عليه بالضعف، وربما أخطأ أو وهم في الشيء بعد الشيء كما يخطئ غيره، ولم يتخلف عنه في الرواية عنه الثقات والأئمة، وهو لا بأس به).

رواية الأئمة عنه:
- قال ابن سعد: (وكان محمد ثقة، وقد روى الناس عنه، روى عنه الثوري، وشعبة، وسفيان بن عيينة، ويزيد بن زريع، وإبراهيم بن سعد، وإسماعيل ابن علية، ويزيد بن هارون، ويعلى ومحمد ابنا عبيد، وعبد الله بن نمير، وغيرهم، ومن الناس من تكلم فيه).
- وقال أبو زرعة الدمشقي: (محمد بن إسحاق رجل قد أجمع الكبراء من أهل العلم على الأخذ عنه، منهم: سفيان بن سعيد، وشعبة، وابن عيينة، وحماد بن زيد، وحماد بن سلمة، وابن المبارك، وإبراهيم بن سعد، وروى عنه من الأكابر: يزيد بن أبي حبيب، وقد اختبره أهل الحديث فرأوا صدقا، وخيرا، مع مدحة ابن شهاب له).
- وقال ابن عدي: (لمحمد بن إسحاق حديث كثير وقد روى عنه أئمة الناس شعبة والثوري، وابن عيينة وحماد بن سلمة وغيرهم وقد روى المغازي عنه إبراهيم بن سعد وسلمة بن الفضل، ومحمد بن سلمة ويحيى بن سعيد الأموي وسعيد بن بزيع وجرير بن حازم وزياد البكائي وغيرهم وقد روى المبتدأ والمبعث).

كلام هشام بن عروة في ابن إسحاق:
تكلّم هشام بن عروة بن الزبير في ابن إسحاق وكذَّبه في روايته عن زوجته فاطمة بنت المنذر بن الزبير، وأنكر أن يكون دخل عليها أو رآها.
ولا يلزم من روايته عنها أن يكون قد رآها أو دخل عليها، فربما سمعها وهي خارجة أو أتاها وهو غلام صغير فسألها أو وهي حاجة أو زائرة للمدينة، وكثير من التابعين الذين رووا عن الصحابيات لم يروهنّ ولم يدخلوا عليهنّ، وكانت فاطمة بنت المنذر أسنّ من زوجها هشام بنحو عشر سنين؛ فإنها أدركت جدتها أسماء وروت عنها، وهشام لم يدركها.
- قال أحمد بن يونس: حدثنا زهير قال: حدثنا محمد بن إسحاق قال: حدثتني فاطمة ابنة المنذر، قالت: (كنا في حجر جدتنا أسماء ابنة أبي بكر). رواه أبو زرعة الدمشقي.
- وقال إبراهيم بن المنذر الحزامي: حدثنا مصعب بن عثمان، عن عامر بن سعد، قال: كان هشام بن عروة إذا ذكر محمد بن إسحاق، قال: من أدخله على زوجتي؟! ومتى دخل عليها؟! ومتى سمع منها؟! كأنه ينكر ذلك، فذكرت ذلك لابن عيينة فقال: حدثني ابن إسحاق عن فاطمة بنت المنذر مثل ما حدثني هشام عنها). رواه ابن أبي خيثمة.
- قال أحمد بن حنبل: (وقد يمكن أن يسمع منها تخرج إلى المسجد، أو خارجة فسمع والله أعلم). رواه ابن عدي.
- وقال البخاري: (وقال بعض أهل المدينة: إن الذي يذكر عن هشام بن عروة قال: "كيف يدخل ابن إسحاق على امرأتي؟" لو صح عن هشام جاز أن تَكتُب إليه؛ فإنَّ أهل المدينة يرون الكتابَ جائزاً؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كتبَ لأمير السرية كتاباً وقال: «لا تقرأه حتى تبلغ مكان كذا وكذا»؛ فلما بلغ فتح الكتاب، وأخبرهم بما قال النبي صلى الله عليه وسلم، وحكم بذلك، وكذلك الخلفاء والأئمة يقضون بكتاب بعضهم إلى بعض، وجائزٌ أن يكون سمع منها وبينهما حجاب وهشام لم يشهد).
- وقال ابن حبان: (وهذا الذي قاله هشام بن عروة ليس مما يُجرح به الإنسان في الحديث، وذلك أن التابعين مثل الأسود وعلقمة من أهل العراق وأبي سلمة وعطاء ودونهما من أهل الحجاز قد سمعوا من عائشة من غير أن ينظروا إليها، سمعوا صوتها، وقبل الناس أخبارهم من غير أن يصل أحدهم إليها حتى ينظر إليها عياناً، وكذلك بن إسحاق كان يسمع من فاطمة والستر بينهما مسبل، أو بينهما حائل من حيث يسمع كلامها؛ فهذا سماع صحيح، والقادح فيه بهذا غير منصف).
- وقال يحيى بن سعيد القطان: سمعت هشام بن عروة يقول: (تحدث ابن إسحاق عن امرأتي فاطمة بنت المنذر، والله إن رآها قط).
- قال الذهبي: (هشام صادق في يمينه، فما رآها، ولا زعم الرجل أنه رآها، بل ذكر أنها حدثته، وقد سمعنا من عدة نسوة، وما رأيتهن، وكذلك روى عدة من التابعين عن عائشة، وما رأوا لها صورة أبداً).

وهذه القضية قد كثر الكلام فيها ونفخ فيها بعض الكذابين ليشنعوا بها على ابن إسحاق ويتهموه بالكذب، وأمرها يسير.
- فقال سليمان بن داود الشاذكوني: قال لي يحيى بن سعيد القطان: أشهد أن محمد بن إسحاق كذاب، قال: قلت: وما يدريك؟ قال: قال لي وهيب بن خالد؛ فقلت لوهيب: ما يدريك؟ قال: قال لي مالك بن أنس؛ فقلت لمالك بن أنس: ما يدريك؟ قال: قال لي هشام بن عروة، قال: قلت لهشام بن عروة: وما يدريك؟ قال: (حدَّث عن امرأتي فاطمة ابنة المنذر، ودخلت علي وهي بنت تسع سنين، وما رآها حتى لقيت الله عز وجل). رواه العقيلي في الضعفاء، وهذه الحكاية منكرة وقد تعقبها الذهبي وأحسن في بيان نكارتها في مواضع من كتبه:
فقال في تاريخ الإسلام: (هذه حكاية باطلة، وسليمان الشاذكوني ليس بثقة، وما أدخلت فاطمة على هشام إلا وهي بنت نيف وعشرين سنة؛ فإنها أكبر منه بنحو من تسع سنين، وقد سمعت من أسماء بنت الصديق، وهشام لم يسمع من أسماء مع أنها جدتهما.
وأيضا فلما سمع ابن إسحاق منها كانت قد عجزت وكبرت، وهو غلام، أو هو رجل من خلف الستر، فإنكار هشام بارد).
- وقال في سير أعلام النبلاء: (معاذ الله أن يكون يحيى وهؤلاء بدا منهم هذا بناء على أصل فاسد واه، ولكن هذه الخرافة من صنعة سليمان، وهو الشاذكوني - لا صبحه الله بخير - فإنه مع تقدمه في الحفظ متَّهم عندهم بالكذب، وانظر كيف قد سلسل الحكاية.
ويبين لك بطلانها: أن فاطمة بنت المنذر لما كانت بنت تسع سنين، لم يكن زوجها هشام خُلق بعد، فهي أكبر منه بنيف عشرة سنة، وأسند منه، فإنها روت - كما ذكرنا - عن أسماء بنت أبي بكر، وصحَّ أن ابن إسحاق سمع منها، وما عَرَف بذلك هشام.
أفبمثل هذا القول الواهي يُكذَّب الصادق، كلا والله، نعوذ بالله من الهوى والمكابرة، ولكن صدق القاضي أبو يوسف إذ يقول: "من تتبع غريب الحديث كُذّب"، وهذا من أكبر ذنوب ابن إسحاق، فإنه يكتب عن كل أحد، ولا يتورع - سامحه الله -).
وسليمان الشاذكوني(ت:234هـ) هذا كان من كبار الحفاظ وأذكياء العلماء، برع في الحديث وعلله حتى ذُكر مع علي ابن المديني ويحيى بن معين وكان من أقرانهما، وقال الذهبي فيه: (كان آية في كثرة الحديث وحفظه).
وقال أحمد بن حنبل: (كان أعلمنا بالرجال يحيى بن معين، وأحفظنا للأبواب سليمان الشاذكوني، وكان علي بن المديني أحفظنا للطوال).
لكنَّه لم يتّق الله في علمه، واتُّهِمَ بالكذب، وبجملة من المحرمات، حتى انسلخ من العلم، وخمل ذكره، والعياذ بالله.
قال عباس العنبري: (ما مات ابن الشاذكوني حتى انسلخ من العلم انسلاخ الحية من قشرها).
وقال البخاري: (هو أضعف عندي من كل ضعيف).
والخلاصة أن رواية ابن إسحاق عن فاطمة بنت المنذر صحيحة، ولا يقدح فيه كلام هشام بن عروة في إنكارها.

كلام مالك بن أنس في ابن إسحاق:
نشأ ابن إسحاق ومالك بالمدينة، واشتركا في عدد من الشيوخ، وكان ابن إسحاق أسنّ من مالك بنحو عشر سنين وأقدم منه سماعاً، وكان الإمام مالك ينتقى شيوخه، ولا يروي إلا عمّن يحسبهم من أهل الصدق والصلاح، وأما ابن إسحاق فكان يروي عن كلّ أحد، وكان يكتب ويجمع ويحفظ، فاجتمع له حديث كثير، وأخبار كثيرة، وكان مالك يعيب عليه توسّعه في الرواية، وما يقع في رواياته عن الضعفاء والمتّهمين من النكارة.
وقد تكلّم كلّ واحد منهما في صاحبه كما يتكلم بعض الأقران في بعضهم، لكن لم يُذكر أن ذلك جرّ بينهما عداوة، بل روي أنهما كان متآخيين.
- قال ابن حبان: (وأما مالك فإنه كان ذلك منه مرة واحدة، ثم عاد له إلى ما يحبّ، وذلك أنه لم يكن بالحجاز أحد أعلم بأنساب الناس وأيامهم من محمد بن إسحاق، وكان يزعم أن مالكا من موالي ذي أصبح، وكان مالك يزعم أنه من أنفسهم؛ فوقع بينهما لهذا مفاوضة؛ فلما صنف مالك الموطأ قال ابن إسحاق: (ائتوني به فإني بيطاره)
فنُقل ذلك إلى مالك فقال: (هذا دجَّال من الدجاجلة، يروي عن اليهود).
وكان بينهم ما يكون بين الناس حتى عزم محمد بن إسحاق على الخروج إلى العراق؛ فتصالحا حينئذ فأعطاه مالك عند الوداع خمسين ديناراً، نصف ثمرته تلك السنة، ولم يكن يقدح فيه مالك من أجلِ الحديث، إنما كان ينكر عليه تتبعه غزوات النبي صلى الله عليه وسلم عن أولاد اليهود الذين أسلموا، وحفظوا قصة خيبر وقريظة والنضير وما أشبهها من الغزوات عن أسلافهم، وكان بن إسحاق يتتبع هذا عنهم ليعلم من غير أن يحتج بهم، وكان مالك لا يرى الرواية إلا عن متقن صدوق فاضل، يُحسن ما يروي، ويدري ما يحدث)ا.هـ.
- وقال عبد الله بن إدريس: كنت عند مالك بن أنس فقيل له: إن محمد بن إسحاق يقول: اعرضوا علي علم مالك فإني أنا بيطاره؛ فقال: (انظروا إلى دجال من الدجاجلة يقول اعرضوا عليَّ علمي). رواه ابن عدي.
- وقال أبو زرعة الدمشقي: حدثني أحمد بن صالح عن أبي هشام المخزومي قال: (سمعت مالك بن أنس لا يرضى محمد بن إسحاق).
- قال أبو زرعة: وقد ذاكرت عبد الرحمن بن إبراهيم قول مالك بن أنس هذا، فرأى أن ذلك ليس للحديث، إنما هو لأنه اتهمه بالقدر.
- وقال يعقوب بن شيبة: سألت علي ابن المديني، عن ابن إسحاق، قلت: كيف حديث محمد بن إسحاق عندك صحيح؟
فقال: نعم، حديثه عندي صحيح، قلت له: فكلام مالك فيه؟ قال علي: مالك لم يجالسه ولم يعرفه.
ثم قال علي: ابن إسحاق، أي شيء حدث بالمدينة؟
قلت له: فهشام بن عروة قد تكلم فيه.
فقال علي: (الذي قال هشام ليس بحجة، لعله دخل على امرأته وهو غلام فسمع منها). رواه الخطيب البغدادي.
- وقال البخاري في جزء "القراءة خلف الإمام": قال لي إبراهيم بن المنذر: حدثنا عمر بن عثمان أن الزهري كان يتلقف المغازي من ابن إسحاق فيما يحدّثه عن عاصم بن عمر بن قتادة.
والذي يُذكر عن مالك في ابن إسحاق لا يكاد يبين، وكان إسماعيل بن أبي أويس من أتبعِ من رأينا لمالك، أخرجَ إليَّ كُتبَ ابنِ إسحاق عن أبيه في المغازي وغيرها؛ فانتخبتُ منها كثيرا.
وقال لي إبراهيم بن حمزة: كان عند إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق نحو من سبعة عشر ألف حديث في الأحكام سوى المغازي، وإبراهيم بن سعد من أكثر أهل المدينة حديثا في زمانه.
ولو صحَّ عن مالك تناوله من ابن إسحاق؛ فلربما تكلَّم الإنسان فيرمي صاحبه بشيء واحد ولا يتّهمه في الأمور كلها)ا.هـ.

نفي تهمة الكذب عن ابن إسحاق:
- قال محمد بن إسماعيل البخاري: سمعت علي بن عبد الله [ابن المديني] يقول: سمعتُ سفيان يقول: (ما رأيت أحداً يتهم ابن إسحاق). رواه الخطيب البغدادي.
- وقال إبراهيم بن المنذر: قال لي ابن عيينة: ما قال أصحابنا في محمد بن إسحاق؟
قال: قلت: يقولون: إنه كذاب.
قال: لا تقل ذاك؛ فلقد رأيته خلف القبر ينتظر يزيد بن خصيفة، قلت: ما تصنع ها هنا؟
قال: (أنتظر يزيد بن خصيفة أسمع منه الأحاديث التي أفدتني). رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال علي بن الحسين بن واقد: دخلت على بن المبارك وإذا هو وحده؛ فقلت: يا أبا عبد الرحمن كنت أشتهى أن ألقاك على هذه الحالة، قال: هات.
قلت: ما تقول في محمد بن إسحاق؟
فقال: (أما إنا وجدناه صدوقا - ثلاث مرات). رواه ابن حبان في الثقات.
- وقال يعقوب بن شيبة: سألت يحيى بن معين قلت: كيف محمد بن إسحاق عندك؟
قال: ليس هو عندي بذاك، ولم يثبته، وضعَّفه، ولم يضعفه جداً؛ فقلت له: ففي نفسك من صدقه شيء؟
قال: (لا، كان صدوقاً). رواه ابن عدي والخطيب البغدادي.
- وقال يعقوب بن شيبة: سمعت علياً يقول: (إن حديث محمد بن إسحاق ليتبين فيه الصدق، يروي مرة حدثني أبو الزناد، ومرة ذكر أبو الزناد، وروى عن رجل عمن سمع منه يقول: حدثني سفيان بن سعيد، عن سالم أبي النضر، عن عمر، صوم يوم عرفة، وهو من أروى الناس، عن أبي النضر، ويقول: حدثني الحسن بن دينار، عن أيوب، عن عمرو بن شعيب، في سلف وبيع، وهو من أروى الناس عن عمرو بن شعيب). رواه الخطيب البغدادي.
- وقال ابن حبان: (يروى عن مشايخ قد رآهم، ويروى عن مشايخ عن أولئك، وربما روى عن أقوام رووا عن مشايخ يروون عن مشايخه، يدلّ ما وصفت من توقيه على صدقه).
- وقال ابن حبان أيضاً: (كان محمد بن إسحاق يكتب عمن فوقه ومثله ودونه لرغبته في العلم وحرصه عليه، وربما يروي عن رجل عن رجل قد رآه، ويروى عن آخر عنه في موضع آخر، ويروي عن رجل عن رجل عنه؛ فلو كان ممن يستحلّ الكذب لم يحتج إلى الإنزال، بل كان يحدث عمن رآه ويقتصر عليه؛ فهذا مما يدلّ على صدقه وشهرة عدالته في الروايات).

تدليس ابن إسحاق:
مما عيب به ابن إسحاق أنه كان يدلّس أحياناً؛ فيسقط ذكر بعض شيوخه الضعفاء؛ ويذكر من بعدهم، وكان هذا العمل مما يستجيزه بعض الشيوخ فيعنعن عن شيخ شيخه، ويذكر الخبر، وهو بمثابة حذف الإسناد، وتعليق الخبر، لكنه يكون خبراً منقطعاً لا يُحتجّ به، وقد يغترّ به بعض التلاميذ فيحسبه متصلاً، وأما حذّاق العلماء فيتوقّون عنعنة المدلّس، ولا يقبلون منه إلا ما صرّح فيه بالتحديث.
- قال أحمد بن حنبل: (كان ابن إسحاق يدلس، إلا أن كتاب إبراهيم بن سعد إذا كان سماع، قال: حدثني، وإذا لم يكن، قال: قال).
- وقال أحمد أيضاً: (قدم ابن إسحاق بغداد، فكان لا يبالي عمن يحكي، عن الكلبي، وعن غيره)، وقال: (ليس هو بحجة).
- وقال ابن أبي فديك: (رأيت ابن إسحاق كثير التدليس فإذا قال: حدثني، وأخبرني، فهو ثقة).

اتهامه بالقدر:
- قال أبو يوسف الفسوي: قال سفيان: (لم يحمل عليه أحد في الحديث إنما كان أهل المدينة حملوا عليه من أجل القدر).
- وقال موسى بن هارون بن إسحاق، سمعت محمد بن عبد الله بن نمير يقول: (كان محمد بن إسحاق يُرمى بالقدر، وكان أبعد الناس منه). رواه الخطيب البغدادي في تاريخه.
- وقد روي أنه جُلد في بغداد بسبب قوله في القدر في حكاية في النفس شيء من ثبوتها، ولم يُنقل نصّ كلامه في القدر حتى يُعرف صدق هذه التهمة من كذبها، ومن الناس من يتعجّل التهمة بخبر يسمعه، ولو لم يكن ذلك من منهج صاحبه، فقد يخطئ مرة في عبارته فيُفهم منه ما هو خلاف عقيدته طول حياته، ولا يصح قبول الطعن في عقيدة رجل إلا بخبر ثابت من رجل عارف منصف.

توسّعه في الرواية:
- قال محمد بن إسماعيل بن أبي فديك: (رأيت محمد بن إسحاق يكتب عن رجلٍ من أهل الكتاب). رواه العقيلي في الضعفاء والخطيب البغدادي في الجامع.
- وقال الذهبي: (وهو أول من دون العلم بالمدينة، وذلك قبل مالك وذويه، وكان في العلم بحراً عجاجا، ولكنه ليس بالمجوّد كما ينبغي).
- قال محمد بن سلام الجمحي(ت:232هـ) في كتابه "طبقات فحول الشعراء": (وكان ممن أفسدَ الشعرَ وهجنَّه، وحمل كلَّ غُثاءٍ منه محمد بن إسحاق بن يسار مولى آل مخرمة بن المطلب بن عبد مناف وكان من علماء الناس بالسير، قال الزهري: "لا يزال في الناس علم ما بقى مولى آل مخرمة".
وكان أكثر علمه بالمغازي والسير وغير ذلك؛ فقبل الناس عنه الأشعار، وكان يعتذر منها، ويقول: "لا علم لي بالشعر أُتينا به فأحمله".
ولم يكن ذلك له عذرا؛ فكتب في السير أشعار الرجال الذين لم يقولوا شعرا قط وأشعار النساء فضلا عن الرجال ثم جاوز ذلك إلى عاد وثمود فكتب لهم أشعارا كثيرة وليس بشعر إنما هو كلام مؤلف معقود بقواف) إلى آخر ما قال في هذا الباب عن ابن إسحاق رحمه الله.
- قال الذهبي: (لا ريب أن في السيرة شعراً كثيراً من هذا الضَّرب).
- وقال أبو حفص الصيرفي: سمعت يحيى بن سعيد يقول لعبيد الله القواريري: أين تذهب؟ قال: إلى وهب بن جرير، أكتب " السيرة "، قال: تكتب كذبا كثيرا.
- قال الذهبي: (وكذا في " السيرة " عجائب ذكرها ابن إسحاق بلا إسناد تلقفها، وفيها خير كثير لمن له نقد ومعرفة).

خلاصة كلام الأئمة النقّاد فيه:
الخلاصة في شأن محمد بن إسحاق أنه صدوق غير مُتَّهم بالكذب، لكنه كان متوسّعاً في الرواية فكان يروي عن الثقات والضعفاء والمجاهيل، حتى روى عن بعض أهل الكتاب، وروى عن بعض المتّهمين بالكذب كالكلبي وغيره؛ فلذلك يقع في مروياته ما يُستنكر.
وكان موصوفاً بالتدليس فربما ذكر الخبر ولم يسمّ من حدّثه به من الضعفاء؛ فأمّا إذا صرّح بالتحديث فهو صدوق.
وربما قال: حدثنا فلان وفلان فيجمع الثقة والضعيف ويسوق حديثهما مساقاً واحداً؛ فلذلك تكلم فيه بعض أهل العلم، ولم يكن مدفوعاً عن الصدق.
- قال الذهبي: (الذي استقر عليه الأمر أن ابن إسحاق صالح الحديث، وأنه في المغازي أقوى منه في الأحكام).
- وقال يعقوب بن شيبة: سمعت محمد بن عبد الله بن نمير، وذكر ابن إسحاق، فقال: (إذا حدَّث عمن سمع منه من المعروفين فهو حسن الحديث صدوق، وإنما أتي من أنه يحدث عن المجهولين أحاديث باطلة). رواه ابن عدي والخطيب البغدادي.
- وقال أبو زرعة الدمشقي: قلت ليحيى بن معين: فلو قال رجل: إنَّ محمد بن إسحاق كان حجة، كان مصيبا؟ قال: (لا، ولكنه كان ثقة).
- وقال أبو زرعة الدمشقي أيضاً: سألت يحيى بن معين عن محمد بن إسحاق هو حجة؟ فقال: (هو صدوق، ولكن الحجة عبيد الله بن عمر، والأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز). رواه ابن عدي وابن عساكر.
- قلت: اختلفت أقوال يحيى بن معين في ابن إسحاق لكنه لم يكن يعدّه حجة، ولم يكن يضعفه جداً، فقال مرة: ثقة، ومرة قال: ضعيف، ومرة أخرى قال: لا بأس به.
- وقال أيوب بن إسحاق بن سافري: سألت أحمد بن حنبل، فقلت: إذا انفرد ابن إسحاق بحديث، تقبله؟
قال: (لا والله، إني رأيته يحدث عن جماعة بالحديث الواحد، ولا يفصل كلام ذا من كلام ذا).
قال: (وأما علي بن المديني، فكان يثني عليه، ويقدمه).
- وقال علي بن المديني: (لا أعلم أحدا ترك ابن إسحاق، روى عنه شعبة وسفيان بن سعيد وسفيان بن عيينة وحماد بن سلمة وحماد بن زيد ويزيد بن زريع وإسماعيل). رواه ابن عدي.
- وقال البخاري: (رأيت علي بن عبد الله [ابن المديني] يحتجّ بحديث ابن إسحاق، وقال علي عن ابن عيينة: "ما رأيت أحدا يتهم ابن إسحاق").
- وقال الخطيب البغدادي: (قد أمسك عن الاحتجاج بروايات ابن إسحاق غير واحد من العلماء لأسباب منها أنه كان يتشيع، وينسب إلى القدر، ويدلس في حديثه، فأما الصدق فليس بمدفوع عنه).

شيء من أخباره:
- وقال ابن سعد: (خرج من المدينة قديماً، فأتى الكوفة والجزيرة والري وبغداد، فأقام بها حتى مات في سنة إحدى وخمسين ومائة، ودفن في مقابر الخيزران).
- وقال ابن سعد: (خرج من المدينة قديماً، فلم يرو عنه أحد منهم غير إبراهيم بن سعد، وكان محمد بن إسحاق مع العباس بن محمد بالجزيرة، وكان أتى أبا جعفر بالحيرة؛ فكتب له المغازي؛ فسمع منه أهل الكوفة بذلك السبب، وسمع منه أهل الجزيرة حين كان مع العباس بن محمد، وأتى الري؛ فسمع منه أهل الري؛ فرواته من هؤلاء البلدان أكثر ممن روى عنه من أهل المدينة، وأتى بغداد؛ فأخبرني ابن محمد بن إسحاق، قال: مات ببغداد سنة خمسين ومائة، ودُفن في مقابر الخيزران، وقال غيره من العلماء: توفي محمد بن إسحاق سنة إحدى وخمسين ومائة).
- وقال ابن يونس في تاريخ مصر: (قدم الإسكندرية سنة خمس عشرة ومائة، روى عن جماعة من أهل مصر وغيرهم، منهم: عبيد الله بن المغيرة، ويزيد بن أبى حبيب، وثمامة بن شفىّ، وعبيد الله بن أبى جعفر، والقاسم بن قزمان، والسّكن بن أبى كريمة. روى عنهم أحاديث لم يروها عنهم غيره، فيما علمت، وروى عنه من أهل مصر الأكابر، منهم: يزيد بن أبى حبيب، وقيس بن أبى يزيد).


رواة السيرة عن ابن إسحاق:

كان ابن إسحاق من أكثر أهل عصره عناية بالسيرة والمغازي وجمعاً لمروياتها، وتتبعا لها، وله كتاب في السيرة سمّاه "المبتدأ والمبعث والمغازي"، وهو من أجلّ كتب السير وأكثرها شهرة، وكان يملي كتابه في بلدان عدة ، ويُقرأ عليه مراراً؛ فكثر رواته جداً حتى زادوا على المائة، ووقع بينهم من الاختلاف والزيادات ما يقع في الكتب التي يتعدد رواتها ويتكرر إملاؤها.
وكان لبعض الرواة عنه نسخ مكتوبة؛ نقل منها بعض أصحاب الكتب المصنّفة، وبقيت نسخ حتى حققت وطبعت، وفقدت نسخ كثيرة.
ومن تلك الروايات:
أ – رواية زياد بن عبد الله البكائي العامري(ت:183هـ)، وهي الرواية التي اعتمدها ابن هشام في تهذيبه، واشتهرت عن طريقه، وطبع تهذيب ابن هشام طبعات عدة يأتي بيانها إن شاء الله.
وأخرج الطبراني في المعجم الكبير مرويات كثيرة في السيرة من طريق أبي جعفر البرقي عن ابن هشام عن زياد عن ابن إسحاق.
وقد رُويتْ منها مرويّات من غير طريق ابن هشام لكنّها متفرّقة في كتب الحديث والتاريخ.
قال أحمد بن حنبل في زياد: (ليس به بأس، حديثه حديث أهل الصدق).
وكان يحيى بن معين يضعّفه إلا في المغازي؛ فكان يقول: لا بأس به.
قال عبد الله بن إدريس: (ليس أحد أثبت في ابن إسحاق من زياد البكائي وذلك أنه أملى عليه إملاء، مرتين بالحيرة).
وقال صالح جزرة: (ليس كتاب"المغازي" عند أحد أصح منه عند زياد البكائي، وزياد في نفسه ضعيف، ولكن هو من أثبت الناس في هذا الكتاب، وذلك أنه باع داره وخرج يدور مع ابن إسحاق حتى سمع منه الكتاب)ا.هـ.
ومن هذا الطريق كانت مغازي أبي جعفر البرقي، وهي مفقودة، وكان يرويها عن ابن هشام عن زياد عن ابن إسحاق، وقد أخرج الطبراني في المعجم الكبير مرويات كثيرة منها.
ب – رواية إبراهيم بن سعد الزهري(ت:183هـ)، وهو إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري رضي الله عنه، وهو أثبت رواة سيرة ابنِ إسحاق، وأقدمهم سماعاً منه، وأحسنهم أداء لها.
قال أحمد بن حنبل: (كان ابن إسحاق يدلّس إلا أنّ كتاب إبراهيم بن سعد إذا كان سماعٌ قال: "حدثني" وإذا لم يكن سماعٌ، قال: "قال").
أخرج البخاري ومسلم في صحيحهما شيئاً يسيراً من هذه الرواية، وأكثر من الرواية منها الإمام أحمد في مسنده، وأبو نعيم الأصبهاني في دلائل النبوة، وابن عساكر في تاريخه، وأخرج منها البيهقي في دلائله روايات معدودة.
ج- رواية: محمد بن سلمة الحرَّاني(ت:191هـ)، أخرج منها الحاكم في المستدرك، وأبو نعيم والبيهقي في دلائلهما، وغيرهم.
- طبع بعضها ملحقا بنشرة محمد حميد الله، ونشرة سهيل زكار، من رواية أبي شعيب الحراني عن أبي جعفر النفيلي عن محمد بن سلمة.
د- رواية سلمة بن الفضل الأبرش(ت:191هـ)، وأخرج منها ابن جرير الطبري في تفسيره وتاريخه مرويات كثيرة، وأخرج منها الحاكم في المستدرك، والفسوي في "المعرفة"، وأبو نعيم الأصبهاني في دلائله وتاريخه، والبيهقي في الدلائل، وقوام السنة الأصبهاني في الدلائل وغيرهم.
قال فيه يحيى بن معين: (ثقة، قد كتبنا عنه، كان كيسا، مغازيه أتم، ليس في الكتب أتم من كتابه).
وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتجّ به.
وله رواة كثر منهم ثقات وضعفاء.
هـ: عبد الله بن إدريس الأودي(192هـ)، وهو ثقة فقيه قارئ، وكان مقدّما في الرواة عن ابن إسحاق، روى بعض مرويات المغازي من طريقه: ابن أبي شيبة وأحمد وابن سعد والدارمي وأبو نعيم والبيهقي، وغيرهم.
ومن هذه الرواية كانت مغازي يوسف بن البهلول التميمي(ت:218هـ)، وهي مفقودة إلا ما روي منها من آثار متفرقة.
قال ابن سعد في ترجمة يوسف: (وهو صاحب المغازي سمعها من عبد الله بن إدريس عن محمد بن إسحاق).
ز: رواية يحيى بن سعيد بن أبان الأموي(ت:194هـ)، ومن هذه الرواية كانت مغازي سعيد بن يحيى الأموي(ت:249هـ) ، وهي نسخة مشهورة مفقودة، أخرج منها أبو القاسم البغوي في "معجم الصحابة"، والفسوي في "المعرفة"، والحاكم في "المستدرك" ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق"، وغيرهم.
ح – رواية يونس بن بكير الشيباني الكوفي (ت:199هـ)، وقد أخرج منها الحاكم في المستدرك، وأبو بكر البيهقي في "دلائل النبوة" وابن الأثير الجزري في "أسد الغابة" مرويات كثيرة.
وقد بقيت منها نسخة غير تامة نشرتها نبيهة عبود في شيكاغو، سنة 1376هـ.
ثم حققها محمد حميد الله، ونشرها معهد الدراسات والأبحاث للتعريب بالرباط، سنة 1396هـ.
ثم حققها بعد ذلك الدكتور سهيل زكار ونشرتها دار الفكر ببيروت سنة 1398هـ.
ويونس بن بكير كان من أخصّ أصحاب ابن إسحاق به، وأكثرهم رواية عنه، وله زيادات عليه في مغازيه أشار إليها ابن حجر.
ط: رواية أحمد بن خالد الوهبي(ت:215هـ)، وقد أخرج منها البخاري في الأدب المفرد، وجماعة من أهل الحديث، وأكثرهم رواية عنه الدارمي والطبراني والحاكم والبيهقي، وأكثر ما يروون عنه من سيرة ابن إسحاق ما يتعلق بأحاديث الأحكام المستفادة من سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.
*فهذه الروايات هي أشهر روايات السيرة عن ابن إسحاق، وهم على ثلاثة أصناف:
- صنف يؤديها كما سمعها كزياد البكائي.
- وصنف ينتقي منها؛ كعبد الله بن إدريس وإبراهيم بن سعد وجماعة من الأئمة الذين رووا السيرة عن ابن إسحاق.
- وصنف يزيد عليها من مرويات غيره كيونس بن بكير.
وهذه الأصناف الثلاثة كما هي ظاهرة في رواة السيرة عن ابن إسحاق؛ فهي كذلك في الرواة عنهم، ولذلك كثرت نسخ السيرة واختلفت، وفُقِد كثير منها، وتفرّق بعضها في كتب المصنّفين في الحديث والتاريخ.
وقد روى السيرةَ عن ابن إسحاق جماعةٌ من الضعفاء والمتروكين، منهم: أبو مخنف لوط بن يحي، وعبد الرحمن بن بشير الشيباني، وعلي بن مجاهد الكابلي، وسيف بن عمر، وأبو البختري وهب بن وهب بن كثير، وأبو حذيفة البخاري، والهيثم بن عدي الطائي، وغيرهم.
لكن مرويات هؤلاء المتروكين في دوواين السنّة غير كثيرة، ويُكثر من بعضها بعض أهل التاريخ.


وفاته:
اختلف في سنة وفاته على أقوال:
القول الأول: توفي سنة 150هـ، وهو قول ابنه فيما رواه عنه ابن سعد ولم يسمّه، وقول أحمد بن خالد الوهبي وهو من أصحاب ابن إسحاق فيما رواه عنه أبو زرعة الدمشقي في تاريخه، وقول أبي حفص الفلاس، ونفطويه.
- قال الذهبي: (الوهبي هو خاتمة أصحابه، مات سنة خمس عشرة ومائتين).
القول الثاني: سنة 151هـ، وهو قول الهيثم بن عدي، وأحمد بن حنبل، والبخاري، ويعقوب بن شيبة، ورواية عن الوهبي ذكرها الفسوي ومن طريقه الخطيب البغدادي في تواريخهما، عن أبي زرعة الدمشقي عن الوهبي، وقد تقدّمت رواية أبي زرعة عن الوهبي أنه توفي سنة 150ه.
والقول الثالث: سنة 152هـ، وهو قول علي بن المديني، ويحيى بن معين، وزكريا الساجي، وخليفة بن خياط.

- قال ابن حبان: (مات سنة إحدى أو اثنتين وخمسين ومائة ببغداد، وقد قيل سنة خمسين ومائة).
- وقال ابن عدي الجرجاني (ت:365هـ): (قرأت على قبره ببغداد على باب الحجرة التي فيها قبره بحذاء مقبرة الخيزران مكتوب عليها بجص هذا قبر محمد بن إسحاق بن يسار صاحب مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم).
وقال د.بشار عواد معروف: (وقبره في الأعظمية في بلدتنا، قريب من دارنا جدا).


الساعة الآن 09:34 AM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة