تفسير سورة المؤمنون [من الآية (12) إلى الآية (16) ]
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16)}
روابط مهمة: - القراءات - توجيه القراءات - أسباب النزول - الوقف والابتداء |
تفسير السلف
تفسير السلف تفسير قوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) ) قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى من سلالة من طين قال استل آدم من طين وخلقت ذريته من ماء مهين). [تفسير عبد الرزاق: 2/44] قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] في قوله: {لقد خلقنا الإنسان من سلالة} قال: آدم [الآية: 12]). [تفسير الثوري: 216] قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) :(وقال غيره: {من سلالةٍ} [المؤمنون: 12] : «الولد، والنّطفة السّلالة). [صحيح البخاري: 6/99] - قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال غيره من سلالة الولد والنّطفة السّلالة سقط وقال غيره لغير أبي ذرٍّ فأوهم أنّه من تفسير بن عبّاسٍ أيضًا وليس كذلك وإنّما هو قول أبي عبيدة قال في قوله ولقد خلقنا الإنسان من سلالة السّلالة الولد والنّطفة السّلالة قال الشّاعر وهل هند إلّا مهرةٌ عربيّةٌ سلالة أفراسٍ تحلّلها بغل انتهى وروى عبد الرّزّاق عن معمرٍ عن قتادة في قوله من سلالة استلّ آدم من طينٍ وخلقت ذرّيّته من ماء مهين وقد استشكل الكرمانيّ ما وقع في البخاريّ فقال لا يصح تفسير السّلالة بالولد لأنّ الإنسان ليس من الولد بل الأمر بالعكس ثمّ قال لم يفسّر السّلالة بالولد بل الولد مبتدأٌ وخبره السّلالة والمعنى السّلالة وما يستلّ من الشّيء كالولد والنّطفة انتهى وهو جوابٌ ممكنٌ في إيراد البخاريّ وكلام أبي عبيدة يأباه ولم يرد أبو عبيدة تفسير السّلالة بالولد أنّه المراد في الآية وإنّما أشار إلى أنّ لفظ السّلالة مشتركٌ بين الولد والنّطفة والشّيء الّذي يستلّ من الشّيء وهذا الأخير هو الّذي في الآية ولم يذكره استغناءً بما ورد فيها وتنبيهًا على أنّ هذه اللّفظة تطلق أيضًا على ما ذكر). [فتح الباري: 8/445-446] - قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وقال غيره من سلالةٍ الولد والنّطفة السّلالة لم يثبت قوله: (وقال غيره) إلاّ في رواية أبي ذر، أي: قال غير مجاهد، وهو أبو عبيدة: فإنّه قال في قوله تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة} (المؤمنون: 12) السلالة الولد والنطفة السلالة، وقال الثّعلبيّ: من سلالة استل من الأرض، قاله قتادة ومجاهد وابن عبّاس، والعرب تسمي نطفة الرجل وولده: سليلة وسلالة لأنّهما مسلولان منه، وقال الكرماني: فإن قلت: كيف يصح تفسير السلالة بالولد إذ ليس الإنسان من الولد بل الأمر بالعكس؟ قلت: ليس الولد تفسيرا لها بل الولد مبتدأ وخبره السلالة، يعني: السلالة ما يستل من الشّيء كالولد والنطفة). [عمدة القاري: 19/71] - قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ((وقال غيره) أي غير ابن عباس وثبت وقال غيره لأبي ذر وسقط لغيره (من سلالة: الولد والنطفة السلالة) لأنه استل من أبيه وهو مثل البرادة والنحاتة لما يتساقط الشيء بالبرد والنحت وقال الكرماني ليس الولد تفسيرًا للسلالة بل مبتدأ خبره السلالة وهي فعالة وهو بناء يدل على القلة كالقلامة). [إرشاد الساري: 7/248-249] قالَ مُحَمَّدُ بنُ أَحمدَ بنِ نَصْرٍ الرَّمْلِيُّ (ت:295هـ): (ثنا أحمد بن محمّدٍ القوّاس المكّيّ، قال: ثنا مسلم بن خالد الزنجي، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله عز وجل:{ولقد خلقنا الإنسان من سلالةٍ من طين} قال: هو الطّين إذا قبضت عليه خرج ماؤه من بين أصابعك). [جزء تفسير مسلم بن خالد الزنجي: 56] قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالةٍ من طينٍ}. يقول تعالى ذكره: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالةٍ من طينٍ} أسللناه منه، فالسّلالة هي المستلّة من كلّ تربةٍ؛ ولذلك كان آدم خلق من تربةٍ أخذت من أديم الأرض. وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل على اختلافٍ منهم في المعنيّ بالإنسان في هذا الموضع، فقال بعضهم: عني به آدم. ذكر من قال ذلك: - حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {من طينٍ} قال: استلّ آدم من الطّين. - حدّثنا الحسن، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، عن معمرٍ، عن قتادة، في قوله: {من سلالةٍ من طينٍ} قال: استلّ آدم من طينٍ، وخلقت ذرّيّته من ماءٍ مهينٍ. وقال آخرون: بل معنى ذلك: ولقد خلقنا ولد آدم، وهو الإنسان الّذي ذكر في هذا الموضع، من سلالةٍ، وهي النّطفة الّتي استلّت من ظهر الفحل من طينٍ، وهو آدم الّذي خلق من طينٍ. ذكر من قال ذلك: - حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرٍو، عن أبي يحيى، عن ابن عبّاسٍ: {من سلالةٍ من طينٍ} قال: صفوة الماء. - حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {من سلالةٍ} من منيّ آدم. - حدّثنا القاسم. قال: حدّثنا الحسين. قال: حدّثني حجّاجٌ عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله. وأولى القولين في ذلك بالصّواب قول من قال: معناه: ولقد خلقنا ابن آدم من سلالة آدم، وهي صفة مائه، وآدم هو الطّين، لأنّه خلق منه. وإنّما قلنا ذلك أولى التّأويلين بالآية، لدلالة قوله: {ثمّ جعلناه نطفةً في قرارٍ مكينٍ} على أنّ ذلك كذلك؛ لأنّه معلومٌ أنّه لم يصر في قرارٍ مكينٍ إلاّ بعد خلقه في صلب الفحل، ومن بعد تحوّله من صلبه صار في قرارٍ مكينٍ؛ والعرب تسمّي ولد الرّجل ونطفته: سليله وسلالته. لأنّهما مسلولان منه؛ ومن السّلالة قول بعضهم: حملت به عضب الأديم غضنفرًا = سلالة فرجٍ كان غير حصين وقول الآخر: وهل كنت إلاّ مهرةً عربيّةً = سلالة أفراسٍ تجلّلها بغل فمن قال: سلالةٌ جمعها سلالاتٌ، وربّما جمعوها سلائل، وليس بالكثير. لأنّ السّلائل جمعٌ للسّليل؛ ومنه قول بعضهم: إذا أنتجت منها المهارى تشابهت = على القود إلاّ بالأنوف سلائله وقول الرّاجز: يقذفن في أسلائها بالسّلائل). [جامع البيان: 17/18-20] قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين * ثم إنكم بعد ذلك لميتون * ثم إنكم يوم القيامة تبعثون. أخرج عبد بن حميد، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين} قال بدء آدم خلق من طين {ثم جعلناه نطفة} قال: ذرية آدم). [الدر المنثور: 10/555] قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين} قال: هو الطين إذا قبضت عليه خرج ماؤه من بين أصابعك). [الدر المنثور: 10/555] قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عكرمة {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة} قال: استل استلالا). [الدر المنثور: 10/555] قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله {من سلالة} قال: السلالة صفو الماء الرقيق الذي يكون منه الولد). [الدر المنثور: 10/555] قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد في قوله {من سلالة} قال: من مني آدم). [الدر المنثور: 10/555-556] قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن خالد بن معدان قال: الإنسان خلق من طين وإنما تلين القلوب في الشتاء). [الدر المنثور: 10/556] قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير عن قتادة في الآية قال: استل آدم من طين وخلقت ذريته من ماء مهين). [الدر المنثور: 10/556] قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود قال: إن النطفة إذا وقعت في الرحم طارت في كل شعر وظفر فتمكث أربعين يوما ثم تنحدر في الرحم فتكون علقة). [الدر المنثور: 10/556] قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الديلمي بسند واه عن ابن عباس مرفوعا النطفة التي يخلق منها الولد ترعد لها الأعضاء والعروق كلها إذا خرجت وقعت في الرحم). [الدر المنثور: 10/556] قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: سألنا ابن عباس عن العزل فقال: اذهبوا فاسألوا الناس ثم ائتوني واخبروني فسألوا ثم اخبروه أنهم قالوا أنها المؤودة الصغرى وتلا هذه الآية {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة} حتى فرغ منها ثم قال: كيف تكون من الموؤدة حتى تمر على هذه الخلق). [الدر المنثور: 10/556] قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق عن علي بن أبي طالب أنه سئل عن عزل النساء فقال: ذلك الوأد الخفي). [الدر المنثور: 10/557] قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق عن ابن مسعود قال في العزل: هي الموءودة الخفية). [الدر المنثور: 10/557] تفسير قوله تعالى: (ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ) قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ثمّ جعلناه نطفةٍ في قرارٍ مكينٍ (13) ثمّ خلقنا النّطفة علقةً فخلقنا العلقة مضغةً فخلقنا المضغة عظامًا فكسونا العظام لحمًا ثمّ أنشأناه خلقًا آخر فتبارك اللّه أحسن الخالقين}. يعني تعالى ذكره بقوله: {ثمّ جعلناه نطفةً في قرارٍ مكينٍ} ثمّ جعلنا الإنسان الّذي جعلناه من سلالةٍ من طينٍ، نطفةً في قرارٍ مكينٍ، وهو حيث استقرّت فيه نطفة الرّجل من رحم المرأة. ووصفه بأنّه مكينٍ، لأنّه مكّن لذلك وهيّئ له ليستقرّ فيه إلى بلوغ أمره الّذي جعله له قرارًا). [جامع البيان: 17/20] تفسير قوله تعالى: (ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) ) قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى {ثم أنشأناه خلقا آخر} قال يقول بعضهم هو نبات الشعر ويقول بعضهم هو نفخ الروح). [تفسير عبد الرزاق: 2/44] قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر وقال قتادة وفي حرف ابن مسعود (ثم أنشأنا له خلقا آخر)). [تفسير عبد الرزاق: 2/45] قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] عن ليثٍ عن مجاهدٍ {ثم أنشأناه خلقا آخر} قال: حين نفخ فيه الرّوح [الآية: 14]). [تفسير الثوري: 216] قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {ثمّ خلقنا النّطفة علقةً} يقول: ثمّ صيّرنا النّطفة الّتي جعلناها في قرارٍ مكينٍ علقةً، وهي القطعة من الدّم {فخلقنا العلقة مضغةً} يقول: فجعلنا ذلك الدّم مضغةً، وهي القطعة من اللّحم. وقوله: {فخلقنا المضغة عظامًا} يقول: فجعلنا تلك المضغة اللّحم عظامًا. وقد اختلفت القرّاء في قراءة ذلك، فقرأته عامّة قرّاء الحجاز والعراق سوى عاصمٍ: {فخلقنا المضغة عظامًا} على الجماع، وكان عاصمٌ وعبد اللّه يقرآن ذلك: (عظمًا) في الحرفين على التّوحيد جميعًا. والقراءة الّتي نختار في ذلك الجماع، لإجماع الحجّة من القرّاء عليه. وقوله: {فكسونا العظام لحمًا} يقول: فألبسنا العظام لحمًا. وقد ذكر أنّ ذلك في قراءة عبد اللّه: (ثمّ خلقنا النّطفة عظمًا وعصبًا فكسوناه لحمًا). وقوله: {ثمّ أنشأناه خلقًا آخر} يقول: ثمّ أنشأنا هذا الإنسان خلقًا آخر. وهذه الهاء الّتي في: {أنشأناه} عائدةٌ على الإنسان في قوله: {ولقد خلقنا الإنسان} قد يجوز أن تكون من ذكر العظم والنّطفة والمضغة، جعل ذلك كلّه كالشّيء الواحد، فقيل: ثمّ أنشأنا ذلك خلقًا آخر. واختلف أهل التّأويل في تأويل قوله: {ثمّ أنشأناه خلقًا آخر} فقال بعضهم: إنشاؤه إيّاه خلقًا آخر: نفخه الرّوح فيه، فيصير حينئذٍ إنسانًا، وكان قبل ذلك صورةً. ذكر من قال ذلك: - حدّثنا يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا حجّاجٌ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ، في قوله: {ثمّ أنشأناه خلقًا آخر} قال: نفخ الرّوح فيه. - حدّثنا ابن بشّارٍ قال: حدّثنا عبد الرّحمن قال: حدّثنا هشيمٌ، عن الحجّاج بن أرطأة، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ، بمثله - حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ قال: قال ابن عبّاسٍ: {ثمّ أنشأناه خلقًا آخر} قال: الرّوح. - حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن عبد الرّحمن بن الأصبهانيّ، عن عكرمة، في قوله: {ثمّ أنشأناه خلقًا آخر} قال: نفخ الرّوح فيه. - حدّثنا ابن بشّارٍ، وابن المثنّى، قالا: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سلمة، عن داود بن أبي هندٍ، عن الشّعبيّ: {ثمّ أنشأناه خلقًا آخر} قال: نفخ فيه الرّوح. - قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن منصورٍ، عن مجاهدٍ، بمثله. - حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، في قوله: {ثمّ أنشأناه خلقًا آخر} قال: نفخ فيه الرّوح، فهو الخلق الآخر الّذي ذكر. - حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول، في قوله: {ثمّ أنشأناه خلقًا} يعني الرّوح، تنفخ فيه بعد الخلق. - حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ثمّ أنشأناه خلقًا آخر} قال: الرّوح الّذي جعله فيه. وقال آخرون: إنشاؤه خلقًا آخر: تصريفه إيّاه في الأحوال بعد الولادة: في الطّفولة، والكهولة، والاغتذاء، ونبات الشّعر، والسّنّ، ونحو ذلك من أحوال الأحياء في الدّنيا. ذكر من قال ذلك: - حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثنا أبي، قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ثمّ أنشأناه خلقًا آخر فتبارك اللّه أحسن الخالقين} يقول: خرج من بطن أمّه بعد ما خلق، فكان من بدء خلقه الآخر أن استهلّ، ثمّ كان من خلقه أن دلّ على ثدي أمّه، ثمّ كان من خلقه أن علّم كيف يبسط رجليه، إلى أن قعد، إلى أن حبا، إلى أن قام على رجليه، إلى أن مشى، إلى أن فطم، فعلّم كيف يشرب ويأكل من الطّعام، إلى أن بلغ الحلم، إلى أن بلغ أن يتقلّب في البلاد. - حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {ثمّ أنشأناه خلقًا آخر} قال: يقول بعضهم: هو نبات الشّعر، وبعضهم يقول: هو نفخ الرّوح. - حدّثنا الحسن قال: أخبرنا عبد الرّزّاق قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة، مثله. - حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك: {ثمّ أنشأناه خلقًا آخر} قال: يقال الخلق الآخر بعد خروجه من بطن أمّه بسنّه وشعره. وقال آخرون: بل عنى بإنشائه خلقًا آخر: سوّى شبابه. ذكر من قال ذلك: - حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {ثمّ أنشأناه خلقًا آخر} قال: حين استوى شبابه. - حدّثنا القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ قال: قال مجاهدٌ: حين استوى به الشّباب. وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب قول من قال: عنى بذلك نفخ الرّوح فيه؛ وذلك أنّه بنفخ الرّوح فيه يتحوّل خلقًا آخر إنسانًا، وكان قبل ذلك بالأحوال الّتي وصفه اللّه أنّه كان بها، من نطفةٍ وعلقةٍ ومضغةٍ وعظمٍ، وبنفخ الرّوح فيه، يتحوّل عن تلك المعاني كلّها إلى معنى الإنسانيّة، كما تحوّل أبوه آدم بنفخ الرّوح في الطّينة الّتي خلق منها إنسانًا وخلقًا آخر، غير الطّين الّذي خلق منه. وقوله: {فتبارك اللّه أحسن الخالقين} اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معناه فتبارك اللّه أحسن الصّانعين. ذكر من قال ذلك: - حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا حكّامٌ، عن عنبسة، عن ليثٍ، عن مجاهدٍ: {فتبارك اللّه أحسن الخالقين} قال: يصنعون ويصنع اللّه، واللّه خير الصّانعين. وقال آخرون: إنّما قيل: {فتبارك اللّه أحسن الخالقين} لأنّ عيسى ابن مريم كان يخلق، فأخبر جلّ ثناؤه عن نفسه أنّه يخلق أحسن ممّا كان يخلق. ذكر من قال ذلك: - حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ قال: قال ابن جريجٍ، في قوله: {فتبارك اللّه أحسن الخالقين} قال: عيسى ابن مريم يخلق. وأولى القولين في ذلك بالصّواب قول مجاهدٍ، لأنّ العرب تسمّي كلّ صانعٍ خالقًا؛ ومنه قول زهيرٍ: ولأنت تفري ما خلقت وبعـ = ـض القوم يخلق ثمّ لا يفري ويروى: ولأنت تخلق ما فريت وبعـ = ـض القوم يخلق ثمّ لا يفري). [جامع البيان: 17/21-25] قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا شيبان عن جابر عن مجاهد قال أن الله عز وجل غرس جنات عدن بيده فلما تكاملت أغلقت فهي تفتح في كل سحر فينظر الله عز وجل إليها فتقول قد أفلح المؤمنون. - نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ثم أنشأناه خلقا آخر يعني استوى شبابا). [تفسير مجاهد: 429-430] قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {فتبارك اللّه أحسن الخالقين} [المؤمنون: 14]. - عن زيد بن ثابتٍ - رضي اللّه عنه - «قال: أملى عليّ رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - هذه الآية {ولقد خلقنا الإنسان من سلالةٍ من طينٍ} [المؤمنون: 12] إلى {ثمّ أنشأناه خلقًا آخر} [المؤمنون: 14]، فقال له معاذ بن جبلٍ: فتبارك اللّه أحسن الخالقين، فضحك رسول اللّه - صلّى اللّه عليه وسلّم - فقال له معاذٌ: ممّ ضحكت يا رسول اللّه؟ قال: " بها ختمت {فتبارك اللّه أحسن الخالقين} [المؤمنون: 14]» ". رواه الطّبرانيّ في الأوسط، وفيه جابرٌ الجعفيّ وهو ضعيفٌ وقد وثّق، وبقيّة رجاله رجال الصّحيح). [مجمع الزوائد: 7/72] قال أحمد بن أبي بكر بن إسماعيل البوصيري (ت: 840هـ) : (قال إسحاق بن راهويه: أبنا أحمد بن أيّوب الضّبّيّ، ثنا أبو حمزة السّكّريّ، عن جابرٍ، عن عامرٍ قال: قال زيد بن ثابتٍ- رضي اللّه عنه-: "كنت أكتب هذه الآية ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي يمليها (ولقد خلقنا الإنسان من سلالةٍ من طينٍ) حتى بلغ (ثم أنشأناه خلقاً آخر) ، فقال معاذ بن جبلٍ: فتبارك اللّه أحسن الخالقين. فضحك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال له: لم ضحكت؟! فقال: إنّ هذه الآية ختمت بما تقوله: (فتبارك اللّه أحسن الخالقين) . هذا إسنادٌ فيه جابرٌ الجعفيّ وهو ضعيفٌ). [إتحاف الخيرة المهرة بزوائد المسانيد العشرة: 6/247] قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (قال إسحاق: أخبرنا أحمد بن أيّوب الضّبّيّ، ثنا أبو حمزة السّكّريّ، عن جابرٍ، عن عامرٍ قال: قال زيد بن ثابتٍ رضي الله عنه: كنت أكتب هذه الآية، ورسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يملها {ولقد خلقنا الإنسان من سلالةٍ من طينٍ}.. حتّى بلغ: {ثمّ أنشأناه خلقًا آخر} فقال معاذ بن جبلٍ رضي الله عنه: فتبارك اللّه أحسن الخالقين. فضحك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فقال له: لم ضحكت؟ فقال صلّى اللّه عليه وسلّم: " إنّ هذه الآية ختمت بما تقول: {فتبارك اللّه أحسن الخالقين}. جابرٌ: هو الجعفيّ ضعيفٌ). [المطالب العالية بزوائد المسانيد الثمانية: 15/66] قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبه، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن ابن عباس أن أنه كان يقرأ {فخلقنا المضغة عظاما} ). [الدر المنثور: 10/557] قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وابن المنذر عن قتادة أنه كان يقرأ {فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما} ). [الدر المنثور: 10/557] قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ (فخلقنا المضغة عظما) بغير ألف (فكسونا العظام) على واحده). [الدر المنثور: 10/558] قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس {ثم أنشأناه خلقا آخر} قال: نفخ فيه الروح). [الدر المنثور: 10/558] قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن أبي العالية {ثم أنشأناه خلقا آخر} قال: جعل فيه الروح. وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير عن مجاهد وعكرمة مثله). [الدر المنثور: 10/558] قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد {ثم أنشأناه خلقا آخر} قال: حين استوى به الشباب). [الدر المنثور: 10/558] قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك {ثم أنشأناه خلقا آخر} قال: الأسنان والشعر قيل أليس قد يولد وعلى رأسه الشعر قال: فأين العانة والإبط). [الدر المنثور: 10/558-559] قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن المنذر عن صالح أبي الخليل قال: نزلت هذه الآية على النّبيّ صلى الله عليه وسلم {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين} إلى قوله {ثم أنشأناه خلقا آخر} قال عمر {فتبارك الله أحسن الخالقين} فقال والذي نفسي بيده إنها ختمت بالذي تكلمت يا عمر). [الدر المنثور: 10/559] قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن وهب بن منبه قال: قال عزير: يا رب أمرت الماء فجمد في وسط الهواء فجعلت منه سبعا وسميتها السموات ثم أمرت الماء ينفتق على التراب وأمرت التراب أن يتميز من الماء فكان كذلك فسميت ذلك جميع الأرضين وجميع الماء البحار ثم خلقت من الماء أعمى عين بصرته ومنها أصم آذان أسمعته ومنها ميت أنفس أحييته خلقت ذلك بكلمة واحدة منها ما عيشه الماء ومنها ما لا صبر له على الماء خلقا مختلفا في الأجسام والألوان جنسته أجناسا وزوجته أزواجا وخلقت أصنافا وألهمته الذي خلقته ثم خلقت من التراب والماء دواب الأرض وماشيتها وسباعها {فمنهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ومنهم من يمشي على أربع} النور الآية 45 ومنهم العظم الصغير ثم وعظته بكتابك وحكمتك ثم قضيت عليه الموت لا محالة، ثم أنت تعيده كما بدأته وقال عزير: اللهم بكلمتك خلقت جميع خلقك فأتى على مشيئتك ثم زرعت في أرضك كل نبات فيها بكلمة واحدة وتراب واحد تسقى بماء واحد فجاء على مشيئتك مختلفا أكله ولونه وريحه وطعمه ومنه الحلو ومنه الحامض والمر والطيب ريحه والمنتن والقبيح والحسن وقال عزير: يا رب إنما نحن خلقك وعمل يديك خلقت أجسادنا في أرحام أمهاتنا وصورتنا كيف تشاء بقدرتك، جعلت لنا أركانا وجعلت فيها عظاما وفتقت لنا أسماعا وأبصارا ثم جعلت لنا في تلك الظلمة نورا وفي ذلك الضيق سعة وفي ذلك الفم روحا ثم هيأت لنا من فضلك رزقا متفاوتا على مشيئتك لم تأن في ذلك مؤنة ولم تعي منه نصبا كان عرشك على الماء والظلمة على الهواء والملائكة يحملون عرشك ويسبحون بحمدك والخلق مطيع لك خاشع من خوفك لا يرى فيه نور إلا نورك ولا يسمع فيه صوت إلا سمعك ثم فتحت خزانة النور وطريق الظلمة فكانا ليلا ونهارا يختلفنا بأمرك). [الدر المنثور: 10/559-561] قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن وهب بن منبه قال: خلق الله آدم كما شاء ومما شاء فكان كذلك {فتبارك الله أحسن الخالقين} خلق من التراب والماء فمنه شعره ولحمه ودمه وعظامه وجسده فذلك بدء الخلق الذي خلق الله منه ابن آدم ثم جعلت فيه النفس فيها يقوم ويقعد ويسمع ويبصر ويعلم ما تعلم الدواب ويتقي ما تتقي ثم جعلت فيه الروح فبه عرف الحق من الباطل والرشد من الغي وبه حذر وتقدم واستتر وتعلم ودبر الأمور كلها فمن التراب يبوسته ومن الماء رطوبته فهذا بدء الخلق الذي خلق الله منه ابن آدم كما أحب أن يكون ثم جعلت فيه من هذه الفطر الأربع أنواعا من الخلق أربعة في جسد ابن آدم فهي قوام جسده وملاكه بإذن الله وهي: المرة السوداء والمرة الصفراء والدم والبلغم فيبوسته وحرارته من النفس ومسكنها في الدم وبرودته من قبل الروح ومسكنه في البلغم فإذا اعتدلت هذه الفطر في الجسد فكان من كل واحد ربع كان جسدا كاملا وجسما صحيحا أو إن كثر واحد منها على صاحبه قهرها وعلاها وأدخل عليها السقم من ناحيته وان قل عنها وأخذ عنها غلبت عليه وقهرته ومالت به وضعفت عن قوتها وعجزت عن طاقتها وأدخل عليها السقم من ناحيته فالطبيب العالم بالداء يعلم من الجسد حيث أتى سقمه أمن نقصان أم من زيادة). [الدر المنثور: 10/561-562] قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم، عن علي، قال: إذا نمت النطفة أربعة أشهر بعث إليها ملك فنفخ فيها الروح في الظلمات الثلاث فذلك قوله {ثم أنشأناه خلقا آخر} يعني نفخ الروح فيه). [الدر المنثور: 10/562] قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله {ثم أنشأناه خلقا آخر} يقول: خرج من بطن أمه بعد ما خلق فكان من بدء خلقه الآخر إن استهل ثم كان من خلقه إن دله على ثدي أمه ثم كان من خلقه أن علم كيف يبسط رجليه إلى أن قعد إلى أن حبا إلى أن قام على رجليه إلى أن مشى إلى أن فطم تعلم كيف يشرب ويأكل من الطعام إلى أن بلغ الحلم إلى أن بلغ أن يتقلب في البلاد). [الدر المنثور: 10/562-563] قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد الرزاق، وابن جرير عن قتادة {ثم أنشأناه خلقا آخر} قال: يقول بعضهم هو نبات الشعر وبعضهم يقول: هو نفخ الروح). [الدر المنثور: 10/563] قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن مجاهد {فتبارك الله أحسن الخالقين} قال: يصنعون ويصنع الله والله خير الصانعين). [الدر المنثور: 10/563] قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن ابن جريج {فتبارك الله أحسن الخالقين} قال: عيسى بن مريم يخلق). [الدر المنثور: 10/563] قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطيالسي، وابن أبي حاتم وان مردويه، وابن عساكر عن أنس قال: قال عمر: وافقت ربي في أربع، قلت: يا رسول الله لو صليت خلف المقام، فانزل الله {واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى} البقرة الآية 125 وقلت: يا رسول الله لو اتخذت على نسائك حجابا فانه يدخل عليك البر والفاجر، فأنزل الله {وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب} الأحزاب الآية 53 وقلت: لأزواج النّبيّ صلى الله عليه وسلم: لتنتهن أو ليبدلنه الله أزواجا خيرا منكن، فأنزلت {عسى ربه إن طلقكن} التحريم الآية 5، ونزلت {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين}، إلى قوله {ثم أنشأناه خلقا آخر} فقلت أنا: فتبارك الله أحسن الخالقين فنزلت {فتبارك الله أحسن الخالقين} ). [الدر المنثور: 10/563] قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن راهويه، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني في الأوسط، وابن مردويه عن زيد بن ثابت قال: أملى علي رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين} إلى قوله {خلقا آخر} فقال معاذ بن جبل فتبارك الله أحسن الخالقين فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له معاذ: ما أضحكك يا رسول الله قال: إنها ختمت {فتبارك الله أحسن الخالقين} ). [الدر المنثور: 10/564] قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج الطبراني، وابن مردويه عن ابن عباس قال: لما نزلت {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين} قال عمر: فتبارك الله أحسن الخالقين فنزلت {فتبارك الله أحسن الخالقين} ). [الدر المنثور: 10/564] تفسير قوله تعالى: (ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) ) قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ثمّ إنّكم بعد ذلك لميّتون (15) ثمّ إنّكم يوم القيامة تبعثون}. يقول تعالى ذكره: ثمّ إنّكم أيّها النّاس من بعد إنشائكم خلقًا آخر وتصييرناكم إنسانًا سويًّا ميّتون وعائدون ترابًا كما كنتم، ثمّ إنّكم بعد موتكم وعودكم رفاتًا باليًا مبعوثون من التّراب خلقًا جديدًا كما بدأناكم أوّل مرّةٍ. وإنّما قيل: {ثمّ إنّكم بعد ذلك لميّتون} لأنّه خبرٌ عن حالٍ لهم يحدث لم يكن. وكذلك تقول العرب لمن لم يمت: هو مائتٌ وميّتٌ عن قليلٍ، ولا يقولون لمن قد مات مائتٌ، وكذلك هو طمعٌ فيما عندك إذا وصف بالطّمع، فإذا أخبر عنه أنّه سيفعل ولم يفعل قيل هو طامعٌ فيما عندك غدًا، وكذلك ذلك في كلّ ما كان نظيرًا لما ذكرناه). [جامع البيان: 17/26] تفسير قوله تعالى: (ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16) ) قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ثمّ إنّكم بعد ذلك لميّتون (15) ثمّ إنّكم يوم القيامة تبعثون}. يقول تعالى ذكره: ثمّ إنّكم أيّها النّاس من بعد إنشائكم خلقًا آخر وتصييرناكم إنسانًا سويًّا ميّتون وعائدون ترابًا كما كنتم، ثمّ إنّكم بعد موتكم وعودكم رفاتًا باليًا مبعوثون من التّراب خلقًا جديدًا كما بدأناكم أوّل مرّةٍ. وإنّما قيل: {ثمّ إنّكم بعد ذلك لميّتون} لأنّه خبرٌ عن حالٍ لهم يحدث لم يكن. وكذلك تقول العرب لمن لم يمت: هو مائتٌ وميّتٌ عن قليلٍ، ولا يقولون لمن قد مات مائتٌ، وكذلك هو طمعٌ فيما عندك إذا وصف بالطّمع، فإذا أخبر عنه أنّه سيفعل ولم يفعل قيل هو طامعٌ فيما عندك غدًا، وكذلك ذلك في كلّ ما كان نظيرًا لما ذكرناه). [جامع البيان: 17/26] (م) |
التفسير اللغوي تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12)} قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالةٍ من طينٍ} [المؤمنون: 12] قال: والسّلالة النّطفة تنسلّ من الرّجل، وكان بدء ذلك من طينٍ. خلق اللّه آدم من طينٍ، ثمّ جعل نسله بعد من سلالةٍ من ماءٍ مهينٍ، ضعيفٍ يعني النّطفة). [تفسير القرآن العظيم: 1/394] قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {من سلالةٍ...} والسّلالة التي تسلّ من كلّ تربة). [معاني القرآن: 2/231] قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): (" ولقد خلقنا الإنسان من سلالةٍ من طينٍ " مجازها الولد والنطفة قالت بنت النعمان بن بشير الأنصارية: وهل كنت إلاّ مهرةً عربيّة=سلالة أفراسٍ تجلّلها بغل فإن نتجت مهراً كريماً فبالحرى=وإن يك إقرافٌ فمن قبل الفحل ويقال: سليلة وقال: يقذفن في اسلائها بالسلايل وقال حسان: فجاءت به عضب الأديم غضنفراً=سلالة فرج كان غير حصين
ويقال لبن غضنفر أي خائر غليظ والأسد سمي غضنفر لكثافته وعظم هامته وأذنيه، والغضنفر الغليظ من اللبن ومن كل شيء). [مجاز القرآن: 2/56-55]قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {من سلالة من ماء مهين}: (السلالة) صفوة الماء (الماء المهين) النطفة). [غريب القرآن وتفسيره: 264] قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {من سلالةٍ} قال قتادة: استلّ آدم من طين، وخلقت ذريته من ماء مهين. ويقال للولد: سلالة أبيه، وللنّطفة: سلالة، وللخمر: سلالة. ويقال: إنما جعل آدم من سلالة، لأنه سلّ من كل تربة). [تفسير غريب القرآن: 296] قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (قوله تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين} سلالة: فعالة. فخلق اللّه آدم - عليه السلام - من طين). [معاني القرآن: 4/8] قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين} قال قتادة استل آدم صلى الله عليه وسلم من طين وقال غيره إنما قيل لآدم سلالة لأنه سل من كل تربة ويقال للولد سلالة أبيه وهو فعالة من أنسل وفعالة تأتي للقليل من الشيء نحو القلامة والنخالة وقد قيل إن السلالة إنما هي نطفة آدم صلى الله عليه وسلم كذا قال مجاهد وهو أصح ما قيل فيه ولقد خلقنا ابن آدم من سلالة آدم وآدم هو الطين لأنه خلق منه). [معاني القرآن: 4/447-446] قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {سُلَالَةٍ}: أي استل آدم من الطين، وخلقت ذريته من ماءِ مهين. يقال للولد (سلالة أبيه) ). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 163] قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {سُلاَلَـةٍ}: صفو الماء). [العمدة في غريب القرآن: 215] تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13)} قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ثمّ جعلناه نطفةً في قرارٍ مكينٍ} [المؤمنون: 13] الرّحم). [تفسير القرآن العظيم: 1/394] قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {ثمّ جعلناه نطفة في قرار مكين} على هذا القول يعني ولد آدم. وقيل من سلالة من طين، من منيّ آدم - صلى الله عليه وسلم - وسلالة: القليل فيما ينسل. وكل مبنى على فعالة، يراد به القليل. فمن ذلك الفضالة والنّخالة والقلامة. فعلى هذا قياسه). [معاني القرآن: 4/8] قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ويدل على ذلك قوله عز وجل: {ثم جعلناه نطفة في قرار مكين} ولم يصر في قرار مكين إلا بعد خلقه في صلب الفحل وقوله تعالى: {ثم جعلناه نطفة في قرار مكين} يراد ولده ثم خلقنا النطفة علقة وهي واحدة العلق وهو الدم قبل أن ييبس فخلقنا العلقة مضغة، المضغة القطعة الصغيرة من اللحم مقدار ما يمضغ كما يقال غرفة لمقدار ما يغرف وحسوة لمقدار ما يحسى). [معاني القرآن: 4/447] قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( (النُّطْفَةُ): الماء المهين). [العمدة في غريب القرآن: 215] تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)} قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ثمّ خلقنا النّطفة علقةً فخلقنا العلقة مضغةً} [المؤمنون: 14] يكون في بطن أمّه نطفةً أربعين ليلةً، ثمّ علقةً أربعين ليلةً، ثمّ يكون مضغةً أربعين ليلةً. قال: فخلقنا المضغة عظمًا يعني جماعة العظام في قراءة من قرأها: عظمًا. وهي تقرأ: عظامًا يعني جماعة العظام عظمًا عظمًا. {فكسونا العظام} [المؤمنون: 14] وبعضهم يقرأها العظم. {لحمًا} [المؤمنون: 14] وهي مثل الأولى. قال: {ثمّ أنشأناه خلقًا آخر} [المؤمنون: 14] أبو سهلٍ، عن أبي هلالٍ الرّاسبيّ، عن قتادة قال: أنبت عليه الشّعر. [تفسير القرآن العظيم: 1/394] سعيدٌ عن قتادة: قال أنبت به الشّعر. قال قتادة: وقال الحسن: الرّوح. وفي تفسير عمرٍو عن الحسن: ذكرًا وأنثى. وقال الكلبيّ: الرّوح وهو في بطن أمّه. وقال ابن مجاهدٍ عن أبيه: حين استوى به الشّباب. قال: {فتبارك اللّه} [المؤمنون: 14] وهو من باب البركة كقوله: {فتعالى اللّه} [المؤمنون: 116] قوله: {أحسن الخالقين} [المؤمنون: 14] إنّ العباد قد يخلقون، يشبّهون بخلق اللّه، ولا يستطيعون أن ينفخوا فيه الرّوح. - الرّبيع بن صبيحٍ، عن الحسن قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " المصوّرون يعذّبون يوم القيامة ويقال لهم: أحيوا ما خلقتم ". - أبو أميّة بن يعلى الثّقفيّ، عن سعيدٍ المقبريّ، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " قال اللّه: من أظلم ممّن يخلق كخلقي، فليخلقوا ذبّانًا أو ذرّةً، أو بعوضةً ". - حمّادٌ، عن عبد الرّحمن بن القاسم، عن أبيه، عن عائشة، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إنّ أشدّ النّاس عذابًا يوم القيامة الّذين يضاهون بخلق اللّه». - حمّادٌ، عن عليّ بن زيدٍ، عن أنس بن مالكٍ أنّ عمر بن الخطّاب قال: " وافقني ربّي، أو وافقت ربّي في أربعٍ، قال لمّا نزلت: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالةٍ من طينٍ} [المؤمنون: 12] إلى آخر الآية قلت: تبارك اللّه أحسن الخالقين. فقال رسول اللّه: يا عمر لقد ختمها اللّه بما قلت. وقلت: يا رسول اللّه، لو اتّخذنا من مقام إبراهيم مصلًّى. فأنزل اللّه: {واتّخذوا من مقام إبراهيم مصلًّى} [البقرة: 125] قلت: يا رسول اللّه، لو حجبت النّساء فإنّه يدخل عليهنّ الصّالح وغيره، فأنزل اللّه آية الحجاب. وكان بين [تفسير القرآن العظيم: 1/395] نبيّ اللّه وبين نسائه شيءٌ فقلت: لتنتهنّ أو ليبدّلنّه اللّه أزواجًا خيرًا منكنّ، فأنزل اللّه: {عسى ربّه إن طلّقكنّ أن يبدله أزواجًا خيرًا منكنّ} [التحريم: 5). [تفسير القرآن العظيم: 1/396] قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {فكسونا العظام لحماً...} و (العظم) وهي في قراءة عبد الله {ثم جعلنا النطفة عظماً وعصباً فكسوناه لحماً} فهذه حجّة لمن قال: عظماً وقد قرأها بعضهم (عظما). وقوله: {ثمّ أنشأناه خلقاً آخر} يذهب إلى الإنسان وإن شئت: إلى العظم والنطفة والعصب، تجعله كالشيء الواحد). [معاني القرآن: 2/232] قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ثمّ خلقنا النّطفة علقةً فخلقنا العلقة مضغةً فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثمّ أنشأناه خلقاً آخر فتبارك اللّه أحسن الخالقين} وقال: {أحسن الخالقين} لأن الخالقين هم الصانعون. وقال الشاعر: * وأراك تفري ما خلقت وبعض القوم يخلق ثم لا يفري *). [معاني القرآن: 3/12] قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {علقةً} واحدة العلق، وهو الدم. و(المضغة) اللّحمة الصغيرة. سميت بذلك لأنها بقدر ما يمضغ، كما قيل غرفة، بقدر ما يغرف. {ثمّ أنشأناه خلقاً آخر} أي خلقناه بنفخ الروح فيه خلقا آخر). [تفسير غريب القرآن: 296] قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ثمّ خلقنا النّطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثمّ أنشأناه خلقا آخر فتبارك اللّه أحسن الخالقين} {فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما} وتقرأ على أربعة أوجه: أحدها ما ذكرنا. وتقرأ: (فخلقنا المضغة عظما فكسونا العظم لحما) ويقرأ: (فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظم لحما) ويقرأ: (فخلقنا المضغة عظما فكسونا العظام لحما). والتوحيد والجمع ههنا جائزان، لأنه يعلم أن الإنسان ذو عظام، فإذا ذكر على التوحيد فلأنه يدلّ على الجمع، ولأنّه معه اللحم، ولفظه لفظ الواحد، فقد علم أن العظم يراد به العظام. وقد يجوز من التوحيد إذا كان في الكلام دليل على الجمع ما هو أشدّ من هذا قال الشاعر: في حلقكم عظم وقد شجينا يريد في حلوقكم عظام. وقوله عزّ وجلّ: {ثمّ أنشأناه خلقا آخر}. فيه ثلاثة أقوال: قيل جعل ذكرا أو أنثى، وقيل نفخ فيه الروح، وقيل أنبت عليه الشعر. ويروى أن عمر كان عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين نزلت هذه الآية، فقال عمر: فتبارك الله أحسن الخالقين، فقال - صلى الله عليه وسلم - لعمر إن الله قد ختم بها الآية). [معاني القرآن: 4/9-8] قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( ثم قال جل وعز: {فخلقنا المضغة عظاما} ويقرأ عظما وهو واحد يدل على جمع لأنه قد علم أن للإنسان عظاما فكسونا العظام لحما ويجوز العظم على ذلك وقوله جل وعز: {ثم أنشأناه خلقا آخر} روى عطاء عن ابن عباس والربيع بن أنس، عن أبي العالية وسعيد عن قتادة، عن الحسن وعلي بن الحكم، عن الضحاك في قوله: {ثم أنشأناه خلقا آخر} قالوا نفخ فيه الروح وروى هشيم عن منصور عن الحسن {ثم أنشأناه خلقا آخر} قال ذكرا وأنثى وروي عن الضحاك قال الأسنان وخروج الشعر قال أبو جعفر وأولى ما قيل فيه أنه نفخ الروح فيه لأنه يتحول عن تلك المعاني إلى أن يصير إنسانا والهاء في أنشأناه تعود على الإنسان أو على ذكر العظام والمضغة والنطفة أي أنشأنا ذلك وقوله: {ثم إنكم بعد ذلك لميتون} ونقول في هذا المعنى لمائتون). [معاني القرآن: 4/449-448] تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15)} قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ثمّ إنّكم بعد ذلك} [المؤمنون: 15] بعدما ينفخ فيه الرّوح. {لميّتون} [المؤمنون: 15] إذا جاء أجله). [تفسير القرآن العظيم: 1/396] قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {بعد ذلك لميّتون...} تقرأ (لميتون) و(لمائتون) وميّتون أكثر، والعرب تقول لمن لم يمت: إنك ميّت عن قليلٍ ومائت. ولا يقولون للميت الذي قد مات، هذا مائت؛ إنما يقال في الاستقبال، ولا يجاوز به الاستقبال. وكذلك يقال: هذا سيّد قومه اليوم، فإذا أخبرت أنه يكون سيّدهم عن قليل قلت: هذا سائد قومه عن قليلٍ وسيّد. وكذلك الطمع، تقول: هو طامع فيما قبلك غداً. فإذا وصفته بالطمع قلت: هوطمع. وكذلك الشريف، تقول: إنه لشريف قومه، وهو شارف عن قليل. وهذا الباب كلّه في العربية على ما وصفت لك). [معاني القرآن: 2/232] قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ثمّ إنّكم بعد ذلك لميّتون} ويجوز لمائتون، ويجوز لميتون. وأجودها (لميّتون)، وعليها القراءة. وجاءت مائتون لأنها لما يستقبل). [معاني القرآن: 4/9] تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16)} |
التفسير اللغوي المجموع [ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس] تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12) } تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) } تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14) } قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (قوله: " إنا بني نهشل "يعني نهشل بن دارم بن مالك بن حنظلة بن مالك بن زيد مناة بن تميم، ومن قال: "إنا بنو نهشل"، فقد خبرك، وجعل" بنو" خبر" إن"، ومن قال: " بتي"، إنما جعل الخبر: إن تبتدر غاية يومًا لمكرمةٍ = تلق السوابق منا والمصلينا
ونصب"بني" على فعل مضمر للاختصاص، وهذا أمدح، ومثله:نحن بني ضبة أصحاب الجمل أراد نحن أصحاب الجمل، ثم أبان من يختص بهذا، فقال: أعني بني ضبة وقرأ عيسى بن عمر: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ} أراد وامرأته: {فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ} ثم عرفها بحمالة الحطب، وقوله: {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ} بعد قوله: {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ} إنما هو على هذا، وهو أبلغ في التعريف، وسنشرحه على حقيقة الشرح في موضعه إنشاء الله: وأكثر العرب ينشد: إنا بني منقرٍ قوم ذوو حسب = فينا سراة بني سعدٍ وناديها
قرأ بعض القراء: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ) ). [الكامل: 1/146-147] (م) قالَ المبرِّدُ محمَّدُ بنُ يزيدَ الثُّمَالِيُّ (ت: 285هـ): (ومن التشبيه المحمود قول الشاعر: طليق الله لم يمنن عليه = أبو داود وابن أبي كثير ولا الحجاج عيني بنت ماء = تقلب طرفها حذر الصقور ونصب عيني بنت ماء على الذم، وتأويله: إنه إذا قال: جاءني عبد الله الفاسق الخبيث فليس يقوله إلا وقد عرفه بالفسق والخبث فنصبه أعني وما أشبهه من الأفعال، نحو أذكر، وهذا أبلغ في الذم، أن يقيم الصفة مقام الاسم، وكذلك المدح. وقول الله تبارك وتعالى: {وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ} بعد قوله: {لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ}. إنما هو على هذا. ومن زعم أنه أراد: "ومن المقيمين الصلاة" فمخطئ في قول البصريين، لأنهم لا يعطفون الظاهر على المضمر المخفوض، ومن أجازه من غيرهم فعلى قبح، كالضرورة. والقرآن إنما يحمل على أشرف المذاهب. وقرأ حمزة: (الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامِ)، وهذا مما لا يجوز عندنا إلا أن يضطر إليه شاعر، كما قال: فاليوم قربت تهجونا وتشتمنا = فاذهب فما بك والأيام من عجب
وقرأ عيسى بن عمر: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ}. أراد: وامرأته في جيدها حبل من مسد، فنصب حمالة على الذم. ومن قال إن امرأته مرتفعة بقوله: {سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ}: فهو يجوز. وليس بالوجه أن يعطف المظهر المرفوع على المضمر حتى يؤكد، نحو: {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا} [المائدة: 24] و: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ}، فأما قوله: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا}. فإنه لما طال الكلام وزيدت فيه لا احتمل الحذف وهذا على قبحه جائز في الكلام، أعني: ذهبت وزيد، وأذهب وعمرو، قال جرير:ورجا الأخيطل من سفاهة رأيه = ما لم يكن وأب له لينالا قلت إذ أقبلت وزهر تهادى = كنعاج الملا تعسفن رملا
ومما ينصب على الذم قول النابغة الذبياني:لعمري وما عمري علي بهين = لقد نطقت بطلا علي الأقارع أقارع عوف لا أحاول غيرها = وجوه قرود تبتغي من تجادع سقوني الخمر ثم تكنفوني = عداة الله من كذب وزور
والعرب تنشد قول حاتم الطائي رفعًا ونصبًا:إن كنت كارهة معيشتنا = هاتا فحلي في بني بدر الضربين، لدى أعنتهم = والطاعنين وخيلهم تجري وكذلك قول الخرنق بنت هفان القيسي، من بني قيس بن ثعلب: لا يبعدن قومي الذين هم = سم العداة وآفة الجزر النازلين بكل معترك = والطيبين معاقد الأزر وإن لم يرد مدحًا ولا ذمًا قد استقر له فوجهه النعت. وقرأ بعض القراء: (فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ). وأكثر ما تنشد العرب بيت ذي الرمة نصبًا، لأنه لما ذكر ما يحن إليه ويصبو إلى قربه أشاد بذكر ما قد كان يبغي، فقال: ديار مية إذ مي تساعفنا = ولا يرى مثلها عجم ولا عرب بيضاء في دعج، صفراء في نعج = كأنها فضة قد مسها ذهب
وفيها من التشبيه المصيب قوله: تشكو الخشاش ومجرى النسعتين كما = أن المريض إلى عاده الوصب).
[الكامل: 2/930-934] (م) قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (والخلق التقدير، قال الله جل اسمه: {وتخلقون إفكا}، أي تقدرون كذبا، وقال جل وعلا: {فتبارك الله أحسن الخالقين}، أي المقدرين). [كتاب الأضداد: 159] (م) تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15) } تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16) } |
تفاسير القرن الرابع الهجري |
تفاسير القرن الخامس الهجري |
تفاسير القرن السادس الهجري تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12)} قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين} هذا ابتداء كلام، والواو في أوله عاطفة جملة الكلام على جملة وإن تباينت في المعاني، واختلف المفسرون في قوله: "الإنسان" فقال قتادة وغيره: أراد آدم -عليه السلام- لأنه استل من الطين. قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ويجيء الضمير في قوله تعالى: "ثم جعلناه" عائدا على ابن آدم -وإن كان لم يذكره- لشهرة الأمر، وأن المعنى لا يصلح إلا له، نظير ذلك حتى توارت بالحجاب وغيره. -وقال ابن عباس رضي الله عنهما- المراد بقوله: "الإنسان" ابن آدم. وسلالة من طين صفوة الماء. قال القاضي أبو محمد -رحمه الله-: وهذا على أنه اسم الجنس، ويترتب فيه أنه سلالة من حيث كان الكل عن آدم -عليه السلام- أو عن الأبوين المتقدمين بما يكون من الطين، وذلك السبع الذي جعل الله تعالى رزق ابن آدم فيها، وسيجيء قول ابن عباس -رضي الله عنهما- فيها إن شاء الله، وعلى هذا يجيء قول ابن عباس -رضي الله عنهما-: إن السلالة هي صفوة الماء، يعني المني. وقال مجاهد: سلالة من طين: مني آدم. [المحرر الوجيز: 6/281] قال القاضي أبو محمد -رحمه الله-: وهذا بين؛ إذ آدم من طين وذريته من سلالة، وما يكون عن الشيء فهو سلالته، وتختلف وجوه ذلك الكون، فمنه قولهم للخمر: سلالة؛ لأنها سلالة العنب، ومنه قول الشاعر: إذا أنتجت منها المهارى تشابهت على العود إلا بالأنوف سلائله ومن اللفظ قول هند بنت النعمان بن بشير: ... ... ... ... ... .... سليلة أفراس تحللها بغل ومنه قول الآخر: فجاءت به عضب الأديم غضنفرا ... سلالة فرج كان غير حصين وهذه الفرقة يترتب مع قولها عود الضمير في "جعلناه" و"أنشأناه"). [المحرر الوجيز: 6/282] تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13)} قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"النطفة" تقع في اللغة على قليل الماء وكثيره، وهي هنا لمني ابن آدم، و"القرار المكين" من المرأة هو موضع الولد، و"المكين": المتمكن، فكأن "القرار" هو المتمكن في الرحم). [المحرر الوجيز: 6/283] تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)} قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"العلقة": الدم الغريض، و"المضغة": بضعة اللحم قدر ما يمضغ. وقرأ الجمهور: "عظاما" في الموضعين، وقرأ ابن عامر، وعاصم -في رواية أبي بكر -: "عظما" بالإفراد في الموضعين، وقرأ سلمة، وقتادة، والأعرج، والأعمش بالإفراد أولا وبالجمع في الثاني، وقرأ مجاهد، وأبو رجاء، وإبراهيم بن أبي بكر بعكس ذلك، وفي قراءة ابن مسعود: "ثم جعلنا المضغة عظاما وعصبا فكسوناه لحما". واختلف الناس في الخلق الآخر، فقال ابن عباس -رضي الله عنهما- والشعبي، وأبو العالية، والضحاك، وابن زيد: هو نفخ الروح فيه، وقال ابن عباس -رضي الله عنهما- أيضا: خروجه إلى الدنيا، وقال قتادة -عن فرقة-: نبات شعره، وقال مجاهد: كمال شبابه، وقال ابن عباس أيضا: تصرفه في أمور الدنيا. قال القاضي أبو محمد -رحمه الله: وهذا التخصيص كله لا وجه له، وإنما هو عام في هذا، وغيره من وجوه من النطق والإدراك وحسن المحاولة هو بها آخر، وأول رتبة من كونه آخر هي نفخ الروح فيه، والطرف الآخر من كونه آخر تحصيله المعقولات إلى أن يموت. و"تبارك" هو مطاوع "بارك"، فكأنها بمنزلة "تعالى وتقدس"، من معنى البركة، وهذه الآية يروى أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- لما سمع صدر الآية إلى قوله: "آخر" قال: "فتبارك الله أحسن الخالقين" فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "هكذا أنزلت". [المحرر الوجيز: 6/283] ويروى أن قائل ذلك معاذ بن جبل -رضي الله عنه- ويروى أن قائل ذلك هو عبد الله بن أبي سرح، وبهذا السبب ارتد وقال: أنا آتي بمثل ما يأتي به محمد عليه الصلاة والسلام- وفيه نزلت: {ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو قال أوحي إلي ولم يوح إليه شيء}. وقوله تعالى: {أحسن الخالقين} معناه: أحسن الصانعين، يقال لمن صنع شيئا: خلقه، ومنه قول الشاعر: ولأنت تفري ما خلقت وبعـ ... ـض القوم يخلق ثم لا يفري وذهب بعض الناس إلى نفي هذه اللفظة عن الناس، فقال ابن جريج: إنما قال: [المحرر الوجيز: 6/284] "الخالقين" لأنه -تبارك وتعالى- قد أذن لعيسى عليه السلام في أن يخلق، واضطرب بعضهم في ذلك. قال القاضي أبو محمد رحمه الله: ولا تنفى اللفظة عن البشر في معنى الصنع، وإنما هي منفية بمعنى الاختراع والإيجاد من العدم، ومن هذه الآية " قال ابن عباس لعمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- حين سأله مشيخة الصحابة عن ليلة القدر فقالوا: الله أعلم، فقال عمر -رضي الله عنه-: ما تقول يا ابن عباس؟ فقال: يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى خلق السماوات سبعا والأرضين سبعا، وخلق ابن آدم من سبع، وجعل رزقه في سبع، فأراها في ليلة سبع وعشرين، فقال عمر: أعجزكم أن تأتوا بمثل ما أتى به هذا الغلام الذي لم تجتمع شئون رأسه". وهذا الحديث بطوله في مسند ابن أبي شيبة، فأراد ابن عباس -رضي الله عنهما- بقوله: خلق ابن آدم من سبع. هذه الآية، وبقوله: جعل رزقه في سبع قوله تعالى: {فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا} الآية، السبع منها لابن آدم، والأب للأنعام، والقضب يأكله ابن آدم وتسمن به النساء، هذا قول، وقيل: القضب: البقول لأنها تقضب، فهي رزق ابن آدم، وقيل: القضب والأب للأنعام والستة الباقية لابن آدم، والسابعة هي الأنعام إذ هي من أعظم رزق ابن آدم). [المحرر الوجيز: 6/285] تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15)} قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين} "ذلك" إشارة إلى ما ذكر من هذه الأحوال، وقرأ ابن أبي عبلة: "لمائتون". [المحرر الوجيز: 6/285] بالألف). [المحرر الوجيز: 6/286] تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16)} قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"تبعثون" معناه: من قبوركم أحياء، وهذا خبر بالبعث والنشور). [المحرر الوجيز: 6/286] |
تفاسير القرن السابع الهجري ... |
تفاسير القرن الثامن الهجري تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ (12)} قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولقد خلقنا الإنسان من سلالةٍ من طينٍ (12) ثمّ جعلناه نطفةً في قرارٍ مكينٍ (13) ثمّ خلقنا النّطفة علقةً فخلقنا العلقة مضغةً فخلقنا المضغة عظامًا فكسونا العظام لحمًا ثمّ أنشأناه خلقًا آخر فتبارك اللّه أحسن الخالقين (14) ثمّ إنّكم بعد ذلك لميّتون (15) ثمّ إنّكم يوم القيامة تبعثون (16) } يقول تعالى مخبرًا عن ابتداء خلق الإنسان من سلالةٍ من طينٍ، وهو آدم، عليه السّلام، خلقه اللّه من صلصالٍ من حمأٍ مسنونٍ. وقال الأعمش، عن المنهال بن عمرٍو، عن أبي يحيى، عن ابن عبّاسٍ: {من سلالةٍ من طينٍ} قال: صفوة الماء. وقال مجاهدٌ: {من سلالةٍ} أي: من منيّ آدم. قال ابن جريرٍ: وإنّما سمّي آدم طينًا لأنّه مخلوقٌ منه. وقال قتادة: استلّ آدم من الطّين. وهذا أظهر في المعنى، وأقرب إلى السّياق، فإنّ آدم، عليه السّلام، خلق من طينٍ لازبٍ، وهو الصّلصال من الحمأ المسنون، وذلك مخلوقٌ من التّراب، كما قال تعالى: {ومن آياته أن خلقكم من ترابٍ ثمّ إذا أنتم بشرٌ تنتشرون} [الروم: 20]. وقال الإمام أحمد: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، حدّثنا عوف، حدّثنا قسامة بن زهير، عن أبي موسى، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ اللّه خلق آدم من قبضةٍ قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، جاء منهم الأحمر والأسود والأبيض، وبين ذلك، والخبيث والطّيّب، وبين ذلك". وقد رواه أبو داود والتّرمذيّ، من طرقٍ، عن عوفٍ الأعرابيّ، به نحوه. وقال التّرمذيّ: حسنٌ صحيحٌ). [تفسير ابن كثير: 5/ 465-466] تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (13) ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ (14)} قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ثمّ جعلناه نطفةً}: هذا الضّمير عائدٌ على جنس الإنسان، كما قال في الآية الأخرى: {وبدأ خلق الإنسان من طينٍ * ثمّ جعل نسله من سلالةٍ من ماءٍ مهينٍ} [السّجدة: 7، 8] أي: ضعيفٍ، كما قال: {ألم نخلقكم من ماءٍ مهينٍ. فجعلناه في قرارٍ مكينٍ}، يعني: الرحم معد لذلك مهيّأٌ له، {إلى قدرٍ معلومٍ * فقدرنا فنعم القادرون} [المرسلات: 22، 23]، أي: [إلى] مدّةٍ معلومةٍ وأجلٍ معيّنٍ حتّى استحكم وتنقّل من حالٍ إلى حالٍ، وصفةٍ إلى صفةٍ؛ ولهذا قال هاهنا: {ثمّ خلقنا النّطفة علقةً} أي: ثمّ صيّرنا النّطفة، وهي الماء الدّافق الّذي يخرج من صلب الرّجل -وهو ظهره-وترائب المرأة-وهي عظام صدرها ما بين التّرقوة إلى الثّندوة-فصارت علقةً حمراء على شكل العلقة مستطيلةً. قال عكرمة: وهي دمٌ. {فخلقنا العلقة مضغةً}: وهي قطعةٌ كالبضعة من اللّحم، لا شكل فيها ولا تخطيط، {فخلقنا المضغة عظامًا} يعني: شكّلناها ذات رأسٍ ويدين ورجلين بعظامها وعصبها وعروقها. وقرأ آخرون: {فخلقنا المضغة عظامًا}. قال ابن عبّاسٍ: وهو عظم الصّلب. وفي الصّحيح، من حديث أبي الزّناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "كلّ جسد ابن آدم يبلى إلّا عجب الذّنب، منه خلق ومنه يركّب". {فكسونا العظام لحمًا} أي: وجعلنا على ذلك ما يستره ويشدّه ويقوّيه، {ثمّ أنشأناه خلقًا آخر} أي: ثمّ نفخنا فيه الرّوح، فتحرّك وصار {خلقًا آخر} ذا سمعٍ وبصرٍ وإدراكٍ وحركةٍ واضطرابٍ {فتبارك اللّه أحسن الخالقين} وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عليّ بن الحسين، حدّثنا جعفر بن مسافر، حدّثنا يحيى بن حسّان، حدّثنا النّضر -يعني: ابن كثيرٍ، مولى بني هاشمٍ-حدّثنا زيد بن عليٍّ، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالبٍ، رضي اللّه عنه، قال: إذا أتمّت النّطفة أربعة أشهرٍ، بعث إليها ملك فنفخ فيها الرّوح في الظّلمات الثّلاث، فذلك قوله: {ثمّ أنشأناه خلقًا آخر} يعني: نفخنا فيه الرّوح. وروي عن أبي سعيدٍ الخدريّ أنّه نفخ الرّوح. قال ابن عباس: {ثمّ أنشأناه خلقًا آخر} يعني به: الرّوح. وكذا قال مجاهدٌ، وعكرمة، والشّعبيّ، والحسن، وأبو العالية، والضّحّاك، والرّبيع بن أنسٍ، والسّدّيّ، وابن زيدٍ، واختاره ابن جريرٍ. وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: {ثمّ أنشأناه خلقًا آخر} يعني: ننقله من حالٍ إلى حالٍ، إلى أن خرج طفلًا ثمّ نشأ صغيرًا، ثمّ احتلم، ثمّ صار شابًّا، ثمّ كهلًا ثمّ شيخًا، ثمّ هرمًا. وعن قتادة، والضّحّاك نحو ذلك. ولا منافاة، فإنّه من ابتداء نفخ الرّوح [فيه] شرع في هذه التّنقّلات والأحوال. واللّه أعلم. قال الإمام أحمد في مسنده: حدّثنا أبو معاوية، حدّثنا الأعمش، عن زيد بن وهبٍ، عن عبد اللّه -هو ابن مسعودٍ-قال: حدّثنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وهو الصّادق المصدوق: "إنّ أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمّه أربعين يومًا، ثمّ يكون علقةً مثل ذلك، ثمّ يكون مضغةً مثل ذلك، ثمّ يرسل إليه الملك فينفخ فيه الرّوح، ويؤمر بأربع كلماتٍ: رزقه، وأجله، وعمله، وهل هو شقيٌّ أو سعيدٌ، فوالّذي لا إله غيره، إنّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنّة حتّى ما يكون بينه وبينها إلّا ذراعٌ، فيسبق عليه الكتاب، فيختم له بعمل أهل النّار فيدخلها، وإنّ الرّجل ليعمل بعمل أهل النّار، حتّى ما يكون بينه وبينها إلّا ذراعٌ، فيسبق عليه الكتاب، فيختم له بعمل أهل الجنّة فيدخلها". أخرجاه من حديث سليمان بن مهران الأعمش. وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أحمد بن سنان، حدّثنا أبو معاوية عن الأعمش، عن خيثمة قال: قال عبد اللّه -يعني: ابن مسعودٍ-إنّ النّطفة إذا وقعت في الرّحم، طارت في كلّ شعرٍ وظفرٍ، فتمكث أربعين يومًا، ثمّ تتحدّر في الرّحم فتكون علقةً. وقال الإمام أحمد أيضًا: حدّثنا حسين بن الحسن، حدّثنا أبو كدينة، عن عطاء بن السّائب، عن القاسم بن عبد الرّحمن، عن أبيه، عن عبد اللّه قال: مرّ يهوديٌّ برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وهو يحدّث أصحابه، فقالت قريشٌ: يا يهوديّ، إنّ هذا يزعم أنّه نبيٌّ. فقال: لأسألنّه عن شيءٍ لا يعلمه إلّا نبيٌّ. قال: فجاءه حتّى جلس، فقال: يا محمّد، ممّ يخلق الإنسان؟ فقال: "يا يهودي، من كلٍّ يخلق، من نطفة الرّجل ومن نطفة المرأة، فأمّا نطفة الرّجل فنطفةٌ غليظةٌ منها العظم والعصب، وأمّا نطفة المرأة فنطفةٌ رقيقةٌ منها اللّحم والدّم" فقام اليهوديّ فقال: هكذا كان يقول من قبلك. وقال الإمام أحمد: حدّثنا سفيان عن عمرٍو، عن أبي الطّفيل، حذيفة بن أسيد الغفاريّ قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "يدخل الملك على النّطفة بعد ما تستقرّ في الرّحم بأربعين ليلةً، فيقول: يا ربّ، ماذا؟ أشقيٌّ أم سعيدٌ؟ أذكرٌ أم أنثى؟ فيقول اللّه، فيكتبان. فيقولان: ماذا؟ أذكرٌ أم أنثى؟ فيقول اللّه عزّ وجلّ، فيكتبان ويكتب عمله، وأثره، ومصيبته، ورزقه، ثمّ تطوى الصّحيفة، فلا يزاد على ما فيها ولا ينقص". وقد رواه مسلمٌ في صحيحه، من حديث سفيان بن عيينة، عن عمرٍو -وهو ابن دينارٍ-به نحوه. ومن طرق أخرى، عن أبي الطّفيل عامر بن واثلة، عن حذيفة بن أسيد أبي سريحة الغفاريّ بنحوه، واللّه أعلم. وقال الحافظ أبو بكرٍ البزّار: حدّثنا أحمد بن عبدة، حدّثنا حمّاد بن زيدٍ، حدّثنا عبيد اللّه بن أبي بكرٍ، عن أنسٍ؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم قال: "إنّ اللّه وكّل بالرّحم ملكًا فيقول: أي ربّ، نطفةٌ. أي ربّ، علقةٌ أي ربّ، مضغةٌ. فإذا أراد اللّه خلقها قال: يا رب، ذكر أو أنثى؟ شقي أو سعيد؟ فما الرّزق والأجل؟ " قال: "فذلك يكتب في بطن أمّه". أخرجاه في الصّحيحين من حديث حمّاد بن زيدٍ به. وقوله: {فتبارك اللّه أحسن الخالقين} يعني: حين ذكر قدرته ولطفه في خلق هذه النّطفة من حالٍ إلى حالٍ، وشكلٍ إلى شكلٍ، حتّى تصوّرت إلى ما صارت إليه من الإنسان السّويّ الكامل الخلق، قال: {فتبارك اللّه أحسن الخالقين} قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا يونس بن حبيبٍ، حدّثنا أبو داود، حدّثنا حمّاد بن سلمة، حدّثنا عليّ بن زيدٍ، عن أنسٍ، قال: قال عمر -يعني: ابن الخطّاب رضي اللّه عنه-: وافقت ربّي ووافقني في أربعٍ: نزلت هذه الآية: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالةٍ من طينٍ} الآية، قلت أنا: فتبارك اللّه أحسن الخالقين. فنزلت: {فتبارك اللّه أحسن الخالقين} وقال أيضًا: حدّثنا أبي، حدّثنا آدم بن أبي إياسٍ، حدّثنا شيبان، عن جابرٍ الجعفي، عن عامرٍ الشّعبيّ، عن زيد بن ثابتٍ الأنصاريّ قال: أملى عليّ رسول اللّه هذه الآية: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالةٍ من طينٍ} إلى قوله: {خلقًا آخر}، فقال معاذٌ: {فتبارك اللّه أحسن الخالقين}، فضحك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. فقال له معاذٌ: ممّ ضحكت يا رسول اللّه؟ قال: "بها ختمت {فتبارك اللّه أحسن الخالقين}. جابر بن يزيد الجعفي ضعيفٌ جدًّا، وفي خبره هذا نكارة شديدة، وذلك أنّ هذه السّورة مكّيّةٌ، وزيد بن ثابتٍ إنّما كتب الوحي بالمدينة، وكذلك إسلام معاذ بن جبلٍ إنّما كان بالمدينة أيضًا، فاللّه أعلم). [تفسير ابن كثير: 5/ 466-469] تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ (15)} قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ثمّ إنّكم بعد ذلك لميّتون} يعني: بعد هذه النّشأة الأولى من العدم تصيرون إلى الموت). [تفسير ابن كثير: 5/ 469] تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ (16)} قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ثمّ إنّكم يوم القيامة تبعثون} يعني: النّشأة الآخرة، {ثمّ اللّه ينشئ النّشأة الآخرة} [العنكبوت:20] يعني: يوم المعاد، وقيام الأرواح والأجساد، فيحاسب الخلائق، ويوفّي كلّ عاملٍ عمله، إن خيرًا فخيرٌ، وإنّ شرًّا فشرٌّ).[تفسير ابن كثير: 5/ 469] |
الساعة الآن 02:30 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة