جمهرة العلوم

جمهرة العلوم (http://jamharah.net/index.php)
-   تفسير سورة ق (http://jamharah.net/forumdisplay.php?f=881)
-   -   تفسير سورة ق [ من الآية (23) إلى الآية (30) ] (http://jamharah.net/showthread.php?t=21037)

ساجدة فاروق 12 جمادى الأولى 1434هـ/23-03-2013م 06:16 PM

تفسير سورة ق [ من الآية (23) إلى الآية (30) ]
 
{وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) مَّنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُّرِيبٍ (25) الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26) قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِن كَانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ (27) قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُم بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلاَّمٍ لِّلْعَبِيدِ (29) يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِن مَّزِيدٍ (30)}


روابط مهمة:
- القراءات
- توجيه القراءات
- الوقف والابتداء

ساجدة فاروق 14 جمادى الآخرة 1434هـ/24-04-2013م 06:04 PM

جمهرة تفاسير السلف


تفسير قوله تعالى: (وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) )
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({وقال قرينه} [ق: 23] : «الشّيطان الّذي قيّض له»). [صحيح البخاري: 6/138]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال قرينه الشّيطان الّذي قيّض له وصله الفريابيّ أيضًا وقال عبد الرّزّاق عن قتادة نحوه). [فتح الباري: 8/594]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وقال الفريابيّ ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله 10 ق {والنّخل باسقات} قال طوال
وبه في قوله 15 ق {أفعيينا بالخلق الأول} قال أفعيينا حين أنشأناكم
وبه في قوله 23 ق {وقال قرينه} قال الشّيطان الّذي قيض له). [تغليق التعليق: 4/316-317] (م)
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وقال قرينه الشّيطان الّذي قيّض له
أشار به إلى قول تعالى: {وقال قرينه: هذا ما لدي عنيد} وفسّر القرين بالشيطان الّذي قيض له، أي: قدر، وعن قتادة: الملك الّذي وكل به كذا في (تفسير الثّعلبيّ) ). [عمدة القاري: 19/185]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({وقال قرينه}) هو (الشيطان الذي قيض له) بضم القاف وكسر التحتية المشددة آخره ضاد معجمة قدر وقيل القرين الملك الموكل به). [إرشاد الساري: 7/352-353]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقال قرينه هذا ما لديّ عتيدٌ (23) ألقيا في جهنّم كلّ كفّارٍ عنيدٍ (24) منّاعٍ لّلخير معتدٍ مّريبٍ}.
قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يقول تعالى ذكره: وقال قرين هذا الإنسان الّذي جاء ربّه يوم القيامة معه سائقٌ وشهيدٌ.
- كما حدّثنا بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {وقال قرينه هذا ما لديّ عتيدٌ}: الملك.
- حدّثني يونس قال: أخبرنا ابن وهبٍ قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {وقال قرينه هذا ما لديّ عتيدٌ} إلى آخر الآية قال: هذا سائقه الّذي وكّل به، وقرأ {وجاءت كلّ نفسٍ معها سائقٌ وشهيدٌ}.
وقوله: {هذا ما لديّ عتيدٌ} يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيل قرين هذا الإنسان عند موافاته ربّه به، ربّ هذا ما لديّ عتيدٌ: يقول: هذا الّذي هو عندي معدٌّ محفوظٌ.
- كما حدّثني يونس قال: أخبرنا ابن وهبٍ قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {هذا ما لديّ عتيدٌ} قال: والعتيد: الّذي قد أخذه، وجاء به السّائق والحافظ معه جميعًا). [جامع البيان: 21/436-437]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد وقال قرينه قال الشيطان الذي قيض له). [تفسير مجاهد: 2/611]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {قال قرينه} قال: الشيطان). [الدر المنثور: 13/622]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الفريابي عن مجاهد في قوله {وقال قرينه} قال: الشيطان الذي قيض له). [الدر المنثور: 13/622]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله {وقال قرينه} قال: ملكه {هذا ما لدي عتيد} قال: الذي عندي عتيد للإنسان حفظته حتى جئت به وفي قوله {قال قرينه ربنا ما أطغيته} قال: هذا شيطانه). [الدر المنثور: 13/622]

تفسير قوله تعالى: (أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {ألقيا في جهنّم كلّ كفّارٍ عنيدٍ} فيه متروكٌ استغني بدلالة الظّاهر عليه منه، وهو: يقال ألقيا في جهنّم، وقال تعالى: ألقيا، فأخرج الأمر للقرين، وهو بلفظ واحدٍ مخرج خطاب الاثنين وفي ذلك وجهان من التّأويل: أحدهما: أن يكون القرين بمعنى الاثنين، كالرّسول، والاسم الّذي يكون بلفظ الواحد في الواحد والتّثنية والجمع، فردّ قوله: {ألقيا في جهنّم} إلى المعنى.
والثّاني: أن يكون كما كان بعض أهل العربيّة يقول، وهو أنّ العرب تأمر الواحد والجماعة بما تأمر به الاثنين، فتقول للرّجل ويلك أرحلاها وازجراها، وذكر أنّه سمعها من العرب؛ قال: وأنشدني بعضهم:
فقلت لصاحبي لا تحبسانا بنزع أصوله واجتزّ شيحًا.
قال: وأنشدني أبو ثروان:
فإن تزجراني يا ابن عفّان أنزجر وإن تدعاني أحم عرضًا ممنّعا.
قال: ونرى أنّ ذلك منهم أنّ الرّجل أدنى أعوانه في إبله وغنمه اثنان، وكذلك الرّفقة أدنى ما تكون ثلاثةٌ، فجرى كلام الواحد على صاحبيه، وقال: ألا ترى الشّعراء أكثر قيلاً يا صاحبيّ يا خليليّ، وقال امرؤ القيس:
خليليّ مرّا بي على أمّ جندب نقضّ لبانات الفؤاد المعذّب.
ثمّ قال:
ألم تر أنّي كلّما جئت طارفًا وجدت بها طيبًا وإن لم تطيّب.
فرجع إلى الواحد، وأوّل الكلام اثنان؛ قال: وأنشدني بعضهم:
خليليّ قوما في عطالة فانظرا أنارًا ترى من نحو بابين أم برقا.
وبعضهم يروي: أنارًا نرى.
{كلّ كفّارٍ عنيدٍ} يعني: كلّ جاحدٍ وحدانيّة اللّه، عنيدٍ وهو العاند عن الحقّ وسبيل الهدى). [جامع البيان: 21/437-438]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن إبراهيم في قوله {كل كفار عنيد} قال: مناكب عن الحق). [الدر المنثور: 13/622]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة في قوله {ألقيا في جهنم كل كفار عنيد} قال: كفار بنعم الله عنيد عن طاعة الله وحقه مناع للخير قال: الزكاة المفروضة {معتد مريب} قال: معتد في قوله وكلامه آثم بربه فقال هذا المنافق الذي جعل مع الله إلها آخر هذا المشرك). [الدر المنثور: 13/623]

تفسير قوله تعالى: (مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {منّاعٍ للخير} كان قتادة يقول في الخير في هذا الموضع: هو الزّكاة المفروضة.
- حدّثنا بذلك بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة.
والصّواب من القول في ذلك عندي أنّه كلّ حقٍّ وجب للّه، أو لآدميٍّ في ماله، والخير هو المال في هذا الموضع.
وإنّما قلنا ذلك هو الصّواب من القول، لأنّ اللّه تعالى ذكره عمّ بقوله {منّاعٍ للخير} الخبر عنه أنّه يمنع الخير، ولم يخصّص منه شيئًا دون شيءٍ، فذلك على كلّ خيرٍ يمكن منعه طالبه.
- وقوله {معتدٍ} يقول معتدٍ على النّاس بلسانه بالبذاء والفحش في المنطق، وبيده بالسّطوة والبطش ظلمًا.
- كما: حدّثنا بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: معتدٍ في منطقه وسيرته وأمره
وقوله: {مريبٍ} يعني: شاكٌّ في وحدانيّة اللّه وقدرته على ما يشاء.
- كما: حدّثنا بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {مريبٍ}: أي شاكٍّ). [جامع البيان: 21/438]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة في قوله {ألقيا في جهنم كل كفار عنيد} قال: كفار بنعم الله عنيد عن طاعة الله وحقه مناع للخير قال: الزكاة المفروضة {معتد مريب} قال: معتد في قوله وكلامه آثم بربه فقال هذا المنافق الذي جعل مع الله إلها آخر هذا المشرك). [الدر المنثور: 13/623] (م)

تفسير قوله تعالى: (الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {الّذي جعل مع اللّه إلهًا آخر فألقياه في العذاب الشّديد}.
قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يقول تعالى ذكره: الّذي أشرك باللّه فعبد معه معبودًا آخر من خلقه {فألقياه في العذاب الشّديد} يقول: فألقياه في عذاب جهنّم الشّديد). [جامع البيان: 21/439]

تفسير قوله تعالى: (قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله قال قرينه ربنا ما أطغيته قال قرينه الشيطان قال معمر وقال منصور بن المعتمر قال رسول الله ما من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن قالوا ولا أنت يا رسول الله قال ولا أنا إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير). [تفسير عبد الرزاق: 2/238]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {قال قرينه ربّنا ما أطغيته ولكن كان في ضلالٍ بعيدٍ (27) قال لا تختصموا لديّ وقد قدّمت إليكم بالوعيد}.
قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يقول تعالى ذكره: قال قرين هذا الإنسان الكفّار المنّاع للخير، وهو شيطانه الّذي كان موكّلاً به في الدّنيا.
- كما: حدّثني محمّد بن سعدٍ قال: ثني أبي قال: ثني عمّي قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {قال قرينه ربّنا ما أطغيته} قال: قرينه: شيطانه.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث قال: حدّثنا الحسن قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {قال قرينه} قال: الشّيطان قيّض له.
- حدّثنا بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {الّذي جعل مع اللّه إلهًا آخر} هو المشرك {قال قرينه ربّنا ما أطغيته} قال: قرينه الشّيطان.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة {قال قرينه ربّنا ما أطغيته} قال: قرينه: وهو الشّيطان.
- حدّثت عن الحسين قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {قال قرينه ربّنا ما أطغيته} قال: قرينه: شيطانه.
- حدّثني يونس قال: أخبرنا ابن وهبٍ قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {قال قرينه ربّنا ما أطغيته} قال: قرينه من الجنّ: ربّنا ما أطغيته، تبرّأ منه.
وقوله: {ربّنا ما أطغيته} يقول: ما أنا جعلته طاغيًا متعدّيًا إلى ما ليس له، وإنّما يعني بذلك الكفر باللّه {ولكن كان في ضلالٍ بعيدٍ} يقول: ولكن كان في طريقٍ جائرٍ عن سبيل الهدى جورًا بعيدًا.
وإنّما أخبر تعالى ذكره هذا الخبر، عن قول قرين الكافر له يوم القيامة، إعلامًا منه عباده، تبرّأ بعضهم من بعضٍ يوم القيامة.
- كما: حدّثني يونس قال: أخبرنا ابن وهبٍ قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ربّنا ما أطغيته} قال: تبرّأ منه). [جامع البيان: 21/440-441]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر عن منصور قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من أحد إلا وقد وكل به قرينه من الجن قالوا: ولا أنت قال: ولا أنا إلا أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلا بخير). [الدر المنثور: 13/623]

تفسير قوله تعالى: (قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {لا تختصموا لديّ} يقول تعالى ذكره: قال اللّه لهؤلاء المشركين الّذين وصف صفتهم، وصفة قرنائهم من الشّياطين {لا تختصموا لديّ} اليوم {وقد قدّمت إليكم} في الدّنيا قبل اختصامكم هذا، بالوعيد لمن كفر بي، وعصاني، وخالف أمري ونهي في كتبي، وعلى ألسن رسلي.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني عبد اللّه بن أبي زيادٍ قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي بكرٍ قال: حدّثنا جعفرٌ قال: سمعت أبا عمران، يقول في قوله: {وقد قدّمت إليكم بالوعيد} قال: بالقرآن.
- حدّثني عليٌّ قال: حدّثنا أبو صالحٍ قال: ثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {لا تختصموا لديّ} قال: إنّهم اعتذروا بغير عذرٍ، فأبطل اللّه حجّتهم، وردّ عليهم قولهم.
- حدّثني يونس قال: أخبرنا ابن وهبٍ قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {لا تختصموا لديّ وقد قدّمت إليكم بالوعيد} قال: يقول: قد أمرتكم ونهيتكم قال: هذا ابن آدم وقرينه من الجنّ.
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا مهران، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع قال: قلت لأبي العالية {لا تختصموا لديّ وقد قدّمت إليكم بالوعيد} أحسبه أنا، قال: هم أهل الشّرك وقال في آيةٍ أخرى {ثمّ إنّكم يوم القيامة عند ربّكم تختصمون} قال: هم أهل القبلة). [جامع البيان: 21/441-442]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {لا تختصموا لدي} قال: إنهم اعتذروا بغير عذر فأبطل الله عليهم حجتهم ورد عليهم قولهم). [الدر المنثور: 13/623]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {قال لا تختصموا لدي} قال: عندي {وقد قدمت إليكم بالوعيد} قال: على لسان الرسل أن من عصاني عذبته). [الدر المنثور: 13/623]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن الربيع بن أنس قال: قلت لأبي العالية قال الله: {لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد} وقال {ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون} فكيف هذا قال: نعم أما قوله {لا تختصموا لدي} فهؤلاء أهل الشرك وقوله {ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون} فهؤلاء أهل القبلة يختصمون في مظالمهم). [الدر المنثور: 13/624]

تفسير قوله تعالى: (مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وحدّثنا معاوية بن صالحٍ عن أبي عمران أنّه [سمع] أمّ الدّرداء تقول: إنّ رجلا ممّن قد قرأ القرآن أغار على جارٍ له كان يأتي بعض [جيرانه]، فقتله، وإنّه أقيد منه فقتل؛ فما زال القرآن ينسلّ [منه سورةً] سورةً حتّى بقيت البقرة وآل عمران جمعةً؛ ثمّ إنّ آل عمران انسلّت، وأقامت البقرة جمعةً، فقيل لها: {ما يبدّل القول لدي وما أنا بظلامٍ للعبيد}؛ قال: فخرجت منه كالسّحابة العظيمة). [الجامع في علوم القرآن: 3/9]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى ما يبدل القول لدي قال: قال الله يا محمد إنه لا يبدل القول لدي ولك بالخمس الصلوات خمسون صلاة). [تفسير عبد الرزاق: 2/238]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ما يبدّل القول لديّ وما أنا بظلاّمٍ لّلعبيد (29) يوم نقول لجهنّم هل امتلأت وتقول هل من مزيدٍ}.
قال أبو جعفرٍ رحمه الله: يقول تعالى ذكره مخبرًا عن قيله للمشركين وقرنائهم من الجنّ يوم القيامة، إذ تبرّأ بعضهم من بعضٍ: ما يغيّر القول الّذي قلته لكم في الدّنيا، وهو قوله {لأملأنّ جهنّم من الجنّة والنّاس أجمعين} ولا قضائي الّذي قضيته فيهم فيها.
- كما: حدّثني محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث قال: حدّثنا الحسن قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {ما يبدّل القول لديّ} قد قضيت ما أنا قاضٍ.
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن محمّد بن عبد الرّحمن، عن القاسم بن أبي بزّة، عن مجاهدٍ، في قوله: {ما يبدّل القول لديّ} قال: قد قضيت ما أنا قاضٍ.
وقوله: {وما أنا بظلاّمٍ للعبيد} يقول: ولا أنا بمعاقبٍ أحدًا من خلقي بجرم غيره، ولا حاملٍ على أحدٍ منهم ذنب غيره فمعذّبه به). [جامع البيان: 21/442-443]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ما يبدل القول يقول قد قضيت ما أنا قاض). [تفسير مجاهد: 2/612]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في قوله {ما يبدل القول لدي} قال: قد قضيت ما أنا قاض). [الدر المنثور: 13/624]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله {ما يبدل القول لدي} قال: ههنا القسم). [الدر المنثور: 13/624]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق والبخاري ومسلم والنسائي، وابن ماجة، وابن المنذر، وابن مردويه عن أنس قال: فرضت على النّبيّ صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به الصلاة خمسين ثم نقصت حتى جعلت خمسا ثم نودي يا محمد إنه لا يبدل القول لدي وأن لك بهذه الخمس خمسين). [الدر المنثور: 13/624]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {وما أنا بظلام للعبيد} قال: ما أنا بمعذب من لم يجترم والله تعالى أعلم). [الدر المنثور: 13/624-625]

تفسير قوله تعالى: (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وقال عن مجاهد في قول الله: {يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيدٍ}، قال: تقول. هل في من سعةٍ). [الجامع في علوم القرآن: 2/51-52]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (حدثني عبد العزيز بن محمد عن ابن أخي ابن شهاب أنه سأل ابن شهاب عن هذه [الآية: {وتقول هل من] مزيدٍ}، قلنا: نسأل المزيد قال ابن شهاب: ليس كذلك، إنما تقول: وهل [ .... ] تخبر إن امتلأت). [الجامع في علوم القرآن: 2/100-101]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن أبي هريرة ومعمر عن همام عن أبي هريرة في قوله تعالى يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد أن النبي قال احتجت الجنة والنار فقالت الجنة يا رب ما لي لا يدخلني إلا فقراء الناس وسقطهم وقالت النار ما لي يا رب لا يدخلني إلا الجبارون والمتكبرون فقال للنار أنت عذابي أصيب بك من أشاء وقال للجنة أنت رحمتي أصيب بك من أشاء ولكل واحدة ملؤها منكما فأما الجنة فإن الله ينشئ لها ما شاء وأما النار فيلقون فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع الجبار قدمه فيها فهنالك تملأ ويزوى بعضها إلى بعض وتقول قط قط قط أي حسبي.
عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس قال حدثني رجل بحديث أبي هريرة فقام رجل فانتفض فقال ابن عباس ما فرق بين هؤلاء يحدون عند محكمه ويهلكون عند متشابهه). [تفسير عبد الرزاق: 2/238-239]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (باب قوله: {وتقول هل من مزيدٍ} [ق: 30]
- حدّثنا عبد اللّه بن أبي الأسود، حدّثنا حرميّ بن عمارة، حدّثنا شعبة، عن قتادة، عن أنسٍ رضي اللّه عنه، عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: " يلقى في النّار وتقول: هل من مزيدٍ، حتّى يضع قدمه، فتقول قط قط "
- حدّثنا محمّد بن موسى القطّان، حدّثنا أبو سفيان الحميريّ سعيد بن يحيى بن مهديٍّ، حدّثنا عوفٌ، عن محمّدٍ، عن أبي هريرة، رفعه وأكثر ما كان يوقفه أبو سفيان " يقال لجهنّم: هل امتلأت، وتقول هل من مزيدٍ، فيضع الرّبّ تبارك وتعالى قدمه عليها، فتقول: قط قط "
- حدّثنا عبد اللّه بن محمّدٍ، حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمرٌ، عن همّامٍ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه، قال: قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم " تحاجّت الجنّة والنّار، فقالت النّار: أوثرت بالمتكبّرين والمتجبّرين، وقالت الجنّة: ما لي لا يدخلني إلّا ضعفاء النّاس وسقطهم، قال اللّه تبارك وتعالى للجنّة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنّار: إنّما أنت عذابي أعذّب بك من أشاء من عبادي، ولكلّ واحدةٍ منهما ملؤها، فأمّا النّار: فلا تمتلئ حتّى يضع رجله فتقول: قط قط، فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعضٍ، ولا يظلم اللّه عزّ وجلّ من خلقه أحدًا، وأمّا الجنّة: فإنّ اللّه عزّ وجلّ ينشئ لها خلقًا "). [صحيح البخاري: 6/138-139]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): ( (قوله باب قوله وتقول هل من مزيدٍ)
اختلف النّقل عن قول جهنّم هل من مزيد فظاهر أحاديث الباب أنّ هذا القول منها لطلب المزيد وجاء عن بعض السّلف أنّه استفهام إنكارٍ كأنّها تقول ما بقي في موضعٍ للزّيادة فروى الطّبريّ من طريق الحكم بن أبانٍ عن عكرمة في قوله هل من مزيد أي هل من مدخلٍ قد امتلأت ومن طريق مجاهد نحوه وأخرجه بن أبي حاتمٍ من وجهٍ آخر عن عكرمة عن بن عبّاسٍ وهو ضعيفٌ ورجّح الطّبريّ أنّه لطلب الزّيادة على ما دلّت عليه الأحاديث المرفوعة وقال الإسماعيليّ الّذي قاله مجاهدٌ موجّهٌ فيحمل على أنّها قد تزاد وهي عند نفسها لا موضع فيها للمزيد قوله في حديث أنس

- يلق في النّار وتقول هل من مزيد في رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة لا تزال جهنّم يلقى فيها أخرجه أحمد ومسلمٌ قوله حتّى يضع قدمه فيها كذا في رواية شعبة وفي رواية سعيدٍ حتّى يضع ربّ العزّة فيها قدمه قوله فتقول قط قط في رواية سعيدٍ فيزوي بعضها إلى بعضٍ وتقول قط قط وعزّتك وفي رواية سليمان التّيميّ عن قتادة فتقول قد قد بالدّال بدل الطّاء وفي حديث أبي هريرة فيضع الرّبّ عليها قدمه فتقول قط قط وفي الرّواية الّتي تليها فلا تمتلئ حتّى يضع رجله فتقول قط قط قط فهناك تمتلئ ويزوي بعضها إلى بعضٍ وفي حديث أبيّ بن كعبٍ عند أبي يعلى وجهنّم تسأل المزيد حتّى يضع فيها قدمه فيزوي بعضها إلى بعضٍ وتقول قط قط وفي حديث أبي سعيدٍ عند أحمد فيلقى في النّار أهلها فتقول هل من مزيدٍ ويلقى فيها وتقول هل من مزيدٍ حتّى يأتيها عزّ وجلّ فيضع قدمه عليها فتنزوي فتقول قدني قدني وقوله قط قط أي حسبي حسبي وثبت بهذا التّفسير عند عبد الرّزّاق من حديث أبي هريرة وقط بالتّخفيف ساكنًا ويجوز الكسر بغير إشباعٍ ووقع في بعض النّسخ عن أبي ذرٍّ قطي قطى بالاشباع وقطني بزيادة نونٍ مشبعةٍ ووقع في حديث أبي سعيدٍ ورواية سليمان التّيميّ بالدّال بدل الطّاء وهي لغة أيضا وكلها بمعنى يكفي وقيل قط صوت جهنّم والأوّل هو الصّواب عند الجمهور ثمّ رأيت في تفسير بن مردويه من وجهٍ آخر عن أنسٍ ما يؤيّد الّذي قبله ولفظه فيضعها عليها فتقطقط كما يقطقط السّقاء إذا امتلأ انتهى فهذا لو ثبت لكان هو المعتمد لكن في سنده موسى بن مطيرٍ وهو متروكٌ واختلف في المراد بالقدم فطريق السّلف في هذا وغيره مشهورةٌ وهو أن تمرّ كما جاءت ولا يتعرّض لتأويله بل نعتقد استحالة ما يوهم النّقص على الله وخاض كثيرٌ من أهل العلم في تأويل ذلك فقال المراد إذلال جهنّم فإنّها إذا بالغت في الطّغيان وطلب المزيد أذلّها اللّه فوضعها تحت القدم وليس المراد حقيقة القدم والعرب تستعمل ألفاظ الأعضاء في ضرب الأمثال ولا تريد أعيانها كقولهم رغم أنفه وسقط في يده وقيل المراد بالقدم الفرط السّابق أي يضع اللّه فيها ما قدّمه لها من أهل العذاب قال الإسماعيليّ القدم قد يكون اسمًا لما قدّم كما يسمّى ما خبط من ورقٍ خبطًا فالمعنى ما قدّموا من عملٍ وقيل المراد بالقدم قدم بعض المخلوقين فالضّمير للمخلوق معلومٌ أو يكون هناك مخلوقٌ اسمه قدمٌ أو المراد بالقدم الأخير لأنّ القدم آخر الأعضاء فيكون المعنى حتّى يضع اللّه في النّار آخر أهلها فيها ويكون الضّمير للمزيد وقال بن حبّان في صحيحه بعد إخراجه هذا من الأخبار الّتي أطلقت بتمثيل المجاورة وذلك أنّ يوم القيامة يلقى في النّار من الأمم والأمكنة الّتي عصي اللّه فيها فلا تزال تستزيد حتّى يضع الرّبّ فيها موضعًا من الأمكنة المذكورة فتمتلئ لأنّ العرب تطلق القدم على الموضع قال تعالى أنّ لهم قدم صدق يريد موضع صدقٍ وقال الدّاوديّ المراد بالقدم قدم صدقٍ وهو محمّدٌ والإشارة بذلك إلى شفاعته وهو المقام المحمود فيخرج من النّار من كان في قلبه شيءٌ من الإيمان وتعقّب بأنّ هذا منابذٌ لنصّ الحديث لأنّ فيه يضع قدمه بعد أن قالت هل من مزيدٍ والّذي قاله مقتضاه أنّه ينقص منها وصريح الخبر أنّها تنزوي بما يجعل فيها لا يخرج منها قلت ويحتمل أن يوجّه بأنّ من يخرج منها يبدّل عوضهم من أهل الكفر كما حملوا عليه حديث أبي موسى في صحيح مسلمٍ يعطى كلّ مسلمٍ رجلًا من اليهود والنّصارى فيقال هذا فداءك من النّار فإنّ بعض العلماء قال المراد بذلك أنّه يقع عند إخراج الموحّدين وأنّه يجعل مكان كلّ واحدٍ منهم واحدًا من الكفّار بأن يعظم حتّى يسدّ مكانه ومكان الّذي خرج وحينئذٍ فالقدم سببٌ للعظم المذكور فإذا وقع العظم حصل الملء الّذي تطلبه ومن التّأويل البعيد قول من قال المراد بالقدم قدم إبليس وأخذه من قوله حتّى يضع الجبّار فيها قدمه وإبليس أوّل من تكبّر فاستحقّ أن يسمّى متجبّرًا وجبّارًا وظهور بعد هذا يغني عن تكلّف الرّدّ عليه وزعم بن الجوزيّ أنّ الرّواية الّتي جاءت بلفظ الرّجل تحريفٌ من بعض الرّواة لظنّه أنّ المراد بالقدم الجارحة فرواها بالمعنى فأخطأ ثمّ قال ويحتمل أن يكون المراد بالرّجل إن كانت محفوظةً الجماعة كما تقول رجلٌ من جرادٍ فالتّقدير يضع فيها جماعةً وأضافهم إليه إضافة اختصاص وبالغ بن فوركٍ فجزم بأنّ الرّواية بلفظ الرّجل غير ثابتةٍ عند أهل النّقل وهو مردودٌ لثبوتها في الصّحيحين وقد أوّلها غيره بنحو ما تقدّم في القدم فقيل رجل بعض المخلوقين وقيل إنّها اسم مخلوقٍ من المخلوقين وقيل إنّ الرّجل تستعمل في الزّجر كما تقول وضعته تحت رجلي وقيل إنّ الرّجل تستعمل في طلب الشّيء على سبيل الجدّ كما تقول قام في هذا الأمر على رجلٍ وقال أبو الوفاء بن عقيلٍ تعالى اللّه عن أنّه لا يعمل أمره في النّار حتّى يستعين عليها بشيءٍ من ذاته أو صفاته وهو القائل للنّار كوني بردًا وسلامًا فمن يأمر نارًا أجّجها غيره أن تنقلب عن طبعها وهو الإحراق فتنقلب كيف يحتاج في نارٍ يؤجّجها هو إلى استعانةٍ انتهى ويفهم جوابه من التّفصيل الواقع ثالث أحاديث الباب حيث قال فيه ولكلّ واحدةٍ منكما ملؤها فأمّا النّار فذكر الحديث وقال فيه ولا يظلم اللّه من خلقه أحدًا فإنّ فيه إشارةً إلى أنّ الجنّة يقع امتلاؤها بمن ينشؤهم اللّه لأجل ملئها وأمّا النّار فلا ينشئ لها خلقًا بل يفعل فيها شيئًا عبّر عنه بما ذكر يقتضي لها أن ينضمّ بعضها إلى بعضٍ فتصير ملأى ولا تحتمل مزيدًا وفيه دلالةٌ على أنّ الثّواب ليس موقوفًا على العمل بل ينعم اللّه بالجنّة على من لم يعمل خيرًا قطّ كما في الأطفال قوله في أوّل الحديث الثّاني
- حدّثنا محمّد بن موسى القطّان هو الواسطيّ وأبو سفيان الحميريّ أدركه البخاريّ بالسّنّ ولم يلقه قوله حدّثنا عوفٌ لأبي سفيان فيه سندٌ آخر أخرجه مسلمٌ من رواية عبد اللّه بن عمر الجزائريّ عن معمر عن أيّوب عن بن سيرين عن أبي هريرة مطوّلًا وقوله رفعه وأكثر ما كان يوقفه أبو سفيان القائل ذلك محمّد بن موسى الرّاوي عنه وقال يوقفه من الرّباعيّ وهو لغةٌ والفصيح يقفه من الثّلاثيّ والمعنى أنّه كان يرويه في أكثر الأحوال موقوفًا ويرفعه أحيانًا وقد رفعه غيره أيضًا
- قوله في الطّريق الثّالثة أخبرنا معمرٌ عن همّامٍ عن أبي هريرة وقع في مصنّف عبد الرّزّاق في آخره قال معمرٌ وأخبرني أيّوب عن محمّد بن سيرين عن أبي هريرة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مثله وأخرجه مسلمٌ بالوجهين قوله تحاجّت أي تخاصمت قوله بالمتكبّرين والمتجبّرين قيل هما بمعنًى وقيل المتكبّر المتعاظم بما ليس فيه والمتجبّر الممنوع الّذي لا يوصل إليه وقيل الّذي لا يكترث بأمرٍ قوله ضعفاء النّاس وسقطهم بفتحتين أي المحتقرون بينهم السّاقطون من أعينهم هذا بالنّسبة إلى ما عند الأكثر من النّاس وبالنّسبة إلى ما عند اللّه هم عظماءٌ رفعاء الدّرجات لكنّهم بالنّسبة إلى ما عند أنفسهم لعظمة اللّه عندهم وخضوعهم له في غاية التّواضع للّه والذّلّة في عباده فوصفهم بالضّعف والسّقط بهذا المعنى صحيحٌ أو المراد بالحصر في قول الجنّة إلّا ضعفاء النّاس الأغلب قال النّوويّ هذا الحديث على ظاهره وإنّ اللّه يخلق في الجنّة والنّار تمييزًا يدركان به ويقدران على المراجعة والاحتجاج ويحتمل أن يكون بلسان الحال وسيأتي مزيد لهذا في باب قوله إنّ رحمة اللّه قريبٌ من المحسنين من كتاب التّوحيد إن شاء اللّه تعالى). [فتح الباري: 8/595-597]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (باب قوله: {وتقول هل من مزيدٍ} (ق: 30)
أي: هذا باب في قوله تعالى: {يوم نقول لجهنّم هل امتلأت وتقول هل من مزيد} قال الثّعلبيّ: يحتمل قوله {هل من مزيد} جحدا مجازه: ما من مزيد، ويحتمل أن يكون استفهاما بمعنى الاستزاداة أي: هل من زيادة فأزاده، وإنّما صلح للوجهين لأن في الاستفهام ضربا من الجحد وطرفا من النّفي.
- حدّثنا عبد الله بن أبي الأسود حدّثنا حرميّ بن عمارة حدّثنا شعبة عن قتادة عن أنسٍ رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال يلقى في النّار وتقول هل من مزيدٍ حتّى يضع قدمه فتقول قط قط..
مطابقته للتّرجمة ظاهرة. وعبد الله بن أبي الأسود. اسمه حميد بن الأسود أبو بكر ابن أخت عبد الرّحمن بن مهدي الحافظ البصريّ، وحرمي هو ابن عمارة بن أبي حفصة أبو روح، وقال الكرماني: حرمي منسوب إلى الحرم بالمهملة والرّاء المفتوحتين قلت: وهم فيه لأنّه علم وليس بمنسوب إلى الحرم، وما غره إلاّ الباء الّتي فيه ظنا منه أنّها ياء النّسبة، وليس كذلك، بل هو علم موضوع كذلك مثل كرسي ونحوه.
والحديث أخرجه البخاريّ أيضا في التّوحيد.
قوله: (يلقى في النار) ، أي: يلقى فيها أهلها (وتقول) أي النّار: (هل من مزيد) قوله: (حتّى يضع) أي: الرب قدمه، ورواية مسلم تفسيره مثل ما ذكرنا. فروى عن سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس بن مالك عن النّبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تزال جهنّم يلقى فيها وتقول: هل من مزيد، حتّى يضع رب العزّة فيها قدمه فيروى بعضها إلى بعض، وتقول: قطّ قطّ، بعزتك وكرمك الحديث، وروى أيضا من حديث شيبان عن قتادة رب العزّة فيها قدمه فيروى بعضها إلى بعض، وتقول: قطّ قطّ، بعزتك وكرمك الحديث، وروى أيضا من حديث شيبان عن قتادة. قال: حدثنا أنس بن مالك أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال لا تزال جهنّم تقول: هل من مزيد حتّى يضع فيها رب العزّة قدمه. فتقول: قطّ قطّ وعزّتك ويزوي بعضها إلى بعض. قوله: (فتقول) أي: النّار (قطّ قطّ) أي: حسبي حسبي، وفيه ثلاث لغات: إسكان الطّاء وكسرها منونة وغير منونة. وقيل: أن قطّ صوت جهنّم، وإنّما تقول: هل من مزيد تغيظا على العصاة ونتكلم عن قريب في معنى القدم في حديث أبي هريرة.
- حدّثنا محمّد بن موسى القطّان حدّثنا أبو سفيان الحميريّ سعيد بن يحيى بن مهدي حدّثنا عوفٌ عن محمّدٍ عن أبي هريرة رفعه وأكثر ما كان يوقفه أبو سفيان يقال لجهنّم هل امتلأت وتقول هل من مزيدٍ فيضع الرّبّ تبارك وتعالى قدمه عليها فتقول قط قط.
مطابقته للتّرجمة ظاهرة. وشيخه القطّان، بالقاف وتشديد الطّاء وبالنون، الواسطيّ، وعوف هو عوف الأعرابي، ومحمّد هو ابن سيرين.
قوله: (رفعه) أي: رفع الحديث إلى النّبي صلى الله عليه وسلم، وأبو سفيان المذكور أكثر ما كان يوقفه أي الحديث، القائل بذاك هو شيخ البخاريّ محمّد بن موسى القطّان، وقال بعضهم: يوقفه من الرباعي وهي لغة، والفصيح: يقفه. قلت: يوقفه من الثلاثي المزيد فيه، وقوله: من الرباعي ليس باصطلاح أهل الفنّ وإن كان يجوز ذلك باعتبار أنه أربعة أحرف. قوله: (يقال لجهنّم) القائل هو الله تعالى كما جاء في الحديث المذكور عن مسلم.
- حدّثنا عبد الله بن محمّدٍ حدّثنا عبد الرزّاق أخبرنا معمرٌ عن همامٍ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم تحاجّت الجنّة والنّار فقالت النّار أوترت بالمتكبّرين والمتجبّرين وقالت الجنّة ما لي لا يدخلني إلاّ ضعفاء النّاس وسقطهم قال الله تبارك وتعالى للجنّة أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي وقال للنّار إنّما عذابٌ أعذّب بك من أشاء من عبادي ولكلّ واحدةٍ منهما ملؤها فأمّا النّار فلا تمتلىء حتّى يضع رجله فتقول قط قط قط فهنالك تمتلىء ويزوى بعضها إلى بعضٍ ولا يظلم الله عزّ وجلّ من خلقه أحدا وأمّا الجنّة فإنّ الله عزّ وجلّ ينشيء لها خلقا.
مطابقته للتّرجمة من حيث إنّه يتضمّن امتلاء جهنّم يوضع الرجل كما يتضمّن حديث أنس بوضع القدم، وعبد الله بن محمّد المعروف بالمسندي، وعبد الرّزّاق بن همام اليمانيّ، ومعمر بفتحتين ابن راشد، وهمّام على وزن فعال بالتّشديد ابن منبّه الصغاني.
والحديث أخرجه مسلم، وقال: حدثنا محمّد بن رافع حدثنا عبد الرّزّاق حدثنا معمر عن همام بن منبّه. قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أحاديث منها. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تحاجّت الجنّة والنّار الخ نحوه، غير أن بعد قوله: وسقطهم وغرثهم.
قوله: (تحاجّت) ، أي: تخاصمت الجنّة والنّار، ويحتمل أن يكون بلسان الحال أو المقال، ولا مانع من أن الله يجعل لهما تمييزا يدركان به فيتحاجان، ولا يلزم من هذا التّمييز دوامه فيهما. قوله: (أوثرت) ، على صيغة المجهول بمعنى: اختصصت. قوله: (بالمتكبّرين والمتجبّرين) ، هما سواء من حيث اللّغة فالثّاني تأكيد للأول معنى، وقيل: المتكبر المتعظم بما ليس فيه، والمتجبر الممنوع الّذي لا ينال إليه، وقيل: هو الّذي لا يكترث بأمر. قوله: (إلاّ ضعفاء النّاس) ، وهم الّذين لا يلتفت إليهم أكثر النّاس لضعف حالهم ومسكنتهم واندفاعهم من أبواب النّاس ومجالسهم. قوله: (وسقطهم) ، بفتحتين أي: المتحقرون بين النّاس الساقطون من أعينهم، هذا بالنّسبة إلى ما عند الأكثر من النّاس وبالنسبة إلى ما عند الله هم عظماء رفعاء الدّرجات لكنهم بالنّسبة إلى ما عند أنفسهم لعظمة الله عندهم وخضوعهم له في غاية التّواضع لله والذلة في عباده فوصفهم بالضعف والسقط بهذا المعنى صحيح، وأما معنى الحصر فبالنظر إلى الأغلب فإن أكثرهم الفقراء والمساكين والبله وأمثالهم، وأما غيرهم من أكابر الدّارين فهم قليلون وهم أصحاب الدّرجات العلى، وأما معنى: وغرثهم، في رواية مسلم فهم أهل الحاجة والفاقة والجوع، وهو بفتح الغين المعجمة والرّاء المفتوحة وبالثاء المثلّثة، والغرث في الأصل الجوع، ويروى: عجزهم، بفتح العين والجيم جمع عاجز، ويروى: غرتهم بكسر الغين المعجمة وتشديد الرّاء وبالتاء المثنّاة من فوق وهم البله الغافلون الّذين ليس لهم فكر وحذق في أمور الدّنيا. قوله: (حتّى يضع رجله) ، لم يبين فيه الواضع من هو، وقد بينه في رواية مسلم حيث قال: حتّى يضع الله رجله، والأحاديث يفسر بعضها بعضًا. قوله: (ويروى) ، على صيغة المجهول بالزاي: يضم بعضها إلى بعض فتجتمع وتلتقي على من فيها. قوله: (ينشىء لها خلقا) ، أي: يخلق للجنة خلقا، وفي رواية مسلم من حديث أنس عن النّبي صلى الله عليه وسلم: يبقى من الجنّة ما شاء الله تعالى أن يبقى ثمّ ينشىء الله لها خلقا ممّا يشاء، وفي وراية له: ولا يزال في الجنّة فضل حتّى ينشىء الله لها خلقا فيسكنهم فضل الجنّة، قال النّوويّ: هذا دليل لأهل السّنة على أن الثّواب ليس متوقفا على الأعمال، فإن هؤلاء يخلقون حينئذٍ ويعطون في الجنّة وما يعطون بغير عمل ومثله أمر الأطفال والمجانين الّذين لم يعملوا طاعة قطّ. وكلهم في الجنّة برحمة الله تعالى وفضله، وفيه دليل أيضا على عظم سعة الجنّة. فقد جاء في (الصّحيح) (أن للواحد فيها مثل الدّنيا عشرة أمثالها ثمّ يبقى فيها شيء لخلق ينشئهم الله تعالى لها) . وفي (التّوضيح) ويروى (أن الله لما خلقها، قال لها: امتدي فهي تتسع دائما أسرع من النبل إذا خرج من القوس) .
ثمّ اعلم أن هذه الأحاديث من مشاهير أحاديث الصّفات، والعلماء فيها على مذهبين أحدهما: مذهب المفوضة وهو الإيمان بأنّها حق على ما أراد الله، ولها معنى يليق به وظاهرها غير مراد وعليه جمهور السّلف وطائفة من المتكلّمين، والآخر: مذهب المؤولة وهو مذهب جمهور المتكلّمين، على هذا اختلفوا في تأويل القدم والرجل، فقيل: المراد بالقدم هنا المتقدّم وهو سائغ في اللّغة، ومعناه: حتّى يضع الله فيها من قدمه لها من أهل العذاب، وقيل: المراد قدم بعض المخلوقين فيعود الضّمير في قدمه إلى ذلك المخلوق المعلوم أو ثمّ مخلوق اسمه القدم، وقيل: المراد به الموضع. لأن العرب تطلق اسم القدم على الموضع. قال تعالى: {لهم قدم صدق} (يونس: 2) أي: موضع صدق فإذا كان يوم القيامة يلقي في النّار من الأمم والأمكنة الّتي عصى الله عليها فلا تزال تستزيد حتّى يضع الرب موضعا من الأمكنة ومن الأمم الكافرة في النّار فتمتلئ، وقيل: القدم قد يكون اسما لما قدم من شيء، كما تسمى ما خبطت من الورق خبطا، فعلى هذا من لم يقدم إلاّ كفرا أو معاصي على العناد والجحود فذاك قدمه وقدمه ذلك هو ما قدمه للعذاب والعقاب الحالين به، والمعاندون من الكفّار هم قدم العذاب في النّار، وقيل: المراد بوضع القدم عليها نوع من الزّجر عليها والتسكين لها. كما يقول القائل لشيء يريد محوه وإبطاله، جملته تحت رجلي، ووضعته تحت قدمي. وقال الكرماني: يحتمل أن يعود الضّمير إلى المزيد، ويراد بالقدم الآخر لأنّه آخر الأعضاء أي: حتّى يضع الله آخر أهل النّار فيها، وأما الرّواية الّتي فيها الرجل فقد زعم الإمام أبو بكر بن فورك أنّها غير ثابتة عند أهل النّقل، ورد عليه برواية (الصّحيحين) بها. وقال ابن الجوزيّ: إن الرّواية الّتي جاءت بلفظ الرجل تحريف من بعض الرواة لظنّه أن المراد بالقدم الجارحة. فرواها بالمعنى فأخطأ، ثمّ قال: ويحتمل أن يكون المراد بالرجل إن كانت محفوظة الجماعة، كما تقول رجل من جراد فالتقدير يضع فيها جماعة وإضافتهم إليه إضافة اختصاص، واختلف المؤولون فيه، فقيل: إن الرجل تستعمل في الزّجر كما تقول: وضعته تحت رجلي، وهذا قد مر في القدم، وقيل: المراد بها رجل بعض المخلوقين، وقيل: إنّها اسم مخلوق من المخلوقين، وقيل: إن الرجل تستعمل في طلب الشّيء على سبيل الجد كما يقال: قام في هذا الأمر على رجل، ومنهم من أنكر هذه الأحاديث كلها وكذبها، وهذا طعن في الثّقات. وإفراط في رد (الصّحاح) ومنهم من روى بعضها وأنكر أن يتحدث ببعضها وهو مالك، روى حديث النّزول
وأوله: وأنكر أن يتحدث بحديث: اهتز العرض لموت سعد بن معاذ، رضي الله تعالى عنه، ومنهم من تأولها تأويلا يكاد يفضي فيه إلى القول بالتشبيه). [عمدة القاري: 19/186-189]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (باب قوله: {وتقول هل من مزيدٍ}
(باب قوله: {وتقول}) أي جهنم حقيقة ({هل من مزيد}) [ق: 30] سؤال تقرير بمعنى الاسترادة وهو رواية عن ابن عباس فيكون السؤال وهو قوله هل امتلأت قبل دخول جميع أهلها أو هو استفهام بمعنى النفي والمعنى قد امتلأت ولم يبق فيّ موضع لم يمتلئ وهذا مشكل لأنه حينئذ بمعنى الإنكار والمخاطب الله تعالى ولا يلائمه معنى الحديث التالي، وقيل السؤال لخزنتها والجواب منهم فلا بد من حذف مضاف أي نقول لخزنة جهنم ويقولون والمزيد يجوز أن يكون مصدرًا أي هل من زيادة وأن يكون اسم مفعول أي من شيء تزيدونيه أحرقه أو أنها من السعة بحيث يدخلها من يدخلها وفيها موضع للمزيد وسقط باب قوله لغير أبي ذر.
- حدّثنا عبد اللّه بن أبي الأسود، حدّثنا حرميٌّ بن عمارة، حدّثنا شعبة عن قتادة عن أنسٍ -رضي الله عنه- عن النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: «يلقى في النّار، وتقول هل من مزيدٍ، حتّى يضع قدمه فتقول: قط قط». [الحديث 4848 - طرفاه في: 6661، 1384].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن أبي الأسود) ابن أخت عبد الرحمن بن مهدي الحافظ البصري قال: (حدّثنا حرمي بن عمارة) بن أبي حفصة وحرمي علم لا نسبة للحرم، ووهم الكرماني وسقط لغير أبي ذر ابن عمارة قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس رضي الله عنه عن النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم-) أنه (قال):
(يلقى في النار) أهلها (وتقول) مستفهمة (هل من مزيد) فيّ أي لا أسمع غير ما امتلأت به أو هل من زيادة فأزاد (حتى يضع) وفي رواية سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عند مسلم حتى يضع رب العزة (قدمه) فيها أي يذللها تذليل من يوضع تحت الرجل والعرب تضع الأمثال بالأعضاء ولا تريد أعيانها كقولها للنادم سقط في يده أو المراد قدم بعض المخلوقين فيكون الضمير لمخلوق معلوم (فتقول) النار (قط قط) بكسر الطاء وسكونها فيهما كذا في الفرع، ويجوز التنوين مع الكسر والمعنى حسبي حسبي قد اكتفيت.
- حدّثنا محمّد بن موسى القطّان، حدّثنا أبو سفيان الحميريّ سعيد بن يحيى بن مهديٍّ، حدّثنا عوفٌ عن محمّدٍ عن أبي هريرة رفعه، وأكثر ما كان يوقفه أبو سفيان «يقال لجهنّم هل امتلأت؟ وتقول: هل من مزيدٍ؟ فيضع الرّبّ تبارك وتعالى قدمه عليها فتقول: قط قط». [الحديث 4849 - طرفاه في: 4850، 7449].
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن موسى القطان) الواسطي قال: (حدّثنا أبو سفيان الحميري) بكسر الحاء المهملة وسكون الميم وفتح التحتية وكسر الراء واسمه (سعيد بن يحيى) بكسر العين (ابن مهدي) بفتح الميم الواسطي قال: (حدّثنا عوف) الأعرابي (عن محمد) هو ابن سيرين (عن أبي هريرة) قال محمد بن موسى (رفعه) إلى النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم- (وأكثر ما كان يوقفه) على الصحابي بسكون الواو من الثلاثي المزيد فيه والفصيح يقفه من الثلاثي المجرد (أبو سفيان) الحميري وقليلًا ما كان يرفعه (يقال) أي يقول الله (لجهنم هل امتلأت) استفهام تحقيق لوعده بملئها (وتقول) جهنم: ولأبي ذر فتقول بالفاء (هل من مزيد فيضع الرب تبارك وتعالى قدمه عليها فتقول قط قط).
- حدّثنا عبد اللّه بن محمّدٍ، حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمرٌ عن همّامٍ عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «تحاجّت الجنّة والنّار، فقالت النّار: أوثرت بالمتكبّرين والمتجبّرين، وقالت الجنّة: ما لي لا يدخلني إلاّ ضعفاء النّاس وسقطهم؟ قال اللّه تبارك وتعالى: للجنّة أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي، وقال للنّار: إنّما أنت عذابٌ أعذّب بك من أشاء من عبادي، ولكلّ واحدةٍ منهما ملؤها، فأمّا النّار فلا تمتلئ، حتّى يضع رجله فتقول: قط قط فهنالك تمتلئ ويزوى بعضها إلى بعضٍ، ولا يظلم اللّه عزّ وجلّ من خلقه أحدًا وأمّا الجنّة فإنّ اللّه عزّ وجلّ ينشئ لها خلقًا».
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام بتشديد الميم وفتح الهاء قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن همام) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى ابن منبه (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صلّى اللّه عليه وسلّم-):
(تحاجّت الجنة والنار) تخاصمتا بلسان المقال أو الحال (فقالت النار: أوثرت) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول بمعنى اختصصت (بالمتكبرين والمتجبرين) مترادفان لغة فالثاني تأكيد لسابقه أو المتكبر المتعظم بما ليس فيه والمتجبر الممنوع الذي لا يوصل إليه أو الذي لا يكترث بأمر الناس وسقطهم (وقالت الجنة ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس) الذين لا يلتفت إليهم لمسكنتهم (وسقطهم) بفتحتين المحتقرون بين الناس الساقطون من أعينهم لتواضعهم لربهم وذلتهم له (قال الله تبارك وتعالى) ولأبي ذر: عز وجل (للجنة: أنت رحمتي) ولأبي ذر عن الكشميهني: أنت رحمة وسماها رحمة لأن بها تظهر رحمته تعالى كما قاله (أرحم بك من أشاء من عبادي) وإلاّ فرحمة الله من صفاته التي لم يزل بها موصوفًا (وقال للنار: إنما أنت عذاب) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: عذابي (أعذّب بك من أشاء من عبادي ولكل واحدة منهما) بالهاء في الفرع كأصله وفي نسخة منكما (ملؤها فأما النار فلا تمتلئ حتى يضع رجله) في مسلم: حتى يضع الله رجله، وأنكر ابن فورك لفظ رجله وقال: إنها غير ثابتة. وقال ابن الجوزي: هي تحريف من بعض الرواة وردّ عليهما برواية الصحيحين بها وأوّلت بالجماعة كرجل من جراد أي يضع فيها جماعة وأضافهم إليه إضافة اختصاص، وقال محيي السّنّة: القدم والرجل في هذا الحديث من صفات الله تعالى المنزّهة عن التكييف والتشبيه فالإيمان بها فرض والامتناع عن الخوض فيها واجب، فالمهتدي من سلك فيها طريق التسليم والخائض فيها زائغ والمنكر معطل والمكيف مشبه ليس كمثله شيء (فتقول) النار إذا وضع رجله فيها (قط قط قط) ثلاثًا بتنوينها مكسورة ومسكنة، وعند أبي ذر: مرتين فقط كالروايتين السابقتن (فهنالك تمتلئ ويروى) بضم أوله وفتح ثالثه (بعضها إلى بعض) تجتمع وتلتقي على من فيها ولا ينشئ الله لها خلفًا (ولا يظلم الله عز وجل من خلقه أحدًا) لم يعمل سوءًا وللمعتزلة أن يقولوا إن نفي الظلم عمن لم يذنب دليل على أنه إن عذبهم كان ظلمًا وهو عين مذهبنا. والجواب إنّا وإن قلنا إنه تعالى وإن عذبهم لم يكن ظالمًا فإنه لم يتصرف في ملك غيره، لكنه تعالى لا يفعل ذلك لكرمه ولطفه مبالغة فنفي الظلم إثبات الكرم، (وأما الجنة فإن الله عز وجل ينشئ لها خلقًا) لم تعمل خيرًا حتى تمتلئ فالثواب ليس موقوفًا على العمل.
وفي حديث أن عند مسلم مرفوعًا: يبقى من الجنة ما شاء الله ثم ينشئ الله لها خلقًا مما يشاء، وفي رواية له ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله لها خلقًا فيسكنهم فضل الجنة). [إرشاد الساري: 7/353-355]
قال محمدُ بنُ عيسى بنِ سَوْرة التِّرْمِذيُّ (ت: 279هـ) : (حدّثنا عبد بن حميدٍ، قال: حدّثنا يونس بن محمّدٍ، قال: حدّثنا شيبان، عن قتادة، قال: حدّثنا أنس بن مالكٍ، أنّ نبيّ الله صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: لا تزال جهنّم تقول: هل من مزيدٍ، حتّى يضع فيها ربّ العزّة قدمه فتقول: قط قط وعزّتك، ويزوى بعضها إلى بعضٍ.
هذا حديثٌ حسنٌ صحيحٌ غريبٌ من هذا الوجه وفيه عن أبي هريرة). [سنن الترمذي: 5/243]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {يوم نقول لجهنّم هل امتلأت وتقول هل من مزيدٍ}
- أخبرنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّدٌ يعني ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن أيّوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: " احتجّت الجنّة والنّار، فقالت الجنّة: يا ربّ، ما لي لا يدخلني إلّا فقراء النّاس ومساكينهم وسقّاطهم، وقالت النّار: يا ربّ، ما لي لا يدخلني إلّا الجبّارون والمتكبّرون، فقال للنّار: أنت عذابي أصيب بك من أشاء، وقال للجنّة: أنت رحمتي أصيب بك من أشاء، ولكلّ واحدةٍ منكم ملؤها، فأمّا أهل الجنّة، فإنّ الله عزّ وجلّ ينشئ لها ما شاء، وأهل النّار فيلقون فيها فتقول: هل من مزيدٍ؟، حتّى يضع قدمه فيها، فهناك تمتلئ وينزوي بعضها إلى بعضٍ، وتقول: قطّ قطّ قطّ "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/270]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {يوم نقول لجهنّم} يقول: وما أنا بظلاّمٍ للعبيد في {يوم نقول لجهنّم هل امتلأت} وذلك يوم القيامة، ويوم نقول من صلة ظلاّمٍ وقال تعالى ذكره لجهنّم يوم القيامة: {هل امتلأت} لما سبق من وعده إيّاها بأنّه يملأها من الجنّة والنّاس أجمعين.
وأما قوله: {هل من مزيدٍ} فإنّ أهل التّأويل اختلفوا في تأويله، فقال بعضهم: معناه: ما من مزيدٍ قالوا: وإنّما يقول اللّه لها: هل امتلأت بعد أن يضع قدمه فيها، فينزوي بعضها إلى بعضٍ، وتقول: قط قط، من تضايقها؛ فإذا قال لها وقد صارت كذلك: هل امتلأت؟ قالت حينئذٍ: هل من مزيدٍ: أي ما من مزيدٍ، لشدّة امتلائها، وتضايق بعضها إلى بعضٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن سعدٍ قال: ثني أبي قال: ثني عمّي قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {يوم نقول لجهنّم هل امتلأت وتقول هل من مزيدٍ} قال ابن عبّاسٍ: إنّ اللّه الملك تبارك وتعالى قد سبقت كلمته {لأملأنّ جهنّم من الجنّة والنّاس أجمعين} فلمّا بعث النّاس وأحضروا، وسيق أعداء اللّه إلى النّار زمرًا، جعلوا يقتحمون في جهنّم فوجًا فوجًا، لا يلقى في جهنّم شيءٌ إلاّ ذهب فيها، ولا يملأها شيءٌ، قالت: ألست قد أقسمت لتملأنّي من الجنّة والنّاس أجمعين؟ فوضع قدمه عليها، فقالت حين وضع قدمه عليها: قد قد، فإنّي قد امتلأت، فليس فيّ مزيدٌ، ولم يكن يملأها شيءٌ، حتّى وجدت مسّ ما وضع عليها، فتضايقت حين جعل عليها ما جعل، فامتلأت فما فيها موضع إبرةٍ.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث قال: حدّثنا الحسن قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {وتقول هل من مزيدٍ} قال: وعدها اللّه ليملأنّها، فقال: هل أوفيتك؟ قالت: وهل من مسلكٍ؟
- حدّثت عن الحسين قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ قال: سمعت الضّحّاك يقول في قوله: {يوم نقول لجهنّم هل امتلأت وتقول هل من مزيدٍ} كان ابن عبّاسٍ يقول: إنّ اللّه الملك قد سبقت منه كلمةٌ {لأملأنّ جهنّم} لا يلقى فيها شيءٌ إلاّ ذهب فيها، لا يملأها شيءٌ، حتّى إذا لم يبق من أهلها أحدٌ إلاّ دخلها، وهي لا يملأها شيءٌ، أتاها الرّبّ فوضع قدمه عليها، ثمّ قال لها: هل امتلأت يا جهنّم؟ فتقول: قط قط؛ قد امتلأت، ملأتني من الجنّ والإنس فليس فيّ مزيدٌ؛ قال ابن عبّاسٍ: ولم يكن يملأها شيءٌ حتّى وجدت مسّ قدم اللّه تعالى ذكره، فتضايقت، فما فيها موضع إبرةٍ.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: زدني، إنّما هو هل من مزيدٍ، بمعنى الاستزادة.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ قال: حدّثنا الحسين، عن ثابتٍ، عن أنسٍ قال: يلقى في جهنّم وتقول: هل من مزيدٍ ثلاثًا، حتّى يضع قدمه فيها، فينزوي بعضها إلى بعضٍ، فتقول: قط قط، ثلاثًا.
- حدّثني يونس قال: أخبرنا ابن وهبٍ قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {يوم نقول لجهنّم هل امتلأت وتقول هل من مزيدٍ} لأنّها قد امتلأت وهل من مزيدٍ: هل بقي أحدٌ؟ قال: هذان الوجهان في هذا، واللّه أعلم قال: قالوا هذا وهذا.
وأولى القولين في ذلك عندي بالصّواب قول من قال: هو بمعنى الاستزادة، هل من شيءٍ أزداده؟.
وإنّما قلنا ذلك أولى القولين بالصّواب لصحّة الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، بما:
- حدّثني أحمد بن المقدام العجليّ قال: حدّثنا محمّد بن عبد الرّحمن الطّفاويّ قال: حدّثنا أيّوب، عن محمّدٍ، عن أبي هريرة، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: (إذا كان يوم القيامة، لم يظلم اللّه أحدًا من خلقه شيئًا، ويلقي في النّار، تقول هل من مزيدٍ، حتّى يضع عليها قدمه، فهنالك يملأها، ويزوى بعضها إلى بعضٍ وتقول: قط قط).
- حدّثنا أحمد بن المقدام قال: حدّثنا المعتمر بن سليمان قال: سمعت أبي يحدّث عن قتادة، عن أنسٍ قال: ما تزال جهنّم تقول: هل من مزيدٍ؟ حتّى يضع اللّه عليها قدمه، فتقول: قد قد، وما يزال في الجنّة فضلٌ حتّى ينشئ اللّه خلقًا، فيسكنه فضول الجنّة.
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم قال: حدّثنا ابن عليّة قال: أخبرنا أيّوب، وهشام بن حسّان، عن محمّد بن سيرين، عن أبي هريرة قال: اختصمت الجنّة والنّار، فقالت الجنّة: ما لي، إنّما يدخلني فقراء النّاس وسقطهم؛ وقالت النّار: ما لي، إنّما يدخلني الجبّارون والمتكبّرون، فقال: أنت رحمتي أصيب بك من أشاء، وأنت عذابي أصيب بك من أشاء، ولكلّ واحدةٍ منكما ملؤها، فأمّا الجنّة فإنّ اللّه ينشئ لها من خلقه ما شاء، وأمّا النّار فيلقون فيها وتقول: هل من مزيدٍ؟ ويلقون فيها وتقول هل من مزيدٍ، حتّى يضع فيها قدمه، فهنالك تملأ، ويزوى بعضها إلى بعضٍ، وتقول: قط قط.
- حدّثنا ابن عبد الأعلى قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن معمرٍ، عن أيّوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: (احتجّت الجنّة والنّار، فقالت الجنّة: مالي، لا يدخلني إلاّ فقراء النّاس؟ وقالت النّار: مالي لا يدخلني إلاّ الجبّارون والمتكبّرون؟ فقال للنّار: أنت عذابي أصيب بك من أشاء، وقال للجنّة: أنت رحمتي أصيب بك من أشاء، ولكلّ واحدةٍ منكما ملؤها؛ فأمّا الجنّة فإنّ اللّه عزّ وجلّ ينشئ لها ما شاء؛ وأمّا النّار فيلقون فيها وتقول: هل من مزيدٍ، حتّى يضع قدمه فيها، هنالك تمتلئ، وينزوي بعضها إلى بعضٍ، وتقول: قط قط قط).
- حدّثنا بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، عن أنسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: لا تزال جهنّم يلقى فيها وتقول: هل من مزيدٍ حتّى يضع ربّ العالمين قدمه، فينزوي بعضها إلى بعضٍ وتقول: قد قد، بعزّتك وكرمك، ولا يزال في الجنّة فضلٌ حتّى ينشئ اللّه لها خلقًا فيسكنهم فضل الجنّة.
- حدّثنا ابن المثنّى قال: حدّثنا عبد الصّمد قال: حدّثنا أبان العطّار قال: حدّثنا قتادة، عن أنسٍ، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: (لا تزال جهنّم تقول: هل من مزيدٍ؟ فيقول لها ربّ العالمين فيضع فيها قدمه، فينزوي بعضها إلى بعضٍ، فتقول: بعزّتك قط، قط؛ وما يزال في الجنّة فضلٌ حتّى ينشئ اللّه خلقًا فيسكنه في فضول الجنّة).
- حدّثنا ابن المثنّى قال: حدّثنا عمرو بن عاصمٍ الكلابيّ قال: حدّثنا المعتمر، عن أبيه قال: حدّثنا قتادة، عن أنسٍ قال: ما تزال جهنّم تقول: هل من مزيدٍ فذكر نحوه غير أنّه قال: أو كما قال.
- حدّثنا زياد بن أيّوب قال: حدّثنا عبد الوهّاب بن عطاءٍ الخفّاف، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن أنسٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: (احتجّت الجنّة والنّار، فقالت النّار: يدخلني الجبّارون والمتكبّرون؛ وقالت الجنّة: يدخلني الفقراء والمساكين؛ فأوحى اللّه عزّ وجلّ إلى الجنّة: أنت رحمتي أصيب بك من أشاء؛ وأوحى إلى النّار: أنت عذابي أنتقم بك ممّن شئت، ولكلّ واحدةٍ منكما ملؤها؛ فأمّا النّار فتقول: هل من مزيدٍ؟ حتّى يضع قدمه فيها، فتقول: قط قط).
قال أبو جعفرٍ رحمه الله: ففي قول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: لا تزال جهنّم تقول هل من مزيدٍ دليلٌ واضحٌ على أنّ ذلك بمعنى الاستزادة لا بمعنى النّفي، لأنّ قوله: لا تزال دليلٌ على اتّصال قولٍ بعد قولٍ). [جامع البيان: 21/443-449]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله هل من مزيد قال وعدها الله ليملأها فيقول لها هل وفيتك فتقول هل من مسلك). [تفسير مجاهد: 612]

قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {يوم نقول لجهنّم هل امتلأت} [ق: 30].
- عن أبي سعيدٍ الخدريّ «أنّ رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - قال: " افتخرت الجنّة والنّار، فقالت النّار: يا ربّ، يدخلني الجبابرة والمتكبّرون والملوك والأشراف، وقالت الجنّة: يدخلني الضّعفاء والفقراء والمساكين، فيقول اللّه - تبارك وتعالى - للنّار: أنت عذابي، أصيب بك من أشاء، وقال للجنّة: أنت رحمتي وسعت كلّ شيءٍ، ولكلّ واحدةٍ منكما ملؤها. فيلقى في النّار أهلها فتقول: هل من مزيدٍ؟ " قال: " ويلقى فيها وتقول: هل من مزيدٍ؟ ويلقى فيها وتقول: هل من مزيدٍ؟ حتّى يأتيها اللّه - تبارك وتعالى - فيضع قدمه عليها [فتزوي] فتقول: قدني قدني. وأمّا الجنّة فيبقى فيها ما شاء اللّه أن يبقى، فينشئ اللّه لها خلقًا ما يشاء» ". قلت: في الصّحيح بعضه محالًا على حديث أبي هريرة.
رواه أحمد، ورجاله ثقاتٌ، لأنّ حمّاد بن سلمة روى عن عطاء بن السّائب قبل الاختلاط). [مجمع الزوائد: 7/112]
قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (وقال أبو بكر بن أبي شيبة: ثنا إسحاق بن منصورٍ، ثنا الحكم بن عبد الملك، عن قتادة، عن أنسٍ- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: " (وتقول هل من مزيدٍ) قال: فذكر شيئًا فينزوي بعضها إلى بعض ولا تزال في الجنة فضل حتى ينشئ الله خلقًا فيسكنهم فيها".
الحكم ضعيفٌ). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/274]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أما قوله تعالى: {يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد}
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد} قال: وهل في من مكان يزاد في). [الدر المنثور: 13/625]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر عن مجاهد في الآية قال: حتى تقول فهل من مزيد). [الدر المنثور: 13/625]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في الآية قال: وعدها الله ليملأنها فقال أوفيتك فقالت: وهل من مسلك). [الدر المنثور: 13/625]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي، وابن جرير، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تزال جهنم يلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يضع رب العزة فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط وعزتك وكرمك ولا يزال في الجنة فضل حتى ينشى ء الله لها خلقا آخر فيسكنهم في قصور الجنة). [الدر المنثور: 13/625]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج البخاري، وابن مردويه عن أبي هريرة رفعه: يقال لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد فيضع الرب قدمه عليها فتقول قط قط). [الدر المنثور: 13/626]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة والبخاري ومسلم، وابن جرير، وابن المنذر، وابن مردويه والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تحاجت الجنة والنار فقالت النار أوثرت بالمتكبرين والمتجبرين وقالت الجنة ما لي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم قال الله تبارك وتعالى للجنة: أنت رحمتي أرحم بك من أشاء من عبادي وقال للنار إنما أنت عذابي أعذب بك من أشاء من عبادي ولكل واحدة منكما ملؤها فأما النار فلا تمتلى ء حتى يضع رجله فتقول قط قط فهنالك تمتلى ء ويزوي بعضها إلى بعض ولا يظلم الله من خلقه أحدا وأما الجنة فإن الله ينشى ء لها خلقا). [الدر المنثور: 13/626]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أحمد، وعبد بن حميد، وابن مردويه عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: افتخرت الجنة والنار فقالت النار: يا رب يدخلني الجبابرة والمتكبرون والملوك والأشراف وقالت الجنة: أي رب يدخلني الضعفاء والفقراء والمساكين فيقول الله للنار أنت عذابي أصيب بك من أشاء وقال للجنة: أنت رحمتي وسعت كل شيء ولكل واحدة منكما ملؤها فيلقى فيها أهلها فتقول هل من مزيد ويلقى فيها وتقول هل من مزيد حتى يأتيها عز وجل فيضع قدمه عليها فتزوي وتقول قدني قدني وأما الجنة فيلقى فيها ما شاء الله أن يلقى فينشئ لها خلقا ما يشاء). [الدر المنثور: 13/626-627]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج أبو يعلى، وابن مردويه عن أبي بن كعب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يعرفني الله نفسه يوم القيامة فأسجد سجدة يرضى بها عني ثم أمدحه مدحة يرضى بها عني، ثم يؤذن لي في الكلام ثم تمر أمتي على الصراط مضروب بين ظهراني جهنم فيمرون أسرع من الطرف والسهم وأسرع من أجود الخيل حتى يخرج الرجل منها يحبو وهي الأعمال وجهنم تسأل المزيد حتى يضع فيها قدمه فينزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط). [الدر المنثور: 13/627]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول عن أبي كعب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أول من يدعى يوم القيامة أنا فأقوم فألبي ثم يؤذن لي في السجود فأسجد له سجدة يرضى بها عني ثم يؤذن لي فأرفع رأسي فأدعو بدعاء يرضى به عني فقلنا يا رسول الله كيف تعرف أمتك يوم القيامة قال: يعرفون غرا محجلين من أثر الطهور فيردون على الحوض ما بين عدن إلى عمان بصرى أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل وأبرد من الثلج وأطيب ريحا من المسك فيه من الآنية عدد نجوم السماء من ورده فشرب منه لم يظمأ بعده أبدا ومن صرف عنه لم يرو بعده أبدا ثم يعرض الناس على الصراط فيمر أوائلهم كالبرق ثم يمرون كالريح ثم يمرون كالطرف ثم يمرون كأجاويد الخيل والركاب وعلى كل حال وهي الأعمال والملائكة جانبي الصراط يقولون رب سلم سلم فسالم ناج ومخدوش ناج ومرتبك في النار وجهنم تقول هل من مزيد حتى يضع فيها رب العالمين ما شاء الله أن يضع فتقبض وتغرغر كما تغرغر المزادة الجديدة إذا ملئت وتقول قط قط). [الدر المنثور: 13/628]


ساجدة فاروق 14 جمادى الآخرة 1434هـ/24-04-2013م 06:05 PM

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: (وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {هذا ما لديّ عتيدٌ...}.
رفعت العتيد على أن جعلته خبرا صلته لما، وإن شئت جعلته مستأنفا على مثل قوله: {هذا بعلي شيخٌ}. ولو كان نصبا كان صوابا؛ لأن (هذا، وما) ـ معرفتان، فيقطع العتيد منهما). [معاني القرآن: 3/81]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {وَقَالَ قَرِينُهُ} يعني: الملك.
{هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} يعني: ما كتبه من عمله، حاضر عندي). [تأويل مشكل القرآن: 422]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: ( {وقال قرينه هذا ما لديّ عتيد (23)}
{ما} رفع بهذا و {عتيد} صفة لـ {ما} فيمن جعل " {ما} " في مذهب النكرة، المعنى هذا شيء لدي عتيد.
ويجوز أن يكون رفعه على وجهين غير هذا الوجه، على أن يرفع {عتيد} بإضمار، كأنك قلت: هذا شيء لديّ هو عتيد ويجوز أن ترفعه على أنه خبر بعد خبر، كما تقول هذا حلو حامض، فيكون المعنى هذا شيء لديّ عتيد.
ويجوز أن يكون رفعه على البدل من " {ما} "، فيكون المعنى هذا عتيد). [معاني القرآن: 5/45]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ} أي ما عندي حاضر). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 238]

تفسير قوله تعالى: (أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ألقيا في جهنّم كلّ كفّارٍ عنيدٍ...}.
العرب تأمر الواحد والقوم بما يؤمر به الاثنان، فيقولون للرجل: قوما عنا، وسمعت بعضهم: ويحك! ارحلاها وازجرها، وأنشدني بعضهم:

فقلت لصاحبي لا تحبسانابنزع أصوله، واجتزّ شيحا

قال: ويروى: واجدزّ يريد: واجتز، قال: وأنشدني أبو ثروان:

وإن تزجراني يا ابن عفان أنزجروإن تدعاني أحم عرضاً ممنّعـاً

ونرى أن ذلك منهم أن الرجل أدنى أعوانه في إبله وغنمه اثنان، وكذلك الرّفقة، أدنى ما يكونون ثلاثة، فجرى كلام الواحد على صاحبيه، ألا ترى الشعراء أكثر شيء، قيلا: يا صاحبيّ، يا خليلي، فقال امرؤ القيس:
[معاني القرآن: 3/78]

خليليّ، مرّا بي على أم جندبنقضّي لبانات الفؤاد المعذب

ثم قال:

ألم تر أني كلما جئت طارقـاوجدت بها طيبا وإن لم تطيب

فقال: ألم تر، فرجع إلى الواحد، وأول كلامه اثنان، قال: وأنشدني آخر:

خليليّ قوما في عطالة فانظراأناراً ترى من نحو بابين أو برقا

وبعضهم: أنارا نرى). [معاني القرآن: 3/79]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (ومنه أن تأمر الواحد والاثنين والثلاثة فما فوق أمرك الاثنين: فتقول: افعلا.
قال الله تعالى: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} [ق: 24]، والخطاب لخزنة جهنم، أو زبانيتها.
قال الفراء: والعرب تقول: ويلك ارحلاها وازجراها، وأنشد لبعضهم:

فقلت لصاحبي لا تحبسانابنزع أصوله واجتزّ شيحا

قال الشاعر:


فإن تزجراني يا ابن عفّان أنزجروإن تدعاني أحم عرضا ممنّعـا

[تأويل مشكل القرآن: 291]
قال الفراء: ونرى أصل ذلك أنّ الرّفقة أدنى ما تكون: ثلاثة نفر، فجرى كلام الواحد على صاحبيه، ألا ترى أنّ الشعراء أكثر شيء قيلا: يا صاحبيّ، ويا خليليّ.
وقال غير الفراء: قال النبي، صلّى الله عليه وسلم: «((الواحد شيطان والاثنان شيطانان، والثلاثة ركب))».
وتوعّد معاوية روح بن زنباع فاعتذر روح
[تأويل مشكل القرآن: 292]
فقال معاوية خلّيا عنه:
إذا الله سنّى عقد شيء تيسّرا
وقوله: سنّى: أي فتح.
قالوا: وأدنى ما يكون الآمر والنّاهي بين الأعوان اثنان، فجرى كلامهم على ذلك، ووكّل الله، عز وجل، بكل عبد ملكين، وأمر في الشهادة بشاهدين). [تأويل مشكل القرآن: 293]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ} يقال: هو قول الملك، ويقال: قول الله جل ذكره). [تأويل مشكل القرآن: 422]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ألقيا في جهنّم كلّ كفّار عنيد (24)}
أي عند عن الحق، وقوله: {ألقيا}، الوجه عندي - واللّه أعلم – أن يكون أمر الملكين، لأن {ألقيا} للاثنين،، وقال بعض النحويين: إن العرب
[معاني القرآن: 5/45]
تأمر الواحد بلفظ الاثنين، فتقول قوما واضربا زيدا يا رجل، ورووا أن الحجاج كان يقول: يا حرسي اضربا عنقه، وقالوا: إنما قيل ذلك لأن أكثر ما يتكلم به العرب فيمن تأمره بلفظ الاثنين، نحو:
خليلي مرا بي على أمّ جندب قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل
وقال محمد بن يزيد: هذا فعل مثنى توكيدا كأنّه لمّا قال ألقيا ناب عن قوله ألق ألق، وكذلك عنده قفا معناه عنده قف قف، فناب عن فعلين فبنى.
وهذا قول صالح وأنا اعتقد أنه أمر الاثنين، واللّه أعلم). [معاني القرآن: 5/46]

تفسير قوله تعالى: (قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27) )
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ما أطغيته} يقوله الملك الذي كان يكتب السيئات للكافر، وذلك أن الكافر قال: كان يعجلني عن التوبة، فقال: ما أطغيته يا رب، ولكن كان ضالا). [معاني القرآن: 3/79]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {قال قرينه ربّنا ما أطغيته}. مفسر في كتاب [تأويل المشكل]). [تفسير غريب القرآن: 419]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {قَالَ قَرِينُهُ} من الشياطين: {رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ}.
وهذا مثل قوله سبحانه: {احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ} [الصافات: 22] يعني: قرناءهم. والعرب تقول: زوّجت البعير بالبعير، إذا قرنت أحدهما بالآخر. ومنه قوله: {كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} [الدخان: 54] أي: قرنّاهم بهن.
ثم قال: {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ (27) قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ (28) قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (29) وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ (30) فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ} [الصافات: 27 - 31] يعني: نحن وأنتم ذائقون العذاب، وقد تقدم تفسير هذا.
قال الله تعالى: {لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ} [ق: 28] يعني: المجرمين وقرناءهم من الشياطين {وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} [ق: 28- 29]. أي: لا يغيّر عن جهته، ولا يحرّف، ولا يزاد فيه ولا ينقص، لأنّي أعلم كيف ضلّوا وكيف أضللتموهم.
{وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [ق: 29] ). [تأويل مشكل القرآن: 423]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قال قرينه ربّنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد (27)}
المعنى إنما طغى وهو بضلاله وإنما دعوته فاستجاب، كما قال: {وقال الشّيطان لمّا قضي الأمر إنّ اللّه وعدكم وعد الحقّ ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إلّا أن دعوتكم فاستجبتم لي)} ). [معاني القرآن: 5/46]


تفسير قوله تعالى: (قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) )
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (قال الله تعالى: {لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ} [ق: 28] يعني: المجرمين وقرناءهم من الشياطين {وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ} [ق: 28] ). [تأويل مشكل القرآن: 423]

تفسير قوله تعالى: (مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29) )

قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (قال الله تبارك وتعالى: {ما يبدّل القول لديّ...}. أي: ما يكذب عندي لعلمه عز وجل بغيب ذلك). [معانى القران:3/79]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ} [ق: 28- 29]. أي: لا يغيّر عن جهته، ولا يحرّف، ولا يزاد فيه ولا ينقص، لأنّي أعلم كيف ضلّوا وكيف أضللتموهم.
{وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [ق: 29]). [تأويل مشكل القرآن: 423]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ما يبدّل القول لديّ وما أنا بظلّام للعبيد (29)}
أي من عمل حسنة فله عشر أمثالها، ومن عمل سيئة - فلا يجزى إلّا مثلها). [معاني القرآن: 5/46]

تفسير قوله تعالى: (يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30) )
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {يوم نقول لجهنّم هل امتلأت وتقول هل من مزيد (30)}
وقرئت {يوم يقول لجهنّم}
نصب {يوم} على وجهين:
على معنى ما يبدل القول لديّ في ذلك اليوم.
وعلى معنى أنذرهم يوم نقول لجهنم، كما قال: {وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر}.
[معاني القرآن: 5/46]
وقوله عزّ وجلّ: {هل امتلأت}
أي: أم لم تمتلئ، وإنما السؤال توبيخ لمن أدخلها، وزيادة في مكروهه.
ودليل على تصديق قوله: {لأملأنّ جهنّم منك وممّن تبعك منهم أجمعين}
فأمّا قوله: {وتقول هل من مزيد}
ففيه وجهان عند أهل اللغة:
أحدهما أنها تقول ذلك بعد امتلائها فتقول: {هل من مزيد}
أي هل بقي في موضع لم يمتلئ، أي قد امتلأت.
ووجه آخر: تقول: هل من مزيد تغيظا على من عصى كما قال عزّ وجلّ: {سمعوا لها تغيّظا وزفيرا}
فأمّا قولها هذا ومخاطبتها فاللّه - عز وجل - جعل فيها ما به تميز وتخاطب، كما جعل فيما خلق أن يسبح بحمده، وكما جعل في النملة أن قالت: {يا أيّها النّمل ادخلوا مساكنكم}
وقد زعم قوم أنها امتلأت فصارت صورتها صورة من لو ميّز لقال: {هل من مزيد}
كما قال الشاعر:

امتلأ الحوض وقال قطنـي... مهلا رويدا قد ملأت بطني

وليس هناك قول.
وهذا ليس يشبه ذاك، لأن الله عزّ وجلّ قد أعلمنا أن المخلوقات تسبح وأننا لا نفقه تسبيحها، فلو كان إنما هو أن يدل على أنها مخلوقة كنا نفقه تسبيحها). [معاني القرآن: 5/47]

ساجدة فاروق 14 جمادى الآخرة 1434هـ/24-04-2013م 06:06 PM

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) }
قَالَ سِيبَوَيْهِ عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ بْنِ قُنْبُرٍ (ت: 180هـ): (وأما {هذا ما لدي عتيد} فرفعه على وجهين على شيء لدي عتيد وعلى هذا (بعلي شيخٌ) ). [الكتاب: 2/106]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30) }
قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (وهل حرف من الأضداد؛ تكون استفهاما عما يجهله الإنسان ولا يعلمه؛ فتقول: هل قام عبد الله؟ ملتمسا للعلم وزوال الشك، وتكون (هل) بمعنى (قد) في حال
العلم واليقين وذهاب الشك؛ فأما كونها على معنى الاستفهام فلا يحتاج فيه إلى شاهد، وأما كونها على معنى (قد)، فشاهده قول الله عز وجل: {هل أتى على الإنسان حين من الدهر}، قال جماعة من أهل العلم: معناه قد أتى على الإنسان؛ والإنسان في هذا الموضع آدم صلى الله عليه. والحين أربعون سنة، كان جل وعز خلق صورة آدم ولم ينفخ فيه الروح أربعين سنة، فذلك قوله: {لم يكن شيئا مذكورا}. وقال النبي عليه السلام في بعض غزواته: ((اللهم هل بلغت))!، هل بلغت، فمعناه: قد بلغت.
وقال بعض أهل اللغة: إذا دخلت (هل) للشيء المعلوم فمعناها الإيجاب، والتأويل: ألم يكن كذا وكذا! على جهة التقرير والتوبيخ، من ذلك قوله جل وعز: {كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا}، ومنه أيضا: {فأين تذهبون}، لم يرد بهذين الاستفهامين حدوث هلم لم يكن؛ وإنما أريد بهما التقرير والتوبيخ، ومن ذلك قول العجاج:

أطربا وأنت قنسـريوالدهر بالإنسان دواري

أراد بالتقرير. وأنشدنا ثعلب أبو العباس:

أحافرة على صلع وشيبمعاذ الله ذلك أن يكونا

وقول الله عز وجل: {يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد}، معنى (هل) (قد) عند بعض الناس، والتأويل: قد امتلأت، فقالت جهنم مؤكدة، لقول الله عز وجل: {هل من مزيد}، أي ما من مزيد يا رب، فـ (هل) الثانية معناها الجحد، وهو معنى لها معروف يخالف المعنيين الأولين، قال الله عز وجل: {هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم}ـ معناه ما ينظرون؛ وقال الشاعر:

فهل أنتم إلا أخونا فتحدبواعلينا إذا نابت علينا النوائب

وقال الآخر:

فهل أنا إلا من غزية إن غوتغويت وإن ترشد غزية أرشد

وقال الآخر:

هل ابنك إلا ابن من الناس فاصبريفلن يرجع الموتى حنيـن النوائـح

معناه: ما ابنك إلا ابن من الناس. وأنشد الفراء:

فقلت لا بل ذاكما يا بيباأجدر إلا تفضحا وتحربا

هل أنت إلا ذاهب لتلعبا
معناه: ما أنت. وأنشد الفراء أيضا:

تقول إذا اقلولى وأقـردتألا هل أخو عيش لذيذ بدائم

وقال أبو الزوائد الأعرابي وتزوج امرأة فوجدها عجوزا:


عجوز ترجـي أن تكـون فتيـةوقد لحب الجنبان واحدودب الظهر
تدس إلى العطـار ميـرة أهلهـاوهل يصلح العطار ما أفسد الدهر
وما راعنـي إلا خضـاب بكفهـاوكحل بعينيها وأثوابهـا الصفـر
وزوجتهـا قبـل المحـاق بليلـةفكان محاقا كلـه ذلـك الشهـر

فأجابته:


عدمت الشيوخ وأبغضهموذلك من بعض أفعاليـه
ترى زوجة الشيخ مغبرةوتضحي لصحبته قاليـه
فلا بـارك الله فـي لـهولا في غضون استه الباليه

وقال بعض الناس: معنى الآية: (يوم نقول لخزنة جهنم هل امتلأت، وتقول الخزنة هل من مزيد؟)، فحذف (الخزنة) وأقيمت (جهنم) مقامهم؛ كما تقول العرب: استتب المجلس، وهم يريدون أهل المجلس، وكما يقولون: يا خيل الله اركبي، وهم يريدون أهل المجلس، وكما يقولون: يا خيل الله اركبي، وهم يريدون يا فرسان خيل الله اركبوا
وقال بعض أهل العلم: لا يجوز هذا من (جهنم)، إلا بعقل يركبه الله عز وجل فيها، فتعرف به معنى الخطاب والرد، كما جعل للبعير عقلا، حتى سجد صلى الله عليه وسلم، وكما جعل للشجرة عقلا حتى أجابته عليه السلام حين دعاها.
وقال ثعلب: ظاهر الخطاب لجهنم؛ ومعنى التوبيخ لمن حضر ممن يستحق دخولها، كما قال جل اسمه: {أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله}، لعيسى عليه السلام، وقد علم أنه ما قال هذا قط إلا ليوبخ الكفار بإكذاب من ادعوا عليه هذه الدعوى الباطلة إياهم). [كتاب الأضداد: 191-195] (م)


جمهرة التفاسير 1 ربيع الأول 1440هـ/9-11-2018م 06:05 PM

تفاسير القرن الرابع الهجري
...

جمهرة التفاسير 1 ربيع الأول 1440هـ/9-11-2018م 06:05 PM

تفاسير القرن الخامس الهجري
...

جمهرة التفاسير 1 ربيع الأول 1440هـ/9-11-2018م 08:15 PM

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {وقال قرينه هذا ما لدي عتيد}، قال جماعة من المفسرين: قرينه من زبانية جهنم، أي قال: هذا العذاب الذي لهذا الإنسان الكافر حاضر عتيد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ففي هذا تحريض على الكافر واستعجال به.
وقال قتادة، وابن زيد: بل قرينه الملك الموكل بسوقه، فكأنه قال: هذا الكافر الذي جعل إلى سوقه، فهو لدي حاضر، وقال الزهراوي: "وقال قرينه" شيطانه، وهذا ضعيف، وإنما أوقع فيه أن القرين في قوله: "ربنا ما أطغيته" هو شيطانه في الدنيا ومغويه بلا خلاف، ولفظة القرين اسم جنس، فسائقه قرين، وصاحبه من الزبانية قرين، وكاتب سيئاته في الدنيا قرين، وتحتمله هذه الآية، أي: هذا الذي أحصيته عليه عتيد لدي، وموجب عذابه. ومماشي الإنسان في طريقه قرين، وقال الشاعر:
عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي
والقرين الذي في هذه الآية غير القرين الذي في قوله تعالى: {قال قرينه ربنا ما أطغيته} إذ المقارنة تكون على أنواع، وقال بعض العلماء: قرينه في هذه الآية عمله قلبا وجوارحا). [المحرر الوجيز: 8/ 45]

تفسير قوله تعالى: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: "ألقيا في جهنم" معناه: يقال: ألقيا في جهنم، واختلف الناس، لمن يقال ذلك؟ فقالت جماعة من المفسرين: هو قول لملكين من ملائكة العذاب، وقال عبد الرحمن بن زيد في كتاب الزهراوي: هو قول للسائق والشهيد، وحكى الزهراوي أن المأمور بإلقاء الكافر في النار اثنان، وعلى هذين القولين لا نظر في قوله تعالى: "ألقيا"، وقال مجاهد وجماعة من المتأولين: هو قول للقرين، إما السائق وإما الذي هو من الزبانية حسبما تقدم، واختلف أهل هذه المقالة في معنى قوله تعالى: "ألقيا" وهى مخاطبة لواحد، فقال المبرد: معناه: ألق ألق، فإنما أراد تثنية الأمر مبالغة وتأكيدا فرد التثنية إلى الضمير اختصارا كما قال:
... ... ... ... ..... لفتك لأمين على نابل
يريد: ارم ارم. وقال بعض المتأولين: المراد: "ألقين"، فعوض من النون ألفا كما تعوض من التنوين، وقال جماعة من أهل العلم بكلام العرب: هذا جرى على عادة العرب، وذلك أنها كان الغالب عندها أن يترافق في الأسفار ونحوها ثلاثة، فكل واحد منهم يخاطب اثنين، فكثر ذلك في كلامها وأشعارها حتى صار عرفا في المخاطبة، فاستعمل في الواحد، ومن هذا قولهم في الأشعار: خليلي، وصاحبي، وقفا نبك ونحوه، وقد جرى المحدثون على هذا الرسم، فيقول الواحد: حدثنا، -وإن كان قد سمع وحده-، ونظير هذه الآية في هذا القول قول الزجاج: يا حرسي اضربا عنقه، وهو دليل على عادة العرب، ومنه قول الشاعر:
فإن تزجراني بابن عفان أنزجر ... وإن تدعاني أحم عرضا ممنعا
وقرأ الحسن بن أبي الحسن: "ألقيا" بتنوين "ألقيا". و"كفار" بناء مبالغة، و"عنيد" معناه: عاند عن الحق أي: منحرف عنه). [المحرر الوجيز: 8/ 45-47]

تفسير قوله تعالى: {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: "مناع للخير" لفظ عام للمال والكلام الحسن والتعاون على الأشياء، وقال قتادة، ومجاهد، وعكرمة: معناه: الزكاة المفروضة، وهذا التخصيص ضعيف، و"معتد" معناه: بلسانه ويده، و"مريب" معناه: متلبس بما يرتاب به، أراب الرجل إذا أتى بريبة ودخل فيها. قال الثعلبي: قيل: نزلت في الوليد بن المغيرة، وقال الحسن: "مريب": شاك في الله تعالى ودينه). [المحرر الوجيز: 8/ 47]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26) قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {الذي جعل مع الله} الآية، يحتمل أن يكون "الذي" بدلا من "كفار" ويحتمل أن يكون صفة له من حيث تخصص "كفار" بالأوصاف المذكورة فجاز وصفه بهذه المعرفة، ويحتمل أن يكون "الذي" ابتداء وخبره في قوله تعالى: "فألقياه"، ودخلت الفاء للإبهام الذي في "الذي" فحصل الشبه بالشرط، وفي هذا نظر، ويقوى عندي أن يكون "الذي" ابتداء، ويتضمن القول حينئذ بني آدم والشياطين المغوين لهم في الدنيا، ولذلك تحرك القرين الشيطان المغوي في الدنيا فرام أن يبرئ نفسه ويخلصها بقوله لربه: {ربنا ما أطغيته}، وقوله: {ربنا ما أطغيته} ليست بحجة لأنه كذب في نفي الإطغاء عن نفس جملة، والحقيقة أنه أطغاه بالوسوسة والتزين، وأطغاه الله تعالى بالخلق، والاختراع حسب سابق قضائه الذي هو عدل منه لا رب غيره، ويوصف بالضلال البعيد مبالغة، أي لتعذر رجوعه إلى الهدى).[المحرر الوجيز: 8/ 47-48]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {لا تختصموا لدي} معناه: قال الله تعالى لا تختصموا لدي بهذا النوع من المقاولة التي لا تفيد شيئا إذ قد استوجب جميعكم النار. وقد أخبر تعالى بأنه تقع الخصومة لديه في الظلامات ونحوها مما فيه اقتصاص واقتضاء، فأيده تعالى بقوله: {ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون}، وجمع الضمير في قوله تعالى:"لا تختصموا" يريد تعالى بذلك مخاطبة جميع القرناء; إذ هو أمر شائع لا يقف على اثنين فقط، وهذا كما يقول الحاكم لخصمين: لا تغلظوا علي، يريد الخصمين ومن هو في حكمهما، وتقدمته إلى الناس بالوعيد هو ما جاءت به الرسل عليهم السلام والكتب من تعذيب الكفرة). [المحرر الوجيز: 8/ 48]

تفسير قوله تعالى: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد * يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد * وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد * هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ * من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب * ادخلوها بسلام ذلك يوم الخلود * لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد}
المعنى: قد قدمت بالوعيد أني أعذب الكفار في ناري فلا يبدل القول لدي ولا ينقص ما أبرمه كلامي، ثم أزال موضع الاعتراض بقوله: {وما أنا بظلام للعبيد}، أي: هذا عدل فيهم; لأني أعذرت وأمهلت وأنعمت بالإدراكات وهديت السبيل والنجدين وبعثت الرسل. وقال الفراء: معنى قوله تعالى: {ما يبدل القول لدي} أي: ما يكذب لدي لعلمي بجميع الأمور، فتكون الإشارة -على هذا- إلى كذب الذي قال: "مآأطغيته"). [المحرر الوجيز: 8/ 48]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {يوم نقول لجهنم}، يجوز أن يعمل في الظرف قوله تعالى: "بظلام للعبيد"، ويجوز أن يعمل فيه فعل مضمر، وقرأ الجمهور من القراء وحفص عن عاصم: "نقول" بالنون، وهي قراءة الحسن، وأبي رجاء، وأبي جعفر، والأعمش، ورجحها أبو علي بما تقدم من قوله تعالى: "قدمت" وقوله سبحانه: "وما أنا"، وقرأ نافع، وعاصم -في رواية أبي بكر - "يقول"، على معنى: يقول الله، وهي قراءة الأعرج، وشيبة، وأهل المدينة، وقرأ الحسن، وابن مسعود، والأعمش أيضا: "يقال" على بناء الفعل للمفعول.
وقوله: "هل امتلأت" تقرير وتوقيف، واختلف الناس هل وقع هذا التقرير فامتلأت أو هي لم تمتلئ؟ فقال بكل وجه جماعة من المتأولين، وبحسب ذلك تأولوا قولها: "هل من مزيد"، فمن قال إنها امتلأت جعل قولها: {هل من مزيد} على معنى التقرير ونفي المزيد، أي: وهل عندي موضع يزاد فيه شيء؟ ونحو هذا التأويل قول النبي صلى الله عليه وسلم: "وهل ترك لنا عقيل منزلا"، وهو تأويل الحسن، وعمرو، وواصل. ومن قال إنها كانت غير ملأى جعل قولها: "هل من مزيد" على معنى السؤال والرغبة في الزيادة، قال الرماني: وقيل: المعنى وتقول خزنتها، والقول إنها القائلة أظهر.
واختلف الناس في قول جهنم، هل هو حقيقة أو مجاز؟ أي: حالها حال من لو نطق لقال كذا وكذا، فيجري هذا مجرى:
شكا إلي جملي طول السرى
ومجرى قول ذي الرمة:
... ... ... ... .... تكلمني أحجاره وملاعبه.
والذي يترجح في قول جهنم: هل من مزيد أنها حقيقة، وأنها قالت ذلك وهي غير ملأى، وهو قول أنس بن مالك رضي الله عنه، ويبين ذلك الحديث الصحيح المتواتر، قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يقول الله لجهنم: هل امتلأت؟ فتقول: هل من مزيد؟ حتى يضع الجبار فيها قدمه فتقول قط، قط، وينزوي بعضها إلى بعض"، وقد اضطرب الناس في معنى هذا الحديث، وذهبت جماعة من المتكلمين إلى أن "الجبار" اسم جنس، وأنه يريد المتجبرين من بني آدم، وروي أن الله تعالى يعد من الجبابرة طائفة يملأ بهم جهنم آخرا، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن جلدة الكافر يصير غلظها أربعين ذراعا، ويعظم بدنه على هذه النسبة، وهذا كله من ملء جهنم، وذهب الجمهور إلى أن الجبار اسم الله تبارك وتعالى، وهذا هو الصحيح، فإن في الحديث الصحيح "فيضع رب العالمين فيها قدمه"، وتأويل هذا أن "القدم" ما قدم لها من خلقه وجعلهم في علمه من ساكنيها، ومنه قوله تعالى: {وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم}، فالقدم ما قدم من شيء، ومنه قول الشاعر:
صل لربك واتخذ قدما ... ينجيك يوم العثار والزلل
ومنه قول العجاج:
... ... ... ... .... وينشئ الملك لملك ذي قدم
أي: ذي شرف متقدم، وهذا التأويل مروي عن ابن المبارك، وعن النضر بن شميل، وهو قول الأصوليين، وفي كتاب مسلم بن الحجاج: "فيضع الجبار فيها رجله"، ومعناه الجمع الذي أعد لها، يقال للجمع الكثير من الناس: "رجل" تشبيها برجل الجراد، قال الشاعر:
فمر بها رجل من الناس وانزوى ... إليهم من الحي اليماني أرجل.
وملاك النظر في هذا الحديث أن الجارحة والتشبيه وما جرى مجراه منتف كل ذلك، فلم يبق إلا إخراج ألفاظ على هذه الوجوه السائغة في كلام العرب). [المحرر الوجيز: 8/ 48-52]

جمهرة التفاسير 4 ربيع الأول 1440هـ/12-11-2018م 05:38 PM

تفاسير القرن السابع الهجري
....

جمهرة التفاسير 4 ربيع الأول 1440هـ/12-11-2018م 05:43 PM

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ قَرِينُهُ هَذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ (23) أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٍ (24) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وقال قرينه هذا ما لديّ عتيدٌ (23) ألقيا في جهنّم كلّ كفّارٍ عنيدٍ (24) منّاعٍ للخير معتدٍ مريبٍ (25) الّذي جعل مع اللّه إلهًا آخر فألقياه في العذاب الشّديد (26) قال قرينه ربّنا ما أطغيته ولكن كان في ضلالٍ بعيدٍ (27) قال لا تختصموا لديّ وقد قدّمت إليكم بالوعيد (28) ما يبدّل القول لديّ وما أنا بظلّامٍ للعبيد (29) }
يقول تعالى مخبرًا عن الملك الموكّل بعمل ابن آدم: أنّه يشهد عليه يوم القيامة بما فعل ويقول: {هذا ما لديّ عتيدٌ} أي: معتدٍ محضرٌ بلا زيادةٍ ولا نقصانٍ.
وقال مجاهدٌ: هذا كلام الملك السّائق يقول: هذا ابن آدم الّذي وكّلتني به، قد أحضرته.
وقد اختار ابن جريرٍ أن يعمّ السّائق والشّهيد، وله اتّجاهٌ وقوّةٌ.
فعند ذلك يحكم اللّه، سبحانه تعالى، في الخليقة بالعدل فيقول: {ألقيا في جهنّم كلّ كفّارٍ عنيدٍ}
وقد اختلف النّحاة في قوله: {ألقيا} فقال بعضهم: هي لغةٌ لبعض العرب يخاطبون المفرد بالتّثنية، كما روي عن الحجّاج أنّه كان يقول: يا حرسيّ، اضربا عنقه، وممّا أنشد ابن جريرٍ على هذه اللغة قول الشاعر:
فإن تزجراني -يا ابن عفّان- أنزجر = وإن تتركاني أحم عرضًا ممنّعًا
وقيل: بل هي نون التّأكيد، سهّلت إلى الألف. وهذا بعيدٌ؛ لأنّ هذا إنّما يكون في الوقف، والظّاهر أنّها مخاطبةٌ مع السّائق والشّهيد، فالسّائق أحضره إلى عرصة الحساب، فلمّا أدّى الشّهيد عليه، أمرهما اللّه تعالى بإلقائه في نار جهنّم وبئس المصير.
{ألقيا في جهنّم كلّ كفّارٍ عنيدٍ} أي: كثير الكفر والتّكذيب بالحقّ، {عنيدٌ}: معاندٌ للحقّ، معارضٌ له بالباطل مع علمه بذلك). [تفسير ابن كثير: 7/ 402]

تفسير قوله تعالى: {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ (25) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({منّاعٍ للخير} أي: لا يؤدّي ما عليه من الحقوق، ولا برّ فيه ولا صلة ولا صدقة، {معتدٍ} أي: فيما ينفقه ويصرفه، يتجاوز فيه الحدّ.
وقال قتادة: معتدٍ في منطقه وسيرته وأمره.
{مريبٍ} أي: شاكٌّ في أمره، مريبٌ لمن نظر في أمره). [تفسير ابن كثير: 7/ 402]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ فَأَلْقِيَاهُ فِي الْعَذَابِ الشَّدِيدِ (26) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({الّذي جعل مع اللّه إلهًا آخر} أي: أشرك باللّه فعبد معه غيره، {فألقياه في العذاب الشّديد}. وقد تقدّم في الحديث: أنّ عنقًا من النّار يبرز للخلائق فينادي بصوتٍ يسمع الخلائق: إنّي وكّلت بثلاثةٍ، بكلّ جبّارٍ، ومن جعل مع اللّه إلهًا آخر، وبالمصوّرين ثمّ تلوى عليهم.
قال الإمام أحمد: حدّثنا معاوية -هو ابن هشامٍ- حدّثنا شيبان، عن فراس عن عطيّة، عن أبي سعيدٍ الخدريّ عن نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "يخرج عنقٌ من النّار يتكلّم، يقول: وكّلت اليوم بثلاثةٍ: بكلّ جبّارٍ، ومن جعل مع اللّه إلهًا آخر، ومن قتل نفسًا بغير نفسٍ. فتنطوي عليهم، فتقذفهم في غمرات جهنّم"). [تفسير ابن كثير: 7/ 402-403]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ قَرِينُهُ رَبَّنَا مَا أَطْغَيْتُهُ وَلَكِنْ كَانَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (27) قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ (28) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قال قرينه}: قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وقتادة، وغيرهم: هو الشّيطان الّذي وكّل به: {ربّنا ما أطغيته} أي: يقول عن الإنسان الّذي قد وافى القيامة كافرًا، يتبرّأ منه شيطانه، فيقول: {ربّنا ما أطغيته} أي: ما أضللته، {ولكن كان في ضلالٍ بعيدٍ} أي: بل كان هو في نفسه ضالًّا قابلًا للباطل معاندًا للحقّ. كما أخبر تعالى في الآية الأخرى في قوله: {وقال الشّيطان لـمّا قضي الأمر إنّ اللّه وعدكم وعد الحقّ ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطانٍ إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخيّ إنّي كفرت بما أشركتموني من قبل إنّ الظّالمين لهم عذابٌ أليمٌ} [إبراهيم: 22].
وقوله: {قال لا تختصموا لديّ} يقول الرّبّ عزّ وجلّ للإنسيّ وقرينه من الجنّ، وذلك أنّهما يختصمان بين يدي الحقّ فيقول الإنسيّ: يا ربّ، هذا أضلّني عن الذّكر بعد إذ جاءني. ويقول الشّيطان: {ربّنا ما أطغيته ولكن كان في ضلالٍ بعيدٍ} أي: عن منهج الحقّ. فيقول الرّبّ عزّ وجلّ لهما: {لا تختصموا لديّ} أي: عندي، {وقد قدّمت إليكم بالوعيد} أي: قد أعذرت إليكم على ألسنة الرّسل، وأنزلت الكتب، وقامت عليكم الحجج والبيّنات والبراهين). [تفسير ابن كثير: 7/ 403]

تفسير قوله تعالى: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (29) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :({ما يبدّل القول لديّ} قال مجاهدٌ: يعني قد قضيت ما أنا قاضٍ، {وما أنا بظلامٍ للعبيد} أي: لست أعذّب أحدًا بذنب أحدٍ، ولكن لا أعذّب أحدًا إلّا بذنبه، بعد قيام الحجّة عليه). [تفسير ابن كثير: 7/ 403]

تفسير قوله تعالى: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ (30) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يوم نقول لجهنّم هل امتلأت وتقول هل من مزيدٍ (30) وأزلفت الجنّة للمتّقين غير بعيدٍ (31) هذا ما توعدون لكلّ أوّابٍ حفيظٍ (32) من خشي الرّحمن بالغيب وجاء بقلبٍ منيبٍ (33) ادخلوها بسلامٍ ذلك يوم الخلود (34) لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيدٌ (35)}
يخبر تعالى أنّه يقول لجهنّم يوم القيامة: هل امتلأت؟ وذلك أنّه وعدها أن سيملؤها من الجنّة والنّاس أجمعين، فهو سبحانه يأمر بمن يأمر به إليها، ويلقى وهي تقول: {هل من مزيدٍ} أي: هل بقي شيءٌ تزيدوني؟ هذا هو الظّاهر من سياق الآية، وعليه تدلّ الأحاديث:
قال البخاريّ عند تفسير هذه الآية: حدّثنا عبد اللّه بن أبي الأسود، حدّثنا حرمي بن عمارة حدّثنا شعبة، عن قتادة، عن أنس بن مالكٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "يلقى في النّار، وتقول: هل من مزيدٍ، حتّى يضع قدمه فيها، فتقول قط قط".
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عبد الوهّاب، عن سعيدٍ، عن قتادة، عن أنسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "لا تزال جهنّم يلقى فيها وتقول: هل من مزيدٍ؟ حتّى يضع ربّ العزّة فيها قدمه، فينزوي بعضها إلى بعضٍ، وتقول: قطّ قطّ، وعزّتك وكرمك ولا يزال في الجنّة فضلٌ حتّى ينشئ اللّه لها خلقًا آخر فيسكنهم في فضول الجنّة".
ثمّ رواه مسلمٌ من حديث قتادة، بنحوه. ورواه أبان العطّار وسليمان التّيميّ، عن قتادة، بنحوه.
حديثٌ آخر: قال البخاريّ: حدّثنا محمّد بن موسى القطّان، حدّثنا أبو سفيان الحميريّ سعيد بن يحيى بن مهديٍّ، حدّثنا عوف، عن محمّدٍ عن أبي هريرة -رفعه، وأكثر ما كان يوقفه أبو سفيان-: "يقال لجهنّم: هل امتلأت، وتقول: هل من مزيدٍ، فيضع الرّبّ، عزّ وجلّ، قدمه عليها، فتقول: قطّ قطّ".
رواه أيّوب وهشام بن حسّان عن محمّد بن سيرين، به.
طريقٌ أخرى: قال البخاريّ: وحدّثنا عبد اللّه بن محمّدٍ، حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمرٌ عن همّامٍ عن أبي هريرة قال: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "تحاجّت الجنّة والنّار، فقالت النّار: أوثرت بالمتكبّرين والمتجبّرين. وقالت الجنّة: ما لي لا يدخلني إلّا ضعفاء النّاس وسقطهم. قال اللّه، عزّ وجلّ، للجنّة: أنت رحمتي، أرحم بك من أشاء من عبادي. وقال للنّار: إنّما أنت عذابي، أعذّب بك من أشاء من عبادي، ولكل واحدة منكما ملؤها، فأمّا النّار فلا تمتلئ حتّى يضع رجله، فتقول: قطٍ قطٍ، فهنالك تمتلئ ويزوي بعضها إلى بعضٍ ولا يظلم اللّه من خلقه أحدًا، وأمّا الجنّة فإنّ اللّه ينشئ لها خلقًا آخر".
حديثٌ آخر: قال مسلمٌ في صحيحه: حدّثنا عثمان بن أبي شيبة، حدّثنا جريرٌ، عن الأعمش، عن أبي صالحٍ، عن أبي سعيدٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "احتجّت الجنّة والنّار، فقالت النّار: فيّ الجبّارون والمتكبّرون. وقالت الجنّة: فيّ ضعفاء النّاس ومساكينهم. فقضى بينهما، فقال للجنّة: إنّما أنت رحمتي، أرحم بك من أشاء من عبادي. وقال للنّار: إنّما أنت عذابي، أعذب بك من أشاء من عبادي، ولكلّ واحدةٍ منكما ملؤها" انفرد به مسلمٌ دون البخاريّ من هذا الوجه. واللّه، سبحانه وتعالى، أعلم.
وقد رواه الإمام أحمد من طريقٍ أخرى، عن أبي سعيدٍ بأبسط من هذا السّياق فقال:
حدّثنا حسنٌ وروحٌ قالا حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن عطاء بن السّائب، عن عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة، عن أبي سعيدٍ الخدريّ؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "افتخرت الجنّة والنّار، فقالت النّار: يا ربّ، يدخلني الجبابرة والمتكبّرون والملوك والأشراف. وقالت الجنّة: أي ربّ، يدخلني الضّعفاء والفقراء والمساكين. فيقول اللّه، عزّ وجلّ، للنّار: أنت عذابي، أصيب بك من أشاء. وقال للجنّة: أنت رحمتي، وسعت كلّ شيءٍ، ولكلّ واحدةٍ منكما ملؤها، فيلقى في النّار أهلها فتقول: هل من مزيدٍ؟ قال: ويلقى فيها وتقول: هل من مزيدٍ؟ ويلقى فيها وتقول: هل من مزيدٍ؟ حتّى يأتيها عزّ وجلّ، فيضع قدمه عليها، فتزوى وتقول: قدني، قدني. وأمّا الجنّة فيبقى فيها ما شاء اللّه أن يبقى، فينشئ اللّه لها خلقًا ما يشاء".
حديثٌ آخر: وقال الحافظ أبو يعلى في مسنده: حدّثنا عقبة بن مكرم، حدّثنا يونس، حدّثنا عبد الغفّار بن القاسم، عن عدي بن ثابتٍ، عن زرّ بن حبيش، عن أبيّ بن كعبٍ؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "يعرّفني اللّه، عزّ وجلّ، نفسه يوم القيامة، فأسجد سجدةً يرضى بها عنّي، ثمّ أمدحه مدحةً يرضى بها عنّي، ثمّ يؤذن لي في الكلام، ثمّ تمرّ أمّتي على الصّراط -مضروبٍ بين ظهراني جهنّم-فيمرّون أسرع من الطّرف والسّهم، وأسرع من أجود الخيل، حتّى يخرج الرّجل منها يحبو، وهي الأعمال. وجهنّم تسأل المزيد، حتّى يضع فيها قدمه، فينزوي بعضها إلى بعضٍ وتقول: قطّ قطّ! وأنا على الحوض". قيل: وما الحوض يا رسول اللّه؟ قال: "والّذي نفسي بيده، إنّ شرابه أبيض من اللّبن، وأحلى من العسل، وأبرد من الثّلج، وأطيب ريحًا من المسك. وآنيته أكثر من عدد النّجوم، لا يشرب منه إنسانٌ فيظمأ أبدًا، ولا يصرف فيروى أبدًا". وهذا القول هو اختيار ابن جريرٍ.
وقد قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثنا أبو يحيى الحمّاني عن نضرٍ الخزّاز، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، {يوم نقول لجهنّم هل امتلأت وتقول هل من مزيدٍ} قال: ما امتلأت، قال: تقول: وهل فيّ من مكانٍ يزاد فيّ.
وكذا روى الحكم بن أبانٍ عن عكرمة: {وتقول هل من مزيدٍ}: وهل في مدخل واحد، قد امتلأت.
[و] قال الوليد بن مسلمٍ، عن يزيد بن أبي مريم أنّه سمع مجاهدًا يقول: لا يزال يقذف فيها حتّى تقول: قد امتلأت فتقول: هل [فيّ] من مزيدٍ؟ وعن عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم نحو هذا.
فعند هؤلاء أنّ قوله تعالى: {هل امتلأت}، إنّما هو بعد ما يضع عليها قدمه، فتنزوي وتقول حينئذٍ: هل بقي فيّ [من] مزيدٍ؟ يسع شيئًا.
قال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: وذلك حين لا يبقى فيها موضعٌ [يسع] إبرةً. فاللّه أعلم). [تفسير ابن كثير: 7/ 403-406]


الساعة الآن 12:56 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة