تفسير سورة البقرة [من الآية (44) إلى الآية (48) ]
تفسير سورة البقرة [من الآية (44) إلى الآية (48) ] {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44) وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46) يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47) وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48) } |
جمهرة تفاسير السلف
تفسير السلف تفسير قوله تعالى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44) ) قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (وحدثنا معمر عن قتادة في قوله: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم} قال: «كان بنو إسرائيل يأمرون الناس بطاعة الله وبتقواه وبالبر وهم يخالفون ذلك فعيرهم الله به».). [تفسير عبد الرزاق: 1 / 44] قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أتأمرون النّاس بالبرّ وتنسون أنفسكم}. قال أبو جعفرٍ: اختلف أهل التّأويل في معنى البرّ الّذي كان المخاطبون بهذه الآية يأمرون النّاس به وينسون أنفسهم، بعد إجماع جميعهم على أنّ كلّ طاعةٍ للّه فهي تسمّى برًّا. فروي عن ابن عبّاسٍ ماحدّثنا به ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، عن محمّد بن أبي محمّدٍ، عن عكرمة أو عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {أتأمرون النّاس بالبرّ وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون} أي تنهون النّاس عن الكفر بما عندكم من النّبوّة والعهد من التّوراة، وتتركون أنفسكم: أي وأنتم تكفرون بما فيها من عهدي إليكم في تصديق رسولي، وتنقضون ميثاقي، وتجحدون ما تعلمون من كتابي. - وحدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: في قوله: {أتأمرون النّاس بالبرّ} يقول: «أتأمرون النّاس بالدّخول في دين محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وغير ذلك ممّا أمرتم به من إقام الصّلاة وإيتاء الزكاة، {وتنسون أنفسكم}». وقال آخرون بما حدّثني به، موسى بن هارون، قال: حدّثني عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {أتأمرون النّاس بالبرّ وتنسون أنفسكم} قال: «كانوا يأمرون النّاس بطاعة اللّه وبتقواه وهم يعصونه». - وحدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: في قوله: {أتأمرون النّاس بالبرّ وتنسون أنفسكم} قال: «كان بنو إسرائيل يأمرون النّاس بطاعة اللّه وبتقواه وبالبرّ ويخالفون، فعيّرهم اللّه جل ثناؤه». - وحدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا الحجّاج، قال: قال ابن جريجٍ: {أتأمرون النّاس بالبرّ} «أهل الكتاب والمنافقون كانوا يأمرون النّاس بالصّوم والصّلاة، ويدعون العمل بما يأمرون به النّاس، فعيّرهم اللّه بذلك، فمن أمر بخيرٍ فليكن أشدّ النّاس فيه مسارعةً». وقال آخرون بما حدّثني به يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: «هؤلاء اليهود كان إذا جاء الرّجل يسألهم ما ليس فيه حقٌّ ولا رشوةٌ ولا شيءٌ، أمروه بالحقّ، فقال اللّه لهم: {أتأمرون النّاس بالبرّ وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون}». - وحدّثني عليّ بن الحسن، قال: حدّثنا مسلمٌ الحرميّ، قال: حدّثنا مخلد بن الحسين، عن أيّوب السّختيانيّ، عن أبي قلابة: في قول اللّه: {أتأمرون النّاس بالبرّ وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب} قال: قال أبو الدّرداء: «لا يفقه الرّجل كلّ الفقه حتّى يمقت النّاس في ذات اللّه ثمّ يرجع إلى نفسه فيكون لها أشدّ مقتًا». قال أبو جعفرٍ: وجميع الّذي قال في تأويل هذه الآية من ذكرنا قوله متقارب المعنى؛ لأنّهم وإن اختلفوا في صفة البرّ الّذي كان القوم يأمرون به غيرهم الّذين وصفهم اللّه بما وصفهم به فهم متّفقون في أنّهم كانوا يأمرون النّاس بما للّه فيه رضًا من القول أو العمل، ويخالفون ما أمروهم به من ذلك إلى غيره بأفعالهم. فالتّأويل الّذي يدلّ على صحّته ظاهر التّلاوة إذًا: أتأمرون النّاس بطاعة اللّه وتتركون أنفسكم تعصيه، فهلاّ تأمرونها بما تأمرون به النّاس من طاعة ربّكم. معيّرهم بذلك ومقبّحًا لهم قبيح ما أتوا به. ومعنى نسيانهم أنفسهم في هذا الموضع نظير النّسيان الّذي قال جلّ ثناؤه: {نسوا اللّه فنسيهم} بمعنى: تركوا طاعة اللّه فتركهم اللّه من ثوابه). [جامع البيان: 1 / 613 - 616] قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأنتم تتلون الكتاب} قال أبو جعفرٍ: يعني بقوله: {تتلون} تدرسون وتقرءون. - كما حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشرٌ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: {وأنتم تتلون الكتاب} يقول: «تدرسون الكتاب بذلك». ويعني بالكتاب: التّوراة). [جامع البيان: 1 / 616] قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أفلا تعقلون} قال أبو جعفرٍ: يعني بقوله: {أفلا تعقلون} أفلا تفقهون وتفهمون قبح ما تأتون من معصيتكم ربّكم الّتي تأمرون النّاس بخلافها وتنهونهم عن ركوبها وأنتم راكبوها، وأنتم تعلمون أنّ الّذي عليكم من حقّ اللّه وطاعته في اتّباع محمّدٍ والإيمان به وبما جاء به مثل الّذي على من تأمرونه باتّباعه. - كما حدّثنا به، محمّد بن العلاء، قال: حدّثنا عثمان بن سعيدٍ، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: {أفلا تعقلون} يقول: «أفلا تفهمون فنهاهم عن هذا الخلق القبيح». وهذا يدلّ على صحّة ما قلنا من أمر أحبار يهود بني إسرائيل غيرهم باتّباع محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، وأنّهم كانوا يقولون هو مبعوثٌ إلى غيرنا كما ذكرنا قبل). [جامع البيان: 1 / 616 - 617] قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {أتأمرون النّاس بالبرّ وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون (44)} قوله: {أتأمرون النّاس بالبرّ} - حدّثنا حجّاج بن يوسف بن الشّاعر ثنا سهل بن حمّادٍ أبو عتّابٍ ثنا هشامٌ الدّستوائيّ عن المغيرة بن حبيبٍ عن مالك بن دينارٍ عن ثمامة عن أنس بن مالكٍ قال: لمّا عرج بالنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم مرّ على قومٍ تقرض شفاههم، فقال: «يا جبريل، من هؤلاء؟» قال: هؤلاء الخطباء من أمّتك الّذين يأمرون النّاس بالبرّ وينسون أنفسهم، ويتلون الكتاب ولا يعقلون). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 100 - 101] قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وأنتم تتلون الكتاب، أفلا تعقلون} - به عن ابن عبّاسٍ: {وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون} «أي تكفرون بما فيه من عهدي إليكم في تصديق رسولي فتنقضون ميثاقي وتجحدون بما تعلمون من كتابي».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 101] قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {أفلا تعقلون} - أخبرنا أبو زيدٍ القراطيسيّ فيما كتب إليّ أنبأ أصبغ بن الفرج: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه في قوله: {أفلا تعقلون} «أفلا تتفكرون». - حدّثنا عليّ بن محمّد بن أبي الخصيب الكوفيّ ثنا وكيعٌ عن سفيان عن أبي إسحاق عن جريّ بن كليبٍ عن رجلٍ من بني سليمٍ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم- قال: «الصّوم نصف الصّبر». - حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان ثنا سلمة بن الفضل حدّثني محمّد بن إسحاق قال فيما حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: {أتأمرون النّاس بالبرّ وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب، أفلا تعقلون} «أي تنهون النّاس عن الكفر بما عندكم من النّبوّة والعهد من التّوراة». - حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع أنبأ عبد الرّزّاق أنبأ معمرٌ عن قتادة في قوله: {أتأمرون النّاس بالبرّ وتنسون أنفسكم} قال: «كان بنو إسرائيل يأمرون النّاس بطاعة اللّه وبتقواه وبالبرّ، ويخالفون، فعيّرهم اللّه». - حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّادٍ ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: {أتأمرون النّاس بالبرّ وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب} قال: «كانوا يأمرون النّاس بطاعته، وهم يعصونه».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 101] قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وتنسون أنفسكم} - حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان ثنا سلمة عن محمّد بن إسحاق قال فيما حدّثني بن أبي محمّدٍ عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ عن ابن عبّاسٍ: {وتنسون أنفسكم} «أي تتركون أنفسكم».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 102] قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون} أخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم} قال: «أولئك أهل الكتاب كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب ولا ينتفعون بما فيه». وأخرج الثعلبي والواحدي عن ابن عباس قال: «نزلت هذه الآية في يهود أهل المدينة كان الرجل منهم يقول لصهره ولذوي قرابته ولمن بينه وبينهم رضاع من المسلمين: اثبت على الدين الذي أنت عليه وما يأمرك به هذا الرجل - يعنون به محمدا - فإن أمره حق وكانوا يأمرون الناس بذلك ولا يفعلونه». وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {أتأمرون الناس بالبر} قال: «بالدخول في دين محمد {وأنتم تتلون} يقولون: تدرسون الكتاب بذلك {أفلا تعقلون} تفهمون ينهاهم عن هذا الخلق القبيح». وأخرج ابن إسحاق، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال: «تنهون الناس عن الكفر لما عندكم من النبوة والعهد من التوراة وأنتم تكفرون بما فيها من عهدي إليكم في تصديق رسولي». وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وابن جرير والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي قلابة في الآية قال: قال أبو الدرداء: « لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في ذات الله ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتا». وأخرج وكيع، وابن أبي شيبة وأحمد، وعبد بن حميد والبزار وأبن أبي داود في البعث، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان وأبو نعيم في الحلية، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيت ليلة أسري بي رجالا تقرض شفاههم بمقاريض من نار كلما قرضت رجعت، فقلت لجبريل: من هؤلاء؟» قال: هؤلاء خطباء من أمتك كانوا يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون. وأخرج أحمد والبخاري ومسلم عن أسامة بن زيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق به أقتابه فيدور بها كما يدور الحمار برحاه فيطف به أهل النار، فيقولون: يا فلان مالك ما أصابك ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر، فيقول: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن المنكر وآتيه». وأخرج الخطيب في اقتضاء العلم بالعمل، وابن النجار في تاريخ بغداد، عن جابر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: « اطلع قوم من أهل الجنة على قوم من أهل النار فقالوا: بم دخلتم النار وإنما دخلنا الجنة بتعليمكم قالوا: إنا كنا نأمركم ولا نفعل». وأخرج الطبراني والخطيب في اقتضاء العلم بالعمل، وابن عساكر بسند ضعيف عن الوليد بن عقبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أناسا من أهل الجنة يتطلعون إلى أناس من أهل النار فيقولون: بم دخلتم النار فوالله ما دخلنا الجنة إلا بتعليمكم فيقولون: إنا كنا نقول ولا نفعل». وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن الوليد بن عقبة أنه خطب الناس فقال في خطبته: «ليدخلن أمراء النار ويدخلن من أطاعهم الجنة فيقولون لهم وهم في النار: كيف دخلتم النار وإنما دخلنا الجنة بطاعتكم فيقولون لهم: إنا كنا نأمركم بأشياء نخالف إلى غيرها». وأخرج ابن أبي شيبة عن الشعبي قال: «يشرف قوم في الجنة على قوم في النار فيقولون: ما لكم في النار وإنما كنا نعمل بما تعلمون، قالوا: كنا نعلمكم ولا نعمل به». وأخرج ابن المبارك في الزهد عن الشعبي قال: «يطلع قوم من أهل الجنة إلى قوم من النار فيقولون: ما أدخلكم النار وإنما دخلنا الجنة بفضل تأديبكم وتعليمكم قالوا: إنا كنا نأمر بالخير ولا نفعله». وأخرج الطبراني والخطيب في الاقتضاء والأصبهاني في الترغيب بسند جيد عن جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل العالم الذي يعلم الناس الخير ولا يعمل به كمثل السراج يضيء للناس ويحرق نفسه». وأخرج ابن أبي شيبة وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن جندب البجلي قال: «إن مثل الذي يعظ الناس وينسى نفسه كمثل المصباح يضيء لغيره ويحرق نفسه». وأخرج الطبراني والخطيب في الاقتضاء عن أبي بزرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل الذي يعلم الناس وينسى نفسه كمثل الفتيلة تضيء للناس وتحرق نفسها». وأخرج ابن قانع في معجمه والخطيب في الاقتضاء عن سليك، قال: سمعت النّبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا علم العالم ولم يعمل كان كالمصباح يضيء للناس ويحرق نفسه». وأخرج الأصبهاني في الترغيب بسند ضعيف عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « يجاء بالعالم السوء يوم القيامة فيقذف في جهنم فيدور بقصبه -» قلت: ما قصبه؟ قال: « أمعاؤه - كما يدور الحمار بالرحى فيقال: يا ويله بم لقيت هذا وإنما اهتدينا بك قال: كنت أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه». وأخرج الطبراني بسند ضعيف عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من دعا الناس إلى قول أو عمل ولم يعمل هو به لم يزل في ظل سخط الله حتى يكف أو يعمل ما قال ودعا إليه». وأخرج ابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان، وابن عساكر عن ابن عباس، أنه جاءه رجل فقال: يا ابن عباس إني أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، قال: «أو بلغت ذلك» قال: أرجو، قال: «فإن لم تخش أن تفتضح بثلاثة أحرف في كتاب الله فافعل»، قال: وما هن؟ قال: «قوله عز وجل: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم} أحكمت هذه الآية» قال: لا، قال: «فالحرف الثاني قال قوله تعالى: {لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون} [الصف الآية 3] أحكمت هذه الآية» قال: لا، قال: «فالحرف الثالث قال قول العبد الصالح شعيب {ما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه} [هود الآية 88] أحكمت هذه الآية» قال: لا، قال: «فابدأ بنفسك». وأخرج ابن المبارك في الزهد والبيهقي في شعب الإيمان عن الشعبي قال: «ما خطب خطيب في الدنيا إلا سيعرض الله عليه خطبته ما أراد بها». وأخرج ابن سعد، وابن أبي شيبة وأحمد في الزهد عن أبي الدرداء قال: «ويل للذي لا يعلم مرة ولو شاء الله لعلمه وويل للذي يعلم ولا يعمل سبع مرات». وأخرج أحمد في الزهد عن عبد الله بن مسعود قال: «ويل للذي لا يعلم ولو شاء الله لعلمه وويل لمن يعلم ثم لا يعمل سبع مرات».). [الدر المنثور: 1 / 342 - 348] تفسير قوله تعالى: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) ) قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (سفيان [الثوري] في قراءة عبد اللّه في قول اللّه جلّ وعزّ: {واستعينوا بالصبر وبالصلاة} ). [تفسير الثوري: 45]قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (قال سفيان [الثوري]: قال مجاهد{وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين} قال: «المؤمنين حقا {الذين يظنون} يعلمون كلّ ظنٍّ في القرآن فهو علم». ). [تفسير الثوري: 45] قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {واستعينوا بالصّبر والصّلاة وإنّها لكبيرةٌ إلّا على الخاشعين} ] - حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا خالد بن صفوان، عن زيد بن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ أنّه كان في مسيرٍ له، فنعي إليه ابنٌ له، فنزل فصلّى ركعتين، ثمّ استرجع، وقال: «فعلنا كما أمرنا الله تعالى: {واستعينوا بالصّبر والصّلاة}». ). [سنن سعيد بن منصور: 2 / 559] قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واستعينوا بالصّبر والصّلاة وإنّها لكبيرةٌ إلاّ على الخاشعين}. قال أبو جعفرٍ: يعني بقوله جلّ ثناؤه: {واستعينوا بالصّبر} استعينوا على الوفاء بعهدي الّذي عاهدتموني في كتابكم، من طاعتي واتّباع أمري، وترك ما تهوونه من الرّياسة وحبّ الدّنيا إلى ما تكرهونه من التّسليم لأمري، واتّباع رسولي محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، بالصّبر عليه والصّلاة. وقد قيل: إنّ معنى الصّبر في هذا الموضع: الصّوم، والصّوم بعض معاني الصّبر عندنا. بل تأويل ذلك عندنا: أنّ اللّه تعالى ذكره أمرهم بالصّبر على ما كرهته نفوسهم من طاعة اللّه، وترك معاصيه. وأصل الصّبر: منع النّفس محابّها وكفّها عن هواها ولذلك قيل للصّابر على المصيبة: صابرٌ، لكفّه نفسه عن الجزع؛ وقيل لشهر رمضان: شهر الصّبر، لصبر صائمه عن المطاعم والمشارب نهارًا، وصبره إيّاهم عن ذلك: حبسه لهم، وكفّه إيّاهم عنه، كما يصبر الرّجل المسيء للقتل فتحبسه عليه حتّى تقتله. ولذلك قيل: قتل فلانٌ فلانًا صبرًا، يعني به حبسه عليه حتّى قتله، فالمقتول مصبورٌ، والقاتل صابرٌ. وأمّا الصّلاة فقد ذكرنا معناها فيما مضى. فإن قال لنا قائلٌ: قد علمنا معنى الأمر بالاستعانة بالصّبر على الوفاء بالعهد والمحافظة على الطّاعة، فما معنى الأمر بالاستعانة بالصّلاة على طاعة اللّه، وترك معاصيه، والتّعرّي عن الرّياسة، وترك الدّنيا؟ قيل: إنّ الصّلاة فيها تلاوة كتاب اللّه، الدّاعية آياته إلى رفض الدّنيا وهجر نعيمها، المسلّية النّفوس عن زينتها وغرورها، المذكّرة الآخرة وما أعدّ اللّه فيها لأهلها. ففي الاعتبار بها المعونة لأهل طاعة اللّه على الجدّ فيها، كما روي عن نبيّنا صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه كان إذا حزبه أمرٌ فزع إلى الصّلاة. - حدّثني بذلك، إسماعيل بن موسى الفزاريّ، قال: أخبرنا الحسين بن زياد الهمدانيّ، عن ابن جريجٍ، عن عكرمة بن عمّارٍ، عن محمّد بن عبيد بن أبي قدامة، عن عبد العزيز بن اليمان، عن حذيفة، قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، إذا حزبه أمرٌ فزع إلى الصّلاة». - وحدّثني سليمان بن عبد الجبّار، قال: حدّثنا خلف بن الوليد الأزديّ، قال: حدّثنا يحيى بن زكريّا عن عكرمة بن عمّارٍ، عن محمّد بن عبد اللّه الدّؤليّ، قال: قال عبد العزيز أخو حذيفة، قال حذيفة: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا حزبه أمرٌ صلّى». وكذلك روي عنه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه رأى أبا هريرة منبطحًا على بطنه فقال له: «اشكنب درد؟» قال: نعم، قال: «قم فصلّ فإنّ في الصّلاة شفاءً». فأمر اللّه جلّ ثناؤه الّذين وصف أمرهم من أحبار بني إسرائيل أن يجعلوا مفزعهم في الوفاء بعهد اللّه الّذي عاهدوه إلى الاستعانة بالصّبر والصّلاة كما أمر نبيّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم بذلك، فقال له: {فاصبر} يا محمّد {على ما يقولون وسبّح بحمد ربّك قبل طلوع الشّمس وقبل غروبها ومن آناء اللّيل فسبّح وأطراف النّهار لعلّك ترضى} فأمره جلّ ثناؤه في نوائبه بالفزع إلى الصّبر والصّلاة. - وقد حدّثنا محمّد بن العلاء، ويعقوب بن إبراهيم، قالا: حدّثنا ابن عليّة، قال: حدّثنا عيينة بن عبد الرّحمن، عن أبيه: أنّ ابن عبّاسٍ نعي إليه أخوه قثم وهو في سفرٍ، فاسترجع ثمّ تنحّى عن الطّريق، فأناخ فصلّى ركعتين أطال فيهما الجلوس، ثمّ قام يمشي إلى راحلته وهو يقول: «{واستعينوا بالصّبر والصّلاة وإنّها لكبيرةٌ إلاّ على الخاشعين}». وأمّا أبو العالية فإنّه كان يقول بما حدّثني به المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: {واستعينوا بالصّبر والصّلاة} قال: « يقول: استعينوا بالصّبر والصّلاة على مرضاة اللّه، واعلموا أنّهما من طاعة اللّه تعالى ذكره». - وقال ابن جريجٍ بما حدّثنا به القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ: في قوله: {واستعينوا بالصّبر والصّلاة} قال: «إنّهما معونتان على رحمة اللّه». - وحدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: في قوله: {واستعينوا بالصّبر والصّلاة} الآية، قال: «قال المشركون: واللّه يا محمّد إنّك لتدعونا إلى أمرٍ كبيرٍ، قال: إلى الصّلاة والإيمان باللّه».). [جامع البيان: 1 / 617 - 621] قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وإنّها لكبيرةٌ إلاّ على الخاشعين}. قال أبو جعفرٍ: يعني جلّ وعز بقوله: {وإنّها} وإنّ الصّلاة، فالهاء والألف في وإنّها عائدتان على الصّلاة. وقد قال بعضهم: إنّ قوله: {وإنّها} بمعنى: إنّ إجابة محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، ولم يجر لذلك بلفظ الإجابة ذكرٌ فتجعل الهاء والألف كنايةً عنه، وغير جائزٍ ترك الظّاهر المفهوم من الكلام إلى باطنٍ لا دلالة على صحّته. ويعني بقوله: {لكبيرةٌ} لشديدةٌ ثقيلةٌ. - كما حدّثني يحيى بن أبي طالب، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك: في قوله: {وإنّها لكبيرةٌ إلاّ على الخاشعين} قال:«إنّها لثقيلةٌ». ويعني بقوله: {إلاّ على الخاشعين} إلاّ على الخاضعين لطاعته، الخائفين سطواته، المصدّقين بوعده ووعيده. - كما حدّثني المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: {إلاّ على الخاشعين} « يعني المصدّقين بما أنزل اللّه». - وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم العسقلانيّ، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: في قوله: {إلاّ على الخاشعين} قال: « يعني الخائفين». - وحدّثني محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن جابرٍ، عن مجاهدٍ: {إلاّ على الخاشعين} قال:« المؤمنين حقًّا». - وحدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله. - وحدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: « الخشوع: الخوف والخشية للّه». وقرأ قول اللّه: {خاشعين من الذّلّ} قال: « قد أذلّهم الخوف الّذي نزل بهم، وخشعوا له». وأصل الخشوع: التّواضع والتّذلّل والاستكانة ومنه قول الشّاعر: لمّا أتى خبر الزّبير تواضعت ....... سور المدينة والجبال الخشّع يعني والجبال خشّعٌ متذلّلةٌ لعظم المصيبة بفقده. فمعنى الآية: واستعينوا أيّها الأحبار من أهل الكتاب بحبس أنفسكم على طاعة اللّه، وكفّها عن معاصي اللّه، وبإقامة الصّلاة المانعة من الفحشاء والمنكر، المقرّ به من مراضي اللّه، العظيمة إقامتها إلاّ على المتواضعين للّه المستكينين لطاعته المتذلّلين من مخافته). [جامع البيان: 1 / 621 - 623] قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {واستعينوا بالصّبر والصّلاة وإنّها لكبيرةٌ إلّا على الخاشعين (45)} قوله: {واستعينوا بالصبر والصلاة} - حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح ثنا سفيان بن عيينة قال حدّثونا- يعني ابن أبي نجيحٍ- عن مجاهدٍ قوله: {واستعينوا بالصّبر} قال: « الصّبر الصّيام». - حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم ثنا أبو جعفرٍ الرّازيّ عن الرّبيع بن أنسٍ عن أبي العالية يقول: « استعينوا بالصّبر والصّلاة على مرضاة اللّه، واعلموا أنّها من طاعة اللّه». - حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم ثنا ابن أبي فديكٍ عن محمّد بن طلحة الأسديّ يقول: « استعينوا بالصّبر على الصّيام». - حدّثنا أبو زرعة ثنا صفوان بن صالحٍ ثنا الوليد أخبرني بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان قوله: {واستعينوا بالصّبر والصّلاة} قال: « استعينوا على طلب الآخرة بالصّبر على الفرائض والصّلاة». قال أبو محمّدٍ: سمعت أبا بكرٍ حبش بن الورد البغداديّ بمكّة وسأل أصحابه عن الصّبر ما هو؟ فقال بعضهم: هو الصّلاة ونزعوا بقول اللّه: {واستعينوا بالصّبر والصّلاة} فقال: قد ميّز اللّه بينهما، فقال: استعينوا بالصّبر والصّلاة فلم يجعله صلاةً، وقال: جعلهما شيئين وقال بعضهم: الصّبر هو الصّيام. وقال بعضهم: الصّبر أن يصبر على الشّيء. فقال: ما معنى يصبر؟ فلم يرض جواب أحدٍ. وسألوه أن يخبرهم، فقال: الصّبر هو الثّبات في الشّيء. - حدّثنا أبي ثنا عبيد اللّه بن حمزة بن إسماعيل ثنا إسحاق بن سليمان عن أبي سنانٍ عن عمر بن الخطّاب قال: « الصّبر صبران، صبرٌ عند المصيبة حسنٌ، وأحسن منه الصّبر عن محارم اللّه». قال أبو محمّدٍ: وروي عن الحسن نحو قول عمر. - حدّثنا أبي ثنا هشام بن عبيد اللّه ثنا ابن المبارك عن ابن لهيعة عن عطاء بن دينارٍ أنّ سعيد بن جبيرٍ قال: « الصّبر اعتراف العبد للّه بما أصاب فيه، واحتسابه عند اللّه، ورجاء ثوابه، وقد يجزع الرّجل وهو يتجلّد لا يرى منه إلا الصبر». ). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 102] قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وإنّها لكبيرةٌ} - حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ في قوله: {وإنّها لكبيرةٌ} قال: «الصّلاة». - ذكر عن زيد بن هارون أنبأ جويبرٌ عن الضّحّاك في قوله: {وإنّها لكبيرةٌ} قال: « لثقيلةٌ». - قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى ثنا محمّد بن عليّ بن الحسن بن شقيقٍ ثنا أبو وهبٍ ثنا بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان قوله: {وإنّها لكبيرةٌ} « يقول: صرفك من بيت المقدس إلى الكعبة، كبيرٌ ذلك على المنافقين واليهود». ). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 102] قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {إلا على الخاشعين} [الوجه الأول] - حدّثنا أبي ثنا أبو صالحٍ حدّثني معاوية بن صالحٍ عن عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاسٍ: {إلا على الخاشعين} يقول: « المصدّقين بما أنزل اللّه تعالى». الوجه الثّاني: - حدّثنا الحسن بن محمّد بن الصّبّاح ثنا شبابة ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ في قوله: {وإنّها لكبيرةٌ إلا على الخاشعين} قال: « المؤمنين حقًّا». الوجه الثّالث: - حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم ثنا أبو جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية في قوله: {إلا على الخاشعين} قال: « يعني الخائفين». الوجه الرّابع: - قرأت على محمّد بن الفضل ثنا محمّد بن عليٍّ أنبأ أبو وهبٍ ثنا بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان قوله: {إلا على الخاشعين} « يعني به المتواضعين». ). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 103] قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {إلا على الخاشعين} « يقول إلا على المؤمنين حقا».). [تفسير مجاهد: 74] قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو زكريّا العنبريّ، ثنا محمّد بن عبد السّلام، ثنا إسحاق بن إبراهيم، أنبأ عبد الرّزّاق، أنبأ معمرٌ، عن الزّهريّ، عن حميد بن عبد الرّحمن بن عوفٍ، عن أمّه أمّ كلثوم بنت عقبة، وكانت من المهاجرات الأول، في قول اللّه عزّ وجلّ: {واستعينوا بالصّبر والصّلاة} قالت: غشي على عبد الرّحمن بن عوفٍ غشيةً، فظنّوا أنّه فاض نفسه فيها، فخرجت امرأته أمّ كلثومٍ إلى المسجد، تستعين بما أمرت به من الصّبر والصّلاة، فلمّا أفاق قال: «أغشي عليّ آنفًا؟» قالوا: نعم، قال: « صدقتم إنّه جاءني ملكان فقالا: انطلق نحاكمك إلى العزيز الأمين، فقال ملكٌ آخر: أرجعاه فإنّ هذا ممّن كتبتم له السّعادة، وهم في بطون أمّهاتهم، ويستمتع به بنوه ما شاء اللّه». «فعاش بعد ذلك شهرًا ثمّ مات» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين، ولم يخرّجاه "). [المستدرك: 2 / 296] قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني إسماعيل بن محمّد بن الفضل بن محمّدٍ، ثنا جدّي، ثنا عمرو بن عونٍ الواسطيّ، ثنا هشيمٌ، أنبأ خالد بن صفوان، عن زيد بن عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما، قال: " جاءه نعي بعض أهله، وهو في سفرٍ، فصلّى ركعتين، ثمّ قال: « فعلنا ما أمر اللّه: {استعينوا بالصّبر والصّلاة} [البقرة: 153]». «هذا حديثٌ صحيح الإسناد، ولم يخرّجاه» ). [المستدرك: 2 / 296] قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين}. أخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {واستعينوا بالصبر والصلاة} قال: « إنهما معونتان من الله فاستعينوا بهما». وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب العزاء، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: « الصبر اعتراف العبد لله بما أصاب منه واحتسابه عند الله رجاء ثوابه وقد يجزع الرجل وهو متجلد لا يرى منه إلا الصبر». وأخرج ابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب قال: « الصبر صبران: صبر عند المصيبة حسن وأحسن منه الصبر عن محارم الله». وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال: « الصبر بابين الصبر لله فيما أحب وإن ثقل على الأنفس والأبدان والصبر عما كره وإن نازعت إليه الأهواء فمن كان هكذا فهو من الصابرين الذين يسلم عليهم إن شاء الله تعالى». وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الصبر وأبو الشيخ في الثواب والديلمي في مسند الفردوس، عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « الصبر ثلاثة فصبر على المصيبة وصبر على الطاعة وصبر على المعصية». وأخرج أحمد، وعبد بن حميد في مسنده والترمذي وحسنه، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان وفي الأسماء والصفات عن ابن عباس قال: كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: « يا غلام ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن». قلت: بلى، قال: « احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده أمامك تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة وأعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وإن الخلائق لو اجتمعوا على أن يعطوك شيئا لم يرد الله أن يعطيكه لم يقدروا على ذلك أو أن يصرفوا عنك شيئا أراد الله أن يعطيكه لم يقدروا على ذلك وأن قد جف القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة فإذا سألت فسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله وإذا اعتصمت فاعتصم بالله واعمل لله بالشكر في اليقين وأعلم أن الصبر على ما تكره خير كثير وإن النصر مع الصبر وإن الفرج مع الكرب إن مع العسر يسرا». وأخرج الدارقطني في الأفراد، وابن مردويه والبيهقي والأصبهاني في الترغيب عن سهل بن سعد الساعدي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن عباس: « ألا أعلمك كلمات تنتفع بهن». قال: بلى يا رسول الله، قال: « احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده أمامك تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة فإذا سألت فسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله جف القلم بما هو كائن فلو جهد العباد أن ينفعوك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه ولو جهد العباد أن يضروك بشيء لم يكتبه الله عليك لم يقدروا عليه فإن استطعت أن تعمل لله بالصدق في اليقين فافعل فإن لم تستطع فإن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا وأعلم أن النصر مع الصبر وإن الفرج مع الكرب وإن مع العسر يسرا». وأخرج الحكيم والترمذي في نوادر الأصول عن ابن عباس قال: كنت ذات يوم رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « ألا أعلمك خصالا ينفعك الله بهن». قلت: بلى، قال: « عليك بالعلم فإن العلم خليل المؤمن، والحلم وزيره، والعقل دليله، والعمل قيمه، والرفق أبوه واللين أخوه، والصبر أمير جنوده». وأخرج البيهقي في شعب الإيمان والخرائطي في كتاب الشكر عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « الإيمان نصفان، فنصف في الصبر ونصف في الشكر». وأخرج البيهقي عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « الصبر نصف الإيمان واليقين الإيمان كله». وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد والطبراني والبيهقي عن ابن مسعود موقوفا مثله، وقال البيهقي: إنه المحفوظ. وأخرج البيهقي عن علي بن أبي طالب قال: « الإيمان على أربع دعائم، على الصبر والعدل واليقين والجهاد». وأخرج ابن أبي شيبة والبيهقي، عن جابر بن عبد الله قال: قيل يا رسول الله أي الإيمان أفضل؟ قال: « الصبر والسماحة»، قيل: فأي المؤمنين أكمل إيمانا؟ قال: « أحسنهم خلقا». وأخرج البيهقي عن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي عن أبيه عن جده قال: بينا أنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءه رجل فقال: يا رسول الله ما الإيمان؟ قال: « الصبر والسماحة»، قال: فأي الإسلام أفضل؟ قال: « من سلم المسلمون من لسانه ويده»، قال: فأي الهجرة أفضل؟ قال: « من هجر السوء»، قال: فأي الجهاد أفضل؟ قال: « من أهرق دمه وعقر جواده»، قال: فأي الصدقة أحسن أفضل؟ قال: « جهد المقل» ، قال: فأي الصلاة أفضل؟ قال: « طول القنوت». وأخرج أحمد والبيهقي عن عبادة بن الصامت قال: قال رجل يا رسول الله أي العمل أفضل؟ قال: « الصبر والسماحة» ، قال: أريد أفضل من ذلك، قال: «لا تتهم الله في شيء من قضائه». وأخرج البيهقي عن الحسن قال: «الإيمان الصبر والسماحة الصبر عن محارم الله وأداء فرائض الله». وأخرج ابن أبي شيبة في كتاب الإيمان والبيهقي، عن علي، قال: «الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد إذا قطع الرأس نتن باقي الجسد ولا إيمان لمن لا صبر له». وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن الحسن، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ادخل نفسك في هموم الدنيا واخرج منها بالصبر وليردك عن الناس ما تعلم من نفسك». وأخرج البيهقي عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قضى نهمته في الدنيا حيل بينه وبين شهوته في الآخرة، ومن مد عينيه إلى زينة المترفين كان مهينا في ملكوت السماء، ومن صبر على القوت الشديد أسكنه الله الفردوس حيث شاء». وأخرج أحمد ومسلم والترمذي، وابن ماجه والبيهقي واللفظ له عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «قد أفلح من أسلم وكان رزقه كفافا وصبر على ذلك». وأخرج البيهقي عن أبي الحويرث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «طوبى لمن رزقه الله الكفاف وصبر عليه». وأخرج البيهقي عن عسعس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد رجلا فسأل عنه فجاء فقال: يا رسول الله إني أردت أن آتي هذا الجبل فأخلو فيه وأتعبد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« لصبر أحدكم ساعة على ما يكره في بعض مواطن الإسلام خير من عبادته خاليا أربعين سنة». وأخرج البيهقي من طريق عسعس بن سلامة عن أبي حاضر الأسدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد رجلا فسأل عنه فقيل: إنه قد تفرد يتعبد، فبعث إليه فأتى إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا إن موطنا من مواطن المسلمين أفضل من عبادة الرجل وحده ستين سنة»، قالها ثلاثا. وأخرج البخاري في الأدب والترمذي، وابن ماجه عن ابن عمر عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «المسلم الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم». وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أيكم يسره أن يقيه الله من فيح حهنم، ثم قال: ألا إن عمل الجنة خزن بربوة ثلاثا ألا إن عمل النهار سهل لشهوة ثلاثا والسعيد من وقي الفتن ومن ابتلي فصبر فيا لها ثم يا لها». وأخرج البيهقي وضعفه عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما صبر أهل بيت على جهد ثلاثا إلا أتاهم الله برزق». وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول من حديث ابن عمر، مثله. وأخرج البيهقي من وجه آخر ضعيف عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « من جاع أو احتاج فكتمه الناس كان حقا على الله أن يرزقه رزق سنة من حلال». وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال: «ما من مؤمن تقي يحبس الله عنه الدنيا ثلاثة أيام وهو في ذلك راض عن الله من غير جزع إلا وجبت له الجنة». وأخرج البيهقي عن شريح قال: « إني لأصاب بالمصيبة فأحمد الله عليها أربع مرات: أحمده إذ لم تكن أعظم مما هي وأحمده إذ رزقني الصبر عليها وأحمده إذ وفقني للاسترجاع لما أرجو فيه من الثواب وأحمده إذ لم يجعلها في ديني». وأخرج ابن أبي الدنيا والبيهقي عن الحسن قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: «هل منكم من يريد أن يؤتيه الله علما بغير تعلم وهديا بغير هداية، هل منكم من يريد أن يذهب الله عنه العمى ويجعله بصيرا، ألا إنه من زهد الدنيا وقصر أمله فيها أعطاه الله علما بغير تعلم وهدى بغير هداية، ألا إنه سيكون بعدكم قوم لا يستقيم لهم الملك إلا بالقتل والتجبر، ولا الغنى إلا بالبخل والفخر، ولا المحبة إلا باللاستجرام في الدين واتباع الهوى، ألا فمن أدرك ذلك الزمان منكم فصبر للفقر وهو يقدر على الغنى وصبر للبغضاء وهو يقدر على المحبة وصبر على الذل وهو يقدر على العز لا يريد بذلك إلا وجه الله أعطاه ثواب خمسين صديقا». وأخرج أحمد في الزهد والبيهقي عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الإيمان الصبر والسماحة». وأخرج مالك وأحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي والبيهقي عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنه من يستعف يعفه الله ومن يستغن يغنه الله ومن يتصبر يصبره الله ولم تعطوا عطاءا خيرا وأوسع من الصبر». وأخرج أحمد في الزهد عن عمر بن الخطاب قال: «وجدنا خير عيشنا الصبر». وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ميمون بن مهران قال: «ما نال رجلا من جسيم الخير شيء إلا بالصبر». ). [الدر المنثور: 1 / 348 - 358] قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأمّا قوله تعالى: {والصلاة}. أخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله: {واستعينوا بالصبر والصلاة} قال: «على مرضاة الله واعلموا أنهما من طاعة الله». وأخرج أحمد وأبو داود، وابن جرير عن حذيفة قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حز به أمر فزع إلى الصلاة». وأخرج ابن أبي الدنيا، وابن عساكر عن أبي الدرداء قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كانت ليلة ريح كان مفزعه إلى المسجد حتى يسكن وإذا حدث في السماء حدث من كسوف شمس أو قمر كان مفزعه إلى الصلاة». وأخرج أحمد والنسائي، وابن حبان عن صهيب عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «كانوا - يعني الأنبياء - يفزعون إذا فزعوا إلى الصلاة». وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر والحاكم والبيهقي في شعب الإيمان عن ابن عباس، أنه كان في مسير له فنعي إليه ابن له فنزل فصلى ركعتين ثم استرجع وقال: «فعلنا كما أمرنا الله فقال: {واستعينوا بالصبر والصلاة}». وأخرج سعيد بن منصور، وابن جرير، وابن المنذر والبيهقي في الشعب عن ابن عباس، أنه نعي إليه أخوه قثم وهو في مسير فاسترجع ثم تنحى عن الطريق فصلى ركعتين أطال فيهما الجلوس ثم قام يمشي إلى راحلته وهو يقول: «{واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين}». وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن عبادة بن محمد بن عبادة بن الصامت قال: لما حضرت عبادة الوفاة قال: «أحرج على إنسان منكم يبكي فإذا خرجت نفسي فتوضؤوا وأحسنوا الوضوء ثم ليدخل كل إنسان منكم مسجدا فيصلي ثم يستغفر لعباده ولنفسه فإن الله تبارك وتعالى قال:{واستعينوا بالصبر والصلاة} ثم أسرعوا بي إلى حفرتي». وأخرج عبد الرزاق في المصنف والبيهقي من طريق معمر عن الزهري عن حميد ابن عبد الرحمن بن عوف عن أمه أم كلثوم بنت عقبة وكانت من المهاجرات الأول في قوله: {واستعينوا بالصبر والصلاة} قالت: «غشي على الرحمن بن عبد الرحمن غشية فظنوا أنه أفاض نفسه فيها فخرجت امرأته أم كلثوم إلى المسجد تستعين بما أمرت به من الصبر والصلاة، فلما أفاق قال: أغشي علي آنفا، قالوا: نعم، قال: صدقتم إنه جاءني ملكان فقالا لي: انطلق نحاكمك إلى العزيز الأمين، فقال ملك أخر: ارجعا فإن هذا ممن كتبت له السعادة وهم في بطون أمهاتهم ويستمع به بنوه ما شاء الله فعاش بعد ذلك شهرا ثم مات». وأخرج البيهقي في الشعب عن مقاتل بن حبان في قوله: {واستعينوا بالصبر والصلاة} يقول: «استعينوا على طلب الآخرة بالصبر على الفرائض والصلاة فحافظوا عليها وعلى مواقيتها وتلاوة القرآن فيها وركوعها وسجودها وتكبيرها والتشهد فيها والصلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم وإكمال ظهورها فذلك إقامتها وإتمامها»، قوله {وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين} يقول: «صرفك عن بيت المقدس إلى الكعبة كبر ذلك على المنافقين واليهود {إلا على الخاشعين} يعني المتواضعين». وأخرج ابن جرير عن الضحاك في قوله: {وإنها لكبيرة} قال: « لثقيلة». وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله: {وإنها لكبيرة} قال: «قال المشركون والله يا محمد إنك لتدعونا إلى أمر كبير، قال: إن الصلاة والإيمان بالله». وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {إلا على الخاشعين} قال: «المصدقين بما أنزل الله». وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله: {إلا على الخاشعين} قال: «المؤمنين حقا». وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله: {إلا على الخاشعين} قال: «الخائفين». ). [الدر المنثور: 1 / 358 - 361] تفسير قوله تعالى: (الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46) ) قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (قال سفيان [الثوري]: قال مجاهد: {وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين} قال: «المؤمنين حقا {الذين يظنون} يعلمون كلّ ظنٍّ في القرآن فهو علم». ). [تفسير الثوري: 45] (م) قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {الّذين يظنّون أنّهم ملاقو ربّهم وأنّهم إليه راجعون} قال أبو جعفرٍ: إن قال لنا قائلٌ: وكيف أخبر اللّه جلّ ثناؤه عمّن قد وصفه بالخشوع له بالطّاعة أنّه يظنّ أنّه ملاقيه، والظّنّ: شكٌّ، والشّاكّ في لقاء اللّه عندك باللّه كافرٌ؟ قيل: إنّ العرب قد تسمّي اليقين ظنًّا، والشّكّ ظنًّا، نظير تسميتهم الظّلمة سدفةً والضّياء سدفةً، والمغيث صارخًا، والمستغيث صارخًا، وما أشبه ذلك من الأسماء الّتي تسمّي بها الشّيء وضدّه. وممّا يدلّ على أنّه يسمّى به اليقين قول دريد بن الصّمّة: فقلت لهم ظنّوا بألفي مدجّجٍ ....... سراتهم في الفارسيّ المسرّد يعني بذلك: تيقّنوا ألفي مدجّجٍ تأتيكم. وقول عميرة بن طارقٍ: بأن تغتزوا قومي وأقعد فيكم ....... وأجعل منّي الظّنّ غيبًا مرجّما يعني: وأجعل منّي اليقين غيبًا مرجّمًا. والشّواهد من أشعار العرب وكلامها على أنّ الظّنّ في معنى اليقين أكثر من أن تحصى، وفيما ذكرنا لمن وفّق لفهمه كفايةٌ. ومنه قول اللّه جلّ ثناؤه: {ورأى المجرمون النّار فظنّوا أنّهم مواقعوها} وبمثل الّذي قلنا في ذلك جاء تفسير المفسّرين. ذكر من قال ذلك: - حدّثني المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية، في قوله: {يظنّون أنّهم ملاقو ربّهم} قال: «إنّ الظّنّ ههنا يقينٌ». - وحدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن جابرٍ، عن مجاهدٍ، قال: «كلّ ظنٍّ في القرآن يقينٌ، إنّي ظننت وظنّوا». - وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو داود الحفريّ، عن سفيان، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: «كلّ ظنٍّ في القرآن فهو علمٌ». - وحدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {الّذين يظنّون أنّهم ملاقو ربّهم} «أمّا يظنّون فيستيقنون». - وحدّثني القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، قال: قال ابن جريجٍ: {الّذين يظنّون أنّهم ملاقو ربّهم} «علموا أنّهم ملاقو ربّهم، هي كقوله: {إنّي ظننت أنّي ملاقٍ حسابيه} يقول علمت». - وحدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: في قوله: {الّذين يظنّون أنّهم ملاقو ربّهم} قال: « لأنّهم لم يعاينوا، فكان ظنّهم يقينًا، وليس ظنًّا في شكٍّ. وقرأ: {إنّي ظننت أنّي ملاقٍ حسابيه}». ). [جامع البيان: 1 / 623 - 625] قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {أنّهم ملاقو ربّهم}. قال أبو جعفرٍ: إن قال لنا قائلٌ: وكيف قيل إنّهم ملاقو ربّهم فأضيف الملاقون إلى الرّبّ جلّ ثناؤه وقد علمت أنّ معناه: الّذين يظنّون أنّهم يلقون ربّهم؟ وإذا كان المعنى كذلك، فمن كلام العرب ترك الإضافة وإثبات النّون، وإنّما تسقط النّون وتضيف في الأسماء المبنيّة من الأفعال إذا كانت بمعنى فعل، فأمّا إذا كانت بمعنى يفعل وفاعلٌ، فشأنها إثبات النّون، وترك الإضافة. قيل: لا تدافع بين جميع أهل المعرفة بلغات العرب وألسنها في إجازة إضافة الاسم المبنيّ من فعل ويفعل، وإسقاط النّون وهو بمعنى يفعل وفاعلٌ، أعني بمعنى الاستقبال وحال الفعل ولمّا ينقض، فلا وجه لمسألة السّائل عن ذلك: لم قيل؟ وإنّما اختلف أهل العربيّة في السّبب الّذي من أجله أضيف وأسقطت النّون. فقال نحويّو البصرة: أسقطت النّون من: {ملاقو ربّهم} وما أشبهه من الأفعال الّتي في لفظ الأسماء وهي في معنى يفعل أوفي معنى ما لم ينقض من الفاعل استثقالاً لها، وهي مرادةٌ كما قال جلّ ثناؤه: {كلّ نفسٍ ذائقة الموت} وكما قال: {إنّا مرسلو النّاقة فتنةً لهم} ولمّا يرسلها بعد؛ وكما قال الشّاعر: هل أنت باعث دينارٍ لحاجتنا ....... أو عبد ربٍّ أخا عون بن مخراق فأضاف باعثً إلى الدّينار، ولمّا يبعث، ونصب عبد ربٍّ عطفًا على موضع دينارٍ لأنّه في معنى نصبٍ وإن خفض وكما قال الآخر: الحافظو عورة العشيرة لا ....... يأتيهم من ورائهم نطف بنصب العورة وخفضها. فالخفض على الإضافة، والنّصب على حذف النّون استثقالاً، وهي مرادةٌ. وهذا قول نحويّي البصرة. وأمّا نحويّو الكوفة فإنّهم قالوا: جائزٌ في {ملاقو} الإضافة، وهي في معنى يلقون، وإسقاط النّون منه لأنّه في لفظ الأسماء، فله في الإضافة إلى الأسماء حظٌّ الأسماء، وكذلك حكم كلّ اسمٍ له كان نظيرًا. قالوا: وإذا أثبتّ في شيءٍ من ذلك النّون وتركت الإضافة، فإنّما تفعل ذلك به لأنّ له معنى يفعل الّذي لم يكن ولم يجب بعد. قالوا: فالإضافة فيه للفظٍ، وترك الإضافة للمعنى. فتأويل الآية إذًا: واستعينوا على الوفاء بعهدي بالصّبر عليه والصّلاة، وإنّ الصّلاة لكبيرةٌ إلاّ على الخائفين عقابي، المتواضعين لأمري، الموقنين بلقائي والرّجوع إليّ بعد مماتهم. وإنّما أخبر اللّه جلّ ثناؤه أنّ الصّلاة كبيرةٌ إلاّ على من هذه صفته؛ لأنّ من كان غير موقنٍ بمعادٍ ولا مصدّقٍ بمرجعٍ ولا ثوابٍ ولا عقابٍ، فالصّلاة عنده عناءٌ وضلالٌ، لأنّه لا يرجو بإقامتها إدراك نفعٍ ولا دفع ضرٍّ، وحقٌّ لمن كانت هذه الصّفة صفته أن تكون الصّلاة عليه كبيرةً، وإقامتها عليه ثقيلةً، وله فادحةً. وإنّما خفّت على المؤمنين المصدّقين بلقاء اللّه، الرّاجين عليها جزيل ثوابه، الخائفين بتضييعها أليم عقابه، لما يرجون بإقامتها في معادهم من الوصول إلى ما وعد اللّه عليها أهلها، ولما يحذرون بتضييعها ما أوعد مضيّعها. فأمر اللّه جلّ ثناؤه أحبار بني إسرائيل الّذين خاطبهم بهذه الآيات أن يكونوا من مقيميها الرّاجين ثوابها إذا كانوا أهل يقينٍ بأنّهم إلى اللّه راجعون وإيّاه في القيامة ملاقون). [جامع البيان: 1 / 625 - 627] قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأنّهم إليه راجعون}. قال أبو جعفرٍ: والهاء والميم اللّتان في قوله: {وأنّهم} من ذكر الخاشعين، والهاء في إليه من ذكر الرّبّ تعالى ذكره في قوله: {ملاقو ربّهم} فتأويل الكلمة: وإنّها لكبيرةٌ إلاّ على الخاشعين الموقنين أنّهم إلى ربّهم راجعون. ثمّ اختلف في تأويل الرّجوع الّذي في قوله: {وأنّهم إليه راجعون}. فقال بعضهم بما حدّثني به المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: في قوله: {وأنّهم إليه راجعون} قال: «يستيقنون أنّهم يرجعون إليه يوم القيامة». وقال آخرون: معنى ذلك أنّهم إليه يرجعون بموتهم. وأولى التّأويلين بالآية القول الّذي قاله أبو العالية؛ لأنّ اللّه تعالى ذكره، قال في الآية الّتي قبلها {كيف تكفرون باللّه وكنتم أمواتًا فأحياكم ثمّ يميتكم ثمّ يحييكم ثمّ إليه ترجعون} فأخبر اللّه، جلّ ثناؤه أنّ مرجعهم، إليه بعد نشرهم وإحيائهم من مماتهم، وذلك لا شكّ يوم القيامة، فكذلك تأويل قوله: {وأنّهم إليه راجعون} ). [جامع البيان: 1 / 628] قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {الّذين يظنّون أنّهم ملاقو ربّهم وأنّهم إليه راجعون (46)} قوله: {الّذين يظنّون أنّهم ملاقوا ربّهم} - حدّثنا عصام بن روّاد بن الجرّاح ثنا آدم ثنا أبو جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية في قوله: {الّذين يظنّون أنّهم ملاقوا ربهم} قال: «الظن ها هنا يقين». - حدّثنا أبي ثنا يحيى بن المغيرة أنبأ جريرٌ عن يعقوب عن جعفرٍ عن سعيدٍ في قوله: {الذين يظنون أنهم ملاقوا ربّهم} قال: « الّذين شروا أنفسهم للّه، ووطّنوها على الموت» - قال أبو محمّدٍ: وروي عن مجاهدٍ والسّدّيّ والرّبيع بن أنسٍ وقتادة نحو ما روينا عن أبي العالية). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 103 - 104] قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وأنّهم إليه راجعون} - حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم ثنا أبو جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية في قوله: {وأنّهم إليه راجعون} قال: «يستيقنون أنّهم يرجعون إليه يوم القيامة». ). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 104] قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون} أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: «كل ظن في القرآن فهو يقين». وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: «ما كان من ظن الآخرة فهو علم». وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله: {وأنهم إليه راجعون} قال: «يسيقنون أنهم راجعون إليه يوم القيامة». ). [الدر المنثور: 1 / 361 - 362] تفسير قوله تعالى: (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47) ) قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن قتادة في قوله تعالى: {وأني فضلتكم على العالمين} قال: «فضلوا على عالم ذلك الزمان».). [تفسير عبد الرزاق: 1 / 44 - 45] قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا معمر عن بهز بن حكيم بن معاوية القشيري عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله يقول: «أنتم تتمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله». ). [تفسير عبد الرزاق: 1 / 45] قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر وقال الكلبي: « أنتم خير الناس للناس».). [تفسير عبد الرزاق: 1 / 45] قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم وأنّي فضّلتكم على العالمين} قال أبو جعفرٍ: وتأويل ذلك في هذه الآية نظير تأويله في الّتي قبلها في قوله: {اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي} وقد ذكرته هنالك). [جامع البيان: 1 / 628] قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وأنّي فضّلتكم على العالمين}. قال أبو جعفرٍ: وهذا أيضًا ممّا ذكّرهم جلّ ثناؤه من آلائه ونعمه عندهم ويعني بقوله: {وأنّي فضّلتكم على العالمين} أنّي فضّلت أسلافكم، فنسب نعمه على آبائهم وأسلافهم إلى أنّها نعمٌ منه عليهم، إذ كانت مآثر الآباء مآثر للأبناء، والنّعم عند الآباء نعمًا عند الأبناء، لكون الأبناء من الآباء، وأخرج جلّ ذكره قوله: {وأنّي فضّلتكم على العالمين} مخرج العموم، وهو يريد به خصوصًا؛ لأنّ المعنى: وأنّي فضّلتكم على عالم من كنتم بين ظهريه وفي زمانه. - كالّذي حدّثنا به، محمّد بن عبد الأعلى الصّنعانيّ، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، وحدّثنا الحسن بن يحيى، قال: حدّثنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: {وأنّي فضّلتكم على العالمين} قال: «فضّلهم على عالم ذلك الزّمان». - حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: {وأنّي فضّلتكم على العالمين} قال: «بما أعطوا من الملك والرّسل والكتب على عالم من كان في ذلك الزّمان، فإنّ لكلّ زمانٍ عالمًا». - وحدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: «على من هم بين ظهرانيه». - حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال مجاهدٌ: في قوله: {وأنّي فضّلتكم على العالمين} قال: «على من هم بين ظهرانيه». - وحدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: سألت ابن زيدٍ عن قول اللّه: {وأنّي فضّلتكم على العالمين} قال: «عالم أهل ذلك الزّمان». وقرأ قول اللّه: {ولقد اخترناهم على علمٍ على العالمين} قال: «هذه لمن أطاعه واتّبع أمره، وقد كان فيهم القردة وهم أبغض خلقه إليه، وقال لهذه الأمّة: {كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس} قال: هذه لمن أطاع اللّه واتّبع أمره واجتنب محارمه». قال أبو جعفرٍ: والدّليل على صحّة ما قلنا من أنّ تأويل ذلك على الخصوص الّذي وصفنا. - ما حدّثني به، يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا ابن عليّة، وحدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، جميعًا، عن بهز بن حكيمٍ، عن أبيه، عن جدّه، قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «ألا إنّكم وفّيتم سبعين أمّةً». قال يعقوب في حديثه: «أنتم آخرها»، وقال الحسن: «أنتم خيرها وأكرمها على اللّه». فقد أنبأ هذا الخبر عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّ بني إسرائيل لم يكونوا مفضّلين على أمّة محمّدٍ عليه الصّلاة والسّلام، وأنّ معنى قوله: {وفضّلناهم على العالمين} وقوله: {وأنّي فضّلتكم على العالمين} على ما بيّنّا من تأويله. وقد أتينا على بيان تأويل قوله: {العالمين} بما فيه الكفاية في غير هذا الموضع، فأغنى ذلك عن إعادته). [جامع البيان: 1 / 629 - 630] قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ( {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم وأنّي فضّلتكم على العالمين (47) واتّقوا يومًا لا تجزي نفسٌ عن نفسٍ شيئًا ولا يقبل منها شفاعةٌ ولا يؤخذ منها عدلٌ ولا هم ينصرون (48)} قوله: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم} - حدّثنا أبو زرعة ثنا صفوان ثنا الوليد أخبرنا سعيدٌ عن قتادة أنّ عمر بن الخطّاب كان إذا تلا: {اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم} قال: «مضى القوم، وإنّما يعني به أنتم». وقد تقدّم تفسير هذه الآية). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 104] قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {وأنّي فضّلتكم على العالمين} - حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم ثنا أبو جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية:{وأنّي فضّلتكم على العالمين} قال: « بما أعطوا من الملك والرّسل والكتب على عالم من كان في ذلك الزّمان، فإنّ لكلّ زمانٍ عالمًا»- قال أبو محمّدٍ: وروي عن مجاهدٍ، والرّبيع بن أنسٍ وقتادة وإسماعيل بن أبي خالدٍ نحو ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 104] قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: {وأني فضلتكم على العالمين} قال: «على من بين ظهريهم». ). [تفسير مجاهد: 74] قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمني التي أنعمت عليكم وإني فضلتكم على العالمين}. أخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عمر بن الخطاب أنه كان إذا تلا {اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم} قال: «مضى القوم وإنما يعني به أنتم». وأخرج ابن جرير عن سفيان بن عينية في قوله: {اذكروا نعمتي} قال: «إيادي الله عليكم وأيامه». وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم} قال: «نعمة الله التي أنعم على بني إسرائيل فيما سمي وفيما سوى ذلك فجر لهم الحجر وأنزل عليهم المن والسلوى وأنجاهم من عبودية آل فرعون». وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد عن قتادة في قوله: {وأني فضلتكم على العالمين} قال: «فضلوا على العالم الذي كانوا فيه ولكل زمان عالم». وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله: {وأني فضلتكم على العالمين} قال: «على من هم بين ظهريه». وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله: {وأني فضلتكم على العالمين} قال: «بما أعطوا من الملك والرسل والكتب على من كان في ذلك الزمان فإن لكل زمان عالما». ). [الدر المنثور: 1 / 362 - 363] تفسير قوله تعالى: (وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48) ) قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (نا عمر عن قتادة في قوله: {لا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل} «لو جاءت بكل شيء لم يقبل منها». ). [تفسير عبد الرزاق: 1 / 45]قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واتّقوا يومًا لا تجزي نفسٌ عن نفسٍ شيئًا} قال أبو جعفرٍ: وتأويل قوله: {واتّقوا يومًا لا تجزي نفسٌ عن نفسٍ شيئًا} واتّقوا يومًا لا تجزي فيه نفسٌ عن نفسٍ شيئًا. وجائزٌ أيضًا أن يكون تأويله: واتّقوا يومًا لا تجزيه نفسٌ عن نفسٍ شيئًا، كما قال الرّاجز: قد صبحت صبّحها السّلام ....... بكبدٍ خالطها سنام. في ساعةٍ يحبّها الطّعام وهو يعني: يحبّ فيها الطّعام، فحذفت الهاء الرّاجعة على اليوم، إذ فيه اجتزاءٌ بما ظهر من قوله: {واتّقوا يومًا لا تجزي نفسٌ} الدّالّ على المحذوف منه عمّا حذف، إذ كان معلومًا معناه. وقد زعم قومٌ من أهل العربيّة أنّه لا يجوز أن يكون المحذوف في هذا الموضع إلاّ الهاء. وقال آخرون: لا يجوز أن يكون المحذوف إلاّ فيه. وقد دلّلنا فيما مضى على جواز حذف كلّ ما دلّ الظّاهر من الكلام عليه. وأمّا المعنى في قوله: {واتّقوا يومًا لا تجزي نفسٌ عن نفسٍ شيئًا} فإنّه تحذيرٌ من اللّه تعالى ذكره عباده الّذين خاطبهم بهذه الآية عقوبته أن تحلّ بهم يوم القيامة، وهو اليوم الّذي لا تجزي فيه نفسٌ عن نفسٍ شيئًا، ولا يجزي فيه والدٌ عن ولده، ولا مولودٌ هو جازٍ عن والده شيئًا. وأمّا تأويل قوله: {لا تجزي نفسٌ} فإنّه يعني: لاتغني. - كما حدّثني به، موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرٌو، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {واتّقوا يومًا لا تجزي نفسٌ} أمّا تجزي: فتغني وأصل الجزاء في كلام العرب: القضاء والتّعويض يقال: جزيته قرضه ودينه أجزيه جزاءً، بمعنى: قضيته دينه، ومن ذلك قيل: جزى اللّه فلانًا عنّي خيرًا أو شرًّا، بمعنى: أثابه عنّي وقضاه عنّي ما لزمني له بفعله الّذي سلف منه إليّ. وقد قال قومٌ من أهل العلم بلغة العرب: يقال: أجزيت عنه كذا: إذا أعنته عليه، وجزيت عنك فلانًا: إذا كافأته. وقال آخرون منهم: بل جزيت عنك: قضيت عنك، وأجزيت: كفيت. وقال آخرون منهم: بل هما بمعنى واحدٍ، يقال: جزت عنك شاةٌ وأجزت، وجزى عنك درهمٌ وأجزى، ولا تجزي عنك شاةٌ ولا تجزي بمعنى واحدٍ، إلاّ أنّهم ذكروا أنّ جزت عنك ولا تجزي عنك من لغة أهل الحجاز، وأنّ أجزأ وتجزئ من لغة غيرهم. وزعموا أنّ تميمًا خاصّةً من بين قبائل العرب تقول: أجزأت عنك شاةٌ، وهي تجزئ عنك. وزعم آخرون أنّ جزي بلا همزٍ: قضى، وأجزأ بالهمز: كافأ. فمعنى الكلام إذًا: واتّقوا يومًا لا تقضي نفسٌ عن نفسٍ شيئًا ولا تغني عنها غنًى. فإن قال لنا قائلٌ: وما معنى: لا تقضي نفسٌ عن نفسٍ شيئا، ولا تغني عنها غنًى؟ قيل: هو أنّ أحدنا اليوم ربّما قضى عن ولده أو والده أو ذي الصّداقة والقرابة دينه؛ وأمّا في الآخرة فإنّه فيما أتتنا به الأخبار عنها يسرّ الرّجل أن يبرد له على ولده أو والده حقٌّ، وذلك أنّ قضاء الحقوق في القيامة من الحسنات والسّيّئات. - كما حدّثنا أبو كريبٍ، ونصر بن عبد الرّحمن الأوديّ، قالا: حدّثنا المحاربيّ، عن أبي خالدٍ الدّولانيّ يزيد بن عبد الرّحمن، عن زيد بن أبي أنيسة، عن سعيد بن أبي سعيدٍ المقبريّ، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «رحم اللّه عبدًا كانت عنده لأخيه مظلمةٌ في عرضٍ». قال أبو كرٍيب في حديثه: «أو مالٍ أو جاءهٍ، فاستحلّه قبل أن يؤخذ منه وليس ثمّ دينارٌ ولا درهمٌ، فإن كانت له حسناتٌ أخذوا من حسناته، وإن لم تكن له حسناتٌ حملوا عليه من سيّئاتهم». - حدّثنا أبو عثمان المقدّميّ، قال: حدّثنا الفرويّ، قال: حدّثنا مالكٌ، عن المقبريّ، عن أبيه، عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بنحوه. - حدّثنا خلاّد بن أسلم، قال: حدّثنا أبو همّامٍ الأهوازيّ، قال: أخبرنا عبد اللّه بن سعيدٍ، عن سعيد عن أبي هريرة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم بنحوه. - حدّثنا موسى بن سهلٍ الرّمليّ، قال: حدّثنا نعيم بن حمّادٍ، قال: حدّثنا عبد العزيز الدّراورديّ، عن عمرو بن أبي عمرٍو، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا يموتنّ أحدكم وعليه دينٌ، فإنّه ليس هناك دينارٌ ولا درهمٌ، إنّما تقتسمون هناك الحسنات والسّيّئات» وأشار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بيده يمينًا وشمالاً. - حدّثني محمّد بن إسحاق، قال: قال: حدّثنا سالم بن قآدم، قال: حدّثنا أبو معاوية هاشم بن عيسى، قال: أخبرني الحارث بن مسلمٍ، عن الزّهريّ، عن أنس بن مالكٍ، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بنحو حديث أبي هريرة. قال أبو جعفرٍ: فذلك معنى قوله جلّ ثناؤه: {لا تجزي نفسٌ عن نفسٍ شيئًا}يعني أنّها لا تقضي عنها شيئًا لزمها لغيرها؛ لأنّ القضاء هنالك من الحسنات والسّيّئات على ما وصفنا. وكيف يقضي عن غيره غراما لزمه من كان يسرّه أن يثبت له على ولده أو والده حقٌّ، فيأخذه منه ولا يتجافى له عنه؟. وقد زعم بعض نحويّي البصرة أنّ معنى قوله: {لا تجزي نفسٌ عن نفسٍ شيئًا} لا تجزي منها أن تكون مكانها. وهذا قولٌ يشهد ظاهر القرآن على فساده، وذلك أنّه غير معقولٍ في كلام العرب أن يقول القائل: ما أغنيت عنّي شيئًا، بمعنى: ما أغنيت منّي أن تكون مكاني، بل إذا أرادوا الخبر عن شيءٍ أنّه لا يجزي من شيءٍ، قالوا لا يجزي هذا من هذا، ولا يستجيزون أن يقولوا: لا يجزي هذا من هذا شيئًا. فلو كان تأويل قوله: {لا تجزي نفسٌ عن نفسٍ شيئًا} ما قاله من حكينا قوله لقال: {واتّقوا يومًا لا تجزي نفسٌ عن نفسٍ} كما يقال: لا تجزي نفسٌ من نفسٍ، ولم يقل لا تجزي نفسٌ عن نفسٍ شيئًا: وفي صحّة التّنزيل بقوله: لا تجزي نفسٌ عن نفسٍ شيئًا أوضح الدّلالة على صحّة ما قلنا وفساد قول من ذكرنا قوله في ذلك). [جامع البيان: 1 / 631 - 635] قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا يقبل منها شفاعةٌ}. قال أبو جعفرٍ: والشّفاعة مصدرٌ من قول الرّجل: شفع لي فلانٌ إلى فلانٍ شفاعةً، وهو طلبه إليه في قضاء حاجته وإنّما قيل للشّفيع شفيعٌ وشافعٌ لأنّه ثنّى المستشفع به فصار له شفعًا، فكان ذو الحاجة قبل استشفاعه به في حاجته فردًا، فصار صاحبه له فيها شافعًا، وطلبه فيه وفي حاجته شفاعةً؛ ولذلك سمّي الشّفيع في الدّار وفي الأرض شفيعًا لمصير البائع به شفعًا. فتأويل الآية إذًا: واتّقوا يومًا لا تقضي نفسٌ عن نفسٍ حقًّا لزمها للّه جلّ ثناؤه ولا لغيره، ولا يقبل اللّه منها شفاعة شافعٍ، فيترك لها ما لزمها من حقٍّ. وقيل: إنّ اللّه عزّ وجلّ خاطب أهل هذه الآية بما خاطبهم به فيها لأنّهم كانوا من يهود بني إسرائيل، وكانوا يقولون: نحن أبناء اللّه وأحبّاؤه وأولاد أنبيائه، وسيشفع لنا عنده آباؤنا. فأخبرهم اللّه جلّ وعزّ أنّ نفسًا لا تجزي عن نفسٍ شيئًا في القيامة، ولا يقبل منها شفاعة أحدٍ فيها حتّى يستوفى لكلّ ذي حقٍّ منها حقّه. - كما حدّثني عبّاس بن أبي طالبٍ، قال: حدّثنا حجّاج بن نصيرٍ، عن شعبة، عن العوّام بن مزاحمٍ رجلٍ من قيس بن ثعلبة، عن أبي عثمان النّهديّ، عن عثمان بن عفّان: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: « إنّ الجمّاء لتقتصّ من القرناء يوم القيامة». وكما قال اللّه عزّ وجلّ: {ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفسٌ شيئًا} الآية فآيسهم اللّه جلّ ذكره ممّا كانوا أطمعوا فيه أنفسهم من النّجاة من عذاب اللّه مع تكذيبهم بما عرفوا من الحقّ وخلافهم أمر اللّه في اتّباع محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وما جاءهم به من عنده بشفاعة آبائهم وغيرهم من النّاس كلّهم، وأخبرهم أنّه غير نافعهم عنده إلاّ التّوبة إليه من كفرهم والإنابة من ضلالهم، وجعل ما سنّ فيهم من ذلك إمامًا لكلّ من كان على مثل منهاجهم لئلاّ يطمع ذو إلحادٍ في رحمة اللّه. قال أبو جعفرٍ: وهذه الآية وإن كان مخرجها عامًّا في التّلاوة، فإنّ المراد بها خاصٌّ في التّأويل لتظاهر الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: «شفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي» وأنّه قال: «ليس من نبيٍّ إلاّ وقد أعطي دعوةً، وإنّي خبأت دعوتي شفاعةً لأمّتي، وهي نائلةٌ إن شاء اللّه منهم من لا يشرك باللّه شيئًا» فقد تبيّن بذلك أنّ اللّه جلّ ثناؤه قد يصفح لعباده المؤمنين بشفاعة نبيّنا محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم لهم عن كثيرٍ من عقوبة إجرامهم بينه وبينهم، وأنّ قوله: {ولا يقبل منها شفاعةٌ} إنّما هي لمن مات على كفره غير تائبٍ إلى اللّه عزّ وجلّ. وليس هذا من مواضع الإطالة في القول في الشّفاعة والوعد والوعيد، فنستقصي الحجاج في ذلك، وسنأتي على ما فيه الكفاية في مواضعه إن شاء اللّه تعالى). [جامع البيان: 1 / 635 - 637] قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا يؤخذ منها عدلٌ} قال أبو جعفرٍ: والعدل في كلام العرب بفتح العين: الفدية. - كما حدّثنا به المثنّى بن إبراهيم، قال: حدّثنا آدم، قال: حدّثنا أبو جعفرٍ، عن الرّبيع، عن أبي العالية: {ولا يؤخذ منها عدلٌ} قال: «يعني فداءً». - وحدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباط بن نصرٍ، عن السّدّيّ: {ولا يؤخذ منها عدلٌ} «أمّا عدلٌ فيعدلها من العدل، يقول: لو جاءت بملء الأرض ذهبًا تفتدي به ما تقبّل منها». - حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمرٌ، عن قتادة: في قوله: {ولا يؤخذ منها عدلٌ} قال: « لو جاءت بكلّ شيءٍ لم يقبل منها». - حدّثنا القاسم بن الحسن، قال: حدّثنا حسينٌ، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال مجاهدٌ: قال ابن عبّاسٍ: {ولا يؤخذ منها عدلٌ} قال: «بدلٌ، والبدل: الفدية». - حدّثني يونس بن عبد الأعلى، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ: {ولا يؤخذ منها عدلٌ} قال: «لو أنّ لها ملء الأرض ذهبًا لم يقبل منها لم يؤخذ منها فداءٌ قال: ولو جاءت بكلّ شيءٍ لم يقبل منها». - وحدّثني نجيح بن إبراهيم، قال: حدّثنا عليّ بن حكيمٍ، قال: حدّثنا حميد بن عبد الرّحمن، عن أبيه، عن عمرو بن قيسٍ الملائيّ، عن رجلٍ من بني أميّة من أهل الشّام أحسن عليه الثّناء، قال: قيل يا رسول اللّه ما العدل؟ قال: «العدل: الفدية». قال أبو جعفرٍ: وإنّما قيل للفدية من الشّيء والبدل منه عدلٌ، لمعادلته إيّاه وهو من غير جنسه؛ ومصيره له مثلاً من وجه الجزاء، لا من وجه المشابهة في الصّورة والخلقة، كما قال جلّ ثناؤه: {وإن تعدل كلّ عدلٍ لا يؤخذ منها} بمعنى: وإن تفد كلّ فديةٍ لا يؤخذ منها، يقال منه: هذا عدله وعديله. وأمّا العدل بكسر العين، فهو مثل الحمل المحمول على الظّهر، يقال من ذلك: عندي غلامٌ عدل غلامك، وشاةٌ عدل شاتك بكسر العين، إذا كان غلامٌ يعدل غلامًا، وشاةٌ تعدل شاةً، وكذلك ذلك في كلّ مثلٍ للشّيء من جنسه. فإذا أريد أنّ عنده قيمته من غير جنسه نصبت العين فقيل: عندي عدل شاتك من الدّراهم. وقد ذكر عن بعض العرب أنّه يكسر العين من العدل الّذي هو بمعنى الفدية والمعادلة ما عادلته من جهة الجزاء، وذلك لتقارب معنى العدل والعدل عندهم، فأمّا واحد الأعدال فلم يسمع فيه إلاّ عدلٌ بكسر العين). [جامع البيان: 1 / 637 - 639] قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا هم ينصرون} وتأويل قوله: {ولا هم ينصرون} يعني أنّهم يومئذٍ لا ينصرهم ناصرٌ، كما لا يشفع لهم شافعٌ، ولا يقبل منهم عدلٌ ولا فديةٌ. بطلت هنالك المحاباة واضمحلّت الرّشا والشّفاعات، وارتفع بين القوم التّعاون والتّناصر، وصار الحكم إلى العدل الجبّار الّذي لا ينفع لديه الشّفعاء والنّصراء، فيجزي بالسّيّئة مثلها وبالحسنة أضعافها. وذلك نظير قوله جلّ ثناؤه: {وقفوهم إنّهم مسئولون ما لكم لا تناصرون بل هم اليوم مستسلمون}. وكان ابن عبّاسٍ يقول في معنى: {لا تناصرون} ما حدّثت به، عن المنجاب، قال: حدّثنا بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: {ما لكم لا تناصرون} «ما لكم لا تمانعون منّا؟ هيهات ليس ذلك لكم اليوم». وقد قال بعضهم في معنى قوله: {ولا هم ينصرون} وليس لهم من اللّه يومئذٍ نصيرٌ ينتصر لهم من اللّه إذا عاقبهم. وقد قيل: ولا هم ينصرون بالطّلب فيهم والشّفاعة والفدية. قال أبو جعفرٍ: والقول الأوّل أولى بتأويل الآية لما وصفنا من أنّ اللّه جلّ ثناؤه إنّما أعلم المخاطبين بهذه الآية أنّ يوم القيامة يومٌ لا فدية فيه لمن استحقّ من خلقه عقوبته، ولا شفاعة فيه، ولا ناصر له. وذلك أنّ ذلك قد كان لهم في الدّنيا، فأخبر أنّ ذلك يوم القيامة معدومٌ لا سبيل لهم إليه). [جامع البيان: 1 / 639 - 640] قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {واتّقوا يومًا لا تجزي نفسٌ عن نفسٍ شيئًا} - حدّثنا أبو زرعة ثنا عمرو بن حمّادٍ بن طلحة ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ: {واتّقوا يومًا لا تجزي نفسٌ عن نفسٍ شيئًا} «أمّا تجزي، فتغني». وكذا فسّره سعيد بن جبيرٍ وأبو مالكٍ). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 104] قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {نفسٌ عن نفسٍ شيئًا} - حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى الأنصاريّ ثنا هارون بن حاتمٍ ثنا عبد الرّحمن ابن أبي حمّادٍ عن أسباطٍ عن السّدّيّ عن أبي مالكٍ: قوله: {لا تجزي نفسٌ عن نفسٍ شيئًا} «يعني لا تغني نفسٌ مؤمنةٌ عن نفسٍ كافرةٍ من المنفعة شيئا». ). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 104] قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ولا يقبل منها شفاعةٌ} - حدّثنا الحسن بن أحمد أبو فاطمة ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن بشّارٍ الواسطيّ، حدّثني سرور بن المغيرة عن عبّاد بن منصورٍ عن الحسن قوله: {ولا يقبل منها شفاعةٌ} فقال: «يوم القيامة يومٌ لا ينفع فيه شفاعة شافعٍ أحدًا» - قال أبو محمّدٍ: يعني من الكفّار. قوله: {ولا يؤخذ منها عدلٌ} [الوجه الأوّل] - حدّثنا عصام بن روّادٍ ثنا آدم ثنا أبو جعفرٍ عن الرّبيع عن أبي العالية في قوله: {ولا يؤخذ منها عدلٌ} «يعني فداءً». وروي عن أبي مالكٍ والحسن وسعيد بن جبيرٍ وقتادة والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك. الوجه الثّاني: - حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع أنبأ عبد الرّزّاق أنبأ الثّوريّ عن الأعمش عن إبراهيم التّيميّ عن أبيه عن عليٍّ في حديثٍ طويلٍ: «والصّرف والعدل: التّطوّع والفريضة». - حدّثنا أبي ثنا عبد الرّحمن بن الضّحّاك ثنا الوليد- يعني ابن مسلمٍ- ثنا عثمان بن أبي العاتكة عن عمير بن هانئٍ في قوله: {ولا يقبل منها شفاعةٌ ولا يؤخذ منها عدلٌ} قال: «لا فريضةٌ ولا نافلةٌ».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 105] قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (قوله: {ولا هم ينصرون} - حدّثنا الحسن بن أحمد أبو فاطمة ثنا إبراهيم بن عبد اللّه بن بشّارٍ الواسطيّ، حدّثني سرور بن المغيرة عن عبّاد بن منصورٍ عن الحسن: {ولا هم ينصرون} فقال: «يوم القيامة».). [تفسير القرآن العظيم: 1 / 105] قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (قوله تعالى: {واتقوا يوما لاتجزى نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون}. أخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس قال: «قرأت على أبي بن كعب {واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس} بالتاء {ولا يقبل منها شفاعة} بالتاء {ولا يؤخذ منها عدل} بالياء». وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {لا تجزي نفس عن نفس شيئا} قال: «لا تغني نفس مؤمنة عن نفس كافرة من المنفعة شيئا». وأخرج ابن جرير عن عمر بن قيس الملائي عن رجل من بني أمية من أهل الشام أحسن الثناء عليه قال: قيل: يا رسول الله ما العدل؟ قال: «العدل الفدية». وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله {ولا يؤخذ منها عدل} قال: «بدل البدل الفدية». وأخرج ابن أبي داود في المصاحف عن الأعمش قال: «في قراءتنا قبل الخمسين من البقرة مكان (لا تقبل منها شفاعة) لا يؤخذ».). [الدر المنثور: 1 / 363- 364] |
التفسير اللغوي تفسير قوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44)} قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({أتأمرون النّاس بالبرّ وتنسون أنفسكم} أي: وتتركون أنفسكم، كما قال: {نسوا اللّه فنسيهم} أي: تركوا اللّه فتركهم). [تفسير غريب القرآن: 47] قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {أتأمرون النّاس بالبرّ وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون (44)} فالألف: ألف استفهام، ومعناه: التقرير والتوبيخ ههنا، كأنه قيل لهم: أنتم على هذه الطريقة، ومعنى هذا الكلام -واللّه أعلم-: أنهم كانوا يأمرون أتباعهم بالتمسك بكتابهم ويتركون هم التمسك به؛ لأن جحدهم النبي صلى الله عليه وسلم: هو تركهم التمسك به. ويجوز -واللّه أعلم-: أنهم كانوا يأمرون ببذل الصدقة وكانوا يضنون بها، لأنهم وصفوا بأنهم قست قلوبهم وأكلوا الربا والسّحت، وكانوا قد نهوا عن الربا فمنع الصدقة داخل في هذا الباب). [معاني القرآن: 1 / 125] قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وتنسون أنفسكم} أي: تتركونها). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 26] تفسير قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45)} قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({واستعينوا بالصّبر والصّلاة وإنها لكبيرةٌ إلاّ على الخاشعين} العرب تقتصر على أحد هذين الاسمين، فأكثره الذي يلى الفعل، قال عمرو بن امرئ القيس -من الخزرج-: نحـن بـمـا عنـدنـا وأنــت بـمـا عندك راضٍ والرأي مختلف الخبر للآخر؛ وفي القرآن مما جعل معناه على الأول قوله: {وإذا رأوا تجارةً أو لهواً انفضّوا إليها}. "الخاشعون": المخبتون المتواضعون). [مجاز القرآن: 1 / 39] قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({واستعينوا بالصّبر والصّلاة وإنّها لكبيرةٌ إلاّعلى الخاشعين} باب الواو: أما قوله: {واستعينوا بالصّبر والصّلاة وإنّها لكبيرةٌ} فلأنه حمل الكلام على "الصلاة"، وهذا كلام منه ما يحمل على الأول ومنه ما يحمل على الآخر، وقال: {واللّه ورسوله أحقّ أن يرضوه} فهذا يجوز على الأول والآخر، وأقيس هذا -إذا ما كان بالواو -أن يحمل عليهما جميعاً، تقول: "زيد وعمرو ذاهبان" وليس هذا مثل "أو"، لأن "أو" إنما يخبر فيه عن أحد الشيئين، وأنت في "أو" بالخيار إن شئت جعلت الكلام على الأول وإن شئت على الآخر، وأن تحمله على الآخر أقيس؛ لأنك إن تجعل الخبر على الاسم الذي يليه فهو أمثل من أن تجاوزه إلى اسم بعيد منه، قال: {وإذا رأوا تجارةً أو لهواً انفضّوا إليها} فحمله على الأول، وقال في موضع آخر: {ومن رّحمته جعل لكم اللّيل والنّهار لتسكنوا فيه}، وقال: {ومن يكسب خطيئةً أو إثماً ثمّ يرم به بريئاً} فحمله على الآخر، قال الشاعر: أمّا الوسامة أو حسن النساء فقد أوتيـت منـه لـو أنّ العقـل محتنـك وقال ابن أحمر: رماني بداءٍ كنت منه ووالدي بريئاً ومـن أجـل الطـويّ رمانـي وقال الآخر: نحـن بـمـا عنـدنـا وأنــت بـمـا عندك راضٍ والرأي مختلف وهذا مثل قول البرجمي: من يك أمسى بالمدينة داره فــإنّــي وقــيّــاراً بــهـــا لـغــريــب وأما قوله: {باتّخاذكم العجل فتوبوا إلى بارئكم} فانتصب {العجل}؛ لأنه مفعول به، تقول: "عجبت من ضربك زيداً"، وقوله: {بارئكم} مهموز لأنه من "برأ اللّه الخلق يبرأ برءاً"، وقد قرأ بعضهم هذه الهمزة بالتخفيف فجعلها بين الهمزة وبين الياء، وقد زعم قوم أنها تُجزم، ولا أرى ذلك إلا غلطاً منهم، سمعوا التخفيف فظنوا أنه مجزوم، والتخفيف لا يفهم إلا بمشافهة ولا يعرف في الكتاب، ولا يجوز الإسكان، إلا أن يكون أسكن وجعلها نحو: "علم" و"قد ضرب" و"قد سمع" ونحو ذلك. سمعت من العرب من يقول: (جاءت رسلنا) جزم اللام، وذلك لكثرة الحركة، قال الشاعر: وأنـــت لـــو بـاكــرت مشـمـولـةً صهبـاء مثـل الـفـرس الأشـقـر رحت وفي رجليك ما فيهما وقـــد بـداهـنــك مــــن الـمـئــزر وقال امرؤ القيس: فاليوم أشرب غير مستحق بٍإثــمـــاً مـــــن الــلّـــه ولا واغــــــل وقال آخر: .....إنّ بني ثمرة فؤادي وقال آخر: يا علقمة يا علقمة يا علقمة خـيــر تـمـيـمٍ كـلّـهــا وأكــرمــه وقال: إذا اعوججن صاحب قوّم بالدّوّ أمثال السفيـن العـوّم ويكون "رسلنا" على الإدغام، يدغم اللام في النون ويجعل فيها غنة. والإسكان في {بارئكم} على البدل، لغة الذين قالوا: "أخطيت"، وهذا لا يعرف). [معاني القرآن: 1 / 62-64] قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {الخاشعين} فالخاشع: المتواضع الذليل؛ وهو المتخاشع، والمصدر الخشوع). [معاني القرآن لقطرب: 305] قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({الخاشعون}: المخبتون المتواضعون). [غريب القرآن وتفسيره: 68] قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({واستعينوا بالصّبر} أي: بالصوم، في قول مجاهد رحمه اللّه. ويقال لشهر رمضان: شهر الصبر، وللصائم صابر، وإنما سمّي الصائم صابراً؛ لأنه حبس نفسه عن الأكل والشرب، وكلّ من حبس شيئاً فقد صبره، ومنه "المصبورة" التي نهي عنها، وهي: البهيمة تجعل غرضًا وترمى حتى تقتل. وإنما قيل للصابر على المصيبة صابر؛ لأنه حبس نفسه عن الجزع). [تفسير غريب القرآن: 47] قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {واستعينوا بالصّبر والصّلاة وإنّها لكبيرة إلّا على الخاشعين (45)} إن قال قائل: لم قيل لهم "استعينوا بالصبر" وما الفائدة فيها ؟ فإن هذا الخطاب أصله خطاب أهل الكتاب، وكانت لهم رئاسة عند أتباعهم، فقيل لهم: استعينوا على ما يذهب عنكم شهوة الرياسة بالصلاة؛ لأن الصلاة يتلى فيها ما يرغب فيما عند اللّه، ويزهد في جميع أمر الدنيا، ودليل ذلك قوله: {إنّ الصّلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر}. وقوله عزّ وجلّ: {وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين} المعنى: إن الصلاة التي معها الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم كبيرة؛ تكبر على الكفار وتعظم عليهم مع الإيمان بالنبي صلى الله عليه وسلم، والخاشع: المتواضع المطيع المجيب؛ لأن المتواضع لا يبالي برياسة كانت له مع كفر إذا انتقل إلى الإيمان). [معاني القرآن: 1 / 125 -126] قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({واستعينوا بالصبر} أي: الصوم، والصائم صابر، بحبسه نفسه عن الأكل والشرب، والصبر أصله: الحبس عن الشيء). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 26-27] قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الصَّبْرِ}: الصوم. {الْخَاشِعِ}: المتواضع). [العمدة في غريب القرآن: 74] تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46)} قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({الّذين يظنّون أنّهم ملاقو ربّهم} معناها: يوقنون، فالظن على وجهين: يقين، وشك؛ قال دريد بن الصّمّة: فقلت لهم ظنّوا بألفى مدجّج سراتهـم فـي الفارسـيّ المسـرّد "ظنّوا" أي: أيقنوا. فلما عصوني كنت منهم وقد أرى غــوايــتــهــم وأنــــنــــي غــــيــــر مـــهـــتـــد أي: حيث تابعتهم؛ وجعله يقيناً). [مجاز القرآن: 1 / 39 -40] قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({الّذين يظنّون أنّهم مّلاقو ربّهم وأنّهم إليه راجعون} باب اسم الفاعل: قال: {الّذين يظنّون أنّهم مّلاقو ربّهم} فأضاف قوله: {مّلاقو ربّهم} ولم يقع الفعل، وإنما يضاف إذا كان قد وقع الفعل تقول: "هم ضاربوا أبيك" إذا كانوا قد ضربوه، وإذا كانوا في حال الضرب أو لم يضربوا قلت: "هم ضاربون أخاك"، إلا أن العرب قد تستثقل النون فتحذفها في معنى إثباتها وهو نحو {مّلاقو ربّهم} مثل {كلّ نفسٍ ذائقةُ الموت} ولم تذق بعد. وقد قال بعضهم: (ذائقةٌ الموت) على ما فسرت لك. وقال الله -جل ثناؤه-: {إنّا مرسلو النّاقة} وهذا قبل الإرسال، ولكن حذفت النون استثقالا. وقال: {وكلبهم باسطٌ ذراعيه} فأثبت التنوين لأنه كان في الحال. وقال: {إنّا كاشفو العذاب قليلاً} على ذلك أيضاً. وزعموا أن هذا البيت ينشد هكذا: هــل أنــت بـاعـث ديـنــارٍ لحاجـتـنـا أو عبد ربٍّ أخا عمرو بن مخراق فأضاف ولم يقع الفعل ونصب الثاني على المعنى لأن الأول فيه نية التنوين، كقول الله جل وعزّ {وجعل اللّيل سكناً والشّمس والقمر حسباناً}، ولو جررت "الشمس" و"القمر" و"عبد رب أخا عمرو" على ما جررت عليه الأول جاز وكان جيدا. وقال: {إنّا منجّوك وأهلك إلاّ امرأتك} فالنصب وجه الكلام لأنك لا تجرى الظاهر على المضمر، والكاف في موضع جرّ لذهاب النون. وذلك لأن هذا إذا سقط على اسم مضمر ذهب منه التنوين والنون إن كان في الحال وإن لم يفعل، تقول: "هو ضاربك الساعة أو غداً" و"هم ضاربوك"، وإذا أدخلت الألف واللام قلت: "هو الضارب زيداً" ولا يكون أن تَجُرّ "زيداً" لأن التنوين كأنه باق في "الضارب" إذا كان فيه الألف واللام، لأن الألف واللام تعاقبان التنوين. وتقول: "هما الضاربان زيداً" و"هما الضاربا زيدٍ" لأن الألف واللام لا تعاقبان التنوين في الاثنين والجمع. فإذا أخرجت النون من الاثنين، والجمع من أسماء الفاعلين، أضفت وإن كان فيه الألف واللام، لأن النون تعاقب الإضافة، وطرح النون ههنا كطرح النون في قولك: "هما ضاربا زيد" ولم يفعلا، لأن الأصل في قولك: "الضاربان" إثبات النون لأن معناه وإعماله مثل معنى "الذي فعل" وإعماله. قال الشاعر: الحافظو عورة العشير لا يأتيـهـم مــن ورائـنـا نـطـف وفي كتاب الله {والمقيمي الصّلاةِ}، وقد نصب بعضهم فقال: (والمقيمي الصّلاةَ)، و"الحافظو عورة" استثقالاً للإضافة كما حذفت نون "اللذين" و"الذين". قال الشاعر: أبـنـي كلـيـبٍ إنّ عـمّـيّ الـلـذا قتلا الملوك وفكّكا الأغلالا وقال: فإنّ الذي حانت بفلجٍ دماؤهم هم القوم كلّ القوم يـا أمّ خالـد فألقى النون. وزعموا أن عيسى بن عمر كان يجيز: فألفيـتـه غـيـر مستعـتـبٍ ولا ذاكر اللّه إلا قليلا كأنه إنما طرح التنوين لغير معاقبة إضافة، وهو قبيح إلا في كل ما كان معناه "اللذين" و"الذين" فحينئذ يطرح منه ما طرح من ذلك. ولو جاز هذا البيت لقلت: "هم ضاربو زيدا" وهذا لا يحسن. وزعموا أن بعض العرب قال: {واعلموا أنّكم غير معجزي اللّه} وهو أبو السمّال وكان فصيحا. وقد قرئ هذا الحرف {إنّكم لذائقو العذاب الأليم} وهو في البيت أمثل لأنه أسقط التنوين لاجتماع الساكنين. وإذا ألحقت النون نصبت لأن الإضافة قد ذهبت، قال: {والمقيمين الصّلاة والمؤتون الزّكاة} [و] قال: {والذّاكرين اللّه كثيراً} قال الشاعر: النازلـون بـكـلّ معـتـرك والطيبون معاقد الأزر ). [معاني القرآن: 1 / 65 -67] قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم} فالظن هاهنا اليقين؛ وكذلك {إني ظننت أني ملاق حسابيه} لا يكون شكا من المؤمنين؛ وهو عند كثير من العرب اليقين؛ وهو قول ابن عباس رحمه الله {الذين يظنون} يعلمون. وقال عميرة بن طارق الحنظلي: بأن تعتزوا قومي وأقعد فيكم = وأجعل مني الظن غيبا مرجما يريد: اليقين. وقال دريد بن الصمة: فظنوا بألفي فارس متلبب = سراتهم في الفارسي المسرد يريد: تيقنوا. وقال أبو علي قطرب: ولو كان شكا، كان المعنى ضعيفًا؛ لأنه لا يريد الشك. وقال أبو داؤد: [معاني القرآن لقطرب: 304] رب هم فرجته بعزيم = وغيوب كشفتها بظنون كأن المعنى بيقين. وكذلك قول أوس فأرسله مستيقن الظن أنه = مخالط ما بين الشراسيف جايف كأن المعنى مستيقن العلم. ومقله قول عدي: أرفع ظني إلى المليك ومن = يلجأ إليه لا ينله الضر). [معاني القرآن لقطرب: 305] قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم}: يوقنون). [غريب القرآن وتفسيره: 68] قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({الّذين يظنّون أنّهم ملاقو ربّهم} أي: يعلمون. و"الظن" بمعنيين: شك ويقين، على ما بينا في كتاب «المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 47] قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {الّذين يظنّون أنّهم ملاقو ربّهم وأنّهم إليه راجعون (46)} "الظن" ههنا في معنى: اليقين، والمعنى: الذين يوقنون بذلك، ولو كانوا شاكين كانوا ضلالا كافرين، و"الظن" بمعنى اليقين موجود في اللغة، قال دريد بن الصمة: فقلت لهم ظنوا بألفي مقاتل سراتهم في الفارسيّ المسرّد ومعناه: أيقنوا. وقد قال بعض أهل العلم من المتقدمين: إن "الظن" يقع في معنى العلم الذي لم تشاهده، وإن كان قام في نفسك حقيقته وهذا مذهب، إلا أن أهل اللغة لم يذكروا هذا. قال أبو إسحاق: وهذا سمعته من إسماعيل بن إسحاق القاضي -رحمه اللّه-، رواه عن زيد بن أسلم. وقوله {أنّهم} ههنا لا يصلح في موضعها (إنهم) -بالكسر- لأن الظن واقع فلا بد من أن تكون تليه "أنّ"، إلا أن يكون في الخبر لام. ويصلح في {أنّهم إليه راجعون} الفتح والكسر، إلا أن الفتح هو الوجه الذي عليه القراءة، فإذا قلت: (وإنهّم إليه راجعون) -في الكلام– حملت الكلام على المعنى كأنه "وهم إليه راجعون" ودخلت أن مؤكدة، ولولا ذلك لما جاز أبطالك الظن مع اللام إذا قلت: ظننت إنك لعالم. ومعنى {ملاقو ربّهم}: ملاقون ربهم، لأن اسم الفاعل ههنا نكرة ولكن النون تحذف استخفافا، ولا يجوز في القرآن إثباتها لأنه خلاف المصحف، ولا يجوز أن يقع شيء في المصحف مجمع عليه فيخالف، لأن أتباع المصحف أصل أتباع السنة). [معاني القرآن: 1 / 126 -127] قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ({الذين يظنون}: يتيقنون، و"يظنون" في مكان آخر: يشكون). [ياقوتة الصراط: 172] قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الذين يظنون أنهم} أي: يعلمون ويوقنون). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 27] قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({يَظُنُّونَ}: يوقنون). [العمدة في غريب القرآن: 74] تفسير قوله تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47)} قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({وأنّي فضّلتكم على العالمين} أي: على عالمي زمانهم. وهو من العام الذي أريد به الخاصّ). [تفسير غريب القرآن: 48] قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم وأنّي فضّلتكم على العالمين (47)} أذكرهم الله عزّ وجلّ نعمته عليهم في أسلافهم، والدليل على ذلك قوله عزّ وجلّ: {وإذ نجّيناكم من آل فرعون} والمخاطبون بالقرآن لم يروا فرعون ولا آله. ولكنه عزّ وجلّ ذكرهم أنه لم يزل منعما عليهم لأن إنعامه على أسلافهم إنعام عليهم، والدليل على ذلك: أن العرب وسائر الناس يقولون: أكرمتك بإكرامي أخاك، وإنما الأثرة وصلت إلى أخيه، والعرب خاصة تجعل ما كان لآبائها فخرا لها، وما كان فيه ذم يعدونه عارا عليها، وإن كان فيما قدم من آبائها وأسلافها). [معاني القرآن: 1 / 127 -128] قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({على العالمين} خاص، أريد بهم على عالم زمانهم). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 27] تفسير قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48)} قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {واتّقوا يوماً لاّ تجزي نفسٌ عن نّفسٍ شيئاً...} فإنه قد يعود على اليوم والليلة، ذكرهما مرّة بالهاء وحدها ومرة بالصّفة فيجوز ذلك؛ كقولك: لا تجزى نفس عن نفس شيئا وتضمر الصفة، ثم تظهرها فتقول: لا تجزى فيه نفس عن نفس شيئا. وكان الكسائيّ لا يجيز إضمار الصفة في الصلات ويقول: لو أجزت إضمار الصفة ها هنا لأجزت: أنت الذي تكلمت، وأنا أريد: الذي تكلمت فيه. وقال غيره من أهل البصرة: لا نجيز الهاء ولا تكون، وإنما يضمر في مثل هذا الموضع الصفة. وقد أنشدني بعض العرب: يا ربّ يوم لو تنزّاه حول ألفيتنى ذا عنزٍ وذا طـول وأنشدني آخر: قد صبّحت صبّحها السّلام بـــكـــبـــدٍ خــالــطــهـــا ســــنـــــام فـــي سـاعــة يـحـبّـهـا الـطّـعــام ولم يقل: يحبّ فيها. وليس يدخل على الكسائيّ ما أدخل على نفسه؛ لأن الصفة في هذا الموضع والهاء متّفق معناهما، ألا ترى أنك تقول: آتيك يوم الخميس، وفي يوم الخميس، فترى المعنى واحدا، وإذا قلت: كلمتك، كان غير: كلّمت فيك، فلما اختلف المعنى لم يجز إضمار الهاء مكان "في"، ولا إضمار "في" مكان الهاء). [معاني القرآن: 1 / 31 -32] قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({واتّقوا يوماً لاّ تجزي نفسٌ عن نّفسٍ شيئاً ولا يقبل منها شفاعةٌ ولا يؤخذ منها عدلٌ ولا هم ينصرون} باب إضافة الزمان إلى الفعل: قال: {واتّقوا يوماً لاّ تجزي نفسٌ عن نّفسٍ شيئاً} فنوّن "اليوم" لأنه جعل "فيه" مضمرا، وجعله من صفة "اليوم"، كأنه قال "يوماً لا تجزى نفسٌ عن نفسٍ فيه شيئاً". وإنما جاز إضمار "فيه" كما جاز إضافته إلى الفعل تقول: "هذا يوم يفعل زيد". وليس من الأسماء شيء يضاف إلى الفعل غير أسماء الزمان، ولذلك جاز إضمار "فيه". وقال قوم: إنّما أضمر الهاء أراد "لا تجزيه" وجعل هذه الهاء اسما لليوم مفعولا، كما تقول: "رأيت رجلاً يحبّ زيدٌ" تريد: "يحبّه زيد". وهو في الكلام يكون مضافا، تقول: "اذكر يوم لا ينفعك شيء" أي: "يوم لا منفعة"، وذلك أن أسماء الحين قد تضاف إلى الفعل قال: {هذا يوم لا ينطقون} أي: "يوم لا نطق"، وقد يجوز فيه "هذا يوم لا ينطقون" إذا أضمرت "فيه" وجعلته من صفة "يوم" لأنّ "يوما" نكرة وقد جعلت الفعل لشيء من سببه وقدمت الفعل. فالفعل يكون كله من صفة النكرة كأنك أجريته على اليوم صفة له إذا كان ساقطا على سببه، وقد قال بعضهم {هذا يوم لا ينطقون} وكذلك {هذا يوم الفصل} وكل ما أشبه هذا فهو مثله. ولا يضاف إلى الفعل شيء إلا الحين، إلا أنهم قد قالوا: بآيـة تقـدمـون الخـيـل زورا كأنّ على سنابكها مداما [وقالوا]: ألا من مبلغٌ عنّي تميماً بآيـة مـا تحبّـون الطّعـامـا فأضاف "آية" إلى الفعل. وقالوا: "اذهب بذي تسلم" و"بذي تسلمان" فقوله: "ذي" مضاف إلى "تسلم" كأنه قال: "اذهب بذي سلامتك" وليس يضاف إلى الفعل غير هذا. ولو قلت في الكلام: "واتقوا يوم لا تجزى نفسٌ فيه" فلم تنون اليوم جاز، كأنك أضفت وأنت لا تريد أن تجيء بـ"فيه" ثم بدا لك بعد فجئت به، كما تقول: "اليوم آتيك فيه" فنصبت "اليوم" لأنك جئت بـ"فيه" بعد ما أوجبت النصب. وقال قوم: "لا يجوز إضمار "فيه"، ألا ترى أنك لا تقول: "هذا رجلٌ قصدت" وأنت تريد: "إليه"، ولا "رأيت رجلاً أرغب" وأنت تريد: "فيه"، والفرق بينهما أن أسماء الزمان يكون فيها ما لا يكون في غيرها، وإن شئت حملتها على المفعول في السعة، كأنك قلت: "واتقوا يوما لا تجزيه نفسٌ" ثم ألقيت الهاء كما تقول: "رأيت رجلاً أحبّ" وأنت تريد "أحبه". باب من التأنيث والتذكير: أما قوله: {تجزي نفسٌ عن نّفسٍ شيئاً} فهو مثل قولك: "لا تجزي عنك شاة" و"يجزى عنك درهم" و"جزى عنك درهمٌ" و"وجزت عنك شاةٌ". فهذه لغة أهل الحجاز لا يهمزون. وبنو تميم يقولون في هذا المعنى: "أجزأت عنه وتجزئ عنه شاة". وقوله {شيئا} كأنه قال: "لا تجزئ الشاة مجزى ولا تغني غناءٌ". وقوله: {عن نّفسٍ} يقول: "منها" أي: لا تكون مكانها. وأما قوله: {ولا يقبل منها شفاعةٌ} فإنما ذكر الاسم المؤنث لأن كل مؤنث فرقت بينه وبين فعله حسن أن تذكر فعله، إلاّ أنّ ذلك يقبح في الإنس وما أشبههم مما يعقل، لأنّ الذي يعقل أشد استحقاقا للفعل. وذلك أن هذا إنما يؤنث ويذكر ليفصل بين معنيين، والموات كـ"الأرض" و"الجدار" ليس بينهما معنى كنحو ما بين الرجل والمرأة. فكل ما لا يعقل يشبه بالموات، وما يعقل يشبه بالمرأة والرجل نحو قوله: {رأيتهم لي ساجدين} لما أطاعوا صاروا كمن يعقل، قال: {ولو كان بهم خصاصةٌ} فذكر الفعل حين فرّق بينه وبين الاسم، وقال: {لا يؤخذ منكم فديةٌ} وتقرأ {تؤخذ}. وقد يقال أيضاً ذاك في الإنس، زعموا أنهم يقولون "حضر القاضي امرأةٌ". فأما فعل الجميع فقد يذكّر ويؤنث لأن تأنيث الجميع ليس بتأنيث الفصل ألا ترى أنك تؤنث جماعة المذكرّ فتقول: "هي الرّجال" و"هي القوم"، وتسمي رجلا بـ"بعال" فتصرفه لأن هذا تأنيثٌ مثل التذكير، وليس بفصل. ولو سميته بـ"عناق" لم تصرفه، لأن هذا تأنيث لا يكون للذكر، وهو فصل مابين المذكر والمؤنث تقول: "ذهب الرجل" و"ذهبت المرأة" فتفصل بينهما. وتقول: "ذهب النساء" و"ذهبت النساء" و"ذهب الرجال" و"ذهبت الرجال". وفي كتاب الله: {كذّبت قوم نوحٍ المرسلين} و{وكذّب به قومك}. قال الشاعر: فما تركت قومي لقومك حيّةً تقلّب فـي بحـرٍ ولا بلـدٍ قفـر وقال: {جاءهم البيّنات} [و] {وقال نسوةٌ في المدينة}. [و] قال الشاعر أشد من ذا وقد أخر الفعل، قال: فـإمّـا تــري لـمّـتـى بـدّلّــت فإنّ الحوادث أوداى بها أراد "أودت بها" مثل فعل المرأة الواحدة يجوز أن يذكر [فـ] ذكر هذا. وهذا التذكير في الموات أقبح وهو في الإنس أحسن، وذلك أن كل جماعة من غير الإنس فهي مؤنثة تقول: "هي الحمير" ولا تقول "هم". إلا أنهم قد قالوا: "أولئك الحمير"، وذلك أن "أولئك" قد تكون للمؤنث والمذكر تقول: "رأيت أولئك النساء". قال الشاعر: ذمّى المنازل بعد منزلة اللّوى والـعـيـش بـعــد أولـئــك الأيّــــام ). [معاني القرآن: 1 / 67 -71] قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الحسن {لا يقبل منها شفاعة}. أبو عمرو {ولا تقبل}، {ولا تنفعها} بالتاء؛ وسنخبر عن ذلك إن شاء الله). [معاني القرآن لقطرب: 246] قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله {لا تجزي نفس عن نفس شيئا} فهي من جزى يجزي؛ ولغة التميم: لا تجزئ نفس، من أجزأت عنها؛ يكون ذلك من الجزء؛ تقول: البقرة تجزي عن سبعة وتجزئ عن سبعة. وقوله {ولا يؤخذ منها عدل} فالعدل عند العرب الفداء؛ يقولون: عدلت أعدل عدلاً، إذا فديت بفداء؛ وقالوا: العدل فداء نفس مكانها. والصرف الحيلة والاضطراب، يقال؛ والصرف عند بعضهم الزيادة؛ كأنه من الصراف؛ وكان ابن عباس رحمه الله يقول: الصرف الدية، والعدل التوبة). [معاني القرآن لقطرب: 305] قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قوله عز وجل {ولا تقبل منها شفاعة} فالتاء والياء قد قرئ بهما، وكل لا بأس به؛ وكأن القياس بالتاء؛ لأنه مؤنث. وإن كانت الياء كثيرة فيما فرق بين الفعل فيه والاسم، كان ذلك الكلام عوضًا من التاء، من ذلك قوله {فمن جاءه} ولم يقل: فمن جاءته؛ و{قد كان لكم آية} ولم يقل: كانت. وإذا كان الفعل متصلاً بالاسم مثل: شردت الناقة، وذهبت الدار؛ كان التأنيث أكثر. [معاني القرآن لقطرب: 414] وإذا كان الاسم آدميًا مثل: ذهبت سعاد، وجاءت زينب، كان التأنيث أكثر وأحسن؛ لأن للآدمي فضيلة ليست لغيره؛ ألا تراهم يسوون بين المذكر والمؤنث فيخلطونهما في غير الآدمي، إذا قال: حمار، وهذه حمر وأتان، وهذه أتن وجمل، وهذه جمال وناقة، وهذه نوق وجمال مقبلة، ونوق مقبلة؛ والآدمي ليس كذلك، تقول: مسلم ومسلمون، ومسلمة ومسلمات، فتفرق بين المذكر والمؤنث، وكذلك التاء في مؤنث الآدميين أحسن. وحكي لنا معمر التيمي عن يونس: أنه كان يجيز: قدم أم حكيم، بغير تاء، وأنشد من نثق به لجرير: لقد ولد الأخيطل أم سوء = على باب استها صلب وشام يريد: شامة، فقال: ولد، يريد: الأم، إلا أنه قد فرق بينهما، فكأنه أحسن. فهو قبيح في الآدميين على كل حال، قليل شاذ. [وزاد العبدي هذا البيت، وهو قول المسيب]: فقال لسامة إحدى النساء = ما لك يا سام لا تركب قال أبو علي: ومثل ذلك أن تقول: حضر القاضي امرأة، وقام في الدار جاريتك، على هذا البيت. فإذا كان الجمع مؤنثًا، كان ترك التاء في الفعل أحسن منه في الواحد؛ وذلك قول الله عز وجل {وقال نسوة في المدينة}، وكذلك: ذهب جواريك، وقام إماؤك؛ هذا أحسن من بيت جرير، ومن: قدم أم حكيم؛ لأن تأنيث الجمع عارض فيه؛ لأن الأصل الواحد، وتأنيث الواحد ألزم؛ لأنه لا يفارقه؛ فلذلك كانت التاء في الواحد أحسن. وهذا كله أيضًا التاء فيه أقيس للتأنيث، أن تقول: قامت جواريك، وذهبت إماؤك). [معاني القرآن لقطرب: 415] قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({واتّقوا يوماً لا تجزي نفسٌ عن نفسٍ شيئاً} أي: لا تقضي عنها ولا تغني. يقال: جزى عني فلان -بلا همز- أي: ناب عني. وأجزأني كذا -بالألف في أوله والهمز- أي: كفاني. {ولا يؤخذ منها عدلٌ} أي: فدية، قال: {وإن تعدل كلّ عدلٍ لا يؤخذ منها} أي: إن تفتد بكل شيء لا يؤخذ منها. وإنما قيل للفداء: عَدل لأنه مثل للشيء، يقال: هذا عدل هذا وعديله. فأمّا العِدل -بكسر العين- فهو ما على الظهر). [تفسير غريب القرآن: 48] قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {واتّقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا ولا يقبل منها شفاعة ولا يؤخذ منها عدل ولا هم ينصرون (48)} يعني به: يوم القيامة، وكانت اليهود تزعم أن آباءها الأنبياء تشفع لها عند الله فأيئسهم اللّه من ذلك. وقوله عزّ وجلّ: {ولا يؤخذ منها عدل} العدل ههنا الفدية. ومعنى: {لا تجزي نفس عن نفس شيئا} أي: لا تجزي فيه، وقيل: لا تجزيه، وحذف (فيه) ههنا سائغ، لأن (في) مع الظرف محذوفة، تقول: أتيتك اليوم، وأتيتك في اليوم، فإذا أضمرت قلت: أتيتك فيه، ويجوز أن تقول: أتيتكه، قال الشاعر: ويـومــا شـهـدنـاه سـلـيـمـا وعــامــرا قليلا سوى الطّعن النهال نوافله أراد: شهدنا فيه، وقال بعض النحويين: إن المحذوف هنا الهاء لأن الظروف عنده لا يجوز حذفها، وهذا قول الكسائي والبصريون وجماعة من الكوفيين يقولون: إن المحذوف "فيه". وفصّل النحويون في الظروف، وفي الأسماء غير الظروف فقالوا: إن الحذف مع الظروف جائز كما كان في ظاهره، فكذلك الحذف في مضمره، لو قلت: الذي سرت اليوم، تريد: الذي سرت فيه، جائز، لأنك تقول: سرت اليوم وسرت فيه، ولو قلت: الذي تكلمت فيه زيد، لم يجز: الذي تكلمت زيد، لأنك تقول: تكلمت اليوم وتكلمت فيه، ولا يجوز في قولك: تكلمت في زيد "تكلمت زيدا". وقوله عزّ وجلّ: {تقبل منها شفاعة} مرفوع لأنه اسم ما لم يسم فاعله، والاسم إذا لم يسم من فعل به رفع، لأن الفعل يصير حديثا عنه كما يصير حديثا عن الفاعل، وتقول: "لا يقبل منها شفاعة"، و"لا تقبل"، لأن معنى تأنيث ما لا ينتج غير حقيقة، فلك في لفظه في الفعل التذكير والتأنيث، تقول: قبل منك الشفاعة، وقد قبلت منك الشفاعة، وكذلك {فمن جاءه موعظة} لأن معنى موعظة ووعظ، وشفاعة وشفع واحد. فلذلك جاء التذكير والتأنيث على اللفظ والمعنى. وأمّا ما يعقل ويكون منه النسل والولادة نحو "امرأة" و"رجل" و"ناقة" و"جمل"؛ فيصح في مؤنثة لفظ التذكير، ولو قلت: قام جارتك، ونحر ناقتك، كان قبيحا وهو جائز على قبحه، لأن "الناقة" و"الجارة" تدلان على معنى التأنيث، فاجتزئ بلفظهما عن تأنيث الفعل، فأمّا الأسماء التي تقع للمذكرين وأصحاب المؤنث فلا بد فيها من علم التأنيث لأن الكلام للفائدة، والقصد به الإبانة، فلو سمّيت امرأة بـ"قاسم" لم يجز أن يقال: جاءني قاسم، فلا يعلم أمذكرا عنيت أم مؤنثا، وليس إلى حذف هذه التاء -إذا كانت فارقة بين معنيين- سبيل، كما إنّه إذا جرى ذكر رجلين لم يجز أن تقول: قد قام، ولا يجوز إلا أن تقول: قاما، فعلامة التأنيث فيما فيه اللبس كعلامة التثنية ههنا). [معاني القرآن: 1 / 128 -130] قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({لا تجزي نفس} أي: لا تغني. {عدل} فدية. والعدل: وزن الشيء، والعدل: قيمته). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 27] قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({عَدْلٌ}: فدية). [العمدة في غريب القرآن: 74] |
التفسير اللغوي المجموع [ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس] تفسير قوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44) } [لا يوجد] تفسير قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) } [لا يوجد] تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46) } قال محمد بن المستنير البصري (قطرب) (ت:206هـ): (وقال ابن مقبل: ظني بهم كسعى وهم بتنوفة يـتـنـازعــون جـــوائـــز الأمـــثـــال قوله: ظني بهم أي: يقيني بهم، فذلك ضد أيضا، يكون «الظن» شكا أو يقينا. قال أبو محمد، وقال الأصمعي: «وعسى» في بيت ابن مقبل ليست واجبة. وقال أبو عبيدة: هي واجبة. وقال جل ثناؤه: {الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم}. وقال في آية أخرى: {ظننت أني ملاقي حسابيه} فهذا يقين. ولو كان ذلك شكا، لم يجز في ذلك المعنى، وكان كفرا. ولكنه يقين. وقال دريد بن الصمة: فظنوا بألفي فارس متلبب سراتهم بالفارسي المسـرد وقال أبو محمد: أنشدنا أبو عبيدة: فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج سراتهـم فـي الفارسـي المسـرد أي: تيقنوا. وقال عمرة بن طارق الحنظلي: بأن تغتزوا قومي وأقعد فيكـم وأجعل مني الظن غيبا مرجما يريد اليقين، ولو كان شكا، لكان المعنى ضعيفا لأن الظن إذا كان شكا كان غيبا مرجما وإنما يريد، وأجعل يقيني غيبا مرجما، أي: لا أفعل، وهو قول ابن عباس، قال: {الذين يظنون أنهم ملاقو ربهم}، أي: الذين يعلمون. قال عدي بن زيد: أرفع ظني إلى المليك ومن يـلـجـأ إلــيــه لا يـنـلــه الــضــر كأنه يريد يقينه وإيمانه عنده. قال أبو دؤاد: رب هــم فـرجـتـه بـعـزيـم وغيوب كشفتها بظنون كأنه يريد كشفتها بيقين، وإلا ضعف المعنى. قال أوس: فــأرســلــه مـسـتـيـقــن الـــظـــن أنـــــــهم خالط ما بين الشراسيف جائف وكأن المعنى، مستيقن العلم. لأن الظن الذي هو شك لا يكون يقينا. قال أبو محمد: قرأت على الأصمعي بيت أبي دؤاد فقال: هو لخلف الأحمر). [الأضداد: 71-73] قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (الظن يقين وشك، ومن اليقين قول ابن مقبل: ظن بهم كعسى وهم بتنوفة يـتـنـازعـون جــوائـــز الأمــثـــال وجوائب أيضًا. يقول: اليقين منهم كعسى وعسى شك). [الغريب المصنف: 2 / 629] قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (قول الشاعر: كل شيء ما خلا الموت جلل والـفـتـى يـسـعـى ويلـهـيـه الأمــــل فدل ما تقدم قبل «جلل» وتأخر بعده على أن معناه: كل شيء ما خلا الموت يسير؛ ولا يتوهم ذو عقل وتمييز أن «الجلل» ههنا معناه «عظيم». وقال الآخر: يا خول يا خول لا يطمح بك الأمـل فــقــد يــكــذب ظــــن الآمــــل الأجـــــل يا خول كيف يذوق الخفض معترف بالـمـوت والـمـوت فـيـمـا بـعــده جـلــل فدل ما مضى من الكلام على أن «جللا» معناه يسير. وقال الآخر: فلئـن عـفـوت لأعـفـون جـلـلا ولئن سطوت لأوهنن عظمي قومـي هــم قتـلـوا أمـيـم أخــيفـإذا رمـيـت يصيبـنـي سهـمـي فدل الكلام على أنه أراد: فلئن عفوت لأعفون عفوا عظيما، لأن الإنسان لا يفخر بصفحه عن ذنب حقير يسير؛ فلما كان اللبس في هذين زائلا عن جميع السامعين لم ينكر وقوع الكلمة على معنيين مختلفين في كلامين مختلفي اللفظين. وقال الله عز وجل، وهو أصدق قيل: {الذين يظنون أنهم ملاقو الله} أراد: الذين يتيقنون ذلك، فلم يذهب وهم عاقل إلى أن الله عز وجل يمدح قوما بالشك في لقائه. وقال في موضع آخر حاكيا عن فرعون في خطابه موسى: {إني لأظنك يا موسى مسحورا} وقال الله حاكيا عن يونس: {وذا النون إذ ذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه}، أراد: رجا ذلك وطمع فيه، ولا يقول مسلم أن يونس تيقن أن الله لا يقدر عليه). [كتاب الأضداد: 2-3] تفسير قوله تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47) } تفسير قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48) } قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ القَاسِمُ بنُ سَلاَّمٍ الهَرَوِيُّ (ت: 224 هـ) : (وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم حين قال لأبي بردة بن نيار في الجذعة التي أمره أن يضحي بها: «ولا تجزي عن أحد بعدك». قال: أخبرناه هشيم وإسماعيل، ويزيد هؤلاء أو بعضهم، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن البراء بن عازب، عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال الأصمعي: وهو مأخوذ من قولك: قد جزى عني هذا الأمر فهو يجزي عني، ولا همز فيه، ومعناه لا تقضي عن أحد بعدك. يقول: لا تجزي: لا تقضي وقال الله تبارك وتعالى: {واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا}. هو من هذا. ومنه حديث يروى عن عبيد بن عمير: «أن رجلا كان يداين الناس وكان له كاتب ومتجاز فكان يقول له: إذا رأيت الرجل معسرا فأنظره، فغفر الله له». قال أبو عبيد والمتجازي المتقاضي. قال الأصمعي: أهل المدينة يقولون: أمرت فلانا يتجازى لي ديني على فلان، أي يتقاضاه. قال: وأما قولهم أجزأني الشيء إجزاء، فمهموز ومعناه: كفاني وقال الطائي: لقد آليت أغدر في جداع وإن مـنـيـت أمــــات الــربــاع بأن الغدر في الأقوام عـار وأن الـمــرء يـجــزأ بـالـكــراع جداع: السنة التي تجدع كل شيء أي تذهب به. وقوله: يجزأ بالكراع، أي يكتفي بها. ومنه قول الناس: اجتزأت بكذا وكذا وتجزأت به، أي اكتفيت به). [غريب الحديث: 1 / 185 -187] قالَ محمَّدُ بنُ القاسمِ بنِ بَشَّارٍ الأَنْبَارِيُّ: (ت: 328 هـ): (ونجزي بلا همزٍ نقضي وقد جزى هذا عن هذا، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بردة بن نيارٍ في الجذعة من الغنم التي ضحى بها فقال: «ولا تجزي عن أحدٍ بعدك»، ومنه قول الله تعالى: {لا تجزي نفس عن نفسٍ شيئًا} فإذا كان بمعنى كفى همز قد أجزأني هذا بمعنى كفاني). [شرح المفضليات: 569] |
تفاسير القرن الثالث الهجري ..... |
تفاسير القرن الرابع الهجري ..... |
تفاسير القرن الخامس الهجري ..... |
تفاسير القرن السادس الهجري تفسير قوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44) } قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {أتأمرون النّاس} خرج مخرج الاستفهام، ومعناه التوبيخ، و «البر» يجمع وجوه الخير والطاعات ويقع على كل واحد منها اسم بر، {وتنسون} بمعنى تتركون كما قال الله تعالى: {نسوا اللّه فنسيهم} [التوبة: 67]. واختلف المتأولون في المقصود بهذه الآية، فقال ابن عباس: «كان الأحبار يأمرون أتباعهم ومقلديهم باتباع التوراة، وكانوا هم يخالفونها في جحدهم منها صفة محمد صلى الله عليه وسلم». وقالت فرقة: كان الأحبار إذا استرشدهم أحد من العرب في اتباع محمد دلوه على ذلك، وهم لا يفعلونه. وقال ابن جريج: «كان الأحبار يحضون الناس على طاعة الله، وكانوا هم يواقعون المعاصي». وقالت فرقة: كانوا يحضون على الصدقة ويبخلون. وقوله تعالى: {وأنتم تتلون} معناه: تدرسون وتقرءون، ويحتمل أن يكون المعنى تتبعون أي في الاقتداء به، والكتاب التوراة وهي تنهاهم عما هم عليه من هذه الصفة الذميمة. وقوله تعالى: {أفلا تعقلون} معناه: أفلا تمنعون أنفسكم من مواقعة هذه الحال المردية لكم؟ والعقل: الإدراك المانع من الخطأ مأخوذ منه عقال البعير، أي يمنعه من التصرف، ومنه المعقل أي موضع الامتناع). [المحرر الوجيز: 1 / 199 -200] تفسير قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) } قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {واستعينوا بالصّبر والصّلاة} قال مقاتل: «معناه على طلب الآخرة». وقال غيره: المعنى استعينوا بالصبر عن الطاعات وعن الشهوات على نيل رضوان الله، وبالصلاة على نيل الرضوان وحط الذنوب، وعلى مصائب الدهر أيضا، ومنه الحديث: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كربه أمر فزع إلى الصلاة»، ومنه ما روي أن عبد الله بن عباس نعي إليه أخوه قثم، وهو في سفر، فاسترجع وتنحى عن الطريق وصلى ثم انصرف إلى راحلته، وهو يقرأ واستعينوا بالصّبر والصّلاة. وقال مجاهد: «الصبر في هذه الآية الصوم»، ومنه قيل لرمضان شهر الصبر، وخص الصوم والصلاة على هذا القول بالذكر لتناسبهما في أن الصيام يمنع الشهوات ويزهد في الدنيا، والصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر وتخشع. ويقرأ فيها القرآن الذي يذكر بالآخرة. وقال قوم: «الصبر» على بابه، والصّلاة الدعاء، وتجيء هذه الآية على هذا القول مشبهة لقوله تعالى: {إذا لقيتم فئةً فاثبتوا واذكروا اللّه} [الأنفال: 45] لأن الثبات هو الصبر، وذكر الله هو الدعاء. واختلف المتأولون في قوله تعالى: {وإنّها لكبيرةٌ} على أي شيء يعود الضمير؟ فقيل على الصّلاة، وقيل على الاستعانة التي يقتضيها قوله واستعينوا، وقيل على العبادة التي يتضمنها بالمعنى ذكر الصبر والصلاة. وقالت فرقة: على إجابة محمد صلى الله عليه وسلم. قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وفي هذا ضعف، لأنه لا دليل له من الآية عليه. وقيل: يعود الضمير على الكعبة، لأن الأمر بالصلاة إنما هو إليها. قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا أضعف من الذي قبله. و «كبيرة» معناه ثقيلة شاقة، والخاشعون المتواضعون المخبتون، والخشوع هيئة في النفس يظهر منها على الجوارح سكون وتواضع). [المحرر الوجيز: 1 / 200 -201] تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46) } قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : ( ويظنّون في هذه الآية قال الجمهور: معناه يوقنون. وحكى المهدوي وغيره: أن الظن هنا يصح أن يكون على بابه، ويضمر في الكلام بذنوبهم، فكأنهم يتوقعون لقاءه مذنبين. قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا تعسف، والظن في كلام العرب قاعدته الشك مع ميل إلى أحد معتقديه، وقد يوقع الظن موقع اليقين في الأمور المتحققة، لكنه لا يوقع فيما قد خرج إلى الحس، لا تقول العرب في رجل مرئي حاضر أظن هذا إنسانا وإنما تجد الاستعمال فيما لم يخرج إلى الحسن بعد، كهذه الآية، وكقوله تعالى: {فظنّوا أنّهم مواقعوها} [الكهف: 53] وكقول دريد بن الصمة: فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج ....... سراتهم بالفارسي المسرد وقوله تعالى: {أنّهم ملاقوا ربّهم} أن وجملتها تسد مسد مفعولي الظن، والملاقاة هي للعقاب أو الثواب، ففي الكلام حذف مضاف، ويصح أن تكون الملاقاة هنا بالرؤية التي عليها أهل السنة، وورد بها متواتر الحديث. وحكى المهدوي: أن الملاقاة هنا مفاعلة من واحد، مثل عافاك الله. قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا قول ضعيف، لأن لقي يتضمن معنى لاقى، وليست كذلك الأفعال كلها، بل فعل خلاف فاعل في المعنى. وملاقو أصله ملاقون، لأنه بمعنى الاستقبال فحذفت النون تخفيفا، فلما حذفت تمكنت الإضافة لمناسبتها للأسماء، وهي إضافة غير محضة، لأنها لا تعرف. وقال الكوفيون: ما في اسم الفاعل الذي هو بمعنى المجيء من معنى الفعل يقتضي إثبات النون وإعماله، وكونه وما بعده اسمين يقتضي حذف النون والإضافة. وراجعون قيل: معناه بالموت وقيل بالحشر والخروج إلى الحساب والعرض، وتقوي هذا القول الآية المتقدمة قوله تعالى: {ثمّ يميتكم ثمّ يحييكم ثمّ إليه ترجعون} [البقرة: 28، الحج: 66، الروم: 40] والضمير في إليه عائد على الرب تعالى، وقيل على اللقاء الذي يتضمنه ملاقو). [المحرر الوجيز: 1 / 201 -203] تفسير قوله تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47) } قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم وأنّي فضّلتكم على العالمين (47) واتّقوا يوماً لا تجزي نفسٌ عن نفسٍ شيئاً ولا يقبل منها شفاعةٌ ولا يؤخذ منها عدلٌ ولا هم ينصرون (48) وإذ نجّيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبّحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفي ذلكم بلاءٌ من ربّكم عظيمٌ (49)} قد تكرر هذا النداء والتذكير بالنعمة، وفائدة ذلك أن الخطاب الأول يصح أن يكون للمؤمنين، ويصح أن يكون للكافرين منهم، وهذا المتكرر إنما هو للكافرين، بدلالة ما بعده، وأيضا فإن فيه تقوية التوقيف وتأكيد الحض على ذكر أيادي الله وحسن خطابهم بقوله: فضّلتكم على العالمين لأن تفضيل آبائهم وأسلافهم تفضيل لهم، وفي الكلام اتساع. قال قتادة وابن زيد وابن جريج وغيرهم: المعنى على عالم زمانهم الذي كانت فيه النبوءة المتكررة والملك، لأن الله تعالى يقول لأمة محمد صلى الله عليه وسلم: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} ). [المحرر الوجيز: 1 / 203] تفسير قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48) } قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (وقوله عز وجل: {واتّقوا يوماً} نصب يوما «باتقوا» على السعة، والتقدير عذاب يوم، أو هول يوم، ثم حذف ذلك وأقام اليوم مقامه، ويصح أن يكون نصبه على الظرف لا للتقوى، لأن يوم القيامة ليس بيوم عمل، ولكن معناه: جيئوا متقين يوما. ولا تجزي معناه: لا تغني. وقال السدي: معناه لا تقضي، ويقويه قوله شيئاً وقيل المعنى: لا تكافئ، ويقال: جزى وأجزأ بمعنى واحد، وقد فرق بينهما قوم، فقالوا: جزى بمعنى: قضى وكافأ، وأجزأ بمعنى أغنى وكفى. وقرأ أبو السمال «تجزىء» بضم التاء والهمز، وفي الكلام حذف. وقال البصريون: التقدير لا تجزي فيه، ثم حذف فيه. وقال غيرهم: حذف ضمير متصل ب تجزي تقديره لا تجزيه، على أنه يقبح حذف هذا الضمير في الخبر، وإنما يحسن في الصلة. وقال بعض البصريين: التقدير لا تجزي فيه، فحذف حرف الجر واتصل الضمير، ثم حذف الضمير بتدريج. وقوله تعالى: {ولا يقبل شفاعة} قرأ ابن كثير وأبو عمرو: بالتاء، وقرأ الباقون: بالياء من تحت على المعنى إذ تأنيث الشفاعة ليس بحقيقي، والشفاعة مأخوذة من الشفع وهما الاثنان لأن الشافع والمشفوع له شفع، وكذلك الشفيع فيما لم يقسم. وسبب هذه الآية أن بني إسرائيل قالوا: نحن أبناء الله وأبناء أنبيائه وسيشفع لنا آباؤنا، فأعلمهم الله تعالى عن يوم القيامة أنه لا تقبل فيه الشفاعة، ولا تجزي نفسٌ عن نفسٍ، وهذا إنما هو في الكافرين، للإجماع وتواتر الحديث بالشفاعة في المؤمنين. وقوله تعالى: {ولا يؤخذ منها عدلٌ}، قال أبو العالية: «العدل الفدية». قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وعدل الشيء هو الذي يساويه قيمة وقدرا وإن لم يكن من جنسه، «والعدل» بكسر العين هو الذي يساوي الشيء من جنسه وفي جرمه. وحكى الطبري أن من العرب من يكسر العين من معنى الفدية، فأما واحد الأعدال فبالكسر لا غير، والضمير في قوله ولا هم عائد على الكافرين الذين اقتضتهم الآية، ويحتمل أن يعود على النفسين المتقدم ذكرهما، لأن اثنين جمع، أو لأن النفس للجنس وهو جمع، وحصرت هذه الآية المعاني التي اعتادها بنو آدم في الدنيا، فإن الواقع في شدة مع آدمي لا يتخلص إلا بأن يشفع له أو ينصر أو يفتدى). [المحرر الوجيز: 1 / 204 -205] |
تفاسير القرن السابع الهجري ..... |
تفاسير القرن الثامن الهجري تفسير قوله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (44) } قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {أتأمرون النّاس بالبرّ وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون (44) } يقول تعالى: كيف يليق بكم -يا معشر أهل الكتاب، وأنتم تأمرون النّاس بالبرّ، وهو جماع الخير-أن تنسوا أنفسكم، فلا تأتمروا بما تأمرون النّاس به، وأنتم مع ذلك تتلون الكتاب، وتعلمون ما فيه على من قصر في أوامر اللّه؟ أفلا تعقلون ما أنتم صانعون بأنفسكم؛ فتنتبهوا من رقدتكم، وتتبصّروا من عمايتكم. وهذا كما قال عبد الرّزّاق عن معمر، عن قتادة في قوله تعالى: {أتأمرون النّاس بالبرّ وتنسون أنفسكم} قال: «كان بنو إسرائيل يأمرون النّاس بطاعة اللّه وبتقواه، وبالبرّ، ويخالفون، فعيّرهم اللّه، عزّ وجلّ». وكذلك قال السّدّيّ. وقال ابن جريجٍ: «{أتأمرون النّاس بالبرّ} أهل الكتاب والمنافقون كانوا يأمرون النّاس بالصّوم والصّلاة، ويدعون العمل بما يأمرون به النّاس، فعيّرهم اللّه بذلك، فمن أمر بخيرٍ فليكن أشدّ النّاس فيه مسارعةً». وقال محمّد بن إسحاق، عن محمّدٍ، عن عكرمة أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: {وتنسون أنفسكم} «أي: تتركون أنفسكم {وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون} أي: تنهون النّاس عن الكفر بما عندكم من النّبوّة والعهد من التّوراة، وتتركون أنفسكم، أي: وأنتم تكفرون بما فيها من عهدي إليكم في تصديق رسولي، وتنقضون ميثاقي، وتجحدون ما تعلمون من كتابي». وقال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في هذه الآية، يقول: «أتأمرون النّاس بالدّخول في دين محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم وغير ذلك ممّا أمرتم به من إقام الصّلاة، وتنسون أنفسكم». وقال أبو جعفر بن جريرٍ: حدّثني عليّ بن الحسن، حدّثنا مسلم الجرمي، حدّثنا مخلد بن الحسين، عن أيّوب السّختيانيّ، عن أبي قلابة في قول اللّه تعالى: {أتأمرون النّاس بالبرّ وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب} قال: قال أبو الدّرداء: «لا يفقه الرّجل كلّ الفقه حتّى يمقت النّاس في ذات اللّه، ثمّ يرجع إلى نفسه فيكون لها أشدّ مقتًا». وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في هذه الآية: «هؤلاء اليهود إذا جاء الرّجل يسألهم عن الشّيء ليس فيه حقٌّ ولا رشوة ولا شيء أمروه بالحق، فقال الله تعالى: {أتأمرون النّاس بالبرّ وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون}». والغرض أنّ اللّه تعالى ذمّهم على هذا الصّنيع ونبّههم على خطئهم في حقّ أنفسهم، حيث كانوا يأمرون بالخير ولا يفعلونه، وليس المراد ذمّهم على أمرهم بالبرّ مع تركهم له، بل على تركهم له، فإنّ الأمر بالمعروف [معروفٌ] وهو واجبٌ على العالم، ولكنّ [الواجب و] الأولى بالعالم أن يفعله مع أمرهم به، ولا يتخلّف عنهم، كما قال شعيبٌ، عليه السّلام: {وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا باللّه عليه توكّلت وإليه أنيب} [هودٍ: 88]. فكلٌّ من الأمر بالمعروف وفعله واجبٌ، لا يسقط أحدهما بترك الآخر على أصحّ قولي العلماء من السّلف والخلف. وذهب بعضهم إلى أنّ مرتكب المعاصي لا ينهى غيره عنها، وهذا ضعيفٌ، وأضعف منه تمسّكهم بهذه الآية؛ فإنّه لا حجّة لهم فيها. والصّحيح أنّ العالم يأمر بالمعروف، وإن لم يفعله، وينهى عن المنكر وإن ارتكبه، [قال مالكٌ عن ربيعة: سمعت سعيد بن جبيرٍ يقول له: «لو كان المرء لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر حتّى لا يكون فيه شيءٌ ما أمر أحدٌ بمعروفٍ ولا نهى عن منكرٍ». وقال مالكٌ: «وصدق من ذا الّذي ليس فيه شيءٌ؟» قلت] ولكنّه -والحالة هذه-مذمومٌ على ترك الطّاعة وفعله المعصية، لعلمه بها ومخالفته على بصيرةٍ، فإنّه ليس من يعلم كمن لا يعلم؛ ولهذا جاءت الأحاديث في الوعيد على ذلك، كما قال الإمام أبو القاسم الطّبرانيّ في معجمه الكبير: حدّثنا أحمد بن المعلّى الدّمشقيّ والحسن بن عليٍّ المعمريّ، قالا حدّثنا هشام بن عمار، حدثنا علي بن سليمان الكلبيّ، حدّثنا الأعمش، عن أبي تميمة الهجيمي، عن جندب بن عبد اللّه، رضي اللّه عنه، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «مثل العالم الّذي يعلّم النّاس الخير ولا يعمل به كمثل السّراج يضيء للنّاس ويحرق نفسه». هذا حديثٌ غريبٌ من هذا الوجه. حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد بن حنبلٍ في مسنده: حدّثنا وكيع، حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن عليّ بن زيدٍ هو ابن جدعان، عن أنس بن مالكٍ، رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «مررت ليلة أسري بي على قومٍ شفاههم تقرض بمقاريض من نارٍ. قال: قلت: من هؤلاء؟ » قالوا: خطباء من أهل الدّنيا ممّن كانوا يأمرون النّاس بالبرّ وينسون أنفسهم، وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون؟. ورواه عبد بن حميدٍ في مسنده، وتفسيره، عن الحسن بن موسى، عن حمّاد بن سلمة به. ورواه ابن مردويه في تفسيره، من حديث يونس بن محمّدٍ المؤدّب، والحجّاج بن منهال، كلاهما عن حمّاد بن سلمة، به. وكذا رواه يزيد بن هارون، عن حمّاد بن سلمة به. ثمّ قال ابن مردويه: حدّثنا محمّد بن عبد اللّه بن إبراهيم، حدّثنا موسى بن هارون، حدّثنا إسحاق بن إبراهيم التّستريّ ببلخٍ، حدّثنا مكّيّ بن إبراهيم، حدّثنا عمر بن قيسٍ، عن عليّ بن زيدٍ عن ثمامة، عن أنسٍ، قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «مررت ليلة أسري بي على أناسٍ تقرض شفاههم وألسنتهم بمقاريض من نارٍ. قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ »قال: هؤلاء خطباء أمّتك، الّذين يأمرون النّاس بالبرّ وينسون أنفسهم. وأخرجه ابن حبّان في صحيحه، وابن أبي حاتمٍ، وابن مردويه -أيضًا-من حديث هشامٍ الدّستوائيّ، عن المغيرة -يعني ابن حبيبٍ-ختن مالك بن دينارٍ، عن مالك بن دينارٍ، عن ثمامة، عن أنس بن مالكٍ، قال: لمّا عرج برسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مرّ بقومٍ تقرض شفاههم، فقال: «يا جبريل، من هؤلاء؟ » قال: هؤلاء الخطباء من أمّتك يأمرون النّاس بالبرّ وينسون أنفسهم؛ أفلا يعقلون؟. حديثٌ آخر: قال الإمام أحمد: حدّثنا يعلى بن عبيدٍ، حدّثنا الأعمش، عن أبي وائلٍ، قال: قيل لأسامة -وأنا رديفه-: ألا تكلّم عثمان؟ فقال: إنّكم ترون أنّي لا أكلّمه إلّا أسمعكم. إنّي لا أكلّمه فيما بيني وبينه ما دون أن أفتتح أمرًا -لا أحبّ أن أكون أوّل من افتتحه، واللّه لا أقول لرجلٍ إنّك خير النّاس. وإن كان عليّ أميرًا -بعد أن سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول، قالوا: وما سمعته يقول؟ قال: سمعته يقول: «يجاء بالرّجل يوم القيامة فيلقى في النّار، فتندلق به أقتابه، فيدور بها في النّار كما يدور الحمار برحاه، فيطيف به أهل النّار، فيقولون: يا فلان ما أصابك؟ ألم تكن تأمرنا بالمعروف وتنهانا عن المنكر؟ فيقول: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه، وأنهاكم عن المنكر وآتيه». ورواه البخاريّ ومسلمٌ، من حديث سليمان بن مهران الأعمش، به نحوه. [وقال أحمد: حدّثنا سيّار بن حاتمٍ، حدّثنا جعفر بن سليمان عن ثابتٍ عن أنسٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ اللّه يعافي الأمّيّين يوم القيامة ما لا يعافي العلماء». وقد ورد في بعض الآثار: أنّه يغفر للجاهل سبعين مرّةً حتّى يغفر للعالم مرّةً واحدةً، ليس من يعلم كمن لا يعلم. وقال تعالى: {قل هل يستوي الّذين يعلمون والّذين لا يعلمون إنّما يتذكّر أولو الألباب} [الزّمر: 9]. وروى ابن عساكر في ترجمة الوليد بن عقبة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إنّ أناسًا من أهل الجنّة يطّلعون على أناسٍ من أهل النّار فيقولون: بم دخلتم النّار؟ فواللّه ما دخلنا الجنّة إلّا بما تعلّمنا منكم، فيقولون: إنّا كنّا نقول ولا نفعل».رواه من حديث الطّبرانيّ عن أحمد بن يحيى بن حيّان الرّقيّ عن زهير بن عبّادٍ الرّواسيّ عن أبي بكرٍ الدّاهريّ عن عبد اللّه بن حكيمٍ عن إسماعيل بن أبي خالدٍ عن الشّعبيّ عن الوليد بن عقبة فذكره]. وقال الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ: إنّه جاءه رجلٌ، فقال: يا ابن عبّاسٍ، إنّي أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، قال: «أو بلغت ذلك؟»قال: أرجو. قال: «إن لم تخش أن تفتضح بثلاث آياتٍ من كتاب اللّه فافعل». قال: وما هنّ؟ قال: «قوله عزّ وجلّ {أتأمرون النّاس بالبرّ وتنسون أنفسكم} أحكمت هذه؟».قال: لا. قال: فالحرف الثّاني. قال: «قوله تعالى: {لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتًا عند اللّه أن تقولوا ما لا تفعلون} [الصّفّ: 2، 3] أحكمت هذه؟».قال: لا. قال: فالحرف الثّالث. قال: «قول العبد الصّالح شعيب، عليه السلام: {وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه} [هودٍ: 88] أحكمت هذه الآية؟».قال: لا. قال: «فابدأ بنفسك». رواه ابن مردويه في تفسيره. وقال الطّبرانيّ حدّثنا عبدان بن أحمد، حدّثنا زيد بن الحريش، حدّثنا عبد اللّه بن خراش، عن العوّام بن حوشبٍ، عن [سعيد بن] المسيّب بن رافعٍ، عن ابن عمر، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من دعا النّاس إلى قولٍ أو عملٍ ولم يعمل هو به لم يزل في ظلّ سخط اللّه حتّى يكفّ أو يعمل ما قال، أو دعا إليه». إسناده فيه ضعفٌ، وقال إبراهيم النّخعيّ: إنّي لأكره القصص لثلاث آياتٍ قوله تعالى: {أتأمرون النّاس بالبرّ وتنسون أنفسكم} وقوله {يا أيّها الّذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون * كبر مقتًا عند اللّه أن تقولوا ما لا تفعلون} [الصّفّ: 2، 3] وقوله إخبارًا عن شعيبٍ: {وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا باللّه عليه توكّلت وإليه أنيب} [هودٍ: 88]. وما أحسن ما قال مسلم بن عمرٍو: ما أقبح التّزهيد من واعظٍ ....... يزهّد النّاس ولا يزهد لو كان في تزهيده صادقًا ....... أضحى وأمسى بيته المسجد إن رفض النّاس فما باله ....... يستفتح النّاس ويسترقد الرّزق مقسومٌ على من ترى ....... يسقى له الأبيض والأسود وقال بعضهم: جلس أبو عثمان الحيريّ الزّاهد يومًا على مجلس التّذكير فأطال السّكوت، ثمّ أنشأ يقول: وغير تقيٍّ يأمر النّاس بالتّقى ....... طبيبٌ يداوي والطّبيب مريض قال: فضجّ النّاس بالبكاء. وقال أبو العتاهية الشّاعر: وصفت التّقى حتّى كأنّك ذو تقى ....... وريح الخطايا من شأنك تقطع وقال أبو الأسود الدّؤليّ: لا تنه عن خلقٍ وتأتي مثله ....... عارٌ عليك إذا فعلت عظيم فابدأ بنفسك فانهها عن غيّها ....... فإذا انتهت عنه فأنت حكيم فهناك يقبل إن وعظت ويقتدى ....... بالقول منك وينفع التّعليم وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد الواحد بن زيدٍ البصريّ العابد الواعظ قال: دعوت اللّه أن يريني رفيقي في الجنّة، فقيل لي في المنام: هي امرأةٌ في الكوفة يقال لها: ميمونة السّوداء، فقصدت الكوفة لأراها. فقيل لي: هي ترعى غنمًا بوادٍ هناك، فجئت إليها فإذا هي قائمةٌ تصلّي والغنم ترعى حولها وبينهنّ الذّئاب لا ينفرن منه، ولا يسطو الذّئاب عليهنّ. فلمّا سلّمت قالت: يا ابن زيدٍ، ليس الموعد هنا إنّما الموعد ثمّ، فسألتها عن شأن الذّئاب والغنم. فقالت: إنّي أصلحت ما بيني وبين سيّدي فأصلح ما بين الذّئاب والغنم. فقلت لها: عظيني. فقالت: يا عجبًا من واعظٍ يوعظ، ثمّ قالت: يا ابن زيدٍ، إنّك لو وضعت موازين القسط على جوارحك لخبرتك بمكتوم مكنون ما فيها، يا ابن زيدٍ، إنّه بلغني ما من عبدٍ أعطى من الدّنيا شيئًا فابتغى إليه تائبًا إلّا سلبه اللّه حبّ الخلوة وبدّله بعد القرب البعد وبعد الأنس الوحشة ثمّ أنشأت تقول: يا واعظًا قام لا حساب ....... يزجر قوما عن الذنوب تنه عنه وأنت السّقيم حقًّا ....... هذا من المنكر العجيب تنه عن الغيّ والتّمادي ....... وأنت في النّهي كالمريب لو كنت أصلحت قبل هذا ....... غيّك أو تبت من قريبٍ كان لما قلت يا حبيبي ....... موضع صدقٍ من القلوب ). [تفسير ابن كثير: 1 / 246 -251] تفسير قوله تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (45) } قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {واستعينوا بالصّبر والصّلاة وإنّها لكبيرةٌ إلّا على الخاشعين (45) الّذين يظنّون أنّهم ملاقو ربّهم وأنّهم إليه راجعون (46) } يقول تعالى آمرًا عبيده، فيما يؤمّلون من خير الدّنيا والآخرة، بالاستعانة بالصّبر والصّلاة، كما قال مقاتل بن حيّان في تفسير هذه الآية: « استعينوا على طلب الآخرة بالصّبر على الفرائض، والصّلاة.». فأمّا الصّبر فقيل: إنّه الصّيام، نصّ عليه مجاهدٌ. [قال القرطبيّ وغيره: ولهذا سمّي رمضان شهر الصّبر كما نطق به الحديث]. وقال سفيان الثّوريّ، عن أبي إسحاق، عن جريّ بن كليب، عن رجلٍ من بني سليمٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «الصّوم نصف الصّبر». وقيل: المراد بالصّبر الكفّ عن المعاصي؛ ولهذا قرنه بأداء العبادات وأعلاها: فعل الصّلاة. قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا عبد اللّه بن حمزة بن إسماعيل، حدّثنا إسحاق بن سليمان، عن أبي سنان، عن عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه، قال: «الصّبر صبران: صبرٌ عند المصيبة حسنٌ، وأحسن منه الصّبر عن محارم الله». [قال] وروي عن الحسن البصريّ نحو قول عمر. وقال ابن المبارك عن ابن لهيعة عن مالك بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: «الصّبر اعتراف العبد للّه بما أصاب فيه، واحتسابه عند اللّه ورجاء ثوابه، وقد يجزع الرّجل وهو يتجلّد، لا يرى منه إلّا الصّبر». وقال أبو العالية في قوله: {واستعينوا بالصّبر والصّلاة} «على مرضاة اللّه، واعلموا أنّها من طاعة اللّه». وأمّا قوله: {والصّلاة} فإنّ الصّلاة من أكبر العون على الثّبات في الأمر، كما قال تعالى: {اتل ما أوحي إليك من الكتاب وأقم الصّلاة إنّ الصّلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر اللّه أكبر} الآية [العنكبوت: 45]. وقال الإمام أحمد: حدّثنا خلف بن الوليد، حدّثنا يحيى بن زكريّا بن أبي زائدة، عن عكرمة بن عمّارٍ، عن محمّد بن عبد اللّه الدّؤليّ، قال: قال عبد العزيز أخو حذيفة، قال حذيفة، يعني ابن اليمان: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا حزبه أمرٌ صلّى». ورواه أبو داود [عن محمّد بن عيسى عن يحيى بن زكريّا عن عكرمة بن عمّارٍ كما سيأتي]. وقد رواه ابن جريرٍ، من حديث ابن جريج، عن عكرمة بن عمّارٍ، عن محمّد بن عبيد بن أبي قدامة، عن عبد العزيز بن اليمان، عن حذيفة، قال: «كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا حزبه أمرٌ فزع إلى الصّلاة». [ورواه بعضهم عن عبد العزيز ابن أخي حذيفة؛ ويقال: أخي حذيفة مرسلًا عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم؛ وقال محمّد بن نصرٍ المروزيّ في كتاب الصّلاة: حدّثنا سهل بن عثمان أبو مسعودٍ العسكريّ، حدّثنا يحيى بن زكريّا بن أبي زائدة قال: قال عكرمة بن عمّارٍ: قال محمّد بن عبد اللّه الدّؤليّ: قال عبد العزيز: قال حذيفة: «رجعت إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ليلة الأحزاب وهو مشتملٌ في شملةٍ يصلّي، وكان إذا حزبه أمرٌ صلّى». وحدّثنا عبيد اللّه بن معاذٍ، حدّثنا أبي، حدّثنا شعبة عن أبي إسحاق سمع حارثة بن مضرّبٍ سمع عليًّا يقول: «لقد رأيتنا ليلة بدرٍ وما فينا إلّا نائمٌ غير رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يصلّي ويدعو حتى أصبح».]. قال ابن جريرٍ: وروي عنه، عليه الصّلاة والسّلام، أنّه مرّ بأبي هريرة، وهو منبطحٌ على بطنه، فقال له: «اشكنب درد».[قال: نعم] قال: «قم فصلّ فإنّ الصّلاة شفاءٌ».[ومعناه: أيوجعك بطنك؟ قال: نعم]. قال ابن جريرٍ: وقد حدّثنا محمّد بن العلاء ويعقوب بن إبراهيم، قالا حدّثنا ابن عليّة، حدّثنا عيينة بن عبد الرّحمن، عن أبيه: أنّ ابن عبّاسٍ نعي إليه أخوه قثم وهو في سفرٍ، فاسترجع، ثمّ تنحّى عن الطّريق، فأناخ فصلّى ركعتين أطال فيهما الجلوس، ثمّ قام يمشي إلى راحلته وهو يقول: «{واستعينوا بالصّبر والصّلاة وإنّها لكبيرةٌ إلا على الخاشعين}». وقال سنيد، عن حجّاجٍ، عن ابن جريرٍ: {واستعينوا بالصّبر والصّلاة} قال: «إنّهما معونتان على رحمة اللّه». والضّمير في قوله: {وإنّها} عائدٌ إلى الصّلاة، نصّ عليه مجاهدٌ، واختاره ابن جريرٍ. ويحتمل أن يكون عائدًا على ما يدلّ عليه الكلام، وهو الوصيّة بذلك، كقوله تعالى في قصّة قارون: {وقال الّذين أوتوا العلم ويلكم ثواب اللّه خيرٌ لمن آمن وعمل صالحًا ولا يلقّاها إلا الصّابرون} [القصص: 80] وقال تعالى: {ولا تستوي الحسنة ولا السّيّئة ادفع بالّتي هي أحسن فإذا الّذي بينك وبينه عداوةٌ كأنّه وليٌّ حميمٌ * وما يلقّاها إلا الّذين صبروا وما يلقّاها إلا ذو حظٍّ عظيمٍ} [فصّلت: 34، 35] أي: وما يلقّى هذه الوصيّة إلّا الّذين صبروا {وما يلقّاها} أي: يؤتاها ويلهمها {إلا ذو حظٍّ عظيمٍ} وعلى كلّ تقديرٍ، فقوله تعالى: {وإنّها لكبيرةٌ} أي: مشقّةٌ ثقيلةٌ إلّا على الخاشعين. قال ابن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ: «يعني المصدّقين بما أنزل اللّه». وقال مجاهدٌ: «المؤمنين حقًّا». وقال أبو العالية: «إلّا على الخاشعين الخائفين».، وقال مقاتل بن حيّان: «إلّا على الخاشعين يعني به المتواضعين». وقال الضّحّاك: {وإنّها لكبيرةٌ} قال: «إنّها لثقيلةٌ إلّا على الخاضعين لطاعته، الخائفين سطواته، المصدّقين بوعده ووعيده». وهذا يشبه ما جاء في الحديث: «لقد سألت عن عظيمٍ، وإنّه ليسيرٌ على من يسّره اللّه عليه». وقال ابن جريرٍ: معنى الآية: واستعينوا أيّها الأحبار من أهل الكتاب، بحبس أنفسكم على طاعة اللّه وبإقامة الصّلاة المانعة من الفحشاء والمنكر، المقرّبة من رضا اللّه، العظيمة إقامتها إلّا على المتواضعين للّه المستكينين لطاعته المتذللين من مخافته. هكذا قال، والظّاهر أنّ الآية وإن كانت خطابًا في سياق إنذار بني إسرائيل، فإنّهم لم يقصدوا بها على سبيل التّخصيص، وإنّما هي عامّةٌ لهم، ولغيرهم. واللّه أعلم). [تفسير ابن كثير: 1 / 251 -254] تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (46) } قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {الّذين يظنّون أنّهم ملاقو ربّهم وأنّهم إليه راجعون} هذا من تمام الكلام الّذي قبله، أي: وإنّ الصّلاة أو الوصاة لثقيلةٌ إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقو ربّهم، أي: [يعلمون أنّهم] محشورون إليه يوم القيامة، معروضون عليه، وأنّهم إليه راجعون، أي: أمورهم راجعةٌ إلى مشيئته، يحكم فيها ما يشاء بعدله، فلهذا لمّا أيقنوا بالمعاد والجزاء سهل عليهم فعل الطّاعات وترك المنكرات. فأمّا قوله: {يظنّون أنّهم ملاقو ربّهم} قال ابن جريرٍ، رحمه اللّه: العرب قد تسمّي اليقين ظنًّا، والشّكّ ظنًّا، نظير تسميتهم الظّلمة سدفة، والضّياء سدفة، والمغيث صارخًا، والمستغيث صارخًا، وما أشبه ذلك من الأسماء الّتي يسمّى بها الشّيء وضدّه، كما قال دريد بن الصّمّة: فقلت لهم ظنّوا بألفي مدجّجٍ ...... سراتهم في الفارسيّ المسرّد يعني بذلك تيقّنوا بألفي مدجّجٍ يأتيكم، وقال عميرة بن طارقٍ: بأن يعتزوا قومي وأقعد فيكم ....... وأجعل منّي الظنّ غيبًا مرجّما يعني: وأجعل منّي اليقين غيبًا مرجّمًا، قال: والشّواهد من أشعار العرب وكلامها على أنّ الظّنّ في معنى اليقين، أكثر من أن تحصر، وفيما ذكرنا لمن وفّق لفهمه كفايةٌ، ومنه قول اللّه تعالى: {ورأى المجرمون النّار فظنّوا أنّهم مواقعوها} [الكهف: 53]. ثمّ قال ابن جريرٍ: حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا أبو عاصمٍ، حدّثنا سفيان، عن جابرٍ، عن مجاهدٍ، قال: «كلّ ظنٍّ في القرآن يقينٌ، أي: ظننت وظنوا». وحدّثني المثنّى، حدّثنا إسحاق، حدّثنا أبو داود الحفريّ، عن سفيان عن ابن أبي نجيح، عن مجاهدٍ، قال: «كلّ ظنٍّ في القرآن فهو علمٌ». وهذا سندٌ صحيحٌ. وقال أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، في قوله تعالى: {الّذين يظنّون أنّهم ملاقو ربّهم} قال: «الظّنّ هاهنا يقينٌ». قال ابن أبي حاتمٍ: وروي عن مجاهدٍ، والسّدّيّ، والرّبيع بن أنسٍ، وقتادة نحو قول أبي العالية. وقال سنيد، عن حجّاجٍ، عن ابن جريجٍ: {الّذين يظنّون أنّهم ملاقو ربّهم} «علموا أنّهم ملاقو ربّهم، كقوله: {إنّي ظننت أنّي ملاقٍ حسابيه} [الحاقّة: 20] يقول: علمت». وكذا قال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم. قلت: وفي الصّحيح: «أنّ اللّه تعالى يقول للعبد يوم القيامة: ألم أزوّجك، ألم أكرمك، ألم أسخّر لك الخيل والإبل، وأذرك ترأس وتربّع؟ فيقول: بلى. فيقول اللّه تعالى: أفظننت أنّك ملاقيّ؟ فيقول: لا. فيقول اللّه: اليوم أنساك كما نسيتني». وسيأتي مبسوطًا عند قوله: {نسوا اللّه فنسيهم} [التّوبة: 67] إن شاء اللّه، واللّه تعالى أعلم). [تفسير ابن كثير: 1 / 254 -255] تفسير قوله تعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (47) } قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي الّتي أنعمت عليكم وأنّي فضّلتكم على العالمين (47) } يذكّرهم تعالى سالف نعمه على آبائهم وأسلافهم، وما كان فضّلهم به من إرسال الرّسل منهم وإنزال الكتب عليهم وعلى سائر الأمم من أهل زمانهم، كما قال تعالى: {ولقد اخترناهم على علمٍ على العالمين} [الدّخان: 32]، وقال تعالى: {وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة اللّه عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكًا وآتاكم ما لم يؤت أحدًا من العالمين} [المائدة: 20]. وقال أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، في قوله تعالى: {وأنّي فضّلتكم على العالمين} قال: «بما أعطوا من الملك والرّسل والكتب على عالم من كان في ذلك الزّمان؛ فإنّ لكلّ زمانٍ عالمًا». وروي عن مجاهدٍ، والرّبيع بن أنسٍ، وقتادة، وإسماعيل بن أبي خالدٍ نحو ذلك، ويجب الحمل على هذا؛ لأنّ هذه الأمّة أفضل منهم؛ لقوله تعالى خطابًا لهذه الأمّة: {كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون باللّه ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرًا لهم} [آل عمران: 110] وفي المسانيد والسّنن عن معاوية بن حيدة القشيري، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أنتم توفون سبعين أمّةً، أنتم خيرها وأكرمها على اللّه». والأحاديث في هذا كثيرةٌ تذكر عند قوله تعالى: {كنتم خير أمّةٍ أخرجت للنّاس} [وقيل: المراد تفضيلٌ بنوعٍ ما من الفضل على سائر النّاس، ولا يلزم تفضيلهم مطلقًا، حكاه فخر الدّين الرّازيّ وفيه نظرٌ. وقيل: إنّهم فضّلوا على سائر الأمم لاشتمال أمّتهم على الأنبياء منهم، حكاه القرطبيّ في تفسيره، وفيه نظر؛ لأن {العالمين} عام يشتمل من قبلهم ومن بعدهم من الأنبياء، فإبراهيم الخليل قبلهم وهو أفضل من سائر أنبيائهم، ومحمّدٌ بعدهم وهو أفضل من جميع الخلق وسيّد ولد آدم في الدّنيا والآخرة، صلوات اللّه وسلامه عليه وعلى إخوانه من الأنبياء والمرسلين] ). [تفسير ابن كثير: 1 / 255] تفسير قوله تعالى: {وَاتَّقُوا يَوْمًا لَا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا شَفَاعَةٌ وَلَا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (48) } قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {واتّقوا يومًا لا تجزي نفسٌ عن نفسٍ شيئًا ولا يقبل منها شفاعةٌ ولا يؤخذ منها عدلٌ ولا هم ينصرون (48) } لمّا ذكّرهم [اللّه] تعالى بنعمه أوّلًا عطف على ذلك التّحذير من حلول نقمه بهم يوم القيامة فقال: {واتّقوا يومًا} يعني: يوم القيامة {لا تجزي نفسٌ عن نفسٍ شيئًا} أي: لا يغني أحدٌ عن أحدٍ كما قال: {ولا تزر وازرةٌ وزر أخرى} [الأنعام: 164]، وقال: {لكلّ امرئٍ منهم يومئذٍ شأنٌ يغنيه} [عبس: 37]، وقال: {يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم واخشوا يومًا لا يجزي والدٌ عن ولده ولا مولودٌ هو جازٍ عن والده شيئًا} [لقمان: 33]، فهذه أبلغ المقامات: أنّ كلًّا من الوالد وولده لا يغني أحدهما عن الآخر شيئًا، وقوله تعالى: {ولا يقبل منها شفاعةٌ} يعني عن الكافرين، كما قال: {فما تنفعهم شفاعة الشّافعين} [المدّثّر: 48]، وكما قال عن أهل النّار: {فما لنا من شافعين * ولا صديقٍ حميمٍ} [الشّعراء: 110، 111]، وقوله: {ولا يؤخذ منها عدلٌ} أي: لا يقبل منها فداءٌ، كما قال تعالى: {إنّ الّذين كفروا وماتوا وهم كفّارٌ فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبًا ولو افتدى به} [آل عمران: 91] وقال: {إنّ الّذين كفروا لو أنّ لهم ما في الأرض جميعًا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبّل منهم ولهم عذابٌ أليمٌ} [المائدة: 36] وقال تعالى: {وإن تعدل كلّ عدلٍ لا يؤخذ منها} [الأنعام: 70]، وقال: {فاليوم لا يؤخذ منكم فديةٌ ولا من الّذين كفروا} الآية [الحديد: 15]، فأخبر تعالى أنّهم إن لم يؤمنوا برسوله ويتابعوه على ما بعثه به، ووافوا اللّه يوم القيامة على ما هم عليه، فإنّه لا ينفعهم قرابة قريبٍ ولا شفاعة ذي جاهٍ، ولا يقبل منهم فداءٌ، ولو بملء الأرض ذهبًا، كما قال تعالى: {من قبل أن يأتي يومٌ لا بيعٌ فيه ولا خلّةٌ ولا شفاعةٌ} [البقرة: 254]، وقال: {لا بيعٌ فيه ولا خلالٌ} [إبراهيم: 31]. [وقال سنيدٌ: حدّثني حجّاجٌ، حدّثني ابن جريجٍ، قال: قال مجاهدٌ: قال ابن عبّاسٍ: {ولا يؤخذ منها عدلٌ} قال: «بدلٌ، والبدل: الفدية»، وقال السّدّيّ: « أمّا عدلٌ فيعدلها من العذاب يقول: لو جاءت بملء الأرض ذهبا تفتدي به ما تقبّل منها»، وكذا قال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم،]. وقال أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن الرّبيع بن أنسٍ، عن أبي العالية، في قوله: {ولا يؤخذ منها عدلٌ} «يعني: فداءٌ». قال ابن أبي حاتمٍ: وروي عن أبي مالكٍ، والحسن، وسعيد بن جبيرٍ، وقتادة، والرّبيع بن أنسٍ، نحو ذلك. وقال عبد الرّزّاق: أنبأنا الثّوريّ، عن الأعمش، عن إبراهيم التّيميّ، عن أبيه عن عليٍّ، رضي اللّه عنه، في حديثٍ طويلٍ، قال: «والصّرف والعدل: التّطوّع والفريضة». وكذا قال الوليد بن مسلمٍ، عن عثمان بن أبي العاتكة، عن عمير بن هانئ. وهذا القول غريبٌ هنا، والقول الأوّل أظهر في تفسير هذه الآية، وقد ورد حديثٌ يقوّيه، وهو ما قال ابن جريرٍ: حدّثني نجيح بن إبراهيم، حدّثنا عليّ بن حكيمٍ، حدّثنا حميد بن عبد الرّحمن، عن أبيه، عن عمرو بن قيسٍ الملائيّ، عن رجلٍ من بني أميّة -من أهل الشّام أحسن عليه الثّناء -قال: قيل: يا رسول اللّه، ما العدل؟ قال: «العدل الفدية». وقوله تعالى: {ولا هم ينصرون} أي: ولا أحد يغضب لهم فينصرهم وينقذهم من عذاب اللّه، كما تقدّم من أنّه لا يعطف عليهم ذو قرابةٍ ولا ذو جاهٍ ولا يقبل منهم فداءٌ. هذا كلّه من جانب التّلطّف، ولا لهم ناصرٌ من أنفسهم، ولا من غيرهم، كما قال: {فما له من قوّةٍ ولا ناصرٍ} [الطّارق: 10] أي: إنّه تعالى لا يقبل فيمن كفر به فدية ولا شفاعةً، ولا ينقذ أحدًا من عذابه منقذٌ، ولا يجيره منه أحدٌ، كما قال تعالى: {وهو يجير ولا يجار عليه} [المؤمنون: 88]. وقال: {فيومئذٍ لا يعذّب عذابه أحدٌ * ولا يوثق وثاقه أحدٌ} [الفجر: 25 - 26]، وقال: {ما لكم لا تناصرون * بل هم اليوم مستسلمون} [الصّافّات: 25، 26]، وقال: {فلولا نصرهم الّذين اتّخذوا من دون اللّه قربانًا آلهةً بل ضلّوا عنهم} الآية [الأحقاف: 28]. وقال الضّحّاك عن ابن عبّاسٍ في قوله: {ما لكم لا تناصرون} ما لكم اليوم لا تمانعون منّا؟ هيهات ليس ذلك لكم اليوم. قال ابن جريرٍ: وتأويل قوله: {ولا هم ينصرون} يعني: إنّهم يومئذٍ لا ينصرهم ناصرٌ، كما لا يشفع لهم شافعٌ، ولا يقبل منهم عدلٌ ولا فديةٌ، بطلت هنالك المحاباة واضمحلّت الرّشى والشّفاعات، وارتفع من القوم التّعاون والتّناصر، وصار الحكم إلى عدل الجبّار الّذي لا ينفع لديه الشّفعاء والنّصراء، فيجزي بالسّيّئة مثلها وبالحسنة أضعافها وذلك نظير قوله تعالى: {وقفوهم إنّهم مسئولون* ما لكم لا تناصرون* بل هم اليوم مستسلمون} [الصافات: 24 -26] ). [تفسير ابن كثير: 1 / 256 -257] |
الساعة الآن 02:41 AM |
Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By
Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة