جمهرة العلوم

جمهرة العلوم (http://jamharah.net/index.php)
-   تفسير سورة النحل (http://jamharah.net/forumdisplay.php?f=847)
-   -   تفسير سورة النحل [ من الآية (92) إلى الآية (94) ] (http://jamharah.net/showthread.php?t=21212)

أم سهيلة 26 جمادى الأولى 1434هـ/6-04-2013م 08:50 PM

تفسير سورة النحل [ من الآية (92) إلى الآية (94) ]
 
{وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (93) وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94) }



أم سهيلة 26 جمادى الأولى 1434هـ/6-04-2013م 08:54 PM

تفسير السلف
 
تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (معمر عن قتادة في قوله تعالى دخلا بينكم قال خيانة بينكم). [تفسير عبد الرزاق: 1/359]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ({دخلًا بينكم} [النحل: 92] : «كلّ شيءٍ لم يصحّ فهو دخلٌ» ). [صحيح البخاري: 6/82]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله دخلًا بينكم كلّ شيءٍ لم يصحّ فهو دخلٌ هو قول أبي عبيدة أيضا وروى بن أبي حاتمٍ من طريق سعيدٍ عن قتادة قال دخلًا خيانةً وقيل الدّخل الدّاخل في الشّيء ليس منه). [فتح الباري: 8/386]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ( (دخلاً بينكم كلّ شيءٍ لم يصحّ فهو دخلٌ)
أشار به إلى قوله تعالى: {تتّخذون أيمانكم دخلا بينكم} (النّحل: 92) وفسّر الدخل بقوله: (كل شيء لم يصح فهو دخل) ، وكذا فسره أبو عبيدة، وكذلك الدغل وهو الغشّ والخيانة). [عمدة القاري: 19/16-17]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( ({دخلًا بينكم}) [النحل: 92]. قال أبو عبيدة (كل شيء لم يصح فهو دخل) بفتح الخاء وقيل الدخل والدغل الغش والخيانة وقيل الدخل ما أدخل في الشيء على فساد وقيل أن يظهر الوفاء ويبطن الغدر والنقص). [إرشاد الساري: 7/197]

قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (وقال ابن عيينة، «عن صدقة» ، {أنكاثًا} [النحل: 92] : «هي خرقاء، كانت إذا أبرمت غزلها نقضته» ). [صحيح البخاري: 6/82]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله وقال ابن عيينة عن صدقة أنكاثًا هي خرقاء كانت إذا أبرمت غزلها نقضته وصله بن أبي حاتم عن أبيه عن أبي عمر العدنيّ والطّبريّ من طريق الحميديّ كلاهما عن بن عيينة عن صدقة عن السّدّيّ قال كانت بمكّة امرأةٌ تسمّى خرقاء فذكر مثله وفي تفسير مقاتل أن اسمها ريطة بنت عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميمٍ وعند البلاذريّ أنّها والدة أسد بن عبد العزّى بن قصيّ وأنّها بنت سعد بن تميم بن مرّة وفي غرر التّبيان أنّها كانت تغزل هي وجواريها من الغداة إلى نصف النّهار ثمّ تأمرهنّ بنقض ذلك هذا دأبها لا تكفّ عن الغزل ولا تبقي ما غزلت وروى الطّبريّ من طريق بن جريجٍ عن عبد اللّه بن كثير مثل رواية صدقة المذكور ومن طريق سعيد عن قتادة قال هو مثلٌ ضربه اللّه تعالى لمن نكث عهده
وروى ابن مردويه بإسناد ضعيف عن ابن عبّاسٍ أنّها نزلت في أمّ زفرٍ الآتي ذكرها في كتاب الطّبّ واللّه أعلم
وصدقة هذا لم أر من ذكره في رجال البخاريّ وقد أقدم الكرمانيّ فقال صدقة هذا هو بن الفضل المروزيّ شيخ البخاريّ وهو يروي عن سفيان بن عيينة وهنا روى عنه سفيان ولا سلف له فيما ادّعاه من ذلك ويكفي في الرّدّ عليه ما أخرجناه من تفسير بن جرير وبن أبي حاتمٍ من رواية صدقة هذا عن السّدّيّ فإنّ صدقة بن الفضل المروزيّ ما أدرك السّدّيّ ولا أصحاب السّدّيّ وكنت أظنّ أن صدقة هذا هو ابن أبي عمران قاضي الأهواز لأنّ لابن عيينة عنه روايةٌ إلى أن رأيت في تاريخ البخاريّ صدقة أبو الهذيل روى عن السّدّيّ
قوله روى عنه ابن عيينة وكذا ذكره بن حبّان في الثّقات من غير زيادةٍ وكذا بن أبي حاتمٍ عن أبيه لكن قال صدقة بن عبد اللّه بن كثير القارئ صاحب مجاهد فظهر أنه غير بن أبي عمران ووضّح أنّه من رجال البخاريّ تعليقًا فيستدرك على من صنّف في رجاله فإنّ الجميع أغفلوه واللّه أعلم). [فتح الباري: 8/387]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ) : (وأما قول صدقة فقال ابن أبي حاتم ثنا أبي ثنا العدني ثنا سفيان عن صدقة عن السّديّ في قوله 92 النّحل {ولا تكونوا كالّتي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثا} قال هي امرأة خرقاء كانت إذا أبرمت غزلها نقضته). [تغليق التعليق: 4/237]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (وقال ابن عيينة عن صدقة أنكاثاً هي خرقاء كانت إذا أبرمت غزلها نقضته
أي: قال سفيان بن عيينة عن صدقة، قال الكرماني: صدقة هذا هو ابن الفضل المروزي، ورد عليه بأن صدقة بن الفضل المروزي شيخ البخاريّ يروى عن سفيان بن عيينة، وههنا يروي سفيان عن صدقة، والدّليل على عدم صحة قوله: إن صدقة هذا روى عن السّديّ وصدقة بن الفضل المروزي ما أدرك السّديّ ولا أصحاب السّديّ، وروى ابن أبي حاتم عن أبيه عن ابن أبي عمر العدني والطبري من طريق الحميدي، كلاهما عن ابن عيينة عن صدقة عن السّديّ قال: كانت بمكّة امرأة تسمى خرقاء، فذكر مثل ما ذكره البخاريّ، والظّاهر أن صدقة هذا هو أبو الهذيل روى عن السدى قوله: (وروى عنه ابن عيينة) ، كذا ذكره البخاريّ في (تاريخه) . قوله: (أنكاثاً) أشار به إلى قوله: {ولا تكونوا كالّتي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً} (النّحل: 92) ، قال الزّمخشريّ: أي: لا تكونوا في نقض الإيمان كالمرأة الّتي أنحت على غزلها بعد أن أحكمته وأبرمته فجعلته أنكاثاً، جمع نكث وهو ما ينكث قتله، وقال ابن الأثير، النكث نقض العهد، والاسم النكث بالكسر وهو الخيط الخلق من صوف أو شعر أو وبرسمي، به لأنّه ينقض ثمّ يعاد فتله، قوله: (هي خرقاء) ، الضّمير يرجع إلى تلك المرأة الّتي تسمى خرقاء، وذكرا (أنكاثاً) يدل عليه فلا يكون داخلا في الإضمار قبل الذّكر وكانت إذا أحكمت غزلها نقضته، فلذلك قيل: خرقاء، أي: حمقاء، وفي: (غرر التّبيان) أنّها كانت تغزل هي وجواريها من الغداة إلى نصف النّهار، ثمّ تأمرهن فينقضن ما غزلن جميعًا، فهذا كان دأبها، والمعنى: أنّها كانت لا تكف عن الغزل ولا تبقي ما غزلت، وروى الطّبريّ من طريق سعيد عن قتادة، قال: هو مثل ضربه الله تعالى لمن ينكث عهده، وقال مقاتل في تفسيره: هذه المرأة قرشية اسمها ريطة بنت عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مرّة وتلقب جعرانة لحمقها، وذكر السّهيلي: أنّها بنت سعد بن زيد مناة بن تيم بن مرّة، وقال الثّعلبيّ: كانت اتّخذت مغزلاً بقدر ذراع وسنارة مثل الإصبع وفلكة عظيمة على قدرهما تغزل الغزل من الصّوف والوبر والشعر وتأمر جواريها بذلك، وكن يغزلن إلى نصف النّهار، ثمّ تأمرهن بنقض جميع ذلك، فهذا كان دأبها). [عمدة القاري: 19/17]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( (وقال ابن عيينة): سفيان مما وصله ابن أبي حاتم (عن صدقة) أبي الهذيل لا صدقة ابن الفضل المروزي أي عن السدي كما عند ابن أبي حاتم في قوله تعالى: ({أنكاثًا}) قال (هي) امرأة اسمها (خرقاء) كانت بمكة (كانت إذا أبرمت غزلها نفضته).
وفي تفسير مقاتل أن اسمها ريطة بنت عمرو بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم وعند البلاذري أنها والدة أسد بن عبد العزى بن قصي وأنها بنت سعد بن تميم بن مرّة عند غيره؛ وكان بها وسوسة وأنها اتخذت مغزلًا بقدر ذراع وصنارة مثل الأصبع وفلكة عظيمة على قدرهما، وفي غرر التبيان أنها كان تتغزل هي وجواريها من الغداة إلى نصف النهار ثم تأمرهن بنقض ذلك كله، فهذا كان دأبها، والمعنى أنها لم تكف عن العمل ولا حين عملت كفت عن النقض فكذلك أنتم إذا نقضتم العهد لا كففتم عن العهد ولا حين عهدتم وفيتم به أنكاثًا نصب على الحال من غزلها أو مفعول ثان لنقضت فإنه بمعنى صيرت). [إرشاد الساري: 7/197]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تكونوا كالّتي نقضت غزلها من بعد قوّةٍ أنكاثًا، تتّخذون أيمانكم دخلا بينكم، أن تكون أمّةٌ هي أربى من أمّةٍ، إنّما يبلوكم اللّه به، وليبيّننّ لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون}.
يقول تعالى ذكره ناهيًا عباده عن نقض الأيمان بعد توكيدها، وآمرًا بوفاء العهود، وممثّلاً ناقض ذلك بناقضة غزلها من بعد إبرامه وناكثته من بعد إحكامه: ولا تكونوا أيّها النّاس في نقضكم أيمانكم بعد توكيدها وإعطائكم اللّه بالوفاء بذلك العهود والمواثيق {كالّتي نقضت غزلها من بعد قوّةٍ} يعني: من بعد إبرامٍ.
وكان بعض أهل العربيّة يقول: القوّة: ما غزل على طاقةٍ واحدةٍ ولم يثنّ.
وقيل: إنّ الّتي كانت تفعل ذلك امرأةٌ حمقاء معروفةٌ بمكّة
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: أخبرني عبد اللّه بن كثيرٍ: {كالّتي نقضت غزلها من بعد قوّةٍ} قال: " خرقاء كانت بمكّة تنقضه بعد ما تبرمه "
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن الزّبير، عن ابن عيينة، عن صدقة، عن السّدّيّ: {ولا تكونوا كالّتي نقضت غزلها من بعد قوّةٍ أنكاثًا تتّخذون أيمانكم دخلا بينكم} قال: " هي خرقاء بمكّة كانت إذا أبرمت غزلها نقضته ".
وقال آخرون: إنّما هذا مثلٌ ضربه اللّه لمن نقض العهد، فشبّهه بامرأةٍ تفعل هذا الفعل، وقالوا في معنى نقضت غزلها من بعد قوّةٍ، نحوًا ممّا قلنا
ذكر من قال ذلك
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: " {ولا تكونوا كالّتي نقضت غزلها من بعد قوّةٍ أنكاثًا} فلو سمعتم بامرأةٍ نقضت غزلها من بعد إبرامه لقلتم: ما أحمق هذه وهذا مثلٌ ضربه اللّه لمن نكث عهده "
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ: {ولا تكونوا كالّتي نقضت غزلها من بعد قوّةٍ} قال: " غزلها: حبلها تنقضه بعد إبرامها إيّاه ولا تنتفع به بعد "
- حدّثني محمّد بن عمرٍو قال: حدّثنا أبو عاصمٍ قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث قال: حدّثنا الحسن قال: حدّثنا ورقاء، وحدّثني المثنّى قال: حدّثنا أبو حذيفة قال: حدّثنا شبلٌ، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {كالّتي نقضت غزلها من بعد قوّةٍ} قال: " نقضت حبلها من بعد إبرام قوّةٍ ".
- حدّثني المثنّى قال: حدّثنا إسحاق قال: حدّثنا عبد اللّه، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ مثله
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {ولا تكونوا كالّتي نقضت غزلها من بعد قوّةٍ أنكاثًا} قال: " هذا مثلٌ ضربه اللّه لمن نقض العهد الّذي يعطيه، ضرب اللّه هذا له مثلاً بمثل الّتي غزلت ثمّ نقضت غزلها، فقد أعطاهم ثمّ رجع، فنكث العهد الّذي أعطاهم "
وقوله: {أنكاثًا} يعني: أنقاضًا، وكلّ شيءٍ نقض بعد الفتل فهو أنكاثٌ، واحدها: نكثٌ حبلاً كان ذلك أو غزلاً، يقال منه: نكث فلانٌ هذا الحبل فهو ينكثه نكثًا، والحبل منتكثٌ: إذا انتقضت قواه وإنّما عني به في هذا الموضع نكث العهد والعقد
وقوله: {تتّخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمّةٌ هي أربى من أمّةٍ} يقول تعالى ذكره: تجعلون أيمانكم الّتي تحلفون بها على أنّكم موفون بالعهد لمن عاقدتموه {دخلا بينكم} يقول: خديعةً وغرورًا ليطمئنّوا إليكم، وأنتم مضمرون لهم الغدر، وترك الوفاء بالعهد، والنّقلة عنهم إلى غيرهم، من أجل أنّ غيرهم أكثر عددًا منهم.
والدّخل في كلام العرب: كلّ أمرٍ لم يكن صحيحًا، يقال منه: أنا أعلم دخل فلانٍ ودخلله وداخلة أمره ودخلته ودخيلته.
وأمّا قوله: {أن تكون أمّةٌ هي أربى من أمّةٍ} فإنّ قوله أربى: أفعل من الرّبا، يقال: هذا أربى من هذا وأربأ منه، إذا كان أكثر منه، ومنه قول الشّاعر:
وأسمر خطّيٍّ كأنّ كعوبه = نوى القسب قد أربى ذراعًا على العشر
وإنّما يقال: أربى فلانٌ من هذا وذلك للزّيادة الّتي يزيدها على غريمه على رأس ماله.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل
ذكر من قال ذلك
- حدّثني المثنّى، وعليّ بن داود، قالا: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: " {أن تكون أمّةٌ هي أربى من أمّةٍ} يقول: أكثر "
- حدّثني محمّد بن سعدٍ قال: حدّثني أبي قال: حدّثني عمّي قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: " {أن تكون أمّةٌ هي أربى من أمّةٍ} يقول: ناسٌ أكثر من ناسٍ "
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، وحدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، جميعًا، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {أن تكون أمّةٌ هي أربى من أمّةٍ} قال: " كانوا يحالفون الحلفاء، فيجدون أكثر منهم وأعزّ، فينقضون حلف هؤلاء ويحالفون هؤلاء الّذين هم أعزّ منهم، فنهوا عن ذلك ".
- حدّثنا المثنّى قال: أخبرنا إسحاق قال: حدّثنا عبد اللّه، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ.
- وحدّثني القاسم قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن مجاهدٍ، مثله
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: " {تتّخذون أيمانكم دخلاً بينكم} يقول: خيانةً وغدرًا بينكم {أن تكون أمّةٌ هي أربى من أمّةٍ} أن يكون قومٌ أعزّ وأكثر من قومٍ "
- حدّثنا ابن عبد الأعلى، قال: حدّثنا ابن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {دخلاً بينكم} قال: " خيانةً بينكم "
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: " {تتّخذون أيمانكم دخلاً بينكم} يغرّ بها، يعطيه العهد يؤمّنه وينزله من مأمنه، فتزلّ قدمه وهو في مأمنٍ، ثمّ يغرّ يريد الغدر، قال: فأوّل بدوّ هذا قومٌ كانوا حلفاء لقومٍ تحالفوا وأعطى بعضهم بعضًا العهد، فجاءهم قومٌ قالوا: نحن أكثر وأعزّ وأمنع، فانقضوا عهد هؤلاء وارجعوا إلينا ففعلوا، وذلك قول اللّه تعالى: {ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم اللّه عليكم كفيلاً}. {أن تكون أمّةٌ هي أربى من أمّةٍ} هي أربى: أكثر من أجل أن كانوا هؤلاء أكثر من أولئك نقضتم العهد فيما بينكم وبين هؤلاء، فكان هذا في هذا، وكان الأمر الآخر في الّذي يعاهده فينزله من حصنه ثمّ ينكث عليه، الآية الأولى في هؤلاء القوم وهي مبدؤه، والأخرى في هذا "
- حدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: حدّثنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول، في قوله: " {أن تكون أمّةٌ هي أربى من أمّةٍ} يقول: أكثر، يقول: فعليكم بوفاء العهد "
وقوله: {إنّما يبلوكم اللّه به} يقول تعالى ذكره: إنّما يختبركم اللّه بأمره إيّاكم بالوفاء بعهد اللّه إذا عاهدتم، ليتبيّن المطيع منكم المنتهى إلى أمره ونهيه من العاصي له المخالف أمره ونهيه. {وليبيّننّ لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون}. يقول تعالى ذكره: وليبيّننّ لكم أيّها النّاس ربّكم يوم القيامة إذا وردتم عليه بمجازاة كلّ فريقٍ منكم على عمله في الدّنيا، المحسن منكم بإحسانه والمسيء بإساءته، {ما كنتم فيه تختلفون} والّذي كانوا فيه يختلفون في الدّنيا أنّ المؤمن باللّه كان يقرّ بوحدانيّة اللّه ونبوّة نبيّه، ويصدّق بما ابتعث به أنبياءه، وكان يكذّب بذلك كلّه الكافر، فذلك كان اختلافهم في الدّنيا الّذي وعد اللّه تعالى ذكره عباده أن يبيّنه لهم عند ورودهم عليه بما وصفنا من البيان). [جامع البيان: 14/341-347]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 92 - 96
أخرج ابن أبي حاتم عن أبي بكر بن حفص قال: كانت سعيدة الأسدية مجنونة تجمع الشعر والليف فنزلت هذه الآية {ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها} الآية). [الدر المنثور: 9/105-106]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن مردويه من طريق عطاء بن أبي رباح قال: قال لي ابن عباس: يا عطاء ألا أريك امرأة من أهل الجنة فأراني حبشية صفراء فقال: هذه أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إن بي هذه الموتة - يعني الجنون - فادع الله أن يعافيني، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن شئت دعوت الله فعافاك وإن شئت صبرت واحتسبت ولك الجنة فاختارت الصبر والجنة قال: وهذه المجنونة سعيدة الأسدية وكانت تجمع الشعر والليف فنزلت هذه الآية {ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها} الآية). [الدر المنثور: 9/106]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن كثير في قوله: {ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها} قال: خرقاء كانت بمكة تنقضه بعدما تبرمه). [الدر المنثور: 9/106]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها} قال: كانت امرأة بمكة كانت تسمى خرقاء مكة كانت تغزل فإذا أبرمت غزلها تنقضه). [الدر المنثور: 9/106-107]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها} قال: نقضت حبلها بعد إبرامها إياه). [الدر المنثور: 9/107]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة في الآية: لو سمعتم بامرأة نقضت غزلها من بعد إبرامه لقلتم: ما أحمق هذه، وهذا مثل ضربه الله لمن نكث عهده، وفي قوله: {تتخذون أيمانكم دخلا بينكم} قال: خيانة وغدرا). [الدر المنثور: 9/107]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {أن تكون أمة هي أربى من أمة} قال: ناس أكثر من ناس). [الدر المنثور: 9/107]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد رضي الله عنه في قوله: {أن تكون أمة هي أربى من أمة} قال: كانوا يحالفون الحلفاء فيجدون أكثر منهم وأعز فينقضون حلف هؤلاء ويحالفون هؤلاء الذين هم أعز فنهوا عن ذلك). [الدر المنثور: 9/107]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في الآية قال: ولا تكونوا في نقض العهد بمنزلة التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا يعني بعد ما أبرمته {تتخذون أيمانكم} يعني العهد {دخلا بينكم} يعني بين أهل العهد يعني مكرا أو خديعة ليدخل العلة فيستحل به نقض العهد {أن تكون أمة هي أربى من أمة} يعني أكثر {إنما يبلوكم الله به} يعني بالكثرة {وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون (92) ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة} يعني المسلمة والمشركة {أمة واحدة} يعني ملة الإسلام وحدها {ولكن يضل من يشاء} يعني عن دينه وهم المشركون {ويهدي من يشاء} يعني المسلمين {ولتسألن} يوم القيامة {عما كنتم تعملون} ثم ضرب مثلا آخر للناقض العهد فقال: {ولا تتخذوا أيمانكم} يعني العهد {دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها} يقول: إن ناقض العهد يزل في دينه كما يزل قدم الرجل بعد الاستقامة {وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله} يعني العقوبة {ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا} يعني عرضا من الدنيا يسيرا {إنما عند الله} يعني الثواب {هو خير لكم} يعني أفضل لكم من العاجل {ما عندكم ينفد} يعني ما عندكم من الأموال يفنى {وما عند الله باق} يعني وما عند الله في الآخرة من الثواب دائم لا يزول عن أهله وليجزين {الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} في الدنيا ويعفو عن سيئاتهم). [الدر المنثور: 9/107-109]

تفسير قوله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (93) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولو شاء اللّه لجعلكم أمّةً واحدةً، ولكن يضلّ من يشاء، ويهدي من يشاء، ولتسألنّ عمّا كنتم تعملون}.
يقول تعالى ذكره: ولو شاء ربّكم أيّها النّاس للطف بكم بتوفيةٍ من عنده، فصرتم جميعًا جماعةً واحدةً وأهل ملّةٍ واحدةٍ لا تختلفون ولا تفترقون، ولكنّه تعالى ذكره خالف بينكم فجعلكم أهل مللٍ شتّى، بأن وفّق هؤلاء للإيمان به والعمل بطاعته فكانوا مؤمنين، وخذل هؤلاء فحرمهم توفيقه فكانوا كافرين، وليسألنّكم اللّه جميعًا يوم القيامة عمّا كنتم تعملون في الدّنيا فيما أمركم ونهاكم، ثمّ ليجازينّكم جزاء المطيع منكم بطاعته، والعاصي له بمعصيته). [جامع البيان: 14/347-348]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في الآية قال: ولا تكونوا في نقض العهد بمنزلة التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا يعني بعد ما أبرمته {تتخذون أيمانكم} يعني العهد {دخلا بينكم} يعني بين أهل العهد يعني مكرا أو خديعة ليدخل العلة فيستحل به نقض العهد {أن تكون أمة هي أربى من أمة} يعني أكثر {إنما يبلوكم الله به} يعني بالكثرة {وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون (92) ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة} يعني المسلمة والمشركة {أمة واحدة} يعني ملة الإسلام وحدها {ولكن يضل من يشاء} يعني عن دينه وهم المشركون {ويهدي من يشاء} يعني المسلمين {ولتسألن} يوم القيامة {عما كنتم تعملون} ثم ضرب مثلا آخر للناقض العهد فقال: {ولا تتخذوا أيمانكم} يعني العهد {دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها} يقول: إن ناقض العهد يزل في دينه كما يزل قدم الرجل بعد الاستقامة {وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله} يعني العقوبة {ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا} يعني عرضا من الدنيا يسيرا {إنما عند الله} يعني الثواب {هو خير لكم} يعني أفضل لكم من العاجل {ما عندكم ينفد} يعني ما عندكم من الأموال يفنى {وما عند الله باق} يعني وما عند الله في الآخرة من الثواب دائم لا يزول عن أهله وليجزين {الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} في الدنيا ويعفو عن سيئاتهم). [الدر المنثور: 9/107-109] (م)

تفسير قوله تعالى: (وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94) )
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تتّخذوا أيمانكم دخلاً بينكم فتزلّ قدمٌ بعد ثبوتها وتذوقوا السّوء بما صددتم عن سبيل اللّه، ولكم عذابٌ عظيمٌ}.
يقول تعالى ذكره: ولا تتّخذوا أيمانكم بينكم دخلاً وخديعةً بينكم، تغرّون بها النّاس {فتزلّ قدمٌ بعد ثبوتها} يقول: فتهلكوا بعد أن كنتم من الهلاك آمنين وإنّما هذا مثلٌ لكلّ مبتلًى بعد عافيةٍ، أو ساقطٍ في ورطةٍ بعد سلامةٍ، وما أشبه ذلك: " زلّت قدمه "، كما قال الشّاعر:
سيمنع منك السّبق إن كنت سابقًا = وتلطع إن زلّت بك النّعلان
وقوله: {وتذوقوا السّوء} يقول: وتذوقوا أنتم السّوء، وذلك السّوء هو عذاب اللّه الّذي يعذّب به أهل معاصيه في الدّنيا، وذلك بعض ما عذّب به أهل الكفر. {بما صددتم عن سبيل اللّه} يقول: بما فتنتم من أراد الإيمان باللّه ورسوله عن الإيمان. {ولكم عذابٌ عظيمٌ} في الآخرة، وذلك نار جهنّم
وهذه الآية تدلّ على أنّ تأويل بريدة الّذي ذكرنا عنه في قوله: {وأوفوا بعهد اللّه إذا عاهدتم} والآيات الّتي بعدها، أنّه عني بذلك: الّذين بايعوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على الإسلام، عن مفارقة الإسلام لقلّة أهله، وكثرة أهل الشّرك هو الصّواب، دون الّذي قال مجاهدٌ أنّهم عنوا به، لأنّه ليس في انتقال قومٍ بحلف عن حلفائهم إلى آخرين غيرهم صدٌّ عن سبيل اللّه، ولا ضلالٌ عن الهدى، وقد وصف تعالى ذكره في هذه الآية فاعلي ذلك أنّهم باتّخاذهم الأيمان دخلاً بينهم ونقضهم الأيمان بعد توكيدها، صادّون عن سبيل اللّه، وأنّهم أهل ضلالٍ في الّتي قبلها، وهذه صفة أهل الكفر باللّه، لا صفة أهل النّقلة بالحلف عن قومٍ إلى قومٍ). [جامع البيان: 14/348-349]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير رضي الله عنه في الآية قال: ولا تكونوا في نقض العهد بمنزلة التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا يعني بعد ما أبرمته {تتخذون أيمانكم} يعني العهد {دخلا بينكم} يعني بين أهل العهد يعني مكرا أو خديعة ليدخل العلة فيستحل به نقض العهد {أن تكون أمة هي أربى من أمة} يعني أكثر {إنما يبلوكم الله به} يعني بالكثرة {وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون (92) ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة} يعني المسلمة والمشركة {أمة واحدة} يعني ملة الإسلام وحدها {ولكن يضل من يشاء} يعني عن دينه وهم المشركون {ويهدي من يشاء} يعني المسلمين {ولتسألن} يوم القيامة {عما كنتم تعملون} ثم ضرب مثلا آخر للناقض العهد فقال: {ولا تتخذوا أيمانكم} يعني العهد {دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها} يقول: إن ناقض العهد يزل في دينه كما يزل قدم الرجل بعد الاستقامة {وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله} يعني العقوبة {ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا} يعني عرضا من الدنيا يسيرا {إنما عند الله} يعني الثواب {هو خير لكم} يعني أفضل لكم من العاجل {ما عندكم ينفد} يعني ما عندكم من الأموال يفنى {وما عند الله باق} يعني وما عند الله في الآخرة من الثواب دائم لا يزول عن أهله وليجزين {الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} في الدنيا ويعفو عن سيئاتهم). [الدر المنثور: 9/107-109] (م)
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج سعيد بن منصور والطبراني عن ابن مسعود قال: إياكم وأرأيت فإنما هلك من كان قبلكم بأرأيت ولا تقيسوا الشيء بالشيء {فتزل قدم بعد ثبوتها} وإذا سئل أحدكم عما لا يعلم فليقل: لا أعلم فإنه ثلث العلم). [الدر المنثور: 9/109]


أم سهيلة 26 جمادى الأولى 1434هـ/6-04-2013م 08:58 PM

التفسير اللغوي

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولا تكونوا كالّتي نقضت غزلها من بعد قوّةٍ أنكاثًا} تنكثون العهد، يعني المؤمنين، ينهاهم عن ذلك.
قال: فيكون مثلكم إن نكثتم العهد مثل الّتي نقضت غزلها من بعد ما أبرمته، فنقضته من بعد ما كان غزلا قويًّا أنكاثًا عن العهد). [تفسير القرآن العظيم: 1/85]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ( {تتّخذون أيمانكم}، أي: عهدكم.
{دخلا بينكم} قال قتادة: خيانةً وغدرًا.
قال الحسن: كما صنع المنافقون، فلا تصنعوا كما صنع المنافقون فتظهروا الإيمان وتسرّوا الشّرك.
والدّخل: إظهار الإيمان وإسرار الشّرك.
{أن تكون أمّةٌ هي أربى من أمّةٍ} هي أكثر من أمّةٍ، يقول: فتنقضوا عهد اللّه لقومٍ هم أكثر من قومٍ.
قال قتادة: أن يكون قومٌ هم أعدّ وأكثر من قومٍ.
وقال السّدّيّ: أن يكون قومٌ أكثر من قومٍ.
وبعضهم يقول: العهد فيما بين النّاس فيما وافق الحقّ.
- عبد القدّوس بن حبيبٍ عن مكحولٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ اللّه يوصيكم بأمّهاتكم فالأقرب الأقرب.الدّين مقضيٌّ، والأمانة مؤدّاةٌ، وأحقّ ما وفى به العبد العهد، عهد اللّه»
- جعفر بن برقان عن ميمون بن مهران قال: قال ابن مسعودٍ: ما نزلت بعبدٍ شديدةٌ إلا قد عاهد اللّه عندها، فإن لم يتكلّم بلسانه فقد أضمر ذلك في قلبه، فاتّقوا اللّه وأوفوا بما عاهدتم له.
- الحسن بن دينارٍ عن الحسن أنّ ابن مسعودٍ قال: يا أهل المواثيق انظروا ما تعاهدون عليه ربّكم.
كم من مريضٍ قد قال: إن اللّه شفاني فعلت كذا، فعلت كذا.
قال: والمرأة الّتي ضربت مثلا في غزلها كانت حمقاء تغزل الشّعر، فإذا غزلته رجعت نقضته ثمّ عادت فغزلته.
وتفسير مجاهدٍ قال: هذا في الحلفاء، كانوا يحالفون الحلفاء، ثمّ يجدون أكثر منهم وأعزّ، فينقضون حلف هؤلاء ويحالفون الّذين هم أعزّ منهم، فنهوا عن ذلك.
قوله: {إنّما يبلوكم اللّه به} بالكثرة.
يبتليكم، يختبركم.
{وليبيّننّ لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون} من الكفر والإيمان). [تفسير القرآن العظيم: 1/86-85]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (وقوله: {ولا تكونوا كالّتي نقضت غزلها من بعد قوّةٍ...}:
من بعد إبرام. كانت تغزل الغزل من الصوف فتبرمه ثم تأمر جارية لها بنقضه. ويقال: إنها ريطة {تتّخذون أيمانكم دخلاً بينكم} يقول: دغلا وخديعة.
قوله: {أن تكون أمّةٌ هي أربى من أمّةٍ} يقول: هي أكثر، ومعناه لا تغدروا بقوم لقلّتهم وكثرتكم أو قلّتكم وكثرتهم، وقد غررتموهم بالأيمان فسكنوا إليها. وموضع (أدنى) نصب.
وإن شئت رفعت؛ كما تقول: ما أظن رجلاً يكون هو أفضل منك وأفضل منك، النصب على العماد، والرفع على أن تجعل (هو) اسماً.
ومثله قول الله عزّ وجلّ: {تجدوه عند الله هو خيراً وأعظم أجراً} نصب، ولو كان رفعا كان صواباً). [معاني القرآن: 2/113-112]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {قوّةٍ أنكاثاً} كل حبل وغزل ونحو ذلك نقضته فهو نكث، وهو من قولهم نكثت قال المسيّب بن علس:
من غير مقليةٍ وإنّ حبالها= ليست بأنكاثٍ ولا أقطاع
{دخلاً بينكم} كل شيء وأمر لم يصح فهو دخلٌ: {هي أربى من أمّةٍ} أي أكثر). [مجاز القرآن: 1/367]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ( {ولا تكونوا كالّتي نقضت غزلها من بعد قوّةٍ أنكاثاً تتّخذون أيمانكم دخلاً بينكم أن تكون أمّةٌ هي أربى من أمّةٍ إنّما يبلوكم اللّه به وليبيّننّ لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون}
وقال: {أنكاثاً} وواحدها "النّكث). [معاني القرآن: 2/67]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وقوله عز وجل {أنكاثا} قالوا: الحبل المتين الذي له قوة واحدة وليست له قوتان، وواحد الأنكاث نكث؛ وهو ما نكث بعدها غزل؛ وقالوا: أيضًا نكثة الحبل لما انتكث منه.
وقال الأسود:
ترعية تعرف الأرباع ضجعته = له بجاد من الأنكاث والفضل.
وقوله {دخلا بينكم} وفي معنى الدخل: أنا أعلم بدخلل أمره، وبدخلل، وبداخلة، وبدخيلة، وبدخلة.
وقوله {أربى من أمة} فالمعنى: هي أكثر؛ وهو قول ابن عباس؛ وهو عندنا من ربا الشيء يربو، في الكثرة والزيادة). [معاني القرآن لقطرب: 817]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ( {أنكاثا}: كل شيء نقضته فهو أنكاث واحدة نكث.
{دخلا بينكم}: كل شيء لم يصح في كلام فهو دخل.
{هي أربا من أمة}: أي أكثر). [غريب القرآن وتفسيره: 209]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( الأنكاث: ما نقض من غزل الشعر وغيره. واحدها نكث، يقول: لا تؤكدوا على أنفسكم الإيمان والعهود ثم تنقضوا ذلك وتحنثوا فتكونوا كامرأة غزلت ونسجت، ثم نقضت ذلك النسخ فجعلته أنكاثا.
{تتّخذون أيمانكم دخلًا بينكم} أي دخلا وخيانة.
{أن تكون أمّةٌ} أي فريق منكم.
{أربى من أمّةٍ} أي أغنى من فريق). [تفسير غريب القرآن: 248]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ}.
هذا مثل لمن عاهد الله وحلف به، فقال تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا} فتكونوا إن فعلتم كامرأة غزلت غزلا وقوّت مرّته وأبرمته، فلما استحكم نقضته، فجعلته أنكاثا.
والأنكاث: ما نقض من أخلاق بيوت الشعر والوبر ليغزل ثانية ويعاد مع الجديد، وكذلك ما نقض من خلق الخزّ.
ومنه قيل لمن أعطاك بيعته على السمع والطاعة ثم خرج عليك: ناكث، لأنه نقض ما وكّد على نفسه بالإيمان والعهود، كما تنقض النّاكثة غزلها.
ثم قال: {تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ}. أي: دغلا وخيانة وحيلا {أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} أي: لأن يكون قوم أغنى من قوم، وقوم أعلى من قوم،
تريدون: أن تقتطعوا بأيمانكم حقوقا لهؤلاء، فتجعلوها لهؤلاء.
وقال المفسرون في التي نقضت غزلها: هي امرأة من قريش وكانت حمقاء، فكانت تغزل الغزل من الصوف والشّعر والوبر بمغزل في غلظ الذّراع، وصنّارة في قدر الإصبع، وفلكة عظيمة، فإذا أحكمته أمرت خادمها فنقضته). [تأويل مشكل القرآن: 387-386]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {ولا تكونوا كالّتي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثا تتّخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمّة هي أربى من أمّة إنّما يبلوكم اللّه به وليبيّننّ لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون}
{أنكاثا} منصوب لأنه في معنى المصدر لأن معنى نكثت نقضت، ومعنى نقضت نكثت، وواحد الأنقاض نكث وهو ما نقض بعد أن غزل.
قال الشاعر:.
ترعيّة تعرف الأرباع ضجعته= له نكاث من الأنجاد والفضل
وقوله: {تتّخذون أيمانكم دخلا بينكم} أي غشا بينكم وغلّا.
و{دخلا} منصوب لأنه مفعول له.
المعنى: تتخذون أيمانكم للغش والدّخل، وكل ما دخله عيب قيل هو مدخول، وفيه دخل.
وقوله: {أن تكون أمّة هي أربى من أمّة}.
لتغتز إحداهما بالأخرى، وأربى مأخوذ من ربا الشيء يربو إذا كثر). [معاني القرآن: 3/217]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : ( وقوله جل وعز: {ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة} هذه آية مشكلة تحتاج إلى تدبير قال قتادة الدخل الخيانة
وقال غيره المعنى لا تحلفوا أو تؤكدوا عليكم الأيمان ثم تحنثوا فتكونوا كامرأة غزلت غزلا فأبرمته وأحكمته ثم نقضته والأنكاث ما نقض من الخز والوبر وغيرهما ليغزل ثانية ومنه قيل ناكث
وروى في التفسير أن امرأة يقال لها ربطة ابنة سعد كانت تغزل بمغزل كبير فإذا أبرمته وأتقنته أمرت جارتها فنقضته
قال الضحاك في قوله تعالى: {أن تكون أمة هي أربى من أمة} أي أكثر قال فأمروا بوفاء العهد وإن كانوا كثيرا
وروى ابن أبي نجيح عن مجاهد قال كانوا يحلفون القوم ويعاهدونهم فإذا علموا أن غيرهم أكثر منهم وأقوى نقضوا عهدهم وحالفوا غيرهم فنهاهم الله جل ذكره عن ذلك
والمعنى عند أهل اللغة لأن تكون أمة وبأن تكون أمة هي أربى من أمة أي هي أغنى وأكثر أي لا تعاهدوا قوما فإذا أمنوا نقضتم العهد ليكون أصحابكم أغنى وأقوى).
[معاني القرآن: 4/103102]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم} أي: فسادا بينكم). [ياقوتة الصراط: 300]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {هي أربى من أمة} أي: هي أي أزيد). [ياقوتة الصراط: 300]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {والأنكاث} ما نقض من غزل. يقول الله تبارك وتعالى: لا تؤكدوا على أنفسكم الأيمان والعهود، ثم تنقضوا ذلك وتحنثوا،
فتكونوا كامرأة غزلت ونسجت ثم نقضت ذلك.
{دخلا بينكم} أي دغلا وخيانة.
{أربى من أمة} أي أغنى من فريق). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 133]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الأَنْكَاثُ}: النقض.
{دَخَلاً}: فسادا ودغلاً.
{أَرْبَى}: أكثر). [العمدة في غريب القرآن: 179]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (93)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولو شاء اللّه لجعلكم أمّةً واحدةً} يعني على...
وهو تفسير السّدّيّ: على الإيمان.
قال يحيى: مثل قوله: {ولو شئنا لآتينا كلّ نفسٍ هداها}.
ومثل قوله: {ولو شاء ربّك لآمن من في الأرض كلّهم جميعًا}.
قال: {ولكن يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألنّ عمّا كنتم تعملون} يوم القيامة). [تفسير القرآن العظيم: 1/86]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (والأمّة: الدّين، قال تعالى: {إِنَّا وَجَدْنَا آَبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} أي: على دين.
قال النابغة:
حلفتُ فَلَمْ أتركْ لنفسكَ رِيبَةً = وهل يَأْثَمَن ذُو أُمَّةٍ وهو طائعُ؟
أي: ذو دين.
والأصل أنه يقال للقوم يجتمعون على دين واحد: أمة، فتقام الأمة مقام الدين، ولهذا قيل للمسلمين: أمّة محمد، صلّى الله عليه وسلم، لأنهم على أمر واحد،
قال تعالى: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً}. مجتمعة على دين وشريعة.
وقال الله عز وجل: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً}، أي: مجتمعة على الإسلام). [تأويل مشكل القرآن: 446] (م)
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ( {أمة واحدة} أي: دينا واحد، وملة واحدة). [ياقوتة الصراط: 301]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله: {ولا تتّخذوا أيمانكم دخلا بينكم} تفسير الحسن: أن تسرّوا الشّرك، فترتدّوا عن الإسلام.
{فتزلّ قدمٌ بعد ثبوتها} تزلّ إلى الكفر بعد ما كانت على الإيمان فتزلّ إلى النّار.
{وتذوقوا السّوء بما صددتم عن سبيل اللّه ولكم عذابٌ عظيمٌ} والسّوء: عذاب الدّنيا، القتل بالسّيف.
يقول: إن ارتددتم عن الإسلام قتلتم في الدّنيا، ولكم في الآخرة عذابٌ عظيمٌ). [تفسير القرآن العظيم: 1/87]
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال يحيى: قدم وفدٌ من كندة وحضرموت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فبايعوه على الإسلام ولم يهاجروا،
وأقرّوا بإقام الصّلاة وإيتاء الزّكاة.
ثمّ إنّ رجلا من حضرموت قام فتعلّق برجلٍ من كندة يقال له: امرؤ القيس، فقال: يا رسول اللّه إنّ هذا جاورني في أرضٍ لي، فقطع طائفةً منها فأدخلها في أرضه.
فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: ألك بيّنةٌ بما تزعم؟ فقال: القوم كلّهم يعلمون أنّي صادقٌ وأنّه كاذبٌ، ولكنّه أكرم عليهم منّي.
فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يا امرأ القيس، ما يقول هذا؟ فقال: ما يقول إلا الباطل.
قال: فقم فاحلف باللّه الّذي لا إله إلا هو ما له قبلك شيءٌ ممّا يقول، وأنّه الكاذب فيما يقول.
فقال: نعم.
فقال الحضرميّ: إنّا للّه، تجعلها يا رسول اللّه إليه؟ إنّه رجلٌ فاجرٌ، لا يبالي بما حلف عليه.
فقال رسول اللّه عليه السّلام: إنّه من اقتطع مال رجلٍ مسلمٍ بيمينٍ كاذبةٍ لقي اللّه وهو عليه ساخطٌ.
فقام امرؤ القيس ليحلف، فنزلت هاتان الآيتان: {ولا تشتروا بعهد اللّه ثمنًا قليلا إنّما عند اللّه هو خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون * ما عندكم ينفد وما عند اللّه باقٍ ولنجزينّ الّذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون} فقام الأشعث بن قيسٍ فأخذ بمنكبي امرئ القيس فقال: ويلك يا امرأ القيس، إنّه قد نزلت آيتان فيك وفي صاحبك، خيرتهما له،
والأخرى لك.
وقد قال رسول اللّه عليه السّلام: «من اقتطع مال امرئٍ مسلمٍ بيمينٍ كاذبةٍ لقي اللّه وهو عليه ساخطٌ».
فأقبل امرؤ القيس فقال: يا رسول اللّه ما نزل فيّ؟ فتلا عليه الآيتين، فقال امرؤ القيس: أمّا ما عندي فينفد، وأمّا صاحبي فيجزى بأحسن ما كان يعمل.
اللّهمّ إنّه صادقٌ، وإنّي أشهد اللّه أنّه صادقٌ، ولكن واللّه ما أدري ما يبلغ ما يدّعي من أرضه في أرضي فقد أصبتها منذ زمانٍ، فله ما ادّعى في أرضي، ومثلها معها.
فنزلت هذه الآية: {من عمل صالحًا من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فلنحيينّه حياةً طيّبةً ولنجزينّهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}
فقال امرؤ القيس: ألي هذه يا رسول اللّه؟ قال: نعم.
فكبّر امرؤ القيس). [تفسير القرآن العظيم: 1/88-87]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {فتزلّ قدمٌ بعد ثبوتها} مثل يقال: لكل مبتلى بعد عافية أو ساقط في ورطة بعد سلامة ونحو ذلك: زلّت قدمه.
{من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمنٌ فلنحيينّه حياةً طيّبةً} ). [مجاز القرآن: 1/367]

أم سهيلة 26 جمادى الأولى 1434هـ/6-04-2013م 09:10 PM

التفسير اللغوي المجموع
[ما استخلص من كتب علماء اللغة مما له صلة بهذا الدرس]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92) }

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (93) }

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94) }

قال أبو زكريا يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ): (و«القَدَم» أنثى.
و«اليد» و«الكف» و«الرِّجل» إناث كلهن). [المذكور والمؤنث: 71]

جمهرة التفاسير 14 ذو القعدة 1439هـ/26-07-2018م 02:29 PM

تفاسير القرن الرابع الهجري


جمهرة التفاسير 14 ذو القعدة 1439هـ/26-07-2018م 02:29 PM

تفاسير القرن الخامس الهجري


جمهرة التفاسير 14 ذو القعدة 1439هـ/26-07-2018م 02:33 PM

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة إنما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألن عما كنتم تعملون}
شبهت هذه الآية الذي يحلف أو يعاهد أو يبرم عقده بالمرأة التي تغزل غزلها وتفتله محكما، وشبه الذي ينقض عهده بعد الإحكام بتلك الغازلة إذا نقضت قوي ذلك الغزل
[المحرر الوجيز: 5/402]
فحلته بعد إبرامه، ويروى أن امرأة حمقاء كانت بمكة تسمى ريطة بنت سعد كانت تفعل ذلك، فبها وقع التشبيه، قاله عبد الله بن كثير، والسدي، ولم يسميا المرأة، وقيل: كانت امرأة موسوسة تسمى خطية تغزل عند الحجر وتفعل ذلك، وقال مجاهد، وقتادة: ذلك ضرب مثل لا على امرأة معينة. و"أنكاثا" نصب على الحال، والنكث: النقض، و"القوة" في اللغة واحدة قوى الغزل والحبل وغير ذلك مما يضفر، ومنه قول الأغلب الراجز:
حبل عجوز فتلت سبع قوى
ويظهر لي أن المراد بالقوة في الآية الشدة التي تحدث من تركيب قوى الغزل، ولو قدرناها واحدة القوى لم يكن معها ما ينتقض أنكاثا، والعرب تقول: انتكث الحبل إذا انتقضت قواه، أما إن عرف الغزل أنه قوة واحدة ولكن لها أجزاء كأنها قوة كثيرة له، قال مجاهد: المعنى: من بعد إمرار قوة.
و "الدخل": الدغل بعينه، وهي الذرائع إلى الخدع والغدر، وذلك أن المحلوف له مطمئن فيتمكن الحالف من ضره بما يريد.
وقوله: {أن تكون أمة}، قال المفسرون: نزلت هذه الآية في العرب الذين كانت القبيلة منهم إذا حالفت الأخرى، ثم جاءت إحداهما قبيلة كبيرة قوية فداخلتها غدرت الأولى ونقضت معها ورجعت إلى هذه الكبرى، فقال الله تعالى: لا تنقضوا العهود من أجل أن تكون قبيلة أزيد من قبيلة في العدد والعدة، و"الربا": الزيادة، ويحتمل أن
[المحرر الوجيز: 5/403]
يكون القول معناه: لا تنقضوا الأيمان من أجل أن تكونوا أربى من غيركم، أي: أزيد خيرا، فمعناه: لا تطلبوا الزيادة بعضكم على بعض بنقض العهود. و"يبلوكم" معناه: يختبركم، والضمير في "به" يحتمل أن يعود على الوفاء الذي أمر الله به، ويحتمل أن يعود على الربا، أي أن الله ابتلى عباده بالتحاسد وطلب بعضهم الظهور على بعض، واختبرهم بذلك ليرى من يجاهد نفسه ممن يتبعها هواها، وباقي الآية وعيد بين بيوم القيامة.
وقوله: {هي أربى}، موضع "أربى" عند البصريين رفع، وعند الكوفيين نصب، و"هي" عماد، ولا يجوز العماد هنا عند البصريين; لأنه لا يكون مع النكرة، و"أمة" نكرة، وحجة الكوفيين أن "أمة" وما جرى مجراها من أسماء الأجناس تنكيرها قريب من التعريف، ألا ترى أن إدخال الألف واللام عليها لا يخصصها كبير تخصيص؟ وفي هذا نظر). [المحرر الوجيز: 5/404]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (93)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة} الآية. أخبر الله تعالى في هذه الآية أنه يبتلي عباده بالأوامر والنواهي ليذهب كل أحد إلى ما يسر له، وذلك منه تعالى بحق الملك، ولا يسأل عما يفعل، ولو شاء لكان الناس كلهم في طريق واحد، إما في هدى وإما في ضلالة، ولكنه تعالى شاء أن يفرق بينهم، ويخص قوما بالسعادة وقوما بالشقاوة. و"يضل" و"يهدي" معناه: "يخلق ذلك في القلوب" خلافا لقول المعتزلة، ثم توعد في آخر الآية بسؤال كل أحد يوم القيامة عن عمله، وهذا سؤال توبيخ، وليس ثم سؤال تفهم، وذلك هو المنفي في آيات). [المحرر الوجيز: 5/404]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا إنما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون}
كرر النهي عن اتخاذ الأيمان تهمما بذلك، ومبالغة في النهي عنه لعظم موقعه من
[المحرر الوجيز: 5/404]
الدين، وتردده في معاشرات الناس، و"الدخل" -كما قلنا- الغوائل. وقوله: {فتزل قدم بعد ثبوتها} استعارة للمستقيم الحال يقع في شر عظيم ويسقط فيه; لأن القدم إذا زلت نقلت الإنسان من حال خير إلى حال شر، ومن هذا المعنى قول كثير:
فلما توافينا ثبت وزلت
أي: تنقلت من حال إلى حال، فاستعار لها الزلل، ومنه يقال لمن أخطأ في الشيء: زل فيه. ثم توعد بعد بعذاب في الدنيا وعذاب عظيم في الآخرة. وقوله: {بما صددتم عن سبيل الله} يدل على أن الآية فيمن بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم). [المحرر الوجيز: 5/405]

أم إسماعيل 25 ذو الحجة 1439هـ/5-09-2018م 08:35 AM

تفاسير القرن السابع الهجري
...

أم إسماعيل 25 ذو الحجة 1439هـ/5-09-2018م 08:38 AM

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللَّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(وقوله: {ولا تكونوا كالّتي نقضت غزلها من بعد قوّةٍ أنكاثًا} قال عبد اللّه بن كثيرٍ، والسّدّيّ: هذه امرأةٌ خرقاء كانت بمكّة، كلمّا غزلت شيئًا نقضته بعد إبرامه.
وقال مجاهدٌ، وقتادة، وابن زيدٍ: هذا مثلٌ لمن نقض عهده بعد توكيده.
وهذا القول أرجح وأظهر، وسواءٌ كان بمكّة امرأةٌ تنقض غزلها أم لا.
وقوله: {أنكاثًا} يحتمل أن يكون اسم مصدرٍ: نقضت غزلها أنكاثًا، أي: أنقاضًا. ويحتمل أن يكون بدلًا عن خبرٍ كان، أي: لا تكونوا أنكاثًا، جمع نكثٍ من ناكثٍ؛ ولهذا قال بعده: {تتّخذون أيمانكم دخلا بينكم} أي: خديعةً ومكرًا، {أن تكون أمّةٌ هي أربى من أمّةٍ} أي: يحلفون للنّاس إذا كانوا أكثر منكم ليطمئنّوا إليكم، فإذا أمكنكم الغدر بهم غدرتم. فنهى اللّه عن ذلك، لينبّه بالأدنى على الأعلى؛ إذا كان قد نهى عن الغدر والحالة هذه، فلأن ينهى عنه مع التّمكّن والقدرة بطريق الأولى.
وقد قدّمنا -وللّه الحمد-في سورة "الأنفال" قصّة معاوية لمّا كان بينه وبين ملك الرّوم أمدٌ، فسار معاوية إليهم في آخر الأجل، حتّى إذا انقضى وهو قريبٌ من بلادهم، أغار عليهم وهم غارّون لا يشعرون، فقال له عمرو بن عبسة: اللّه أكبر يا معاوية، وفاءً لا غدرًا، سمعت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يقول: "من كان بينه وبين قومٍ أجلٌ فلا يحلّنّ عقدة حتّى ينقضي أمدها". فرجع معاوية بالجيش، رضي اللّه عنه وأرضاه.
قال ابن عبّاسٍ: {أن تكون أمّةٌ هي أربى من أمّةٍ} أي: أكثر.
وقال مجاهدٌ: كانوا يحالفون الحلفاء، فيجدون أكثر منهم وأعزّ، فينقضون حلف هؤلاء ويحالفون أولئك الّذين هم أكثر وأعزّ. فنهوا عن ذلك. وقال الضّحّاك، وقتادة، وابن زيدٍ نحوه.
وقوله: {إنّما يبلوكم اللّه به} قال سعيد بن جبير: يعني بالكثرة. رواه ابن أبي حاتمٍ.
وقال ابن جريرٍ: أي: بأمره إيّاكم بالوفاء والعهد.
{وليبيّننّ لكم يوم القيامة ما كنتم فيه تختلفون} فيجازي كلّ عاملٍ بعمله، من خيرٍ وشرٍّ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 599-600]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (93)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولو شاء اللّه لجعلكم أمّةً واحدةً ولكن يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء ولتسألنّ عمّا كنتم تعملون (93) ولا تتّخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزلّ قدمٌ بعد ثبوتها وتذوقوا السّوء بما صددتم عن سبيل اللّه ولكم عذابٌ عظيمٌ (94) ولا تشتروا بعهد اللّه ثمنًا قليلا إنّما عند اللّه هو خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون (95) ما عندكم ينفد وما عند اللّه باقٍ ولنجزينّ الّذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون (96)}
يقول تعالى: {ولو شاء اللّه لجعلكم} أيّها النّاس {أمّةً واحدةً}، كما قال تعالى: {ولو شاء ربّك لآمن من في الأرض كلّهم جميعًا} [يونس: 99] أي: لوفّق بينكم. ولما جعل اختلافًا ولا تباغض ولا شحناء {ولو شاء ربّك لجعل النّاس أمّةً واحدةً ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربّك ولذلك خلقهم} [هودٍ: 118، 119]، وهكذا قال هاهنا: {ولكن يضلّ من يشاء ويهدي من يشاء} ثمّ يسألكم يوم القيامة عن جميع أعمالكم، فيجازيكم عليها على الفتيل والنّقير والقطمير). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 600]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلًا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ حذّر تعالى عباده عن اتّخاذ الأيمان دخلًا أي خديعةً ومكرًا، لئلّا تزل قدمٌ بعد ثبوتها: مثلٌ لمن كان على الاستقامة فحاد عنها وزلّ عن طريق الهدى، بسبب الأيمان الحانثة المشتملة على الصّدّ عن سبيل اللّه، لأنّ الكافر إذا رأى أنّ المؤمن قد عاهده ثمّ غدر به، لم يبق له وثوقٌ بالدّين، فانصدّ بسببه عن الدّخول في الإسلام؛ ولهذا قال: {وتذوقوا السّوء بما صددتم عن سبيل اللّه ولكم عذابٌ عظيمٌ}). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 600]


الساعة الآن 05:38 PM

Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir
جميع الحقوق محفوظة