مشاهدة النسخة كاملة : توجيه القراءات في سورة آل عمران
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 08:21 AM
توجيه القراءات في سورة آل عمران
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 08:21 AM
مقدمات توجيه القراءات في سورة آل عمران
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (سورة آل عمران). [معاني القراءات وعللها: 1/241]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (ومن السورة التي يذكر فيها (آل عمران) ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/108]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (ذكر اختلافهم في سورة آل عمران). [الحجة للقراء السبعة: 3/5]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): ( [آخر الكلام في سورة آل عمران] ). [الحجة للقراء السبعة: 3/118]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (سورة آل عمران). [المحتسب: 1/151]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : (3 - سورة آل عمران). [حجة القراءات: 153]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (سورة آل عمران). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/334]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (سورة آل عمران). [الموضح: 360]
نزول السورة:
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (مدنية). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/334]
عد الآي:
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (وهي مائتا آية في المدني والكوفي). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/334]
ياءات الإضافة:
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): ( (واختلف القراء في ستة آيات)
{وجهي لله} [20] فتحها نافع وحفص، عن عاصم، وأسكنها الباقون.
{وتقبل مني إنك} [35]
فتحها نافع وأبو عمرو، وأسكنها الباقون.
{وإني أعيذها} [36].
فتحها نافع وحده، وأسكنها الباقون.
و{اجعل لي آية} [41].
فتحها نافع وأبو عمرو، وأسكنها الباقون). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/126]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (117- فيها ست ياءات إضافة:
{وجهي لله} «20» قرأها نافع وابن عامر وحفص بالفتح.
{مني إنك} «35»، {اجعل لي آية} «41» قرأهما نافع وأبو عمرو بالفتح.
{إني أعيذها} «36»، {من أنصاري إلى} «52» قرأهما نافع بالفتح.
{أني أخلق} «49» قرأها الحرميان وأبو عمرو بالفتح). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/374]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (فيها ست ياءات للمتكلم وهن:
{وَجْهِيَ لله}، {فَتَقَبَّلْ مِنِّي إنَّك}، {إنِّي أُعِيذُها}، {اجْعَلْ لِيَ آيَةً}، {أَنِّيَ أَخْلُقُ}، {مَنْ أَنْصَارِيَ إلى الله}.
فتحهن كلهن نافع.
وفتح ابن كثير واحدةً وه] أَنِّيَ أَخْلُقُ لَكُمْ}، وأسكن البواقي.
وفتح أبو عمرو ثلاثًا {مِنِّيَ إنَّكَ}، {اجْعَلْ لي آيَةً}، {إنِّيَ أَخْلُقُ}، وأسكن البواقي.
وفتح ابن عامر و- ص- عن عاصم واحدةً {وَجْهِيَ لله}.
وأسكنهن كلهن حمزة والكسائي و-ياش- عن عاصم ويعقوب.
والوجه أن الفتح في هذه الياءات أصل كما في ضربتك، ولأن الأصل فيما كان على حرف واحد اسمًا كان أو حرفًا أن تكون حركته الفتح لخفته.
وأما إسكانها فلأن الياء تشبه الألف، فكما أن الألف ساكن ألبتة، فكذلك
[الموضح: 399]
استحبوا في الياء سكونها، سيما وقد انكسر ما قبلها ليتوفر حظها من المد، فيتحقق فيها شبه الألف). [الموضح: 400]
الياءات الزائدة:
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (118- فيها زائدتان، قوله: {ومن اتبعن} «20» قرأه نافع وأبو عمرو بياء في الوصل.
قوله: {وخافون} «175» قرأه أبو عمرو بياء في الوصل، وقد قدمنا الحجة في ذلك). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/374]
الياءات المحذوفة:
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (واختلفوا في إثبات ياءين وحذفهما {ومن اتبعن} [20] و{وخافون} [175] أثبتهما أبو عمرو ونافع في رواية إسماعيل وأسقطهما الباقون). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/126]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (فيها ثلاث ياءات حذفن من الخط، وهن:-
{وَمَنِ اتّبَعَنِي} و{أَطِيعُونِي} و{خَافُونِي}.
فأثبتهن كلهن يعقوب في الوصل والوقف.
ووصل أبو عمرو و- يل- عن نافع اثنين: {ومَن اتَّبَعَنِي} و{خَافُونِي} بالياء، ووقفا عليهما بغير ياءٍ.
و- ش- و- ن- عن نافع {ومَنِ اتّبَعَنِي} بياء في الوصل دون الوقف، و{خَافُونِ} بغير ياء في الحالين.
وقرأ الباقون بغير ياءٍ فيهن جميعًا في الحالين.
والوجه أن الأصل أن تثبت هذه الياءات، وحذفها لأجل التخفيف، فإن الكسرة التي بقيت تدل عليها، فمعناها حاصل، والشيء إذا أفاد محذوفًا ما يفيده ثابتًا، كان حذفه هو الأحسن.
فالإثبات إذن أصل، والحذف تخفيف، وإثبات البعض وحذف البعض أخذ بالوجهين). [الموضح: 400]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108550#post108550)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 08:23 AM
سورة آل عمران
[من الآية (1) إلى الآية (4) ]
بسم الله الرحمن الرحيم
{الم (1) اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2) نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4) }
قوله تعالى: {الم (1)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
قال أبو بكر: قراءة الأعشى عن أبي بكر عن عاصم: (الم (1) اللّه... (2)
الميم ساكنة ومن اسم الله مقطوعة.
وقرأ الباقون: (الم (1) اللّه) ألقوا فتحة الألف على الميم وحذفوها في الوصل.
وقال أبو إسحاق النحوي روي عن الرؤاسي: (الم الله) بتسكين الميم.
قال: وقد رويت هذه القراء عن عاصم.
قال: والمضبوط عن عاصم في رواية أبي بكر بن عياش وابن عمر بفتح الميم. قال: ففتح الميم إجماع من النحويين.
قال: واختلف النحويون في علة فتح الميم.
فقال بعضهم: فتحت لالتقاء الساكنين،
[معاني القراءات وعللها: 1/241]
وقال بعضهم: طرحت عليها فتحة الهمزة؛ لأن نية حروف
الهجاء الوقف، وهذا قول الكوفيين.
وقال الأخفش: إن الميم لو كسرت لالتقاء الساكنين فقيل (الم الله) لجاز.
قال أبو إسحاق: وهذا غلط من الأخفش؛ لأن قبل الميم ياء مكسور ما قبلها، فحقها الفتح لالتقاء الساكنين؛ ولثقل الكسر مع الياء.
وقال مجاهد: إنما قرأ القراء (الم الله) لأنهم ألقوا فتحة الألف على الميم وحذفوها في الوصل). [معاني القراءات وعللها: 1/242]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قرءوا كلّهم: الم الله [آل عمران/ 1] مفتوحة الميم والألف ساقطة إلّا ما حدثني به القاضي موسى بن إسحاق الأنصاري قال: حدثنا أبو هشام الرفاعي قال: حدثنا
[الحجة للقراء السبعة: 3/5]
يحيى بن آدم عن أبي بكر عن عاصم أنّه قرأ (الم) ثم قطع وابتدأ (الله) ثم سكّن فيها. قال يحيى بن آدم وآخر ما حفظت عنه (الم الله) مثل حمزة.
[حدثنا ابن مجاهد قال]: حدثنا موسى بن إسحاق قال: حدثنا أبو هشام الرفاعي قال: سمعت أبا يوسف الأعشى قرأها على أبي بكر (الم) ثم قطع فقال: (الله) بالهمز.
[الحجة للقراء السبعة: 3/6]
حدثنا ابن مجاهد قال: حدثني محمد بن الجهم عن ابن أبي أمية عن أبي بكر عن عاصم الم جزم، ثم ابتدأ ألله.
[حدثنا ابن مجاهد قال]: حدثني أحمد بن محمد ابن صدقة قال: حدثنا أبو الأسباط عن عبد الرحمن بن أبي حماد عن أبي بكر عن عاصم أنّه قرأ: (الم الله) بتسكين
[الحجة للقراء السبعة: 3/7]
الميم وقطع الألف. [حدثنا ابن مجاهد قال]: حدثني محمد بن الجهم عن الفرّاء قال: قرأ عاصم: الم جزم [و] الله مقطوع. والمعروف عن عاصم الم الله موصولة. و حفص عن عاصم الم (صل) الله مفتوحة الميم غير مهموزة الألف.
قال أبو علي: اتفاق الجميع على إسقاط الألف الموصولة في اسم الله وذاك أن الميم ساكنة كما أن سائر حروف التهجي مبنية على الوقف فلمّا التقت الميم الساكنة، ولام التعريف حرّكت الميم بالفتح للساكن الثالث الذي هو لام المعرفة. والدّليل على أنّ التحريك للساكن الثالث- وهو مذهب سيبويه- أن حروف التهجي يجتمع فيها الساكنان نحو كهيعص [مريم/ 1] وحم عسق وذلك أنّها مبنيّة على الوقف، كما أنّ أسماء العدد كذلك فحرّكت الميم للساكن
[الحجة للقراء السبعة: 3/8]
الثالث بالفتح كما حرّكت النون في قوله: من الله [آل عمران/ 15] ومن المسلمين [يونس/ 72] ومن البقر اثنين [الأنعام/ 144] بالفتح لالتقاء الساكنين.
فأمّا ما روي عن عاصم من قطعه الألف، فكأنّه قدّر الوقوف على الميم، واستأنف (الله)، فقطع الهمزة للابتداء بها. والوجه ما عليه الجماعة، وما وافقهم هو أيضا عليه، من أنّ الهمزة تسقط في الوصل، فإذا سقطت لم يجز أن تلقى لها حركة على ما قبلها.
والّذي حكاه سيبويه من قولهم: ثلاثة اربعة، لم تحمل عليه هذه الآية، ألا ترى أنّه ذهب إلى أنّ الحركة فيها لالتقاء الساكنين، وأنّه في الفتح لالتقاء الساكنين بمنزلة قوله:
من الله.
وأمّا ما حكاه بعض البغداديين من قوله: مريب الذي جعل [ق/ 25/ 26]. فإنّه حرّك النّون بالفتح كما حرّك في قولهم: من الله به.
ولا يجوز أن تكون الفتحة لهمزة الوصل ألقيت على النون، لأنّ الهمزة إذا أوجب الإدراج إسقاطها لم تبق لها حركة تلقى على شيء، ولم يأت في نحو هذا عنهم شيء فيما علمناه، كما جاء (ثلاثة اربعة) ). [الحجة للقراء السبعة: 3/9]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (1- قال أبو محمد: قد ذكرنا، في سورة البقرة، من وجدنا ممن قرأ في كل حرف من الصدر الأول، ولست آخذ ذلك في كل القرآن ولا في كل حرف، إلا عن تطويل كثير، فيطول الكتاب لذلك، وأنا أقتصر على ذكر القراء المشهورين فقط في باقي القرآن، إلا أن نجد نصا على قراءة النبي عليه السلام، أو قراءة أصحابه رضي الله عنه، فنذكر ذلك لا غير، وما لم نجد فيه شيئًا اكتفيت فيه بذكر القراء المشهورين، فاعلم ذلك وكل ما تقدم الكلام فيه، والعلل في قراءته من الأصول، وغير ذلك من الحروف، نستغني بذكره متقدمًا عن إعادته، فذلك أخصر، فتكرر الشيء صعب سماعه، كتكرير الحديث، فاعلم ذلك كله من شرط هذا الكتاب، قد ذكرنا إمالة {التوراة} وعلتها وأصلها في أبواب الإمالة، وذكرنا فتح الميم من {المر لله} وعلة ذلك في أبواب المد، فأما ما قرأت به للأعشى، عن أبي بكر، من قطع الألف من اسم «الله» جل
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/334]
ذكره فعلته في ذلك على وجهين: أحدهما أن يكون ينوي الوقف على {الم}، ثم يبتدئ باسم الله، فيقطع الألف، وهذه الحروف أصلها السكون، والوقف عليها، لأنها حروف مقطعة، لا أصل لها في الإعراب، إلا أن يخبر عنها، أو يُعطف بعضها على بعض، فيدخلها الإعراب، لأنها تصير كسائر الأسماء، فلما كان أصلها الوقف عليها، وقف على الميم، ثم ابتدأ ما بعدها فهمز.
2- والوجه الثاني أن تكون الألف من اسم الله جل ذكره عنده ألف قطع، كما ذهب إليه ابن كيسان، فردّها إلى أصلها فهمز، وإنما وصلت لكثرة الاستعمال). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/335]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (1- قوله {الم، الله} آية/ 1 و2]:-
اتفق القراء على وصل الألف من اسم الله وفتح الميم من {ألم}، وروى –ياش- عن عاصم فقطع الألف من اسم الله، (وأسكن) الميم من {الم}.
ووجه قراءة الجماعة أن هذه الألف أعني ألف {الله} ألف وصل، يسقط إذا اتصل بشيء قبله، فالواجب أن يسقط ههنا لاتصاله بـ {الم}، والميم من {الم} كانت ساكنة كما أن سائر حروف التهجي مبنية على السكون، فالتقت مع لام التعريف من اسم الله، فحركت الميم بالفتح لالتقاء الساكنين هي ولام المعرفة، ولم تحرك هذه الميم للساكن الذي قبلها؛ لأن حروف التهجي قد يجتمع فيها ساكنان نحو: {كهيعص} ونحوها لبنائها على الوقف، ولا يجوز أن تكون حركة الميم منقولةً إليها عن ألف {الله}؛ لأن هذه الألف لا توجد في حال الوصل، فكيف يكون لها حركة تنقل؟
[الموضح: 360]
وأما ما روى –ياش- عن عاصم من قطع الألف فيمكن أن يكون قدر الوقوف على الميم، ثم استأنف {الله}، فقطع الهمزة على نية الابتداء بها. والوجه ما عليه الجمهور). [الموضح: 361]
قوله تعالى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ (2)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (من ذلك قراءة عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان -رضي الله عنهما- وابن مسعود وإبراهيم النخعي والأعمش وأصحاب عبد الله وزيد بن علي وجعفر بن محمد وأبي رجاء بخلاف ورُويت عن النبي صلى الله عليه وسلم: [الحيُّ القيَّام]، وقرأ علقمة: [الحيُّ القَيِّم].
قال أبو الفتح: أما [القيَّام] ففيعال من قام يقوم؛ لأن الله تعالى هو القيم على كل نفس، ومثله من الصفة على فيعال الغيْداق والبَيْطار، وأصله: القيْوَام، فلما التقت الواو والياء وسبقت الأولى بالسكون قلبت الواو ياء وأدغمت فيها الياء فصارت القيام، ومثله قولهم: "ما بالدار ديَّار"، وهو فيعال من دار يدور وأصلها دَيْوار، وأهل الحجاز يقولون للصَّوَّاغ: الصَّيَّاغ، فعلى هذا ينبغي أن يحمل لا على فَعَّال؛ لأنه كان يجب أن يكون صوَّاغًا، هذا هو الباب.
وأما الفيَّاد لِذَكر البوم فحمله أبو علي على أنه فَعَّال من الأسماء؛ وذلك أنه من فاد يفيد إذا تبختر. وأما الجيَّار للسُّعال فكذا يجب أن يكون أيضًا، وهو فَعَّال من لفظ "جَيْر" بمعنى نعم ومعناها؛ وذلك أن السَّعلة تجيب أختها كما أن جير جواب.
قال العجاج:
تجاوب الرَّعْدِ إذا تبوَّجا
وأنشدنا أبو علي:
إذا حنَّت الأولى سَجَعْنَ لها معا
[المحتسب: 1/151]
والحديث طويل لكن هذا طريقه.
وأما القَيِّم من قام يقوم بأمره، وهو من لفظ قيَّام ومعناه قال:
الله بيني وبين قيِّمها ... يفر مني بها وأَتَّبع
لما قال الشاعر هذا قيل له: لا، بل الله بين قيمها وبينك.
و{القيوم} قراءة الجماعة، فيعول من هذا أيضًا، ومثله الدَّيُّور في معنى الدَّيَّار). [المحتسب: 1/152]
قوله تعالى: {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (1- قوله تعالى: {وأنزل التوراة والإنجيل} [3]
قرأ نافع وحمزة {التوراة} بين الإمالة والتفخيم، غير أن حمزة يقف بالتاء.
وقرأ أبو عمرو والكسائي وورش، عن نافع {التورية} بالكسر لاجتماع الراء مع الياء.
وقرأ الباقون بالتفخيم على لفظ الكلمة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/108]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في إمالة الرّاء وفتحها من التوراة [آل عمران/ 3].
فقرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر: (التوراة) مفخّما.
وكان نافع وحمزة يلفظان: بالراء بين الفتح والكسر، وكذلك كانا يفعلان بقوله تعالى: مع الأبرار [آل عمران/ 193] ومن الأشرار [ص/ 62] ومن قرار [إبراهيم/ 26] وذات قرار [المؤمنون/ 50] إذا كان الحرف مخفوضا.
وقال ابن سعدان عن المسيّبي عن نافع: الراء مفتوحة، وكذلك قال ابن المسيبي عن نافع. وقال ورش عن نافع:
(التّورية)، بكسر الراء وكان أبو عمرو والكسائي يقرءان:
(التورية) مكسورة الراء ويميلان هذه الحروف أشد من إمالة حمزة ونافع أعني: (الأبرار) و (من قرار) وما أشبه ذلك. ابن عامر يشم الراء الأولى من (الأبرار) الكسر.
قال أبو علي: قالوا ورى الزند، يري، إذا قدح ولم يكب، وقالوا ورى وأوريته، وفي التنزيل: فالموريات قدحا [العاديات/ 2] وفيه: أفرأيتم النار التي تورون [الواقعة/ 71]. فأمّا قولهم: وريت بك زنادي على مثال شريت، فزعم
[الحجة للقراء السبعة: 3/10]
أبو عثمان: أنّه استعمل في هذا الكلام فقط لم يجاوز به غيره. وقال أبو زيد: ورى النّقي، يري، وريا: إذا كثر ودكه، قال: والواري: الكثير الودك. والوراء في اسم الجهة التي هي خلاف الأمام ليس من هذا، لأنّ تحقيره: وريئة، مثل وريعة.
وألحقت الهاء في تحقيرها، وإن كانت على أربعة أحرف كما ألحقت في قديديمة.
فأمّا الوراء: لولد الولد فيمكن أن يكون من هذا وقيل له:
وراء، كما قيل له: نجل.
وأنشد أبو زيد:
يا قاتل الله صبيانا تجيء بهم * أمّ الهنيبر من زند لها واري
[الحجة للقراء السبعة: 3/11]
قال السكري: ضرب الزّند مثلا للرحم، والزّند: تستخرج به النار، وقال أمية:
الحامل النار في الرّطبين يحملها... حتّى تجيء من اليبسين تضطرم
يأتي بها حيّة تهديك رؤيتها... من صلب أعمى أصمّ الصلب منقصم
روى محمد بن السري أن الرّطبين: هما العودان الرطبان، يعني: الشجر الذي فيه النار، واليبسين: هما العودان اليابسان، يعني: الزندين، يقول: تكون النار في عودين رطبين، فإذا جفا قدحا، فجاءت النار منهما، والأعمى الأصمّ: يعني الزّند، والزّند: الأعلى، والزندة: السفلى، وأصمّ الصّلب يعني:
العود، وأعمى: لا جوف له، يريد: يأتي بها حية للناس أي:
حياة لهم. فأمّا قولهم: التّريّة: لما تراه المرأة من الطهر [بعد الحيض] فيجوز أن تكون فعيلة من الوراء، لأنّها ترى بعد الصفرة والكدرة اللتين تريان في الحيض، وتكون فعيلة من: ورى الزند، يري، كأنّها من خروجها من الطهر بعد الحيض، فكأنّ الطهر أخرجه، والتاء في الوجهين بدل من الواو التي هي فاء، كما أنّها في «تيقور»، و «تولج» كذلك.
[الحجة للقراء السبعة: 3/12]
فأمّا القول في التوراة، فلا تخلو من أن تكون فوعلة، على قول الخليل: في تولج، أو تفعلة مثل تتفلة، أو تفعلة بالكسر وفتح العين كما فتح في: ناصاة، فممّا يدلّ على أنّها فوعلة، ليست تفعلة، مثل تتفلة، وتألب، أنّ هذا البناء يقلّ، وأنّ فوعلة في الكثرة بحيث لا يتناسبان، ولا إشكال في أن الحمل على الأكثر الأشيع أولى من الحمل على خلافه.
ويدلّك على ذلك أن التاء لم تكثر زائدة أوّلا كما لم تكثر النون أوّلا، فكما أنّ النون إذا جاءت أولا في نحو نهشل ونعثل، لا يحكم بزيادتها، لقلتها زائدة. أوّلا، كذلك لا يحكم بزيادة التاء.
فإن قلت: إنك إذا جعلته فوعلة، حكمت بإبدال الفاء التي هي واو: تاء، وإذا حكمت بزيادة التاء لم تجعلها بدلا، ولكنك جعلتها التاء التي زيدت في الكلمة، قيل:
ليس هذا باعتراض لأنّ الواو إذا كانت أوّلا فقد استمرّ البدل
[الحجة للقراء السبعة: 3/13]
فيها نحو وجوه، وأجوه، ووقّتت، وأقّتت، ووشاح، وإشاح ووفادة، وإفادة، ووجم، وأجم، ووناة وأناة، فإذا اجتمعا لزم الأول منهما البدل إمّا همزة وإمّا تاء، فالهمزة نحو الأولى في فعلى من الأول، وأواق في جمع واقية. وقد أبدلت التاء من الواو إذا كانت مفردة أوّلا نحو تيقور من الوقار، فهذا فيعول، وليس بتفعول كتعضوض، ألا ترى كثرة فيعول نحو سيهوج، وسيهوب، وديقوع. وقد أبدلت تاء أولى مفردة في نحو: تجاه، وتراث، وتخمة، وتكلان، وزعم أبو عثمان أنّ إبدال نحو تخمة، مضطرد، وقال أبو الحسن:
ليس بمطرد.
فإذا كثر إبدال التاء من الواو أوّلا، هذه الكثرة، كان حملها على هذا الكثير أولى من حملها على ما لم يكثر، ولم يتسع هذا الاتساع. ولا يقرب حملها أيضا على تفعلة لأنّه لا يخلو من أن تجعلها اسما نحو: تودية، أو مصدرا نحو:
توصية، فأمّا باب تودية فقليل، كما أنّ تفعلة كذلك، وباب توصية فيه اتساع وحمل على لغة لم نعلم منها شيئا في
[الحجة للقراء السبعة: 3/14]
التنزيل، فإذا لم يكن هذان الوجهان بالسهلين حملته على فوعلة دونهما للكثرة، ألا ترى أن نحو صومعة، وحوجلة ودوسرة، وعومرة، قد كثر؟.
ومن لم يمل التوراة. فلأنّ الراء حرف يمنع الإمالة، لما فيه من التكرير، كما يمنعها المستعلي، فكما أنّ الراء لو كان مكانها مستعل مفتوح لم تحسن الإمالة، كذلك إذا كانت الراء مفتوحة. وأيضا فإنّ ما بعد الواو من توراة لو كان منفصلا لم تكن فيه الإمالة كذلك إذا كان متصلا.
وقول من أمال: إنّ الألف لما كانت رابعة لم تخل من أن تشبه ألف التأنيث أو الألف المنقلبة عن الياء أو عن الواو.
وألف التأنيث تمال وإن كان قبلها مستعل كقولهم: فوضى وجوخى.
فكما أمالوا المستعلية معها كذلك يميلون الراء، وإذا أمالوا نحو صغا، وضغا، وشقا مع أنّ الواو تصحّ في هذا البناء الذي على ثلاثة أحرف فأن يميلوا فيما لا تصحّ الواو معه أجدر.
[الحجة للقراء السبعة: 3/15]
وممّا يقوّي ذلك أنّهم قد أمالوا اسم المفعول إذا كان فيه مستعل، نحو معطا، وإذا أمالوا مع المستعلي كانت الإمالة مع الراء أجود، لأنّ الإمالة على الراء أغلب منها على المستعلي، ألا ترى أنّه قد حكى الإمالة في نحو عمران ونحو فراش، وجراب، ولو كان مكان الراء المستعلي لم تكن فيها إمالة؟. وممّا يقوّي الإمالة في الراء من توراة أنّهم قد قالوا: رأيت علقا، وعرقا، وضيقا، فأمالوه للتشبيه بألف حبلى إلّا أنّ الأول من هذه الحروف مكسور وليس من التوراة كذلك والإمالة في فتحة الراء نحو الكسرة في نحو: مع الأبرار [آل عمران/ 193] ومن قرار [إبراهيم/ 26] أقوى منها في التوراة، وذلك أنّ الراء المكسورة قد غلبت المستعلي في نحو قارب وغارم وطارد، فلما غلبت المستعلي مع قوته على الإمالة كان أن تغلب الراء المفتوحة فتميل فتحها إلى الكسرة
[الحجة للقراء السبعة: 3/16]
أولى، لأنّ الراء، وإن كان فيها تكرير، صارت به كأنّها حرفان مفتوحان؛ فهي بزنة حرف واحد، فلمّا قويت على المستعلي كانت على الراء المفتوحة أقوى). [الحجة للقراء السبعة: 3/17]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن: [الأَنجيل] بفتح الهمزة.
قال أبو الفتح: هذا مثال غير معروف النظير في كلامهم؛ لأنه ليس فيه أفعيل بفتح الهمزة، ولو كان أعجميًّا لكان فيه ضرب من الحِجاج؛ لكنه عندهم عربي، وهو أفعيل من نجل ينجُل: إذا أثار واستخرج، ومنه نَجْلُ الرجل لولده؛ لأنه كأنه استخرجهم من صلبه وبطن امرأته، قال الأعشى:
أنجب أزمان والداه به ... إذ نَجَلاه فنعم ما نَجلا
أي: أنجب والداه به أزمان إذ نجلاه، ففصل بالفاعل بين المضاف الذي هو أزمان وبين المضاف إليه الذي هو إذ، كقولهم: حينئذ، ويومئذ، وساعتئذ، وليلتئذ.
وقال أبو النجم:
تنجُل أيديهن كل منْجل
يريد: أيدي الإبل؛ أي: تثير بأيديها في سيرها ما تمر به من نبت وحجر وغيرهما.
وقيل له: إنجيل؛ لأن به ما استخرج علم الحلال والحرام ونحوهما، كما قيل: توراة، وهو فوعلة من وَرَى الزنْد إذا قدح وأصله وَوْرَيَة، فأبدلت الواو التي هي الفاء تاء كما قالوا: التُّجاه والتُّخَمة والتُّكْلان والتَّيقُور، وهي من الوجه والوخامة والوكيل والوقار، وقلبت الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصارت توراة، فهذه من ورى الزند: إذا ظهرت ناره، وهذا من نَجَل ينجُل: إذا استَخْرج؛ لما في هذين الكتابين من معرفة الحِل والحِرْم كما قيل لكتاب نبينا -صلى الله عليه وسلم- الفرقان؛ لأنه فرَّق بين الحق والباطل، وهذا الحديث الذي نحن عليه من بابٍ
[المحتسب: 1/152]
ضُمنه كتابنا الخصائص وسَمتُه: باب في تلاقي المعاني على اختلاف الأصول والمباني؛ وذلك أن التوراة من لفظ ورى، والإنجيل من لفظ ن ج ل، والفرقان من ف ر ق، والتوارة فوعلة، والإنجيل إفعيل، والفرقان فُعلان. فالأصول مختلفة والمباني كذلك، والمعاني واحدة ومعتنقة، وكلها للإظهار والإبراز والفرق بين الأشياء، أفلا ترى إلى هذه الحكمة الممرور بها، الواطئة الأقدام عليها، المسهو لعادة الدعة وقلة المراعاة والمراجعة عنها؟
وفي كل شيء له شاهد ... يدل على أنه واحد
ونظائره تكاد تكون أكثر من الرمل، منه قولهم للمسك: صِوَار، فأصلاهما مختلفان: هذا من م س ك، وهذا من ص ور، ومثالاهما كذلك؛ لأن مِسْكًا فِعْلٌ، وصِوَار فِعَال، ومعنياهما واحد؛ وذلك لأنه سمي مسكًا لأنه بطيب رائحته يمسك الحس عليه استلذاذًا له، وصِوَار من صار يصور إذا عطف وجمع فأمسكت الشيء وعطفته وجمعته شيء واحد، ومنه قولهم: سحاب، قيل له ذلك كما قيل له حَبِيّ، فهذا من ح ب و، وهذا من س ح ب، وسحاب فَعال، وحبي فعيل، فالأصلان مختلفان، والمثالان اثنان، والمعنيان واحد، وذلك أنه لثقله ما ينسحب على وجه الأرض، وكذلك ما يحبو عليها، قالت امرأة تصف غيثًا:
وأقبل يزحف زحف الكسير ... كأن على عضديه رِفَاقا
وقال أوس أو عبيد:
دانٍ مسفٌ فويق الأرض هَيْدبُه ... يكاد يدفعه مَن قام بالرَّاح
واللطيف الحسن الجميل كثير؛ لكن أين لك بالمحسن المستثير؟ فهذا حديث هذا المثال الذي هو الإنجيل، وأما فتحه فغريب؛ ولكنه الشيخ أبو سعيد -نضر الله وجهه ونوَّر ضريحه- ونحن نعلم أنه لو مر بنا حرف لم نسمعه إلا من رجل من العرب لوجب علينا تسليمه له إذا أُونست فصاحته، وأن نَبْهأَ به، ونتحلى بالمذاكرة بإعرابه، فكيف الظن بالإمام في فصاحته وتحريه وثقته؟ ومعاذ الله أن يكون ذلك شيئًا جنح فيه إلى رأيه دون أن يكون أخذه عمن
[المحتسب: 1/153]
قبله، وبعد فقد حكى أبو زيد في السِّكِّينة: السَّكِّينة، بفتح السين وتشديد الكاف. فهذا فَعِّيلة وإن لم يكن لها نظير، وإفعيل أخو فِعِّيل، وأحسبني سمعت في بِرْطيل بَرْطيل، فهذا فَعليل بفتح الفاء، وأَفعيل وفَعليل وفَعِّيل يكاد يكون مثالًا واحدًا). [المحتسب: 1/154]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة إبراهيم فيما رواه المغيرة والأعمش عنه: [نَزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابُ بِالْحَقِّ] خفيفة الزاي، ورفع الباء من الكتاب.
قال أبو الفتح: هذه القراءة تدل على استقلال الجملة التي هي قوله عز اسمه: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ} .
ألا ترى أنه لا ضمير في قوله: [نَزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابُ] يعود على اسم الله تعالى؟ فعلى هذا ينبغي أن تكون جملة مستقلة أيضًا في قول مَن شدَّد الزاي ونصب الكتاب، فيكون اسم
[المحتسب: 1/160]
الله مرفوعًا بالابتداء، وقوله: {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} خبر عنه، ويكون {الْحَيُّ الْقَيُّومُ} صفة له وثناء عليه، وإن شئت جعلت قوله: {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} ثناء عليه معترضًا بين المبتدأ والخبر، ويكون {الْحَيُّ الْقَيُّومُ} خبرين عنه، كحلو حامض.
وإن شئت جعلت قوله: {لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} خبرًا عنه، و {الْحَيُّ الْقَيُّومُ} أيضًا خبرين عنه؛ فيكون له ثلاثة أخبار.
وإن شئت أن تخبر عن المبتدأ بعشرة أخبار أو بأكثر من ذلك جاز وحسن؛ لما يتضمنه كل خبر منها من الفائدة، فكأنه أخبر عنه وآثنى عليه، ثم أخذ يقص الحديث فقال: [نَزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابُ].
ومَن شدد الزاي ونصب "الكتاب" جاز أن يكون على قوله خبرًا رابعًا، وجاز أن يكون أيضًا جميع ما قبل "نزل" ثناء وإعظامًا، ويفرد قوله: [نَزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابُ] فيجعل خبرًا عنه؛ كقولك: الله سبحانه، وجل ثناؤه، وتقدست أسماؤه، يأمر بالعدل، وينهى عن السوء. وفيه اكثر من هذا؛ إلا أن في هذا مقنعًا بحمد الله). [المحتسب: 1/161]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (2- {التَّوْرَاةَ} [آية/ 3]:-
بفتح الراء في جميع القرآن، قرأها ابن كثير وعاصم ويعقوب.
وذلك لأن الراء حرف مكرر يمنع بالتكرير الذي فيه عن الإمالة، كما يمنع عنها الحرف المستعلي.
وقرأ نافع بين الفتح والكسر، وهو إلى الفتح أقرب، على عادته فيما تحسن فيه الإمالة، لأنه كره إشباع الإمالة والمصير إلى الياء، إذ رآهم يقلبون الياء في مثل ذلك ألفًا، فكره أن يقلب الألف ياء، ومنه هربوا.
وذلك لأن هذه الألف رابعة، فهي كألف التأنيث في كونها في حكم المنقلب عن الياء، وألف التأنيث قد تمال وإن كان قبلها المستعلي نحو: فوضى وجوخى، كما تمال الألف المنقلبة عن الواو أيضًا مع المستعلي في نحو: صفا وطفا، فإذا أميل مثل هذه الألف مع المستعلي فلأن تمال مع
[الموضح: 361]
حرف التكرير أولى؛ لأنه لا يبلغ حد المستعلي في منع الإمالة). [الموضح: 362]
مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآَيَاتِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (4)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108551#post108551)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 08:23 AM
سورة آل عمران
[من الآية (5) إلى الآية (6) ]
{إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (5) هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6)}
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ (5)}
قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (6)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108552#post108552)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 08:25 AM
سورة آل عمران
[من الآية (7) إلى الآية (9) ]
{هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7) رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8) رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9)}
قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آَيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آَمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ (7)}
قوله تعالى: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي واقد الجراح: [رَبَّنَا لا تَزِغْ قُلُوبُنا].
قال أبو الفتح: هذا في المعنى عائد إلى قراءة الجماعة: {لا تُزغْ قلوبَنا}؛ وذلك أنه في الظاهر طلب من القلوب ورغبة إليها، فهو كقول الراجز فيما أنشده ابن الأعرابي:
يا رب لا يرجع إلينا طِفْيلا
وفسره طفلًا، فظاهره الطلب والرغبة إلى ذلك الإنسان المدعو إليه؛ وإنما المسئول الله سبحانه، حتى كأنه قال: اللهم لا ترجعه إلينا، ويؤكد في ذلك النداء في قوله تعالى: [ربنا]، ويزيد في شرحه لك أنك تقول للأمير: لا ترهقني؛ لأنه يملك التنفيس عنك، ولا تقول له: أيها الأمير، أدخلني الجنة؛ لأن ذلك ليس له ولا إليه؛ فقد علمت إذن أن معنى [لا تَزِغْ قلوبُنا] هو معنى [لا تُزغ قلوبَنا]؛ ألا ترى أن القلوب لا تملك شيئًا فيطلب منها؟ فالمسئول إذن واحد وهو الله سبحانه). [المحتسب: 1/154]
قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108553#post108553)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 08:59 AM
سورة آل عمران
[من الآية (10) إلى الآية (13) ]
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10) كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11) قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12) قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (13)}
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ (10)}
قوله تعالى: {كَدَأْبِ آَلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ (11)}
قوله تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ إِلَى جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (12)}
و منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ستغلبون وتحشرون.. (12) و: (يرونهم مثليهم).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم: (ستغلبون وتحشرون) بالتاء و(يرونهم) بالياء.
وقرأ نافع ويعقوب: (ستغلبون وتحشرون) و: (ترونهم) كله بالتاء.
وقرأ حمزة والكسائي: (سيغلبون ويحشرون) و(يرونهم مثليهم) بالياء ثلاثتهن.
وروى أبان عن عاصم: (ترونهم) بالتاء، وقال الفراء: من قرأ بالياء (سيغلبون ويحشرون) فإنه ذهب بها إلى
[معاني القراءات وعللها: 1/242]
مخاطبة اليهود وإلى أن الغلبة تقع على المشركين بعد يوم أحد، وذلك أن النبي صلى الله عليه لما هزم المشركين يوم بدر قال اليهود: هذا النبي الذي لا ترد له راية، فلما نكب المسلمون يوم أحد كذبوا ورجعوا، فأنزل الله تبارك وتعالى: يا محمد قل لليهود: سيغلب المشركون ويحشرون إلى جهنم.
فليس في هذا المعنى إلا الياء.
قال الفراء: ومن قرأ بالتاء جعل اليهود والمشركين كأنهم شيء واحد داخلين في الخطاب، فيجوز على هذا المعنى ستغلبون بالياء والتاء.
وهذا كما تقول في الكلام: قل لعبد الله إنه قائم وإنك قائم.
وأخبرني المنذري عن أحمد بن يحيى أنه قال: الاختيار عندنا بالياء لأنه جلّ وعزّ خاطب اليهود، وأخبر أن مشركي أهل مكة سيغلبون، والتفسير عليه.
[معاني القراءات وعللها: 1/243]
وقال الزجاج: من قرأها بالتاء فللحكاية والمخاطبة، أي: قل لهم في خطابك ستغلبون.
قال: ومن قرأ (سيغلبون) فالمعنى بلغهم أنهم سيغلبون.. ). [معاني القراءات وعللها: 1/244] (م)
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (2- وقوله تعالى: {قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون} [12]
و {يؤونهم} [13]
قرأ حمزة والكسائي ثلاثهن بالياء.
وقرأهن نافع بالتاء.
وقرأ الباقون {ستغلبون وتحشرون} بالتاء {يرونهم}، بالياء، والأمر بينهن قريب.
فمن قرأ بالتاء تقديره: قل يا محمد ستغلبون، وتحشرون. ومن قرأ بالياء أخبر عن غيب، ومثل ذلك في الكلام أن تقول: قلت لزيد أن سيركب وستركب كل ذلك صواب). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/108] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله عزّ وجلّ: سيغلبون، ويحشرون [آل عمران/ 12] ويرونهم مثليهم [آل عمران/ 13].
فقرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وابن عامر: ستغلبون وتحشرون بالتاء، ويرونهم بالياء.
وحكى أبان عن عاصم: ترونهم بالتاء، وفي رواية أبي بكر بالياء.
وقرأ نافع: ستغلبون، وتحشرون، وترونهم بالتاء ثلاثتهن.
وقرأ حمزة والكسائيّ بالياء ثلاثتهن.
قال أبو علي: قوله: قل للذين كفروا...
[آل عمران/ 12] يجوز أن يعنى به اليهود والمشركون جميعا، يدلّ على ذلك قوله تعالى: ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين [البقرة/ 105] ففسر الذين كفروا
[الحجة للقراء السبعة: 3/17]
بالقبيلين، وكذلك قوله جلّ وعزّ: لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين [البينة/ 1] فالتقدير على هذا: قل للقبيلين: ستغلبون.
ويدلّ على حسن التاء هنا والمخاطبة قوله تعالى: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة [آل عمران/ 81] والآية كلّها على الخطاب. وكذلك قول من قرأ: ستغلبون بالتاء.
وللتاء على الياء مزية ما في الحسن، وهو أنّه إذا قيل:
سيغلبون فقد يمكن أن يكون المغلوبون والمحشورون من غير المخاطبين، وأنّهم قوم آخرون، فإذا كان بالخطاب، لم يجز أن يظنّ هذا.
وحجة من قرأ بالياء قوله تعالى: قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف [الأنفال/ 38] وقوله تعالى: قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون [الجاثية/ 14] والدّليل على حسن مجازهما جميعا أنّهم زعموا أنّ في حرف عبد الله: قل للذين كفروا إن تنتهوا نغفر لكم. فأمّا قوله: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم [النور/ 30] فظاهره يقوّي قول من قرأ بالياء. ألا ترى
[الحجة للقراء السبعة: 3/18]
أنّه قال: يغضوا، ولم يقل: غضوا، فيكون للخطاب كقراءة من قرأ ستغلبون وكذلك: وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن [النور/ 31].
إلّا أنّ من الناس من يحمل هذا على إضمار لام الأمر، وإضمار الجازم لم نعلمه جاء في حال السعة، وقد قيل: إنّ الذين كفروا: اليهود. والضمير في سيغلبون للمشركين، فعلى هذا القول لا يكون سيغلبون إلّا بالياء، لأنّ المشركين غيب.
والخطاب لهم، وما تقدّم ذكره أوجه لما ذكرناه من جواز وقوع الذين كفروا على الفريقين، ولأنّهما جميعا مغلوبان، فاليهود وأهل الكتاب غلبوا بوضع الجزى عليهم، وحشرهم لأدائها، والمشركون غلبوا بالسيف، فالقول الأول أبين. ومن قرأ: (يرونهم) بالياء، فلأنّ بعد الخطاب غيبة، وهو قوله: فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم [آل عمران/ 13] أي: ترى الفئة المقاتلة في سبيل الله الفئة الكافرة مثليهم.
ومما يؤكد الياء قوله: مثليهم، ولو كان على التاء لكان:
مثليكم، وإن كان قد جاء: وما آتيتم من زكاة [الروم/ 39] ثمّ قال: فأولئك هم المضعفون [الروم/ 39] ورأيت هنا المتعدية إلى مفعول واحد يدلّك على ذلك تقييده برأي العين، وإذا كان كذلك، كان انتصاب مثليهم على الحال لا على أنّه مفعول ثان.
وأمّا مثل فقد يفرد في موضع التثنية والجمع.
[الحجة للقراء السبعة: 3/19]
فمن الإفراد في التثنية قوله:
وساقيين مثل زيد وجعل... سقبان ممشوقان مكنوزا العضل
ومن إفراده في الجمع قوله تعالى: إنكم إذا مثلهم [النساء/ 140]. ومن جمعه قوله: ثم لا يكونوا أمثالكم [محمد/ 38]. وأمّا قوله: ترونهم مثليهم [آل عمران/ 13] ويرونهم فمن قرأ بالتاء فللخطاب الذي قبله، وهو قوله: قد كان لكم آية في فئتين... ترونهم مثليهم فالضمير المرفوع في ترونهم للمسلمين، والضمير المنصوب للمشركين. المعنى: ترون- أيّها المسلمون- المشركين مثلي المسلمين، وكان المشركون تسع مائة وخمسين رجلا، فرآهم المسلمون ستمائة وكسرا، وأرى الله المشركين أن المسلمين أقلّ من ثلاثمائة، وذلك أن المسلمين قد قيل لهم: فإن تكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين [الأنفال/ 66] فأراهم
[الحجة للقراء السبعة: 3/20]
الله عددهم حسب ما حدّ لهم من العدد الذي يلزمهم أن يقدموا عليه، ولا يحجموا عنهم.
ومثل هذا في المعنى، قوله: وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا، ويقللكم في أعينهم [الأنفال/ 44] وقال قتادة: كان المشركون تسع مائة وخمسين رجلا، وكان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا). [الحجة للقراء السبعة: 3/21] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قل للّذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم وبئس المهاد}
قرأ حمزة والكسائيّ (سيغلبون ويحشرون) بالياء فيهما أي بلغهم بأنّهم سيغلبون وحجتهما إجماع الجميع على قوله {قل للّذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} ويقوّي الياء أن
[حجة القراءات: 153]
أهل التّفسير تأولوا في ذلك أن النّبي صلى الله عليه وسلم لما هزم المشركين يوم بدر قالت اليهود بعضهم لبعض هذا هو النّبي الّذي لا ترد له راية فصدقوا فقال بعضهم لا تعجلوا بتصديقه حتّى تكون وقعة أخرى فلمّا اصاب المسلمين يوم أحد ما أصابهم شكوا في أمره وخالفوه فأنزل الله قل يا محمّد سيغلبون ويحشرون
وقرأ الباقون {ستغلبون وتحشرون} بالتّاء على المخاطبة أي قل لهم في خطابك {ستغلبون وتحشرون} وحجتهم قوله {قل للّذين كفروا} فقد أمره أن يخاطبهم والمخاطبة لهم أن يقول في وجوههم {ستغلبون وتحشرون} بالتّاء). [حجة القراءات: 154]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (3- قوله: {ستغلبون وتحشرون} قرأهما حمزة والكسائي بالياء، وقرأهما الباقون بالتاء.
4- وحجة من قرأ بالتاء أنه أمر من الله لنبيه أن يخاطبهم بهذا، فهو خطاب للكفار من النبي بأمر الله له، والتاء للخطاب لليهود، بأنهم سيغلبون ويحشرون إلى جهنم، وقد قيل: إن الخطاب لليهود والمشركين، لأن كل فريق منهم كافر، فخوطبوا وأعلموا بوقوع الغلبة عليهم، ثم يحشرهم إلى جنهم.
5- وحجة من قرأ بالياء أنه أتى به على لفظ الغيبة؛ لأنهم غيب، حين أمر الله نبيه بالقول لهم، وهم اليهود، وقيل: هم المشركون، وكلاهما غائب، فإذا كانوا المشركين فهم أقوى في الغيبة، لأن المعنى: قل يا محمد لليهود سيُغلب المشركون ببدر ويحشرون إلى جهنم، ويقوي ذلك إجماعهم على الياء في قوله: {قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف} «الأنفال 38» وإجماعهم
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/335]
على الياء في قوله: {قل للذين آمنوا يغفروا} «الجاثية 14»، و{قل للمؤمنين يغضوا} «النور 30»، والتاء أحب إلي لإجماع الحرميين وعاصم وغيرهم على ذلك). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/336]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (3- {سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ} [آية/ 12]:-
بالياء فيهما، قرأها حمزة والكسائي.
وذلك لأنهم غيب وإن كانوا مأمورًا بخطابهم، يؤيد ذلك قوله تعالى {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} و{قُلْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ الله}.
وقرأ الباقون بالتاء فيهما.
وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بأن يقول لهم ذلك ويخاطبهم به، فكأنه قال: خاطبهم بذلك، وهذا كما تقول: قل لعبد الله إنك مضروب، ويجوز إنه مضروب، والأول أظهر). [الموضح: 362]
قوله تعالى: {قَدْ كَانَ لَكُمْ آَيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشَاءُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ (13)}
و منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ستغلبون وتحشرون.. (12) و: (يرونهم مثليهم).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم: (ستغلبون وتحشرون) بالتاء و(يرونهم) بالياء.
وقرأ نافع ويعقوب: (ستغلبون وتحشرون) و: (ترونهم) كله بالتاء.
وقرأ حمزة والكسائي: (سيغلبون ويحشرون) و(يرونهم مثليهم) بالياء ثلاثتهن.
وروى أبان عن عاصم: (ترونهم) بالتاء، وقال الفراء: من قرأ بالياء (سيغلبون ويحشرون) فإنه ذهب بها إلى
[معاني القراءات وعللها: 1/242]
مخاطبة اليهود وإلى أن الغلبة تقع على المشركين بعد يوم أحد، وذلك أن النبي صلى الله عليه لما هزم المشركين يوم بدر قال اليهود: هذا النبي الذي لا ترد له راية، فلما نكب المسلمون يوم أحد كذبوا ورجعوا، فأنزل الله تبارك وتعالى: يا محمد قل لليهود: سيغلب المشركون ويحشرون إلى جهنم.
فليس في هذا المعنى إلا الياء.
قال الفراء: ومن قرأ بالتاء جعل اليهود والمشركين كأنهم شيء واحد داخلين في الخطاب، فيجوز على هذا المعنى ستغلبون بالياء والتاء.
وهذا كما تقول في الكلام: قل لعبد الله إنه قائم وإنك قائم.
وأخبرني المنذري عن أحمد بن يحيى أنه قال: الاختيار عندنا بالياء لأنه جلّ وعزّ خاطب اليهود، وأخبر أن مشركي أهل مكة سيغلبون، والتفسير عليه.
[معاني القراءات وعللها: 1/243]
وقال الزجاج: من قرأها بالتاء فللحكاية والمخاطبة، أي: قل لهم في خطابك ستغلبون.
قال: ومن قرأ (سيغلبون) فالمعنى بلغهم أنهم سيغلبون.. ). [معاني القراءات وعللها: 1/244] (م)
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (2- وقوله تعالى: {قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون} [12]
و {يؤونهم} [13]
قرأ حمزة والكسائي ثلاثهن بالياء.
وقرأهن نافع بالتاء.
وقرأ الباقون {ستغلبون وتحشرون} بالتاء {يرونهم}، بالياء، والأمر بينهن قريب.
فمن قرأ بالتاء تقديره: قل يا محمد ستغلبون، وتحشرون. ومن قرأ بالياء أخبر عن غيب، ومثل ذلك في الكلام أن تقول: قلت لزيد أن سيركب وستركب كل ذلك صواب). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/108] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله عزّ وجلّ: سيغلبون، ويحشرون [آل عمران/ 12] ويرونهم مثليهم [آل عمران/ 13].
فقرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وابن عامر: ستغلبون وتحشرون بالتاء، ويرونهم بالياء.
وحكى أبان عن عاصم: ترونهم بالتاء، وفي رواية أبي بكر بالياء.
وقرأ نافع: ستغلبون، وتحشرون، وترونهم بالتاء ثلاثتهن.
وقرأ حمزة والكسائيّ بالياء ثلاثتهن.
قال أبو علي: قوله: قل للذين كفروا...
[آل عمران/ 12] يجوز أن يعنى به اليهود والمشركون جميعا، يدلّ على ذلك قوله تعالى: ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين [البقرة/ 105] ففسر الذين كفروا
[الحجة للقراء السبعة: 3/17]
بالقبيلين، وكذلك قوله جلّ وعزّ: لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين [البينة/ 1] فالتقدير على هذا: قل للقبيلين: ستغلبون.
ويدلّ على حسن التاء هنا والمخاطبة قوله تعالى: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة [آل عمران/ 81] والآية كلّها على الخطاب. وكذلك قول من قرأ: ستغلبون بالتاء.
وللتاء على الياء مزية ما في الحسن، وهو أنّه إذا قيل:
سيغلبون فقد يمكن أن يكون المغلوبون والمحشورون من غير المخاطبين، وأنّهم قوم آخرون، فإذا كان بالخطاب، لم يجز أن يظنّ هذا.
وحجة من قرأ بالياء قوله تعالى: قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف [الأنفال/ 38] وقوله تعالى: قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون [الجاثية/ 14] والدّليل على حسن مجازهما جميعا أنّهم زعموا أنّ في حرف عبد الله: قل للذين كفروا إن تنتهوا نغفر لكم. فأمّا قوله: قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم [النور/ 30] فظاهره يقوّي قول من قرأ بالياء. ألا ترى
[الحجة للقراء السبعة: 3/18]
أنّه قال: يغضوا، ولم يقل: غضوا، فيكون للخطاب كقراءة من قرأ ستغلبون وكذلك: وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن [النور/ 31].
إلّا أنّ من الناس من يحمل هذا على إضمار لام الأمر، وإضمار الجازم لم نعلمه جاء في حال السعة، وقد قيل: إنّ الذين كفروا: اليهود. والضمير في سيغلبون للمشركين، فعلى هذا القول لا يكون سيغلبون إلّا بالياء، لأنّ المشركين غيب.
والخطاب لهم، وما تقدّم ذكره أوجه لما ذكرناه من جواز وقوع الذين كفروا على الفريقين، ولأنّهما جميعا مغلوبان، فاليهود وأهل الكتاب غلبوا بوضع الجزى عليهم، وحشرهم لأدائها، والمشركون غلبوا بالسيف، فالقول الأول أبين. ومن قرأ: (يرونهم) بالياء، فلأنّ بعد الخطاب غيبة، وهو قوله: فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم [آل عمران/ 13] أي: ترى الفئة المقاتلة في سبيل الله الفئة الكافرة مثليهم.
ومما يؤكد الياء قوله: مثليهم، ولو كان على التاء لكان:
مثليكم، وإن كان قد جاء: وما آتيتم من زكاة [الروم/ 39] ثمّ قال: فأولئك هم المضعفون [الروم/ 39] ورأيت هنا المتعدية إلى مفعول واحد يدلّك على ذلك تقييده برأي العين، وإذا كان كذلك، كان انتصاب مثليهم على الحال لا على أنّه مفعول ثان.
وأمّا مثل فقد يفرد في موضع التثنية والجمع.
[الحجة للقراء السبعة: 3/19]
فمن الإفراد في التثنية قوله:
وساقيين مثل زيد وجعل... سقبان ممشوقان مكنوزا العضل
ومن إفراده في الجمع قوله تعالى: إنكم إذا مثلهم [النساء/ 140]. ومن جمعه قوله: ثم لا يكونوا أمثالكم [محمد/ 38]. وأمّا قوله: ترونهم مثليهم [آل عمران/ 13] ويرونهم فمن قرأ بالتاء فللخطاب الذي قبله، وهو قوله: قد كان لكم آية في فئتين... ترونهم مثليهم فالضمير المرفوع في ترونهم للمسلمين، والضمير المنصوب للمشركين. المعنى: ترون- أيّها المسلمون- المشركين مثلي المسلمين، وكان المشركون تسع مائة وخمسين رجلا، فرآهم المسلمون ستمائة وكسرا، وأرى الله المشركين أن المسلمين أقلّ من ثلاثمائة، وذلك أن المسلمين قد قيل لهم: فإن تكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين [الأنفال/ 66] فأراهم
[الحجة للقراء السبعة: 3/20]
الله عددهم حسب ما حدّ لهم من العدد الذي يلزمهم أن يقدموا عليه، ولا يحجموا عنهم.
ومثل هذا في المعنى، قوله: وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا، ويقللكم في أعينهم [الأنفال/ 44] وقال قتادة: كان المشركون تسع مائة وخمسين رجلا، وكان أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلا). [الحجة للقراء السبعة: 3/21] (م)
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن عباس وطلحة: [يُرَوْنَهم مِثلَيهم] بياء مضمومة.
قال أبو الفتح: هذه قراءة حسنة المعنى؛ وذلك أن رَأيتُ وأرى أقوى في اليقين من أُريتُ وأُرَى، تقول: أرى أن سيكون كذا؛ أي: هذا غالب ظني، وأرى أن سيكون كذا؛ أي: أعلمه وأتحققه؛ وسبب ذلك أن الإنسان قد يُريه غيره الشيء فلا يصح له، فمعناه إذن أن غيره يشرع في أن يراه ولا أنه هو لا يراه، وأما أرى فإخبار بيقين منه، فكذلك هذه الآية: [يُرَوْنَهم مِثلَيهم] أي: يُصوَّر لهم ذلك وإن لم يكن حقًّا؛ لأن الشيء الواحد لا يكون اثنين
[المحتسب: 1/154]
في حال واحد؛ ولكن قد يُظن ويتوهم شيئين بل أشياء كثيرة، ومثله قول الله تعالى: {إِذْ يُرِيكَهُمُ اللَّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلًا}، فهذا يُحسِّن هذه القراءة.
وأما قراءة الجماعة: {يَرَوْنَهم } فلأنها أقوى معنى؛ وذلك أنه أوكد لفظًا؛ أي: حتى لا يقع شك فيهم ولا ارتياب بهم أنهم مثلاهم، فهذا أبلغ في معناه من أن يكون مُرٍ يُرِيهم ذلك، فقد يجوز أن يتم له ذلك وقد لا، هذا في ظاهر الأمر؛ فأما على اليقين ومع الحقيقة فلا يجوز أن يكون الشيء الواحد شيئين اثنين فيما له كان واحدًا، ومما جاء مفصولًا فيه بين أَرَى وأُرَى قوله:
تَرَى أو تُراءَى عند معقِد غَرْزِها ... تهاويل من أجلاد هر مؤوَّم
فلما قال: "ترى" استكثر ذلك؛ لأنه مع التحصيل لا حقيقة له، فأتبعه بما لان له القول الأول، فقال: أو تراءى، فاعرف ذلك). [المحتسب: 1/155]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين}
قرأ نافع (ترونهم مثليهم) بالتّاء على مخاطبة اليهود وحجته أن الكلام قبل ذلك جرى بمخاطبة اليهود وهو قوله {قد كان لكم آية} فإلحاق هذا أيضا بما تقدم أولى ومعنى الكلام قد كان يا معشر اليهود آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وهم رسول الله صلى الله عليه وأصحابه ببدر وأخرى كافرة وهم مشركون ترونهم أنتم أيها اليهود مثلي الفئة الّتي تقاتل في سبيل الله
وقرأ الباقون بالياء وحجتهم ما روي عن أبي عمرو قال أبو عمرو لو كانت ترونهم لكانت مثليكم قال الفراء
[حجة القراءات: 154]
من قرأ بالتّاء فإنّه ذهب إلى اليهود ومن قرأ بالياء فعل ذلك كما قال {حتّى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم} فإن شئت جعلت يرونهم من المسلمين دون اليهود أي يرى المسلمون المشركين مثليهم). [حجة القراءات: 155]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (6- قوله: {يرونهم} قرأه نافع بالتاء، وقرأ الباقون بالياء.
7- ووجه القراءة بالتاء أن قبله خطابا، فجرى آخر الكلام عليه، وهو قوله: {قد كان لكم} فجرى {ترونهم} على الخطاب في {لكم}، فيحسن أن يكون الخطاب للمسلمين، والهاء والميم للمشركين، وقد كان يلزم من قرأ بالتاء أن يقرأ {مثليكم} وذلك لا يجوز، لمخالفة الخط، ولكن جرى الكلام على الخروج من الخطاب إلى الغيبة، فهو في القرآن وكلام العرب كثير، بمنزلة قوله تعالى: {حتى إذا كنتم في الفلك} ثم قال: {وجرين بهم} «يونس 22» فخاطب ثم عاد إلى الغيبة، ومثله: {وما آتيتم من زكاة} ثم قال: {فأولئك هم المضعفون} «الروم 39»، فرجع إلى الغيبة، ولاهاء والميم في {مثليهم} يحتمل أن تكون للمشركين، أي: ترون أيها المسلمون المشركين مثلي ما هم عليه من العدد، وهو بعيد في المعنى؛ لأن الله لم يكثر المشركين في أعين المؤمنين، بل أعلمنا أنه قللهم في أعين المؤمنين، ويحتمل أن يكون الضمير للمسلمين، أي: ترون أيها المسلمون مثلي ما هم عليه من العدد، أي: ترون أنفسكم مثلي عددكم، فعل الله ذلك بهم لتقوى أنفسهم على لقاء المشركين، ويحتمل أن يكون المعنى: ترون أيها المسلمون المشركين مثليكم في العدد، وقد كانوا ثلاثة أمثالهم، فللهم الله في أعين المسلمين، لتقوى أنفسهم، ويجسروا على لقائهم، وتصديق هذا القول قوله: {إذ يريكهم الله في منامك قليلًا} «الأنفال 43» {وإذ يريكموهم إذا التقيتم في أعينكم قليلًا} «الأنفال 44».
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/336]
8- ووجه القراءة بالياء أن قبله لفظ غيبة، فحمل آخر الكلام على أوله، وهو قوله: {فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة}، فالرؤية للفئة المقاتلة في سبيل الله والمرئية الفئة الكافرة، فالهاء والميم في {مثليهم} للفئة المقاتلة في سبيل الله والمرئية الفئة الكافرة، فالهاء والميم في {مثليهم} للفئة المقاتلة في سبيل الله، والمعنى: يُري الفئة المقاتلة في سبيل الله للفئة الكافرة مثلي الفئة المؤمنة، وقد كانت الفئة الكافرة ثلاثة أمثال المؤمنة، فقللهم الله في أعنيهم ليقوي نفوسهم، وليثبتوا على ما فرض الله عليهم، من أن لا يفر الواحد من اثنين، على ما ذكر في سورة الأنفال، وإنما أرى الله المسلمين المشركين مثليهم؛ لأنه تعالى ضمن لهم الغلبة على المشركين بقوله: {إن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين} «الأنفال 66»، وكذلك قال: {وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلًا} ويبعد أن تكون الهاء والميم في {مثليهم} لـ «الفئة الكافرة» لأن الله لم يخبر أنه كثَّر الفئة الكافرة في أعين المؤمنين، إنما أعلمنا أنه قللهم في أعين المؤمنين، والخطاب في {لكم} لليهود، وانتصاب {مثليهم} على الحال؛ لأن ترى من رؤية البصر لا يتعدى إلى مفعولين، ودل على أنه من رؤية البصر قوله: {رأي العين} ). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/337]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (4- {يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ} [آية/ 13]:-
بالتاء، قرأها نافع ويعقوب.
وذلك لأن ما قبله خطاب، وهو قوله تعالى {قَدْ كانَ لكمْ آيةٌ} والمعنى ترون أيها المسلمون المشركين مثلي المسلمين، والقياس مثليكم، ولكن لما
[الموضح: 362]
كان المخاطبون هم الفئة المقاتلة أعاد الضمير اليهم.
وقرأ الباقون {يَرَوْنَهُمْ} بالياء.
وذلك لأن بعد الخطاب غيبة، وهو قوله تعالى {فئَةٌ تُقَاتِلُ} {وَأخْرَى} {يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ} أي ترى الفئة المقاتلة في سبيل الله الفئة الكافرة مثلي أنفسهم). [الموضح: 363]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108554#post108554)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 09:03 AM
سورة آل عمران
[من الآية (14) إلى الآية (17) ]
{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14) قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17)}
قوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآَبِ (14)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة مجاهد: [زَيَّنَ لِلنَّاسِ حُبَّ الشَّهَوَاتِ] بفتح الزاي والياء.
قال أبو الفتح: فاعل هذا الفعل إبليس، ودل عليه ما يتردد في القرآن من ذكره، فهذا نحو قول الله تعالى: {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ}، وما جرى هذا المجرى). [المحتسب: 1/155]
قوله تعالى: {قُلْ أَؤُنَبِّئُكُمْ بِخَيْرٍ مِنْ ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (15)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ورضوانٌ من اللّه... (15).
قرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر: (ورضوانٌ) بضم الراء في كل القرآن، إلا قوله في المائدة: (من اتبع رضوانه) فإنه كسر الراء ها هنا، وهذه رواية يحيى عن أبي بكر.
وقال الأعشى: (رضوانه) بالضم مثل سائر القرآن.
وكسر الباقون الراء في جميع القرآن، وكذلك روى حفص عن عاصم.
قال أبو منصور: الرّضوان والرّضوان لغتان فصيحتان، من رضي يرضى، إلا أن الكسر أكثر في القراءة، وهو الاختيار). [معاني القراءات وعللها: 1/244]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قل أؤنبّئكم... (15)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب: (أنبّئكم) بهمزة واحدة مقصورة.
وقرأ نافع: (ءانبئكم) بهمزة مطولة.
[معاني القراءات وعللها: 1/246]
وقرأ الباقون: (أؤنبّئكم) بهمزتين.
وقال أبو منصور: وهي لغات صحيحة فاقرأ بأيها شئت). [معاني القراءات وعللها: 1/247]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (3- وقوله تعالى: {ورضوان من الله} [15].
قرأ عاصم في رواية أبي بكر: {ورضوان} بضم الراء في كل القرآن إلا
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/108]
حرفًا واحدًا في سورة (المائدة) {من اتبع رضوانه} فإنه يكسر الراء فيها.
وقرأ الباقون كل ذلك بالكسر، وهي اللغة المشهورة. ومن ضم الراء فله حجتان:
إحداهُما: أنه فَّرق بين الاسم والمصدر، وذلك أن اسم خازن الجنة رضوان، ورُضوان مصدر، رضي يرضى رضً ورضوانًا، وغفر غفرانًا.
والحجة الأخرى: أن (فعلانًا) في المصادر يأتي منه كسر للضم، كقولك: رجل قُنعان إذا رضي الخصمان به وبحكمه، والفرقان لكل ما فَّرق بين الشيئين). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/109]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في كسر الراء وضمّها من قوله تعالى: ورضوان [آل عمران/ 15].
فقرأ عاصم في رواية أبي بكر: (ورضوان) بضم الراء في كلّ القرآن إلّا قوله في المائدة [16]: من اتبع رضوانه فإنّه كسر الراء فيه. وقال شيبان عن عاصم، وابن أبي حمّاد عن أبي بكر عن عاصم، والأعشى عن أبي بكر عن عاصم، بضم الراء، في كل ذلك. وقال محمد بن المنذر عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم أنّه ضمّه كلّه.
[الحجة للقراء السبعة: 3/21]
[حدثنا ابن مجاهد قال]: حدثني محمد بن الجهم عن ابن أبي أميّة عن أبي بكر عن عاصم: (رضوان) و (رضوانا) [المائدة/ 2] بضمّ الراء في كلّ القرآن، وكذلك حدّثني ابن صدقة عن أبي الأسباط عن ابن أبي حماد عن أبي بكر عن عاصم. وقال حفص عن عاصم: مكسور كلّه، وقرأ الباقون: (رضوان) كسرا.
قال أبو علي: رضوان مصدر، فمن كسر جعله كالرّئمان والحرمان، ومن ضمّ فقد قال سيبويه: رجح رجحانا، كما قالوا: الشكران والرّضوان). [الحجة للقراء السبعة: 3/22]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قل أؤنبئكم بخير من ذلكم للّذين اتّقوا عند ربهم جنّات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله}
ذكر أبو بكر ابن مجاهد في كتابه عن أبي عبد الرّحمن اليزيدي عن أبيه قال لقيني الخليل بن أحمد في حياة أبي عمرو قال لي لم قرأ {أؤلقي الذّكر} و(آؤنزل) ولم يقرأ {أؤنبئكم} قال فلم أدر ما أقول له فرحت إلى أبي عمرو فذكرت له ما قال الخليل فقال فإذا ليقته فأخبره أن هذا من نبأت وليس من أنبأت قال فلقيته فأخبرته بقول أبي عمرو فسكت
أبو بكر قال هذا شيء لا أدري ما معناه اللّهمّ إلّا أن يكون الّذي علم منه شيئا منع غيره أن يعلمه وإن كانت العربيّة فلا فرق بين اجتماع الهمزتين من نبأت ولا من أنبأت
قال الشّيخ أبو زرعة رضي الله عنه سألت أبا عبد الله الخطيب
[حجة القراءات: 155]
عن هذا فقال إن أبا عمرو أشار إلى أنه يرى الفصل بالألف بين الهمزتين المتلازمتين نحو همزة الاستفهام إذا دخلت على همزة ثانية في الفعل الماضي نحو أفعل لأن هذا المثال مبنيّ على الهمزة فهي تصحبه في متصرفاته إمّا مقدرة في اللّفظ وإمّا مقدرة في النّيّة ففي اللّفظ في الماضي والمصدر نحو أنذر إنذارا وفي التّقدير في المستقبل نحو أنذر واصله أؤنذر بهذه الهمزة الّتي بني الفعل عليها بملازمتها له هي أثقل من الهمزة الّتي تعرض من جملة امثلة الأفعال في مثال واحد وهي في إخبار المتكلّم عن نفسه بفعل مستقبل فلمّا كانت أثقل كان الفصل معها أوجب ولما كانت العارضة في حال واحدة أخف لم يحتج عند دخول ألف الاستفهام عليها إلى الفصل بينها وبينها لخفتها والهمزة في {أؤنبئكم} عارضة في المستقبل وليست ثابتة في الماضي والمصدر والهمزة في أنذر ثابتة في الماضي والمصدر
قرأ أبي عن نافع {قل أؤنبئكم} بهمزة واحدة مطوّلة والأصل في هذا {أؤنبئكم} بهمزتين ثمّ زاد الألف الفاصلة بينهما ليبعد المثل عن المثل ويزول الاجتماع فيخف اللّفظ فصار آؤنبئكم وهذه قراءة هشام ثمّ لين الهمزة الثّانية فصار {أؤنبئكم}
وقرأ نافع إلّا ما ذكرنا وبان كثير وأبو عمرو {أؤنبئكم} بهمزة
[حجة القراءات: 156]
واحدة من غير مد الأصل في هذا أؤنبئكم بهمزتين مثل ما ذكرنا ثمّ لينوا الهمزة الثّانية ولم يدخلوا بينهما ألفا
وقرأ الباقون بهمزتين على أصل الكلمة وقد ذكرنا الحجّة في سورة البقرة
قرأ أبو بكر عن عاصم {ورضوان من الله} بصم الرّاء في جميع القرآن إلّا في سورة المائدة فإنّه قرأ بالكسرة وفي رواية الأعشى قرأ بالضّمّ أيضا وحجته أنه فرق بين الاسم والمصدر وذلك أن اسم خازن الجنّة رضوان كذا جاء في الحديث ورضوان مصدر رضي يرضى رضى ورضوانا ففرق بين الاسم والمصدر
وقرأ الباقون بالكسر وحجتهم أن ذلك لغتان معروفتان يقال رضي يرضى رضى ومرضاة ورضوانا ورضوانا والمصادر تأتي على فعلان وفعلان فأما فعلان فقوله عرفته عرفانا وحسبته حسبانا وأما فعلان فقولهم غفرانك لا كفرانك). [حجة القراءات: 157]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (9- قوله: {رضوان} قرأه أبو بكر بضم الراء حيث وقع، إلا قوله في المائدة: {رضوانه سبل السلام} «16» فإنه كسر كالجماعة، وقرأ الباقون بالكسر حيث وقع، وهما مصدران بمعنى واحد، فالكسر كـ «الحِرمان» والضم كـ «الشُكران»، وخص أبو بكر ما في المائدة بالكسر للجمع بين اللغتين، مع اتباعه للرواية، والكسر هو الاختيار، لإجماع القراء عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/337]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (5- {وَرِضْوَانٌ} [آية/ 15]:-
بضم الراء، قرأها عاصم –ياش- وحده في جميع القرآن إلا قوله تعالى {مَنِ اتّبَعَ رِضْوَانَهُ} في المائدة فانه كسرها.
ووجه ذلك أنه مصدر كالرجحان والفرقان والقربان.
وقرأ الباقون و- ص- عن عاصم {وَرِضوانٌ} بالكسر.
[الموضح: 363]
وهو مصدر على فعلان كالرئمان والحرمان، وكلتاهما لغتان، والكسر أكثر). [الموضح: 364]
قوله تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آَمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16)}
قوله تعالى: {الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108555#post108555)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 09:04 AM
سورة آل عمران
[من الآية (18) إلى الآية (20) ]
{شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20)}
قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الناس: {شَهِدَ اللَّهُ}، وقرأ أبو المهلب محارب بن دِثار: [شُهَدَاءَ اللَّهِ] مضمومة الشين، مفتوحة الهاء، ممدودة على فعلاء.
[المحتسب: 1/155]
قال أبو الفتح: هو منصوب على الحال من الضمير في المستغفرين؛ أي: يستغفرونه شهداء لله أنه لا إله إلا هو، وهو جمع شهيد، ويجوز أن يكون جمع شاهد؛ كعالم وعلماء، والأول أجود). [المحتسب: 1/156]
قوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إنّ الدّين عند اللّه الإسلام... (19).
قرأ الكسائي وحده: (أنّ الدّين). وقرأ الباقون: ((إنّ) بكسر الألف.
[معاني القراءات وعللها: 1/244]
وأخبرني المنذري عن أحمد بن يحيى في قول الله جلّ وعزّ: (إنّ الدّين عند اللّه الإسلام) بكسر الألف، وعليه القراء من أهل الأمصار إلا الكسائي فإنه فتح (أنّ) اعتبارا لقراءة ابن مسعود وابن عباس من غير أن يكون عنده فيها حجة حكاية عن أحد من السلف، غير أنه قال في قراءة عبد الله (أنّ الدّين عند اللّه الإسلام): وهذا دليل على وقوع الشهادة على أن شهد الله بإنه لا إله إلا هو، وبأن الذين عند الله الإسلام.
قال: وحكى الفراء قال: قرأ ابن عباس بكسر الأول وفتح أن الدين عند الله الإسلام، وهاتان حجة للكسائي في الفتح لموافقة ابن مسعود وابن عباس، فقد كسر الأولى لأن الباء حسن فيها (شهد الله بإنه لا إله إلا هو... أنّ الدين) جعلها مستأنفة معترضة؛ لأنها تعظيم للّه، كما تقول: (اعتقك اللّه وأعتقتك)، فتبدأ بالله تعظيمًا). [معاني القراءات وعللها: 1/245]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (4- وقوله تعالى: {إن الدين عند الله الإسلام} [19].
قرأ الكسائي وحده {أن الدين} بفتح الألف.
وقرأ الباقون {إن الدين} بكسر الألف، فمن كسر أوقع الشهادة على الأولى، وابتدأ {إن الدين} ومن فتحها جعل الثانية بدلاً من الأولى، والتقدير: شهد الله أنه لا إله إلا هو، وأن الدين عند الله الإسلام). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/109]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال أحمد: كلّهم قرأ: إن الدين عند الله الإسلام [آل عمران/ 19] بكسر الألف إلّا الكسائي فإنّه فتح الألف من أن الدين عند الله الإسلام.
قال أبو علي: الوجه: الكسر في (إنّ)، لأنّ الكلام الذي قبله قد تمّ، وهذا النحو من الكلام الذي يراد به التنزيه، والتقرب، أن يكون بجمل متباينة أحسن من حيث كان أبلغ في
[الحجة للقراء السبعة: 3/22]
الثناء، وأذهب في باب المدح، ومن ثمّ جاء والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء [البقرة/ 177].
ومن فتح (أنّ) جعله بدلا، والبدل، وإن كان في تقدير جملتين، فإنّ العامل لمّا لم يظهر، أشبه الصفة. فإذا جعلته بدلا جاز أن تبدله من شيئين: أحدهما: من قوله: أنه لا إله إلا هو [آل عمران/ 18] فكأنّ التقدير: شهد الله أنّ الدين عنده الإسلام، فيكون البدل من الضرب الذي الشيء فيه هو هو. ألا ترى أنّ الدّين الذي هو الإسلام يتضمن التوحيد والعدل وهو هو في المعنى؟. وإن شئت جعلته من بدل الاشتمال لأنّ الإسلام يشتمل على التوحيد والعدل، وإن شئت جعلته من القسط لأنّ الدين الذي هو الإسلام قسط وعدل، فيكون من البدل الذي الشيء فيه هو هو). [الحجة للقراء السبعة: 3/23]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إن الدّين عند الله الإسلام}
قرأ الكسائي {إن الدّين عند الله الإسلام} بفتح الألف وحجته
[حجة القراءات: 157]
قوله قبله {شهد الله أنه لا إله إلّا هو} وقد أجمعوا على فتح أنه فجعل الشّهادة واقعة عليه كأنّه قال شهد الله أنه وشهد الله أن الدّين عند الله الإسلام
وقرأ الباقون {إن الدّين} بكسر الألف على الاستئناف). [حجة القراءات: 158]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (10- قوله: {إن الدين عند الله} قرأه الكسائي بفتح الهمزة، وكسرها الباقون.
11- ووجه قراءة الكسائي أنه جعل الكلام متصلًا بما قبله، فأبدل «أن» مما قبلها، فيجوز أن يكون بدلًا من «أن» في قوله: {شهد الله أنه} «18» فتكون «أن» في موضع نصب، فالتقدير: شهد الله أن الدين عند الله، فهو بدل الشيء من الشيء، وهو هو، لأن التوحيد والعدل هو الإسلام، وهو التوحيد والعدل، ويجوز أن يكون بدلًا من «أنه» على بدل الاشتمال، لأن الإسلام يشتمل على التوحيد والعدل والشرائع والسنن وغير ذلك، فيكون الثاني مشتملًا على الأول، ويجوز أن تكون «أن» بدلًا من «القسط» في موضع خفض على بدل الشيء من الشيء، وهو هو؛ لأن «القسط» العدل، والعدل هو الإسلام، والإسلام هو العدل.
12- ووجه القراءة بالكسر أنه على الابتداء والاستئناف، لأن الكلام قد تم عند قوله: {الحكيم}، ثم استأنف وابتدأ بخبر آخر، فكسر «إن» لذلك، وهو أبلغ في التأكيد والمدح والثناء، وهو الاختيار، لإجماع القراء عليه، ولتمام الكلام قبله، ولأنه أبلغ في التأكيد). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/338]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (6- {إِنَّ الدِّينَ} [آية/ 19]:-
بفتح الألف، قرأها الكسائي وحده.
والوجه في ذلك أنه جعل {أنّ الدينَ} بدلاً عن قوله تعالى {أَنَّهُ لا إلهَ إلاّ هُو} كأنه قال: شهد الله بأنه لا إله إلا هو وبأن الدين عند الله الإسلام، فيكون {أنّ الدينَ} بدلاً عن {أنّه} بدل الكل، ويجوز أن يكون بدل الاشتمال؛ لأن الدين مشتمل على التوحيد، ويجوز أن يكون بدلاً عن القسط؛ لأن كون الدين هو الإسلام هو قسط وعدل. وقرأ الباقون بكسر {إِنَّ}؛ لأن الكلام الذي قبله تام، فيكون استئنافًا، وهو أحسن؛ لأن ما يقصد به الثناء على الباري –سبحانه- كان الكلام فيه- إذا كان جملاً متباينة- أحسن؛ لأنه أبلغ في المدح). [الموضح: 364]
قوله تعالى: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وجهي للّه... (20)
فتح الياء نافع وابن عامر والأعشى وحفص، وأسكنها الباقون). [معاني القراءات وعللها: 1/256]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فقل أسلمت وجهي لله ومن اتبعن}
قرأ نافع وأبو عمرو {ومن اتبعني} بياء في الوصل وحجتهما أنّها ياء المتكلّم كما تقول من كلمني فلا تحذف الياء
وقرأ الباقون بحذف الياء وحجتهم مرسوم المصاحف بغير ياء وحجّة أخرى أن الكسرة تنوب عن الياء وأصل اتبعني اتبعي ولكن النّون زيدت لتسلم فتحة العين فالكسرة مع النّون تنوب عن الياء). [حجة القراءات: 158]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108556#post108556)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 09:05 AM
سورة آل عمران
[من الآية (21) إلى الآية (22) ]
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21) أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (22)}
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (21)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ويقتلون الّذين يأمرون... (21).
قرأ حمزة وحده: (ويقاتلون) بالألف بعد القاف، وروى نصير عن الكسائي مثل ذلك.
وسائر القراء قرأ: (ويقتلون).
قال أبو منصور: من قرأ (ويقتلون) فمعناه: أنهم يفتلون الذين لا يقاتلونهم.
ومن قرأ (يقاتلون) فمعناه: أنه يقاتلون الذين يخالفونهم في كفرهم، والمقاتلة من اثنين، والقتل من واحد، والاختيار (يقاتلون) بالألف، لأن المعنى: أنهم يقتلون من غلبوه ممن لا يوافقهم على كفرهم). [معاني القراءات وعللها: 1/246]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (5- وقوله تعالى: {ويقتلون النبيين} [21].
قرأ حمزة وحده: {ويقتلون} بألف.
وقرأ الباقون: {ويقتلون} بغير ألف. فيقتلون إخبار عن واحد {ويقاتلون} بألف إخبار عن اثنين فعل وفاعل). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/109]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): ( [قال] أحمد: كلهم قرأ: ويقتلون الذين يأمرون بالقسط [آل عمران/ 21] بغير ألف إلّا حمزة فإنّه قرأ (ويقاتلون) بألف.
قال أبو علي: حجة من قرأ: ويقتلون الذين يأمرون أنّه معطوف على قوله، ويقتلون النبيين [آل عمران/ 21] وقد
[الحجة للقراء السبعة: 3/23]
جاء في أخرى فلم تقتلون أنبياء الله من قبل [البقرة/ 91] فجاء الفعل على يفعل دون يفاعل، فكذلك: ويقتلون الذين يأمرون بالقسط [آل عمران/ 21] لأنّ الآمرين بالقسط من الناس قد وافقوا الأنبياء في الأمر بالقسط، وكبر عليهم مقامهم وموضعهم فقتلوهم، كما قتلوا الأنبياء.
وحجة من قرأ: ويقاتلون الذين يأمرون أنّ في حرف عبد الله فيما زعموا: وقاتلوا الذين يأمرون بالقسط فاعتبرها، وكأن معنى يقاتلونهم، أنّهم لا يوالونهم ليقلّ نهيهم إياهم عن العدوان عليهم، فيكونون مباينين لهم، مشاقّين لهم؛ لأمرهم بالقسط، وإن لم يقتلوهم كما قتلوا الأنبياء، ولكن قاتلوهم قتال المباين المشاقّ لهم.
فإن قال قائل: إنّه في قراءته (ويقاتلون) لم يقرأ بحرف عبد الله، وترك قراءة الناس. قيل: ليس بتارك حرف عبد الله الذي هو (قاتلوا) في قراءته (يقاتلون) لأنّ قوله: (يقاتلون) يجوز أن يريد به (قاتلوا)، ألا ترى أنّه قد جاء إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله [الحج/ 25].
وقال في أخرى: الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله [النحل/ 88، محمد/ 1] فإذا جاء المعنى لم يكن تاركا لقراءة
[الحجة للقراء السبعة: 3/24]
عبد الله، وذلك أنّ قوله: يصدون يجوز أن يكون في المعنى (صدّوا)، إلّا أنّه جاء على لفظ المضارع حكاية للحال، وكذلك حمزة في قراءته (يقاتلون) يجوز أن يكون مراده به (قاتلوا) إلّا أنّه جاء على لفظ المضارع حكاية للحال). [الحجة للقراء السبعة: 3/25]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ويقتلون النّبيين بغير حق ويقتلون الّذين يأمرون بالقسط من النّاس}
قرأ حمزة (ويقاتلون الّذين يأمرون) بالألف وبضم الياء أي يحاربون وحجته قراءة عبد الله (وقاتلوا الّذين يأمرون بالقسط من النّاس)
وقرأ الباقون {ويقتلون الّذين يأمرون} بغير ألف وحجتهم أنهم لم يختلفوا في الحرف الأولى أنه بلا ألف وهو قوله {ويقتلون النّبيين بغير حق} وكذلك {ويقتلون الّذين يأمرون بالقسط}). [حجة القراءات: 158]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (13- قوله: {ويقتلون الذين يأمرون بالقسط} قرأه حمزة «يقاتلون» بالألف من القتال وقرأ الباقون بغير ألف، من القتل.
14- وحجة من جعله من القتل أنه عطفه على قوله: {ويقتلون النبيين} فقد أخبر عنهم بقتلهم للأنبياء، فقتل من هو دون الأنبياء أسهل عليهم، في
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/338]
كعمرهم، ومن تجرأ على قتل نبي فهو أجرأ على قتل من هو دون النبي من المؤمنين، فحمل آخر الكلام على أوله في الإخبار بالقتل عنهم.
15- ووجه القراءة بالألف في حرف ابن مسعود «وقاتلوا الذين يأمرون بالقسط» فأخبر عنهم بالمقاتلة لا بالقتل على أن القتل أكثر ما يكون بالمقاتلة فأخبر عنهم بالسبب الذي يكون منه القتل، وقراءة الجماعة بغير ألف أولى لينتظم آخر الكلام بأوله، ولأنه إجماع). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/339]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (7- {وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ} [آية/ 21]:-
بالألف، قرأها حمزة وحده.
وذلك لأن في حرف عبد الله {وَقَاتَلُوا الّذين يَأْمُرُونَ} على الماضي من
[الموضح: 364]
القتال، فلهذا ذهب حمزة الى هذه القراءة.
ووجهها أنهم كانوا يشاقون من أمرهم بالقسط ونهاهم عن العدوان، ويخالفونهم مخالفة المشاق المباين لهم، فكل من لم يوافقهم على غيهم كانوا حربًا له.
وقرأ الباقون {وَيَقْتُلُونَ} بغير ألف؛ لأن {وَيَقْتُلُونَ} معطوف على قوله {ويَقْتُلُونَ النَبيّينَ}، والآمرون بالقسط يوافقون الأنبياء لا محالة في الأمر بالقسط والنهي عن الجور، فإذا قتلوا الأنبياء لم يمنعهم حرج من قتلهم أيضًا، ويؤيد هذا ما جاء في قصتهم أنهم قتلوا ثلاثة وأربعين نبيًا من أول النهار في ساعةٍ واحدةٍ، فقام مائة واثنا عشر رجلاً من عبادهم، فأمروهم بالمعروف ونهوهم عن المنكر فقتلوهم جميعًا في آخر النهار). [الموضح: 365]
قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (22)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108557#post108557)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 09:07 AM
سورة آل عمران
[من الآية (23) إلى الآية (25) ]
{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24) فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (25)}
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23)}
قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (24)}
قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (25)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108558#post108558)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 10:19 AM
سورة آل عمران
[من الآية (26) إلى الآية (27) ]
{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27)}
قوله تعالى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26)}
قوله تعالى: {تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وتخرج الحيّ من الميّت وتخرج الميّت من الحيّ... (27).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامرٍ وأبو بكر عن عاصم: (الميت) مخففا في كل القرآن، وكذلك خففوا: (بلدةً ميتًا) و(الأرض الميتة)
وقوله: (أومن كان ميتًا)، وقوله: (لحم أخيه ميتًا).
[معاني القراءات وعللها: 1/247]
وشدّد يعقوب من هذا ما كان له روح، كقوله: (يخرج الحيّ من الميّت ويخرج الميّت من الحيّ) و((أومن كان ميّتًا)، وخفف ما لا روح فيه، نحو: (لبلدٍ ميتٍ) و(الأرض الميتة).
واتفقوا كلهم على تخفيف قوله: (لنحيي به بلدةً ميتًا).
وقرأ نافع بتشديد هذا كله، وقرأ حفص وحمزة والكسائي: (الحيّ من الميّت) و(بلدة ميتًا)، وخففوا (الأرض الميتة) و(أومن كان ميتًا) و(لحم أخيه ميتًا).
قال أبو منصور: من قرأ (الميّت) مشددًا فهو الأصل، ومن قرأ (الميت) مخففا فالأصل فيه التشديد، وخفف، ونظيره قولهم: هيّن وهين، وليّن، ولين.
والعرب تقول للحيّة: أيم وأين وأيّم وأيّن، والمعنى واحد في جميعها.
وأما من قال: (الميّت): ما لم يمت ووجهه إلى الموت، و(الميت): ما قد مات، فهو خطأ، يقال للذي مات: ميّت وميت، ولما سيموت ولم يمت: ميّت وميت، قال الله: (إنّك ميّتٌ وإنّهم ميّتون).
وبين الشاعر أن (الميّت) و(الميت) واحد فقال:
[معاني القراءات وعللها: 1/248]
ليس من مات فاستراح بميتٍ... إنّما الميت ميّت الأحياء
فجعل (الميت) مخففا مثل (الميّت).
وأمّا ما اتفق القراء على تخفيفه وتشديده فالقراءة سنة لا تتعدّى، وإذا اختلفوا فقراءة كل على ما قرأ، ولا يجوز مماراته وتكذيبه). [معاني القراءات وعللها: 1/249]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (6- وقوله تعالى: {يخرج الحي من الميت} [27].
قرأ نافع وحمزة والكسائي بتشديد الياء في كل القرآن.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/109]
وكذلك قرأ حفص عن عاصم.
وزاد نافع عليهم {أو من كان ميتا} و{حم أخيه ميتا}.
وقرأ الباقون بتخفيف ذلك كله. فمن شدد فهو على أصل الكلمة؛ لأنه لما اجتمع واو وياء والسابق ساكن قلبوا من الواء ياء وأدغموا الياء في الياء. ومن خفف قال: كرهت أن أجمع بين ياءين؛ إذ كان التشديد مستثقلاً فخزلت ياء كما قال تعالى: {إن الذين اتقوا إذا مسهم طيف} والأصل: طيف). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/110]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله جلّ اسمه: وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي [آل عمران/ 27]، في التّشديد والتّخفيف: فقرأ عاصم في رواية أبي بكر، وابن كثير، وأبو عمرو وابن عامر: وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي [آل عمران/ 27] ولبلد ميت [الأعراف/ 57] أو من كان ميتا [الأنعام/ 122] والأرض الميتة [يس/ 33] وإن يكن ميتة [الأنعام/ 139] كل ذلك بالتخفيف.
وروى حفص عن عاصم: (من الميّت) مشدّدة مثل حمزة، وقرأ نافع وحمزة والكسائي: الحي من الميت والميت من الحي [آل عمران/ 27] ولبلد ميت [الأعراف/ 57] وإلى بلد ميت [فاطر/ 9] مشدّدا.
وخفف حمزة والكسائي غير هذه الحروف. وقرأ نافع: أو من كان ميتا [الأنعام/ 122] والأرض الميتة
[الحجة للقراء السبعة: 3/25]
[يس/ 33] ولحم أخيه ميتا [الحجرات/ 12] وخفّف في سائر القرآن ما لم يمت.
قال أبو علي: قال أبو زيد: وقع في المال: الموتان، والموات، والموات في قول بعض بني أسد: إذا وقع فيه الموت. قال أبو علي: يقال: مات يموت مثل: قال يقول، وقالوا:
متّ تموت، ودمت تدوم. ومتّ ودمت: شاذان. ونظيرهما من الصحيح: فضل يفضل.
فأمّا الميّت فهو الأصل، والواو التي هي عين انقلبت ياء لإدغام الياء فيها، والأصل التثقيل. وميّت محذوف منه، والمحذوف العين أعلّت عينه بالحذف كما أعلّت بالقلب، فالحذف حسن والإتمام حسن. وما كان من هذا النحو، العين فيه واو، فالحذف فيه أحسن، لاعتلال العين بالقلب، ألا ترى أنّهم قالوا: هائر وهار، وسائر، وسار، فأعلّوا العين بالحذف.
كما أعلّوها بالقلب؟ فكذلك نحو: ميّت وسيّد. وما مات، وما لم يمت، في هذا الباب يستويان في الاستعمال، ألا ترى أنّه قد جاء:
ومنهل فيه الغراب الميت
[الحجة للقراء السبعة: 3/26]
[كأنّه من الأجون زيت] سقيت منه القوم واستقيت فهذا قد مات. وقال الآخر:
ليس من مات فاستراح بميت... إنّما الميت ميّت الأحياء
فقد خفّف [ما مات] في الرّجز والبيت الآخر، وقال:
ميّت الأحياء فشدّد، ولم يمت، وقال تعالى: إنك ميت وإنهم ميتون [الزمر/ 30] ). [الحجة للقراء السبعة: 3/27]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وتخرج الحيّ من الميّت وتخرج الميّت من الحيّ} 27
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وأبو بكر {يخرج الحيّ من الميّت ويخرج الميّت من الحيّ} بالتّخفيف حيث كان وقرأ الباقون بالتّشديد
أصل الكلمة ميوت على فيعل فقلبوا الواو ياء للياء الّتي قبلها فصارت مييتا فمن قرأ بالتّخفيف فإنّه استثقل تشديد الياء مع كسرها فأسكنها فصارت ميتا وزنه فيل ومن قرأ بالتّشديد فإن التّشديد هو الأصل وذلك أنه في الأصل ميوت فاستثقلوا كسرة الواو بعد الياء فقلبوها ياء للياء الّتي قبلها ثمّ أدغموا الساكنة في الثّاني فصارتا ياء مشدّدة
واعلم أنّهما لغتان معروفتان قال الشّاعر
ليس من مات فاستراح بميت ... إنّما الميّت ميت الأحياء). [حجة القراءات: 159]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (16- قوله: {الميت}، و{ميت} قرأ نافع وحفص وحمزة والكسائي في ذلك بالتشديد، إذا كان الموت قد نزل، وخفف الباقون، وتفرّد نافع بالتشديد في ثلاثة مواضع: {أو من كان ميتًا} «الأنعام 122» و{الأرض الميتة} «يس 33» و{لحم أخيه ميتًا} «الحجرات 12» وكلهم شدد ما لم يمت، نحو: {إنك ميت} «الزمر 30» وخفف ما هو نعت لما فيه هاء التأنيث نحو: {بلدة ميتًا} القراءتان لغتان فاشيتان، والأصل التشديد، والتخفيف فرع فيه، لاستثقال التشديد للياء، والكسر على الياء وأصله عند البصريين «ميوت» على «فيعل»، ثم قلبت الواو ياء، وأدغمت فيها الياء التي قبلها، والمحذوف في قراءة من خفف هي الواو، التي قلبت ياء، وهي عين الفعل، كما قالوا: هاير وهار، وساير وسار، فغيروا العين، وحذفوها بعد القلب في موضع لام الفعل، وقال الكوفيون: أصل «ميت» «مويت» على «فعيل» ثم أدغموا الواو في الياء، فقلبت ياء للإدغام، ويلزمهم أن يفعلوا هذا في: طويل وعويل، وذلك لا يجوز، والاختيار التخفيف، لأنه أخف، ولكثرته في الاستعمال، والتثقيل هو الأصل، فأما من خفف بعضًا
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/339]
وشدد بعضًا فإنه جمع بين اللغتين، لاشتهارهما، مع نقله ذلك عن أئمته، وعلى ذلك أجمعوا على التشديد، فيما لم يمت، للجمع بين اللغتين، والتخفيف فيما مات، وما لم يمت جائز، وكذلك التخفيف والتشديد في {بلدة ميتًا} يجوز). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/340]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (8- {الحَيَّ مِنَ المَيْتِ} و{المَيْتَ مِنَ الحَيَّ} [آية/ 27]:-
بالتخفيف فيهما، قرأها ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وعاصم –ياش-، وكذلك {بَلَدٍ مَيْتٍ} في جميع القرآن، وقرأ نافع وحمزة والكسائي و- ص- عن عاصم بالتشديد في جميع أمثال ذلك، إلا ما كان مؤنثًا نحو {مَيْتَةً} أو نعتًا لمؤنثٍ نحو {بَلْدَةً مَيْتًا}، فإنّ القراء لم يختلفوا في تخفيفها سوى {الأرْضُ المَيّتَةُ} في يس، فإنّ نافعًا شدّدها، وأما يعقوب فإنه شدد جميع ما كان ذا روحٍ، وخفف ما لم يكن ذا روح كالأرضين والبلاد.
وأما قوله تعالى {إنَّكَ مَيّتٌ وإنَّهُمْ مَيّتونَ} و{مَا هُوَ بمَيّتٍ} فإنّهم اتفقوا
[الموضح: 365]
على تشديدهما.
الأصل في هذه الكلمة هو فيعل من الموت، وأصله ميوت، فاجتمع الياء والواو، وسبق أحدهما بالسكون، فقلبت الواو التي هي عين ياءً، وأدغمت الياء في الياء، فبقي: ميت.
وهذا هو الذي قرأ به من قرأ بالتشديد.
وأما من خفف فإن أصل الكلمة أيضًا هو الميت بالتشديد، حذف منه الياء الثانية التي كانت واوًا في الأصل للتخفيف، فبقي: ميت، وإنما حذفت الثانية، لأنها هي التي أعلت بالقلب أيضًا في مات.
وأما قراءة يعقوب بما قرأ، فإنه لا فرق في العربية بين ما كان ذا روح فمات، وبين ما لم يكن ذا روح، وبين ما مات وما لم يمت، قال:
18- ومنهلٍ فيه الغراب الميت
وقال:-
19- لَيس من مات فاستراح بميتٍ). [الموضح: 366]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108559#post108559)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 10:22 AM
سورة آل عمران
[من الآية (28) إلى الآية (30) ]
{لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28) قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29) يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30)}
قوله تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ (28)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إلّا أن تتّقوا منهم تقاةً... (28).
قرأ يعقوب وحده: (تقيّةً) بفتح التاء وكسر القاف وتشديد الياء.
وقرأ الباقون (تقاةً) بضم التاء وفتح القات، وأمالها حمزة قليلاً، وفتح قوله: (اتّقوا اللّه حقّ تقاته)، وأمالهما الكسائي جميعًا، وفتحهما الباقون إلا أن نافعًا قرأهما بين الفتح والكسر.
قال أبو منصور: من قرأها (تقيّةً) فهي اسم من اتقى يتقي اتقاءً أو تقية، فالاتقاء مصدر حقيقي، والتقيّة: اسم يقوم مقام المصدر.
ومن قرأ
[معاني القراءات وعللها: 1/249]
(تقاةً) فله وجهان:
أحدهما: أن التقاة: اسم يقوم مقام الاتقاء أيضًا، مثل التقيّة.
والوجه الثاني: أن قوله تقاةً: جمع تقيٍّ.
وأخبرني المنذري عن أحمد بن يحيى أنه قال في قوله: (إلّا أن تتّقوا منهم تقاةً). قال: وقرأ حميد: (تقيّةً)، وهو وجه، إلا أن (تقاةً) أشهر في العربية.
قال: وسمعت ابن الأعرابي يقول: واحد التقي: تقاة، ومثله: طلاة وطلىً، وأنشد قول الأعشى:
متى تسق من أنيابها بعد هجعةٍ... من الليل شرباً حين مالت طلاتها
وقال أبو إسحاق النحوي في قوله: (إلّا أن تتّقوا منهم تقاةً) و(تقيّةً): قرئا جميعا،
وقال: أباح الله إظهار الكفر مع التقيّة، والتقيّة: خوف القتل.
إلا أن هذه الإباحة لا تكون إلا مع خوف القتل، وسلامة النية.
وقال الفراء: ذكر عن الحسن ومجاهد أنهما قرءا: (تقيّةً).
وأخبرني المنذري عن الحراني عن ابن السكيت أنه قال: التّقى كتابه بالياء، قال: والطلى جمع طلية، وهي: صفحة العنق.
قال: وقال أبو عمرو والفراء: واحدتها: طلا.
وقال ابن الأعرابي: الطلى: طلاة
[معاني القراءات وعللها: 1/250]
وطليه، وكذلك: تقاة أو تقي، لم يجئ إلا هذان الحرفان). [معاني القراءات وعللها: 1/251]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (7- وقوله تعالى: {إلا أن تتقوا منهم تقاة} [28] و{حق تقاته} [102].
فقرأهما نافع بين الإمالة والتفخيم.
وقرأ الكسائي بالإمالة جميعًا.
وقرأ حمزة: الأول بالإمالة، والثاني بالتفخيم.
وقرأ الباقون بالفتح فيهما.
فحجة من فتح أنه أتى بالكلمة على أصلها، والأصل في تقاه: تقية، فقلبوا في الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها كما قالوا: قضاة والأصل: قضية.
ومن أمال فلأن الياء وإن كانت قلبت ألفًا فإنه دل بالإمالة على الياء وهي أصل الكلمة كما قرأ {قضى} و{رمى}.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/110]
وأمال حمزة الأولى تبعًا للمصحف؛ لأنها كتبت في المصحف بالياء، {تقية}.
وحجة ثانية: أنه جمع بين اللغتين). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/111] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في إمالة القاف من قوله جلّ وعزّ: تقاة [آل عمران/ 28].
فأمال الكسائيّ القاف في الموضعين جميعا، وأمال حمزة منهم تقاة [آل عمران/ 28] إشماما من غير مبالغة، ولم يمل حمزة حق تقاته [آل عمران/ 102] وفتح الباقون القاف في الموضعين غير أن نافعا كانت قراءته بين الفتح والكسر.
[الحجة للقراء السبعة: 3/27]
قال أبو علي: قال أبو زيد: وقيت الرجل أقيه وقاء و وقاية، وأنشد:
لولا الذي أوليت كنت وقاية... لأحمر لم تقبل عميرا قوابله
وأنشد أبو زيد:
زيادتنا نعمان لا تحرمنّنا... تق الله فينا والكتاب الذي تتلو
وأنشد أيضا:
تقوه أيّها الفتيان إني... رأيت الله قد غلب الجدودا
وأنشد أيضا:
تقاك بكعب واحد وتلذّه... يداك إذا ما هزّ بالكفّ يعسل
[الحجة للقراء السبعة: 3/28]
قال أبو عمرو: يصف رمحا، يريد: اتقاك.
وقال السكريّ: تقاك: وليك منه كعب.
قال: ويقال: إبلك اتقت كبارها بصغارها، أي جعلت الصغار ممّا يليك، وكذلك: اتقاني فلان بحقي، أي: أعطانيه وجعله بيني وبينه.
فأمّا قولهم: تقاك، فتقديره: تعلك، والأصل: اتّقاك فحذف فاء الفعل المدغمة، فسقطت همزة الوصل المجتلبة لسكونها، وأعللتها بالحذف كما أعللتها بالقلب، وليس ذلك بالمطّرد، وقولهم في المضارع: يتقي، تقديره: يتعل وقال:
يتقي به نفيان كلّ عشيّة.............
وأمّا التّقوى فهو فعلى. من وقيت، وأبدلت من اللّام التي هي ياء من وقيت الواو، كما تبدل في هذا النحو من الأسماء، وقد أنشد أبو زيد:
قصرت له القبيلة إذ تجهنا... وما ضاقت بشدّته ذراعي
فهذا فعلنا من الوجه، يقال: تجه يتجه تجها، مثل: فزع يفزع فزعا، إذا واجهه.
[الحجة للقراء السبعة: 3/29]
وأنشد الأصمعي:
تجهنا.........
فهذا ينبغي أن يحمل على فعل، ولا تجعله مثل: تقى يتقي، لقلة ذلك وشذوذه، وتقيته واتّقيته مثل شويته واشتويته. وتقول في المضارع: أنت تتقي وتتّقي. والواقية يشبه أن تكون مصدرا كالعاقبة والعافية، وقالوا في جمعه: أواق، فأبدلوا لاجتماع الواوين قال:
..................... يا عديا لقد وقتك الأواقي
فأمّا من لم يمل الألف من تقاة، فحجّته: أنّ قاة من تقاة بمنزلة قادم، فكما لم يمل هذا كذلك ينبغي أن [لا يمال قاف تقاة] لاستعلاء القاف، كما لم يمل ما ذكرنا.
وحجّة من أمال أنّ سيبويه زعم: أنّ قوما قد أمالوا من هذا مع المستعلي ما لا ينبغي أن يمال في القياس. قال:
وهو قليل، وذلك قول بعضهم: رأيت عرقا وضيقا.
[الحجة للقراء السبعة: 3/30]
قال أبو علي: ولو قلت إنّ الإمالة فيما ذكره أمثل منها في (تقاة) لأنّ قبلها كسرة، والكسرة تجلبها، والإمالة في حق تقاته [آل عمران/ 102] تحسن لمكان الكسرة وهو في الأولى نحو:
عرقا، للزوم الكسرة أقوى، وكسرة التاء في تقاته كسرة إعراب لا تلزم، على أن الأحسن الأكثر أن لا تميل لأنّ: قاته من تقاته بمنزلة قادم وقافل، فكما لا يمال هذا كذلك ينبغي أن لا تميل الألف من تقاته.
ومن وجه إمالة القاف في (تقاته، وتقاة) أنّهم قد أمالوا سقى، وصغا وضغا، ومعطى، طلبا للياء التي الألف في موضعها، فكما أميلت هذه الألف مع المستعلي كذلك أميلت التي في تقاة وتقاته.
فإن قلت: إنّ هذه الإمالة إنّما جاءت في الفعل، والفعل أكثر احتمالا للتغيير، واسم الفاعل بمنزلة الفعل، وليس التقاة، بواحدة منهما. قيل: يمكن أن يقال: إنّه شبّه المصدر باسم الفاعل لمشابهته له في الإعمال، وقيامه مقام الصفة في عدل، وزور، كما شبّه اسم المفعول في معطى بالفعل لعمله عمله). [الحجة للقراء السبعة: 3/31]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ( (إلّا أن تتقوا منهم تقة) 28
قرأ حمزة والكسائيّ {تقاة} حمالة وحجتهما أن فعلت منها بالياء إذا قلت وقيت فابقيا في لام الفعل دلالة على أصله في فعلت وهي ألإمالة
وقرأ الباقون بغير إمالة وحجتهم أن فتحة القاف تغلب على الألف فتمنعها من الإمالة
[حجة القراءات: 159]
وأما قوله حق تقاته فإن الكسائي قرأ بالإمالة وحده
فإن سأل سائل فقال لم أمال حمزة الأولى وفخم الثّانية
الجواب أن الأولى كتبت في المصاحف بالياء والثّانية بالأف وكان حمزة متبعا للمصحف والدّليل عليه أن يعقوب قرأ (تقية) وأصل الكلمة وقية على وزن فعلة فقلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصارت وقاة ثمّ أبدلوا من الواو تاء كما قالوا تجاه وأصله وجاه). [حجة القراءات: 160]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (9- {تَقِيَّةَّ} [آية/ 28]:-
بفتح التاء وتشديد الياء على وزن قضية، قرأها يعقوب وحده.
وذلك لأن التقية مصدر على فعيلة كالقطيعة، ويجوز أن يكون اسمًا للمصدر بمعنى الاتقاء، فوضعوا الاسم موضع المصدر، كما وضعوا النفقة موضع الإنفاق، والمعنى: إلا أن تتقوا منهم اتقاءً.
وقرأ الباقون {تُقاةً} بالألف وضم التاء، إلا أن الكسائي يميلها، وكذلك {حَقّ تُقاتِه}، ونافعًا يضجعهما قليلاً، وحمزة يميلها دون {حق تقاته}، والباقون يفتحونهما.
و {تُقاة} يجوز أن تكون مصدرًا كالتخمة والتؤدة، أو اسمًا للمصدر على ما تقدم، ويجوز أن يكون جمع تقي ككمي وكماة فيكون منصوبًا على الحال.
وأما الإمالة فيها، فلانقلاب الألف عن الياء، أميلت، وإن كان قبلها حرف مستعلٍ، لما زعم سيبويه من أن قومًا من العرب قد أمالوا مع المستعلي ما لا ينبغي أن يمال في القياس، وقد مضى مثله.
وكذلك القول في {حقّ تُقاتِهِ} إلا أن الإمالة ههنا أحسن لمكان الكسرة بعد الألف. وأما من فتح؛ فلأن ما قبل الألف حرف مستعلٍ، والمستعلي يمنع الإمالة). [الموضح: 367]
قوله تعالى: {قُلْ إِنْ تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29)}
قوله تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ (30)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108560#post108560)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 10:23 AM
سورة آل عمران
[من الآية (31) إلى الآية (32) ]
{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31) قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32)}
قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)}
قوله تعالى: {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ (32)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108561#post108561)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 10:25 AM
سورة آل عمران
[من الآية (33) إلى الآية (37) ]
{إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33) ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36) فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37)}
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آَدَمَ وَنُوحًا وَآَلَ إِبْرَاهِيمَ وَآَلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)}
قوله تعالى: {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الناس: {ذُرِّيَّةً}، وقرأ زيد بن ثابت: [ذِرِّيَّة] بكسر الذال، و[ذَرِّيَّة] بفتح الذال.
قال أبو الفتح: يحتمل أصل هذا الحرف أربعة ألفاظ:
أحدها: ذرأ، والثاني: ذرر، والثالث: ذرو، والرابع: ذرى.
فأما الهمز، فمن ذرأ الله الخلق.
وأما ذرر، فمن لفظ الذر ومعناه؛ وذلك لما ورد في الخير أن الخلق كان في القديم كالذر.
وأما الواو والياء، فمن ذرَوت الحَب وذَريته، يقالان جمعيًا؛ وذلك لقوله سبحانه: {فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ}، وهذا للطفه وخفته، وتلك حال الذر أيضًا.
فهذه الأصول المنزوع إليها، المقود تصريف هذا الموضع عليها.
فأما {ذُرية} المضمومة، فإن أخذتها من ذرأ؛ فإنها في الأصل فُعِّيلة كمُرِّيق، وأصلها ذُرِّيئة، فألزمت التخفيف أو البدل كنبِيٍّ في أكثر اللغة، وكالخابية، وكالبرية، فيمن أخذها من برأ الله الخلق، وغير ذلك مما أُلزم التخفيف. ومثلها: {كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ} فيمن جعله فُعِّيلًا من درأَت؛ وذلك لأنه يدرأ الظلمة عن نفسه بضوئه، وأصله على هذا دُرِّيءٌ فخفف، وقد قرئ به مهموزًا.
وإن أَخذت الذُّرية من الذَّرِّ احتمل خمسة أوجه:
أحدها: أن يكون فُعْلِيَّة كبختية وقمرية.
والآخر: أن تكون منسوبة إلى الذر، إلا أنه غُير أولها؛ لما قد يعرض من التغيير لياءي الإضافة، كقولهم في الإضافة إلى أمس: إمسي، وإلى الأفق: أَفَقِي، وإلى الحرَم: حِرْمي، وإلى جَذِيمة: جُذمِيّ، وإلى عبيدة: عُبدِي، وإلى الدهر: دُهْرِي، وإلى السهل: سُهْلِي.
والثالث: أن تكون ذرية فُعِّيلة كمُرِّيقة؛ إلا أن أصلها ذُرِّيرة على هذا، فلما كثرت
[المحتسب: 1/156]
الراءات أبدلوا الآخرة ياء وأدغموا فيها ياء فُعِّيلة التي قبلها، ونحو منه مما أبدل فيه أحد الأمثال ياء هربًا من تكريرها قولهم: تظنَّيْتُ، وتَسَرَّيْتُ، وتَلعَّيْتُ من اللُّعَاعة وهي يقلة، وقَصَّيتُ أظافري، وتفَضَّيْتُ من الفضة، وكقوله:
تقضِّيَ البازي إذا البازي كسر
هو تَفعُّل من الانقضاض، وأصله تقَضُّض، كما أن أصل تظنيت تظننت، وتسريت تسررت؛ لأنه تفعلت من السُّرِّية فيمن أخذها من السِّر وهو النكاح، أو من السر لأنه في غالب الأمر مكتومة الأمر من صاحبة المنزل. وهذا قول أبي الحسن الكرخي. وأصل تلعيت تلععت، وأصل قصيت أظفاري قصصت، ويمكن أن يكون أُخِذت من أَقاصِيها فلا يكون مبدلًا، وأصل تفضيت تَفَضَّضْتُ، وقالوا: فأبدالوا مع الاثنين في أمللت الكتاب: أمليت، وقال الأسود بن يعفر:
وأقسمت لا أملاه حتى يفارقا
يريد: أَملُّه، فأبدلوا الثاني منها ياء للتكرير، ثم أُبدلت الياء ألفًا؛ فصار أملاه.
وأخبرنا أبو علي قال: قال أحمد بن يحيى عنهم: "لا وَرَبْيِك لا أفعل"، يريد: لا وربك، ونظائره كثيرة. فأصل ذرية على هذا ذُرِّيرة فُعِّيلة كمُرِّيقة، فأُبدلت الراء الأخيرة لما ذكرنا ياء، وأدغمت فيها ياء فُعِّيلة؛ فصارت ذُرِّيَّة.
والرابع: أن تكون فُعُّولة كجُبُّورة وكسبوح وقدوس، وأصله على هذا ذُرُّورة، فأبدلت الراء الأخيرة -لما ذكرنا من اجتماع الأمثال- ياء؛ فصارت ذُرُّويَة، ثم أبدلت الواو لوقوعها ساكنة قبل الياء ياء والضمة قبلها كسرة، وأدغمت في الياء المبدلة من الراء؛ فصارت ذُرِّية كما ترى.
[المحتسب: 1/157]
والخامس: أن تكون فُعْلولة منه؛ كقُرْدودة وحُبْرورة، وأصلها على هذا ذُرُّورة؛ فعُمل فيها ما عمل فيما يليها، فهذا حديث ذرية إذا كانت من ذرر.
وإن كانت من لفظ ذرو أو ذرى احتملت مثالين:
أحدهما: أن يكون فُعُّولة.
والآخر: أن يكون فُعِّيلة.
فإذا كانت فعولة من الواو فأصلها ذُرُّوَّة، كفعولة من غروت غُزُّوَّة، إلا أن الاسم طال وضوعفت في آخره الواو فاستثقلت، فأُبدلت اللام ياء للتخفيف فصار ذُرُّوية، فأبدلت الواو لوقوع الياء بعدها والواو ساكنة ياء والضمة قبلها كسرة كما قلبت هي ياء وأدغمت في الياء؛ فصارت ذُرِّيَّة.
ومثل ذلك مما أبدل لطوله وثِقَل تضعيف الواو أُدْحيَّة، وأصلها أُدحُوَّة؛ لأنها من دحوت، وأَدعيَّة وأصلها أُدعُوَّة؛ لأنها من دعوت، وأُحْجِيَّة وأصلها أُحجوَّة؛ لأنها من حجوت؛ أي: ثَبَتُّ، وأُضحيَّة وأصلها أُضْحُوَّة؛ لأنها من الضحوة، فأبدلت لما ذكرنا؛ فصار جميعها إلى الياء.
وإن كانت ذُرية من الياء -وهي فُعُّولة- فخطبها أيسر؛ لأن أصلها ذروية، ولزمها من إبدال الواو وإدغامها ما لزم فيما قبلها. انقضى أمر ذُرية بضم الذال.
وأما [ذِرِّيَّة] بكسر الذال فتكون من ذرأ الله الخلق، فلا يجوز فيها إلا أن تكون فِعِّيلة، وأصلها ذِرِّيئة، ثم أُلزمت التخفيف أو البدل على ما مضى؛ فصارت ذِرِّيَّة.
فإن أَخذت ذِرِّية من الذر احتتملت أربعة أوجه:
أحدها: أن تكون فِعْليَّة كحِيريِّ دهر.
والآخر: أن تكون منسوبة إلى الذر؛ إلا أنها كسر أولها للتغيير المعتاد مع ياءي الإضافة؛ كقولهم في أمس: إِمسي.
والثالث: أن تكون فِعِّيلة؛ كبِطيخة وجرِّيَّة، وأصلها ذِرِّيرة، ثم غيرت الراء الأخيرة لكثرة الراءات ياء على ما مضى، ثم أُدغمت فيها الياء قبلها؛ فصارت ذِرِّيَّة.
[المحتسب: 1/158]
الرابع: أن تكون فِعْليلَة كحِلتيت وحِبرير، وأصلها على هذا ذِرِّيرَة، ثم فيها ما عمل في الذي يليها.
فإن أَخذت ذِرية من ذرو أو من ذرى لم تكن إلا فِعِّيله ألبتة، وأصلها من الواو ذِريوة، فأبدلت الواو ياء، وأدغمت فيها ياء المد قبلها؛ فصارت ذِرية.
وإن كانت من الياء فلا صنعة فيها، فهي كفِعِّيلة من رميت رِمِّيَّة. انقضت ذِرية بكسر الذال.
وأما ذَرِّيَّة بفتح الذال فتكون من لفظ الذَّر، وتكون من لفظ ذرأ، وتكون من لفظ ذرو، وتكون من لفظ ذرى.
فإذا كانت من لفظ ذرر احتملت أن تكون فَعْلِيَّة كبَرْنِيَّة، وأن تكون فَعُّولَة كخَرُّوبَة، وأن تكون فَعْلُولة كبَعْكُوكَة، وأن تكون فِعِّيلة كسكينة، فتلك أربعة أوجه.
أما فَعْلِيَّة فأمرها واضح.
وأما فَعُّولَة فأصلها ذَرُّورة، فاجتمعت الراءات فأبدلت الآخرة ياء على ما قدمنا ذكره من تظنيت وتقضيت، فصارت ذَرُّوية، فلما اجتمعت الواو والياء وسكن الأول منهما قلبت الواو ياء، وأُدغمت الياء في الياء؛ فصارت ذَرِّية.
وأما فَعْلُولة فأصلها أيضًا ذَرُّورَة، فعُمل فيها من البدل والإدغام ما عمل في فَعُّولة.
وأما فَعِّيلة فأصلها ذَرِّيرَة، فأبدلت الراء الأخيرة لما ذكرنا ياء، وأدغمت فيها ياء المد قبلها؛ فصارت ذَرِّية.
فإذا كانت من لفظ ذرأ احتملت أن تكون فَعِّيلة كسكينة، وأن تكون فَعُّولة كخَرُّوبة.
فإذا كانت فَعِّيلة فأصلها ذَرِّيئة، فألزمت الهمزة التخفيف ألبتة أو البدل فقلبت ياء، ثم أدغمت فيها الياء قبلها؛ فصارت ذَرِّية.
وأما إذا كانت فَعُّولة فأصلها ذَرُّوءة، فأبدلت الهمزة ياء فصارت ذَرُّويَة، ثم أبدلت الواو ياء للياء بعدها، وأدغمت الياء المبدلة في الياء الثانية؛ فصارت ذَرِّيَّة.
ولا يجوز على هذا أن تكون همزة ذَرُّوءَة خففت؛ لأنه لو كان كذلك لقلبت واوًا لوقوع الواو قبلها، ثم أدغمت واو فَعُّولة فيها فصارت ذَرُّوَّة، كما أنك لو خففت مقروءة لقلت: مَقْرُوَّة، وهذا واضح.
[المحتسب: 1/159]
وأما فَعِّلية -أعني: ذَرِّيئة- فإنك إن أبدلتها أو خففتها استوى فيها اللفظان، فقلت: ذَرِّيَّة، كما تقول في تخفيف جِرِّيئة وأبدالها جِرِّيَّة، وهذا واضح.
وإذا كانت من لفظ الذَّرْوِ فإنها فَعِّيلة، وأصلها ذَرِّيوَة، فقلبت الواو لسكون الياء قبلها، وأدغمت الياء الأولى فيها؛ فصارت ذَرِّيَّة. ولا تحتمل وهي من الواو أن تكون فَعُّولة؛ لأنه كان يجب على هذا أن تكون ذَرُّوَّة، والحمل على أُدْحِيَّة جائز، إلا أنه ليس بالظاهر، وليس كذلك أُدْعِيَّة وأدحية وأضحية؛ لأنه قد أُمن أن يكون في الكلام أُفْعِيل؛ لأنه لم يأتِ عنهم، فلا بد إذن من أن يكون أصلها أُدْحُوَّة وأدعوة وأضحوة، فغيرت إلى الياء تخفيفًا استحسانًا لا وجوبًا، وليس كذلك ذَرِّية لو كانت من الذَّرْو؛ لأنه ليس واجبًا أن تكون فَعُّولة؛ بل قد يجوز أن تكون فَعِّيلة، فافهم ذلك.
وأما إذا كانت من ذرى، فإنها تحتمل أن تكون فَعُّولة وفَعِّيلة، فأصل فَعُّولة ذَرُّويَة، فأبدلت الواو للياء بعدها، وأدغمت الأولى في الثانية؛ فصارت ذَرِّيَّة.
وأصل فَعِّيلة ذَرِّية هكذا وكما ترى؛ لأنك أدغمت الياء الأولى في الثانية فصارت ذَرِّية، ومثلها من قَضَيْتُ قَضِيَّة، ومن رميت رمية. انتهى القول في ذُرية وذِرية وذَرية، ودعانا إلى إشباع القول عليها أن لم يتقدم أحد ببسطها، وحسبنا الله). [المحتسب: 1/160]
قوله تعالى: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله: (فتقبّل منّي إنّك... (35)
فتح الياء من (منّي) نافع وأبو عمرو). [معاني القراءات وعللها: 1/256]
قوله تعالى: {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (36)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (واللّه أعلم بما وضعت... (36).
قرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم ويعقوب: (بما وضعت) بضم التاء، وقرأ الباقون: (بما وضعت)، مثل: فعلت قال أبو منصور: من قرأ (بما وضعت) فهو قول أم مريم وفعلها.
ومن قرأ (بما وضعت) فهو إخبار الله - عزّ وجلّ - عن فعلها). [معاني القراءات وعللها: 1/251]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قوله: (وإنّي أعيذها... (36)
فتح الياء من (إنّي أعيذها) نافع وحده). [معاني القراءات وعللها: 1/257]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (29- وقوله تعالى: {والله أعلم بما وضعت} [36].
قرأ عاصم في رواية أبي بكر، وابن عامر {بما وضعت}.
وقرأ الباقون {وضعت} بإسكان التاء على معنى أن الله خبر بما وضعت هي، ومن ضم التاء أراد: مريم خبَّرت عن نفسها). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/111]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في ضمّ التاء وتسكين العين، وفتح العين وتسكين
[الحجة للقراء السبعة: 3/31]
التاء في قوله تعالى: بما وضعت [آل عمران/ 36].
فقرأ عاصم في رواية أبي بكر وابن عامر بما وضعت بضم التاء وإسكان العين.
وروى حفص عن عاصم والمفضّل عن عاصم: (بما وضعت) بالإسكان.
وقرأ الباقون: (وضعت) بالإسكان مثل حفص.
قال أبو علي: من قرأ: والله أعلم بما وضعت [آل عمران/ 36] جعله من كلام أمّ مريم. وإسكان التاء أجود في قوله: والله أعلم بما وضعت لأنّها قد قالت: رب إني وضعتها أنثى [آل عمران/ 36] فليست تحتاج بعد هذا أن تقول: والله أعلم بما وضعت.
ووجهه: أنّه كقول القائل في الشيء: ربّ قد كان كذا وكذا. وأنت أعلم، ليس يريد إعلام الله سبحانه ذلك، ولكنّه كالتسبيح والخضوع والاستسلام له، وليس يريد بذلك إخبارا.
ومن قرأ: والله أعلم بما وضعت جعل ذلك من قول الله تعالى، والمعنى: أنّ الله- سبحانه- قد علم ما قالته، قالته هي أو لم تقله. وممّا يقوّي قول من أسكن التاء، قوله: والله أعلم بما وضعت
[الحجة للقراء السبعة: 3/32]
ولو كان من قول أمّ مريم لكان: وأنت أعلم بما وضعت، لأنّها تخاطب الله سبحانه.
وقال بعض المتأوّلين: كانوا لا يحررون الإناث والله أعلم بما وضعت على جهة النّدم، وأنّها فعلت ما لا يجوز، فلذلك قالت:
وليس الذكر كالأنثى [آل عمران/ 36] لأنّ الذكر يتصرف في الخدمة والأنثى خلافه، وكانت الأحبار يكفلون المحررين، فاقترعوا على مريم بأقلامهم، فغلب عليها زكريا). [الحجة للقراء السبعة: 3/33]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قالت رب إنّي وضعتها أنثى والله أعلم بما وضعت}
قرأ ابن عامر وأبو بكر {والله أعلم بما وضعت} بضم التّاء جعلوها من كلام أم مريم وحجتهم أنّها قالت {رب إنّي وضعتها أنثى} كانت كأنّها أخبرت الله بأمر هو أعلم به منها فتداركت ذلك بقولها {والله أعلم بما وضعت} كما قال عز وجل {قالت الأعراب آمنا} قال الله جلّ وعز {قل أتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما في السّماوات وما في الأرض} وهي مع ذلك إذا قرئت بالضّمّ لم يكن فيها تقديم وتأخير
وقرأ الباقون والله أعلم {بما وضعت} بسكون التّاء وحجتهم أنّها {قالت رب إنّي وضعتها أنثى} فكيف تقول بعدها {والله أعلم بما وضعت} أنا والمعنى الواضح هو أنّها {قالت رب إنّي وضعتها أنثى}
[حجة القراءات: 160]
فقال الله جلّ وعز {والله أعلم بما وضعت} هي منها وفي القراءة تقديم وتأخير معناها قالت رب إنّي وضعتها أنثى وليس الذّكر كالأنثى فقال الله جلّ وعز {والله أعلم بما وضعت} وحجّة أخرى لو كان كله كلامها لكانت رب إنّي وضعتها أنثى وأنت أعلم بما وضعت). [حجة القراءات: 161]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (17- قوله: {بما وضعت} قرأه أبو بكر وابن عامر بضم التاء، وإسكان العين، وقرأ الباقون بفتح العين، وإسكان التاء.
18- وحجة من ضم التاء أنه جعله من كلام أمر مريم، لاتصال كلامهما بما بعد ذلك، وما قبله في قولها: {رب إني وضعتها أنثى} وقولها: {وليس الذكر كالأنثى}، وقولها: {وإني سميتها مريم}، وقولها: {وإني أعيذها بك} فكله من كلام أم مريم، فحمل وسط الكلام على أوله وعلى آخره، وذلك حسن في المطابقة والمجانسة، كما تقول: ربي قد أذنبت وأنتم أعلم بذلك، على طريق التسليم والخضوع، وفي القراءة بضم التاء معنى التعظيم لله، والخضوع والتنزيه له، أن يخفى عليه شيء، كأن أم مريم لما قالت رب إني وضعتها أنثى، أرادت أن تعظم الله، وتنزهه عن أن يخفى عليه شيء فقالت: والله أعلم بما وضعت، لا يحتاج إلى أن تخبره بذلك، ولم تقل ذلك على طريق الإخبار، لأن علم الله بكل شيء قد تقرر في أنفس المؤمنين، وإنما قالته على طريق التعظيم، والتنزيه لله، وذكره بما هو أهله.
19- وحجة من قرأ بإسكان التاء أنه جعله من الله جل ذكره، والمعنى: أن الله أعلمنا عن طريق التثبت لنا، وقال: والله أعلم بما وضعت أم مريم، قالته أو لم تقله، ويقوي ذلك أنه لو كان من قول أم مريم لكان وجه الكلام: وأنت أعلم بما وضعت، لأنها نادته في أول الكلام في قولها: {رب إني وضعتها}،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/340]
والمنادي مخاطب، فلما قال: والله أعلم، كان الإخبار عن نفسه أولى، فقال: وضعت، وبه قرأ ابن عباس والحسن وغيرهما). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/341]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (10- {بِمَا وَضَعَتْ} [آية/ 36]:-
بسكون العين وضم التاء، قرأها ابن عامر وعاصم –ياش- ويعقوب.
والوجه أن ذلك من كلام أم مريم، وهو يجري مجرى قول القائل: يا رب قد كان كذا وكذا وأنت أعلم، يريد الخضوع والاستسلام، ويظهر أنه لا يقول ذلك على سبيل الإعلام، فإن الله سبحانه أعلم.
ويجوز أن يكون المراد: والله أعلم بما وضعت أيصلح لخدمة بيت المقدس وإن كانت أنثى أم لا يصلح لذلك؟ فإنهم كانوا لا يجعلون لهذا الشأن إلا الذكور.
وقرأ الباقون {بِمَا وَضَعَتْ} بفتح العين وإسكان التاء، على أنه قول الله تعالى؛ لأن أم مريم {قَالَتْ: رَبّ إنّي وَضَعْتُها أُنْثى}، فقال الله تعالى والله أعلم بذلك، ولكن تحت ذلك أمر هو بالغه، ويؤيد هذه القراءة أنه لو كان من قول أم مريم وكانت التاء مضمومةً لكان: وأنت أعلم بما وضعت؛ لأنها خاطبت الله تعالى). [الموضح: 368]
قوله تعالى: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (37)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وكفّلها زكريّا... (37).
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب (وكفلها) خفيف (زكريّاء) ممدود مرفوع، وقرأ أبو بكر عن عاصم: (وكفّلها) الفاء مشدد.
و (زكريّاء) ممدود مهموز أيضًا.
وقرأ حمزة والكساني وحفص: (وكفّلها) مشددا (زكريّاء) مقصورا في
[معاني القراءات وعللها: 1/251]
كل القرآن.
قال أبو منصور: من شدد (وكفّلها) جعل (زكريّا) مفعولاً ثانيًا، والمفعول الأول مريم، ومن خفف الفاء جعل (زكريّا) في موضع الرفع؛ لأنه فاعل.
وفي (زكريا) ثلاث لغات: القصر حتى لا يستبين في الألف نصب ولا رفع ولا خفض.
واللغة الثانية: مد الألف فتنصب وترفع ولا تخفض ولا تنون؛ لأنه اسم لا ينصرف، وبهاتين اللغتين نزل القرآن.
وأما اللغة الثالثة فلا تجوز القراءة بها، وهو قولك: (هذا زكريٌّ قد جاء)، فيجوز لإشباهه المنسوب من أسماء العرب.
ومعنى قوله: (وكفلها زكريّاء) أي: ضمن القيام بأمرها وتربيتها.
ومن قرأ (وكفّلها زكريّا) فالمعنى: (وكفّلها اللّه زكريّا) ). [معاني القراءات وعللها: 1/252]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (30- وقوله تعالى: {وكفلها زكريا} [37].
قرأ أهل الكوفة: {وكفلها} مشددة.
وقرأ الباقون مخففة.
وقرأ حمزة والكسائي وحفص: {زكريا} مقصورًا.
وقرأ الباقون ممدودًا، غير أن من شدد (كفلها) نصب زكريا، ومن خففها رفع، قال أبو عمرو: الاختيار التخفيف لقوله: {أيهم يكفل مريم} ولم يقل يكفل وقال أبو عبيدة: يقال: كفل يكفل، وكفل يكفل، وكفل يكفل.
فأما (زكريا) فالقصر والمد فيه لغتان، وفيه لغة ثالثة (زُكريٌّ) على وزن بُخْتِيٍّ، فمن مد زكرياء ثناه: زكرياآن، ومن قصر قال: زكرييان، وإن شئت حذفت ياء فقلت: زكريان). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/111]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تشديد الفاء وتخفيفها من قوله عزّ وجلّ: وكفلها زكريا [آل عمران/ 37] ومدّ (زكرياء) وقصره ورفعه ونصبه.
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: (وكفلها) مفتوحة الفاء خفيفة، و (زكرياء) رفع ممدود.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر (وكفّلها) مشدّدة و (زكرياء) نصب وكان يمدّ (زكرياء) في كلّ القرآن، وكذلك كلّ من تقدّم ذكره، هذه رواية أبي بكر.
وروى حفص عن عاصم: (وكفّلها) مشددا و زكريّا قصرا في كل القرآن.
[الحجة للقراء السبعة: 3/33]
وكان حمزة والكسائي يشددان (كفّلها)، ويقصران (زكريّا) في كل القرآن.
قال أبو علي: حجة من خفّف (كفّلها) قوله تعالى: أيهم يكفل مريم [آل عمران/ 44] و (زكرياء) مرتفع لأنّ الكفالة مسندة إليه، فأمّا من قال: وكفلها زكرياء فشدّد الفاء، فإنّ كفلت يتعدى إلى مفعول واحد، فإذا ضاعفت العين تعدى إلى مفعولين نحو:
غرم زيد مالا، وغرّمت زيدا مالا، وفاعل كفّلها فيمن شدّد الضمير العائد إلى ربّها من قوله: فتقبلها ربها بقبول حسن [آل عمران/ 37] وزكرياء الذي كان فاعلا قبل تضعيف العين صار مفعولا ثانيا بعد تضعيف العين.
وأمّا زكرياء: فالقول في همزته أنّها لا تخلو من أن تكون للتأنيث أو للإلحاق أو منقلبة، فلا يجوز أن تكون للإلحاق لأنّه ليس شيء في الأصول على وزنه فيكون هذا ملحقا به. ولا يجوز أن تكون منقلبة لأنّ الانقلاب لا يخلو من أن يكون من نفس الحرف أو من حرف للإلحاق، فلا يجوز أن يكون من نفس الحرف لأنّ الياء والواو لا يكونان أصلا فيما كان على أربعة أحرف، ولا يجوز أن يكون منقلبا من حرف الإلحاق لأنّه ليس في الأصول شيء يكون هذا ملحقا به! فإذا بطل هذان، ثبت أنّه للتأنيث، وكذلك القول فيمن قصر. فقال: زكريا. ونظير القصر والمدّ في هذا الاسم قولهم: الهيجا والهيجاء، قال:
[الحجة للقراء السبعة: 3/34]
وأربد فارس الهيجا إذا ما... تقعّرت المشاجر بالفئام
وقال:
إذا كانت الهيجاء وانشقّت العصا... فحسبك والضّحّاك عضب مهنّد
لمّا أعربت الكلمة وافقت العربية. وقد حذفوا ألف التأنيث من الكلمة فقالوا: هو يمشي الجيضّ والجيضّى، فعلى هذا قالوا: زكرياء وزكريّ، فمن قال: زكريّ صرف، والقول فيه أنّه حذف الياءين اللتين كانتا في (زكرياء) و (زكريا) وألحق الكلمة ياءي النسب، يدلك على ذلك صرف الاسم، ولو كانت الياءان في زكري الياءين اللتين كانتا في (زكرياء) و (زكريّا)، لوجب أن لا ينصرف الاسم للعجمة والتعريف كما أنّ إبراهيم ونحوه من
[الحجة للقراء السبعة: 3/35]
الأعجمية لا ينصرف، فانصراف الاسم يدلّ على أنّ الياءين للنسب، فانصرف الاسم وإن كان لو لم تلحق الياءان لم ينصرف بالعجمة والتعريف، يدلّك على ذلك أنّ ما كان على وزن مفاعل لا ينصرف فإذا ألحقته ياءي النسب انصرف كقوله:
مدائنيّ ومعافريّ.
وقد جرت تاء التأنيث هذا المجرى، فقالوا: صياقل، فلم يصرفوا، وألحقوا التاء فقالوا: صياقلة، فاتفق تاء التأنيث، وياء النسب في هذا كما اتفقا في روميّ، وروم، وشعيرة، وشعير، ولحقت الاسم الياءان وإن لم يكن فيه معنى نسب إلى شيء كما لم يكن في كرسيّ وقمريّ وثمان معنى نسب إلى شيء، وهذا نظير لحاق تاء التأنيث ما لم يكن فيه معنى تأنيث: كغرفة وظلمة ونحو ذلك، ويدل على أنّ الياءين في زكريّ ليستا اللتين كانتا في (زكرياء) أنّ ياءي النسب لا تلحقان قبل ألف التأنيث وإن كانتا قد لحقتا قبل التاء من بصرية لأنّ التاء بمنزلة اسم مضموم إلى اسم، والألف ليست كذلك. ألا ترى أنّك تكسر عليها الاسم والتاء ليست كذلك؟). [الحجة للقراء السبعة: 3/36]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: وكلهم [فتح الراء من: المحراب] [آل عمران/ 37 و 39]: إلا ابن عامر فإنه أمالها.
قال أبو علي: قد أطلق أبو بكر القول في إمالة ابن عامر الألف من محراب. ولم يخصّ به الجرّ من غيره. وقال غيره:
إنّما يميله في الجر. وحجة من لم يمل أنّ «راب» من محراب
[الحجة للقراء السبعة: 3/39]
بمنزلة راء وراءة ونحو ذلك. فكما لا تمال الراء من هذا النحو كذلك ينبغي أن لا تمال من المحراب في الجرّ ولا في الرفع.
ألا ترى أنّه لا تمال رادة من قولهم: ريح رادة وراشد؟. والراء من «راب» بمنزلة الراء من راشد. فإن قلت: فهلّا جازت إمالتها للكسرة التي في الميم كما جازت الإمالة في مقلات للكسرة.
قيل إنّ من أمال مقلاتا، إنّما أماله لأنّه قدّر الكسرة كأنّها على القاف، لأنّها تليها، والقاف إذا تحركت بالكسر حسنت إمالة الألف بعدها. نحو: ققاف وغلاب. ولو قدّرت الكسرة على الحاء من محراب كما قدّرتها على القاف من مقلات لم تحسن الإمالة، ألا ترى أنّ «حراب» بمنزلة فراش، وفراس؟.
وقد قال: إنّهم لا يميلون فراشا، فكذلك المحراب، يريد سيبويه، بقوله: لا يميلون، لا يميله الأكثر. وحجة من أمال الألف من «محراب» أنّ سيبويه قد زعم أنّهم قالوا: عمران، ولم يميلوا برقان يعني: أنّهم لم يجعلوا الراء كالمستعلي في منع الإمالة، فعلى هذا يجوز أن تمال الألف في «محراب» في
[الحجة للقراء السبعة: 3/40]
الرفع، وزعم أيضا أنّهم قالوا: ذا فراش، هذا جراب، لما كانت الكسرة أولا والألف زائدة. قال: والنصب فيه كلّه حسن). [الحجة للقراء السبعة: 3/41] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وكفلها زكريّا}
قرأ عاصم وحمزة والكسائيّ وكفلها بالتّشديد زكريّا مقصورا
وقرأ أبو بكر (زكريّاء) بالنّصب أي (وكفلها الله زكريّاء) أي ضمها إليه
وحجتهم أن الكلام تقدم بإسناد الأفعال إلى الله وهو قوله قبلها {فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا} فكذلك أيضا وكفلها ليكون معطوفًا على ما تقدمه من أفعال الله
وقرأ الباقون {وكفلها} بالتّخفيف (زكريّاء) بالمدّ والرّفع قال أبو عبيد كفلها أي ضمنها ومعناه في هذا ضمن القيام بأمرها وحجتهم قوله {إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم} ولم يقل يكفل فالكفالة مسندة إليهم وكذلك في هذا الموضع وأما زكريّاء وزكريا فإنّهما لغتان بالمدّ والقصر والقصر أشبه بما جاء في القرآن وفي غيره من أسماء الأنبياء كموسى وعيسى وانشا ويهودا وليس فيها
[حجة القراءات: 161]
شيء ممدود فكذلك زكريّا هو بمنزلة نظائره). [حجة القراءات: 162]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (20- قوله: {كفلها زكريا} قرأه الكوفيون بالتشديد، وخفف الباقون، وقرأ حفص وحمزة والكسائي {زكريا} بغير مد، ولا همز، ومده الباقون وهمزوه.
21- وحجة من شدد أنه أضاف الفعل إلى الله جل وعز في قوله: {فتقبلها ربها وأنبتها}، فأخبر عن نفسه تعالى بما فعل بها، كذلك يجري {كفلها} على ذلك، يخبر عن نفسه بأنه كفلها زكريا أي ألزمه كفالتها، وقدّر ذلك عليه، ويسره له، فيكون {زكريا} المفعول الثاني لـ {كفلها}، لأنه بالتشديد، يتعدى إلى مفعولين، ويقوي التشديد أن في مصحف أبي «وأكفلها»، والهمزة كالتشديد في التعدي.
22- وحجة من خفف أنه أسند الفعل إلى زكريا، فأخبر الله عنه أنه هو الذي تولى كفالتها، والقيام بها، بدلالة قوله: {إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم} «44» فأخبر عنهم أنهم تنازعوا في كفالتها، وتشاجروا في الدين، حتى رموا بأقلامهم التي كانوا يكتبون بها الوحي، واستهموا بها على كفالة مريم، فخرج قلم زكريا بإذن الله وقدرته، فكفلها زكريا، فالفعل مسند إليه، فيجب تخفيف {كفلها} لذلك، وهو الاختيار، لأن التشديد يرجع إلى
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/341]
التخفيف، لأن الله إذا كفلها زكريا كفلها زكريا بأمر الله له، ولأن زكريا إذا كفلها فعن مشيئة الله وقدرته وإرادته، فعلى ذلك فالقراءتان متداخلتان، فأما مد {زكريا} وقصره فلغتان للعرب مشهورتان، وهمزة {زكريا} للتأنيث، وكذلك الألف للتأنيث، في قراءة من قصره، وقرأ أبو بكر بنصب {زكريا} لأنه يقرأ {وكفلها} بالتشديد، فتعدّى الفعل إلى مفعولين: إلى المضمر وإلى زكريا، فينصبه، ولا يلزم ذلك من قرأ بالتخفيف، لأن الفعل مع التخفيف إنما يتعدى إلى مفعول واحد، وهو الضمير العائد على مريم، وزكريا مع التخفيف فاعل، ومع التشديد مفعول به). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/342]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (11- {وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا} [آية/ 37]:-
بتخفيف {كَفَلَها} ومد {ذَكَرِّيَا} ورفعها، قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب.
وذلك أن زكريا فاعل {كَفَلَها} فهو يرتفع بفعله، وكفل يتعدى إلى مفعول واحدٍ.
[الموضح: 368]
وقرأ عاصم –ياش- {وَكَفَّلَهَا} بالتشديد {زَكَرِيّاءَ} بالمد والنصب؛ لأنه ضاعف كفل فتعدى إلى مفعولين، فالضمير المؤنث في «كفلها» مفعول أول و«زكرياءَ» مفعول ثانٍ، وفاعل كفل على هذا هو الضمير المستكن العائد إلى الرب تعالى من قوله تعالى {فَتَقَبَّلَها رَبُّها}.
وقرأ حمزة والكسائي و- ص- عن عاصم {وَكَفَّلَها} بالتشديد {زَكَرِيّا} مقصورٌ.
وهذا على ما قدمناه آنفًا من كون الفعل متعديًا الى مفعولين و{زكريّا} في موضع نصب على أنه مفعول ثانٍ، وإن كان لا يتبين فيه الإعراب؛ لأن في آخره ألفًا مقصورة. و{زكريا} فيه لغتان المد والقصر، والألف منه في كلتا اللغتين للتأنيث). [الموضح: 369]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108562#post108562)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 10:32 AM
سورة آل عمران
[من الآية (38) إلى الآية (41) ]
{هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38) فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39) قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40) قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (41)}
قوله تعالى: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ (38)}
قوله تعالى: {فَنَادَتْهُ الْمَلَائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (39)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فنادته الملائكة... (39).
قرأ حمزة والكسائي: (فناديه الملائكة) بالياء وإمالة الدال.
وقرأ البا قون: (فنادته) بالتاء.
قال أبو منصور: من قرأ (فنادته) بالتاء فكأن الملائكة جماعة مؤنثة.
ومن قرأ (فناديه) نوى جمع الملائكة فوحّد الفعل، وكذلك كل فعل جماعة تقدم فلك فيه الوجهان). [معاني القراءات وعللها: 1/253]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (في المحراب أنّ اللّه... (39)
قرأ ابن عامرٍ وحمزة بكسر الألف.
وقرأ الباقون: (أنّ اللّه) بفتح الألف، وأمال ابن عامرٍ الراء من (المحراب) لم يملها غيره.
[معاني القراءات وعللها: 1/253]
قال أبو منصور: من فتح (أنّ اللّه يبشّرك) فالمعنى: فنادته الملائكة بأنّ اللّه يبشّرك؛ أي: نادته بالبشارة.
ومن كسر فقرأ (إنّ اللّه) فالمعنى: قالت له: إنّ اللّه يبشّرك؛ لأن النداء قولٌ). [معاني القراءات وعللها: 1/254]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (يبشّرك... (39).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو (يبشّرك) بالتشديد في كل القرآن إلا موضعًا واحدًا في (عسق)، فإنهما خففا قوله: (الذي يبشر اللّه عباده) قرأ نافع وابن عامر وعاصم والحضرمي بتشديد ذلك كله.
وقرأ الكسائي بتخفيف خمسة مواضع.
موضعان ها هنا في هذه السورة، وفي بني إسرائيل: (ويبشر المؤمنين)، وفي الكهف (ويبشر المؤمنين)، وفي (عسق) "يبشر الله عباده).
قال أبو منصور: من قرأ (يبشّرك) فهو من البشارة لا غير، يقال بشّرته بشارةً بتشديد الشين.
ومن قرأ (يبشرك) فمعناه: يسرك ويفرحك.
يقال: بشرته أبشره، إذا فرّحته.
وذكر عن حمزة أنه قرأ في
[معاني القراءات وعللها: 1/254]
الحجر (: (فبم تبشّرون (54)
خصه بالتشديد لقوله: (قالوا بشّرناك). لقربه منه.
وقرأ حميد وحده: (يبشرك).
قال أبو منصور: من العرب من يجيز بشّرته وأبشرته وبشرته بمعنى واحد، ويقال: بشّرته فأبشر وبشر، أي: سرّ وفرح). [معاني القراءات وعللها: 1/255]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (31- قوله تعالى: {فنادته الملائكة} [39].
قرأ حمزة والكسائي {فنادبه الملائكة}.
وقرأ الباقون: {فنادته الملائكة} بالتاء.
فحجة من ذكر قال: الفعل مقدم كقولك: قام الرجال ومع ذلك فإن (الملائكة) هاهنا جبريل، والتقدير: فناداه الملك، فناداه جبريل.
ومن قرأ بالتاء قال: الملائكة جماعة وأنثه كما قال تعالى: {كذبت قوم نوح} و{قالت الأعراب} وقامت الرجال، وشاهده {وإذ قالت الملائكة} [42] ولم يقل: وإذ قال). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/112]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (32- وقوله تعالى: {أن الله يبشرك} [39].
قرأ حمزة وابن عامر {إن الله} بالكسر.
وقرأ الباقون بالفتح.
فمن نصب أعمل الفعل وهو {فندته الملائكة} أن الله وبأن الله، ومن كسر جعل النداء بمعنى القول، فكأنه في التقدير: قالت الملائكة: إن الله يبشرك). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/112]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (33- وقوله تعالى: {يبشرك} [39].
قرأ حمزة كل ما في القرآن يبشر بالتخفيف إلا قوله {فبم تبشرون}.
وقرأ أبو عمرو وابن كثير كل ذلك بالتشديد إلا واحدًا في (عسق) {ذلك الذي يبشر الله}، وقرأ الكسائي في خمسة مواضع بالتخفيف، موضعين في (آل عمران) وفي (بني إسرائيل) و(الكهف) و(عسق).
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/112]
وقرأ الباقون بالتشديد، وهما لُغتان: بَشَرْتُ، وبَشَّرْتُ غير أن (بشَّرتُ) أبلغ وأكثر). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/113]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (34- وقوله تعالى: {من المحراب} [39].
قرأ ابن عامر {من المحراب} بالإمالة من أجل الراء والكسر.
وقرأ الباقون بالتفخيم على أصل الكلمة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/113]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في الألف والتاء من قوله تعالى: فنادته الملائكة [آل عمران/ 39].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر (فنادته) بالتاء.
وقرأ حمزة والكسائي (فناداه) بإمالة الدال.
قال أبو علي: من قرأ (فنادته) بالتاء فلموضع الجماعة، والجماعة ممن يعقل في جمع التكسير يجري مجرى ما لا يعقل، ألا ترى أنّك تقول: هي الرجال، كما تقول هي الجذوع، وهي الجمال؟ فعلى هذا أنّث كما جاء: قالت الأعراب [الحجرات/ 14] ومن زعم أنّ التأنيث يكره هاهنا لأنّ فيه كالتحقيق لما كانوا يدّعونه في الملائكة لم يكن هذا بحجة على من قرأ بالتاء. ألا ترى أنّه قد جاء: إذ قالت الملائكة [آل عمران/ 45]؟ فلو كان في تأنيث هذا حجة لما كانوا يدّعونه في الملائكة لكان في تذكير [نحو قوله] والملائكة باسطو أيديهم [الأنعام/ 93]، والملائكة يدخلون عليهم [الرعد/ 23] حجة عليهم، ولكان في نحو قوله: إذ قالت الملائكة حجة لهم، فليس هذا بشيء. ومن قرأ: فناداه
[الحجة للقراء السبعة: 3/37]
الملائكة، فهو كقوله: وقال نسوة في المدينة [يوسف/ 30] وأمّا إمالة الألف في ناداه فحسنة لأنّها تصير إلى الياء، من الواو كانت أو من الياء، فتحسن الإمالة للانتحاء نحو ما الألف منقلبة عنه وهو الياء. وحجة التفخيم في ناداه أنّه في قلبه الياء إلى الألف فرّ من الياء، فإذا أمال بعد فقد قرّب الحرف مما كان كرهه وفرّ منه.
قال سيبويه: ولا تقول ذلك في حبلى، لأنّه لم يفرّ فيها من ياء. يريد أنّ ألف حبلى لم تكن ياء قلبت ألفا، إنّما هي في أصلها ألف مزيدة للتأنيث). [الحجة للقراء السبعة: 3/38]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في كسر الألف في (إنّ) وفتحها من قوله تعالى: [في المحراب] أن الله [آل عمران/ 39].
فقرأ ابن عامر وحمزة: إنّ الله بالكسر.
وقرأ الباقون: أن الله بالفتح.
قال أبو علي: من فتح «أنّ» المعنى: فنادته بأنّ الله، فلمّا حذف الجارّ منها وصل الفعل إليها فنصبها، فأنّ في موضع نصب،
[الحجة للقراء السبعة: 3/38]
وعلى قياس قول الخليل في موضع جرّ. ومن كسر أضمر القول، كأنّه: نادته فقالت: إنّ الله فحذف القول كما حذف في قول من كسر، فقال: فدعا ربه إني مغلوب [القمر/ 10] وإضمار القول كثير في هذا النحو، كما قال: والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم [الرعد/ 23] والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا [الأنعام/ 93]. فاما الذين اسودت وجوههم أكفرتم [آل عمران/ 106]. فأضمر القول في ذلك كلّه. وزعموا أنّ في حرف عبد الله فنادته الملائكة يا زكرياء إن الله فقوله: يا زكرياء في موضع نصب بوقوع النداء عليه، وكذلك إن أضمرت يا زكرياء ولم تذكره كان جائزا وحذف كما حذف المفعول من الكلام، ولا يجوز الفتح في (إنّ) على هذا، لأنّ ناديت قد استوفى مفعوليها، أحدهما: علامة الضمير، والآخر: المنادى، فإن فتحت (أنّ) لم يكن لها شيء يتعلق به). [الحجة للقراء السبعة: 3/39]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: وكلهم [فتح الراء من: المحراب] [آل عمران/ 37 و 39]: إلا ابن عامر فإنه أمالها.
قال أبو علي: قد أطلق أبو بكر القول في إمالة ابن عامر الألف من محراب. ولم يخصّ به الجرّ من غيره. وقال غيره:
إنّما يميله في الجر. وحجة من لم يمل أنّ «راب» من محراب
[الحجة للقراء السبعة: 3/39]
بمنزلة راء وراءة ونحو ذلك. فكما لا تمال الراء من هذا النحو كذلك ينبغي أن لا تمال من المحراب في الجرّ ولا في الرفع.
ألا ترى أنّه لا تمال رادة من قولهم: ريح رادة وراشد؟. والراء من «راب» بمنزلة الراء من راشد. فإن قلت: فهلّا جازت إمالتها للكسرة التي في الميم كما جازت الإمالة في مقلات للكسرة.
قيل إنّ من أمال مقلاتا، إنّما أماله لأنّه قدّر الكسرة كأنّها على القاف، لأنّها تليها، والقاف إذا تحركت بالكسر حسنت إمالة الألف بعدها. نحو: ققاف وغلاب. ولو قدّرت الكسرة على الحاء من محراب كما قدّرتها على القاف من مقلات لم تحسن الإمالة، ألا ترى أنّ «حراب» بمنزلة فراش، وفراس؟.
وقد قال: إنّهم لا يميلون فراشا، فكذلك المحراب، يريد سيبويه، بقوله: لا يميلون، لا يميله الأكثر. وحجة من أمال الألف من «محراب» أنّ سيبويه قد زعم أنّهم قالوا: عمران، ولم يميلوا برقان يعني: أنّهم لم يجعلوا الراء كالمستعلي في منع الإمالة، فعلى هذا يجوز أن تمال الألف في «محراب» في
[الحجة للقراء السبعة: 3/40]
الرفع، وزعم أيضا أنّهم قالوا: ذا فراش، هذا جراب، لما كانت الكسرة أولا والألف زائدة. قال: والنصب فيه كلّه حسن). [الحجة للقراء السبعة: 3/41] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضمّ الياء وفتحها أو فتح الباء وسكونها والتثقيل من قوله جلّ وعزّ: يبشرك [آل عمران/ 39].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: يبشرك بضم الياء وفتح الباء والتشديد في كل القرآن، إلّا في عسق فإنّهما قرأ ذلك الذي يبشر الله عباده [الشورى/ 23] مفتوح الياء مضموم الشين مخففا.
وقرأ نافع وابن عامر وعاصم يبشرك مشدّدا في كلّ القرآن). [الحجة للقراء السبعة: 3/41]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ حمزة يبشر خفيفا، مما لم يقع في كلّ القرآن، إلّا قوله تعالى: فبم تبشرون [الحجر/ 54].
وقرأ الكسائي يبشر مخففة في خمسة مواضع: في آل عمران في قصة زكريا، وقصة مريم وفي سورة بني إسرائيل، وفي
[الحجة للقراء السبعة: 3/41]
الكهف: ويبشر المؤمنين [الإسراء/ 9] وفي عسق: يبشر الله عباده [الشورى/ 23].
[قال أبو علي]: قال أبو عبيدة: يبشّرك، ويبشرك ويبشرك وبشرناه واحد.
قال أبو الحسن في يبشّر: ثلاث لغات: بشّر وبشر وأبشر يبشر بكسر الشين إبشارا، وبشر يبشر بشرا وبشورا يقال: أتاك أمر بشرت به، وأبشرت به في معنى بشّرت به ومنه وأبشروا بالجنة [فصلت/ 30]. وأنشد:
وإذا رأيت الباهشين إلى العلى... غبرا أكفّهم بقاع ممحل
فأعنهم وابشر بما بشروا به... وإذا هم نزلوا بضنك فانزل
وقال أبو زيد: بشّرت القوم بالخير تبشيرا، والاسم:
البشرى. وأبشر بالخير إبشارا، وبشّرت الناقة باللّقاح حين يعلم ذاك منها أول ما تلقح.
[الحجة للقراء السبعة: 3/42]
قال أبو علي: إذا كانت هذه اللغات في الكلمة شائعة فأخذ القارئ بإحداها وجمعه بينها مستقيم سائغ). [الحجة للقراء السبعة: 3/43]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة مجاهد وحميد الأعرج: [أَنَّ اللَّهَ يُبْشِرُكَ] بضم الياء وسكون الباء وكسر الشين خفيفة.
قال أبو الفتح: ينبغي أن يكون هذا منقولًا من بَشِرْتُ بالأمر في وزن أَنِفْتُ وفَرِحْتُ؛ كقولك: بَطِر وأبطرته، وخرِق وأخرقته، يقال: بَشِر الرجل بالخير وأبشرته وبشَّرته وبَشَرْتُ خفيفة أيضًا). [المحتسب: 1/161]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فنادته الملائكة وهو قائم يصلّي} 39
قرأ حمزة والكسائيّ (فناداه) بألف ممالة وحجتهما أن الّذي ناداه جبريل والتّقدير فناداه الملك فأخرج الاسم الواحد بلفظ الجمع
وقرأ الباقون {فنادته الملائكة} بالتّاء وحجتهم إجماع الجميع على قوله {تحمله الملائكة} قال عبّاس سألت أبا عمرو فقرأ {وإذ قالت الملائكة} بالتّاء ولم يقل وإذ قال الملائكة فأنث فعل الملائكة ها هنا بلا خلاف الواجب أن يرد ما هم مختلفون فيه إلى ما هم عليه مجمعون
قال الزّجاج الوجهان جميعًا جائزان لأن الجماعة يلحقها اسم التّأنيث لأن معناها معنى جماعة ويجوز أن يعبر عنها بلفظ التّذكير كما يقال جمع الملائكة قال ويجوز أن يقول نادته الملائكة وإنّما ناداه جبريل وحده لأن معناه أتاه النداء من هذا الجنس كما تقول ركب فلان في السفن وإنّما ركب سفينة واحدة تريد بذلك جعل ركوبه في هذا الجنس). [حجة القراءات: 162]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (23- قوله: {فنادته} قرأه حمزة والكسائي بألف على التذكير، ويميلانها، لأن أصلها الياء، ولأنها رابعة، وقرأ الباقون بالتاء على لفظ التأنيث.
24- وحجة من قرأ بالألف أنه ذكر على المعنى، وقد أجمعوا على التذكير في قوله: {وقال نسوة} «يوسف 30»، وقد قيل: إنما نادى جبريل وحده، فالمعنى فناداه الملك، فلا وجه للتأنيث على هذا التفسير، وأيضًا فقد اختار قوم الألف، لئلا يوافق التأنيث دعوى الكفار في الملائكة، وأيضًا فإن الملائكة والملائك واحد، وأيضًا فقد فرّق بين المؤنث وفعله بالهاء، فقوي التذكير.
25- وحجة من قرأ بالتاء أنه أنث لتأنيث الجماعة التي بعدها في قوله: {الملائكة}، والجماعة ممن يعقل في التكسير، يجري في التأنيث مجرى ما لا
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/342]
يعقل، تقول: هي الرجال، وهي الجذوع، وهي الجمال، وقالت الأعراب، ويقوي ذلك قوله: {إذ قالت الملائكة} «آل عمران 45»، وقد ذكر في موضع آخر فقال: {والملائكة باسطو أيديهم} «الأنعام 93» وهذا إجماع، وقال: {والملائكة يدخلون عليهم} «الرعد 23» فتأنيث هذا الجمع وتذكيره جائزان حسنان). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/343]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (26- قوله: {أن الله يبشرك} قرأه حمزة وابن عامر بكسر «إن»، وقرأ الباقون بالفتح، فمن فتح قدر حرف الجر محذوفًا، فـ {أن} في موضع نصب بحذف حرف الجر، ومذهب الخليل أنها في موضع جر على إعمال حرف الجر، عمل محذوفًا لكثرة حذفه مع {أن}، وعلى ذلك أجاز سيبويه: في القسم، تقديره: فنادته الملائكة بأن الله، ومن كسر «إن» أجرى النداء مجرى القول، فكسر «إن» بعده، كما تكسر بعد القول، ويجوز أن يكون أضمر القول بعد {فنادته} {فقالت إن الله}، ويقوي الكسر أن في حرف عبد الله: «فنادته الملائكة يا زكريا إن الله}، وفتح «أن» على هذا القراءة لا يجوز لأن «نادى» قد استوفى مفعوليه، أحدهما الضمير والثاني المنادى، فلا يتعدى لثالث بحرف ولا بغير حرف، فلابد من الكسر، وهو الاختيار لأن أكثر القراء عليه، وفصحة معناه، وقوة وجهه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/343]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (27- قوله: {يبشرك} قرأ حمزة بالتخفيف في كل القرآن، إلا في {فبم تبشرون} «الحجر 54» ووافقه الكسائي على التخفيف في خمسة مواضع: في آل عمران موضعان وفي سبحان موضع وفي الكهف موضع وفي الشورى
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/343]
موضع، وشدد ذلك الباقون، غير أن أبا عمرو وابن كثير خففا الذي في الشورى خاصة، والتخفيف والتشديد لغتان مشهورتان، يقال: بَشَر يُبشر، وبشَر يبشّر مبشّرا وبُشورا، وأنكر أبو حاتم التخفيف، وقال: لا نعرف فيه أصلًا يعتمد عليه، وهي لغة مشهورة، وأكثر ما وقع في القرآن، مما أجمع عليه التشديد نحو: {فبشر عباد. الذين} «الزمر 17، 18» و{فبشره بمغرفة} «يس 11» ومثله كثير بالتشديد، وفيه لغة ثالثة وهي «أبشر» قال الله جل ذكره: {وأبشروا بالجنة} «فصلت 30»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/344]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (12- {فَنَاداهُ المَلائِكَةُ} [آية/ 39]:-
بالألف ممالة، قرأها حمزة والكسائي.
والوجه في التذكير أن الملائكة تأنيثها تأنيث جمعٍ، فإذا تقدم فعلها حسن التذكير، ومن ذلك {قالَ نِسْوَةٌ}.
وأما الإمالة في الألف فحسنةٌ؛ لأن هذه الألف تصير إلى الياء، سواء كانت من الواو او من الياء نحو: ناديت.
وقرأ الباقون {فَنَادَتْهُ} بالتاء.
[الموضح: 369]
وذلك لأن الفعل لجماعةٍ، وجماعة من يعقل في التكسير تجري مجرى ما لا يعقل نحو: هي الرجال وهي الجذوع، فألحقت علامة التأنيث الفعل، كقوله تعالى {قَالَتِ الأعْرابُ} ). [الموضح: 370]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (13- {إنَّ الله} [آية/ 39]:-
بكسر الألف، قرأها ابن عامر وحمزة.
وهذا على إضمار القول كأنه قال: فنادته الملائكة وقالت إن الله يبشرك، فحذف، كقوله تعالى {وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلَامٌ} أي يقولون أخرجوا.
وقرأ الباقون بفتح الألف.
والمعنى: فنادته الملائكة بأن الله يبشرك، فلما حذف الباء أوصل الفعل نفسه إليه، فإن موضعه نصب عند الأكثرين، وجر على قياس قول الخليل
[الموضح: 370]
والكسائي). [الموضح: 371]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (14- {يُبَشِّرُكَ} [آية/ 39]:-
بفتح الياء والتخفيف، قرأها حمزة، وكذلك في نحوه من جميع القرآن، إلا قوله تعالى {فَبِم تُبَشّرُون} فلا خلاف في تشديدها، ووافقه الكسائي في خمسة مواضع: في آل عمران موضعين، وفي بني إسرائيل والكهف {وَيَبْشُرَ المُؤمِنينَ}، وعسق {يَبْشُرُ الله}، وشدد الباقي.
وابن كثير وأبو عمرو يشددان الكل إلا الحرف الواحد في عسق.
ونافع وابن عامر وعاصم ويعقوب يشددون الكل في جميع القرآن.
في بشر ثلاث لغات: بشر بالتخفيف يبشر بشرًا وبشورًا، وبشر بالتضعيف يبشر تبشيرًا، وأبشر بالألف يبشر إبشارًا، وإذا كانت في الكلمة لغات جيدة مستعملة، فأيها تمسك بها القارئ كان حسنًا). [الموضح: 371]
قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ (40)}
قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آَيَةً قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيرًا وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ (41)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله: (اجعل لي آيةً... (41).
فتح الياء نافع وأبو عمرو، وأرسلها الباقون). [معاني القراءات وعللها: 1/257]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الأعمش: [إِلَّا رُمُزًا] بضمتين.
قال أبو الفتح: ينبغي أن يكون هذا على قول مَن جعل واحدتها رُمْزَة، كما جاء عنهم ظُلْمَة
[المحتسب: 1/161]
وظُلُمة، وجُمْعَة وجُمُعَة، ويجوز أن يكون جَمَع رُمْزَة على رُمْز، ثم أتبع الضم الضم، كما حكى أبو الحسن عن يونس أنه قال: ما سُمع في شيء فُعْل إلا سُمع فيه فُعُل، وعليه قول طرفة:
وِرَادًا وشُقُر
يريد: شُقْرًا). [المحتسب: 1/162]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108563#post108563)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 10:33 AM
سورة آل عمران
[من الآية (42) إلى الآية (44) ]
{وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42) يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43) ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44)}
قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ (42)}
قوله تعالى: {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ (43)}
قوله تعالى: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلَامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ (44)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108564#post108564)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 10:35 AM
سورة آل عمران
[من الآية (45) إلى الآية (48) ]
{إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45) وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46) قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47) وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (48)}
قوله تعالى: {إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (45)}
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إن الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم} 45
قرأ حمزة وابن عامر إن الله يبشرك بكسر الألف وقرأ
[حجة القراءات: 162]
الباقون أن الله بالفتح فمن فتح فالمعنى نادته بأن الله يبشرك أن نادته بالبشارة
ومن كسر أراد قالت له {إن الله يبشرك} ويجوز أن تقول إنّما كسره على الاستئناف
قرأ حمزة الكسائي {يبشرك} بفتح الياء وإسكان الباء وضم الشين أي يسرك ويفرحك يقال بشرت الرجل أبشّره إذا فرحته وحجتهما قول النّبي صلى الله عليه وسلم
هل أنت باشرنا بخير
وقرا الباقون {يبشرك} بالتّشديد أي يخبرك يقال بشرته أبشّره أي أخبرته بما أظهر في بشرة وجهه من السرور وحجتهم قوله {فبشرناها بإسحاق} وقوله {وبشر المحسنين} قال الكسائي وأبو عبيدة هما لغتان). [حجة القراءات: 163]
قوله تعالى: {وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ (46)}
قوله تعالى: {قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (47)}
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (15- {يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [آية/ 47]:-
سبق ذكره في البقرة). [الموضح: 372]
قوله تعالى: {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (48)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ويعلّمه... (48)
قرأ نافع وعاصم ويعقوب: (ويعلمه) بالياء.
وقرأ الباقون بالنون.
قال أبو منصور: المعنى واحد في (يعلمه) و(نعلمه)، والتعليم لله جلّ وعزّ في الوجهين). [معاني القراءات وعللها: 1/255]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (35- وقوله تعالى: {ويعلمه الكتاب} [48].
قرأ نافع وعاصم بالياء.
وقرأ الباقون بالنون، فمن قرأ بالنون فالله عز وجل يخبر عن نفسه، وشاهده {نوحيه إليك} [44].
ومن قرأ بالياء فحجته {قال كذلك [الله] يخلق ما يشاء إذا قضى أمرًا فإنما يقول له كن فيكون} [47] والأمر بينهما قريب). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/113]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في النون والياء من قوله تعالى: ويعلمه الكتاب [آل عمران/ 48].
فقرأ نافع وعاصم: ويعلمه الكتاب بالياء، وقرأ الباقون: ونعلمه بالنون.
فحجّة من قرأ: يعلمه أنّه عطفه على قوله: إن الله يبشرك، ويعلمه على العطف على يبشرك. ومن قال: نعلمه:
فهو على هذا المعنى، إلّا أنّه جعله على نحو نحن قدرنا بينكم الموت [الواقعة/ 60] ). [الحجة للقراء السبعة: 3/43]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل} 48
قرأ عاصم ونافع ويعلمه الكتاب بالياء إخبار عن الله أنه يعلمه الكتاب وحجتهما قوله قبلها {قال كذلك الله يخلق ما يشاء إذا قضى أمرا فإنّما يقول له كن فيكون ويعلمه}
وقرأ الباقون (ونعلمه) بالنّون أي نحن نعلمه وحجتهم قوله قبلها {ذلك من أنباء الغيب نوحيه إليك} ). [حجة القراءات: 163]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (28- قوله: {ويعلمه} «48» قرأ نافع وعاصم بالياء، وقرأ الباقون بالنون.
29- وحجة من قرأ بالياء أنه رده على لفظ الغيبة التي قبله في قوله: {إن الله يبشرك} أي: يبشرك بعيسى، ويعلمه الكتاب، وأيضًا فإن قبله: {كذلك الله يخلق ما يشاء} «47»، وقوله: {إذا قضى أمرًا}، فكله بلفظ الغيبة، فجرى {ويعلمه} على ذلك.
30- وحجة من قرأ بالنون أنه حمله على الإخبار لها من الله عن نفسه أنه يعلمه الكتاب، وحسن ذلك؛ لأن قبله إخبارًا من الله عن نفسه، في قوله تعالى: {قال كذلك الله} ). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/344]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (16- {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ} [آية/ 48]:-
بالياء، قرأها نافع وعاصم ويعقوب.
والوجه في ذلك أنه معطوف على قوله تعالى {يُبَشِّرُكِ} كأنه قال: إن الله يبشرك ويعلمه.
وقرأ الباقون بالنون.
ووجهه أنه لا فرق بين {نُعلّمُه} و{يُعَلّمه}، فالفعل لله تعالى في الوجهين، وقد تقدم مثل هذا في قوله تعالى {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ} بالنون). [الموضح: 372]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108565#post108565)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 10:36 AM
سورة آل عمران
[من الآية (49) إلى الآية (51) ]
{وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49) وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (51)}
قوله تعالى: {وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (49)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إنّي أخلق لكم... (49)
قرأ نافع وحده بكسر الألف، وفتحها الباقون.
قال أبو منصور: من قرأ (أنّي) فالمعنى: بأنّي أخلق لكم.
ومن قرأ (إنّي أخلق) بالكسر فهو على البدل من قوله: (بآية)، المعنى: جئتكم بآيةٍ إني أخلق لكم.
وجائز أن يكون رفعًا، المعنى: الآية إنّي أخلق لكم من الطين). [معاني القراءات وعللها: 1/256]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله: (إنّي أخلق لكم... (49)
حركها ابن كثيرٍ ونافع وأبو عمرو، وأرسلها الباقون). [معاني القراءات وعللها: 1/257]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فيكون طيرًا... (49)
قرأ نافع والحضرمي: (فيكون طائرًا) موحدا، وكذلك في المائدة.
وقرأ الباقون: (فيكون طيرًا) على الجمع في السورتين.
وروى أبو عمرو عن أبي العباس أنه قال: الناس كلهم يقولون للواحد: (طائرا) وأبو عبيدة معهم، ثم انفرد فأجاز أن يقال: (طيرًا) للواحد، وجمعه على طيور.
قال: وأبو عبيدة ثقة.
[معاني القراءات وعللها: 1/257]
قال أبو منصور: وقد سمعت العرب تقول لواحد الطيور: طير وطائر.
وأكثر النحويين يقولون للواحد: طائر، وللجمع طير، كما يقال: شارب وشرب، وسافر وسفر.
ومن قرأ (فيكون طيرًا) احتمل معنيين:
أحدهما: فيكون من جنس الطير، واحتمل أن يكون معنى (فيكون طيرًا)، أي: فيكون طائرًا). [معاني القراءات وعللها: 1/258]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (36- وقوله تعالى: {إني أخلق لكم} [49].
قرأ نافع وحده: {إني} بكسر الهمزة.
وقرأ الباقون بفتحها.
وفتح ابن كثير وأبو عمرو ونافع الياء.
وأسكنها الباقون.
فمن فتح الهمزة جعلها بدلاً من قوله: {أني قد جئتكم بآية ... أني أخلق لكم} فيكون موضعها جرًا ورفعًا، ومن كسر أضمر القول؛ قل إني أخلق.
ويجوز أن يكون مستأنفًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/113]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (37- وقوله تعالى: {فيكون طيرًا}
قرأ نافع وحده {طرا} بألف.
وقرأ الباقون: {طيرا} بغير ألف، والطائر مذكر لا غير، وطير يذكرُ ويؤنثُ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/113]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: كلّهم قرأ: أني أخلق لكم [آل عمران/ 49].
وقرأ نافع: (إني).
قال أبو عليّ: قول من فتح (أنّ) أنّه جعلها بدلا من (آية):
كأنّه قال: وجئتكم بأنّي أخلق لكم. ومن كسر إنّ احتمل وجهين:
أحدهما: أنّه استأنف، وقطع الكلام مما قبله.
والآخر: أنّه فسّر الآية بقوله: إنّي أخلق لكم من الطين، كما فسّر الوعد في قوله: وعد الله الذين آمنوا بقوله: لهم مغفرة
[الحجة للقراء السبعة: 3/43]
[المائدة/ 9] وكما فسّر المثل في قوله: كمثل آدم [آل عمران/ 59] بقوله: خلقه من تراب [آل عمران/ 59] وهذا الوجه أحسن ليكون في المعنى كمن فتح وأبدل من (آية) ). [الحجة للقراء السبعة: 3/44]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: وكلّهم قرأ: فيكون طيرا [آل عمران/ 49] بغير ألف غير نافع فإنّه قرأ: طائرا بألف هاهنا، وفي المائدة.
قال أبو علي: حجّة من قرأ: فيكون طيرا قوله تعالى: إني أخلق لكم من الطين كهيئة الطير [آل عمران/ 49] ولم يقل كهيئة الطائر، فكذلك يكون كهيئة الطير وكذلك التي في المائدة، إلّا أنّ هاهنا فأنفخ فيه وثمّ فتنفخ فيها [المائدة/ 110] فيجوز أن يكون على الهيئة مرة وعلى الطير أخرى، ويجوز أن يكون ذكّر الطير على معنى الجمع، وأنّث على معنى الجماعة. وقالوا: طائر، وأطيار، فهذا يكون كصاحب وأصحاب.
وقال أبو الحسن: وقول العرب: طيور جمعوا الجمع، ووجه قراءة من قرأ، فيكون طائرا أنّه أراد: يكون ما أنفخ فيه، أو ما أخلقه طائرا، فأفرد لذلك، أو يكون أراد: يكون كلّ واحد من ذلك طائرا كما قال: فاجلدوهم ثمانين جلدة، أي اجلدوا كلّ واحد منهم). [الحجة للقراء السبعة: 3/44]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({أنّي قد جئتكم بآية من ربكم أنّي أخلق لكم من الطين كهيئة الطير فأنفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله} 49
قرأ نافع إنّي أخلق لكم بكسر الألف على الاستئناف
وقرأ الباقون {إنّي} بالفتح وحجتهم أنّها بدل من قوله {قد جئتكم بآية من ربكم} قال الزّجاج {إنّي} في موضع جر على البدل من آية المعنى جئتكم من أنّي أخلق لكم من الطين
قرا نافع (فيكون طائرا) على واحد كما تقول رجل وراجل وركب وراكب قال الكسائي الطّائر واحد على كل حال والطير يكون جمعا وواحدا وحجته أن الله أخبر عنه أنه كان يخلق واحدًا ثمّ واحدًا
وقرأ الباقون {طيرا} وحجتهم أن الله جلّ وعز إنّما أذن له أن يخلق طيرا كثيرة ولم يكن يخلق واحدًا فقط). [حجة القراءات: 164]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (31- قوله: {أني أخلق} «49» قرأه نافع بالكسر، وفتح الباقون، فمن فتح جعل الكلام متصلًا، فأبدل «أن» من «آية» فصار التقدير: جئتكم بأني أخلق، فـ «أن» في موضع خفض، وهو بدل الشيء من الشيء، وهو هو، ومن كسر جعل الكلام مستأنفًا، مبتدأ به، فكسر «أن» ويجوز أن تكون «أن»
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/344]
وما بعدها تفسيرًا لما قبلها، فيكون في المعنى بمنزلة من فتح، وأبدل من «آية» وتكون بمنزلة قوله: {وعد الله الذين آمنوا} ثم فسر الوعد فقال: {لهم مغفرة} «المائدة 9»، وبمنزلة قوله: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم}، ثم فسر التمثيل بينهما فقال: {خلقه من تراب} «آل عمران 59» والاختيار الفتح، لاجتماع القراء عليه، ولصحة معناه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/345]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (32- قوله: {طيرًا} قرأ نافع بأل ومثله في المائدة، وقرأهما الباقون بغير ألف.
33- وحجة من قرأه بغير ألف أنه رده على قوله: {كهيئة الطير}، ولم يقل: كهيئة الطائر، فأجرى الآخر على لفظ الأول، ومعناه الجمع.
34- وحجة من قرأ بالألف أنه أجراه على التوحيد: {فأنفخ} في الواحد منها فيكون طائرًا على تقدير: فيكون ما أنفخ فيه طائرًا، أو فيكون ما أخلقه طائرًا، أو فيكون كل واحد من المخلوق طائرًا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/345]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (17- {أَنِّي أَخْلُقُ} [آية/ 49]:-
بكسر الألف، قرأها نافع وحده.
والوجه في ذلك أنه كلام مستأنف مقطوع مما قبله، ويجوز أن يكون تفسيرًا للآية؛ لأنه قال: {قَدْ جِئْتُكُمْ بآيَةٍ}، ثم فسر الآية فقال: {إنّي أَخْلُقُ}، كما قال الله تعالى {وَعَدَ الله الّذين آمَنُوا}، ثم فسر الوعد بقوله تعالى
[الموضح: 372]
{لَهُمْ مَغْفِرَةٌ} كما قال تعالى {كَمَثَلِ آدَمَ} ثم فسر المثل بقوله تعالى {خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ}.
وقرأ الباقون {أَنِّي} بفتح الألف، على أن {أَنّي} بدل من {آية}، كأنه قال: وقد جئتكم بأني أخلق، فموضع {أنّي} جر على البدل من {آيَةٍ}، ويجوز أن يكون رفعًا على أنه خبر مبتدإ محذوفٍ، والتقدير: وهي أني أخلق، أي وتلك الآية أني أخلق). [الموضح: 373]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (18- {فَيَكُونُ طائِرًا} [آية/ 49]:-
بالألف والهمز، قرأها نافع ويعقوب وكذلك في المائدة؛ لأن المراد: ما أخلقه يكون طائرًا، فأفرد على معنى أن كل واحد من تلك الصور يكون طائرًا، كما قال {فاجْلِدوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً} أي كل واحدٍ منهم.
وقرأ الباقون {فَيَكُونُ طَيْرًا}؛ لأن المعنى على الجمع، ألا ترى أنه قال {أنّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطيِنَ كَهَيْئَةِ الطَيْر} ولم يقل: كهيئة الطائر؛ لأن الطائر واحد، والطير جمع على المشهور عندهم). [الموضح: 373]
قوله تعالى: {وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (50)}
قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (51)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108566#post108566)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 10:38 AM
سورة آل عمران
[من الآية (52) إلى الآية (58) ]
{فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52) رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53) وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54) إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55) فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (56) وَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57) ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الْآَيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58)}
قوله تعالى: {فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (52)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله: (من أنصاري إلى اللّه... (52).
حركها نافع وحده، وأسكنها الباقون). [معاني القراءات وعللها: 1/257]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة إبراهيم وأبي بكر الثقفي: [الْحَوَارِيُون] مخففة الياء في جميع القرآن.
قال أبو الفتح: ظاهر هذه القراءة يوجب التوقف عنها والاحتشام منها؛ وذلك لأن فيها ضمة الياء الخفيفة المكسور ما قبلها، وهذا موضع تعافه العرب وتمتنع منه.
ألا ترى إلى قول الله سبحانه: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} وأصله العاديُون، فاستثقلت الضمة على الياء، فأسكنت وحذفت لسكونها وسكون الواو بعدها؟ فكان يجب على هذا أن يكون الحوارُون كالقاضُون والساعون، إلا أن هنا غرضًا وفرقًا بين الموضعين يكاد يقنع مثله؛ وذلك أن أصل هذه الياء أن تكون مشددة، وإنما خففت استثقالًا لتضعيف الياء، فلما أريد فيها معنى التشديد جاز أن تُحَمَّل الضمة تصورًا لاحتمالها إياها عند التشديد، كما ذهب أبو الحسن في تخفيف يستهزيون إلى أن أخلص الهمزة ياء ألبتة، وحَمَّلها الضمة تذكُّرًا لحال الهمز المراد فيها، وكما قال في مثال عضْرَفُوط من قرأت: قَرْأَ يُوء، فأبدل الهمزة الثانية التي كانت في قَرْأَءُوء ياء، ثم ضمها بعد أن أخلصها ياء وجرت مجرى الياء التي لا حظَّ فيها لشيء من الهمز.
فإن قيل: فأي الياءين حذف من الحواريين؟
قيل: المحذوفة هي أشبهها بالزيادة، وهي الأولى؛ لأنها بإزاء ياء العطاميس والزناديق.
فإن قيل: فبالثانية وقع الاستثقال، فهلَّا حذفت دون الأولى؟
[المحتسب: 1/162]
قيل: قد يُغيَّر الأول من المثلين تخفيفًا كما يغير الآخر، وذلك قوله:
يا ليتما أُمُّنا شالت نعامتها ... إيما إلى جنة أيما إلى نار
يريد: أَمَّا، وكذلك القول في قيراط ودينار وديماس فيمن قال: دماميس، وديباج فيمن قال: دبابيج، وقد حذفت هذه الياء في الواحد من هذا الجمع. أنشدنا أبو علي وقرأته عليه أيضًا في نوادر أبي زيد:
بَكِّي بعينك واكف القَطْر ... ابن الحوارِي العالي الذِّكْرِ
يريد: الحوارِيّ. وقد خففت ياء النسب في غير موضع مع كونها مفيدة لمعنى النسب، فكيف بها إذا كان لفظها لفظ النسب ولا حقيقة له هناك؟ ألا ترى أن الحواريَّ بمنزلة كرسي في أنه نسب لفظي، ولا حقيقة إضافة تحته؟). [المحتسب: 1/163]
قوله تعالى: {رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (53)}
قوله تعالى: {وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ (54)}
قوله تعالى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (55)}
قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَأُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (56)}
قوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فيوفّيهم أجورهم... (57)
قرأ حفص ويعقوب: (فيوفّيهم) بالياء.
وقرأ الباقون (فنوفّيهم) بالنون.
[معاني القراءات وعللها: 1/258]
قال أبو منصور: المعنى واحد في الياء والنون، الله هو الموفّي للأجور، لا شريك له). [معاني القراءات وعللها: 1/259]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (38- وقوله تعالى: {فيوفيهم أجورهم} [57].
قرأ حفص، عن عاصم بالياء، أي: الله يوفيهم.
وقرأ الباقون بالنون، وهو الاختيار، ليتصل إخبار الله عن نفسه بعضه ببعض). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/114]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال [أحمد]: ولم يختلفوا في النون من قوله تعالى:
[الحجة للقراء السبعة: 3/44]
فنوفيهم أجورهم [آل عمران/ 57، النساء/ 173] إلّا ما رواه حفص عن عاصم فإنّه روى عنه بالياء.
قال أبو علي: وجه من قرأ بالنون قوله: فأما الذين كفروا فأعذبهم [آل عمران/ 56] فقوله: فنوفيهم بالنون في المعنى مثل فأعذبهم. ومما يحسّن ذلك قوله: ذلك نتلوه عليك [آل عمران/ 58]، ومن قرأ بالياء فلأنّ ذكر الله- سبحانه- قد تقدّم في قوله: إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك [ورافعك إلي] [آل عمران/ 55] فيحمل على لفظ الغيبة لتقدّم هذا الذكر، إذ صار في لفظ الخطاب في قوله: فأعذبهم وقوله:
فيوفيهم إلى الغيبة كقوله: فأولئك هم المضعفون [الروم/ 39] بعد قوله: وما آتيتم من زكاة [الروم/ 39] ). [الحجة للقراء السبعة: 3/45]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فأما الّذين كفروا فأعذبهم عذابا شديدا في الدّنيا والآخرة وما لهم من ناصرين * وأما الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات فيوفيهم أجورهم والله لا يحب الظّالمين} 56 و57
قرأ حفص {فيوفيهم أجورهم} بالياء أي فيوفيهم الله وحجته قوله {والله لا يحب الظّالمين}
وقرأ الباقون (فنوفيهم) بالنّون الله جلّ وعز أخبر عن نفسه وحجتهم قوله {فأعذبهم عذابا شديدا} ولم يقل فيعذبهم). [حجة القراءات: 164]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (35- قوله: {فيوفيهم} قرأه حفص بالياء، وقرأ الباقون بالنون.
36- وحجة من قرأ بالنون أنه حمله على الإخبار عن الله جل ذكره، ولأن قبله إخبارًا عنه، وأيضًا في قوله: {فأعذبهم} «56» والنون في الإخبار كالهمزة في الإخبار، وأيضًا فإن بعده إخبارًا أيضًا في قوله: {نتلوه} «58» فحمل الكلام على نظام واحد أوسطه كأوله وآخره، وهو الاختيار، لإجماع القراء عليه، ولما ذكرنا من تطابق الكلام وتجانسه.
37- وحجة من قرأ بالياء أنه حمله أيضًا على ما قبله من لفظ الغيبة في قوله: {إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك} «55»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/345]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (19- {فَيُوَفِّيهْم أُجُورَهُمْ} [آية/ 57]:-
بالياء، قرأها عاصم –ص- ويعقوب- يس-.
وذلك لأن المراد: فيوفيهم الله أجورهم؛ لأن ذكر الله تعالى قد تقدم في قوله {إذْ قَالَ الله يا عِيسى} فهو يعود إليه.
وقرأ الباقون و- ح- عن يعقوب {فَنُوَفِّيهمْ} بالنون؛ لأن ما قبله {فأمّا الّذين كَفَروُا فَأُعَذِّبُهُمْ} والمراد بقوله تعالى {فأُعَذّبُهُم} بالألف، وبقوله تعالى {فَنُوَفّيهم} بالنون واحد، في أن الخبر فيهما عن نفسه سبحانه، ثم إنه قال تعالى فيما بعد ذلك {نَتْلُوهُ عَلَيْكَ} بالنون). [الموضح: 374]
قوله تعالى: {ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الْآَيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ (58)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108567#post108567)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 10:39 AM
سورة آل عمران
[من الآية (59) إلى الآية (63) ]
{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59) الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60) فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63)}
قوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آَدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (59)}
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: وقرأ ابن عامر وحده: فيكون [آل عمران/ 59] بالنصب وهو وهم.
وقال هشام بن عمار: كان أيوب بن تميم يقرأ: فيكون نصبا ثم رجع فقرأ: فيكون رفعا.
[قال أبو علي] قد تقدّم ذكر ذلك في سورة البقرة). [الحجة للقراء السبعة: 3/45]
قوله تعالى: {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (60)}
قوله تعالى: {فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)}
قوله تعالى: {إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62)}
قوله تعالى: {فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ (63)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108568#post108568)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 10:41 AM
سورة آل عمران
[من الآية (64) إلى الآية (68) ]
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66) مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68)}
قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)}
قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65)}
قوله تعالى: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ها أنتم هؤلاء... (66)
قرأ أبو عمرو ونافع: (ها نتم) ممدودا مستفهما غير مهموز.
وقرأ ابن كثيرا: (هأنتم) غير ممدود، وهمز (أنتم) وقال قنبل في روايته لابن كثير: (هأنتم) مهموز، بوزن (هعنتم) يجعلها كلمة واحدة، وكذلك يعقوب الحضرمي.
وقرأ الباقون: (ها أنتم) ممدودة مهموزة.
[معاني القراءات وعللها: 1/259]
قال أبو منصور: أما قراءة أبي عمرو ونافع (ها نتم) ممدودا غير مهموز فهو جيد، لا استفهام فيه، ولكن هاء تنبيه، كقوله: هؤلاء، وهذاك.
وكذلك قراءة من قرأها بالمد والهمز، لا فرق بينهما غير تليين الهمزة في قراءة أبي عمرو، وأما قراءة ابن كثير: (هأنتم) بوزن (هعنتم) فكأنه ذهب إلى أن الأصل (أأنتم) على الاستفهام، ثم قلبت الهمزة الأولى هاء، كما يقال: هراق الماء وأراقه.
وروى عن ابن كثير (هانتم) بتليين الهمز، كأن معناه (أنتم)، ثم قلبت الهمزة الأولى هاء، وكذلك من قرأ بالمد والهمز، يجوز أن يكون قلب الهمزة هاء، والله أعلم.
قال أبو منصور: وهذا أحسن من قول من جعل (ها) تنبيها في (هانتم) ). [معاني القراءات وعللها: 1/260]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (39- وقوله تعالى: {ها أنتم هؤلاء} [66].
قرأ ابن كثير في رواية قنبل {هأنتم} على وزن هعنتم، والأصل: أأنتم، فقلب من الهمزة هاء؛ كراهة أن يُجمع بينهما.
وقرأ نافع برواية ورش مثل قنبل.
وقرأ قالون وأبو عمرو (ها آنتم) على وزن هعنتم، والأصل: أأنتم، فقلب من الهمزة هاء؛ كراهة أن يجمع بينهما.
وقرأ نافع برواية ورش مثل قُنبل.
وقرأ قالون وأبو عمرو (ها آنتم) يمدان ولا يهمزان؛ وإنما مدا؛ لأن الهمزة الثانية بين، بين فمدا تمكينًا لها، والهاء مبدلة أيضًا من همزة في قراءتهما.
وقرأ الباقون: {هاأنتم} كأنهم جعلوا «ها» تنبيهًا «وأنتم» إخبار غير استفهام. ويجوز أن يكون استفهامًا، والأصل: آأنتم كما قرأ ابن عامر (آانذرتهم) بهمزتين بينهما ألف، ثم قلب من الهمزة الأولى هاء، وذلك ضعيف؛ لأنه إنما تدخل الألف حاجزًا بين الهمزتين كراهية لاجتماعهما، فإذا قلبت الأولى هاء فليس هناك ما يستثقل). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/114]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في المدّ في ها أنتم [آل عمران/ 66] والهمز وتركه.
[الحجة للقراء السبعة: 3/45]
فقرأ ابن كثير: هأنتم لا يمدّها، ويهمز أنتم. وقرأت أنا على قنبل عن ابن كثير: هأنتم في وزن «هعنتم».
وقرأ نافع وأبو عمرو هآنتم: ممدودا استفهام بلا همز.
وقال علي بن نصر عن أبي عمرو أنه كان يخفف ولا يهمز استفهاما بلا همز.
وقال أحمد بن صالح عن ورش وقالون عن نافع ممدود غير مهموز.
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: ها أنتم ممدود مهموز. ولم يختلفوا في مدّ (هؤلاء)، و (ألاء).
[قال أبو علي]: أمّا قول ابن كثير (هأنتم هؤلاء) فوجهه: أنّه أبدل من همزة الاستفهام الهاء، أراد: أأنتم فأبدل من الهمزة الهاء. فإن قلت: هلّا لم يجز البدل من الهمزة لأنّه على حرف واحد؟ وإذا كان على حرف واحد وأبدلت منه لم يبق شيء من الحرف يدلّ عليه، فيكون الإبدال منه كالحذف له، فكما لا يجوز حذفه، كذلك لا يجوز البدل منه. قيل: لا يمتنع البدل منه، وإن كان على حرف، وما ذكرته ضرب من القياس الذي جاء
[الحجة للقراء السبعة: 3/46]
استعمالهم بخلافه. ألا ترى أنّهم قد أبدلوا من الباء الواو في قولهم: والله، وأبدلوا من الواو التاء في تالله؟ فهذه حروف مفردة وقد وقع الإبدال منها كما ترى، فكذلك تكون الهاء بدلا من الهمزة. فإن قلت: فهل يجوز أن تكون الهاء التي في «ها» التي للتنبيه، كأنّه أراد: ها أنتم، فحذف الألف من الحرف، كما حذف من «ها» في قولهم: هلمّ؟.
قيل: لا يسهل ذلك، لأنّ الحروف لا يحذف منها، إلّا إذا كان فيها تضعيف، وليس ذلك في «ها» وإنّما حذف من هلمّ لأنّ اللّام التي هي فاء في تقدير السكون، لأنّها متحركة بحركة منقولة [إليها، والحركة المنقولة قد يكون] الحرف المتحرك بها في نيّة السكون. كقولهم: الحمر، فاللّام في تقدير سكون بدلالة تقدير الهمزة التي للوصل معها، فكذلك اللّام في هلمّ. فإذا كان في نيّة سكون استقام حذف الألف من «ها» كما تحذف لالتقاء الساكنين، وليس ذلك في (هأنتم) فإذا كان كذلك لم يستقم الحذف فيه كما جاء في هلمّ. ومعنى الاستفهام في أأنتم تقرير.
فأمّا قراءة نافع وأبي عمرو (هانتم) فتحتمل ضربين:
أحدهما: يجوز أن تكون (ها) التي للتنبيه دخلت على أنتم
[الحجة للقراء السبعة: 3/47]
ويكون التنبيه داخلا على الجملة كما دخل في قوله: هلمّ، وكما دخلت (يا) التي للتنبيه في نحو ألا يا اسجدوا [النمل/ 25] وكما دخلت فيما أنشده أبو زيد [من قوله]:
يا قاتل الله صبيانا تجيء بهم... أمّ الهنيبر من زند لها واري
[وكما أنشد غيره:
يا ما أميلح غزلانا شدنّ لنا] فإن شئت قلت: إنّ «يا» دخلت يراد بها منادى محذوف كقوله:
أيا شاعرا لا شاعر اليوم مثله *..........
[الحجة للقراء السبعة: 3/48]
وكقوله:
يا لعنة الله والأقوام كلّهم *..........
وإن شئت جعلته لاحقا للجماعة بدلالة قولهم: هلم، ألا ترى أنّه لاحق للجملة التي هي (لمّ) بدلالة أن الفريقين جميعا من يثنّي الفاعل فيه ويجمع، ومن لا يفعل ذلك قد اتفقوا على فتح الآخر منه؟ وإنّما فتح الآخر منه لبنائها مع الكلمة، ولا يجوز مع هذا البناء وكون الكلمتين بمنزلة شيء واحد أن تقدر منبّها، فكما أنّ هذا لاحق للجملة كذلك يجوز في: «يا قاتل الله» وقوله: ألا يا اسجدوا [النمل/ 25] لاحقا لها.
فأمّا الهمزة من (أنتم) فيجوز أن تخفّف ولا تحقّق لوقوعها بعد الألف، كما تقول في هباءة: هباة، وفي المسائل: المسايل ويجوز أن تكون الهاء في ها أنتم بدلا من همزة الاستفهام، كما كانت بدلا منها في قول ابن كثير، وتكون الألف التي تدخل بين الهمزتين لتفصل بينهما، كما تدخل بين النونين لتفصل بينهما في اخشينانّ.
فإن قلت: إنّ الألف إنّما تلحق لتفصل بين المثلين في:
[الحجة للقراء السبعة: 3/49]
اخشينانّ، وأاأنتم، واجتماع المثلين قد زال بإبدال الهاء من الهمزة فلا يحتاج إلى الألف، وإذا لم يحتج إليها كان قوله: ها أنتم (ها) فيه للتنبيه، ولا تكون الهاء فيه بدلا من الهمزة، ألا ترى أنّ من قال: هراق قال: أهريق، ولم يحذف الهاء مع الهمزة كما يحذف إذا قال: أريق لزوال اجتماع المثلين؟. قيل: إنّ البدل قد يكون في حكم المبدل منه، ألا ترى أنّك لو سميت رجلا بهرق لقلت: هريق فلم تصرف كما لا تصرف مع الهمزة، وأنّ حكم الهاء حكم الهمزة؟ وكذلك الهمزة في حمراء، حكمها حكم الألف التي انقلبت عنه في امتناع الصّرف، وكذلك الهمزة في علياء، حكمها حكم الياء التي انقلبت عنها في مثل درحاية، وكذلك قال أبو الحسن: إنّك لو سمّيت بأصيلال لم تصرفه، فجعل اللام في حكم النون، وذلك لما قامت الدلالة عليه من أن النون في عطشان لما كانت بدلا من الهمزة في حمراء جرى عليها ما جرى على الهمزة، فكذلك تكون الهاء إذا كانت بدلا من الهمزة تجتلب الألف معها كما كانت تجتلب مع الهمزة، وتخفّف الهمزة من أنتم بعد الألف الفاصلة كما تخفّف بعد الألف من (ها) فإن كان ما حكوه في الترجمة حكوه عن أبي عمرو، فإنّه يدل على أنّه كان
[الحجة للقراء السبعة: 3/50]
يذهب إلى أنّه استفهام، وكذلك، ما حكي عن نافع ممدود غير مهموز. يريد: أنّه ممدود غير محقّق الهمزة.
وأما قراءة عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي (ها أنتم) ممدود مهموز، فإنّ (ها) فيه تحتمل الوجهين اللذين ذكرناهما في قراءة نافع وأبي عمرو إلّا أنّهم حقّقوا الهمزة التي هي بعد الألف ولم يخفّفوها كما خفّفها أبو عمرو ونافع، وإن لم يروا إلحاق الألف للفصل بين الهمزتين، كما يراه أبو عمرو في نحو أاأنتم. فينبغي أن تكون (ها) في قولهم حرف التنبيه، ولا تكون الهاء بدلا من همزة الاستفهام، كما يجوز أن تكون بدلا منها على قول من أدخل الألف بين الهمزتين. قال: ولم يختلفوا في مدّ هؤلاء، وألاء.
قال أبو علي: في هؤلاء لغتان: المدّ والقصر كالتي في قول الأعشى:
هاؤلى ثمّ هاؤلى
كلّا اعطي... ت نعالا محذوّة بمثال). [الحجة للقراء السبعة: 3/51]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ها أنتم هؤلاء حاججتم} 66
قرأ نافع وأبو عمرو (هانتم) بغير همز ويمدان قليلا
كان أبوعمرو يذهب في (هانتم) إلى أن الهاء بدل من همزة أأنتم بهمزتي ثمّ أدخل بين الهمزتين ألفا فقال أاأنتم ثمّ قلب الهمزة الأولى هاء فقال ها أنتم ثمّ خفف الهمزة من أنتم فصار هانتم والهمزة تقلب هاء كثيرا لقربها من الهاء كما قيل هرقت الماء وأرقته وإيّاك وهياك وأهل وآل فإنّما ذهب أبو عمرو إلى أن الهاء بدل من الهمزة وليست للتّنبيه لأن العرب تقول ها أنا ذا ولا تقول ها أنا هذا فتجمع بين حرفين للتّنبيه وكذلك في قوله {ها أنتم أولاء} لا يكون جمع بين حرفين للتّنبيه ها للتّنبيه وهؤلاء للتّنبيه
وقرأ ابن كثير في رواية القواس (هأنتم) مقصورا على وزن هعنتم والأصل عنده أيضا أأنتم بهمزتين فأبدل من الهمزة هاء ولم يدخل بينهما ألفا فصار هأنتم على وزن هعنتم
وقرأ الباقون {ها أنتم} بالمدّ والهمز وها على مذهبهم أدخلت للتّنبيه كما أدخلت على ذا فقيل هذا فوصلت ها ب أنتم الّتي هي أسماء المخاطبين فقيل ها أنتم فلا بد من المدّ والهمز من جهة الألف في ها والهمزة في أنتم قالوا ويجوز أيضا أن تكون الهاء في هذه القراءة بدلا من الهمزة). [حجة القراءات: 165]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (38- قوله: {هأنتم} قرأ قنبل بهمزة مفتوحة، من غير مد، وقرأ نافع وأبو عمرو بالمد، من غير همز، وقرأ الباقون بالمد والهمز، لكن البزي أنقص مدًا من غيره.
39- والحجة في قراءة قنبل أن أصله عنده «أأنتم» بهمزتين مفتوحتين، ثم أبدل من الهمزة الأولى «هاء» كما قالوا: أرقت الماء وهرقته، وترك الثانية على تحقيقها.
40- وحجة من مدّ بغير همز أن أصله عنده «أأنتم» بهمزتين مفتوحتين ثم أبدل من الأولى «هاء» وليّن الثانية بين بين، فأدخل بين الهاء والهمزة الملينة ألفًا على مذهب قالون وأبي عمرو، وعلى مذهب ورش لا يدخل بينهما ألفًا إلا على رواية ورش عنه، قد ذكرناها، وفعل أبو عمرو وقالون ذلك للفصل بين الهمزتين؛ لأن الأولى مقدرة منوية، كما فعل في «أئذا، وأئنا»، وكما أدخلت الألف بين النونات في «اخشينان» إذا أمرت جماعة المؤنث، وحسن إدخال الألف، وإن كانت الهمزة الأولى قد تغيرت بالبدل؛ لأن البدل في حكم المبدل منه، فالأصل منوي مرد، ألا ترى أنك لو سميت بـ «هريق» لم تصرفه، كما لا تصرف مع الهمزة، فالحكم للأصل وقد قال الأخفش، لو سميت رجلًا بـ «أصيلال» لم تصرفه؛ لأن اللام في حكم النون التي اللام بدل منها، فهو كـ «عثمان» والنون مقدرة منوية لأنه الأصل، فكذلك هذا، لما كانت الهمزة هي الأصل، جرى الحكم على الأصل، فأدخلت بين الهاء وهمزة بين بين ألفًا، كما تفعل مع الهمزة، ويجوز فيه وجه آخر، وهو أن يكون أصله «أنتم» دخلت عليه «ها» التي للتنبيه ثم خففت همزة «أنتم» بين بين، فعلى هذا القول يترك مده أبو عمرو، في رواية الرقيين، والحلواني عن قالون، لأنهما كلمتان، وحسن
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/346]
تخفيف همزة «أنتم» بعد ألف «ها» لأن الألف يقع بعدها الساكن، فأجرى أن يقع بعدها ما يقرب من الساكن، وهو همزة بين بين، ولا يحسن أن يقدر البدل في الهمزة الثانية، في قراءة ورش، لئلا يجتمع ألفان، على أن يجعلها هاء، دخلت على «أأنتم» فإن قدرت الهاء بدلًا جاز أن تقدر لورش البدل في الثانية كما جاز ذلك له في {أأنذرتهم} ونحوه، وبين بين أقوى في العربية، في ذلك كله لورش.
41- وحجة من قرأ بالمد والهمز أن أصله عنده «أنتم» دخلت عليه «ها» التي للتنبيه، وبقيت همزة «أنتم» محققة، على أصلها، ولا يمدها البزي لأنها من كلمتين، ويجوز أن يكون أصله «أأنتم» بهمزتين محققتين، بينهما ألف، للفصل بين الهمزتين، ثم يبدل من الهمزة الأولى «ها» فتتصل ألف الفصل بالهاء، وفيه بعد، إن حُملت قراءة البزي على هذا، لأنه ليس من أصله أن يدخل بين الهمزتين ألفًا، والوجه الأول أولى بقراءة البزي، وعلى ذلك تُحمل قراءة الكوفيين وابن عامر، إلا هشامًا فإنه قد يُدخل بين الهمزتين ألفًا، فيغير هذا، فيجوز أن يحمل هذا على أصله في غيره، فتحمل قراءته على الوجه الثاني، والاختيار ما عليه الجماعة، من المد والهمز، وهو وجه الكلام وعليه المعنى). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/347]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (20- {هَاأَنْتُمْ} [آية/ 66]:-
بالقصر والهمز، على وزن: هعنتم، قرأها ابن كثير –ل-؛ لأن المراد عنده: أأنتم بهمزتين همزة للاستفهام وهمزة أنتم، فأبدل من همزة الاستفهام هاءً، كما أبدلوا الهمزة هاء في: هرقت الماء وهياك وهيا زيد، و:
20- لهنك من عبسية لوسيمة.
[الموضح: 374]
روى –يس عن يعقوب، وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي {ها أَنْتُمْ} بالمد والهمز.
ووجه ذلك أن ها التي للتنبيه دخلت على أنتم.
ويجوز أ، يكون الهاء بدلاً من همزة الاستفهام، كما تقدم في قراءة ابن كثير، ثم إن الألف التي بعد الهاء فصل بها بين الهمزتين؛ لأن الأصل: أأنتم، فأدخلت الألف بينهما للفصل، كما في قول الشاعر:-
21- ... آأنت أم أم سالم
ثم قلبت الهمزة هاء على ما سبق.
وقرأ نافع وأبو عمرو {هانْتُم} بالمد من غير همز.
وذلك يكون على الوجهين اللذين سبق ذكرهما، إلا أن الهمزة التي بعد الألف وهي همزة أنتم خففت بعد ذلك بأن جعلت بين بين.
وروى البزي عن ابن كثير {هاأَنْتُمْ} بألف قصيرة قصيرة بين الهاء والهمزة.
وذلك لأنه فصل بين الهاء والهمزة بألفٍ، فوقع الفصل بها، وسواء كانت ألفًا تامة في المد أو ناقصة، فالمراد بوقوع الفصل بينهما قد حصل.
وروى –ح- عن يعقوب مثل قراءة عاصم والجماعة). [الموضح: 375]
قوله تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67)}
قوله تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108569#post108569)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 10:43 AM
سورة آل عمران
[من الآية (69) إلى الآية (71) ]
{وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71)}
قوله تعالى: {وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (69)}
قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ (70)}
قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (71)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108570#post108570)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 10:44 AM
سورة آل عمران
[من الآية (72) إلى الآية (74) ]
{ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72) وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73) يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74)}
قوله تعالى: {وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آَمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُوا آَخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (72)}
قوله تعالى: {وَلَا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ أَنْ يُؤْتَى أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ أَوْ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم... (73)
قرأ ابن كثير وحده (ءان يؤتى أحدٌ) ممدودا، وقرأ الباقون بغير مدٍّ.
قال أبو منصور: القراءة بغير المد، ومن قرأ بالمد فهو استفهام معناه الإنكار، وذلك أن أحبار اليهود قالوا لذويهم: أيؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم؟ أي: لا يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم.
[معاني القراءات وعللها: 1/260]
قال الفراء: ((أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم): لا تصدّقوا (أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم.
أوقع (تؤمنوا) على (أن يؤتى) كأن قائلهم قال: لا تؤمنوا أن يعطى أحدٌ مثل ما أعطيتم.
وقد قيل إن المعنى: قل يا محمد: (إنّ الهدى هدى اللّه أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم)، أي: الهدى هداكم، لا يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، قاله الفراء.
قال: وصلحت أحد لأن معنى (أن) معنى (لا)، كما قال الله جلّ وعزّ: (يبيّن اللّه لكم أن تضلّوا) معناه: لا تضلوا.
وقال: (كذلك سلكناه في قلوب المجرمين (200) لا يؤمنون به)
أن تصلح في موضع (لا).
وأخبرني المنذري عن المبرد أنه قال: المعنى في قوله (أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم) (قل إنّ الهدى هدى اللّه) كراهة (أن يؤتى أحدٌ مثل ما أوتيتم) أي ممن خالف دين الإسلام، لأن الله لا يهدي من هو كاذبٌ كفّار، فهدى الله بعيدٌ من غير المؤمنين.
قال أبو منصور، وقول الفراء عندي أصح من قول المبرد). [معاني القراءات وعللها: 1/261]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (40- وقوله تعالى: {أن يؤتى أحد} [73].
قرأ ابن كثير وحده {آن يؤتى} على الاستفهام في اللفظ، وهو تقرير وتوبيخ.
وقرأ الباقون {أن يؤتى} بالقصر على تقدير: قل إن الهدى هدى الله، لأن يوتى وبأن يوتى، فأعرف ذلك). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/114]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وكلّهم قرأ: أن يؤتى أحد غير ممدود، إلّا ابن كثير فإنّه قرأ: أن يؤتى أحد، ممدودا [آل عمران/ 73].
قال أبو علي: فقول الباقين أن المعنى على قراءة الجماعة: لا تصدقوا إلّا لمن تبع دينكم، أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، وقوله: قل إن الهدى هدى الله [آل عمران/ 73] اعتراض بين المفعول وفعله، والتقدير: لا تصدّقوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلّا لمن تبع دينكم.
فأمّا قوله: أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم [آل عمران/ 73] فإن أول الآية: وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار [آل عمران/ 72] فقوله: ولا تؤمنوا... أن يؤتى أحد يكون تؤمنوا فيه متعدّيا بالجارّ، كما كان في أول الآية متعديا به. وإذا حذفت الجارّ من «أن» كان موضع «أن» على الخلاف، يكون في قول الخليل جرّا، وفي قول سيبويه نصبا. وأمّا اللّام في قوله: ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم [آل عمران/ 73]
[الحجة للقراء السبعة: 3/52]
فلا يسهل أن يعلّقه ب تؤمنوا وأنت قد أوصلته بحرف آخر جارّ فتعلّق بالفعل جارّين، كما لا يستقيم أن تعدّيه إلى مفعولين إذا كان يتعدى إلى مفعول واحد، ألا ترى أنّ تعدّي الفعل بالجارّ كتعديه بالهمزة، وتضعيف العين؟ فكما لا يتكرر هذان، كذلك لا يتكرر الجارّ. فإن قلت: فقد جاء:
فلأبغينّكم قنا وعوارضا... ولأقبلنّ الخليل لابة ضرغد
والتقدير: لأقبلنّ بالخيل إلى هذا الموضع. فإنّ هذا إنّما جار لأنّ الثاني من المفعولين مكان، فيجوز أن يكون شبه المختص بالمبهم كقولهم: ذهبت الشام، فيمن لم يجعل الشام اسم الجهة. فإذا لم يسهل تعليق المفعولين به حملته على المعنى، والمعنى:
لا تقرّوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلّا لمن تبع دينكم، كما تقول:
أقررت لزيد بألف، فيكون اللام متعلقا بالمعنى، ولا تكون زائدة على حدّ إن كنتم للرءيا تعبرون [يوسف/ 43] ولكن متعلق بالإقرار.
فإن قلت: فهذا فعل قد تعلّق بجارّين. فإن الجارّين [لم
[الحجة للقراء السبعة: 3/53]
يتعلقا به] على حدّ أنّه مفعول بهما، ولكن أحدهما على غير أنّه مفعول به، والمفعول به إذا تعدى الفعل إليه بالجارّ أشبه الظرف، ولذلك جاز: «سير بزيد فرسخ» فأقمت الظرف مقام الفاعل، مع أنّ في الكلام مفعولا به على المعنى، لما كان المفعول به الذي هو الجار والمجرور يشبه الظرف، ولولا ذلك لم يجز: «سير بزيد فرسخ». فالمعنى: لا تقرّوا أن يؤتى أحد إلّا لمن تبع دينكم، فاللام غير زائدة. وإن شئت حملت الكلام على معنى الجحود، لأنّ معنى لا تؤمنوا: اجحدوا، فكأنّه قيل: اجحدوا أن يؤتى أحد، أو اجحدوا بأن يؤتى أحد إلّا من تبع دينكم، كأنه قيل:
اجحدوا الناس إلّا من تبع دينكم، فتكون اللّام على هذا زائدة.
وقد تعدى (آمن) باللّام في غير هذا، قال تعالى: فما آمن لموسى إلا ذرية [يونس/ 83] وقال: آمنتم له قبل أن آذن لكم [الشعراء/ 49، وطه/ 71] ويؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين [التوبة/ 61] فتعدى مرّة بالباء، ومرّة باللّام. فأمّا قوله: أن يؤتى أحد [فإنّ قوله: أحد] إنّما دخل للنفي الواقع في أوّل الكلام، وهو قوله: ولا تؤمنوا كما دخلت من في قوله: ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم [البقرة/ 105] فكما دخلت من في صلة «أن ينزّل» لأنّه مفعول النفي اللّاحق لأول الكلام، كذلك دخل أحد في
[الحجة للقراء السبعة: 3/54]
صلة «أن» من قوله: أن يؤتى أحد لدخول النفي في أول الكلام.
ووجه قول ابن كثير أنّ: (أن) في موضع رفع بالابتداء. ألا ترى أنّه لا يجوز أن يحمل على ما قبله من الفعل لقطع الاستفهام بينهما، كما كان يحمل عليه قبل؟ فارتفع بالابتداء. وخبره:
تصدّقون به، وتعترفون به، أو تذكرونه لغيركم، ونحو هذا مما دلّ عليه قوله: ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم، وهذا في قول من قال: أزيد ضربته، ومن قال: أزيدا ضربته، كان (أن) عنده في موضع نصب، ومثل حذف خبر المبتدأ هنا، لدلالة ما قبل الاستفهام عليه، حذف الفعل في قوله [جلّ وعزّ] آلآن وقد عصيت قبل [يونس/ 91] التقدير: الآن أسلمت حين لا ينفعك الإيمان، للإلجاء من أجل المعاينة إلى الإيمان، كما قال: يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل [الأنعام/ 158] فحذف الفعل لدلالة ما قبل الاستفهام عليه، فكذلك حذف خبر المبتدأ من قوله: أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم [آل عمران/ 73] ويجوز أن يكون موضع (أن) نصبا فيكون المعنى: أتشيعون أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، أو أتذكرون أن يؤتى أحد. ويدلّ على جواز ذلك قوله تعالى: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم [البقرة/ 76]
[الحجة للقراء السبعة: 3/55]
فحديثهم بذلك إشاعة منهم له ذكر وإفشاء. ومثل هذا في المعنى في قراءة ابن كثير قوله: وإذا خلا بعضهم إلى بعض قالوا: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم ليحاجوكم به
عند ربكم أفلا تعقلون
[البقرة/ 76] فوبخ بعضهم بعضا. بالحديث بما علموه من أمر النبي- صلى الله عليه وسلم- وعرفوه من وصفه، فهذه الآية في معنى قراءة ابن كثير، ولعله اعتبرها في قراءته هذه. فإن قلت: فكيف وجه دخول أحد في قراءة ابن كثير، وقد انقطع من النفي بلحاق الاستفهام، والاستفهام ما بعده منقطع مما قبله، والاستفهام على قوله تقرير وتوبيخ كما أنه في قوله: أتحدثونهم بما فتح الله عليكم تقرير، وإذا كان تقريرا كان بمعنى الإيجاب، وإذا كان بمعنى الإيجاب، لم يجز دخول أحد في الكلام كما لم يجز دخوله في الإيجاب، ألا ترى أن التقرير لا يجاب بالفاء كما لا يجاب الإيجاب بها؟ وأحد على قول ابن كثير أيضا يدلّ على الكثرة، كما أنّه في قول سائرهم ممن لا يستفهم كذلك، ألا ترى أن بعده: أو يحاجوكم والضمير ضمير جماعة؟ فالقول في ذلك أنّه يجوز أن يكون أحد في هذا الموضع أحدا الذي في نحو: أحد وعشرون وهذه تقع في الإيجاب، ألا ترى أنّه بمعنى واحد؟.
[الحجة للقراء السبعة: 3/56]
وقد قال أحمد بن يحيى: إن أحدا، ووحدا، وواحدا بمعنى، وجمع ضمير أحد، لأنّ المراد به الكثرة، فحمل على المعنى في قوله: أو يحاجوكم، وجاز ذلك لأنّ الأسماء المفردة قد تقع للشياع، وفي المواضع التي يراد بها الكثرة، فهذا موضع ينبغي أن ترجّح له قراءة غير ابن كثير على قراءته، لأنّ الأسماء التي هي مفردة تدلّ على الكثرة ليس بالمستمر في كلّ موضع. وفي قراءة غيره ليس يعترض هذا ويقوي قوله: يخرجكم طفلا [غافر/ 67] واجعلنا للمتقين إماما [الفرقان/ 74] فيمن جعل الإمام مثل كتاب ولم يجعله كصحاف). [الحجة للقراء السبعة: 3/57]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن: [أَنْ يُوتِيَ أَحَدٌ مِثْلَ مَا أُوتِيتُمْ]، قال أحمد بن صالح: كذا قال، قال ابن مجاهد: وعلى هذا ينبغي أن يكون أن يوتِيَ أحدًا.
قال أبو الفتح: لا وجه لإنكار ابن مجاهد رفع "أحد" مع قوله [يوتِيَ] مسمى الفاعل؛ وذلك أن معناه أن يوتِي أحد أحدًا مثل ما أوتيتم؛ كقولك: أن يحسن أحد مثل ما أُحْسِنَ إليكم؛ أي: أن يحسن أحد إلى أحد مثل ما أُحْسن إليكم، فتحذف المفعول ويكون معناه ومفاده أن نعمة الله سبحانه لا تُقاس بها نعمة. وهذا مع أدنى تأمل واضح). [المحتسب: 1/163]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولا تؤمنوا إلّا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم} 73
قرأ ابن كثير {أن يؤتى أحد} بمد الألف على الاستفهام على
[حجة القراءات: 165]
وجه الإنكار أي لا يعطى أحد مثل ما أعطيتم وهو متّصل بقوله {ولا تؤمنوا إلّا لمن تبع دينكم} {أن يؤتى أحد} ويكون قوله {إن الهدى هدى الله} خبرا اعترض في وسط الكلام ولم يغير من المعنى شيئا وإذا حمل الكلام على هذا كان قوله أن يؤتى بعد من الحكاية عن اليهود يقول لا تصدقوا أن يعطى أحد مثل ما أعطيتم
وقرأ الباقون أن يؤتى بلا استفهام وتأويله ولا تؤمنوا إلّا لمن تبع دينكم ولا تؤمنوا أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم وقد بينا في كتاب التّفسير). [حجة القراءات: 166]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (42- قوله: {أن يؤتى} قرأه ابن كثير بالمد، ولم يمد الباقون.
43- وحجة من مده أنه أدخل ألف الاستفهام على «أن»، ليؤكد الإنكار الذي قالوه، بأنه لا يؤتي أحد مثل ما أوتوا، لأن علماء اليهود قالت لعامتهم: لا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، أي: لا يؤتي أحد مثل ما أوتيتم. و{أن} في موضع رفع على قول من رفع في قولك: أزيد
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/347]
ضربته، والخبر محذوف، تقديره: أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم تصدقون أو تقرون، ونحوه، أي: لا تصدقوا بذلك، ويحسن أن تكون «أن» في موضع نصب على إضمار فعل، كما جاز في قولك: أزيدًا ضربته، فهو أقوى في العربية، لأن الاستفهام بالفعل أولى لأنك عنه تستفهم، لست تستفهم عن شخص زيد إنما تستفهم عن الفعل، هل وقع بزيد، فالفعل: مع حرف الاستفهام مضمر، فهو أولى بالعمل، فيجب أن يختار النصب، ومثله الأمر والنهي وشبهه مما هو أولى بالفعل، فيجب أن يختار النصب، ومثله الأمر والنهي وشبهه، مما هو أولى بالفعل، ويكون الإضمار بين الألف وبين الفعل، تقديره: أتقرون أن يؤتى، أو أتشيعون ذلك، أو أتذكرون ذلك، ونحوه.
44- وحجة من لم يمد أن النفي الأول دل على إنكارهم في قولهم: ولا تؤمنوا فالمعنى أن علماء اليهود قالت لهم: لا تصدقوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم. و{أن} في موضع جر على قول الخليل بالخافض المحذوف، وفي موضع نصب على قول غيره، لعدم الخافض، تقديره: لا تصدقوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم، واللام في {لمن} متعلقة بـ {تؤمنوا} على أن تحمل {تؤمنوا} على معنى: تقروا، فيتعدى إلى مفعولين بحرفين، فإن لم تقدر ذلك لم تتعلق اللام بـ {تؤمنوا}؛ لأنه لا يتعدى إلى مفعولين بحرفين، ويتعدى «تقرون» بحرفين، تقول: أقررت لزيد بمال، ولا تقول ذلك في {تؤمنوا} إلا على أن تجعله بمعنى «تقروا» والاختيار ترك المد، لأن الجماعة عليه، ولأن المعنى في الإنكار يقوم بغير زيادة ألف، لأن «لا» تغني عن الألف). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/348]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (21- {آنْ يُؤْتى أَحَدٌ} [آية/ 73]:-
بمد الألف، قرأها ابن كثير وحده.
وذلك لأن المراد أأن بهمزة الاستفهام التي معناها الإنكار، وخفف معها همزة {أَنْ} لاجتماع الهمزتين فبقي {ءان} بالمد، وموضع أن وما بعده رفع على أنه مبتدأ، والخبر مضمر، والتقدير: أن يؤتي أحد مثل ما أوتيتم تصدقون به أو تقرون أو أنتم به معترفون أو نحو ذلك.
وقرأ الباقون {أنْ يؤتى} بقصر الألف.
وذلك لأنه متصل بقوله {وَلا تُؤْمِنُوا إلا لِمَنْ تَبِع دِينَكُمْ} كأنه قال: لا تصدقوا بأن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم إلا لمن تبع دينكم، فيكون موضع أن نصبًا بقوله {لا تُؤْمِنُوا} على أنه مفعول به، وقوله {قُلْ إنّ الهُدى هُدى الله} اعتراض بين الفعل والمفعول به). [الموضح: 376]
قوله تعالى: {يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108571#post108571)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 10:46 AM
سورة آل عمران
[من الآية (75) إلى الآية (76) ]
{وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76)}
قوله تعالى: {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (يؤدّه... (75)، و: (نصله) و(نؤته)
ونحوهن من الهاءات التي تتصل بفعل مجزوم.
قرأ ابن كثير وابن عامر والكسائي: (يؤدّهي) بإظهار الياء في اللفظ، وكذلك غيره في الوصل فإنه لم يضبطه، ألا ترى أن سيبويه روى عن غير الجزم، وقال: هو مختص بلطافة اللفظ، وترك الإشباع، ويروى عن العرب الجزم المحض في أمثال هذه الهاءات، فهو وهم، لأن العربيّ يختلس الحركات اختلاسا خفيًّا إذا سمعه الحضريّ ظنه جزمًا،
[معاني القراءات وعللها: 1/262]
وذلك الظن منه وهمٌ). [معاني القراءات وعللها: 1/263]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إلّا ما دمت عليه قائمًا... (75).
اتفق القراء على ضم الدال في جميع القرآن، إلا ما روي عن يحيى ابن وثاب: (دمت).
قال أبو منصور: واللغة العاليه دمت أدوم.
ومن العرب من يقول: دمت أدام، إلا أن القراءة بالضم، لاتفاق قراء الأمصار عليه). [معاني القراءات وعللها: 1/263]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (41- قوله تعالى: {بقنطار يؤده إليك} [75].
اختلف عن جميع القراء في هذا ونحوه مثل قوله: {نوله ما تولى ونصله
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/114]
جهنم} و{يرضه لكم} وما شاكل ذلك.
فقرأ عبد الله بن عامر ونافع باختلاس الحركة {نوله} و{يؤده} وذلك أن الأصل {يؤديه} مثل {فيه هدى} فسقطت الياء للجزم وبقيت الحركة مختلسة على أصل الكلمة.
وقرأ ابن كثير والكسائي بإشباع الكسرة، ولفظه كالياء بعد الهاء،.
وأما ابن كثير فإن من شرطه أن يُشبع حركته في كل حال كقوله: {منهو آيات} و{فيهي هدى} فردهن إلى أصله.
وأما الكسائي فقال: إن الياء لما سقطت للجزم أفضى الكلام إلى هاء قبلها كسرة فأشبعها، كما تقول: مررت بهي وكما قال الله تعالى: {وأمهي} {وصاحبتهي}.
وقرأ عاصم برواية أبي بكر وأبو عمرو وحمزة: {نوله} {ونصله} بالإسكان.
قال أبو عبيد: من أسكن الهاء فقد أخطأ؛ لأن الهاء اسم والأسماء لا تجزم.
قال أبو عبد الله الحسين بن خالويه رضي الله عنه: ليس ذلك غلطًا؛ وذلك أن الهاء لما اتصلت بالفعل فصارت معه كالشيء الواحد خففوها بالإسكان،
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/115]
وليس كل سكون جزمًا، والدليل على ذلك أن أبا عمرو قرأ: {وهو خادعهم} فأسكن تخفيفًا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/116]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك} 75
قرأ أبو عمرو وحمزة وأبو بكر {يؤده إليك} و{لا يؤده إليك} بسكون الهاء وحجتهم أن من العرب من يجزم الهاء إذا تحرّك ما قبلها فيقول ضربته ضربا شديدا فينزلون الهاء إذا سكنوها وأصلها الرّفع بمنزلة أنتم ورأيتهم إذا سكنوا الميم فيها وأصلها الرّفع ولم يصلوها بواو فلذلك اجريت الهاء مجرى الميم في أنتم أنشد الفراء
فيصلح اليوم ويفسده غدا
وقرأ الباقون (يؤدهي إليك) و(لا يؤدهي إليك) يصلون بياء في اللّفظ وحجتهم أن الياء بدل من الواو وأصلها يؤدهو إليك
[حجة القراءات: 166]
لكن قلب الواو ياء لانكسار ما قبلها فلا سبيل إلى حذف الياء وهي بدل من الواو قال سيبويهٍ الواو زيدت على الهاء في المذكر كما زيدت الألف في المؤنّث في قولك ضربتها ومررت بها وضربتهو ليستوي ضربته المذكر والمؤنث في باب الزّيادة
قرأ نافع في رواية الحلواني {يؤده} بالاختلاس وحجته أن الكسرة تدل عل الياء وتنوب عنها). [حجة القراءات: 167]
قوله تعالى: {بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ (76)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108572#post108572)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 10:49 AM
سورة آل عمران
[من الآية (77) إلى الآية (80) ]
{إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77) وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78) مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79) وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80)}
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77)}
قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَابِ وَمَا هُوَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَقُولُونَ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (78)}
قوله تعالى: {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُوا عِبَادًا لِي مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ (79)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (بما كنتم تعلّمون الكتاب وبما كنتم تدرسون (79)
[معاني القراءات وعللها: 1/263]
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب: (تعلمون) بفتح التاء خفيفا.
وقرأ الباقون: (تعلّمون) بضم التاء وتشديد اللام، ومعناه: بتعليمكم الكتاب ودرسكم و(ما) معناها المصدر في القراءتين). [معاني القراءات وعللها: 1/264]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (44- وقوله تعالى: {بما كنتم تعلمون} [79].
قرأ ابن عامر وأهل الكوفة مشددًا، وقرأ الباقون مخففًا، وحجتهم {تدرسون} [79] ولم يقل تدرِّسون، ومن شدَّدَ قال: هذا أبلغ في المدح؛ لأنهم لا يعلمون إلا وقد علموا هم، ولا يكون العالم عالمًا حتى يعمل بعلمه، فأحد عمله تعليمه غيره). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/117]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح التاء واللام والتخفيف وضمّها والتشديد في قوله [جلّ وعزّ]: تعلمون الكتاب [آل عمران/ 79].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو: تعلمون بإسكان العين ونصب اللام.
[الحجة للقراء السبعة: 3/58]
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: تعلمون مثقّلا.
قال أبو علي: قال سيبويه: علّمت: أدّبت، وأعلمت: آذنت، والباء في قوله: بما كنتم. متعلقة بقوله: كونوا من قوله: ولكن كونوا ربانيين بما كنتم [آل عمران/ 79] ومثل ذلك قول طفيل:
نزائع مقذوفا على سرواتها... بما لم تخالسها الغزاة وتركب
وقول الأعشى:
..................... قالت بما قد أراه بصيرا
فأمّا (ما) في كلتا القراءتين فهي التي مع الفعل بتأويل المصدر مثل أن الناصبة للفعل في أنّها مع الفعل كذلك، والتقدير:
بكونكم تعلمون، ولا عائد من الصلة إلى الموصول، يدلك على ذلك أنه لا يخلو الذكر إن عاد من أن يكون من قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 3/59]
كنتم أو من تعلمون فلا يجوز أن يعود من قوله: كنتم، لأنّ قوله تعلمون في موضع نصب.
ألا ترى أنّ التقدير: بكونكم عالمين للكتاب؟ وإذا كان في موضع نصب لم يجز أن يقدر في الكلام راجع إلى الموصول لاستيفائه المفعول الذي يقتضيه ظاهرا، ولا يجوز أن يعود من تعلمون، لأنّ قوله تعلمون قد استوفى أيضا المفعول الذي يقتضيه وهو قوله: الكتاب فإذا كان كذلك علمت أنّه لا راجع في الصلة إلى الموصول، ومثل ذلك قوله: ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون [البقرة/ 10] ومثله قوله: فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون [الأعراف/ 51] التقدير:
كنسيانهم لقاء يومهم هذا، وككونهم بآياتنا جاحدين.
فأمّا قوله: تعلمون: فهو من العلم الذي يراد به المعرفة فيتعدى إلى مفعول واحد، كقوله تعالى: ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت [البقرة/ 65] والله يعلم المفسد من المصلح [البقرة/ 220]. فإذا ضعّفت العين تعدى إلى مفعولين، كما أنّك لو نقلت بالهمزة كان كذلك، فالمفعول الثاني من قوله: في قراءة من قرأ: تعلمون الكتاب محذوف. التقدير:
بما كنتم تعلّمون الناس الكتاب، أو: غيركم الكتاب، ونحو هذا، وحذف [هنا] لأنّ المفعول به قد يحذف من الكلام كثيرا،
[الحجة للقراء السبعة: 3/60]
ومثل ذلك قوله تعالى: وعلم آدم الأسماء كلها [البقرة/ 31] فهذا منقول من: علم آدم الأسماء، وعلّمه الله الأسماء. وحجّة من قال: (بما كنتم تعلمون)، أبا عمرو قال فيما زعموا: يصدّقها: تدرسون، ولم يقل: تدرّسون، ومن حجّتها أنّ العالم الدارس قد يدرك بعلمه ودرسه مما يكون داعيا إلى التمسك بعلمه، والعمل به ما يدركه العالم المعلّم في تعليمه، ألا ترى أنّه يتكرر عليه في درسه ما يتكرر في تعليمه مما ينبّه ويبصّر من اللطائف التي يثيرها النظر في حال الدرس؟. [قال أبو زيد كلاما معناه: لا يكون الدرس درسا حتى تقرأه على غيرك].
وحجة من قال: تعلّمون، أن التعليم أبلغ في هذا الموضع، لأنّه إذا علّم الناس فلم يعمل بعلمه، ولم يتمسك بدينه كان مع استحقاق الذّم بترك عمله بعلمه داخلا في جملة من وبّخ بقوله:
أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم [البقرة/ 44]، ومن حجّتهم: أن الذي يعلّم لا يكون إلّا عالما بما يعلّم. فإذا علّم كان عالما، فيعلّم في هذا الموضع، أبلغ لأنّ المعلّم عالم، والعالم لا يدلّ على علّم). [الحجة للقراء السبعة: 3/61]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي حيوة: [تُدْرِسُون] بضم التاء ساكنة الدال مكسورة الراء.
[المحتسب: 1/163]
قال أبو الفتح: ينبغي أن يكون هذا منقولًا من درس هو وأَدرس غيره؛ كقولك: قرأ وأَقرأَ غيره. وأكثر كلام العرب درس ودرَّس غيره، وعليه جاء المصدر على التدريس). [المحتسب: 1/164]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثمّ يقول للنّاس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما} 79 و80
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو {بما كنتم تعلمون الكتاب} بالتّخفيف أي يعلمكم الكتاب
قال أبو عمرو وحجتهما قوله {وبما كنتم تدرسون} ولم يقل تدرسون
وقرأ الباقون {بما كنتم تعلمون} بالتّشديد من قولك علمت زيدا الكتاب أعلمه تعليما والمعنى تعلمون النّاس الكتاب وحجتهم أن تعلمون أبلغ في المدح من تعلمون لأن المعلم لا يكون معلما حتّى يكون عالما بما يعلمه النّاس قبل تعليمه وربما كان عالما ليس بمعلم
[حجة القراءات: 167]
وقد روي عن مجاهد أنه قال ما علموه حتّى علموه
قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة {ولا يأمركم} بالنّصب وحجتهم أنّها نسق على قوله {ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثمّ يقول للنّاس} ولا أن يأمركم
وقرأ الباقون {ولا يأمركم} بالرّفع على وجه الابتداء من الله بالخبر عن النّبي صلى الله عليه أنه لا يأمركم ايها النّاس أن تتّخذوا من الملائكة والنبيين أربابًا). [حجة القراءات: 168] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (53- قوله: {تعلمون الكتاب} قرأه الكوفيون وابن عامر بضم التاء، وكسر اللام مشددا من التعليم، وقرأ الباقون بفتح التاء واللام مفتوحة مخففًا من العلم.
54- وحجة من شدد أن التعليم إنما هو من العلم، لأن كل معلم عالم بما يعلم، وليس كل عالم بشيء معلمًا، فالتشديد يدل على العلم والتعليم والتخفيف إنما يدل على العلم فقط، فالتعليم أبلغ وأمدح.
55- وحجة من خفف أن حمله على ما بعده، من قوله: {تدرسون} مخففًا، ولم يقل «تدرّسون» وكل من درس عَلِم، وليس كل من درَس عَلَّم، فحملُ الفعلين على معنى واحد أليق، وأحسن في المطابقة والمجانسة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/351]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (22- {تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ} [آية/ 79]:-
بالتخفيف من العلم، قرأها ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب.
والوجه أن ما بعده {وَبِما كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ} ولم يقل تدرسون بالتشديد، والمعنى يعلمكم الكتاب ويدرسكم فهو أليق بما بعده، ثم إن العالم الدارس قد يؤخذ بعلمه ويقتدي به في درسه فيحصل من انتشار العلم بدرسه وتكراره ما يحصل بتعليمه، فتكون هذه القراءة قريبةً في المعنى من القراءة الأخرى.
[الموضح: 376]
وقرأ الباقون {تُعَلّمُونَ} بالتشديد وضم التاء، من التعليم.
وذلك لأن التعليم أبلغ في المعنى؛ لأن المعلم لا يعلم غيره إلا وهو عالم بما يعلمه، فمعنى القراءة الأولى حاصل ههنا مع زيادةٍ، ثم إن ما قبله يدل عليه، وهو قوله تعالى {كُونُوا ربّانيينَ} والرباني في قول علي وابن عباس: العالم الذي يؤخذ عنه العلم). [الموضح: 377]
قوله تعالى: {وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأْمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إِذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (80)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولا يأمركم... (80)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي: (ولا يأمركم) رفعًا، وكذلك روى الأعشى عن أبي بكر عن عاصم.
وقرأ الباقون: (ولا يأمركم) نصبًا.
[معاني القراءات وعللها: 1/264]
قال أبو منصور: من قرأ (ولا يأمركم) بالرفع فهو استئناف.
ومن قرأ (ولا يأمركم) عطفه على قوله: (ما كان لبشرٍ أن يؤتيه اللّه الكتاب والحكم والنّبوّة ثمّ يقول للنّاس... ولا أن يأمركم).
فحذف (أن) وهو ينويها، والنصب اختيار أحمد بن يحيى). [معاني القراءات وعللها: 1/265]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (42- وقوله تعالى: {ولا يأمركم} [80].
قرأ عاصم وحمزة وابن عامر: {يأمركم} بالنصب نسقًا على قوله تعالى: {أن يؤتيه الله} [89].
وقرأ الباقون بالرفع جعلوه استئنافًا.
وحجتهم قراءة ابن مسعود: {ولن يأمركم} فلما سقط «لن» ارتفع ما بعدها، غير أن أبا عمرو كان يحب أن يختلس الحركة. وقد بينا علة ذلك في ما سلف). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/116]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضمّ الرّاء وفتحها من قوله تعالى: ولا يأمركم [آل عمران/ 80].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي، ولا يأمركم رفعا، وكان أبو عمرو يختلس حركة الراء تخفيفا.
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة: ولا يأمركم نصبا). [الحجة للقراء السبعة: 3/58]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (ولم يختلفوا في رفع الراء من قوله: أيأمركم بالكفر [آل عمران/ 80] إلّا اختلاس أبي عمرو.
[الحجة للقراء السبعة: 3/57]
قال أبو علي: قال سيبويه: قال تعالى: ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس [آل عمران/ 79] ثم قال: ولا يأمركم فجاءت منقطعة من الأول، لأنّه أراد: ولا يأمركم الله. قال: وقد نصبها بعضهم على قوله: ما كان لبشر... أن يأمركم أن تتخذوا.
ومما يقوي الرفع أنّه في حرف ابن مسعود زعموا: ولن يأمركم فهذا يدل على الانقطاع من الأول. وممّا يقوّي النصب أنّه قد جاء في السّير فيما ذكر عن بعض شيوخنا أنّ اليهود قالوا:
للنّبيّ صلى الله عليه وسلم: أتريد يا محمد أن نتخذك ربّا؟ فقال الله تعالى: ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله... ولا يأمركم). [الحجة للقراء السبعة: 3/58]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثمّ يقول للنّاس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما} 79 و80
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو {بما كنتم تعلمون الكتاب} بالتّخفيف أي يعلمكم الكتاب
قال أبو عمرو وحجتهما قوله {وبما كنتم تدرسون} ولم يقل تدرسون
وقرأ الباقون {بما كنتم تعلمون} بالتّشديد من قولك علمت زيدا الكتاب أعلمه تعليما والمعنى تعلمون النّاس الكتاب وحجتهم أن تعلمون أبلغ في المدح من تعلمون لأن المعلم لا يكون معلما حتّى يكون عالما بما يعلمه النّاس قبل تعليمه وربما كان عالما ليس بمعلم
[حجة القراءات: 167]
وقد روي عن مجاهد أنه قال ما علموه حتّى علموه
قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة {ولا يأمركم} بالنّصب وحجتهم أنّها نسق على قوله {ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثمّ يقول للنّاس} ولا أن يأمركم
وقرأ الباقون {ولا يأمركم} بالرّفع على وجه الابتداء من الله بالخبر عن النّبي صلى الله عليه أنه لا يأمركم ايها النّاس أن تتّخذوا من الملائكة والنبيين أربابًا). [حجة القراءات: 168] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (50 – قوله: {ولا يأمركم} قرأه عاصم وحمزة وابن عامر بالنصب، ورفع الباقون.
51- وحجة من نصبه أنه عطفه على {أن يؤتيه} «79» ففي {يأمركم} ضمير «بشر» المتقدم الذكر، والمراد به النبي عليه السلام.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/350]
وذلك أن اليهود قالت للنبي: أتريد يا محمد أن نتخذك ربا، فأنزل الله جل ذكره: {ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادًا لي من دون الله. ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا}.
52- وحجة من رفع أنه قطعه مما قبله، ففيه ضمير اسم الله جل ذكره، والمعنى: أنه ابتدأ الكلام فقال: ولا يأمركم الله أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابًا، ردًا لقولهم للنبي: أتريد أن نتخذك ربًا، ويقوي الرفع على القطع أن في حرف عبد الله: «ولن يأمركم» فهذا يدل على الاستئناف، والضمير أيضًا لله جل ذكره في {أمركم} ). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/351]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (23- {ولا يَأْمُرَكُمْ} [آية/ 80]:-
بالنصب، قرأها ابن عامر وعاصم وحمزة ويعقوب.
وذلك لأنه معطوف على ما قبله، وهو {مَا كَانَ لِبَشَرٍ أنْ لِبَشَرٍ أنْ يُؤْتيهُ الله الكِتَابَ} ثم يقول كأنه قال: ولا أن يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابًا، ويؤيد ذلك ما جاء في الأثر أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: يا محمد أتريد أن نتخذك ربًا؟ فأنزل الله تعالى {ما كان لبشر} الآية.
[الموضح: 377]
وقرأ الباقون {يأْمُرُكُم} بالرفع، على الاستئناف والانقطاع مما قبله، والمراد: ولا يأمركم). [الموضح: 378]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108573#post108573)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 10:51 AM
سورة آل عمران
[من الآية (81) إلى الآية (83) ]
{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81) فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82) أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83)}
قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (81)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ... (81)
قرأ حمزة: (لما) كسر، وكذلك روى هبيرة عن حفص عن عاصم: (لما) بكسر اللام.
وقرأ الباقون: (لما) بفتح اللام.
وقرأ نافع وحده: (ءاتيناكم).
وقرأ الباقون: (آتيتكم) بلا نون.
قال أبو منصور: من قرأ (لما آتيتكم) بفتح اللام فإن (ما) للشرط والجزاء. ودخلت اللام على (ما) كما تدخل في (إن) الجزاء إذا كان في جوابها القسم، كما قال الله جلّ وعزّ: (ولئن شئنا لنذهبنّ بالّذي)
[معاني القراءات وعللها: 1/265]
وكقوله: (قل لئن اجتمعت الإنس والجنّ) فاللام في (إن) دخلت مؤكدة للام القسم، كقولك: (لئن جئتني لأكرمنّك). وكذلك قوله: (لما آتيتكم من كتابٍ وحكمةٍ ثمّ جاءكم رسولٌ مصدّقٌ لما معكم لتؤمننّ به).
ومن قرأ (لما آتيتكم) جعلها لام خفض، وجعل اليمين مستأنفا.
وأجود القراءتين فتح اللام.
وأخبرني المنذري عن أبي طالب النحوي أنه قال: معنى (لما آتيتكم): لمهما آتيتكم)، أي: أي كتاب آتيتكم لتؤمننّ به.
وهذا يقرب من التفسير الأول). [معاني القراءات وعللها: 1/266]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (على ذلكم إصري... (81)
اتفق القراء على كسر ألف (إصري)، إلا رواية شاذة رواها ابن واصل عن سعدان عن معلى عن أبي بكر عن عاصم: (أصرى) بضم الألف.
قال أبو منصور: ولا يعرج على هذه الرواية؛ لأن ضم (أصرى) وهمٌ.
والقراءة (إصري) بالكسر، وهو العهد.
وقوله جلّ وعزّ: (أفغير دين اللّه يبغون وله أسلم من في السّماوات والأرض طوعًا وكرهًا وإليه يرجعون (83).
قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وعاصم في رواية أبي بكر: (تبغون) و(وإليه ترجعون) بالتاء، وقرأهما حفص ويعقوب بالياء جميعا، إلا أن الحضرمي فتح الياء، وضمها حفص من قوله: (وإليه ترجعون).
وقرأ حمزة والكسائي بالتاء فيهما.
وقرأ أبو عمرو: (يبغون) بالياء، و: (إليه ترجعون) بالتاء.
[معاني القراءات وعللها: 1/267]
قال أبو منصور: كل ما قرئ به من هذه الوجوه فهو جائز في العربية.
وأخبرني المنذري عن أبي العباس أنه قال: الاختيار في كله التاء؛ ليكون على الخطاب الأول، وكل جائز؛ لأن الحكاية تخرج على الخطاب كله، وعلى الغيبة كلها، وبعضها على الخطاب وبعضٌ على الغيبة، وهذا منها إن شاء الله). [معاني القراءات وعللها: 1/268]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (43- وقوله تعالى: {لما آتيتكم} [81]
قرأ حمزة وحده {لما} بكسر اللام وجعل «ما» بمعنى الذي، والمعنى: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لهذا.
وقرأ الباقون: {لما} بفتح اللام، فاللام لام التأكيد، و«ما» صلة، كما قال الله تعالى: {إن كل نفس لما عليها حافظ} أي: لعليها حافظ.
واتفق القراء على (آتيتكم) بالتاء، الله تعالى يُخبر عن نفسه بلفظ الواحد إلا نافعًا فإنه قرأ {آتيناكم} بلفظ الجماعة، وذلك أن الملك يُخبر عن نفسه بلفظ الجماعة فعلنا، وصنعنا، قال الله تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر} والله تعالى وحده لا شريك له). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/116]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في فتح اللام وكسرها من قوله: لما آتيتكم [آل عمران/ 81].
فقرأ حمزة وحده: (لما) مكسورة اللّام.
وقرأ الباقون وأبو بكر عن عاصم: لما مفتوحة اللام.
وروى هبيرة عن حفص عن عاصم (لما) بكسر اللام، وذلك غير محفوظ عن حفص عن عاصم، والمعروف عن عاصم في رواية حفص وغيره فتح اللام.
قال أبو علي: وجه قراءة حمزة (لما آتيتكم) بكسر اللّام أنّه يتعلق بالأخذ كأنّ المعنى: أخذ ميثاقهم لهذا، لأنّ من يؤتى الكتاب والحكمة يؤخذ عليهم الميثاق لما أوتوه من الحكمة، وأنّهم الأفاضل وأماثل الناس. فإن قلت: أرأيت الجملة التي هي قسم هل يفصل بينها وبين المقسم عليه بالجارّ؟. قيل: قد قالوا: «بالله» والجارّ والمجرور متعلقان بالفعل والفاعل المضمرين وكذلك قوله:
ألم ترني عاهدت ربي.........
على حلفة لا أشتم الدهر............
[الحجة للقراء السبعة: 3/62]
فيمن جعل لا أشتم يتلقى قسما. وهو قول الأكثر، علّق قوله: على حلفة بعاهدت، فكذلك قوله: (لما آتيتكم) في قراءة حمزة. فإن قال إنّ (ما) في قوله: (لما) موصولة، فلا يجوز أن تكون غير موصولة، كما جاز ذلك في قول من فتح اللام، فإذا كان كذلك، لزم أن يرجع من الجملة المعطوفة على الصلة ذكر إلى الموصول وإلّا لم يجز. ألا ترى أنّك لو قلت: الذي قام أبوه ثم انطلق زيد، ذاهب، لم يجز، إذا لم يكن راجع مذكور، وليس يقدّر محذوف؟.
قيل: يجوز أن يكون المظهر بمنزلة المضمر، ألا ترى أنّ قوله: ما معكم هو في المعنى: ما أوتوه من الكتاب والحكمة، فهذا يكون على قياس قول أبي الحسن مثل قوله: إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين [يوسف/ 90] والمعنى كأنّه قال: لا يضيع أجرهم لأنّ المحسنين هو من يتقي ويصبر، وكذلك قوله: إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا [الكهف/ 30] المعنى عنده إنّا لا نضيع
[الحجة للقراء السبعة: 3/63]
أجرهم لأنّ من أحسن عملا هم الذين آمنوا وعملوا الصالحات.
فكذلك قوله: لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم تقديره: مصدّق له: أي: مصدق لما آتيتكم من كتاب وحكمة. ألا ترى أنّ ما معهم هو ما أوتوه من كتاب وحكمة؟
فهذا وجه. ويجوز فيه شيء آخر، وهو: أن يكون: (لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول [مصدق لما معكم لتؤمنن] به) أي: بتصديقه، أي: بتصديق ما آتيتكموه، فحذف من الصلة، وحسن الحذف للطّول، كما حسن الحذف للطول فيما حكاه الخليل من قولهم: «ما أنا بالذي قائل لك شيئا».
فأمّا من فتح اللام فقال: لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم فإنّ ما فيه تحتمل تأويلين: أحدهما: أن تكون موصولة، والآخر: أن تكون للجزاء. فمن قدّرها موصولة، كان القول فيما يقتضيه قوله: ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم [آل عمران/ 81] من الراجع إلى الموصول، ما تقدّم ذكره في وجه قراءة حمزة. فأمّا الراجع إلى الموصول من الجملة الأولى فالضمير المحذوف من الصلة تقديره: لما آتيتكموه، فحذف الراجع كما حذف من قوله: أهذا الذي بعث الله رسولا [الفرقان/ 41] ونحو ذلك. واللّام في لما فيمن قدّر ما موصولة لام الابتداء وهي المتلقية لما أجري مجرى القسم من قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 3/64]
وإذ أخذ الله ميثاق النبيين [آل عمران/ 81] وموضع ما رفع بالابتداء، والخبر: لتؤمنن به [آل عمران/ 81] ولتؤمننّ: متعلق بقسم محذوف، المعنى: والله لتؤمننّ به. فإذا قدرت (ما) للجزاء كانت (ما) في موضع نصب بآتيتكم وجاءكم في موضع جزم بالعطف على آتيتكم، واللّام الداخلة على (ما) لا تكون المتلقية للقسم، ولكن تكون بمنزلة اللّام في قوله: لئن لم ينته المنافقون والذين في قلوبهم مرض [الأحزاب/ 60]. والمتلقية للقسم قوله:
لتؤمنن به كما أنّها في قوله: لئن لم ينته المنافقون قوله لنغرينك بهم [الأحزاب/ 60]. وهذه اللّام الداخلة على إن في لئن لا يعتمد القسم عليها، فلذلك جاز حذفها تارة وإثباتها تارة كما قال: وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا [المائدة/ 73] فتلحق هذه اللّام مرة (إن) ولا تلحق أخرى، كما أنّ (أن) كذلك في قوله: والله أن لو فعلت لفعلت، وو الله لو فعلت لفعلت.
فهذه اللام بمنزلة (أن) الواقعة بعد لو. قال سيبويه: سألته- يعني الخليل- عن قوله: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه [آل عمران/ 81] فقال: (ما) هاهنا بمنزلة الذي، ودخلتها اللام كما دخلت على (إن) حين قلت: لئن فعلت لأفعلنّ، فاللّام التي في (ما) مثل هذه التي في (إن) واللّام التي في الفعل كهذه التي في الفعل هاهنا.
[الحجة للقراء السبعة: 3/65]
قال أبو عثمان: فيما حكى عنه أبو يعلى [ابن أبي زرعة]: زعم سيبويه أنّ (ما) هاهنا بمنزلة الذي، ثمّ فسّر تفسير الجزاء.
والقول فيما قاله من أنّ لما بمنزلة الذي، أنّه أراد أنّه اسم كما أنّ الذي اسم، وليس بحرف كما كان حرفا في قوله: وإن كلا لما ليوفينهم [هود/ 111] وإن كل ذلك لما متاع
الحياة الدنيا
[الزخرف/ 35] فهذا المعنى أراد بقوله: أنّه بمنزلة الذي ولم يرد أنّها موصولة كالذي. وإنّما لم يحمله سيبويه على أنّ (ما) موصولة بمنزلة الذي لأنّه لو حمله على ذلك للزم أن يكون في الجملة المعطوفة على الصّلة، ذكر يعود إلى الموصول فلمّا لم ير ذلك مظهرا، ولم ير أن يضع المظهر موضع المضمر كما يراه أبو الحسن، عدل عن القول بأنّ (ما) موصولة إلى أنّها للجزاء، ولا يجيز سيبويه:
لعمرك ما معن بتارك حقّه ولا منسئ أبو زيد...
[الحجة للقراء السبعة: 3/66]
إذا كان أبو زيد كنيته لأنّه ليس باسمه الظاهر ولا المضمر، وأبو الحسن يجيز ذلك فلم يحمل الآية على ما لا يراه، ولم يحملها على الحذف من المعطوف على الصلة أيضا، لأنّه ليس بالكثير، ولا بموضع يليق به الحذف، ألا ترى أنّها إنّما تذكر للإيضاح. فإن قلت فمن جعل (ما) موصولة في قوله: لما آتيتكم من كتاب وحكمة [آل عمران/ 81] وجب أن تكون على قوله ابتداء، وإذا كانت ابتداء اقتضت خبرا، فما خبر هذا المبتدأ؟.
قيل: خبره قوله: لتؤمنن به، والذكر الذي في به يعود على الذي آتيتكموه، والذكر الذي في لتنصرنه يعود على رسول المتقدم ذكره، ولا يجوز أن يعود الذكر الأول أيضا على رسول لبقاء الموصول حينئذ غير عائد إليه من خبره ذكر. فأمّا من جعله جزاء فإنّه لا يمتنع على رأيه أن يكون الذكر في لتؤمننّ به عائدا أيضا على رسول المتقدّم ذكره، لأنّ (ما) إذا كانت للجزاء لا تحتاج إلى عائد ذكر، كما تحتاج إليه (ما) التي بمنزلة الذي في أنّها موصولة لأنّ (ما) إذا كانت جزاء مفعول بها، والمفعول لا يحتاج إلى عائد ذكر. فإن قلت: فما وجه قوله: ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم
[الحجة للقراء السبعة: 3/67]
والنبيّون لم يأتهم الرسول؟ ألا ترى أنّ النبي- صلى الله عليه وسلم- لم يكن في وقته رسول ولا نبي، وإنّما الذين [كانوا في زمانه أهل الكتاب]. قيل: يجوز أن يعنى بذلك أهل الكتاب في المعنى، لأنّ الميثاق إذا أخذ على النبيّين، فقد أخذ على الذين أوتوا كتبهم من أممهم، وعامّة ما شرع للأنبياء قد شرع لأممهم وأتباعهم، من ذلك أن الفروض التي تلزمنا تلزم نبينا صلى الله عليه وسلم، وإذا كان كذلك، فأخذ الميثاق على النبيّين كأخذ ميثاق الذين أوتوا كتبهم من أممهم. ومن ثم جاء نحو: يا أيها النبي إذا طلقتم النساء [الطلاق/ 1] فجمع النبي صلى الله عليه وسلم ومن تبعه في الخطاب الواحد. فهذا من جهة المعنى. ويجوز من جهة اللفظ أن يكون المراد: وإذ أخذ الله ميثاق أمم النبيّين أو أتباع النبيّين. وأهل الكتاب إنّما يأخذ عليهم الميثاق الأنبياء الذين أتوهم بالكتب، كما أخذه نبيّنا، عليه السلام، على أمّته فيما جاء من قوله: وما لكم لا تؤمنون. بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين [الحديد/ 8]). [الحجة للقراء السبعة: 3/68]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في التاء والنون من قوله تعالى: آتيتكم [آل عمران/ 81].
[الحجة للقراء السبعة: 3/68]
فقرأ نافع وحده: (آتيناكم) بالنون. وقرأ الباقون: آتيتكم بالتاء.
[قال أبو علي]: الحجة لنافع في قراءته: (لما آتيناكم)، قوله تعالى: وآتينا داود زبورا [الإسراء/ 55] وآتيناه الحكم صبيا [مريم/ 12] وآتيناهما الكتاب المستبين [الصافات/ 17] ونحو ذلك.
وحجة من قال: آتيتكم، قوله: هو الذي ينزل على عبده آيات بينات [الحديد/ 9] ونزل عليك الكتاب بالحق [آل عمران/ 3] والحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب [الكهف/ 1] ). [الحجة للقراء السبعة: 3/69]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): ( [قوله: إصري آل عمران/ 81].
قال: كلهم قرأ إصري بكسر الألف إلّا ما حدّثني به محمد بن أحمد بن واصل قال: حدثنا محمد بن سعدان عن معلّى [ابن منصور] عن أبي بكر عن عاصم أنّه قرأ:
أصري بضم الألف.
قال أبو علي: يشبه أن يكون الضمّ في «الأصر» لغة في «الإصر»). [الحجة للقراء السبعة: 3/70]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الأعرج فيما يُروى عنه: [لَمَّا آتيناكم] بفتح اللام وتشديد الميم، [آتيناكم] بألف قبل الكاف.
قال أبو الفتح: في هذه القراءة إغراب، وليست [لَمَّا] هاهنا بمعروفة في اللغة؛ وذلك أنها على أوجه:
تكون حرفًا جازمًا كقوله الله تعالى: {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ}.
وتكون ظرفًا في نحو قوله: {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ}.
وتكون بمعنى إلا في نحو قولهم: أقسمت عليك لَمَّا فعلت؛ أي: إلا فعلت.
ولا وجه لواحدة منهن في هذه الآية.
وأقرب ما فيه أن يكون أراد: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لَمِنْ ما آتيناكم، وهو يريد القراءة العامة: {لَمَا آتيناكم}، فزاد مِن على مذهب أبي الحسن في الواجب؛ فصارت "لَمِمَّا"، فلما التقت ثلاث ميمات فثقلن حذفت الأولى منهن، فبقي {لَمَّا} مشددًا كما ترى، ولو فُكت لصارت لَنْما، غير أن النون أُدغمت في الميم كما يجب في ذلك فصارت {لَمَّا}. هذا أوجه ما فيها إن صحت الرواية بها.
وأما {آتيناكم} بالجمع فطريقه أنه لما ورد مع لفظ الجماعة من النبيين جاء أيضًا مجموعًا تعاليًا في اللفظ؛ كقوله تعالى: {نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا}، وقال سبحانه: {وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ}، ولو كانت: وضربت لكم الأمثال، لم تبلغ في سمو اللفظ وتعاليه في قوله: {وَضَرَبْنَا لَكُمُ}، فتفهَّم معناه). [المحتسب: 1/164]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وإذ أخذ الله ميثاق النّبيين لما آتيتكم من كتاب} {فمن تولى} 81 و82
قرأ حمزة {وإذ أخذ الله ميثاق النّبيين لما آتيتكم} بكسر اللّام جعل ما بمعنى الّذي المعنى وإذ أخذ الله ميثاق النّبيين للّذي آتيتكم أي لهذا هذه اللّام لام الإضافة واللّام متعلقة ب أخذ الميثاق المعنى أخذ الميثاق لإتيانه الكتاب والحكمة أخذ الميثاق قال الفراء من كسر اللّام يريد أخذ الميثاق للّذي آتاهم من الحكمة قال الزّجاج ويكون الكلام يؤول إلى الجزاء كما تقول لما جئتني أكرمتك
وقرأ الباقون {لما آتيتكم} بفتح اللّام كان الكسائي يقول معناه مهما آتيتكم على تأويل الجزاء قال وجوابه {فمن تولى} وهذه اللّام تدخل في ما وفي من على وجد الجزاء
قال الزّجاج ما ها هنا على ضربين يصلح أن تكون للشّرط
[حجة القراءات: 168]
والجزاء وهو أجود الوجهين لأن الشّرط يوجب أن كل ما وقع من أمر الرّسل فهذه طريقته واللّام دخلت في ما كما تدخل في إن الجزاء إذا كان في جوابها القسم قال الله {ولئن شئنا لنذهبنّ بالّذي أوحينا إليك} وقال {قل لئن اجتمعت الإنس والجنّ} فاللّام في إن دخلت مؤكدة موطئة للام القسم ولام القسم هي اللّام الّتي لليمين لأن قولك والله لئن جئتني لأكرمنك إنّما حلفك على فعلك إلّا أن الشّرط معلّق به فلذلك دخلت اللّام على الشّرط فإذا كانت ما في معنى الجزاء موضعها نصب بقوله {آتيتكم} وتقدير الكلام أي شيء آتيتكم فتكون اللّام الأولى على ما فسره دخلت للتوكيد أي توكيد الجزاء واللّام الثّانية في قوله {لتؤمنن به} لام القسم قال ويجوز أن تكون ما في معنى الّذي ويكون موضعها الرّفع المعنى أخذ الله ميثاقهم أي استحلفهم للّذي آتيتيكم المعنى آتيتكموه لتؤمنن به وحذف الهاء من قوله آتيتكموه لطول الاسم
قرأ نافع (لما آتيناكم) بالنّون والألف وحجته قوله {ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب} و{خذوا ما آتيناكم} فهذه اللّفظ تكون للتعظيم كما قال {نحن قسمنا بينهم}
وقرأ الباقون {آتيتكم} وجحتهم قوله {فخذ ما آتيتك} ). [حجة القراءات: 169]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (56- قوله: {ما آتيتكم} قرأه حمزة بكسر اللام، وفتح الباقون، وقرأ نافع «آتيناكم» بلفظ الجمع، وقرأ الباقون بلفظ التوحيد.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/351]
57- وحجة من كسر اللام أنه جعلها لام جر، وعلّق اللام بالأخذ، أي: أخذ الله الميثاق لهذا الأمر؛ لأن من أوتي الحكمة يؤخذ عليه الميثاق، لما أوتوه من الحكمة؛ لأنهم الخيار من الناس، و{ما} بمعنى الذي.
58- وحجة من فتح اللام أنه جعل اللام لام الابتداء وما بمعنى الابتداء وجعل اللام جوابًا لما هو في معنى القسم؛ لأن أخذ الميثاق بالأيمان يكون فهو في معنى القسم، فاللام جوابه، كما تقول: والله لزيدٌ خير من عمرو، وخبر الابتداء {لتؤمنن به} والعائد على {ما} هاء محذوفة من {آتيتكم}، أي: آتيتكموه، أي: أخذ الله الميثاق على النبيين للذي آتيتكموه، من كتاب وحكمة، ويجوز أن تكون {ما} في هذه القراءة للشرط، فتكون في موضع نصب بـ {آتيتكم} و{جاءكم} في موضع جزم عطف على {آتيتكم}، وتكون اللام لام التوطئة للقسم، ويجوز حذفها وإثباتها، كما قال: {وإن لم ينتهوا} «المائدة 73» و{لئن لم ينته المنافقون} «الأحزاب 60» وتأتي لام القسم بعدها أبدًا، فإنما هي تنبه أن جواب القسم قوله: {لتؤمنن به}، وقد فسرت هذه المسألة في «تفسير مشكل الإعراب» بأشبع من هذا، وفتح اللام هو الاختيار، لأن عليه الجماعة، وكذلك {آتيتكم} بلفظ التوحيد؛ لأن عليه الجماعة.
59- وحجة من قرأ: {أتيتكم} على لفظ التوحيد أن قبله اسم الله جل ذكره بلفظ التوحيد، وكذلك إذا أظهر اسم الله لم يأت إلا بلفظ التوحيد، لأنه واحد، لا إله غيره، فلما كان قبله لفظ التوحيد أتى الفعل على ذلك بالمضمر، عقيب الظاهر، يأتي مثله في توحيده وجمعه.
60- وحجة من قرأ بلفظ الجمع أنه حمله على معنى التعظيم والتفخيم وله نظائر في القرآن، نحو قوله: {وآتينا موسى الكتاب} «الإسراء 2»، و{آتيناه الحكمة} «ص 20» و{آتيناهما الكتاب} «الصافات 117»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/352]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (24- {لِمَا} [آية/ 81]:-
بكسر اللام، قرأها حمزة وحده.
ووجه ذلك أن اللام لام الجر، والمعنى أخذ الله ميثاق النبيين لهذا، وهو ما أعطاكم من الكتاب والحكمة؛ لأن من أوتي الكتاب والحكمة أخذ عليه الميثاق، وما بمعنى الذي، وهو موصول، والعائد إليه محذوف، والتقدير: للذي آتيتكموه من كتابٍ وحكمةٍ.
وقرأ الباقون {لَمَا} بفتح اللام.
ووجهه أنها لام الابتداء، وما موصولة كما تقدم، وموضعها رفع بالابتداء، وخبره {لَتُؤْمِنُنَّ}، ولتؤمنن متعلق بقسم محذوفٍ، والتقدير: والله لتؤمنن.
ويجوز أن تكون ما شرطية كما في قولك: ما تفعل أفعل، وموضعها نصب بآتيتكم، واللام فيها لام توطئة القسم يدخل في الشرط فيأتي جوابه جوابًا للقسم، كما في قوله تعالى {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ} الآية، و{لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآَنِ لَا يَأْتُونَ} الآية). [الموضح: 378]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (25- {آتَيْنَاكُمْ} [آية/ 81]:-
بالنون والألف، قرأها نافع وحده.
وذلك أنه قد جاء في التنزيل مثله كثيرًا نحو {وآتَيْنَا دَاوُدَ} {وَآتَيْنَاهُ الحُكْمَ}؛ لأن من شأن الملوك إذا أخبروا عن أنفسهم أن يأتوا بلفظ الجمع إيذانًا بأن من تحت أمرهم يفعلون كفعلهم، فخاطبهم سبحانه بالمتعارف فيما بينهم.
وقرأ الباقون {آتَيْتُكُمْ} بالتاء من غير ألف؛ لأن المؤتي هو الله تعالى، وقد جاء مثله نحو {هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ} و{الحَمْدُ لله الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الكِتَابَ} ). [الموضح: 379]
قوله تعالى: {فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (82)}
قوله تعالى: {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ (83)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (45- وقوله تعالى: {أفغير دين الله يبغون} [83] {وإليه يرجعون} [83].
قرأهما حفص، عن عاصم بالياء جميعًا.
وقرأ الباقون بالتاء، غير أبي عمرو فإنه قرأ {يبغون} بالياء {ترجعون} بالتاء، فمن قرأ بالتاء فمعناه: يا محمد أفغير دين الله تبغون: وإليه ترجعون، فالخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم.
ومن قرأهما بالياء فإن معناه الإخبار عن الكفار، وكان أبو عمرو أحذق القراء، ففرق بين اللفظين لاختلاف المعنيين، فقرأ: {أفغير دين الله يبغون} يعني الكفار {وإليه ترجعون} أنتم والكفار). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/117]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله تعالى: يبغون، و(ترجعون) [آل عمران/ 83].
فقرأ أبو عمرو وحده: يبغون، بالياء مفتوحة (وإليه ترجعون) بالتاء مضمومة. وقرأهما الباقون: (تبغون وإليه ترجعون) بالتاء جميعا.
وروى حفص عن عاصم: يبغون، ويرجعون بالياء جميعا.
قال أبو علي: هذا مخاطبة للنّبيّ صلى الله عليه وسلم، بدلالة قوله: قل آمنا بالله [آل عمران/ 84] فإذا كان كذلك كان هذا حجة لمن قرأ
[الحجة للقراء السبعة: 3/69]
بالتاء على تقدير: قل لهم: (أفغير دين الله تبغون وإليه ترجعون) [آل عمران/ 83] ليكون مثل (تبغون) في أنّه خطاب. ويؤكّد التاء في (ترجعون) أنّهم كانوا منكرين للبعث، ويدل على ترجعون إلي مرجعكم [آل عمران/ 55].
وحجة من قرأ بالياء: يبغون أنّه على تقدير: قل: كأنّه قل لهم: أفغير دين الله يبغون، وإليه يرجعون؟! فهذا: لأنّهم غيب فجاء على لفظ الغيبة وكذلك: وإليه يرجعون. وقد تقدّم القول في ترجعون ويرجعون. والمعنى على الوعيد، أي: أيبغون غير دين الله، ويزيغون عن دينه مع أنّ مرجعهم إليه فيجازيهم على رفضهم له.
وأخذهم ما سواه ؟). [الحجة للقراء السبعة: 3/70]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({أفغير دين الله يبغون} {وإليه يرجعون} 83
قرأ أبو عمرو {يبغون} بالياء وحجته أن الخطاب قد انقضى بالفصل بينه وبين ذلك بقوله {فمن تولى بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} 82 ثمّ قال {أفغير دين الله يبغي الفاسقون} فيكون الكلام نسقا واحدًا
وقرأ الباقون بالتّاء وحجتهم قول قبلها {أأقررتم وأخذتم} فيكون نسقوا مخاطبة على مخاطبة وقال قوم يجوز أن يكون ابتدأ خطابا مجددا على تأويل قل لهم يا محمّد أفغير دين الله تبغون أيها المخاطبون فكان خطابا عاما لليهود وغيرهم من النّاس
وقرأ حفص {يبغون} بالياء جعله خبرا عن اليهود {وإليه يرجعون} بالياء أيضا يعني اليهود وقرأ الباقون بالتّاء أي أنتم وهم). [حجة القراءات: 170]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (61- قوله: {يبغون}، {وإليه يرجعون} قرأ أبو عمرو وحفص {يبغون} بالياء، وقرأ حفص وحده {يرجعون} بالياء، وقرأهما الباقون بالتاء.
62- وحجة من قرأ بالتاء أنه أجراه على الخطاب لهم، أمر الله نبيه أن يقول لهم: أفغير دين الله تبغون أيها الكافرون، وإليه ترجعون؛ لأنهم كانوا ينكرون البعث، وينتحلون غير دين الله، فخوطبوا بذلك على لسان النبي عليه السلام، ويؤكد القراءة بالتاء في «ترجعون» قوله: {إليه مرجعكم} «الأنعام 60» فالتاء كالكاف، ولذلك عدل أبو عمرو إلى التاء في «ترجعون»، وخالف فيها {يبغون}.
63- وحجة من قرأ بالياء أنه جعله إخبارًا عن غيب؛ لأنهم لم يكونوا بالحضرة، وأيضًا فإن قبله ذكر غيب، في قوله: {فأولئك هم الفاسقون} «82» وقوله: {فمن تولى بعد ذلك} فجرى الكلام الذي بعده على أوله في الغيبة، وفي الكلام على القراءتين معنى التهديد والوعيد). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/353]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (26- {يَبْغُونَ} [آية/ 83]:-
بالياء، قرأها أبو عمرو وعاصم ويعقوب. وذلك لأن المخبر عنهم غيب، فجاء الخبر على لفظ الغيبة.
وقرأ الباقون «تبغون» بالتاء على الخطاب؛ لأن التقدير: قل لهم يا محمد
[الموضح: 379]
أفغير دين الله تبغون، ويدل على ذلك قوله {قُلْ آمَنَّا بِاللهِ} ). [الموضح: 380]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108574#post108574)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 10:53 AM
سورة آل عمران
[من الآية (84) إلى الآية (85) ]
{قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84) وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)}
قوله تعالى: {قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (84)}
قوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108575#post108575)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 10:55 AM
سورة آل عمران
[من الآية (86) إلى الآية (90) ]
{كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87) خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (88) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (90)}
قوله تعالى: {كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْمًا كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (86)}
قوله تعالى: {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ (87)}
قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا لَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ (88)}
قوله تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (89)}
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الضَّالُّونَ (90)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108576#post108576)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 10:57 AM
سورة آل عمران
[من الآية (91) إلى الآية (92) ]
{ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (91) لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92)}
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ (91)}
قوله تعالى: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (92)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108577#post108577)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 10:59 AM
سورة آل عمران
[من الآية (93) إلى الآية (95) ]
{كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93) فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94) قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95)}
قوله تعالى: {كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (93)}
قوله تعالى: {فَمَنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (94)}
قوله تعالى: {قُلْ صَدَقَ اللَّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (95)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبان بن تغلب: [قُل صَّدَقَ اللَّهُ] بإدغام اللام في الصاد، وكذلك: [قُل سِّيرُوا].
قال أبو الفتح: علة جواز ذلك فُشو هذين الحرفين -أعني: الصاد والسين- في الفم وانتشار الصدى المنبث عنهما، فقاربتا بذلك مخرج اللام فجاز إدغامها فيهما، وكذلك هي أيضًا مع الزاي ومع الطاء، والدال والتاء. قرئ: [فَهَل تَّرى لهم]، ومع الظاء والثاء والذال، قرئ: [هل ثُّوب الكفار]، فأما اللام التي للتعريف فتُدغم في ثلاثة عشر حرفًا، وذلك معروف في موضعه، فلا وجه لإعادته). [المحتسب: 1/165]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108578#post108578)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 12:08 PM
سورة آل عمران
[من الآية (96) إلى الآية (97) ]
{إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96) فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)}
قوله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (96)}
قوله تعالى: {فِيهِ آَيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آَمِنًا وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (97)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وللّه على النّاس حجّ البيت... (97)
قرأ حفص وحمزة والكسائي: (حجّ البيت) بكسر الحاء وفتح الباقون الحاء.
[معاني القراءات وعللها: 1/268]
قال أبو منصور: من قرأ (حجّ البيت) فهو مصدر حججت حجًّا.
وقال بعضهم: (الحج) بكسر الحاء: عمل السنة، و(الحج): المصدر.
وقال أحمد بن يحيى: هما لغتان: حججت حجا وحجا.
قال: ونحن نذهب إلى أن اللغتين إذا شهرتا جمع بينهما، وهذا من ذاك، وأيهما قرئ به فهو صواب.
وأحب الكسائي أن لا يخرج من اللغتين جميعا.
قال: والحج مكسورة لغة أهل نجد، والفتح لغة أهل العالية.
قال: واختار بعض أصحابنا الفتح في كل القرآن.
وقال: ليس بين الحرف الذي في آل عمران وبين غيره في كل القرآن فرق، فإما أن يجعل كله على لغة هؤلاء أو على لغة أولئك). [معاني القراءات وعللها: 1/269]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (46- وقوله تعالى: {ولله على الناس حج البيت} [97].
قرأ حمزة والكسائي وحفص، عن عاصم (حج البيت) بالكسر.
والباقون بالفتح. فمن فتح جعله مصدرًا لحججت، أحج حجًا والحج: القصد، والحج بالكسر الاسم، والاختيار الفتح؛ لاجتماع الجميع على الذي في (البقرة) أنها مفتوحة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/117]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في نصب الحاء وكسرها من قوله جلّ وعزّ: حج البيت [آل عمران/ 97].
[الحجة للقراء السبعة: 3/70]
فقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم: حج البيت بكسر الحاء.
وقرأ الباقون: (حج البيت) بفتح الحاء قال أبو علي: قال سيبويه: حجّ حجّا، مثل: ذكر ذكرا، فحجّ على هذا مصدر، فهذا حجة لمن كسر الحاء. وقال أبو زيد:
قال المفضّل: أنشدني أبو الغول هذا البيت لبعض أهل اليمن:
لا همّ إن كنت قبلت حجّتج... فلا يزال شاحج يأتيك بج
قال أبو علي فقوله: حجّتي مصدر حججت، حجّة.
قال أبو زيد: الحجج: السنون، واحدتها حجّة.
قال أبو علي: يدلّ على ذلك قوله عزّ وجلّ: على أن تأجرني ثماني حجج [القصص/ 27].
[الحجة للقراء السبعة: 3/71]
وقال أبو زيد: والحجّة، من حجّ البيت: الواحدة.
وقال سيبويه: قالوا: غزاة، فأرادوا عمل وجه واحد، كما قالوا: حجّة يريد: عمل سنة، ولم يجيئوا بها على الأصل، ولكنّه اسم له:
فقوله: لم يجيئوا به على الأصل، أي: على الفتح الذي هو للدّفعة من الفعل، ولكن كسروه فجعلوه اسما لذا المعنى كما أنّ غزاة كذلك، ولم تجىء فيه الغزوة وكان القياس [أن تجيء].
قال أبو زيد: ويقال: حجّ، وأنشد:
أصوات حج من عمان غادي قال: يريد أصوات حجّاج، وأنشد أبو زيد:
وإن رأيت الحجج الرّواددا... قواصرا للعمر أو مواددا
[الحجة للقراء السبعة: 3/72]
فالحجج اسم السنين كما قدّمه. وقولهم: حجّ في الحجّاج يجوز أن يكون تسمية بالمصدر على قول من كسر فيكون كزور وعدل، ويجوز أن يكون اسما صيغ للجمع كقوم
ورهط). [الحجة للقراء السبعة: 3/73]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وللّه على النّاس حج البيت}
قرأ حمزة والكسائيّ وحفص {حج البيت} بكسر الحاء وقرأ الباقون بالفتح وهما لغتان الفتح لأهل الحجاز وبني أسد والكسر لغة أهل نجد وقيل إن الفتح مصدر والكسر اسم). [حجة القراءات: 170]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (64- قوله: {حج البيت} قرأ حفص وحمزة والكسائي بكسر الحاء وقرأ الباقون بالفتح، وهما مصدران لـ حجَّ يحُجُ، حكى سيبويه، حجَّ حِجا بالكسر كـ: ذكر ذِكرا، ويقال: حج حَجا، والفتح أصل المصدر، وقيل:
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/353]
الفتح المصدر، والكسر الاسم، قال أبو زيد: الحجة السنة، والحج السنون، قال الله: {ثماني حجج} «القصص 27» وقيل: هما لغتان بمعنى). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/354]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (27- {حِجّ البَيْتِ} [آية/ 97]:-
بكسر الحاء، قرأها حمزة والكسائي وعاصم –ص-، وقرأ الباقون «حَجّ» بالفتح. وهما لغتان: الحج كالرد والحج كالذكر، وكلاهما مصدر، وقيل: إن الكسر فيه لغة أهل نجدٍ، والفتح لغة أهل العالية). [الموضح: 380]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108579#post108579)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 12:10 PM
سورة آل عمران
[من الآية (98) إلى الآية (101) ]
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ (98) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101)}
قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا تَعْمَلُونَ (98)}
قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ آَمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا وَأَنْتُمْ شُهَدَاءُ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (99)}
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100)}
قوله تعالى: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (101)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108580#post108580)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 12:12 PM
سورة آل عمران
[من الآية (102) إلى الآية (104) ]
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)}
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (7- وقوله تعالى: {إلا أن تتقوا منهم تقاة} [28] و{حق تقاته} [102].
فقرأهما نافع بين الإمالة والتفخيم.
وقرأ الكسائي بالإمالة جميعًا.
وقرأ حمزة: الأول بالإمالة، والثاني بالتفخيم.
وقرأ الباقون بالفتح فيهما.
فحجة من فتح أنه أتى بالكلمة على أصلها، والأصل في تقاه: تقية، فقلبوا في الياء ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها كما قالوا: قضاة والأصل: قضية.
ومن أمال فلأن الياء وإن كانت قلبت ألفًا فإنه دل بالإمالة على الياء وهي أصل الكلمة كما قرأ {قضى} و{رمى}.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/110]
وأمال حمزة الأولى تبعًا للمصحف؛ لأنها كتبت في المصحف بالياء، {تقية}.
وحجة ثانية: أنه جمع بين اللغتين). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/111] (م)
قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103)}
قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108581#post108581)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 02:16 PM
سورة آل عمران
[من الآية (105) إلى الآية (109) ]
{وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107) تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ (108) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (109)}
قوله تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)}
قوله تعالى: {يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106)}
قوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللَّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107)}
قوله تعالى: {تِلْكَ آَيَاتُ اللَّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ (108)}
قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (109)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108582#post108582)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 02:17 PM
سورة آل عمران
[من الآية (110) إلى الآية (112) ]
{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110) لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (111) ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (112)}
قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آَمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ (110)}
قوله تعالى: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يُنْصَرُونَ (111)}
قوله تعالى: {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (112)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108576#post108576)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 02:19 PM
سورة آل عمران
[من الآية (113) إلى الآية (115) ]
{لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113) يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114) وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115)}
قوله تعالى: {لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ اللَّهِ آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ (113)}
قوله تعالى: {يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَأُولَئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ (114)}
قوله تعالى: {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ (115)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وما يفعلوا من خيرٍ فلن يكفروه... (115)
قرأ حفص وحمزة والكسائي: (وما يفعلوا من خيرٍ فلن يكفروه) بالياء جميعا.
وقرأ الباقون بالتاء.
والياء والتاء عند أبي عمرو سيّان في هذا الموضع، وروى هارون عن أبى عمرو بالياء، ولم يذكر التاء). [معاني القراءات وعللها: 1/269]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (47- وقوله تعالى: {وما يفعلوا من خير فلن يكفروه} [115].
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/117]
قرأ حمزة والكسائي وحفص، عن عاصم بالياء جميعًا.
وقرأ الباقون بالتاء، غير أن أبا عمرو كان يخير في ذلك، والأمر بينهما قريب، فمن وجه الخطاب إلى مَنْ بالحضرة دخل معهم الغيب، ومن قرأ بالياء دخل المخاطبون معهم فلما كان كذلك خير أبو عمرو بين الياء والتاء). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/118]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله [جلّ وعزّ]: وما تفعلوا من خير فلن تكفروه [آل عمران/ 115].
فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر بالتاء، وكان أبو عمرو لا يبالي كيف قرأهما بالياء، أو بالتاء.
وقال علي بن نصر عن هارون عن أبي عمرو بالياء، ولم يذكر التاء. وكان حمزة والكسائي وحفص عن عاصم يقرءونها بالياء.
[قال أبو علي]: حجة من قرأ بالتاء: قوله إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم [الإسراء/ 7] وقوله: وما تنفقوا من خير، يوف إليكم [البقرة/ 272] وقوله: وما تفعلوا من خير يعلمه الله وتزودوا [البقرة/ 197] قوله: يعلمه الله أي: يجازي عليه.
وحجّة من قرأ بالياء أنّه قد تقدّم أمة قائمة يتلون آيات الله [آل عمران/ 113] وما يفعلوا من خير فلن يكفروه [آل عمران/ 115]). [الحجة للقراء السبعة: 3/73]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وما يفعلوا من خير فلن يكفروه} 115
قرأ حمزة والكسائيّ وحفص {وما يفعلوا من خير فلن يكفروه}
[حجة القراءات: 170]
171 - بالياء فيهما وحجتهم قوله قبلها {من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء اللّيل وهم يسجدون يؤمنون باللّه واليوم الآخر} 113 و114 الآية وكذلك {وما يفعلوا من خير} أي هؤلاء المذكورون وسائر الخلق داخل معهم
وقرأ الباقون بالتّاء فيهما وحجتهم قوله قبلها {كنتم خير أمة أخرجت للنّاس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون باللّه} {وما يفعلوا من خير فلن يكفروه} أيها المخاطبون بهذا الخطاب). [حجة القراءات: 171]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (65- قوله: {وما يفعلوا من خير فلن يكفروه} قرأهما حفص وحمزة والكسائي بالياء، وقرأ الباقون بالتاء، والمشهور عن أبي عمرو التاء.
66- وحجة من قرأهما بالتاء أنه ردّه على الخطاب الذي قبله في قوله: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} «110» - وما تفعلوا من خير، وأيضًا فقد أجمعوا على الخطاب في قوله: {إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم} «الإسراء 7» وعلى قوله: {وما تنفقوا من خير يوف إليكم} «البقرة 272»، وعلى قوله: {وما تفعلوا من خير يعلمه الله} «البقرة 197» وهو كثير، أتى على الخطاب، فجرى هذا على ذلك.
67- وحجة من قرأ بالياء أنه ردّه على لفظ الغيبة، الذي هو أقرب إليه من لفظ الخطاب، وهو قوله: {ومن أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون. يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} «13، 14» - وما يفعلوا، فذلك كله لفظ غيبة متصل به، ليس بينهما حائل، فذلك أولى به من الخطاب، الذي بعد عنه، وأيضًا فقد قال ابن مسعود وابن عباس: إذا اختلفتم في الياء والتاء فاقرؤوا بالياء، ولولا أن الجماعة على التاء، لكان الاختيار الياء، لصحة معناه، ولقربه من لفظ الغيبة، واتصاله بألفاظ كلها للغائب). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/354]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (28- {وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ} [آية/ 115]:-
بالتاء فيهما، قرأها ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب و(-ياش-) عن عاصم. وذلك أنه مجرى على الخطاب، كأمثاله في القرآن من قوله تعالى {وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إليكُمْ} {ومَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ الله وَتَزَوَّدُوا}.
وقرأ الباقون {يَفْعَلُوا} و{يُكْفَرُوهُ} بالياء تحتها نقطتان؛ إجراءً لها على الغيبة، لما تقدم من قوله {أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آَيَاتِ الله آَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ
[الموضح: 380]
يَسْجُدُونَ} ). [الموضح: 381]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108584#post108584)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 02:21 PM
سورة آل عمران
[من الآية (116) إلى الآية (117) ]
{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (116) مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (117)}
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (116)}
قوله تعالى: {مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ أَصَابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (117)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108585#post108585)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 02:29 PM
سورة آل عمران
[من الآية (118) إلى الآية (120) ]
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118) هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120}
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآَيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ (118)}
قوله تعالى: {هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119)}
قوله تعالى: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (120)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لا يضرّكم كيدهم شيئًا... (120)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب: (لا يضركم) بكسر الضاد خفيفة. وقرأ الباقون بضم الضاد والراء مشددة.
وروى الحجاج الأعور عن حمزة: (لا يضركم) مثل أبي عمرو.
قال أبو منصور: من قرأ (لا يضرّكم) بالتشديد وضم الضاد والراء فإن شئت جعلته مرفوعا وجعلت (لا) بمنزلة (ليس) فرفعت وأنت مضمر للفاء كما قال الشاعر:
[معاني القراءات وعللها: 1/270]
فإن كان لا يرضيك حتى تردّني... إلى قطريٍّ لا إخالك راضياً
أراد: فإن كان ليس يرضيك فلا إخالك راضياً.
وقال أبو إسحاق: الضم في قوله (لا يضرّكم) هو الاختيار لالتقاء الساكنين.
قال: وكثير من العرب يدغم في موضع الجزم، وأهل الحجاز يظهرون.
قال أبو منصور: والنصب في قوله: (لا يضرّكم) جائز غير أن القراءة سنة، وقرئت بالضم.
قال الزجاج: يجوز (لا يضرّكم) ولا (يضرّكم)، فمن فتح فلأن الفتح خفيف مستعمل في التقاء الساكنين في التضعيف، ومن كسر فعلى أصل التقاء الساكنين.
[معاني القراءات وعللها: 1/271]
ومن قرأ (لا يضركم) فهو من الضّير، يقال: ضاره يضيره ضيرًا، بمعنى: ضرّه يضرّه ضرًّا، والضير والضرّ واحد). [معاني القراءات وعللها: 1/272]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (48- وقوله تعالى: {لا يضركم كيدهم شيئا} [120].
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو بالتخفيف وكسر الضاد.
وقرأ الباقون بالتشديد وضم الضاد والراء، فيكون موضعه رفعًا وجزمًا على مذهب العرب مُدَّ يا هذا، ومُدِّ يا هذا ومُدُّ يا هذا، والأصل: يضرركم، فنقلت الضمة من الراء الأولى إلى الضاد، وأدغمت الراء في الراء، والتشديد من جلل ذلك.
ومن قرأ {لا يضركم} فخفف، أخذه من الضير، كما قال تعالى: {لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون} ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/118]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضمّ الضّاد وتشديد الرّاء، وكسر الضاد، وتخفيف الراء من قوله تعالى لا يضركم [آل عمران/ 120].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع: (لا يضركم) بكسر الضاد وتخفيف الراء.
وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي: يضركم: بضم الضاد وتشديد الراء. [حدثنا ابن مجاهد قال]: أخبرني أبو عبد الله محمد بن عبد الله المقرئ عن عبد الرزّاق بن الحسن قال حدثنا: أحمد بن جبير قال: حدثنا حجّاج الأعور عن حمزة أنّه
[الحجة للقراء السبعة: 3/74]
قرأ: (لا يضركم) مثل قراءة أبي عمرو.
قال أبو علي: من قال: (لا يضركم) جعله من ضار يضير مثل باع يبيع وحجّته قوله: قالوا: لا ضير [الشعراء/ 50] فضير مصدر كالبيع.
وقال الهذليّ:
فقلت تحمّل فوق طوقك إنّها... مطبّعة من يأتها لا يضيرها
وحجّة من قال: لا يضركم قوله تعالى: ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم [يونس/ 18] فكلتا القراءتين حسنة لمجيئهما جميعا في التنزيل). [الحجة للقراء السبعة: 3/75]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وإن تصبروا وتتقوا لا يضركم كيدهم شيئا}
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو {لا يضركم} بكسر الضّاد وحجتهم قوله {لا ضير إنّا إلى ربنا منقلبون} وكانت في الأصل لا يضيركم مثل يضربكم فاستثقلت الكسرة على الياء فنقلت كسرة الياء إلى الضّاد فصارت لا يضيركم ودخل الجزم على الرّاء فالتقى ساكنان الياء والرّاء فطرحت الياء فصارت {لا يضركم}
وقرأ الباقون {يضركم} بضم الضّاد وتشديد الرّاء وضمّها من ضرّ يضر وحجتهم أن ضرّ في القرآن أكثر من ضار واستعمال العرب ضرّ أكثر من ضار من ذلك {ضرا ولا نفعا} و{نفعا ولا ضرا} وهو كثير في القرآن فلا يصرف عن شيء كثر في القرآن
وأما ضم الرّاء ففيه وجهان عند الكسائي أحدهما أن يكون الفعل
[حجة القراءات: 171]
عنده مجزومًا بجواب الجزاء وتكون المضة في الرّاء تابعة لضمة الضّاد كقولهم مد ومده فأتبعوا الضّم الضّم في المجزوم وكانت في الأصل لا يضرركم ولكن كثيرا من القرّاء والعرب يدغم في موضع الجزم فلمّا أرادوا الإدغام سكنوا الرّاء ونقلوا الضمة الّتي كانت على الضّاد فصارت لا يضرركم ثمّ أدغموا الرّاء في الرّاء وحركوها بحركة الضّاد فصارت لا يضركم فهذه الضمة ضمة إتباع وأهل الحجاز يظهرون التّضعيف وفي هذه الآية جاءت فيها اللغتان جميعًا فقوله {إن تمسسكم حسنة} على لغة أهل الحجاز ولا يضركم على لغة غيرهم من العرب
والوجه الآخر أن يكون الفعل مرفوعا فتصير لا على مذهب ليس وتضمر في الكلام فاء كأنّه قال فليس يضركم والفاء المضمرة تكون جواب الجزاء واستشهد الكسائي على إضمار الفاء ها هنا بقوله {وإن تصبهم سيّئة بما قدمت أيديهم إذا هم يقنطون} معناه فإذا هم وكذلك قوله {وإن أطعتموهم إنّكم لمشركون} أي فإنّكم لمشركون). [حجة القراءات: 172]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (68- قوله: {لا يضركم} قرأه الكوفيون وابن عامر بفتح الياء والتشديد، وضم الضاد والراء، وقرأ الباقون بفتح الياء، وكسر الضاد، والتخفيف، والجزم، وهما لغتان: ضره ضره، وضاره يضيره، وقال الله جل ذكره: {قالوا لا ضير} «الشعراء 50» فهذا من: ضاره يضيره، وقال: {ما لا يضركم} «يونس 18» فهذا من: ضره يضره، والتشديد كثير في الاستعمال والقراءة، والجزم على جواب الشرط، والضم على إتباع الضم الضم، وهو مجزم أيضًا، حكى النحويون: لم أردها، بضم الدال، وهو مجزوم، لكنه أتبع حركته الدال، لما احتاج إلى تحريكها، حركة ما قبلها، وهو الراء، كذلك فعل في الراء لما احتاج إلى تحريكها، أتبعها ما قبلها، وهو حركة الضاد، وقد قيل: إن ضمة الراء، في قراءة من شدد، إعراب، والفعل مرفوع على إضمار الفاء، وذلك قليل في الكلام، والاختيار التخفيف، لخفته وأنها لغة موازية للتشديد، لأن أهل الحرمين عليه مع أبي عمرو). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/355]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (29- {لَا يَضُرُّكُمْ} [آية/ 120]:-
بكسر الضاد وسكون الراء، قرأها ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب.
وهو على هذا من ضار يضير كباع يبيع، فيضركم كيبعكم، وهو جزم على جواب الشرط الذي هو قوله تعالى {وَإِنْ تَصْبِرُوا}.
وقرأ الباقون {لا يَضُرُّكُمْ} بضم الضاد وتشديد الراء وضمها.
وذلك أنه من ضر يضر، ونظيره قوله تعالى {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ الله مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ}، فيجوز أن يكون جزمًا أيضًا، وضمته للإتباع كضمة مد، ويجوز أن يكون رفعًا على إضمار الفاء، والتقدير: فلا يضركم). [الموضح: 381]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108586#post108586)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 02:48 PM
سورة آل عمران
[من الآية (121) إلى الآية (122) ]
{وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121) إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122)}
قوله تعالى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (121)}
قوله تعالى: {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (122)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108587#post108587)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 02:50 PM
سورة آل عمران
[من الآية (123) إلى الآية (128) ]
{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ (127) لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)}
قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)}
قوله تعالى: {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (من الملائكة منزلين (124)
قرأ ابن عامر: (منزّلين) بتشديد الزاي، وخففها الباقون.
قال أبو منصور: هما لغتان: أنزل ونزّل بمعنى واحد). [معاني القراءات وعللها: 1/272]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (49- وقوله تعالى: {من الملائكة منزلين} [124].
قرأ ابن عامر وحده {منزلين}.
وقرأ الباقون بالتخفيف جعلوه اسم المفعولين من أنزلهم الله فهم منزلون. ومن شدد جعله اسم المفعولين من نَزَّلَ. وقال قوم: أنزل ونزَّل بمعنى مثل كرَّم وأَكْرَمَ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/118]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: وكلّهم قرأ منزلين، [آل عمران/ 124] خفيف الزاي غير ابن عامر فإنّه قرأ منزلين مشدد الزاي.
قال أبو علي: حجّة ابن عامر: تنزل الملائكة والروح فيها [القدر/ 4] ألا ترى أنّ [مطاوع نزّل ينزّل نزّلته فتنزّل]، وقوله
[الحجة للقراء السبعة: 3/75]
[جلّ اسمه]: ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة [الأنعام/ 111] وحجّة من خفّف قوله: وقالوا لولا أنزل عليه ملك [الأنعام/ 8] ولو أنزلنا ملكا لقضي الأمر [الأنعام/ 8]. ومن حجّة من قرأ: منزلين أنّ الإنزال يعمّ التنزيل وغيره، قال تعالى: وأنزلنا إليك الذكر [النحل/ 44]. وإنا أنزلناه في ليلة القدر [القدر/ 1] وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد [الحديد/ 25] وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج [الزمر/ 6] ). [الحجة للقراء السبعة: 3/76]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما رواه مبارك عن الحسن أنه كان يقرأ: [بِثَلاثَهْ آلافٍ] و[بِخَمْسَهْ آلافٍ]، وَقْفٌ ولا يُجري واحدًا منهما.
قال أبو الفتح: وجهه في العربية ضعيف؛ وذلك أن ثلاثة وخمسة مضافان إلى ما بعدهما، والإضافة تقتضي وصل المضاف بالمضاف إليه؛ لأن الثاني تمام الأول، وهو معه في أكثر الأحوال كالجزء الواحد، وإذا وصلت هذه العلامة للتأنيث فهي تاء لا محالة؛ وذلك أن أصلها التاء، وإنما يبدل منها في الوقف الهاء، وإذا كان كذلك -وهو كذلك- فلا وجه للهاء؛ لأنها من أمارات الوقف، والموضع على ما ذكرنا متقاضٍ للوصل، غير أنه قد جاء عنهم نحو هذا، حكى الفراء أنهم يقولون: أكلت لحمَا شاة، يريدون: لحم شاة، فيمطلون الفتحة فينشئون عنها ألفًا، كما يقولون في الوقف: قالا، يريدون: قال، ثم يمطلون الفتحة فتنشأ عنها الألف، وهذا المطل لا يكون مع الإسراع والاستحثاث؛ إنما يكون مع الروية والتثبت، وأنشد أبو زيد:
مَحْضٌ نِجَارى طيِّب عنصري
[المحتسب: 1/165]
يريد: عُنْصُرِي بتخفيف الراء، غير أنه ثقَّلها كما يفعل في الوقف، نحو: خالدّ وجعفرّ، وإذا جاز أن يُنوى الوقف دون المضمر المجرور، وهو على غاية الحاجة -للفطه عن الانفصال- إلى ما قبله جاز أيضًا أن يعترض هذا التلوم والتمكث دون المظهر المضاف إليه؛ أعني: قوله: "آلاف"؛ بل إذا جاز أن يعترض هذا الفتور والتمادي بين أثناء الحروف من المثال الواحد نحو قوله:
أقول إذ خَرَّت على الكَلْكالِ ... يا ناقتا ما جُلْت من مجالِ
وقوله فيما أَنشدناه:
ينباع من ذفرى غضوب جسرة
يريد: ينبع. وقوله أُنشدناه:
وأنت من الغوائل حين تُرْمى ... ومن ذم الرجال بِمُنْتَزَاح
يريد: منتزَح مُفْتعَل من نزح، كان التأني والتمادي بالمد بين المضاف والمضاف إليه؛ لأنهما في الحقيقة اسمان لا اسم واحد أمثل، ونحوه قراءة الأعرج عن ابن أبي الزناد: [بثلاثهْ آلاف] بسكون الهاء، وقد ذكرناه فيما قبل، فهذا تقوية وعذر لقراءة أبي سعيد، وقد أفردناه في الخصائص بابًا قائمًا برأسه، وذكرناه أيضًا في هذا الكتاب). [المحتسب: 1/166] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ألن يكفيكم أن يمدكم ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين} 124
قرأ ابن عامر {من الملائكة منزلين} بالتّشديد وحجته قوله {لنزلنا عليهم من السّماء ملكا} وهما لغتان نزل وأنزل مثل كرم وأكرم). [حجة القراءات: 172]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (69- قوله: {منزلين} شدده ابن عامر، وقرأه الباقون بالتخفيف، وهما لغتان، من شدده جعله من «نزّل» ومن خففه جعله من «أنزل»، وفي التشديد معنى التكرير، والتخفيف الاختيار لأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/355]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (30- {مُنَزَّلِينَ} [آية/ 124]:-
بفتح النون وتشديد الزاي، قرأها ابن عامر وحده.
[الموضح: 381]
ووجهها أن نزل متعدي نزل كأنزل إلا أنه يتضمن التكثير في الغالب، والكثرة ههنا موجودة، فلذلك اختاره، ونظيره {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ}.
وقرأ الباقون {مُنْزَلَينَ} بالتخفيف وسكون النون؛ لأنهم جعلوه من أنزل، والإنزال قد يكون القليل والكثير، إلا أن الكثرة بالتنزيل أخص، والإنزال في القرآن كثير، نحو {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ} و{وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ} ). [الموضح: 382]
قوله تعالى: {بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آَلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (مسوّمين (125).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ويعقوب (مسوّمين) بكسر الواو، وفتحها الباقون.
قال أبو منصور: من قرأ (مسوّمين) بالكسر فالمعنى: معلّمين بالسّومة، وهي: العلامة في الحرب، ومن قرأ (مسوّمين) فالمعنى:
[معاني القراءات وعللها: 1/272]
معلّمين، وجائز أن يكون معنى (مسوّمين): قد سوّموا خيلهم، أرسلوها ترعى). [معاني القراءات وعللها: 1/273]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (50- وقوله تعالى: {مسومين} [125].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو، وعاصم بكسر الواو.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/118]
وقرأ الباقون بالفتح، جعلوا التسويم وهو العلامة للخيل، أي أن الملائكة سومت الخيل، أو إذا جعلت الفعل لله وهو الاختيار؛ لأن الملائكة الله سومها، قال الحسن: مسومين مجززة النواصي، وقال مجاهد: جعلت الملائكة في أذان الخيل وأذنابها الصُّوف الأبيض). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/119]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في فتح الواو وكسرها من قوله [جلّ وعز]: مسومين [آل عمران/ 125].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم: مسومين بكسر الواو.
وقرأ الباقون: مسومين بفتح الواو.
قال أبو علي: جاء في التفسير في قوله تعالى: يعرف المجرمون بسيماهم [الرحمن/ 41] أنّه سواد الوجوه وزرقة الأعين. قال أبو زيد: السّومة: العلامة تكون على الشاة ويجعل عليها لون يخالف لونها لتعرّف به. قال أبو علي: فقوله: مسومين من هذا، وهذه العلامة يعلمها الفارس يوم اللقاء ليعرف بها. قال:
[الحجة للقراء السبعة: 3/76]
فتعرّفوني إنّني أنا ذاكم... شاك سلاحي في الحوادث معلم
وقال أبو زيد: سوّم الرجل تسويما فهو مسوّم إذا أغار على القوم إغارة فعاث فيهم. وقال: وسوّمت الخيل تسويما إذا أرسلتها وخلّيتها تخلية. وأمّا من قرأ: مسومين فقال أبو الحسن: لأنّهم هم سوّموا الخيل. قال: ومن قرأ: مسومين فلأنّهم هم سوّموا.
قال: ومسوّمين. يكون معلمين، ويكون مرسلين من قولك:
سوّم فيها الخيل، أي: أرسلها، ومنه السائمة. وذكر بعض شيوخنا أنّ الاختيار عنده الكسر، لما جاء في الخبر أن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، قال يوم بدر: «سوّموا فإنّ الملائكة قد سوّمت» فنسب الفعل إلى الملائكة). [الحجة للقراء السبعة: 3/77]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما رواه مبارك عن الحسن أنه كان يقرأ: [بِثَلاثَهْ آلافٍ] و[بِخَمْسَهْ آلافٍ]، وَقْفٌ ولا يُجري واحدًا منهما.
قال أبو الفتح: وجهه في العربية ضعيف؛ وذلك أن ثلاثة وخمسة مضافان إلى ما بعدهما، والإضافة تقتضي وصل المضاف بالمضاف إليه؛ لأن الثاني تمام الأول، وهو معه في أكثر الأحوال كالجزء الواحد، وإذا وصلت هذه العلامة للتأنيث فهي تاء لا محالة؛ وذلك أن أصلها التاء، وإنما يبدل منها في الوقف الهاء، وإذا كان كذلك -وهو كذلك- فلا وجه للهاء؛ لأنها من أمارات الوقف، والموضع على ما ذكرنا متقاضٍ للوصل، غير أنه قد جاء عنهم نحو هذا، حكى الفراء أنهم يقولون: أكلت لحمَا شاة، يريدون: لحم شاة، فيمطلون الفتحة فينشئون عنها ألفًا، كما يقولون في الوقف: قالا، يريدون: قال، ثم يمطلون الفتحة فتنشأ عنها الألف، وهذا المطل لا يكون مع الإسراع والاستحثاث؛ إنما يكون مع الروية والتثبت، وأنشد أبو زيد:
مَحْضٌ نِجَارى طيِّب عنصري
[المحتسب: 1/165]
يريد: عُنْصُرِي بتخفيف الراء، غير أنه ثقَّلها كما يفعل في الوقف، نحو: خالدّ وجعفرّ، وإذا جاز أن يُنوى الوقف دون المضمر المجرور، وهو على غاية الحاجة -للفطه عن الانفصال- إلى ما قبله جاز أيضًا أن يعترض هذا التلوم والتمكث دون المظهر المضاف إليه؛ أعني: قوله: "آلاف"؛ بل إذا جاز أن يعترض هذا الفتور والتمادي بين أثناء الحروف من المثال الواحد نحو قوله:
أقول إذ خَرَّت على الكَلْكالِ ... يا ناقتا ما جُلْت من مجالِ
وقوله فيما أَنشدناه:
ينباع من ذفرى غضوب جسرة
يريد: ينبع. وقوله أُنشدناه:
وأنت من الغوائل حين تُرْمى ... ومن ذم الرجال بِمُنْتَزَاح
يريد: منتزَح مُفْتعَل من نزح، كان التأني والتمادي بالمد بين المضاف والمضاف إليه؛ لأنهما في الحقيقة اسمان لا اسم واحد أمثل، ونحوه قراءة الأعرج عن ابن أبي الزناد: [بثلاثهْ آلاف] بسكون الهاء، وقد ذكرناه فيما قبل، فهذا تقوية وعذر لقراءة أبي سعيد، وقد أفردناه في الخصائص بابًا قائمًا برأسه، وذكرناه أيضًا في هذا الكتاب). [المحتسب: 1/166] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({بخمسة آلاف من الملائكة مسومين} 125
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم {مسومين} بكسر الواو أي معلمين أخذ من السومة وهي العلامة وحجتهم ما جاء في التّفسير قال مجاهد كانوا سوموا نواصي خيولهم بالصوف الأبيض فهم على هذا التّفسير مسومون لأنهم فاعلون
ووردت الأخبار بأن الملائكة نزلت على رسول الله صلى الله عليه معتمين بعمائم صفر فأضافوا الاعتمام إليهم ولم يقل معممين فيكونوا مفعولين وتكون القراةء بفتح الواو وقال رسول الله لأصحابه يوم بدر تسوموا فإن الملائكة قد تسومت
وقرأ الباقون {مسومين} بفتح الواو وحجتهم {منزلين} لما كان فتح الزّاي مجمعا عليه إذ كانوا مفعولين ردوا قوله {مسومين} إذ كانت صفة مثل معنى الأول ففتحوا الواو وجعلوهم مفعولين كما كانوا منزلين فكأنهم أنزلوا مسومين
وقد روي عن عكرمة وقتادة في تفسير ذلك أنّهما قالا فيه عليهم سيما القتال وقال قوم {مسومين} مرسلين تقول العرب لنسومن فيكم الخيل أي لنرسلنها حكى ذلك الكسائي قال وتقول العرب سوم الرجل غلامه أي خلى سبيله فعلى هذا التّأويل يوجه معنى ذلك إلى معنى مرسلين على الكفّار فيكون موافقا المعنى منزلين). [حجة القراءات: 173]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (70- قوله: {مسومين} قرأه ابن كثير وأبو عمرو وعاصم بكسر الواو، وفتح الباقون.
71- وحجة من كسر الواو أنه أضاف الفعل إلى الملائكة، فأخبر عنهم أنهم سوموا الخيل، والسومة العلامة تكون في الشيء بلون يخالف لونه ليُعرف بها، ويقوي ذلك أنه روي أن النبي عليه السلام قال يوم بدر: «سَوِّموا فإن
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/355]
الملائكة قد سمت» فأضاف الفعل إلى الملائكة، فدلّ ذلك على وجوب كسر الواو في {موسمين}.
72- وحجة من فتح الواو أنه أضاف التسويم إلى غيرهم، على معنى أن غيرهم من الملائكة سومهم، ويجوز أن يكون معنى مسومين من قولك: سومت الخيل، أي أرسلتها ومنه السائمة، فالمعنى: بألف من الملائكة مرسلين، والاختيار الفتح؛ لأن الجماعة عليه، وقد اختار قوم الكسر للحديث المذكور). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/356]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (31- {مُسَومِينَ} [آية/ 125]:-
بكسر الواو، قرأها ابن كثير وأبو عمرو وعاصم ويعقوب.
والمراد أنهم سوموا خيلهم من السومة والسيمى، وهما العلامة.
وقرأ الباقون «مسمومين» بفتح الواو.
والمعنى معلمين في الحرب، وهو مما ذكرنا.
ويجوز أن يكون المراد مرسلين، من قولهم: سومت السائمة أي أرسلتها.
والقراءة الأولى أولى؛ لأنه قد جاء في الخبر أنه قال يوم بدر: «سوموا فإن الملائكة قد سومت»، وكانت الملائكة سومت يوم بدر بالصوف الأبيض في
[الموضح: 382]
نواصي الخيل وأذنابها). [الموضح: 383]
قوله تعالى: {وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126)}
قوله تعالى: {لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ (127)}
قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108588#post108588)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 02:56 PM
سورة آل عمران
[من الآية (129) إلى الآية (132) ]
{ وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)}
قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (129)}
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130)}
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (32- {أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آية/ 130]:-
بغير ألف مشددة العين، قرأها ابن كثير وابن عامر ويعقوب، وقرأ الباقون {مُضَاعَفَةَ} بالألف والتخفيف.
يقال: ضاعفت الشيء وضعفته بمعنى واحد، وقد مضى الكلام في مثله). [الموضح: 383]
قوله تعالى: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131)}
قوله تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108589#post108589)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 02:59 PM
سورة آل عمران
[من الآية (133) إلى الآية (138) ]
{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138)}
قوله تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربّكم... (133)
قرأ نافع وابن عامرٍ: (سارعوا إلى مغفرةٍ) بغير واو، وكذلك هي في مصاحفهم.
وقرأ الباقون: (وسارعوا) بالواو.
قال أبو منصور: القراءة جائزة بالواو وغير الواو، غير أني أحب القراءة بالواو). [معاني القراءات وعللها: 1/273]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (51- وقوله تعالى: {وسارعوا إلى مغفرة} [133].
قرأ نافع وابن عامر: (سارعوا) بغير واو.
وقرأ الباقون بواو). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/119]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (أحمد: وكلّهم قرأ: وسارعوا-[آل عمران/ 133] بواو
[الحجة للقراء السبعة: 3/77]
غير نافع وابن عامر فإنّهما قرأ: سارعوا بغير واو، وكذلك هي في مصاحف أهل المدينة وأهل الشام. وروى أبو عمر الدوري عن الكسائي: وسارعوا وأولئك يسارعون في الخيرات [المؤمنون/ 61] ونسارع لهم في الخيرات [المؤمنون/ 56] بالإمالة في كلّ ذلك.
قال أبو علي: [كلا الأمرين سائغ] مستقيم، فمن قرأ بالواو فلأنّه عطف الجملة على الجملة، والمعطوف عليها قوله: وأطيعوا الله والرسول [آل عمران/ 132] وسارعوا. ومن ترك الواو فلأنّ الجملة الثانية ملتبسة بالأولى مستغنية بالتباسها بها عن عطفها بالواو.
وقد جاء الأمران في التنزيل في قوله: سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم [الكهف/ 22] وقال: ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم [الكهف/ 22] وقال: أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون [البقرة/ 39] فهذا على قياس قراءة نافع وابن عامر. وما روي عن الكسائي من إمالة الألف في وسارعوا وأولئك يسارعون ونسارع لهم في الخيرات فالإمالة هنا في الألف حسنة، لوقوع الراء المكسورة بعدها، وكما تمنع المفتوحة الإمالة، فكذلك المكسورة تجلبها). [الحجة للقراء السبعة: 3/78]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وسارعوا إلى مغفرة من ربكم}
قرأ نافع وابن عامر (سارعوا إلى مغفرة من ربكم) بغير واو اتباعا لمصاحفهم
وقرأ الباقون {وسارعوا} بالواو اتباعا لمصاحفهم). [حجة القراءات: 174]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (73- قوله: {وسارعوا} قرأه نافع وابن عامر بغير واو، على الاستئناف والقطع، وكذا هي في مصاحف أهل المدينة وأهل الشام بغير واو، وهو مع الاستئناف ملتبس بما قبله، لأن الضمائر غير مختلفة والمأمورين غير مختلفين. وقرأ الباقون بالواو، على العطف على ما قبله، من قوله: {وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول} «132» - وسارعوا، وهو عطف جملة على جملة، وكذلك هي في مصاحف أهل الكوفة، وأهل البصرة بالواو). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/356]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (33- {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ} [آية/ 133]:-
بغير واوٍ في أوله، قرأها نافع وابن عامر.
وذلك لأن الجملة الثانية مستغنية عن عطفها بالواو لالتباسها بالجملة الأولى، كقوله تعالى {سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ}.
وقرأ الباقون {وَسَارِعُوا} بالواو؛ لأنه عطف جملةٍ على جملةٍ فهو بالواو
[الموضح: 383]
لأنه أداته، والمعطوف عليها قوله {وَأَطِيعُوا الله وَالرَّسُولَ}.
والكسائي أمال السين في {سارعوا} لوقوع الراء المكسورة بعدها، وفتحها الباقون على الأصل). [الموضح: 384]
قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)}
قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135)}
قوله تعالى: {أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136)}
قوله تعالى: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُروا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137)}
قوله تعالى: {هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ (138)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108590#post108590)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 03:02 PM
سورة آل عمران
[من الآية (139) إلى الآية (141) ]
{وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139) إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140) وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141)}
قوله تعالى: {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (139)}
قوله تعالى: {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (إن يمسسكم قرحٌ... (140)
[معاني القراءات وعللها: 1/273]
قرأ أبو بكر وحمزة والكسائي: (قرحٌ) بضم القاف، وقرأ الباقون: (قرحٌ) بفتح القاف.
وقال الفراء: القرح: الجرح، والقرح: ألم الجرح.
وقال الزجاج: القرح والقرح واحد، ومعناهما: الجرح، وألمه، ويقال: قرحه قرح، وأصابه قرح). [معاني القراءات وعللها: 1/274]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (52- وقوله تعالى: {إن يمسسكم قرح} [140].
قرأ أهل الكوفة غير حفص {قرح} بضم القاف. وقرأ الباقون وحفص عن عاصم بالفتح.
فقال أكثر النحويين: هما لغتان: القرح والقرح مثل: الجَهْدُ والجُهْدُ، وفرَّق الكسائي بينهما فقال: القَرح: الجراحةُ، والقُرْحُ: ألم الجراحة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/119]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح القاف وضمّها من قوله تعالى: قرح [آل عمران/ 140].
[الحجة للقراء السبعة: 3/78]
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: قرح بفتح القاف في كلّهنّ.
وقرأ عاصم في رواية أبي بكر وحمزة والكسائي: قرح* بضم القاف في جميعهنّ. وروى حفص عن عاصم: قرح بالفتح مثل أبي عمرو. وكلّهم أسكن الراء في قرح.
قال أبو علي: قرح وقرح مثل: الضّعف والضّعف، والكره والكره، والفقر والفقر، والدّف والدّف. والشّهد والشّهد. وكأن الفتح أولى لقراءة ابن كثير، ولأنّ لغة أهل الحجاز الأخذ بها أوجب، لأنّ القرآن عليها نزل.
وقال أبو الحسن: قرح، يقرح قرحا، وقرحا، فهذا يدلّ على أنّهما مصدران، وأنّ كلّ واحد منهما بمعنى الآخر.
ومن قال: إنّ القرح الجراحات بأعيانها، والقرح ألم الجراحات قبل ذلك منه إذا أتى فيه برواية، لأنّ ذلك ممّا لا يعلم بالقياس). [الحجة للقراء السبعة: 3/79]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة محمد بن السميفع: [قَرَحٌ] بفتح القاف والراء.
قال أبو الفتح: ظاهر هذا الأمر أن يكون فيه لغتان: قرْح، وقرَح، كالحلْب والحلَب، والطرْد والطرَد، والشل والشلل. وفيه أيضًا قُرْح على فُعْل، يقرأ بهما جميعًا.
[المحتسب: 1/166]
ثم لا أُبْعدُ من بَعْدُ أن تكون الحاء لكونها حرفًا حلقيًّا يفتح ما قبلها كما تفتح نفسها فيما كان ساكنًا من حروف الحلق، نحو قولهم في الصخْر: الصخَر، والنعْل: النعَل. ولعمري، إن هذا عند أصحابنا ليس أمرًا راجعًا إلى حرف الحلق؛ لكنها لغات، وأنا أرى في هذا رأي البغداديين في أن حرف الحلق يؤثر هنا من الفتح أثرًا معتدًّا معتمدًا؛ فلقد رأيت كثيرًا من عقيل لا أحصيهم يحرك من ذلك ما لا يتحرك أبدًا لولا حرف الحلق، وهو قول بعضهم: نَحَوَه، يريد: نَحْوه، وهذا ما لا توقف في أنه أمر راجع إلى حرف الحلق؛ لأن الكلمة بنيت عليه ألبتة، ألا ترى أن لو كان هذا هكذا لوجب أن يقال: نحاة؛ لأنه فَعَلٌ مما لامُه واو، فيجري مجرى عصاة وفتاة.
نعم، وسمعت الشجري يقول في بعض كلامه: أنا مَحَموم، بفتح الحاء. وقال مرة وقد رسم له الطبيب أن يمص التفاح ويرمي بثُفْله فلم يفعل ذلك، فأنكره الطبيب عليه، فقال: إني لأبغي مصه وعِلْيَته تَغَذُو، يريد: تَغْذُو، ولا قرابة بيني وبين البصريين؛ لكنها بيني وبين الحق، والحمد لله، ويكون فتح الحاء من القَرَح لها ما قبلها كفتحها لها عين الفعل المضارع، نحو: يسنَح ويسفَح ويسمَح.
ويُؤنِّس بذلك أن هذه الحروف حلقية، فضارعت بذلك الألف التي لا يكون ما قبلها إلا مفتوحًا، وهذا قدر ما يتعلَّل به، إلا أن الاختيار أن تكون "القَرَح" لغة). [المحتسب: 1/167]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله}
قرأ حمزة والكسائيّ وابو بكر {إن يمسسكم قرح فقد مس القوم قرح مثله} بضم القاف فيهما وقرأ الباقون بالفتح فيهما
قال الفراء كأن القرح بالضّمّ ألم الجراحات وكأن القرح الجراح بأعيانها وقال الكسائي هما لغتان مثل الضعف والضعف والفقر والفقر وأولى القولين بالصّواب قول الفراء لتصييرهما لمعنيين والدّليل على ذلك قول الله جلّ وعز حين أساهم بهم في موضع آخر بما دلّ على أنه أراد الألم فقال ولا تهنوا في ابتغاء القوم إن تكونوا تألمون فإنّهم يألمون كما تألمون فدلّ ذلك على أنه اراد إن يمسسكم ألم من أيدي القوم فإن بهم من ذلك مثل ما بكم). [حجة القراءات: 174]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (74- قوله: {قرح} قرأ حمزة وأبو بكر والكسائي بضم القاف، على أنها ألم الجراحات، وقرأ الباقون بالفتح، على أنها الجراحات بعينها وأكثر الناس على أن القراءتين بمعنى الجراحات بلغتين كـ الضَعف والضُعف، والكَره والكُره، وقال الأخفش: هما مصدران لـ «قَرح قَرحًا وقُرحًا»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/356]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (34- {إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ} [آية/ 140]، و{القُرْح}
بضم القاف، قرأها حمزة والكسائي و–ياش- عن عاصم.
وقرأ الباقون {قَرْح} و{القَرْح} بفتح القاف.
(والقرح) والقرح لغتان كالضعف والضعف والفقر والفقر، والفتح لغة أهل الحجاز، والأخذ بها أولى.
وقال الفراء: هو بالفتح: الجرح، وبالضم: ألم الجرح). [الموضح: 384]
قوله تعالى: {وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108591#post108591)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 03:04 PM
سورة آل عمران
[من الآية (142) إلى الآية (145) ]
{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143) وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145)}
قوله تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142)}
قوله تعالى: {وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (143)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة إبراهيم: [مِنْ قَبْلِ أَنْ تُلاقُوه].
قال أبو الفتح: وجه ذلك أنك إذا لقيتَ الشيء فقد لقيَك هو أيضًا، فلما كان كذلك دخله معنى المفاعلة؛ كالمضاربة والمقاتلة، وقد جاء ذلك عينه في هذه اللفظة عينها، قالت امرأة:
هل الَّا الموت يغلي غاليهْ ... مختلطًا سافله بعاليهْ
لا بد يومًا أنني ملاقيهْ
فأما ما قرأته على أبي علي في نوادر أبي زيد من قوله:
فارقَنا قبل أن نفارقه ... لما قضى من جماعنا وطَرا
[المحتسب: 1/167]
فظاهره إلى التناقض؛ لأنا إذا فارقَنا فقد فارقْناه لا محالة، فما معنى قوله بعد: قبل أن نفارقه؟ وهو عندنا على إقامة المسبب مقام السبب في تفسيره: فارقَنا قبل أن نريد فراقه، فوضع المفارقة وهي المسبب موضع الإرادة لها وهي السبب؛ وذلك لقرب أحدهما من صاحبه.
ومثله قوله الله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} أي: إذا أردت القراءة، وهو كثير قد مر في هذا الكتاب، وقد أفردنا له في الخصائص بابًا قائمًا برأسه). [المحتسب: 1/168]
قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة حطان بن عبد الله: [وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ رُسُل]، وكذلك هي في مصحف ابن مسعود.
قال أبو الفتح: هذه القراءة حسنة في معناها؛ وذلك أنه موضع اقتصاد بالنبي -صلى الله عليه وسلم- وإعلام أنه لا يلزم ذمته ممن يخالفه تبعة؛ لقوله تعالى: {وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ}، وقوله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ}، وقوله: {إِنَّمَا أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}، وقوله: {أَفَأَنْتَ تُسْمِعُ الصُّمَّ}.
ومعلوم أن "إنما" موضوعة للاقتصاد والتقليد، ألا ترى إلى قوله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}؟ فهذا كقوله: {مَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ}، وقوله: {وَقَلِيل مَا هُمْ}، وقوله: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ}. فلما كان موضع اقتصاد به، وفكٍّ ليد الذم عن ذمته، وكان من مضى من الأنبياء -عليهم السلام- في هذا المعنى مثله، لاق بالحال تنكير ذكرهم بقوله: [قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ رُسُلُ].
وذلك أن التنكير ضرب من الكف والتصغير، كما أن التعريف ضرب من الإعلام والتشريف، ألا ترى إلى قوله:
فمن أنتم إنانسينا من أنتم ... وريحكم من أي ريح الأعاصر
[المحتسب: 1/168]
فأين هذا من قوله:
هذا الذي تَعْرِف البطحاء وطأته ... والبيت يعرفه والحل والحرم؟
ولهذا قال:
من حديث نَمَى إليَّ فما أطـ ... ـعَمُ غُمْضًا ولا ألذ شرابي
فنكَّر الغمض احتقارًا له إذ كان لا يعرفه، وعرَّف الشراب إذ كان لا بد أن يشرب وإن قل. قال:
على كل حال يأكل المرء زادَه ... من الضر والبأساء والحدَثان
ولأجل ذلك لم تندب العرب المبهم ولا النكرة لاحتقارها، وإنما تندب بأشهر أسماء المندوب؛ ليكون ذلك عذرًا لها في اختلاطها وتفجعها، ويؤكده أيضًا قوله تعالى: {مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ}، فجرى قوله سبحانه: [وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ رُسُلُ] مجرى قولك لصاحبك: اخدم كما خَدَمَنَا غيرُك من قبلك ولا تبعة عليك بعد ذلك، فهذا إذن موضع إسماح له، فلا بد إذن من إلانة ذكره، وعليه جاء قوله تعالى: {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ} فأضاف سبحانه من عذرهم، وأعلَمَ ألا متعلق عليه بشيء من أمرهم، فلهذا حسن تنكير "رسل" هاهنا، والله أعلم.
وأما من قرأ: {قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} فوجه تعريفهم ومعناه: أنكم قد عرفتم حال مَن قبله من الرسل في أنهم لم يطالبوا بأفعال مَن خالفهم، وكذلك هو صلى الله عليه وسلم، فلما كان موضع تنبيه لهم كان الأليق به أو يومئ إلى أمر معروف عندهم). [المحتسب: 1/169]
قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآَخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ (145)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الأعمش، فيما رواه القطعي عن أبي زيد عن المفضَّل عن الأعمش: [ومَن
[المحتسب: 1/169]
يُرِدْ ثواب الدنيا يُوتِه منه ومَن يُرِدْ ثوابَ الآخرة يُوتِه منها وسنجزي الشاكرين] بالياء فيهما.
قال أبو الفتح: وجهه على إضمار الفاعل لدلالة الحال عليه؛ أي: يوته الله، يدل على ذلك قراءة الجماعة: {نُؤْتِهِ مِنْهَا} بالنون.
وحديث إضمار الفاعل للدلالة عليه واسعٌ فاشٍ عنهم، منه حكاية الكتاب أنهم يقولون: إذا كان غدًا فائتني؛ أي: إذا كان ما نحن عليه من البلاء في غد فائتني، ومثله حكايته أيضًا:
مَن كذب كان شرًّا له؛ أي: كان الكذب شرًّا له. وعليه قول الآخر:
ومجوَّفات قد علا ألوانها ... أسآر جُرد مُتْرَصاتٍ كالنَّوَى
أي: قد علا التجويف ألوانَها. وقول الآخر:
إذا نُهِيَ السفيهُ جرى إليه ... وخالَف والسفيهُ إلى خلاف
وكما أضمر المصدر مجرورًا؛ أعني: الهاء في إليه -يعني إلى السفه- كذلك أيضًا أضمره مرفوعًا بفعله). [المحتسب: 1/170]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108592#post108592)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 03:06 PM
سورة آل عمران
[من الآية (146) إلى الآية (148) ]
{وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147) فَآَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148)}
قوله تعالى: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وكأيّن من نبيٍّ قاتل معه... (146)
قرأ ابن كثير: (وكائن) الهمز بين الألف والنون، بوزن (كاعن)، وقرأ الباقون: (وكأيّن) الهمزة بين الكاف والياء.
وذكر عن يعقوب أنه كان يقف: (وكأي) قال: ومعناه: وكم من نبيٍّ
[معاني القراءات وعللها: 1/274]
قال أبو منصور: هما لغتان قرئ بهما (وكأيّن) بتشديد الياء بوزن (وكعيّن)، واللغة الثانية (وكائن) بوزن (كاعن)، والمعنى واحد.
وأخبرني المنذري عن أبي الهيثم أنه قال في تفسير (كأيّن): الكاف زائدة مدخلة على أي، قال: والكاف معناه: التشبيه، كما تقول: كعمرو.
قال: ومن قرأ (كأيّن) فهو من كيب عن الأمر، أي: حببت.
قال: ومعناها: كم. وكم بمعنى الكثرة). [معاني القراءات وعللها: 1/275]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قتل... (146)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب على (فعل).
وقرأ الباقون (قاتل) على (فاعل).
قال أبو منصور: والقراءتان جيدتان، إلا أن (قتل) مفعول، و(قاتل) فاعل). [معاني القراءات وعللها: 1/275]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (52- وقوله تعالى: {وكأين من نبي قاتل معه} [146].
قرأ ابن كثير وحده (كائن) على وزن كاعن.
قرأ الباقون: (وكأي) على وزن كحي.
فمن قرأ كذلك وقف بالياء مشددًا، وهما لغتان بمعنى «كم»، تقول العرب: كم مالك؟ وكائن مالك؟ وكأين مالك؟). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/120]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (53- وقوله تعالى: {قاتل معه} [146].
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو {قتل معه}.
وقرأ الباقون {قاتل} بألف، فمن قرأ {قُتِلَ} وقف عليه وابتدأ بما بعده، وحجّته أن الله تعالى مدح أممًا قُتِلَ عنهم نبيهم فما ضَعُفُوا لما أصابهم من قتل نبيهم، وما استكانوا.
وحجة من قرأ {قاتل} قال: إذا مدح الله تعالى من لم يُقاتل مع نبيه، كان من قاتل مع نبيه أمدح وأمدح). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/120]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الهمز من قوله تعالى كأين [آل عمران/ 146].
[الحجة للقراء السبعة: 3/79]
فقرأ ابن كثير وحده: وكائن* الهمزة بين الألف والنون في وزن كاعن.
وقرأ الباقون: وكأي الهمزة بين الكاف والياء، والياء مشدّدة في وزن كعيّ.
قال أبو علي: كنّا رأينا قديما في قولهم: وكائن وأكثر ما يجيء في الشعر كقول الشاعر: [كما أنشده سيبويه]:
وكائن رددنا عنكم من مدجّج... يجيء أمام القوم يردي مقنّعا
وكقوله:
وكائن إليكم قاد من رأس فتنة... جنودا وأمثال الجبال كتائبه
وقول جرير:.
وكائن بالأباطح من صديق... يراني لو أصبت المصابا
[الحجة للقراء السبعة: 3/80]
وكائن على وزن كاعن، كان الأصل فيه كأيّ دخلت الكاف على أيّ كما دخلت على (ذا) من (كذا) و (أنّ) من (كأنّ)، وكثر استعمال الكلمة فصارت ككلمة واحدة، فقلب قلب الكلمة الواحدة، كما فعل ذلك في قولهم: لعمري ورعملي، حكي لنا عن أحمد بن يحيى، فصار كيّإن [مثل كيّع] فحذفت الياء الثانية كما حذفت في كينونة فصار كيء بعد الحذف، ثمّ أبدلت من الياء الألف كما أبدل من طائيّ، وكما أبدلت من «آية» عند سيبويه، وكانت «أيّة». وقد حذفت الياء من أيّ في قول الفرزدق:
تنظّرت نصرا والسّماكين أيهما... عليّ من الغيث استهلّت مواطره
ومن قول الآخر: «بيّض.. ».
فحذف الياء الثانية من أيّ أيضا. فأمّا النون في أيّ، فهي التنوين الداخل على الكلمة مع الجرّ، فإذا كان كذلك، فالقياس إذا وقفت عليه (كاء) فتسكن الهمزة المجرورة للوقف، وقياس من
[الحجة للقراء السبعة: 3/81]
قال: مررت بزيدي أن يقول: كائي، فيبدل منه الياء. ولو قال قائل: إنّه بالقلب الذي حدث في الكلمة، صارت بمنزلة النون التي من نفس الكلمة، فصار بمنزلة لام فاعل فأقرّه نونا في الوقف، وأجعله بمنزلة ما هو من نفس الكلمة، كما جعلت التي في «لدن» بمنزلة التنوين الزائد في قول من قال: لدن غدوة لكان قولا.
ويقوّي ذلك أنّهم لمّا حذفوا الكلام في قولهم: إما لا جعلوها بالحذف ككلمة واحدة حتى أجازوا الإمالة في ألف لا* كما أجازوها في التي تكون من نفس الكلمة في الأسماء والأفعال.
وسمعت أبا إسحاق يقول: إنّها تقال ممالة فجعل القلب في كائن بمنزلة الحذف في إما لاجتماعهما في التغيير، لكان قولا، فيقف على كائن بالنون، ولا يقف على النون إذا لم تقلب، كما لا تميل الألف في لا* إذا لم تحذف معها). [الحجة للقراء السبعة: 3/82]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضمّ القاف وفتحها وإدخال الألف وإسقاطها من قوله تعالى: قتل معه [آل عمران/ 146].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو ونافع قتل معه [آل عمران/ 146] بضم القاف بغير ألف.
وقرأ الباقون: قاتل بفتح القاف وبألف.
[الحجة للقراء السبعة: 3/82]
[قال أبو علي]: أمّا قتل فيجوز أن يكون مسندا إلى ضمير أحد اسمين إلى ضمير «نبي»، والدّليل على جواز إسناده إلى هذا الضمير أنّ هذه الآية في معنى قوله: أفإن مات أو قتل انقلبتم [آل عمران/ 144] وروي عن الحسن أنّه قال: «ما قتل نبي في حرب قطّ» وقال ابن عباس في قوله: وما كان لنبي أن يغل [آل عمران/ 161]: «قد كان النبيّ يقتل فكيف لا يخوّن» ! والذي في الآية من قوله: قتل لم يذكر أنّه في حرب.
فإذا أسند قتل إلى هذا الضمير احتمل قوله: معه ربيون أمرين:
أحدهما: أن يكون صفة لنبي، فإذا قدّرته هذا التقدير كان قوله: ربّيون: مرتفعا بالظرف بلا خلاف. والآخر: أن لا تجعله صفة ولكن حالا من الضمير الذي في قتل، فإن جعلته صفة كان الضمير الذي في معه* المجرور، لنبيّ، وإن جعلته حالا كان الضمير الذي في معه* يعود إلى الذكر المرفوع الذي في قتل، والاسم الآخر الذي يجوز أن يسند إليه قتل ربّيّون فيكون قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 3/83]
معه* على هذا التقدير معلّقا بقتل، وعلى القولين الآخرين اللذين هما: الصفة والحال متعلّقا في الأصل بمحذوف، وكذلك من قرأ:
قاتل فهو يجوز فيه ما جاز في قراءة من قرأ قتل*:
والرّبيون: الذين يعبدون الرّبّ، واحدهم ربّي. هكذا فسره أبو الحسن، وقيل فيه: إنه منسوب إلى علم الربّ وكذا الربّانيّون.
وحجّة من قرأ: قتل* أنّ هذا الكلام اقتصاص ما جرى عليه سير أمم الأنبياء قبلهم ليتأسوا بهم، وقد قال: أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم [آل عمران/ 144] وحجّة من قرأ: قاتل أن المقاتل قد مدح كما مدح المقتول فقال: وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم [آل عمران/ 195]. فمن أسند الضمير الذي في قتل إلى نبي كان قوله: فما وهنوا [آل عمران/ 146] أي: ما وهن الرّبيون، ومن أسند الفعل إلى الربّيين دون ضمير نبي كان معنى: فما وهنوا ما وهن باقيهم بعد من قتل منهم في سبيل الله، فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه. ومن جعل قوله: معه ربيون صفة أضمر للمبتدإ الذي هو كأيّ خبرا، وموضع الكاف الجارّة في كأيّ مع المجرور: رفع، كما أنّ موضع الكاف في قوله: له كذا وكذا: رفع، ولا معنى للتشبيه فيها، كما أنّه لا معنى للتشبيه في كذا وكذا). [الحجة للقراء السبعة: 3/84]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن محيصن والأشهب والأعمش: [وكَأْيٍ] بهمزة بعد الكاف ساكنة، وياء بعدها مكسورة خفيفة، ونون بعدها، في وزن كَعْيٍ.
قال أبو الفتح: فيها أربع لغات: كأَيّ، وكاءٍ، وكأْي -وهي هذه القراءة- وَكَاءٍ في وزن كَعٍ.
ثم اعلم أن أصل ذلك كله {كأَيٍّ} في معنى كم كأكثر القراءة [وكأَيٍّ من قرية]، وهي أَيٌّ دخلت عليها كان الجر، فحدث لها من بعد معنى كم، ولهذه الكاف الجارة حديث طويل في دخولها وفيها معنى التشبيه، وفي دخولها عارية من التشبيه، نحو: كأن زيدًا عمرو، وله كذا وكذا درهمًا، وكأَيٍّ من رجل، ثم إنها لما كثر استعمالها لها تلعبت بها العرب كأشياء يكثر تصرفها فيها لكثرة نقطها بها، فقَدَّمت الياء المشددة على الهمزة فصارت كَيَّأٍ بوزن كَيَّع،
[المحتسب: 1/170]
ثم حذفت الياء المتحركة تشبيهًا لها بسيَّد وميت؛ فصارت [كَيْءٍ] بوزن كَيْعٍ، ثم قلبت الياء ألفًا وإن كانت ساكنة، كما قبلت في ييئس فقيل: ياءس؛ فصارت كاءٍ بوزن كَاعٍ.
وذهب يونس في "كاء" إلى أنه فاعل من الكون، وهذا يبعد؛ لأنه لو كان كذلك لوجب إعرابه؛ إذ لا مانع له من الإعراب.
وأما كأْي بوزن كَعْي، فهو مقلوب كَيْء الذي هو أصل كاء، وجاز قلبه لأمرين:
أحدهما: كثرة التلعب بهذه الكلمة.
والآخر: مراجعة أصل، ألا ترى أن أصل الكلمة كأي؟ فالهمزة إذن قيل الياء. وأما كَأٍ بوزن كَعٍ فمحذوفة من كَاءٍ، وجاز حذف الألف لكثرة الاستعمال، كما قال الراجز:
أصبح قلبي صَرِدا ... لا يشتهي أن يردا
إلا عرادا عردا ... وصلِّيانا بردا
وعَنْكَثًا ملتبِدا
يريد: عاردًا وباردًا. ألا ترى إلى قول أبي النجم:
كأن في الفُرْش العَرَادَ العاردا
وكما قالوا: أَمَ والله لقد كان كذا، يريد أَما، وحَذف الألف.
فإن قلت: فما مثال هذه الكلم من الفعل فإن كَأَيٍّ مثاله كفَعْل؛ وذلك أن الكاف زائدة، ومثال أَيٍّ فَعْل كطَيٍّ وزَيٍّ، مصدر طويت وزويت، وأصل أي أوى؛ لأنها فَعْلٌ من أويت، ووجه التقائها أن "أي" أين وقعت فهي بعض من كل، وهذا هو معنى أَوَيْتُ؛ وذلك أن معنى أويت إلى الشيء تساندت إليه، قال أبو النجم:
يأوي ألى مُلْط له وكَلْكَلِ
أي: يتساند هذا العير إلى ملاطيه وكلكله.
[المحتسب: 1/171]
ونحوه قول طفيل الغنوي:
وآلت إلى أجوازها وتَقَلْقَلت ... قلائد في أعناقها لم تُقَضَّب
فمعنى آلت: أي رجعت، والآوي إلى الشيء: معتصم به وراجع إليه، هذا طريق الاشتقاق.
وأما القياس فكذلك أيضًا؛ وذلك أن باب أويت وطويت وشويت مما عينه واو ولامه ياء أكثر من باب حيِيت وعَيِيت مما عينه ولامه ياءان، ولو نَسبتَ إلى "أَيّ" لقلت: أَوَويّ، كما أنك لو نسبت إلى طيّ ولَيّ لقلت: طَوَوِيّ ولَوَوِيّ، وكذلك لو أضفت إلى الري لكان قياسه رَوَويّ. وأما قولهم: رازِيّ، فشاذ بمنزلة كلابِزِي وإصطخْرِزي.
وأما "كَاءٍ" فوزنه كعف وأصله "كَيَّأٍ"، ومثاله كعلَف، فحذفت الياء الثانية وهي لام الفعل، كما حذفت الثانية من ميت، فبقي كَيْء، ووزنه كَعْف، وقَلْبُ الياء ألفًا لا يخرجها أن تكون كما كانت عينًا، ألا ترى أن وزن قام في الأصل فعل لأنه قوم، ومثال قام في اللفظ فَعْل؟ فالألف عين كما كانت الواو التي الألف بدل منها عينًا، وأيًّا كان مثال "كأي" فإنه كفع؛ لأن الهمزة التي هي فاء عادت إلى مكانها من التقدم.
وأما "كَأٍ" بوزن كَعٍ فإنه كف، والعين واللام محذوفتان.
فإن قيل: لَمَّا حذفت الياء الثانية من "كَيَّأٍ" هلا رددت الواو على مذهبك؛ لأنه قد زالت الياء التي قُلبت لها العين قبلها ياء فقدرته كَوْءٍ.
قيل: لما تُلُعِّب بالكلمة تُنوسى أصلها فصارت الياء كأنها أصل في الحرف، ودعانا إلى اعتماد هذا وإن لم تظهر الياء إلى اللفظ أن الألف أُبدلت منها وهي ساكنة، وقلب الألف من الياء الساكنة أضعاف قلبها من الواو الساكنة، ألا تراهم قالوا: حاحيت وعاعيت وهاهيت، وأصلها: حيحيت وعيعيت وهيهيت، فقلبت الياء ألفًا؟
نعم، وقلبوها مكسورًا ما قبلها ألفًا، فقالوا في الحِيرة: حَارِي، كما قالوا في المفتوح
[المحتسب: 1/172]
ما قبلها: طائي، وقالوا: ضرب عليه سَاية، وهي فَعْلَة من سوَّيت، يُعْنى به الطريق، وأصلها سَوْيَة، فقلبت الواو ياء لوقوعها ساكنة قبل الياء فصارت سَيّة، ثم قلبت الياء ألفًا فقيل: "ساية"، وهو أولى من أن تكون قلبت الواو من سوية ألفًا قبل القلب والإدغام، وإن أعطيت القول ثني مِقوده طال وطغى وأَمَلَّ وتمادى). [المحتسب: 1/173]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة قتادة: [وكَأَي من نبي قُتِّل معه ربيون كثير] مشددة.
قال أبو الفتح: في هذه القراءة دلالة على أن مَن قرأ مِن السبعة [قُتل] أو {قاتل معه ربيون}، فإن {ربيون} مرفوع في قراءته بقُتِل أو قاتل، وليس مرفوعًا بالابتداء ولا بالظرف الذي هو معه، كقولك: مررت برجل يَقْرأُ عليه سلاح، ألا ترى أنه لا يجوز كم نبي قُتِّل بتشديد التاء على فُعِّل؟ فلا بد إذن أن يكون ربيون مرفوعًا بقتِّل، وهذا واضح.
فإن قلت: فهلا جاز فُعِّل حملًا على معنى كم؟
قيل: لو انصُرِف عن اللفظ إلى المعنى لم يحسن العود من بعد إلى اللفظ، وقد قال تعالى كما تراه: "معه"، ولم يقل: معهم، فافهم ذلك). [المحتسب: 1/173]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة علي وابن مسعود وابن عباس وعكرمة والحسن وأبي رجاء وعمرو بن عبيد وعطاء بن السائب: [رُبِّيون] بضم الراء، وقرأ بفتحها ابن عباس فيما رواه قتاده عنه.
قال أبو الفتح: الضم في [رُبِّيون] تميمية، والكسر ايضًا لغة. قال يونس: الرُّبَّة: الجماعة. وكان الحسن يقول: الرِّبِّيون: العلماء الصُّبُر. قال قطرب: والجماعة أيضًا مع يونس؛ أي: فرق وجماعات.
[المحتسب: 1/173]
وكان ابن عباس يقول: الواحدة رِبْوَة، وهي عنده عشرة آلاف، وأنكرها قطرب، قال: لدخول الواو في الكلمة، وهذا لا يلزم؛ لأنه يجوز أن يكون بنَى من الرِّبوة فعِّيلًا كبطيخ، فصار رِبِّيّ، ومثله من عزوت عِزِّي، ثم جمع فقيل: رِبِّيون، وأما رَبيون بفتح الراء، فيكون الواحد منها منسوبًا إلى الرَّب، ويشهد لهذا قول الحسن: إنهم العلماء الصُّبُر، وليس ننكر أيضًا أن يكون أراد رِبيون ورُبيون، ثم غيَّر الأول لياء الإضافة كقولهم في أمس: إمسي). [المحتسب: 1/174]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن: [فَمَا وَهِنُوا] بكسر الهاء.
قال أبو الفتح: فيه لغتان: وهَن يهِن، ووهِن يوهَن، وقولهم في المصدر: الوهَن بفتح الهاء يُؤنِّس بكسر الهاء من "وهِن"، فيكون كفرِق فرَقًا وحذر حذرًا. وحدثنا أبو علي أن أبا زيد حكى فيه كسر الهاء في الماضي، وقولهم فيه: الوَهْن، بسكون الهاء يؤنس بفتح عين الماضي كفَتَر فَتْرُا). [المحتسب: 1/174]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله} 146
قرأ ابن كثير (وكائن من نبي) على وزن كاعن وحجته قول الشّاعر
وكائن بالأباطح من صديق ... يراني لو أصبت هو المصابا
[حجة القراءات: 174]
وقرأ الباقون {وكأين} على وزن كعين وحجتهم قول الشّاعر
كاين في المعاشر من أناس ... أخوهم فوقهم وهم كرام
وهما لغتان جيدتان يقرأ بهما وكان أبو عمرو يقف على (وكأي) على الياء في قول عبيد الله بن محمّد عن أخيه وعمه عن اليزيدي عن أبي عمرو وقال بعض علمائنا كأنّهم ذهبوا إلى أنّها كانت في الأصل أي مشدّدة زيدت عليها كاف والباقون يقفون {وكأين} بالنّون وحجتهم أن النّون أثبتت في المصاحف للتنوين الّذي في أي ونون التّنوين لم يثبت في القرآن إلّا في هذا الحرف
قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو (وكأين من نبي قتل) بضم القاف وكسر التّاء أي وكم من نبي قتل قبل محمّد صلى الله عليه ومعه ربيون كثير وحجتهم أن ذلك أنزل معاتبة لمن أدبر عن القتال يوم أحد إذ صاح الصائح قتل محمّد صلى الله عليه فلمّا تراجعوا كان اعتذارهم أن قالوا سمعنا قتل محمّد فأنزل الله {وما محمّد إلّا رسول قد خلت من قبله الرّسل أفإن مات أو قتل انقلبتم} ثمّ قال بعد ذلك وكأين من نبي قتل معه ربيون كثير أي جموع كثير فما تضعضع الجموع وما وهنوا لكن قاتلوا وصبروا فكذلك أنتم كان يجب عليكم ألا تهنوا لو قتل نبيكم فكيف ولم يقتل
وقرأ الباقون {قاتل معه} وحجتهم قوله {فما وهنوا} قالوا لأنهم لو قتلوا لم يكن لقوله {فما وهنوا} وجه معروف لأنّه يستحيل أن يوصفوا بأنّهم لم يهنوا بعدما قتلوا وكان ابن مسعود يقول {قاتل} ألا ترى
[حجة القراءات: 175]
أنه يقول {فما وهنوا لما أصابهم} وحجّة أخرى أنه قاتل أبلغ في مدح الجميع من معنى قتل لن الله إذا مدح من قتل خاصّة دون من قاتل لم يدخل في المديح غيرهم فمدح من قاتل أعم للجميع من مدح من قتل دون من قاتل لأن الجميع داخلون في الفضل وإن كانوا متفاضلين). [حجة القراءات: 176]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (75- قوله: {وكأين} قرأه ابن كثير بهمزة مكسورة، بين النون والألف، من غير ياء على وزن «وكاعن»، ولابد من المد، وقرأ الباقون بهمزة مفتوحة بعد الكاف، وبياء مشددة مكسورة على وزن «كعين».
76- ووجه قراءة ابن كثير فيه إشكال، وذلك أن الأصل فيه «كأي» بكاف دخلت على «أي»، لكن كثر استعمالها بمعنى «كم» التي للتكثير، فجعلت كلمة واحدة، فوقع فيها من القلب ما يقع في الكلمة الواحدة، فقلبت الياء المشددة المكسورة في موضع الهمزة، وردت الهمزة في موضع الياء، فصارت «كيئن» مثل «كيعِن» فحذفت الياء الثانية استخفافًا، كما حذفت في «كينونة» واصله «كينونة» فصارت بعد الحذف «كيين» على وزن «فيعل» فأبدلت من الياء الساكنة ألف، كما أبدلوا في «آية» وأصلها عند جماعة النحويين «آية» وهو مذهب سيبويه، وكما قالوا: طائي، والأصل «طيي» بياءين مشددتين؛ لأنه يُنسب إلى «طي»، لكن أبدلوا من الياء الأولى الساكنة ألفًا، فوقعت الياء الثانية بعد ألف زائدة، فأبدلوا منها همزة، كما فعلوا بـ «سقاء وكساء» بل الهمزة فيهما، وفي نحوهما، بدل من ياء، لوقوعها بعد ألف زائدة، فصار بعد القلب والبدل «كأين» كـ «فاعل» من الكون، وأصل النون تنوين، دخل على «أي» لكن لما دخله القلب والبدل، وجعل كلمة واحدة بمعنى «كم» صار التنوين كالنون الأصلية، كما قالوا: لدن غدوة، فنصبوا، جعلوا النون كالتنوين، الذي لا يكون مع إثباته الخفض، فالوجه أن يوقف عليه بالنون، لما ذكرنا، ولأنها نون في المصحف، وقد حكي عن الخليل أنه قال في قراءة ابن كثير: إن الأصل كأي، ثم قدّمت إحدى الياءين في موضع
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/357]
الهمزة، فتحركت بالفتح، كما كانت حركة الهمزة فقلبت ألفًا، وصارت الهمزة ساكنة كما كانت الياء ساكنة، فاجتمع ساكنان الألف والهمزة، فكسرت الهمزة لالتقاء الساكنين، وبقيت إحدى الياءين متطرفة، فزالت حركتها، كما تذهب من «قاض» في الرفع والخفض، فتبقى الياء ساكنة، والتنوين ساكن، فتحذف الياء لالتقاء الساكنين، فتصر كـ «فاعل» من: جاء وشاء تقول: جاءٍ وشاءٍ في الرفع والخفض كـ« قاض وعال»، ويجب على هذا القول أن يوقف عليه بغير نون، وقد روي ذلك عن أبي عمرو، والعمل على الوقف عليه بالنون، في جميع القراءات، اتباعًا لخط المصحف، وقد قيل: قراءة ابن كثير محمولة على أنه فاعل من «الكون»، وهو بعيد في المعنى؛ لأنه لا يدل على «كم» وأيضًا فإن بعده «من» لازمة له، و«من» لا تصحب «كأن» ولا تلزمها وأيضًا فإنه، لو كان فاعلًا من الكون، لأعرب، ولم يبين على السكون.
77- ووجه القراءة بتشديد الياء، وتقديم الهمزة، أنها «أي» دخلت عليها كاف التشبيه، وكثر استعمالها بمعنى «كم» فجعلت كلمة واحدة، وجعل التنوين نونًا أصلية، فوقف عليها بالنون، وقد كان قياسًا أن يوقف بغير نون، كما يوقف على «أي» حيث وقعت، و«كأين» في القراءتين في موضع رفع بالابتداء، و«قتل معه ربيون» الخبر إلا أن تجعل «قتل معه ربيون» صفة لـ «نبي»، فتضمر خبرًا لـ «كأين» وتقديره: وكأين من نبي هذه صفته في الدنيا أو مضى، ونحو ذلك من الإضمار، وليس للتشبيه في الآية لـ «كأين» معنى؛ لأن الكاف قد جعلت مع أي كلمة واحدة، ونقلت عن معنى التشبيه إلى معنى «كم» التي للتكثير ولزمتها «من»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/358]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (78- قوله: {قاتل معه} قرأه الكوفيون وابن عامر بألف، من القتال، وقرأه الباقون «قتل»، من القتل.
79- ووجه القراءة بالألف أنه يحتمل وجهين: أحدهما أن يكون قد أسند الفعل الذي هو القتال إلى النبي عليه السلام، ويكون {معه ربيون} ابتداء وخبرا، وترفع {ربيون} بالظرف، والجملة صفة لـ {نبي} في الموضعين، ويجوز أن تكون الجملة في موضع الحال من المضمر في {قاتل} والهاء في {معه} تعود على ذلك المضمر، وإذا جعلته صفة لـ {نبي} كانت تعود على {نبي}، ودل المعنى على أن «الربيين» قاتلوا أيضًا مع قتال النبي، وحسن ذلك لما روي عن الحسن وغيره أنه قاتل: ما قتل نبي قط في قتال، وكان إضافة القتال إليه أولى من إضافة القتل إليه.
80- والوجه الثاني أن يكون قد أسند الفعل إلى «الربيين» دون النبي، فأخبر عنهم بالقتال دون النبي، فيكون {قاتل معه ربيون} صفة لـ {نبي} و{ربيون} مرفوعون بفعلهم.
81- ووجه القراءة بغير ألف أنه يحتمل أيضًا وجهين: أحدهما أن يكون فعلا، وما بعده صفة للنبي، والفعل مسند إلى النبي بدلالة قوله: {أفإن مات أو قتل} «144» فأخبر أن النبي قد يقتل، وقد قال تعالى: {ويقتلون النبيين} «البقرة 61»، وقال: {فلم تقتلون أنبياء الله} «البقرة 91» وهذا من قتل النبي في غير قتال، فحمل ذلك على هذا المعنى، أنه قتل في غير قتال، وسياق الكلام في قوله: {فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله}، وقوله: {وثبت أقدامنا} «147» يدل على أن القتل والقتال كان في الحرب في سبيل الله.
82- والوجه الثاني أن {قتل} وما بعده صفة أيضًا للنبي، والفعل مسند إلى «ربيين» فهم في هذا الوجه مرفوعون بـ {قتل}، على المفعول،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/359]
الذي لم يسم فاعله، وعلى الوجه الأول مرفوعون بالابتداء و{معه} الخبر، أو مرفوعون بالظرف، والجملة في الوجهين صفة لـ {نبي}، وهذا الوجه يقويه قول الحسن المذكور عنه، ويجوز على الوجه الأول، أن يكون {معه ربيون} في موضع الحال من المضمر في {قتل} فتكون الهاء في {معه} تعود على الضمير في {قتل}، ويعود إذا كان {معه ربيون} صفة لـ {نبي} على {نبي} ). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/360]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (35- {وَكَائِنْ} [آية/ 146]:-
بالمد وكسر الهمزة، قرأها ابن كثير وحده.
[الموضح: 384]
ووجهها أن أصل الكلمة أي دخلت الكاف عليها، فصارت بمعنى كم، والنون التي فيها هي التنوين التي كانت في أي، وصارت الكاف مع أيٍّ كالكلمة الواحدة لكثرة استعمالها عندهم، فقلبت قلب الكلمة الواحدة، كما قالوا: رعملي في لعمري، صارت بعد القلب كياءن، فحذفت الياء الثانية كما حذفت في كينونة والأصل: كينونة، فصارت كياءن، ثم أبدلت من الياء الألف، كما أبدلت من طيي، فصاءت كائن بوزن كاعن.
وقرأ الباقون {وَكَأَيِّنْ} مشددة الياء بوزن كعين، وهو الأصل.
واختلفوا في الوقف على هذه الكلمة:
فأبو عمرو ويعقوب يقفان على الياء من غير نون، في وزن كعي، وهذا هو الحكم في أي إذا وقفت عليها.
والباقون يقفون على النون؛ لأن التنوين صار في هذه الكلمة كالنون التي هي من أصل الكلمة، ولا سيما إذا قلبت فصارت: كائن على ما بيناه، إذ تصير النون فيه بمنزلة لام فاعل فيقر نونًا في الوقف بمنزلة ما هو من نفس الكلمة). [الموضح: 385]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (36- {قُتِلَ مَعَهُ} [آية/ 146]:-
بضم القاف من غير ألف، قرأها ابن كثير ونافع وأبو عمرو ويعقوب.
[الموضح: 385]
والمعنى إن أمم الأنبياء قبلهم قد أتى عليهم القتل، فما وهن باقيهم في سبيل الله بعد من قتلوا منهم. ويجوز أن يكون إسناد القتل إلى ضمير النبي، والتقدير: وكأين من نبي قتل هو ومعه ربيون فما وهنوا بعد قتل النبي، ويؤيد ذلك قوله {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ}.
وقرأ الباقون {قَاتَلَ} بالألف.
وذلك لأن المقاتلين قد مدحوا كما مدح المقتولون، نحو قوله تعالى {وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ} ). [الموضح: 386]
قوله تعالى: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147)}
قوله تعالى: {فَآَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108593#post108593)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 03:09 PM
سورة آل عمران
[من الآية (149) إلى الآية (152) ]
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149) بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150) سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151) وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152)}
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (149)}
قوله تعالى: {بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ (150)}
قوله تعالى: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ (151)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (في قلوب الّذين كفروا الرّعب... (151)
قرأ ابن عامر والكسائي والحضرمي: (الرّعب) مثقلاً حيث كان، وخفف الباقون.
وهما لغتان). [معاني القراءات وعللها: 1/276]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (54- قوله تعالى: {سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب} [151].
قرأ ابن عامر والكسائي، (الرُّعُبَ) بضمتين على أصل الكلمة.
وقال آخرون: بل الإسكان الأصلُ على قراءة الباقين، وهو أخفُّ، إذ كانت العَرَبُ قد تخفف مثل ذلك، ومن ثَقَّلَ أتبع الضمَّ الضمَّ؛ ليكون أقرب إلى الفخامة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/120]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تخفيف قوله: [جلّ وعز]: الرعب
[الحجة للقراء السبعة: 3/84]
وتثقيله [آل عمران/ 151] فقرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وحمزة: الرعب ساكنة العين خفيفة. وقرأ ابن عامر والكسائي: الرعب* مضمومة العين مثقلة حيث وقعت.
قال أبو علي: الإلقاء في قوله تعالى: سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب [آل عمران/ 151] أصله في الأعيان، واستعمل في غيرها على طريق الاتّساع. يدل على ذلك قوله: وألقى الألواح [الأعراف/ 150] وفألقوا حبالهم وعصيهم [الشعراء/ 44] وإذ يلقون أقلامهم [آل عمران/ 44].
وقال سيبويه: «ألقيت متاعك بعضه على بعض»، وليس الرعب بعين، وكذلك قوله تعالى: وألقيت عليك محبة مني [طه/ 39] ومثل الإلقاء في ذلك الرمي، قال: رمى فأخطأ أي:
السهم. وقال:
كشهاب القذف يرميكم به
[الحجة للقراء السبعة: 3/85]
فأضاف الشهاب إلى القذف لمّا كان من رمي الرامي به، كما قال:
يسدد أبينوها الأصاغر خلّتي وإذا مات لم تكن له خلّة، ولكن أضافها إلى نفسه، لما كان منه من سدّه لها، وهذا النحو من الإضافة على هذا الوجه كثير.
وقال تعالى: والذين يرمون أزواجهم [النور/ 6] أي: بالزنا، فهذا اتساع لأنّ هذا ليس بعين، وكذلك قوله.
[الحجة للقراء السبعة: 3/86]
رماني بأمر كنت منه ووالدي... بريئا....
وقال:
قذفوا سيّدهم في ورطة... قذفك المقلة وسط المعترك
فالأوّل: على الاتساع، والثاني: على الأصل، ألا ترى أن المقلة تلقى للتصافن، كما يلقى غيرها؟ فهذا بمنزلة: ألقيت الحجر ونحوه. ومما جاء قريبا من الرمي والقذف والإلقاء، الرجم، ورجم ماعز، ومن الاتساع فيه قوله:
[الحجة للقراء السبعة: 3/87]
هما نفثا في فيّ من فمويهما... على النابح العاوي أشدّ رجام
فالرجام المراجمة بالسّباب، فهذا نحو: رماه بالزّنا، وقذفه به، وألقى عليه مسألة، ونفثا السّباب: اتساع أيضا، لأنّه ليس بعين. فأمّا مثل الرّعب والرعب، والطنب والطنب، والعنق والعنق، فقد تقدّم ذكره). [الحجة للقراء السبعة: 3/88]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({سنلقي في قلوب الّذين كفروا الرعب}
قرأ ابن عامر والكسائيّ {الرعب} بضم العين وقرأ الباقون بإسكان العين وهما لغتان أجودهما السّكون). [حجة القراءات: 176]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (83- قوله: {الرعب} قرأه ابن عامر والكسائي بضم العين، حيث وقع، وأسكن الباقون، وهما لغتان فاشيتان كـ «السُحْت والسُحُت»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/360]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (37- {الرُعُبَ} [آية/ 151]:-
بضم العين في كل القرآن، قرأها ابن عامر والكسائي ويعقوب.
وقرأ الباقون {الرُعْبَ} بسكون العين في كل القرآن.
وهما لغتان كالعُنْق والعُنْق والشغل والشُغُلِ والشُغْلِ، والأصل: هو التحريك، والإسكان تخفيف منه). [الموضح: 386]
قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ (152)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108594#post108594)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 03:12 PM
سورة آل عمران
[من الآية (153) إلى الآية (155) ]
{إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153) ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154) إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155)}
قوله تعالى: {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (153)}
قوله تعالى: {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لَا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (154)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (تغشى طائفةً منكم... (154)
قرأ حمزة والكسائي: (تغشى طائفةً) بالتاء، وقرأ الباقون بالياء.
قال أبو منصور: من قرأ بالتاء فللأمنة، ومن قرأ بالياء فللنعاس، وكل ذلك جائز). [معاني القراءات وعللها: 1/276]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (قل إنّ الأمر كلّه للّه... (154).
قرأ أبو عمرو ويعقوب: (قل إنّ الأمر كلّه للّه) بالرفع.
وقرأ الباقون بالنصب.
[معاني القراءات وعللها: 1/276]
قال أبو منصور: من نصب (كلّه) فعلى التأكيد (للأمر)، ومن رفع فعلى الابتداء، و(للّه) الخبر، المعنى: الأمر كلّه للّه، أي: النصر وما يلقى في القلوب من الرعب (للّه)، أي: كل ذلك (للّه) ). [معاني القراءات وعللها: 1/277]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (55- وقوله تعالى: {يغشى طائفة منكم} [154].
قرأ حمزة والكسائي بالتاء.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/120]
وقرأ الباقون بالياء، فمن ذكره رده على النعاس، ومن أنثه رده على الأمنة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/121]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (56- وقوله تعالى: {قل إن الأمر كله لله} [154].
قرأ أبو عمرو وحده {كله لله} [الرفع].
وقرأ الباقون بنصب اللام فمن نصب اللام جعله تأكيدًا للأمر و{لله} خبر «إن».
ومن ضم اللام رفعه بالابتداء و{لله} الخبر، والجملة خبر «إن»). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/121]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله تعالى: يغشى طائفة منكم [آل عمران/ 154] فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر يغشى طائفة منكم بالياء. وقرأ حمزة والكسائي تغشى بالتاء.
[قال أبو علي]: حجّة من قرأ بالياء: قوله تعالى: إذ يغشاكم النعاس [الأنفال/ 11] فالنّعاس هو الغاشي، وكذلك قراءة من قرأ: إذ يغشيكم النعاس لأنّه إنّما جعل الفاعل بتضعيف العين مفعولا. ومن حجّتهم: أنّ يغشى أقرب إلى النعاس،
[الحجة للقراء السبعة: 3/88]
فإسناد الفعل إليه أولى. ومنها أنّه يقال: غشيني النعاس، وغلب عليّ النعاس، ولا يسهل: غشيني الأمنة، ومن قرأ بالتاء حمله على الأمنة.
فأمّا قوله: إن شجرة الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي [الدخان/ 45] فحمل الكلام على الشجرة لقوله تعالى:
فإنهم لآكلون منها فمالؤن منها البطون [الصافات/ 66] وقال:
لآكلون من شجر من زقوم [الواقعة/ 52] فنسب الأكل إلى الشجر.
ومن حجّة من قرأ بالتاء: أنّ النعاس، وإن كان بدلا من الأمنة، فليس المبدل منه في طريق ما يسقط من الكلام، يدلّك على ذلك قولهم: الذي مررت به زيد أبو عبد الله.
وقال:
وكأنّه لهق السّراة كأنّه... ما حاجبيه معيّن بسواد
فجعل الخبر عن الذي أبدل منه). [الحجة للقراء السبعة: 3/89]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في رفع اللام ونصبها من قوله: [جلّ وعز]: قل إن الأمر كله لله [آل عمران/ 154].
فقرأ أبو عمرو وحده: قل إن الأمر كله لله رفعا. وقرأ الباقون كله نصبا.
قال أبو علي: حجّة من نصب: أنّ كله بمنزلة أجمعين وجمع في أنّه للإحاطة والعموم، فكما أنّه لو قال:
[إنّ الأمر] أجمع، لم يكن إلّا نصبا، كذلك إذا قال: كله لأنّه بمنزلة أجمعين، وليس الوجه أن يلي العوامل، كما لا يليها أجمعون. وحجّة أبي عمرو في رفعه كله* وابتدائه به أنّه وإن كان في أكثر الأمر بمنزلة أجمعين لعمومها، فإنّه قد [ابتدئ بها كما] ابتدئ بسائر الأسماء في نحو قوله: وكلهم آتيه يوم القيامة فردا [مريم/ 95] فابتدأ به في الآية.
ولم يجره على ما قبله، لأنّ قبله كلاما قد بني عليه فأشبه [بذلك ما يكون] جاريا على ما قبله، وإن خالفه في الإعراب، ألا ترى أنّ اسم الفاعل يعمل عمل الفعل إذا جرى صفة لموصوف أو حالا لذي حال أو خبرا لمبتدإ، ولا يحسن إعماله عمل الفعل، إلّا في هذه المواضع؟ وقد قالوا: أقائم أخواك وأ ذاهب إخوتك،
[الحجة للقراء السبعة: 3/90]
وما ذاهب إخوتك، فأعملوا اسم الفاعل لمّا تقدّمه كلام أسند إليه، وإن لم يكن أحد تلك الأشياء التي تقدّم ذكرها، فكذلك حسن ابتداء كلّهم في الآية لمّا كان قبله كلام، فأشبه بذلك [اتباعه، ما كان] جاريا عليه كما أشبه اسم الفاعل في إجرائه على ما ذكرنا، ما يجري صفة على موصوف أو حالا أو خبر مبتدأ، نحو: مررت برجل قائم أبواه، وهذا زيد قائما غلامه وزيد منطلق أبواه، فكذلك. حسن الابتداء بكلّهم، وقطعه مما قبله لما ذكرت من المشابهة.
ومن ثمّ أجاز سيبويه: أين تظن زيد ذاهب، فألغى الظنّ، وإن كان أين غير مستقرّ، كما جاز إلغاؤه إذا كان أين مستقرّا لأنّ قبله كلاما، فجعله، وإن لم يكن مستقرا، بمنزلة المستقر كما جعلوا همزة الاستفهام، وحرف النفي في: أقائم أخواك، بمنزلة الموصوف نحو: مررت برجل قائم أخواه). [الحجة للقراء السبعة: 3/91]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن محيصن، ورُويت عن يحيى وإبراهيم: [أَمْنَةً نُعَاسًا] بسكون الميم.
قال أبو الفتح: روينا عن قطرب أنه قال: الأَمْنة: الأمن، والأَمَنَة بفتح الميم: أشبه بمعاقبة الأمن، ونظير ذلك قولهم: الحبَطَ والحبَجَ والرَّمَث، كل ذلك في أدواء الإبل. فلما أسكنوا العين جاءوا بالهاء فقالوا: مَغِل مَغْلَة وحَقِل حقلة، وقد أفردنا بابًا في كتاب الخصائص لنحو هذا، وهو باب في ترافع الأحكام). [المحتسب: 1/174]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ثمّ أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم} {قل إن الأمر كله لله} 153
قرأ حمزة والكسائيّ تغشى بالتّاء والإمالة ردا على ال أمنة وحجتهما قوله {وطائفة قد أهمتهم أنفسهم} فذكر من غشيته الأمنة ثمّ أتبعه من لم يأمن وأهمته نفسه من الخوف فكان تقدير الكلام أن بعضهم قد غشيته الأمنة وبعضهم خائف لم تغشه
وقرأ الباقون يغشى بالباء إخبارًا عن النعاس وحجتهم أن العرب تقول غشيني النعاس ولا تكاد تقول غشيني الأمن لأن النعاس يظهر والأمن شيء يقع في القلب وحجّة أخرى أنهم أسندوا الفعل إلى النعاس بإجماع الجميع في قراءة من يقرأ (يغشاكم النعاس) وفي قراءة من يقرأ {إذ يغشيكم النعاس} مشددا ومخففا
[حجة القراءات: 176]
فدلّ ذلك على أن الّذي غشيهم هو النعاس لا الأمنة لأن الآيتين نزلتا في طائفة واحدة
قرأ أبو عمرو {قل إن الأمر كله لله} برفع اللّام وقرأ الباقون بالنّصب
فمن نصب فعلى توكيد الأمر ومن رفع فعلى الابتداء و{لله} الخبر ونظير ذلك قوله {ويوم القيامة ترى الّذين كذبوا على الله وجوههم مسودة} عدل بالوجوه عن أن يعمل فيها الفعل ورفعت {مسودة} وكذلك عدل ب كل عن إتباع {الأمر} ورفع بالابتداء). [حجة القراءات: 177]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (84- قوله: {يغشى طائفة} قرأه حمزة والكسائي بالتاء والإمالة، رداه على تأنيث «الأمنة» لأن من أجلها تغشوا، فهي المقصودة بالغشيان لهم، لأن الناعس لا يغشاه النعاس إلا ومعه أمنة، وقد تحدث الأمنة ولا نعاس معها، فالأمنة أولى بإضافة الفعل إليها، وقد قدّمنا علة الإمالة، وقرأ الباقون بالياء والفتح، حملوه على تذكير النعاس، لأنه هو الذي غشيهم، ودليله قوله: {إذ يغشيكم النعاس} «الأنفال 11» فأضاف الفعل إلى النعاس، وكان النعاس أولى بذلك، لأنه أقرب إلى الفعل، وأيضًا فإن المستعمل في الكلام أن يقال: غشيني النعاس إذا نعس، ولا يقال غشيتني الأمنة، وأيضًا فإن النعاس بدل من الأمنة، فكأن الأمنة محذوفة من الكلام، لقيام المبدل منها مقامها، وهو الاختيار، لما ذكرنا من العلة، ولأن الجماعة على الياء). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/360]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (85- قوله: {قل إن الأمر كله لله} قرأ أبو عمرو {كله} بالرفع على الابتداء، و{لله} الخبر، والجملة خبر {إن} وحسن أن يكون {كل} ابتداء، وهي مما يؤكد بها؛ لأنها أدخل في الأسماء منها في التأكيد، إذ تقع فاعلة ومفعولة ومجرورة، كسائر الأسماء، ولا يكون شيء من ذلك في «أجمعين»، تقول: كلهم أتاني، ورأيت كل القوم، ومررت بكل أصحابك، ولا يجوز ذلك في «أجمعين»، فحسن أن تقع مبتدأة، وقرأ الباقون بالنصب على التأكيد للأمر، ويجوز عند الأخفش أن يكون {كله} بدلًا من الأمر، و«الله» الخبر في الوجهين، والنصب الاختيار، للإجماع عليه، ولصحة وجهه، ولأن التأكيد أصل «كل» لأنها للإحاطة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/361]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (38- {تَغْشَى طائِفَةً} [آية/ 154]:-
بالتاء فوقها نقطتان، قرأها حمزة والكسائي.
والوجه أن اللفظ محمول على الأمنة، أي تغشى الأمنة طائفة، والأمنة وإن أبدل منها النعاس فليست هي في حكم ما يسقط من الكلام، ولو كان كذلك لم يجز قولهم: الذي مررت به زيدٍ أبو عبد الله، إذ لو جعلت به في حكم الساقط لم يكن على الذي عائد.
وقرأ الباقون {يَغْشَى} بالياء؛ لأن الفعل للنعاس؛ لأنه أقرب إلى الفعل، فإسناد الفعل إليه أولى). [الموضح: 387]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (39- {قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ} [آية/ 154].
بالرفع، قرأها أبو عمرو ويعقوب؛ لأنهما جعلاه مبتدأ و{للهِ} خبره، ولم يجعلاه تأكيدًا للأمر؛ لأن كلاًّ يليه العوامل، فهو كسائر الأسماء، ألا ترى إلى قوله تعالى {وَكُلُّهُمْ آَتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا}.
[الموضح: 387]
وقرأ الباقون {كُلَّه} بالنصب؛ وذلك لأن {كُلَّه} بمنزلة أجمعين في أنه للإحاطة والعموم، فكما إن الأمر أجمع نصب لا محالة، فكذلك إن الأمر كله). [الموضح: 388]
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (155)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108595#post108595)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 03:14 PM
سورة آل عمران
[من الآية (156) إلى الآية (158) ]
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158)}
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (واللّه بما تعملون بصيرٌ (156)
قرأ ابن كثيرٍ وحمزة والكسائي: (واللّه بما يعملون) بالياء، وقرأ الباقون بالتاء، وروى عن أبي عمرو الياء أيضًا.
قال أبو منصور: التاء للمخاطبة، والياء إخبار عن الغيب). [معاني القراءات وعللها: 1/277]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (58- وقوله تعالى: {والله بما تعملون بصير} [156].
قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي بالياء.
وقرأ الباقون بالتاء، وقد مرت الحجة للياء والتاء في نظيرها). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/122]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في التاء والياء من قوله: [جلّ اسمه] يحيى ويميت والله بما تعملون بصير [آل عمران/ 156] فقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي يعملون بالياء.
وقرأ الباقون بالتاء. وروى هارون الأعور وعلي بن نصر عن أبي عمرو بالياء.
[الحجة للقراء السبعة: 3/91]
[قال أبو علي]: حجّة من قرأ بالتاء قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا [آل عمران/ 156] وحجّة الياء: أنّ قبلها أيضا غيبة وهو قوله: وقالوا لإخوانهم [آل عمران/ 147] وما بعده، فحمل الكلام على الغيبة). [الحجة للقراء السبعة: 3/92]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في ضمّ الميم وكسرها [من قوله جلّ وعزّ]: مت ومتنا ومتم، في كلّ القرآن. فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر، وابن عامر: مت، ومتم ومتنا برفع الميم في كلّ القرآن. وروى حفص عن عاصم ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم [آل عمران/ 157] ولئن متم أو قتلتم [آل عمران/ 158] برفع الميم في هذين الحرفين، ولم يكن يرفع الميم في غير هذين الحرفين في جميع القرآن.
[حدّثنا ابن مجاهد قال]: حدثنا وهيب المروذيّ قال:
حدّثنا الحسن بن المبارك، قال: حدّثنا أبو حفص قال: حدّثنا سهل أبو عمرو قال: قال عاصم: ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم [آل عمران/ 157] بضمّ الميم من الموت، وباقي القرآن متّم بكسر الميم، أي: بليتم. ومتنا ومتّ.
[الحجة للقراء السبعة: 3/92]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (وقرأ نافع وحمزة والكسائي: متم*، ومت*، ومتنا* في كلّ القرآن بالكسر.
قال أبو علي: الأشهر الأقيس: متّ تموت، مثل: قلت تقول وطفت تطوف، وكذلك هذا يستمرّ على ضمّ الفاء منه، والكسر شاذ في القياس، وإن لم يكن في الاستعمال كشذوذ.
... اليجدّع ونحوه مما شذّ عن الاستعمال والقياس، ونظيره: فضل يفضل في الصحيح، وأنشدوا:
ذكرت ابن عباس بباب ابن عامر... وما مرّ من عمري ذكرت وما فضل
وقد أنشد بعضهم:
عيشي ولا يومي بأن تماتي ولا أظنّه ثبتا، وكذلك شعر آخر فيه «تدام» وهو عندي مثل
[الحجة للقراء السبعة: 3/93]
الأول، ولا أعلم فصلا بين الموت إذا تبعه البلى، وبينه إذا لم يتبعه البلى.
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن والزهري: [أَوْ كَانُوا غُزًا] خفيفة الزاي.
قال أبو الفتح: وجهه عندي أن يكون أراد غزاة، فحذف الهاء إخلادًا إلى قراءة من قرأ: [غُزَّى] بالتشديد، ولا يُستنكر هذا؛ فإن الحرف إذا كان فيه لغتان متقاربتان فكثيرًا ما تتجاذب هذه طرفًا من حكم هذه.
قرأت على أبي بكر محمد بن الحسن عن أحمد بن يحيى لبلال بن جرير:
إذا خفتهم أو سآيلتهم ... وجدتَ بهم علة حاضره
وذلك أنه يقال: سألته عن حاله وسايلته على البدل، فلما ألف استماعهما تجاذبتا لفظه فجمع بينهما فيه لتداخلهما وتزاحم حروفهما، وقد حُذفت تاء التأنيث في أماكن قد ذكرناها: ناحٍ في ناحية، ومألُك في مألُكة. وأنشد ابن الأعرابي للعتابي يمدح الكسائي:
أبَى الذمَّ أخلاق الكسائي وانتحى ... به المجد أخلاق الأُبُو السوابق
يريد: الأبوة جمع أب، كالعمومة جمع عم، والْخُئولة جمع خال، وهذا عندي أمثل من أن يكون خرَّج [أُبُوًّا] على أصله من الصحة، وأن يكون من باب نَحْو ونُحوّ، وبَهْو وبُهُو للصدر، ونجو ونجو للسحاب، وعلى أنه قد يمكن أن تكون الهاء مرادة في جميع ذلك، وقد قالوا أيضًا: ابن وبُنُوّ، والقول فيهما سواء.
ووجه آخر؛ وهو أن يكون مخففًا من {غُزًّى}، ونظيره قراءة علي عليه السلام: [وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا كِذَابًا]، وبابه {كذَّابًا} كقراءة الجماعة. وقد يجوز أن يكون [كِذَابًا] مصدر كذَب الخفيفة، جرى على الثقيلة لدلالة الفعل على صاحبه، والقول الأول أقوى). [المحتسب: 1/175]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم والله يحيي ويميت والله بما تعملون بصير} 156
قرأ ابن كثير وحمزة والكسائيّ (والله بما يعملون بصير) بالياء وحجتهم أن الكلام أتى عقيب الإخبار عن الّذين قالوا لو كان إخواننا عندنا ما ماتوا وما قتلوا فأخبر الله المؤمنين أنه جعل ذلك القول حسرة منهم في قلوبهم إذ قالوه ثمّ أتبع ذلك أنه بما يعملون من الأعمال بصير
وقرأ الباقون {بما تعملون} بالتّاء وحجتهم أن الكلام في أول الآية وبعد الآية جرى بلفظ مخاطبة المؤمنين فقال {يا أيها الّذين آمنوا لا تكونوا كالّذين كفروا} إلى قوله تعالى {والله بما تعملون بصير} ثمّ قال بعد هذه {ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم} وحجّة
[حجة القراءات: 177]
الياء قوله {ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم} ). [حجة القراءات: 178]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (86- قوله: {بما تعملون بصير} قرأه ابن كثير وحمزة والكسائي بالياء، ردوه على لفظ الغيبة الذي قبله، في قوله: {يا أيها الذين آمنوا لا تكونوا كالذين كفروا} وقوله: {وقالوا لإخوانهم}، وقوله: {حسرة في قلوبهم}، وقرأ الباقون بالتاء، ردّوه على الخطاب الذي قبله، في قوله: {لا تكونوا كالذين كفروا}، فالضمير في {تعملون} للمؤمنين، وهو في القراءة بالياء للكفار، والقراءتان متعادلتان والتاء أحب إليّ لأن الأكثر عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/361]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (40- {وَاللهُ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [آية/ 156]:-
بالياء، قرأها ابن كثير وحمزة والكسائي.
وذلك لأن ما قبله على الغيبة، وهو {وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ}.
وقرأ الباقون {تَعْمَلُونَ} بالتاء على الخطاب، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا} ). [الموضح: 388]
قوله تعالى: {وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (متّم... (157) و(متنا).
[معاني القراءات وعللها: 1/277]
قرأ نافع وحمزة والكسائي: (متّم) و: (متنا) و: (متّ) بكسر الميم في كل القرآن وكذلك قرأ حفص إلا في قوله ها هنا: (أو متّم) و(لئن متّم) فإنه ضم الميم فيها.
وكسر في سائر القرآن.
وقرأ الباقون بضم الميم في جميع القرآن.
قال أبو منصور: القراءة العالية واللغة الفصيحة (مت) و(متنا)
ومن العرب من يقول: مات يمات.
ومثله: دمت أدوم، ودمت أدام.
والقراءة بكسر الميم من (متّ) فاشية، وإن كان الضم أفشى). [معاني القراءات وعللها: 1/278]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (خيرٌ ممّا يجمعون (157)
قرأ حفص عن عاصم: (ممّا يجمعون) وقرأ الباقون بالتاء.
[معاني القراءات وعللها: 1/278]
وعرفت مما قد مرّ الجواب عن ذلك من الخطاب والغيبة). [معاني القراءات وعللها: 1/279]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (57- وقوله تعالى: {ورحمة خير مما يجمعون} [157].
قرأ حفصٌ بالياء.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/121]
والباقون بالتاء] ). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/122]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: وكلّهم قرأ: خير مما تجمعون بالتاء [آل عمران/ 157] إلّا عاصما في رواية حفص، فإنّه قرأ بالياء، ولم يروها عن عاصم غيره بالياء.
[قال أبو علي]: والمعنى: خير مما تجمعون. أيها المقتولون في سبيل الله، أو المائتون مما تجمعون من أعراض الدنيا التي تتركون القتال في سبيله للاشتغال بها وبجمعها عنه.
ومعنى الياء أنه: لمغفرة من الله خير مما يجمعه غيركم، مما تركوا القتال لجمعه. والأول أظهر وأشكل بالكلام). [الحجة للقراء السبعة: 3/94]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم}
قرأ نافع وحمزة والكسائيّ {أو متم} بكسر الميم في جميع القرآن وقرأ حفص ها هنا بالضّمّ وفي سائر القرآن بالكسر
وقرأ الباقون {متم} و{متنا} جميع ذلك بالضّمّ وحجتهم أنّها من مات يموت فعل يفعل مثل دام يدوم وقال يقول وكان يكون ولا يقال كنت ولا قلت وحجّة أخرى وهو قوله {وفيها تموتون} {ويوم أموت} ولو كانت على اللّغة الأخرى لكانت تماتون ويوم أمات لأن من مت تمات يجيء فعل يفعل ومن فعل يفعل يجيء قال يقول وقد ذكرنا
وأصل الكلمة عند أهل البصرة موت على وزن فعل مثل قول ثمّ ضمّوا الواو فصارت موت وإنّما ضمّوا الواو لأنهم أرادوا أن ينقلوا الحركة الّتي كانت على الواو إلى الميم وهي الفتحة ولو نقلوها إلى الميم لم تكن هناك علامة تدل على الحركة المنقولة إلى الميم لأن الميم كانت مفتوحة في الأصل ويقع اللّبس بين الحركة الأصليّة وبين المنقولة وأيضًا لم تكن هناك علامة تدل على الواو المحذوفة فضموا الواو لهذه العلّة ثمّ نقلوا ضمة الواو إلى الميم فصار موت واتصل بها اسم المتكلّم فسكنت التّاء فاجتمع ساكنان الواو والتّاء فحذفت الواو وأدغمت التّاء في التّاء فصارت متم وكذلك الكلام في قلت
[حجة القراءات: 178]
وأما من قرأ {متم} بالكسر له حجتان إحداهما ذكرها الخليل قال يقال مت تموت ودمت تدوم فعل يفعل مثل فضل يفضل قال الشّاعر
وما مر من عيشي ذكرت وما فضل
وكان الأصل عنده موت على فعل ثمّ استثقل الكسرة على الواو فنقلت إلى الميم فصارت موت ثمّ حذفت الواو لما اتّصلت بها تاء المتلكم لاجتماع الساكنين فصارت مت فهذا في المعتل وفضل يفضل في الصّحيح والثّانية قال الفراء مت مأخوذة من يمات على فعل يفعل مثل سمع يسمع وكان الأصل يموت ثمّ نقلوا فتحة الواو إلى الميم وقلبوا الواو ألفا لانفتاح ما قبلها فصارت يمات إلّا أنه لم يجئ يمات في المستقبل والعرب والعرب قد تستعمل الكلمة بلفظ ما ولا تقيس ما تصرف منها على ذلك القياس من ذلك قولهم رأيت همزته في الماضي ثمّ أجمعوا على ترك الهمزة في المستقبل فقالوا ترى ونرى بغير همز فخالفوا بين لفظ الماضي والمستقبل فكذلك خالفوا بين لفظ مت وتموت ولم يقولوا تمات). [حجة القراءات: 179]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (90- قوله: {مما يجمعون} قرأه حفص بالياء، على أنه حمله على لفظ الغيبة، على معنى: لمغفرة من الله لكم ورحمة خير مما يجمع غيركم، ممن ترك القتال في سبيل الله لجمع الدنيا، ولم يقاتل معكم، وقرأ الباقون بالتاء، ردوه على الخطاب الذي قبله، في قوله: {ولئن قتلتم في سبيل الله أو متم} على معنى: لمغفرة من الله ورحمة خير مما تجمعون من أعراض الدنيا لو بقيتم، والتاء الاختيار؛ لأن الجماعة على ذلك، ولانتظام آخر الكلام بأوله). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/362]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (41- {أَوْ مِتُّمْ} [آية/ 157]:-
بكسر الميم، قرأها نافع وحمزة والكسائي.
وهذه لغة شاذة، أعني مت تموت، ونظيره: فضل يفضل بكسر العين في الماضي وضمها في المستقبل.
وقرأ الباقون {مُتُّمْ} بضم الميم.
[الموضح: 388]
وهي اللغة المشهورة المنقاسة، أعني مت بالضم تموت، نحو قلت تقول، وطفت تطوف). [الموضح: 389]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (42- {خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ} [آية/ 157]:-
بالياء على الغيبة، رواها –ص- عن عاصم.
والمعنى المغفرة من الله خير مما يجمعه غيركم ممن تركوا القتال.
وقرأ الباقون و–ياش- عن عاصم {تَجْمَعُونَ} بالتاء على الخطاب.
والمعنى خير مما تجمعون أيها المخاطبون، وهذا أشد مشاكلة للكلام الذي قبله؛ لأن ما قبله على الخطاب). [الموضح: 389]
قوله تعالى: {وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (56- وقوله تعالى: {ولئن متم أو قتلتم} [158].
قرأ نافع بالضم. فمن ضم فحجته «يموت» وذلك أن يفعل مثل قال يقول، فتقول: مت كما تقول: قُلت. ومن كسر فحجته أن بعضَ العربِ تقول في مُضارعه: مات يمات، وحَكَى ذلك الفَرَّاء، رحمةُ الله عليه وغيره، فيكون على هذا وزنه، فعل يَفْعَلُ مثل خاف يخاف ونام ينام، والأصل خُوِفَ ونَوِمَ، فقلبوا الواو ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها وكذلك الأصل: مُوِتَ فاعلم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/121]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (87- قوله: {متم}، و{متنا} قرأ نافع وحفص وحمزة والكسائي بكسر الميم، حيث وقع، وقرأ الباقون بضم الميم، غير أن حفصًا ضم الميم في هذه السورة خاصة.
88- وحجة من ضم الميم أن المستعمل الفاشي في هذا الفعل
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/361]
«مات يموت» كـ قال يقول، على: فعل يفعل، منقول «فعل» منه إلى «فعُل» بضم العين، فضمت فاء الفعل في الإخبار، لتدل على الواو المحذوفة، كما تقول: قُلت وطُفت، فإذا كسر لم تدل الكسرة على الواو المحذوفة، فأصله ضم أوله في الإخبار، للدلالة على الواو.
89- وحجة من كسر الميم أنه حمله على لغة أتت فيه على «فعل، يفعِل» وذلك قليل في القياس، أتى في المعتل كما أتى في السالم، نحو: فضل يفضل، وهو قليل أيضًا في السالم، فلما كان الماضي على «فعل» كسر أوله في الإخبار، لتدل الكسرة على أن العين من الفعل أصلها الكسر، كما كسروا في «كَلت» لتدل الكسرة على الياء المحذوفة، فـ «مِت» بالكسر كثير الاستعمال، شاذ في القياس، و«مُت» بالضم كثير الاستعمال، غير شاذ في القياس، فالضم هو الاختيار، لما ذكرنا، ولأن عليه جماعة من القراء، وقد قيل: إن من كسر الميم أتى به على لغة من قال: مات يَمات، مثل دام يَدام، فهو: فعل يفعَل كـ خاف يخاف، لغة معروفة، حكاها الكوفيون، فتكسر الميم، لتدل على أن عين الفعل مكسورة، كما كسروا في: خِفت، لذلك). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/362]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108596#post108596)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 03:17 PM
سورة آل عمران
[من الآية (159) إلى الآية (163) ]
{فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160) وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161) أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163)}
قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن عباس فيما رواه عنه عمرو: [وشاوِرْهُمْ في بَعْض الأمر].
[المحتسب: 1/175]
قال أبو الفتح: في هذه القراءة دلالة على أنك إذا قلت: شربت ماءك -وإنما شربت بعضه- كنت صادقًا، وكذلك إذا قلت: أكلت طعامك، وإنما أكلت بعضه.
ووجه الدلالة منه قراءة الباقين: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} والمعنى واحد في القراءتين، ونحن أيضًا نعلم أن الله سبحانه لم يأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بقوله: {وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ} أي: في جميعه؛ كشرب الماء، وتناول الغذاء؛ وإنما المراد به العاني من أمر الشريعة وما أُرسل عليه السلام له، ومع هذا فقد قال سيبويه في باب الاستقامة والاستحالة من الكلام: فأما المستقيم الكذب فهو قولك: حملت الجبل، وشربت ماء البحر ونحوه، فجعْلُه إياه كذبًا يدلك على أن مراده هنا بقوله: ماء البحر جميعه؛ لأنه لا يجوز أن يشرب جميع مائه، فأما على العرف في ذلك على ما مضى فلا يكون كذبًا). [المحتسب: 1/176]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة جابر بن يزيد وأبي نهيك وعكرمة وجعفر بن محمد: [فإذا عَزَمْتُ] بضم التاء.
قال أبو الفتح: تأويله عندي -والله أعلم- فإذا أَريتُك أمرًا فاعمل به وصِرْ إليه. وشاهده قول الله تعالى: {لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ}، وهذا ليس من رؤية العين؛ لأنه لا مدخل له في الأحكام، ولا من العلم؛ لأن ذلك متعد إلى مفعولين. فإذا نقل بالهمزة وجب أن يتعدى إلى ثلاثة، والذي معنا في هذا الفعل إنما هو مفعولان؛ أحدهما: الكاف، والآخر: الهاء المحذوفة العائدة على "ما"؛ أي: بما أراكه الله. فثبت بذلك أنه من الرأي الذي هو الاعتقاد، كقولك: فلان يرى رأي الخوارج، ويرى رأي أبي حنيفة ورأي مالك، ونحو ذلك؛ فرأيتُ هذه إذن قسم ثالث ليست من رؤية العين ولا من يقين القلب.
وجاز أن يَنْسب سبحانه العزم إليه؛ إذ كان بهدايته وإرشاده، فهو كقوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ}، وقد جاء فيه ما هو أقوى معنى من هذا؛ وهو قوله تعالى: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}، فخرج اللفظ فيه نافيًا أوله ما أثبته آخره، والغرض فيه
[المحتسب: 1/176]
ما قدمناه من أن الرمي لما كان بإقداره ومشيئته صار كأنه هو الفاعل له وهو كثير، منه قول الإنسان لمن ينتسب إليه: إنما أَرى بعينك وأسمع بأذنك والفعل منك؛ وإنما أنا آلة لك، ومن عَرف طريق القوم في اللغة سقطعت عنه مئونات التعسف والشُّبَه). [المحتسب: 1/177]
قوله تعالى: {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160)}
قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (161)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله عزّ وجلّ: (وما كان لنبيٍّ أن يغلّ... (161)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم: (أن يغلّ) بفتح الياء وضم الغين.
وقرأ الباقون بضم الياء وفتح الغين.
قال أبو منصور: من قرأ (يغلّ) فالمعنى ما كان لنبي أن يخون أمّته، وتفسير ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جمع الغنائم في غزاة، فجاءه جماعة فقالوا له: ألا تقسم بيننا غنائمنا؟
فقال صلى الله عليه وسلم: "لو أن لكم عندي مثل أحدٍ ذهبًا ما منعتكم دينارًا، أتروني أغلكم مغنمكم".
[معاني القراءات وعللها: 1/279]
ومن قرأ (أن يغلّ) فهو على وجهين:
أحدهما: ما كان لنبي أن يغلّه أصحابه، أي: يخونوه، وجاء عن النبي صلى الله عليه: "لا يخونن أحدكم خيطا ولا خياطا".
والوجه الثاني: أن يكون (يغلّ) بمعنى: يخوّن، المعنى: ما كان لنبي أن يخوّن، أي: ينسب إلى الخيانة؛ لأن نبي الله لا يخون إذ هو أمين الله في الأرض). [معاني القراءات وعللها: 1/280]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (59- وقوله تعالى: {وما كان لنبي أن يغل} [161].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم (أن يغل) بفتح الياء وضم الغين.
وقرأ الباقون (يغل) بضم الياء وفتح الغين، فمن ضم الياء فمعناه: أن يُخان، والأصل يُخْوَنَ. ومن قرأ بفتح الياء {يغل} أي: يخون). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/122]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الياء وضمّ الغين، وضمّ الياء وفتح الغين من قوله: [جلّ وعز]: يغل [آل عمران/ 161].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم بغل بفتح الياء وضمّ الغين.
وقرأ الباقون: يغل بضم الياء، وفتح الغين.
[الحجة للقراء السبعة: 3/94]
[قال أبو علي]: قالوا في الخيانة: أغلّ يغلّ إغلالا: إذا خان ولم يؤدّ الأمانة، قال النمر بن تولب:
جزى الله عنّا جمرة ابنة نوفل... جزاء مغلّ بالأمانة كاذب
وقال آخر:
حدّثت نفسك بالوفاء ولم تكن... للغدر خائنة مغلّ الإصبع
أي: لكراهة الغدر.
فأمّا «خائنة» فيحتمل أن تكون مصدرا كالعافية، والعاقبة، فإن حملته في البيت على هذا قدرت حذف المضاف، وإن شئت جعلته مثل راوية.
[الحجة للقراء السبعة: 3/95]
ونسب الإغلال إلى الإصبع كما نسب الآخر الخيانة إلى اليد في قوله:
فولّيت العراق ورافديه... فزاريا أحذّ يد القميص
[الرواية: أأطعمت العراق].
وقالوا: من الغلّ الذي هو الشحناء والضّغن، غلّ يغلّ، بكسر الغين. وقالوا في الغلول من الغنيمة: غلّ يغلّ بضمّ الغين.
والحجّة لمن قرأ: يغل أنّ ما جاء في التنزيل من هذا النحو أسند الفعل فيه إلى الفاعل نحو ما كان لنا أن نشرك بالله من شيء [يوسف/ 38] وما كان ليأخذ أخاه [يوسف/ 76] وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله [آل عمران/ 145] وما كان الله ليضل قوما بعد إذ هداهم [التوبة/ 115] وما كان الله ليطلعكم على الغيب [آل عمران/ 179] ولا يكاد يجيء منه: ما كان زيد ليضرب، فيسند الفعل فيه إلى المفعول به.
فكذلك ما كان لنبي أن يغل [آل عمران/ 161] يسند الفعل فيه إلى الفاعل. وروي عن ابن عباس أنّه قرأ: يغل وقيل له: إنّ
[الحجة للقراء السبعة: 3/96]
عبد الله قرأ: يغل فقال ابن عباس: بلى والله ويقتل، وروي أيضا عن ابن عباس: «قد كان النبي يقتل فكيف لا يخوّن» ؟.
ومن قال: يغلّ احتمل أمرين: أحدهما أن ينسب إلى ذلك، أي:
لا يقال له غللت، كقولك: أسقيته. أي: قلت له: سقاك الله. وقال:
وأسقيه حتّى كاد ممّا أبثّه... تكلّمني أحجاره وملاعبه
وكقولهم: [أكفرتني أي: نسبتني] إلى الكفر قال:
فطائفة قد أكفرتني بحبّكم.....
أي: نسبتني إلى الكفر. ويجوز أن يكون يغل. أي: ليس لأحد أن يغلّه، فيأخذ من الغنيمة التي حازها، وإن كان لا يجوز أن يغلّ غير النبي صلى الله عليه وسلم من إمام للمسلمين وأمير لهم، لأنّ ذلك يجوز أن يعظم بحضرته، ويكبر كبرا لا يكبر عند غيره [عليه
[الحجة للقراء السبعة: 3/97]
السلام]، لأنّ المعاصي تعظم بحضرته، كما قال: لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي. [الحجرات/ 2] فالغلول وإن كان كبيرا، فهو بحضرته عليه السلام أعظم). [الحجة للقراء السبعة: 3/98]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وما كان لنبيّ أن يغل}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم {أن يغل} بفتح الياء وضم الغين أي ما كان لنبيّ أن يخون أصحابه فيما أفاء الله عليهم وحجتهم في ذلك أن النّبي صلى الله عليه جمع الغنائم في غزاة فجاءه جماعة من المسلمين فقالوا ألا تقسم بيننا غنائمنا فقال صلى الله عليه
لو أن لكم مثل أحد ذهبا ما منعتكم درهما أترونني أغلكم مغنمكم
[حجة القراءات: 179]
فنزلت {وما كان لنبيّ أن يغل} أي ما ينبغي لنبيّ أن يجور في القسم ولكن يعدل ويعطي كل ذي حق حقه
عن ابن عبّاس قال نزلت على رسول الله صلى الله عليه في قطيفة حمراء فقدت في غزوة بدر فقال من كان مع النّبي صلى الله عليه لعلّ رسول الله صلى الله عليه أخذها فأنزل الله الآية
وحجّة أخرى وهي أن المستعمل في كلام العرب أن يقال لمن فعل ما لا يجوز له أن يفعل ما كان لزيد أن يفعل كذا وكذا وما كان له أن يظلم ولا يقال أن يظلم لأن الفاعل فيما لا يجوز له يقال له ما كان ينبغي له أن يفعل ذلك به نظير قوله وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله وكما قال {ما كان للنّبي والّذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين} ألا ترى أنهم المستغفرون ولم يقل أن يستغفروا
وقرأ الباقون {يغل} بضم الياء وفتح الغين أي ما كان لنبيّ أن يغله أصحابه أي يخونوه ثمّ أسقط الأصحاب فبقي الفعل غير مسمّى فاعله وتأويله ما كان لنبيّ أن يخان وحجتهم ما ذكر عن قتادة قال ما كان لنبيّ أن يغله اصحابه الّذين معه من المؤمنين
ذكر لنا أن هذه الآية نزلت على النّبي صلى الله عليه يوم بدر وقد غل طوائف من أصحابه وقال آخرون معنى ذلك وما كان لنبيّ
[حجة القراءات: 180]
أن يتهم بالغلول قال الفراء يغل أي يسرق ويخون أي ينسب إلى الغلول يقال أغللته أي نسبته إلى الغلول وقال آخرون {وما كان لنبيّ أن يغل} أي يلفى غالا أي خائنا كما يقال أحمدت الرجل إذا وجدته محمودًا). [حجة القراءات: 181]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (91- قوله: {أن يغل} قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم بفتح الياء، وضم الغين، وقرأ الباقون بضم الياء وفتح الغين.
92- وحجة من فتح الياء وضمّ الغين أنه نفى الغلول عن النبي، وأضاف الفعل إليه، ونفاه عنه أن يفعله، وقد ثبت أن الغُلول وقع من غيره، فلا يحسن أن ينفي الغلول عن غيره، لأنه أمر قد وقع، وإنما ينفي الغلول عنه، وهي الخيانة في المغانم، فالمعنى: ما كان لنبي أن يخون من معه في الغنيمة، وقد نفى ابن عباس القراءة بضم الياء، وقال: كيف لا يكون له أن يغل، وقد كان جائزًا أن يقتل، قال الله: {ويقتلون الأنبياء} «آل عمران 112» قال: ولكن المنافقين اتهموا النبي في شيء فقد، فأنزل الله: {وما كان لنبي أن يغل} أي: يخون أمته في المغانم، فنفى عنه الغلول، وروى معاذ بن جبل أن النبي عليه السلام كان يقرأه بفتح الياء، وبه قرأ ابن عباس.
93- وحجة من ضم الياء وفتح العين أنه حمله على النفي عن أصحاب النبي، أن يخونوه في المغانم، وفيه معنى النهي عن فعل ذلك، فدلّ على هذا المعنى قوله: {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} فدل على أنه كان في القم غلول تنزيها للنبي صلى الله عليه وسلم وتعظيمًا له أن يكون أحد من أمته نسب إليه الغلول بل هم المخطئون والمذنبون، فالمعنى: ما كان لنبي أن يغان في الغنائم، قال جابر بن عبد الله: أنزلت يوم بدر هذه الآية، قال: وكان ناس غلوا فأنزلت فيهم، فلو يخونوا بعد، وقيل: إن أصله «يغلل» أي: يخون، أي: ما كان لنبي أن يخونه أصحابه، لكن حذفت إحدى اللامات استخفافًا، فالفعل على هذا منفي عن النبي عليه السلام كالقراءة بفتح الياء،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/363]
ويجوز أن يكون المعنى في هذه القراءة: ما كان لنبي أن ينسب إلى الغلول، أي: لا يقال له: أغللت، كقولك: أكفرت الرجل، أي: نسبته إلى الكفر، فيكون النفي أيضًا عن النبي، لا عن أصحابه، ويجوز أن يكون المعنى: ما كان لنبي أن يوجد غالًا، كقوله: أحمدت الرجل، أي: وجدتُه محمودًا، فيكون النفي أيضًا عن النبي عليه السلام، والاختيار ضم الياء، لأن عليه أكثر القراء، ولأن فيه تنزيهًا للنبي وتعظيمًا له، أن يكون أحد من أمته نسب إليه الغلول، بل هم المخطئون المذنبون). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/364]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (43- {أَنْ يَغُلّ} [آية/ 161]:-
بفتح الياء وضم الغين، قرأها ابن كثير وأبو عمرو وعاصم.
والمراد ما كان لنبيٍ أن يخون أمته في الغنيمة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع الغنائم في غزاة ليقسمها، فجاءه جماعة، فقالوا: ألا تقسم بيننا غنائمنا؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «لو أن لكم عندي مثل
[الموضح: 389]
أحدٍ ذهبًا ما منعتكم دينارًا، أترونني أغلكم مغنمكم» فنزلت هذه الآية، وعلى هذه القراءة ورد في القرآن ما جاء من نظيره نحو {وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ} و{مَا كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ} على إسناد الفعل إلى الفاعل، وقلما يقال: ما كان لزيدٍ أن يضرب، على إسناد الفعل إلى المفعول به.
وقرأ الباقون «يغل» بضم الياء وفتح الغين.
والوجه أ، المراد ينسب إلى الغلول، وهو الخيانة في المغنم، يقال: أكفرته أي نسبته إلى الكفر.
ويجوز أن يكون المعنى: ليس لأحدٍ أن يغله، أي يخونه في الغنيمة؛ لأن الغلول وإن كانت كبيرةً فإنه معه وبحضرته أعظم إثمًا). [الموضح: 390]
قوله تعالى: {أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162)}
قوله تعالى: {هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108597#post108597)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 03:19 PM
سورة آل عمران
[ الآية (164) ]
{لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)}
قوله تعالى: {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (164)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108598#post108598)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 03:22 PM
سورة آل عمران
[من الآية (165) إلى الآية (168) ]
{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165) وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167) الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168)}
قوله تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (165)}
قوله تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ (166)}
قوله تعالى: {وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا وَقِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوِ ادْفَعُوا قَالُوا لَوْ نَعْلَمُ قِتَالًا لَاتَّبَعْنَاكُمْ هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلْإِيمَانِ يَقُولُونَ بِأَفْواهِهِمْ مَا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يَكْتُمُونَ (167)}
قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ وَقَعَدُوا لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (168)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108599#post108599)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 03:23 PM
سورة آل عمران
[من الآية (169) إلى الآية (171) ]
{وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)}
قوله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولا تحسبنّ الّذين قتلوا... (169)
قرأ ابن عامر وحده: (قتّلوا) مشددًا، وخفف الباقون.
واتفقوا على التاء في (تحسبنّ).
قال أبو منصور: من قرأ (قتّلوا) بالتشديد فهو للتكثير، ومن قرأ (قتلوا) فعلى (فعل) ). [معاني القراءات وعللها: 1/280]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (60- وقوله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله} [169].
اتفق القراء على التاء إلا هشامًا فإنه قرأ: {يحسبن} بالياء في هذا، واختلفوا فيما بعده، وشدد ابن عامر وحده التاء في {قتلوا}.
وخففها الباقون. فمن خفف برواية هشام يكون مرة ومرارًا، ومن شدد لا يكون إلا مرارًا كأنهم قتلوه مرة بعد مرة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/122]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: وكلهم قرأ: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله [آل عمران/ 169] مخففة التاء إلا ابن عامر فإنّه قرأ: قتلوا* مشدّدة التاء.
[قال أبو علي]: وجه من قرأ قتلوا بالتخفيف أنّ التخفيف يصلح للكثير والقليل، تقول: قتلت القوم فيصلح، التخفيف للكثرة، وضربت زيدا ضربة، فيصلح للقلّة. ووجه التّثقيل أنّ المقتولين كثرة فحسن التثقيل، كما قال: مفتحة لهم الأبواب [ص/ 50] وفعّل يختص به الكثير دون القليل). [الحجة للقراء السبعة: 3/98]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (ولم يختلفوا في قوله: ولا تحسبن الذين قتلوا [آل عمران/ 169] أنها بالتاء). [الحجة للقراء السبعة: 3/101] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: ولم يختلفوا في قوله: ولا تحسبن الذين قتلوا [آل عمران/ 169] أنّها بالتاء قوله: تحسبن مسند إلى الفاعل المخاطب، والذين قتلوا المفعول الأول، والمفعول الثاني قوله: أمواتا. فقد استوفى الحسبان فاعله ومفعوليه). [الحجة للقراء السبعة: 3/110] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (94- قوله: {ولا تحسبن الذين قتلوا} قرأه ابن عامر بالتشديد، على التكثير لأن المقتولين كُثر والتشديد للتكثير، وقرأه الباقون بالتخفيف، لأن التخفيف للتقليل والتكثير، فهو كالتشديد في أحد وجهيه، وهو الاختيار، لإجماع القراء عليه، ومثله في العلة الذي قبله، وهو قوله: {لو أطاعونا ما قتلوا} «168» قرأه هشام بالتشديد، وخفف الباقون). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/364]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (44- {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا} [آية/ 169]:-
بتشديد التاء، قرأها ابن عامر وحده.
وذلك لأن في المقتولين كثرةً فحسن التثقيل، كما تقول: فتحت الأبواب، قال تعالى {مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ}، وفعل بالتشديد يختص بالكثرة.
وقرأ الباقون {قُتِلُوا} بالتخفيف.
والوجه أن فعل بالتخفيف قد يصلح للقليل والكثير، فيجوز أن تقع ههنا
[الموضح: 390]
الكثرة، كما تقول: قتلت القوم). [الموضح: 391]
قوله تعالى: {فَرِحِينَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170)}
قوله تعالى: {يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وأنّ اللّه لا يضيع أجر المؤمنين (171).
قرأ الكسائي وحده: (وإنّ اللّه) بكسر الألف، وفتحها الباقون.
[معاني القراءات وعللها: 1/280]
قال أبو منصور: من قرأ (وأن الله) بالفتح فالمعنى: يستبشرون بأن لا خوفٌ عليهم وبأنّ اللّه لا يضيع أجر المؤمنين.
ومن قرأ (وإنّ اللّه) فهو استئناف). [معاني القراءات وعللها: 1/281]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (61- وقوله تعالى: {وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين} [171].
قرأ الكسائي وحده (إن الله) بالكسر.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/122]
وقرأ الباقون بالفتح. فمن فتح فموضع «أن» خفضٌ بالنَّسق على قوله: {ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم} بأن الله لا يضيع، ولأن الله.
ومن كسر جعلها مبتدأة، واعتبر قراءته بحرف عبد الله {والله لا يضيع} بغير «إن»). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/123]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله [جلّ وعز] وأن الله لا يضيع [آل عمران/ 171] في كسر الألف وفتحها، فقرأ الكسائي وحده: وإن الله لا يضيع بكسر الألف وقرأ الباقون: وأن الله بفتح الألف.
[قال أبو علي]: وجه الفتح أنّ المعنى يستبشرون بنعمة من الله، وبأنّ الله لا يضيع، فأنّ معطوفة على الباء، المعنى:
يستبشرون، بتوفر ذلك عليهم، ووصوله إليهم، لأنّه إذا لم يضعه،
[الحجة للقراء السبعة: 3/98]
وصل إليهم، فلم يبخسوه، ولم ينقصوه، فهذا مما يستبشر به، كما أنّ النعمة والفضل كذلك. ومن كسر فإلى ذا المعنى يؤول، لأنّه إذا لم يضعه وصل إليهم، فلم ينقصوه، فالأول أشدّ إبانة لهذا المعنى). [الحجة للقراء السبعة: 3/99]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({يستبشرون بنعمة من الله وفضل وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين}
قرأ الكسائي {وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين} بكسر الألف على معنى والله لا يضيع أجر المؤمنين
وكذلك هي في قراءة عبد الله (والله لا يضيع) فهذا يقوي إن بالكسر
وقرأ الباقون {وأن الله} بالفتح وهي في موضع خفص على النسق على {بنعمة من الله وفضل} المعنى ويستبشرون بأن الله لا يضيع أجر المؤمنين). [حجة القراءات: 181]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (95- قوله: {وأن الله لا يضيع} قرأه الكسائي بكسر الهمزة، على الابتداء والاستئناف، وهو مع ذلك متعلق بالأول، لأنه إذا لم يضعه فهو واصل
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/364]
أجره إليهم، وقرأ الباقون بالفتح، عطفوه على {بنعمة} أي: يستبشرون بالنعمة والفضل، وبأن الله لا يضيع الأجر، فـ «أن» في موضع نصب، بحذف الخافض، أو في موضع خفض على تقدير الخافض محذوفًا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/365]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (45- {وَأَنَّ الله لَا يُضِيعُ} [آية/ 171]:-
بكسر إن، قرأها الكسائي وحده.
وذلك أنه استأنف بها ولم يعطفها على ما قبلها، فهو على كلامين.
وقرأ الباقون {وَأَنَّ} بالفتح، عطفًا على {نعمةٍ}، كأنه قال: يستبشرون بنعمة وبأن الله لا يضيع؛ لأنه إذا لم يضع تعالى أجرهم، فإن ذلك مما يستبشر به). [الموضح: 391]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108600#post108600)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 03:26 PM
سورة آل عمران
[من الآية (172) إلى الآية (175) ]
{الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172) الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173) فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174) إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)}
قوله تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ (172)}
قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)}
قوله تعالى: {فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ (174)}
قوله تعالى: {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (175)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن عباس وعكرمة وعطاء: [يُخَوِّفُكُمْ أَوْلياءَه].
قال أبو الفتح: في هذه القراءة دلالة على إرادة المفعول في يخوف وحذفه في قراءة أكثر الناس: {يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ} . وليس هذا كقولنا: فلان يُخوِّف غلامه ويخوف جاريته مِن ضربه إياهما وإساءته إليهما. فالمحذوف هنا هو المفعول الثاني، وهو في الآية المفعول الأول على ما قدمنا). [المحتسب: 1/177]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108601#post108601)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 03:29 PM
سورة آل عمران
[من الآية (176) إلى الآية (178) ]
{وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176) إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (177) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (178)}
قوله تعالى: {وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآَخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (176)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولا يحزنك الّذين... (176)
قرأ نافع: (ولا يحزنك الّذين) و(لا يحزنك قولهم) ونحو هذا بضم الياء وكسر الزاي في جميع القرآن، إلا قوله في سورة الأنبياء: (لا يحزنهم الفزع الأكبر) فإنه وافق القراء في هذه.
وقرأ الباقون بفتح الياء وضم الزاي في كل القرآن.
[معاني القراءات وعللها: 1/281]
قال أبو منصور: اللغة الجيدة (لا يحزنك) بفتح الياء، وبها قرأ أكثر القراء.
وأما قراءة نافع أحزن يحزن فهو لغة صحيحة، غير أن حزن يحزن أفشى وأكثر). [معاني القراءات وعللها: 1/282]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (62- وقوله تعالى: {ولا يحزنك الذين يسارعون} [176].
قرأ نافع وحده {يحزنك} بضم الياء في كل القرآن إلا قوله تعالى: {لا يحزنهم الفزع الأكبر}.
وقرأ الباقون بفتح ذلك كله وهما لغتان: حزن وأحزن والاختيار حزن لقولهم: محزون، ولا يقال: محزن، تقول: حزن يحزن حزنا وحزنا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/123]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الياء وضمّ الزاي، وضمّ الياء وكسر الزاي من قوله تعالى: ولا يحزنك [آل عمران/ 176].
فقرأ نافع وحده يحزنك* وليحزن [المجادلة/ 10] وإني ليحزنني [يوسف/ 13] بضم الياء، وكسر الزاي في كلّ القرآن إلّا في سورة الأنبياء: لا يحزنهم الفزع [الآية/ 103] فإنّه فتحها، يعني الياء، وضمّ الزاي.
وقرأ الباقون في جميع ذلك يحزن* بفتح الياء وضمّ الزاي في كلّ القرآن.
[قال أبو علي]: قال سيبويه تقول: فتن الرجل وفتنته، وحزن وحزنته. قال: وزعم الخليل أنّك حيث قلت: فتنته
[الحجة للقراء السبعة: 3/99]
وحزنته لم ترد أن تقول: جعلته حزينا وجعلته فاتنا، كما أنّك حين قلت: أدخلته، أردت: جعلته داخلا، ولكنك أردت أن تقول: جعلت فيه حزنا وفتنة، فقلت: فتنته، كما قلت: كحلته، أي: جعلت فيه كحلا، ودهنته جعلت فيه دهنا، فجئت بفعلته على حدّه. ولم ترد بفعلته هاهنا تغيير قوله: حزن وفتن، ولو أردت ذلك لقلت أحزنته، وأفتنته، وفتن من فتنته، كحزن من حزنته. قال: وقال بعض العرب: أفتنت الرجل، وأحزنته: أراد جعلته حزينا وفاتنا، فغيروا فعل.
قال أبو علي: فهذا الذي حكاه عن بعض العرب حجة نافع في قراءته ليحزنني وأمّا قراءته: لا يحزنهم الفزع الأكبر [الأنبياء/ 103] فعلى أنّه يشبه أن يكون تبع فيه أثرا أو أحبّ الأخذ بالوجهين إذ كان كل واحد منهما جائزا). [الحجة للقراء السبعة: 3/100]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحر النحوي: [يُسْرِعون] في كل القرآن.
قال أبو الفتح: معنى {يسارعون} في قراءة العامة: أي يسابقون غيرهم، فهو أسرع لهم وأظهر خفوفًا بهم، وأما [يسرعون] فأضعف معنى في السرعة من يسارعون؛ لأن مَن سابق غيره أحرص على التقدم ممن آثر الخفوف وحده، وأما سَرُع فعادة ونحيزة؛ أي: صار سريعًا في نفسه.
وفعَل من لفظ فَاعلتُ ضربان: متعد، وغير متعد؛ فالمعتدي كضربت زيدًا وضاربته، وغير المتعدي كقمت وقاومت زيدًا. وأما أسرع وسَرُع جميعًا فغير متعديين؛ لكن سَرُع غريزة، وأسرع كلَّف نفسه السرعة؛ لكن سارع متعد). [المحتسب: 1/177]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولا يحزنك الّذين يسارعون في الكفر} 176
قرأ نافع {ولا يحزنك} بضم الياء في كل القرآن إلّا قوله {لا يحزنهم الفزع الأكبر}
وقرأ الباقون بالفتح وهما لغتان يقال حزن وأحزن والاختيار حزن لقولهم محزون ولا يقال محزن وحجّة نافع قول العرب هذا أمر محزن). [حجة القراءات: 181]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (96- قوله: {يحزُن}، {وليحزُن} وشبهه، قرأه نافع بضم الياء، وكسر الزاي، حيث وقع إلا في موضع واحد، فإنه فتح الياء فيه، وضم الزاي كالجماعة، وهو قوله: {لا يحزنهم الفزع الأكبر} «الأنبياء 103» وقرأ الباقون بفتح الياء، وضم الزاي في جميع القرآن، وهما لغتان، حكى سيبويه: أحزنت الرجل، إذا جعلته حزينًا، فضممت الياء في المستقبل؛ لأنه رباعي، ويقال: حَزِن الرجل يَحزَن، لغة. وحزّن يحزّن لغة، ومنه قوله: {ولا هم يحزنون} «البقرة 38»، ويقال: حزّنته، جعلت فيه حُزنًا، كما تقول: كحّلته، جعلت فيه كحلا، وخصّ نافع الموضع المذكور بفتح الياء للجمع بين اللغتين، والقراءتان متساويتان، وما عليه الجماعة، من فتح الياء، وضم الزاي، أحب إليّ، لأنها اللغة الفاشية المستعملة المجمع عليها). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/365]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (46- {وَلَا يَحْزُنْكَ} [آية/ 176]:-
بضم الياء وكسر الزاي، قرأها نافع وحده، وكذلك {لَيُحْزِنُنِي} و{لَيُحْزِنُكَ} و{لِيُحْزِنَ الَّذِينَ} وأشباهها، إلا قوله تعالى في الأنبياء {لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ} فإنه بفتح الياء وبضم الزاي.
والوجه أنه جعله من أحزن، وهي لغة غير فاشيةٍ، والأظهر حزن، وأما قراءته في الأنبياء، فلما أراد من الأخذ باللغتين.
[الموضح: 391]
وقرأها الباقون {يَحْزُنْكَ} بفتح الياء وضم الزاي، وكذلك في كل القرآن.
لأن اللغة الجيدة المشهورة هي حزنه بغير ألف، أي جعل فيه حزنًا، كما تقول كحلته ودهنته، أي جعلت فيه كحلاً ودهنًا، فهذا متعدٍّ أولاً، ويشبه أن يكون أحزن معدى من حزن بكسر الزاي من غير ألفٍ). [الموضح: 392]
قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (177)}
قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ (178)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولا تحسبنّ الّذين كفروا... (178)
و: (ولا يحسبنّ الّذين يبخلون)
و: (لا تحسبنّ الّذين يفرحون)... (فلا تحسبنّهم).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو أربعهن بالياء، وقرأ نافع وابن عامر ثلاثًا بالياء وواحدة بالتاء، وهو قوله: (فلا تحسبنّهم)، وقرأ عاصم والكسائي ويعقوب: (ولا يحسبنّ الّذين كفروا) و(لا يحسبنّ الّذين يبخلون) بالياء، والأخريين بالتاء.
وقرأ حمزة كلهن بالتاء، وكل من قرأ (فلا تحسبنّهم) بالتاء فتح الباء، ومن قرأ بالياء ضم الباء (فلا يحسبنّهم).
[معاني القراءات وعللها: 1/282]
قال محمد بن يزيد: من قرأ (يحسبنّ) يفتح (أن)، وكانت تنوب عن الاسم والخبر، يقول: (حسبت أنّ زيدًا منطلق)، ويقبح الكسر مع الياء، وهو مع قبحه جائز.
ومن قرأ (لا تحسبنّ الّذين كفروا) لم يجز عند البصريين إلا كسر ألف (إن)، المعنى: لا تحسبن الذين كفروا إملاؤنا خير لهم.
ودخلت (إن) مؤكدة، وإذا فتحت صار المعنى: ولا تحسبن الذين كفروا إملاءنا.
قال أبو منصور: الفتح جائز مع الياء عند غيره من النحويين، وهو على البدل من (الذين)، المعنى: لا يحسبن إملاءنا الذين كفروا خيرًا لهم.
وقد قرأ بهذه القراءة جماعة.
وقراءتهم دليل على جوازها، ومثله قال الشاعر:
فما كان قيسٌ هلكه هلك واحدٍ... ولكنه بنيان قومٍ تهدّما
[معاني القراءات وعللها: 1/283]
يجوز هلك واحد، وهلك واحد، فمن رفع قوله (هلكه) ابتداءً جعل هلك واحدا خبر الابتداء، ويسدّان معًا مسدّ الخبر.
ومن جعل (هلكه) بدلا من قوله (قيسٌ) نصب (هلك واحد) المعنى: ما كان هلكه هلك واحد.
وقال الفراء: من قرأ (ولا تحسبنّ الّذين كفروا أنّما) قال: هو على التكرير: لا تحسبنهم لا تحسبن أنما نملي لهم.
قال: وهو مثل قوله: (هل ينظرون إلّا السّاعة أن تأتيهم) على التكرير: هل ينظرون إلا أن تأتيهم). [معاني القراءات وعللها: 1/284] (م)
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (63- وقوله تعالى: {ولا يحسبن الذين كفروا} [178].
قرأ حمزة وحده بالتاء.
وقرأ الباقون بالياء، فمن قرأ بالتاء فالخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم. ومن قرأ بالياء فإخبارٌ عن الذين كفروا، فمن قرأ بالتاء فموضع {الذين} نصب و{كفروا} صلته، «وأن» مع ما بعدها في موضع المفعول الثاني. وإنما فتحت «أن» لأن الفعل واقع عليها «وما» اسم «أن» و{نملي} صلته {وخير} خبر «أن»، تمَّ الكلامُ. ثم استأنف بقوله: {إنما نملي لهم} بكسر الألف {ليزدادوا إثمًا}.
ومن قرأ بالتاء جعل الفعل لمحمد صلى الله عليه وسلم، فموضع {الذين} نصب
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/123]
أيضًا. ومن جعل الفعل للكفار فموضع {الذين} رفع بفعلهم و{كفروا} صلتهم «وأن» مع ما بعده نائب عن مفعولي «يحسب»، وذلك أن الحسبان يحتاج إلى مفعولين، «وأن» يحتاج إلى اسمين فناب شيئان عن شيئين). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/124]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله [جلّ وعز]: ولا يحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: ولا يحسبن الذين كفروا بالياء، ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180] ولا يحسبن الذين يفرحون [آل عمران/ 188] فلا يحسبنهم [آل عمران/ 188] بضمّ
[الحجة للقراء السبعة: 3/100]
الباء في يحسبنهم وكلّهنّ بالياء وكسر السين في كل القرآن.
وقرأ نافع وابن عامر ولا يحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180] لا يحسبن الذين يفرحون [آل عمران/ 188] كل ذلك بالياء فلا تحسبنهم [آل عمران/ 188] بالتاء وفتح الباء غير أنّ نافعا كسر السين وفتحها ابن عامر. وقرأ حمزة: ولا تحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] ولا تحسبن الذين يفرحون... فلا تحسبنهم [آل عمران/ 188] بفتح الباء والسين وكل ذلك بالتاء. وقرأ عاصم والكسائي كلّ ما في هذه السورة بالتاء إلّا حرفين: قوله: ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180] ولا يحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] فإنّهما بالياء غير أنّ عاصما فتح السين وكسرها الكسائي. ولم يختلفوا في قوله: ولا تحسبن الذين قتلوا [آل عمران/ 169] أنها بالتاء.
قال أبو علي: قراءة ابن كثير وأبي عمرو، ولا يحسبن الذين كفروا* [آل عمران/ 178] ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180] ولا يحسبن الذين يفرحون
[الحجة للقراء السبعة: 3/101]
[آل عمران/ 188] فلا يحسبنهم بضم الباء في يحسبنهم وكلّهنّ بالياء وكسر السين في كلّ القرآن.
[قال أبو علي]: الذين في هذه الآي في قراءتهما:
رفع بأنّه فاعل يحسب، وإذا كان الذي في الآي فاعلا اقتضى حسب مفعولين، لأنّها تتعدى إلى مفعولين، أو إلى مفعول يسد مسدّ المفعولين، وذلك إذا جرى في صلة ما يتعدى إليه ذكر الحديث والمحدّث عنه نحو: حسبت أنّ زيدا منطلق، وحسبت أن تقوم، فقوله: أنما نملي لهم خير لأنفسهم [آل عمران/ 178] قد سدّ مسدّ المفعولين اللذين يقتضيهما يحسبنّ. وكسر إنّ في قول من قرأ: يحسبن بالياء لا ينبغي، وقد قرئ فيما حكاه غير أحمد بن موسى. ووجه ذلك أنّ «إنّ» يتلقّى بها القسم كما يتلقّى بلام الابتداء، ويدخل كلّ واحد منهما على الابتداء والخبر فكسر إنّ بعد يحسبنّ، وعلّق عليها الحسبان كما يعلّق باللّام. فقال: لا يحسبن الذين كفروا إنما نملي [آل عمران/ 178] كما قال: لا يحسبن الذين كفروا للآخرة خير لهم. وما تحتمل ضربين أحدهما: أن تكون بمعنى الذي فيكون التقدير: لا يحسبنّ الذين كفروا أنّ الذي نمليه خير لأنفسهم، والآخر: أن يكون ما نملي بمنزلة الإملاء فيكون مصدرا، وإذا كان مصدرا، لم يقتض راجعا إليه. وقال أبو الحسن: المعنى: ولا يحسبنّ الذين كفروا أنّ ما نملي لهم ليزدادوا إثما، إنّما نملي لهم خير لأنفسهم. وأمّا قوله: ولا يحسبن الذين
[الحجة للقراء السبعة: 3/102]
يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم [آل عمران/ 180] فالذين يبخلون فاعل يحسبنّ والمفعول الأول محذوف من اللفظ لدلالة اللفظ عليه، وهو بمنزلة قولك: من كذب كان شرا له، أي:
الكذب، فكذلك: لا يحسبنّ الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله البخل هو خيرا لهم، فدخلت هو فصلا، لأنّ تقدّم يبخلون بمنزلة تقدّم البخل، فكأنّك قلت: لا يحسبنّ الذين يبخلون البخل هو خيرا لهم. فأمّا قوله: ولا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا [آل عمران/ 188] فلا تحسبنهم فالذين في موضع رفع بأنّه فاعل يحسب، ولم توقع يحسبنّ على شيء. قال أبو الحسن لا يعجبني قراءة من قرأ الأولى بالياء، لأنّه لم يوقعه على شيء، ونرى أنّه لم يستحسن أن لا يعدّى حسبت، لأنّه قد جرى مجرى اليمين في نحو: علم الله لأفعلنّ.
ولقد علمت لتأتينّ منيتي.......
وظننت ليسبقنّني، وظنوا ما لهم من محيص [فصلت/ 48] فكما أنّ القسم لا يتكلّم به حتى يعلّق بالمقسم عليه، كذلك ظننت وعلمت، في هذا الباب.
وأيضا فإنّه قد جرى في كلامهم لغوا، وما جرى [في
[الحجة للقراء السبعة: 3/103]
كلامهم] لغوا لا يكون في حكم الجمل المفيدة، ومن ثمّ جاء نحو:
وما خلت أبقى بيننا من مودّة... عراض المذاكي المسنفات القلائصا
إنّما هو وما أبقى بيننا، وكذلك قال الخليل: تقول: ما رأيته يقول ذاك إلّا زيد، وما أظنّه يقول ذاك إلّا عمرو، فهذا يدلّك أنّك انتحيت على القول، ولم ترد أن تجعل زيدا موضع فعلك كضربت وقتلت. ولذلك لم يجر الشرط مجرى الجمل في نحو:
إن تفعل، لأنّ الشرط بمنزلة القسم، والجزاء بمنزلة المقسم عليه، ولذلك فصل بالشرط بين أمّا وجوابها في نحو وأما إن كان من أصحاب اليمين، فسلام لك [الواقعة/ 91] ولو كان بمنزلة الجمل لم يجز به الفصل. ووجه قول ابن كثير وأبي عمرو في أن لم يعدّيا حسبت إلى مفعوليه اللذين يقتضيهما أنّ يحسب في قوله: فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب [آل عمران/ 188] لمّا جعل بدلا من الأول،
[الحجة للقراء السبعة: 3/104]
وعدّي إلى مفعوليه استغنى بهما عن تعدية الأول إليهما، كما استغنى في قوله:
بأيّ كتاب أم بأيّة سنّة... ترى حبّهم عارا عليّ وتحسب
بتعدية أحد الفعلين إلى المفعولين عن تعدية الآخر إليهما فإن قلت: كيف يستقيم، تقدير البدل في قوله: لا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا... فلا تحسبنهم بمفازة [آل عمران/ 188].
وقد دخلت الفاء بينهما ولا يدخل بين البدل والمبدل منه الفاء؟ فالقول أنّ الفاء زائدة، يدلّك على أنّها لا يجوز أن تكون التي تدخل على الخبر، أنّ ما قبل الفاء ليس بمبتدإ، فتكون الفاء خبره، ولا تكون العاطفة لأنّ المعنى: لا يحسبنّ الذين يفرحون بما أتوا أنفسهم بمفازة من العذاب. فإذا كان كذلك لم يجز تقدير العطف لأنّ الكلام لم يستقل بعد، فيستقيم فيه تقدير العطف.
فأمّا قوله: فلا يحسبنهم فإنّ فعل الفاعل الذي هو يحسبنّ تعدّى إلى ضميره، وحذفت واو الضمير لدخول النون
[الحجة للقراء السبعة: 3/105]
الثقيلة. فإن قلت: هلّا لم يحذف الواو من يحسبون، وأثبتها كما ثبتت في: تمودّ الثوب، وأ تحاجوني [الأنعام/ 80] ونحو ذلك، مما يثبت فيه التقاء الساكنين لما في الساكن الأوّل من زيادة المدّ التي تقوم مقام الحركة، فالقول فيه أنّه حذفت كما حذفت مع الخفيفة، ألا ترى أنّك لو قلت: لا يحسبن زيدا ذاهبا، لزمك الحذف، فأجرى الثقيلة مجرى الخفيفة لهذا. وقوله: بمفازة من العذاب في موضع المفعول الثاني وفيه ذكر للمفعول الأوّل. وفعل الفاعل في هذا الباب يتعدّى إلى ضمير نفسه، نحو:
ظننتني أخاه، لأنّ هذه الأفعال لمّا كانت تدخل على الابتداء والخبر أشبهت إنّ وأخواتها في دخولهنّ على الابتداء والخبر [كدخول هذه الأفعال عليهما وذلك قولك]: ظننتني ذاهبا، كما تقول:
إنّي ذاهب. ومما يدلّك على ذلك قبح دخول اليقين عليها، لو قلت: أظنّ نفسي تفعل كذا لم يحسن كما يحسن أظنّني فاعلا.
قال: وقرأ نافع وابن عامر: ولا يحسبن الذين كفروا ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180].. ويفرحون [آل عمران/ 188] كلّ ذلك بالياء. فلا تحسبنهم بالتاء وفتح الباء.
[الحجة للقراء السبعة: 3/106]
قراءتهما في ذلك مثل قراءة ابن كثير وأبي عمرو، وقد مرّ القول فيها إلّا في قوله: فلا تحسبنهم بالتاء وفتح الباء.
والمفعولان اللذان يقتضيهما الحسبان في قوله: ولا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا محذوفان، لدلالة ما ذكر من بعد عليهما، ولا يجوز البدل، كما جاز البدل في قراءة ابن كثير وأبي عمرو لاختلاف الفعلين باختلاف فاعليهما.
قال: وقرأ حمزة ولا تحسبن الذين كفروا ولا تحسبن الذين يفرحون فلا تحسبنهم بفتح الباء والسين وكل ذلك بالتاء.
قوله: الذين كفروا في موضع نصب بأنّه المفعول الأول. والمفعول الثاني في هذا الباب هو المفعول الأول في المعنى، فلا يجوز إذا فتح إنّ في قوله: ولا تحسبن الذين كفروا إن ما نملي لهم، لأنّ إملاءهم لا يكون إياهم. فإن قلت: فلم لا يجوز الفتح في أنّ، وتجعله بدلا من الذين كفروا كقوله: وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره [الكهف/ 63] وكما كان أنّ من قوله: وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم [الأنفال/ 7]. [بدلا من إحدى الطائفتين] قيل: لا يجوز ذلك لأنّك إذا أبدلت أنّ من الذين كفروا، كما أبدلت أنّ من إحدى الطائفتين لزمك أن تنصب خيرا على تقدير: لا تحسبنّ إملاء الذين كفروا خيرا لأنفسهم من حيث
[الحجة للقراء السبعة: 3/107]
كان المفعول الثاني: لتحسبنّ وقيل: إنّه لم ينصبه أحد. فإذا لم ينصب علمت أنّ البدل فيه لا يصح، فإذا لم يصح البدل [لم يجز فيه إلّا كسر إنّ] ولا تحسبن الذين كفروا إن ما نملي لهم خير لأنفسهم على أن تكون إنّ وخبرها في موضع المفعول الثاني من تحسبنّ. فأمّا قوله: لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا [آل عمران/ 188] فحذف المفعول الذي يقتضيه تحسبنّ، لأنّ ما يجيء من بعد من قوله: فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب يدلّ عليه، ويجوز أن تجعل تحسبنهم بدلا من تحسبن، كما جاز أن تجعل يحسبنهم بدلا من يحسبن الذين يفرحون في قراءة ابن كثير وأبي عمرو لاتفاق فعلي الفاعلين. وقد قدّمنا أنّ الفاء زائدة، والقول فيها أنّها لا تخلو من أن تكون للعطف، أو للجزاء، أو زائدة، فإن كانت للعطف فلا يخلو من أن تعطف جملة على جملة، أو مفردا على مفرد، وليس هذا موضع العطف، لأنّ الكلام لم يتمّ، ألا ترى أنّ المفعول الثاني لم يذكر بعد؟ ولا يجوز أيضا أن تكون للجزاء كالتي في قوله: وما بكم من نعمة فمن الله [النحل/ 53] ونحوها، لأنّ تلك تدخل على ما كان خبرا من الجمل، لأنّ أصلها أن تدخل في الجزاء، وهي جملة خبر، وليس ما دخلت عليه الفاء في الآية بجملة، إنّما هو فضلة، ألا ترى أنّ مفعولي حسبت فضلة؟ فإن قلت: إنّ أصلهما أن يكونا خبرا، فإنّ
[الحجة للقراء السبعة: 3/108]
ذلك الأصل قد زال بكونهما فضلة، كما زال في قولك: ليت الذي في الدار منطلق، عن أن يكون خبرا بدخول ليت، وكذلك قد زال بدخول حسبت عليهما أن يكون جملة، ويدلّك على ذلك أنّك تقول: حسبت زيدا اليوم منطلقا. فتفصل بينهما باليوم الذي هو ظرف حسبت، ولو كان الكلام باقيا على ما كان عليه قبل دخول الظنّ، لم يجز أن تفصل بينهما بأجنبي منهما، فإذا لم يجز أن تكون للعطف ولا للجزاء، ثبت أنّها زائدة قال: وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي قال: وقرأ عاصم والكسائي: كلّ ما في هذه السورة بالتاء إلّا حرفين: قوله: ولا يحسبن الذين يبخلون، ولا يحسبن الذين كفروا فإنّهما بالياء، غير أنّ عاصما فتح السين وكسرها الكسائي.
قد تقدّم القول في ولا يحسبن الذين يبخلون فأمّا قوله: ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم [آل عمران/ 178] فالوجه فتح أنّ لأنّها تسدّ مسدّ المفعولين، كما سدّ الفعل والفاعل مسدّهما لمّا جرى ذكرهما في الصلة في نحو قوله: أحسب الناس أن يتركوا [العنكبوت/ 29].
[الحجة للقراء السبعة: 3/109]
قال: ولم يختلفوا في قوله: ولا تحسبن الذين قتلوا [آل عمران/ 169] أنّها بالتاء قوله: تحسبن مسند إلى الفاعل المخاطب، والذين قتلوا المفعول الأول، والمفعول الثاني قوله: أمواتا. فقد استوفى الحسبان فاعله ومفعوليه). [الحجة للقراء السبعة: 3/110] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولا يحسبن الّذين كفروا أنما نملي لهم خير لأنفسهم}
قرأ حمزة {لا تحسبن الّذين كفروا} بالتّاء خطاب للنّبي صلى الله عليه وموضع الّذين نصب المفعول الأول من {تحسبن} و{كفروا} صلته و{إنّما} مع ما بعدها في موضع المفعول الثّاني لأن حسب يتعدّى إلى مفعولين تقول حسبت زيدا منطلقًا ولا يجوز حسبت زيدا وإنّما فتحت {إنّما} لأن الفعل واقع عليها قال الزّجاج قوله أنما نملي يجوز على البدل من الّذين المعنى لا تحسبن إملاءنا للّذين كفروا خيرا لهم
وقرأ الباقون {ولا يحسبن} بالياء إخبار عن الّذين كفروا فموضع الّذين رفع بفعلهم والمحسبة واقعة على {إنّما} ونابت عن الاسم والخبر تقول حسبت أن زيدا منطلق فاسم إن وخبرها سد مسد المفعولين وتقدير الكلام لا يحسبن الّذين كفروا إملاءنا خيرا لهم). [حجة القراءات: 182]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (97- قوله: {ولا يحسبن الذين كفروا} قرأه حمزة بالتاء، وقرأ الباقون بالياء.
ووجه القراءة بالياء أنه أسند الفعل إلى {الذين كفروا} فهم الفاعلون، وكان ذلك أولى، لتقدم ذكرهم قبل الآية، وقوله: {إنما نملي} يسد مسد مفعولي حسب، و«ما» في {إنما} بمعنى «الذي»، والهاء محذوفة من {نملي} لأنه صلة الذي، ولك أن تجعل «ما» وما بعدها مصدرًا، فلا
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/365]
تقدر حذف هاء، والتقدير: ولا يحسبن الذين كفروا أن الذي نملي لهم خير لأنفسهم، وإن شئت كان التقدير: ولا يحسبن الذين كفروا أن الإملاء خير لهم.
98- ووجه القراءة بالتاء أنه جعل الفعل خطابًا للنبي عليه السلام، فهو الفاعل، و{الذين كفروا} مفعول أول «يحسب»، و«إنما» وما بعدها بدل من «الذين» في موضع نصب، فيسد مسد المفعولين كما يسد لو لم يكن بدلًا، و«ما» بمعنى «الذي»، والهاء محذوفة من «نملي» ـ والتقدير: ولا تحسبن يا محمد الذين كفروا أن الذي نمليه لهم خير لأنفسهم، فيؤول التقدير: إذا حذف المبدل منه، إلى: ولا تحسبن يا محمد أن الذي نمليه للذين كفروا خير لهم، ولا تحسب، أن تجعل «ما» إلى: ولا تحسبن يا محمد أن الذي نمليه للذين كفروا خيرًا لهم، ولا تحسبن، أن تجعل «ما» والفعل مصدرًا، على هذه القراءة؛ لأن المفعول الثاني في هذا الباب، هو الأول في المعنى، والإملاء غير الذين كفروا، إلا أن تقدّر مع المفعول الأول حذف مضاف، هو الإملاء في المعنى، فيكون التقدير: ولا تحسبن يا محمد شأن الذين كفروا الإملاء هو خير لهم، أو تضمر «حال الذين كفروا»، أو «أمر الذين كفروا»، ونحوه، مما يكون الإملاء خيرًا لهم فيه، ويجوز، في القراءة بالياء، أن يكون الفعل للنبي كالتاء على تقدير: ولا يحسبن محمد الذين كفروا أنما نملي لهم، فتكون القراءتان بمعنى واحد). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/366]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (47- {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} [آية/ 178]:-
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} و{لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ} {فَلا يَحْسِبُنَّهُمْ} بالياء في ذلك كله وضم الباء في {يَحْسِبُنَّهُمْ}.
وقرأ نافع وابن عامر {فَلاَ تَحْسِبَنَّهُمْ} بالتاء وفتح الباء، والباقي بالياء.
وقرأ حمزة كل ذلك بالتاء.
وقرأ عاصم والكسائي ويعقوب حرفين بالياء {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا} {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ}، والباقي بالتاء، وفتح الباء من {تَحْسَبنّهم}.
وفتح السين في ذلك كله ابن عامرٍ وعاصم وحمزة، وكسرها الباقون.
أما من قرأ بالياء وهو ابن كثير وأبو عمرو، فإنه أسند الفعل إلى {الَّذِينَ}
[الموضح: 392]
فيرتفع {الَّذِينَ} بأنه فاعل يحسبن، وقوله تعالى {أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ} قام مقام مفعولي {يحسبنّ}؛ لأن أفعال الظن إذا وقع بعدها أن وما يعمل فيه، كان سادًا مسد المفعولين نحو: ظننت أن زيدًا عالم.
وأما قوله تعالى {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ الله مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ} فالذين يبخلون فاعل يحسبن، والمفعول الأول محذوف يدل عليه {يَبْخَلُونَ} والتقدير: ولا يحسبن الذين يبخلون البخل هو خيرًا، فدل {يَبْخَلُونَ} على البخل، كقول القائل:-
22- إذا نهي السفيه جرى إليه = وخالف والسفيه إلى خلاف
أي جرى إلى السفه.
وقوله {هُوَ} فصل، يسميه الكوفيون عمادًا، ولا موضع له من الإعراب.
وأما قوله تعالى {لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ} الآية، فالذين رفع بأنه فاعل {يَحْسَبَنَّ}، والمفعول الأول محذوف يدل عليه الهاء والميم في {تحسبنّهم بِمَفَازَةٍ}؛ لأن {تحسبَنّهم} بدل من {تحسبَنَّ} الأول، والتقدير: لا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا، أنفسهم بمفازةٍ من العذاب، وقوله {فَلا تحسبنّهم} بدل من الأول، ولهذا ضم الباء من ضمه في هذه القراءة؛ لأنه أراد: فلا يحسبوا أنفسهم بمفازةٍ، يعني الذين يفرحون، فهو مسند إلى ضمير الذين المتقدم، وهو جمع، وما قبل ضمير الجماعة في مثل هذا لا يكون إلا مضمومًا، لتدل الضمة على الواو المحذوفة لالتقاء الساكنين.
[الموضح: 393]
وأما قراءة نافع وابن عامر {فلا تحسبَنّهم} بالتاء وفتح الباء، والباقي بالياء، فإن الفعل عندهما في {تحسبنّهم} مسند إلى المخاطب، والمفعولان اللذان يلزمان في باب الظن محذوفان في قوله تعالى {لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ} بدلالة ما ذكر من بعد عليهما، ولا يجوز أن يكون {فلا تحسبنّهم} بدلاً من {تحسبنّ} الأول في هذه القراءة لاختلاف فاعليهما و«هم» في {لا تحسبنّهم} مفعول أول له، و{بمفازةٍ} مفعول ثانٍ.
وأما قراءة حمزة بالتاء في الجميع وبفتح الباء في {لا تحسبَنّهم}، فإنه أسند الفعل في الجميع إلى المخاطب و{الذين} في موضع النصب بأنه المفعول الأول، فقوله تعالى {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ} لا يجوز أ، يفتح {إنَّما} على هذه القراءة؛ لأن إملاءهم لا يكون إياهم، ولا يجوز إلا كسر إن على أن يكون إن وما بعدها في موضع المفعول الثاني من {يحسبن}.
وأما قوله {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا} في هذه القراءة، فإن المفعول الثاني الذي يقتضيه يحسبن محذوف؛ لأن قوله {فلا تحسبنّهم بمفازةٍ من العذاب} يدل عليه، ويجوز أن يجعل {تحسبنّهم} بدلاً من {تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ} يدل عليه، ويجوز أن يجعل {تحسبنّهم} بدلاً من {تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ}، كما جاز ذلك في قراءة ابن كثير وأبي عمرو لاتفاق فعلي الفاعلين، والفاء زائدة.
وأما قوله {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ} على هذه القراءة، فإن التقدير: ولا تحسبن بخل الذين يبخلون، وهو المفعول الأول، ليكون هو والمفعول الثاني سواء، وهو قوله {خيرًا لهم} فحذف المضاف الذي هو بخل، وأقيم المضاف إليه مقامه، فانتصب انتصابه.
وأما قراءة عاصم والكسائي ويعقوب في الحرفين بالياء، والباقي بالتاء، فقد تقدم ذكر وجههما.
[الموضح: 394]
وأما فتح السين في تحسب وكسرها، فقد ذكر في آخر سورة البقرة). [الموضح: 395]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108602#post108602)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 03:31 PM
سورة آل عمران
[من الآية (179) إلى الآية (180) ]
{مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179) وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180)}
قوله تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ (179)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (حتّى يميز الخبيث من الطّيّب... (179)
و: (ليميز).
قرأ حمزة والكسائي والحضرمي: (حتّى يميّز) و: (ليميّز) بضم الياء والتشديد، وقرأ الباقون: (حتّى يميز) و: (ليميز) بالتخفيف وفتح الياء.
قال أبو منصور: يقال: ميّزت الشيء من الشيء فتميّز، إذا خلصته منه، والمعنى: أن المؤمنين هم الطيّب، ميّزهم الله من الخبيث، وهم المشركون، أي: خلصهم.
ومن قرأ (حتى يميز) فهو من مزته أميزه
[معاني القراءات وعللها: 1/284]
ميزًا، فهو مميز، بمعنى ميّزت.
ويقال: مزته فامتاز وأماز، وميزته فتميّز، قال الله جلّ وعزّ: (وامتازوا اليوم أيّها المجرمون)، أي: تميزوا من المؤمنين فإنكم وقود النار، والمؤمنون للجنة). [معاني القراءات وعللها: 1/285]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (67- وقوله تعالى: {حتى يميز الخبيث من الطيب} [179].
قرأ حمزة والكسائي {حتى يميز} مشددة.
وقرأ الباقون مخففة، وهما لغتان، ماز يميز وميز يميز). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/124]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الياء والتخفيف وضمّها والتّشديد من قوله عز وجل: حتى يميز [آل عمران/ 179] وليميز الله الخبيث [الأنفال/ 37].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم: حتى يميز وليميز الله الخبيث بفتح الياء والتخفيف. وقرأ حمزة والكسائي حتى يميز وليميز الله بضمّ الياء والتشديد.
[قال أبو علي]: قال يعقوب: مزته، فلم ينمز، وزلته فلم ينزل، وأنشد أبو زيد:
[الحجة للقراء السبعة: 3/110]
لمّا ثنى الله عنّي شرّ عزمته... وانمزت لا مسئيا
ذعرا ولا وجلا [مسئيا من قول ذي الرّمّة:
... بعيد السأو مهيوم والسأو: هو الهمّة.
تقول: لا أذعر ولا أهم بالذعر. فمزت وميّزت لغتان]، وليس ميّزت بمنقول من مزت كما أنّ غرّمته منقول من غرم، يدلّك على ذلك أنّه لا يخلو تضعيف العين في ميّز من أن يكون لغة في ماز، أو يكون تضعيف العين لنقل الفعل، كما أنّ الهمزة في أقمته له، فالذي يدلّ على أنّه ليس للنقل، كما أن غرّمته للنّقل، أنّه لو كان للنّقل للزم أن يتعدّى ميّزت إلى مفعولين، كما أنّ غرّمت يتعدى إلى مفعولين، تقول: غرّمت زيدا مالا. وفي أنّ ميّزت لا يتعدّى إلى مفعولين إلّا بحرف جر نحو قولهم: ميّزت
[الحجة للقراء السبعة: 3/111]
متاعك بعضه من بعض، دلالة بيّنة على أنّ تضعيف العين ليس للنّقل. ومثل ميّزت في أنّ التضعيف فيه ليس للتعدية إنّما هو لغير هذا المعنى، الهمزة في قولهم: ألقيت ألا ترى أنّ الهمزة فيه ليست لنقل الفعل من فعل إلى أفعل ليزيد في الكلام مفعول؟ إنّما ألقيت بمنزلة أسقطت، ولو كان منقولا من لقي لتعدّى إلى مفعولين، لأنّ لقي يتعدّى إلى مفعول في قولك: لقيت زيدا، ولو كانت الهمزة في ألقيت للنقل لتعدّى إلى مفعولين. وفي قولهم:
ألقيت متاعك بعضه على بعض وتعدّيه إلى المفعول الثاني بالجارّ دلالة على أنّ ألقيت ليس للنقل من لقي، وأنّ ألقيت بمنزلة أسقطت في تعدي ألقيت إلى مفعول واحد كما أنّ أسقطت يتعدّى إلى مفعول واحد، ولا يتعدّى إلى مفعول ثان، إلّا بحرف الجرّ، كما أنّ أسقطت لا يتعدّى إلى مفعول ثان إلّا بحرف الجرّ، كقولك: أسقطت متاعك بعضه على بعض. ومثل ميّز في أنّ التضعيف فيه ليس للتعدي قولهم: عوّض، فالتضعيف فيه ليس للنقل، ولو كان للنقل من عاض، لتعدّى إلى ثلاثة مفعولين لأنّ عاض يتعدّى إلى مفعولين يدلّك على ذلك ما أنشده الأصمعي:
عاضها الله غلاما بعد ما... شابت الأصداغ والضرس نقد
[الحجة للقراء السبعة: 3/112]
وتقول: عوّضت زيدا مالا، فعوّض وعاض لغتان كما أنّ ميّز وماز لغتان، كلّ واحد منهما في معنى الآخر، ليس عوّض منقولا من عاض، كما أنّ ميّز ليس بمنقول من ماز. وإذا كان الأمر في ذلك على ما وصفنا، فكلتا القراءتين حسنة، لأنّ ماز فعل متعد إلى مفعول واحد، كما أنّ ميّز كذلك. ولقولهم: ماز من المزية أنّ أكثر القراء عليها، وكثرة القراءة بها يدلّ على أنّها أكثر في استعمالهم). [الحجة للقراء السبعة: 3/113]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({حتّى يميّز الخبيث من الطّيب}
قرأ حمزة والكسائيّ {حتّى يميّز الخبيث} بالتّشديد من قولك ميزت بين الشّيئين أميز تمييزا إذا خلصته كما تقول فرقت بينهما أفرق تفريقا
وقرأ الباقون {حتّى يميّز الخبيث} بالتّخفيف من مزت الشّيء وأنا أميز ميزا وحجتهم قوله {الخبيث من الطّيب} والتّشديد إنّما يدخل في الكلام للتكثير قال أبو عمرو لا يكون يميّز
[حجة القراءات: 182]
بالتّشديد إلّا كثيرا من كثير فأما واحد من واحد ف يميّز على معنى يعزل
وحجّة التّشديد أن العرب للمشدد أكثر استعمالا وذلك أنهم وضعوا مصدر هذا الفعل على معنى التّشديد فقالوا فيه التّمييز ولم يقولوا الميز فدلّ استعمالهم المصدر على بنية التّشديد فتأويل الكلام حتّى يميّز جنس الخبيث من جنس الطّيب). [حجة القراءات: 183]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (105- قوله: {حتى يميز}، {وليميز} قرأه حمزة والكسائي بضم الياء والتشديد هنا وفي الأنفال، وقرأ الباقون بفتح الياء، والتخفيف فيهما، وهما لغتان، يقال: مازَ يميز، مثل كال يكيل، وميّز يميز مثل: قتل يقتل، وفي التشديد معنى التكثير، يقال: ميزت الطعام فتميّز، وليس التشديد في هذا لتعدي الفعل كـ «كرم وكرمت»؛ لأنه لم يتعد بالتشديد، لأنك تقول: مزت المتاع، وميّزت المتاع، فلا يحدث التشديد تعديًا لم يكن في التخفيف، فالقراءتان بمعنى التخفيف أحب إلي؛ لأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/369]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (48- {حَتَّى يُمَيِّزَ} [آية/ 179]:-
بضم الياء وتشديد الياء الثانية، قرأها حمزة والكسائي ويعقوب، وكذلك في الأنفال {لِيُمَيِّزَ الله}.
وهو من ميز يميز تمييزًا، أي فصل وأبان.
وقرأ الباقون {لِيَمِيزَ} بفتح الياء وبالتخفيف في السورتين.
وهو من ماز يميز ميزًا، إذا فصل، وهو بمعنى ميز سواء، وليس ميز بمنقول من ماز، إذ لو كان كذلك لتعدى إلى مفعولين، وليس كذلك، بل يتعدى كلاهما إلى مفعولٍ واحدٍ). [الموضح: 395]
قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (180)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولا تحسبنّ الّذين كفروا... (178)
و: (ولا يحسبنّ الّذين يبخلون)
و: (لا تحسبنّ الّذين يفرحون)... (فلا تحسبنّهم).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو أربعهن بالياء، وقرأ نافع وابن عامر ثلاثًا بالياء وواحدة بالتاء، وهو قوله: (فلا تحسبنّهم)، وقرأ عاصم والكسائي ويعقوب: (ولا يحسبنّ الّذين كفروا) و(لا يحسبنّ الّذين يبخلون) بالياء، والأخريين بالتاء.
وقرأ حمزة كلهن بالتاء، وكل من قرأ (فلا تحسبنّهم) بالتاء فتح الباء، ومن قرأ بالياء ضم الباء (فلا يحسبنّهم).
[معاني القراءات وعللها: 1/282]
قال محمد بن يزيد: من قرأ (يحسبنّ) يفتح (أن)، وكانت تنوب عن الاسم والخبر، يقول: (حسبت أنّ زيدًا منطلق)، ويقبح الكسر مع الياء، وهو مع قبحه جائز.
ومن قرأ (لا تحسبنّ الّذين كفروا) لم يجز عند البصريين إلا كسر ألف (إن)، المعنى: لا تحسبن الذين كفروا إملاؤنا خير لهم.
ودخلت (إن) مؤكدة، وإذا فتحت صار المعنى: ولا تحسبن الذين كفروا إملاءنا.
قال أبو منصور: الفتح جائز مع الياء عند غيره من النحويين، وهو على البدل من (الذين)، المعنى: لا يحسبن إملاءنا الذين كفروا خيرًا لهم.
وقد قرأ بهذه القراءة جماعة.
وقراءتهم دليل على جوازها، ومثله قال الشاعر:
فما كان قيسٌ هلكه هلك واحدٍ... ولكنه بنيان قومٍ تهدّما
[معاني القراءات وعللها: 1/283]
يجوز هلك واحد، وهلك واحد، فمن رفع قوله (هلكه) ابتداءً جعل هلك واحدا خبر الابتداء، ويسدّان معًا مسدّ الخبر.
ومن جعل (هلكه) بدلا من قوله (قيسٌ) نصب (هلك واحد) المعنى: ما كان هلكه هلك واحد.
وقال الفراء: من قرأ (ولا تحسبنّ الّذين كفروا أنّما) قال: هو على التكرير: لا تحسبنهم لا تحسبن أنما نملي لهم.
قال: وهو مثل قوله: (هل ينظرون إلّا السّاعة أن تأتيهم) على التكرير: هل ينظرون إلا أن تأتيهم). [معاني القراءات وعللها: 1/284] (م)
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (واللّه بما تعملون خبيرٌ (180)
قرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب: (بما يعملون) بالياء -، وقرأ الباقون: بالتاء.
التاء للخطاب، والياء للغيبة). [معاني القراءات وعللها: 1/285]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (64- وقوله تعالى: {ولا يحسبن الذين يبخلون} [180].
قرأ حمزة وحده بالتاء.
والباقون بالياء. فمن قرأ بالياء فموضع {الذين} رفع، و{يبخلون} صلة {الذين} والمفعول الأول مصدر دل عليه الفعل، والتقدير: ولا يحسبن الذين يبخلون بُخلهم خيرًا لهم.
ومن قرأ بالتاء فـ {الذين} في موضع نصب، وهو المفعول الأول، {وخيرًا} المفعول الثاني). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/124]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (65- وقوله تعالى: {والله بما تعملون خبير} [180].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو بالياء؛ إخبارًا عن الكفرة.
وقرأ الباقون بالتاء، أي: والله بما تعملون أنتم وهم خبير). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/124]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (68- وقوله تعالى: {ولا يحسبن الذين يفرحون} [180]
قرأ أهل الكوفة بالتاء.
والباقون بالياء.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو {فلا يحسبنهم} بالياء وضم الباء وفيه جوابان:
أحدهما: أن يكون الفعل لمحمد صلى الله عليه وسلم، والهاءُ كناية عن الكفرة.
والثاني: فلا يحسب الكفار أنفسهم.
ومن قرأ بالتاء أي: فلا تَحسبنهم يا محمد بمفازة من العذاب أي: بِبُعْدٍ من النار). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/125]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله [جلّ وعز]: ولا يحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: ولا يحسبن الذين كفروا بالياء، ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180] ولا يحسبن الذين يفرحون [آل عمران/ 188] فلا يحسبنهم [آل عمران/ 188] بضمّ
[الحجة للقراء السبعة: 3/100]
الباء في يحسبنهم وكلّهنّ بالياء وكسر السين في كل القرآن.
وقرأ نافع وابن عامر ولا يحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180] لا يحسبن الذين يفرحون [آل عمران/ 188] كل ذلك بالياء فلا تحسبنهم [آل عمران/ 188] بالتاء وفتح الباء غير أنّ نافعا كسر السين وفتحها ابن عامر. وقرأ حمزة: ولا تحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] ولا تحسبن الذين يفرحون... فلا تحسبنهم [آل عمران/ 188] بفتح الباء والسين وكل ذلك بالتاء. وقرأ عاصم والكسائي كلّ ما في هذه السورة بالتاء إلّا حرفين: قوله: ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180] ولا يحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] فإنّهما بالياء غير أنّ عاصما فتح السين وكسرها الكسائي. ولم يختلفوا في قوله: ولا تحسبن الذين قتلوا [آل عمران/ 169] أنها بالتاء.
قال أبو علي: قراءة ابن كثير وأبي عمرو، ولا يحسبن الذين كفروا* [آل عمران/ 178] ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180] ولا يحسبن الذين يفرحون
[الحجة للقراء السبعة: 3/101]
[آل عمران/ 188] فلا يحسبنهم بضم الباء في يحسبنهم وكلّهنّ بالياء وكسر السين في كلّ القرآن.
[قال أبو علي]: الذين في هذه الآي في قراءتهما:
رفع بأنّه فاعل يحسب، وإذا كان الذي في الآي فاعلا اقتضى حسب مفعولين، لأنّها تتعدى إلى مفعولين، أو إلى مفعول يسد مسدّ المفعولين، وذلك إذا جرى في صلة ما يتعدى إليه ذكر الحديث والمحدّث عنه نحو: حسبت أنّ زيدا منطلق، وحسبت أن تقوم، فقوله: أنما نملي لهم خير لأنفسهم [آل عمران/ 178] قد سدّ مسدّ المفعولين اللذين يقتضيهما يحسبنّ. وكسر إنّ في قول من قرأ: يحسبن بالياء لا ينبغي، وقد قرئ فيما حكاه غير أحمد بن موسى. ووجه ذلك أنّ «إنّ» يتلقّى بها القسم كما يتلقّى بلام الابتداء، ويدخل كلّ واحد منهما على الابتداء والخبر فكسر إنّ بعد يحسبنّ، وعلّق عليها الحسبان كما يعلّق باللّام. فقال: لا يحسبن الذين كفروا إنما نملي [آل عمران/ 178] كما قال: لا يحسبن الذين كفروا للآخرة خير لهم. وما تحتمل ضربين أحدهما: أن تكون بمعنى الذي فيكون التقدير: لا يحسبنّ الذين كفروا أنّ الذي نمليه خير لأنفسهم، والآخر: أن يكون ما نملي بمنزلة الإملاء فيكون مصدرا، وإذا كان مصدرا، لم يقتض راجعا إليه. وقال أبو الحسن: المعنى: ولا يحسبنّ الذين كفروا أنّ ما نملي لهم ليزدادوا إثما، إنّما نملي لهم خير لأنفسهم. وأمّا قوله: ولا يحسبن الذين
[الحجة للقراء السبعة: 3/102]
يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم [آل عمران/ 180] فالذين يبخلون فاعل يحسبنّ والمفعول الأول محذوف من اللفظ لدلالة اللفظ عليه، وهو بمنزلة قولك: من كذب كان شرا له، أي:
الكذب، فكذلك: لا يحسبنّ الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله البخل هو خيرا لهم، فدخلت هو فصلا، لأنّ تقدّم يبخلون بمنزلة تقدّم البخل، فكأنّك قلت: لا يحسبنّ الذين يبخلون البخل هو خيرا لهم. فأمّا قوله: ولا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا [آل عمران/ 188] فلا تحسبنهم فالذين في موضع رفع بأنّه فاعل يحسب، ولم توقع يحسبنّ على شيء. قال أبو الحسن لا يعجبني قراءة من قرأ الأولى بالياء، لأنّه لم يوقعه على شيء، ونرى أنّه لم يستحسن أن لا يعدّى حسبت، لأنّه قد جرى مجرى اليمين في نحو: علم الله لأفعلنّ.
ولقد علمت لتأتينّ منيتي.......
وظننت ليسبقنّني، وظنوا ما لهم من محيص [فصلت/ 48] فكما أنّ القسم لا يتكلّم به حتى يعلّق بالمقسم عليه، كذلك ظننت وعلمت، في هذا الباب.
وأيضا فإنّه قد جرى في كلامهم لغوا، وما جرى [في
[الحجة للقراء السبعة: 3/103]
كلامهم] لغوا لا يكون في حكم الجمل المفيدة، ومن ثمّ جاء نحو:
وما خلت أبقى بيننا من مودّة... عراض المذاكي المسنفات القلائصا
إنّما هو وما أبقى بيننا، وكذلك قال الخليل: تقول: ما رأيته يقول ذاك إلّا زيد، وما أظنّه يقول ذاك إلّا عمرو، فهذا يدلّك أنّك انتحيت على القول، ولم ترد أن تجعل زيدا موضع فعلك كضربت وقتلت. ولذلك لم يجر الشرط مجرى الجمل في نحو:
إن تفعل، لأنّ الشرط بمنزلة القسم، والجزاء بمنزلة المقسم عليه، ولذلك فصل بالشرط بين أمّا وجوابها في نحو وأما إن كان من أصحاب اليمين، فسلام لك [الواقعة/ 91] ولو كان بمنزلة الجمل لم يجز به الفصل. ووجه قول ابن كثير وأبي عمرو في أن لم يعدّيا حسبت إلى مفعوليه اللذين يقتضيهما أنّ يحسب في قوله: فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب [آل عمران/ 188] لمّا جعل بدلا من الأول،
[الحجة للقراء السبعة: 3/104]
وعدّي إلى مفعوليه استغنى بهما عن تعدية الأول إليهما، كما استغنى في قوله:
بأيّ كتاب أم بأيّة سنّة... ترى حبّهم عارا عليّ وتحسب
بتعدية أحد الفعلين إلى المفعولين عن تعدية الآخر إليهما فإن قلت: كيف يستقيم، تقدير البدل في قوله: لا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا... فلا تحسبنهم بمفازة [آل عمران/ 188].
وقد دخلت الفاء بينهما ولا يدخل بين البدل والمبدل منه الفاء؟ فالقول أنّ الفاء زائدة، يدلّك على أنّها لا يجوز أن تكون التي تدخل على الخبر، أنّ ما قبل الفاء ليس بمبتدإ، فتكون الفاء خبره، ولا تكون العاطفة لأنّ المعنى: لا يحسبنّ الذين يفرحون بما أتوا أنفسهم بمفازة من العذاب. فإذا كان كذلك لم يجز تقدير العطف لأنّ الكلام لم يستقل بعد، فيستقيم فيه تقدير العطف.
فأمّا قوله: فلا يحسبنهم فإنّ فعل الفاعل الذي هو يحسبنّ تعدّى إلى ضميره، وحذفت واو الضمير لدخول النون
[الحجة للقراء السبعة: 3/105]
الثقيلة. فإن قلت: هلّا لم يحذف الواو من يحسبون، وأثبتها كما ثبتت في: تمودّ الثوب، وأ تحاجوني [الأنعام/ 80] ونحو ذلك، مما يثبت فيه التقاء الساكنين لما في الساكن الأوّل من زيادة المدّ التي تقوم مقام الحركة، فالقول فيه أنّه حذفت كما حذفت مع الخفيفة، ألا ترى أنّك لو قلت: لا يحسبن زيدا ذاهبا، لزمك الحذف، فأجرى الثقيلة مجرى الخفيفة لهذا. وقوله: بمفازة من العذاب في موضع المفعول الثاني وفيه ذكر للمفعول الأوّل. وفعل الفاعل في هذا الباب يتعدّى إلى ضمير نفسه، نحو:
ظننتني أخاه، لأنّ هذه الأفعال لمّا كانت تدخل على الابتداء والخبر أشبهت إنّ وأخواتها في دخولهنّ على الابتداء والخبر [كدخول هذه الأفعال عليهما وذلك قولك]: ظننتني ذاهبا، كما تقول:
إنّي ذاهب. ومما يدلّك على ذلك قبح دخول اليقين عليها، لو قلت: أظنّ نفسي تفعل كذا لم يحسن كما يحسن أظنّني فاعلا.
قال: وقرأ نافع وابن عامر: ولا يحسبن الذين كفروا ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180].. ويفرحون [آل عمران/ 188] كلّ ذلك بالياء. فلا تحسبنهم بالتاء وفتح الباء.
[الحجة للقراء السبعة: 3/106]
قراءتهما في ذلك مثل قراءة ابن كثير وأبي عمرو، وقد مرّ القول فيها إلّا في قوله: فلا تحسبنهم بالتاء وفتح الباء.
والمفعولان اللذان يقتضيهما الحسبان في قوله: ولا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا محذوفان، لدلالة ما ذكر من بعد عليهما، ولا يجوز البدل، كما جاز البدل في قراءة ابن كثير وأبي عمرو لاختلاف الفعلين باختلاف فاعليهما.
قال: وقرأ حمزة ولا تحسبن الذين كفروا ولا تحسبن الذين يفرحون فلا تحسبنهم بفتح الباء والسين وكل ذلك بالتاء.
قوله: الذين كفروا في موضع نصب بأنّه المفعول الأول. والمفعول الثاني في هذا الباب هو المفعول الأول في المعنى، فلا يجوز إذا فتح إنّ في قوله: ولا تحسبن الذين كفروا إن ما نملي لهم، لأنّ إملاءهم لا يكون إياهم. فإن قلت: فلم لا يجوز الفتح في أنّ، وتجعله بدلا من الذين كفروا كقوله: وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره [الكهف/ 63] وكما كان أنّ من قوله: وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم [الأنفال/ 7]. [بدلا من إحدى الطائفتين] قيل: لا يجوز ذلك لأنّك إذا أبدلت أنّ من الذين كفروا، كما أبدلت أنّ من إحدى الطائفتين لزمك أن تنصب خيرا على تقدير: لا تحسبنّ إملاء الذين كفروا خيرا لأنفسهم من حيث
[الحجة للقراء السبعة: 3/107]
كان المفعول الثاني: لتحسبنّ وقيل: إنّه لم ينصبه أحد. فإذا لم ينصب علمت أنّ البدل فيه لا يصح، فإذا لم يصح البدل [لم يجز فيه إلّا كسر إنّ] ولا تحسبن الذين كفروا إن ما نملي لهم خير لأنفسهم على أن تكون إنّ وخبرها في موضع المفعول الثاني من تحسبنّ. فأمّا قوله: لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا [آل عمران/ 188] فحذف المفعول الذي يقتضيه تحسبنّ، لأنّ ما يجيء من بعد من قوله: فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب يدلّ عليه، ويجوز أن تجعل تحسبنهم بدلا من تحسبن، كما جاز أن تجعل يحسبنهم بدلا من يحسبن الذين يفرحون في قراءة ابن كثير وأبي عمرو لاتفاق فعلي الفاعلين. وقد قدّمنا أنّ الفاء زائدة، والقول فيها أنّها لا تخلو من أن تكون للعطف، أو للجزاء، أو زائدة، فإن كانت للعطف فلا يخلو من أن تعطف جملة على جملة، أو مفردا على مفرد، وليس هذا موضع العطف، لأنّ الكلام لم يتمّ، ألا ترى أنّ المفعول الثاني لم يذكر بعد؟ ولا يجوز أيضا أن تكون للجزاء كالتي في قوله: وما بكم من نعمة فمن الله [النحل/ 53] ونحوها، لأنّ تلك تدخل على ما كان خبرا من الجمل، لأنّ أصلها أن تدخل في الجزاء، وهي جملة خبر، وليس ما دخلت عليه الفاء في الآية بجملة، إنّما هو فضلة، ألا ترى أنّ مفعولي حسبت فضلة؟ فإن قلت: إنّ أصلهما أن يكونا خبرا، فإنّ
[الحجة للقراء السبعة: 3/108]
ذلك الأصل قد زال بكونهما فضلة، كما زال في قولك: ليت الذي في الدار منطلق، عن أن يكون خبرا بدخول ليت، وكذلك قد زال بدخول حسبت عليهما أن يكون جملة، ويدلّك على ذلك أنّك تقول: حسبت زيدا اليوم منطلقا. فتفصل بينهما باليوم الذي هو ظرف حسبت، ولو كان الكلام باقيا على ما كان عليه قبل دخول الظنّ، لم يجز أن تفصل بينهما بأجنبي منهما، فإذا لم يجز أن تكون للعطف ولا للجزاء، ثبت أنّها زائدة قال: وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي قال: وقرأ عاصم والكسائي: كلّ ما في هذه السورة بالتاء إلّا حرفين: قوله: ولا يحسبن الذين يبخلون، ولا يحسبن الذين كفروا فإنّهما بالياء، غير أنّ عاصما فتح السين وكسرها الكسائي.
قد تقدّم القول في ولا يحسبن الذين يبخلون فأمّا قوله: ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم [آل عمران/ 178] فالوجه فتح أنّ لأنّها تسدّ مسدّ المفعولين، كما سدّ الفعل والفاعل مسدّهما لمّا جرى ذكرهما في الصلة في نحو قوله: أحسب الناس أن يتركوا [العنكبوت/ 29].
[الحجة للقراء السبعة: 3/109]
قال: ولم يختلفوا في قوله: ولا تحسبن الذين قتلوا [آل عمران/ 169] أنّها بالتاء قوله: تحسبن مسند إلى الفاعل المخاطب، والذين قتلوا المفعول الأول، والمفعول الثاني قوله: أمواتا. فقد استوفى الحسبان فاعله ومفعوليه). [الحجة للقراء السبعة: 3/110] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: قرأ ابن كثير وأبو عمرو: والله بما يعملون خبير [آل عمران/ 180] بالياء وقرأ الباقون بالتاء.
[قال أبو علي]: القول في ذلك أنّ من قرأ بالياء أتبعه ما قبله، وهو على الغيبة، وذلك قوله: سيطوقون [آل عمران/ 180] والله بما يعملون خبير [آل عمران/ 180] من منعهم الحقوق من أموالهم فيجازيهم عليه، ومن قرأ بالتاء فلأنّ قبله خطابا، وهو قوله: وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم أجر عظيم [آل عمران/ 179] والله بعملكم المرضيّ خبير فيجازيكم عليه، فالغيبة أقرب إليه من الخطاب). [الحجة للقراء السبعة: 3/113]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ولا يحسبن الّذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شرّ لهم سيطوقون ما بخلوا به} {والله بما تعملون خبير} 180
قرأ حمزة (ولا تحسبن الّذين يبخلون) بالتّاء خطاب للنّبي صلى الله عليه ف الّذين في موضع نصب على المفعول الأول و{خيرا لهم} المفعول الثّاني قال أحمد بن يحيى الوجه عندنا بالتّاء ليكون للمحسبة اسم وخبر فيكون {الّذين} نصبا باسم المحسبة و{هو خيرا لهم} خبرا والمعنى لا تحسبن بخل الباخلين خيرا لهم فأقام الباخلين مقام بخلهم وإذا قرأت بالياء لم تأت للمحسبة باسم فلذلك اخترنا التّاء
وقرأ الباقون {ولا يحسبن} بالياء موضع {الّذين} رفع و{يبخلون} صلة الّذين والم الأول مصدر محذوف وهو البخل دلّ {يبخلون} عليه المعنى ولا يحسبن الّذين يبخلون
[حجة القراءات: 183]
البخل هو خيرا لهم فحذف المفعول الأول واجتزئ ب يبخلون عن البخل كما يقال من صدق كان خيرا له ومن كذب كان شرا تريد كان الصدق خيرا وكان الكذب شرا قال الفراء إنّما {هو} عماد يقال فأين اسم هذا العماد قيل مضمر معناه لا يحسبن الباخلون البخل هو خيرا لهم فاكتفى بذكر يبخلون من البخل كما قال الشّاعر
إذا نهي السّفيه جرى إليه ... وخالف والسّفيه إلى خلاف
يريد جرى إلى السّفه ولم يذكر السّفه ولكن دلّ السّفيه على السّفه فكذلك دلّ يبخلون على البخل
قرأ ابن كثير وأبو عمرو (والله بما يعلمون خبير) بالياء إخبار عن الكفرة وحجتهما قوله {سيطوقون ما بخلوا به}
وقرأ الباقون {بما تعملون خبير} التّاء أي أنتم وهم وحجتهم قوله قبلها {وما كان الله ليطلعكم على الغيب} ). [حجة القراءات: 184]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (99- قوله: {ولا يحسبن الذين يبخلون} قرأه حمزة وحده بالتاء كالأول، وقرأ الباقون بالياء كالأول.
100- ووجه القراءة بالياء أنه أضيف الفعل إلى ما بعده، وهم «الذين
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/366]
يبخلون»، فهم الفاعلون، ورد الفعل على ما قبله من الغيبة، في قوله: {ولا يحسبن الذين كفروا}، والمفعول الأول لـ «يحسب» محذوف. والتقدير: ولا يحسبن الذين يبخلون البخل خيرًا لهم، فحذف البخل لدلالة «يبخلون» عليه، ويجوز أن يكون الفعل للنبي عليه السلام على معنى: ولا يحسبن محمد الذين يبخلون، على حذف مضاف أيضًا، أي: ولا يحسبن محمد بخل الذين يبخلون هم خير لهم.
101- ووجه القراءة بالتاء أنه على الخطاب للنبي عليه السلام، فهو الفاعل، و{الذين يبخلون} مفعول بهم أول، على تقدير حذف مضاف، أي: بخل الذين، ولابد من الإضمار في القراءتين جميعًا، ليكون المفعول الثاني هو الأول في المعنى، لأن «الذين» غير خبر، ولابد من إضمار شيء يكون هو خبرًا في المعنى؛ لأن «الذين» غير خبر، ولابد من إضمار شيء يكون هو خبرًا في المعنى والنفي إنما وقع على ان البخل ليس هو «خيرًا» لهم و«خيرًا» هو المفعول الثاني، وهو فاصلة لا موضع لها من الإعراب). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/367]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (106- قوله: {بما تعملون خبير} قرأه ابن كثير وأبو عمرو بالياء، رداه على لفظ الغيبة التي قبله، في قوله: {سيطوقون} قوله: {ولا يحسبن الذين يبخلون}، وقرأ الباقون بالتاء، ردوه على الخطاب المكرر الذي قبله في قوله: {وإن تؤمنوا وتتقوا فلكم} «179» ونوي به التقدم، ليكون أقرب إليه، والتقدير: فلكم أجر عظيم، والله بما تعملون خبير، والتاء أحب إلي، لتكرر لفظ الخطاب الذي قبله، ولأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/369]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (49- {والله بِمَا يَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} [آية/ 180]:-
بالياء، قرأها ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب؛ لأنهم جعلوه تابعًا لما قبله، وهو على الغيبة، وذلك قوله تعالى {سَيُطَوَّقُونَ}.
وقرأ الباقون {تَعْمَلُون} بالتاء، جعلوه موافقًا لقوله تعالى: {وَإِنْ تُؤْمِنُوا
[الموضح: 395]
وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ}، والمعنى والله بعملكم المرضي خبير فيجازيكم عليه، على أن الخطاب أبعد منه، والغيبة أقرب). [الموضح: 396]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108603#post108603)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 03:34 PM
سورة آل عمران
[من الآية (181) إلى الآية (184) ]
{لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (182) الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (183) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (184) }
قوله تعالى: {لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (181)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (سنكتب ما قالوا وقتلهم... ونقول... (181).
قرأ حمزة وحده: (سنكتب ما قالوا) بياء مضمومة، و(قتلهم) و(يقول ذوقوا) بالياء.
وقرأ الباقون: (سنكتب) بالنون: و(قتلهم) نصبا، و(نقول) بالنون.
[معاني القراءات وعللها: 1/285]
قال أبو منصور: من قرأ (قتلهم) فعلى أنه معطوف على (ما قالوا) وهي في موضع الرفع، أي: سيكتب قولهم وقتلهم الأنبياء.
ومن قرأ (وقتلهم) عطفه على (ما قالوا) لأنه مفعول بقوله (سنكتب)، و(قتلهم) معطوف عليه). [معاني القراءات وعللها: 1/286]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (66- قوله تعالى: {سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء} [181].
قرأ حمزة {سيكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياءْ على ما لم يسم فاعله.
وقرأ الباقون على ما سمي فاعله، لقول الله تعالى: {سنكتب ما قالوا} ونكتب قتلهم الأنبياء، فـــ «ما» موضعها نصب على هذه القراءة، وعلى قراءة حمزة موضعها رفع؛ لأنه اسم ما لم يُسمَّ فاعله). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/124]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله تعالى: سنكتب ما قالوا، وقتلهم الأنبياء بغير حق.... وتقول [آل عمران/ 181] في الياء والنون والرفع والنصب.
فقرأ حمزة وحده: سيكتب ما قالوا بالياء، وقتلهم* رفعا ويقول* بالياء. وقرأ الباقون: سنكتب ما قالوا بالنون وقتلهم نصبا، ونقول بالنون.
قال أبو علي: وجه قراءة من قرأ سنكتب أنّ قبله: لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير [آل عمران/ 181] فالنون هاهنا بعد الاسم الموضوع للغيبة، كقوله: بل الله مولاكم [آل عمران/ 150] ثمّ قال: سنلقي [آل عمران/ 151] ولو قرئ:
سيكتب ما قالوا بالياء لكان في الإفراد كقوله: وقذف في قلوبهم الرعب [الأحزاب/ 26] وقوله: كتب الله لأغلبن أنا [المجادلة/ 21] وقوله: ونقول [آل عمران/ 181] معطوف على سنكتب. ووجه قول حمزة: ويقول* أنّ معنى سيكتب، سيكتب، كما أنّ معنى: كتب عليه أنه من تولاه [الحج/ 4] كتب، ويقوّي سنكتب قوله: وكتبنا عليهم فيها [المائدة/ 45].
وأمّا رفع حمزة وقتلهم* [آل عمران/ 181] فلأنّه عطفه على ما قالوا وهو في موضع رفع بإسناده إلى الفعل المبني للمفعول به.
[الحجة للقراء السبعة: 3/115]
ومن قال: وقتلهم فنصب حمله على سنكتب ما قالوا وهو في موضع نصب بأنّه مفعول به). [الحجة للقراء السبعة: 3/116]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({سنكتب ما قالوا وقتلهم الأنبياء بغير حق ونقول ذوقوا عذاب الحريق}
قرأ حمزة (سيكتب ما قالوا) بالياء وضمّها {وقتلهم الأنبياء} بالرّفع على ما لم يسم فاعله {ويقول} بالياء
[حجة القراءات: 184]
وقرأ الباقون {سنكتب ما قالوا} بالنّون أخبر جلّ وعز عن نفسه {وقتلهم الأنبياء} نصب أي ونكتب قتلهم الأنبياء {ونقول} بالنّون). [حجة القراءات: 185]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (107- قوله: {سنكتب ما قالوا وقتلهم} قرأه حمزة «سيكتب» بياء مضمومة «قتلهم» بالرفع، و«يقول» بالياء، وقرأ الباقون «سنكتب» بنون مفتوحة، و«قتلهم» بالنصب و«نقول» بالنون.
108- وحجة من قرأ بالياء أنه أجراه على لفظ الغيبة، وجعله فعلا لم يسم فاعله فـ «ما» في موضع رفع، لأنه مفعول لم يُسم فاعل، فلذلك رفع «وقتلهم» على العطف على «ما » وعطف «ويقول» على «سيكتب» فأجري على الغيبة لتقدم ذكر اسم الله جل ذكره، لكنه أجرى الفعل الثاني على
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/369]
ما سمي فاعله، وخالف به الأول، ولو أجراه على الأول لقال: ويقال ذوقوا، وعلته في إجرائه «سيكتب» على ما لم يسم فاعله، ثم بـ «يقول» على ما سمي فاعله، أن الأول وهو «سيكتب» فعل متعد. فلما وجد سبيلًا إلى مفعول، يقوم مقام الفاعل، وهو ما حمله على ما لم يسم فاعله، ولما كان «يقول» لا يتعدى إلى مفعول، وليس معه مفعول، يقوم مقام الفاعل، لم يردّه إلى ما لم يُسم فاعله، إذ لا مفعول في الكلام، يقوم مقام الفاعل، إلا أن يضمر مصدرًا يقوم مقام الفاعل، وذلك تكلف، وفيه بُعد وخروج عن الظاهرة.
109- وحجة من قرأ بالنون أنه ردّه على الإخبار عن الله جل ذكره لما تقدم في قوله: {لقد سمع اله} فنصب به، وعطف {وقتلهم} على «ما» فنصبه، وعطف عليه «ونقول» فجرى كله على الغخبار عن الله جل ذكره، لتقدم ذكر اسمه جل وعز، وهو في القرآن كثير، وهو الاختيار، ليرد الكلام على أوله، ولأن الإجماع عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/370]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (50- {سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا} [آية/ 181]:-
مضمومة الياء ومفتوحة التاء، {وَقَتْلُهُمُ} بضم اللام، {وَيَقُولُ} بالياء، قرأها حمزة وحده.
والوجه أن {سَيُكْتَبُ} يفعل، ما لم يسم فاعله، وصلته في موضع رفع على أنه مفعول ما لم يسم فاعله، وهو في تقدير المصدر، والمعنى سيكتب قولهم، ولهذا عطف عليه {قَتْلُهُمْ} بالرفع، والفاعل في هذا الفعل هو الله تعالى، وإن جاء على ما لم يسم فاعله، ولهذا قال {وَيَقُولُ} بالياء، والمراد: يقول الله.
وقرأ الباقون {سَنَكْتُبُ} بالنون، {وَقَتْلَهُمُ} نصبًا، {وَنَقُولُ} بالنون.
والوجه أنه على مجيء ضمير اسم الله سبحانه وتعالى بلفظ الجمع على التعظيم، والفاعل هو الله سبحانه وتعالى، ومثله كثير، وكذلك القول بالنون.
ونصب {قَتْلَهُمْ} على أنه مفعول {سَنَكْتُبُ} ). [الموضح: 396]
قوله تعالى: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (182)}
قوله تعالى: {الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (183)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما رواه رَوْح عن أحمد عن عيسى أنه كان يقرأ: [بقُرُبان] بضم الراء.
[المحتسب: 1/177]
قال أبو الفتح: ينبغي أن يكون أصله "قُرْبان" ساكنة الراء والضمة فيها إتباع؛ لتعذر فُعُلان في الكلام. وحكى صاحب الكتاب منه السُّلُطان، وذهب إلى أن ضمة اللام إتباع كضمة الراء من القُرُفْصاء؛ وإنما هي القُرْفُصاء بسكون الراء. ومثله من الإتباع ما حكاه من قولهم: مُنْتُن بضم التاء، وهو مُنْحَدُر من الجبل؛ أي: منحدر. وحكى أيضًا: أجُوءُك وأُنْبُؤُك. فأما العَرَقُصان والعَرَتُن فليس إتباعًا؛ لكنه يراد به العريْقُصان بالياء والعَرَنْقُصان يقال أيضًا، فحذفت الياء والنون، وكذلك العرَتُن إنما هو العَرَنْتُن، فحذفت النون. وكذلك العَبَقُر أصله العَبَيْقُر، فحذفت الياء، فهذا طريق حذف وليس طريق إتباع). [المحتسب: 1/178]
قوله تعالى: {فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ (184)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (بالبيّنات والزّبر... (184).
قرأ ابن عامر وحده: (بالبيّنات وبالزّبر)، وكذلك هي في مصاحفهم بالباء.
وقرأ الباقون: (والزّبر) بغير باء.
[معاني القراءات وعللها: 1/286]
قال أبو منصور: إذا أظهرت اسما ثم عطفت عليه اسما فإن شئت عطفته بالباء وإن شئت نويت حذفها، وأما المضمر فلا يعطف عليه إلا بإظهار الخافض). [معاني القراءات وعللها: 1/287]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (68- وقوله تعالى: {بالبينات والزبر} [184]
قرأ ابن عامر {وبالزبر} بالباء، وكذلك في مصاحف أهل الشام، وقرأ الباقون بغير باء، فقال قوم: مررت بزيد وعمرو ومررت بزيد وبعمر سواء. وأما هشام فإنه قرأ {بالكتاب} بزيادة الباء، والباقون بغير زيادة الباء). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/125]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال: قرأ ابن عامر وحده: بالبينات وبالزبر [آل عمران/ 184] بالباء وكذلك في مصاحف أهل الشام، وقرأ الباقون: بالبينات والزبر بغير باء [في الزبر] وكذلك هي في مصاحفهم.
[الحجة للقراء السبعة: 3/113]
قال أبو علي: وجه قراءة من قرأ: بالبينات والزبر أنّ الواو قد أغنت عن تكرير العامل، ألا ترى أنّك إذا قلت: مررت بزيد وعمرو، أشركت الواو عمرا في الباء، فأنت عن تكريرك الباء مستغن، وكذلك إذا قلت: جاءني زيد وعمرو: فالواو: قد.
أشركت عمرا في المجيء، وكذلك جميع حروف العطف. ووجه قول ابن عامر أنّ إعادة الباء، وإن كان مستغنى عنها فإنّه لضرب من التأكيد، ولو لم يكرر لاستغنى بإشراك حرف العطف فممّا جاء على قياس قراءة ابن عامر قول رؤبة:
يا دار عفراء ودار البخدن.
فكرر الدار ولو قلت: دار زيد وعمرو، لأشركت الحرف في الاسم الجار كما تشرك بالباء، فكما كرر الدار كذلك كرر الباء، والدار في شعر رؤبة [دار ] واحدة لهما. ويدلك على ذلك قوله:
أما جزاء العارف المستيقن... عندك إلّا حاجة التفكّن
وكلا الوجهين حسن عربي). [الحجة للقراء السبعة: 3/114]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({جاؤوا بالبيّنات والزبر والكتاب المنير} 184
قرأ ابن عامر {بالبيّنات وبالزبر} بالباء وكذلك هي في مصاحف أهل الشّام
وقرأ الباقون {والزبر} بغير باء
واختلف أهل النّحو في ذلك فقال قوم مررت بزيد وعمرو ومررت بزيد وبعمرو سواء وكذلك {جاؤوا بالبيّنات والزبر} {وبالزبر} وقال الخليل مررت بزيد وعمرو مرورا واحدًا كأنّك مررت بمها في حال واحد فكذلك جاءت الرّسل بالبيّنات والزبر في حال وفي وقت واحد ومررت بزيد وبعمرو مرورين هذا لا يكون في وقت واحد فكذلك قوله {جاؤوا بالبيّنات} ثمّ جاؤوا بالزبر وأراد بالبيّنات المعجزات ثمّ جاؤوا بعد ذلك بالزبر أي بالكتب). [حجة القراءات: 185]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (110- قوله: {والزبر الكتاب} قرأ ابن عامر «وبالزبر» بزيادة باء، وقرأ هشام «وبالكتاب» بزيادة باء، أعاد الحرف للتأكيد، وكذلك هو في مصاحف أهل الشام، وقرأهما الباقون بغير باء، لأن حرف العطف أغنى عن إعادة حرف الجر، كما تقول: مررت بزيد وعمرو وخالد، فلا تعيد حرف الجر فهو المستعمل، وهو أخصر، وإثبات الحرف هو الأصل، إلا أنه ترك استعماله في أكثر القرآن والكلام استخفافًا، ولو لزم تكرير العامل لوجب أن يقول: جاءني زيد وجاءني عمرو وجاءني خالد، وهذا ثقيل، فالواو تغني عن تكرير الفعل، كذلك تغني عن تكرير حرف الجر، وأيضًا فإنهما بغير باء في مصاحف المدينة ومكة والكوفة والبصرة، وهو الاختيار؛ لأنه المستعمل، ولأنه أخصر، ولأن حرف العطف
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/370]
يغني عن إعادة حرف الجر). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/371]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (51- {بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالزُّبُرِ} [آية/ 184]:-
بإعادة الباء في الزبر، قرأها ابن عامر وحده.
وهذه الباء وإن كانت مستغنىً عنها بالباء الأولى الحاصلة في البينات، فإن في إعادتها في المعطوف ضربًا من التأكيد، ولو لم يعدها لاستغنى عنها بإشراك حرف العطف، ولكن فيها ما ذكرت من التأكيد.
وقرأ الباقون {وَالزُبُرِ} بغير ياءٍ؛ لأن الواو قد أغنت بإشراكها عن تكرير العامل، ألا ترى أنك إذا قلت مررت بزيدٍ وعمروٍ، فإن الواو أشركت عمرًا في معنى الباء، فأنت مستغنٍ عن تكرير الباء). [الموضح: 397]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108604#post108604)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 03:36 PM
سورة آل عمران
[من الآية (185) إلى الآية (186) ]
{كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185) لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186)}
قوله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (185)}
قوله تعالى: {لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ (186)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108605#post108605)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 03:38 PM
سورة آل عمران
[من الآية (187) إلى الآية (189) ]
{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (188) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (189)}
قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لتبيّننّه للنّاس ولا تكتمونه... (187)
قرأ ابن كثير وأبو بكر عن عاصم بالياء فيهما.
وقرأ الباقون بالتاء.
قال أبو منصور: من قرأها بالياء فلأنهم غيب، ومن قرأ بالتاء فعلى الخطاب لهم وقد أخذ الميثاق عليهم، والمعنى: أن الله جلّ وعزّ أخذ عليهم الميثاق ليبيّننّ أمر نبوة محمد صلى الله عليه وسلم فنبذوه وراء ظهورهم ولعنهم). [معاني القراءات وعللها: 1/287]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (69- وقوله تعالى: {لتبيننه للناس ولا تكتمونه} [187].
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر بالياء. وحجتهم: {فنبذوه} ردوه على الغيب.
وقرأ الباقون بالتاء، جعلوه حكاية لوقت أخذ الميثاق عليهم). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/125]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله [جلّ وعز]: لتبيننه للناس ولا تكتمونه [آل عمران/ 187].
فقرأ ابن كثير وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر بالياء فيهما.
وقرأ الباقون وحفص عن عاصم بالتاء فيهما.
قال أبو علي: حجّة من قرأ بالتاء قوله: وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم [آل عمران/ 81] والاتفاق عليه، وكذلك: وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدون إلا الله [البقرة/ 83] وقد تقدّم القول في ذلك.
وحجّة من قرأ بالياء أنّ الكلام حمل على الغيبة لأنّهم غيب.
[وقد تقدم القول في ذلك] ). [الحجة للقراء السبعة: 3/116]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({لتبيننه للنّاس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبو بكر (ليبيننه للنّاس ولا يكتمونه) بالياء فيهما وحجتهم قوله {فنبذوه} ولم يقل فنبذتموه وبهذا كان يحتج أبو عمرو ويقول الكلام أتى عقيبه بلفظ الخبر
[حجة القراءات: 185]
وهو قوله {فنبذوه} فجعل ما قبله بلفظه ليأتلف الكلام على نظام واحد
وقرأ الباقون بالتّاء بلفظ الخطاب وحجتهم أنه يحكي اللّفظ الّذي خوطبوا به في وقت أخذ الميثاق عليهم والميثاق الّذي أخذ عليهم هو بيان أمر النّبي صلى الله عليه). [حجة القراءات: 186]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (111- قوله: {لتبيننه للناس ولا تكتمونه} قرأ أبو بكر وأبو عمرو وابن كثير بياء فيهما، حملوه على لفظ الغيبة، لأن المخبر عنه غائب، وردوه في الغيبة على ما تقدّم من ذكر الغيبة القريبة منه، في قوله: {الذين أوتوا الكتاب} «186» وعلى ما أتى بعده من لفظ الغيبة، في قوله: {فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنًا قليلًا فبئس ما يشترون} فجاء كله بلفظ الغيبة، فحمل ما قبله عليه، لينتظم الكلام على سنن واحد، ويأتلف على طريقة واحدة في الغيبة، وقرأ الباقون بالتاء فيهما، حملوه على لخطاب، كما قال: {وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم} «آل عمران 81» فرجع إلى الخطاب، ولو حمل على ما قبله لقال: آتيتهم، وفي القراءة بالتاء معنى توكيد الأمر لأن التاء للمواجهة، فتقديره: وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب، فقال لهم لتبيننه للناس ولا تكتمونه، وهو الاختيار، لما فيه من معنى التأكيد، ولأن أكثر القراء عليه، والقراءة بالياء حسنة قوية مختارة أيضًا، لكن نفسي تميل إلى الجماعة، لا سيما إذا كان فيهم أهل المدينة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/371]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (52- {لَيُبَيِّنُنَّهُ لِلنّاسِ وَلا يَكْتُمُونَهُ} [آية/ 187]:-
بالياء فيهما، قرأها ابن كثير وأبو عمرو وعاصم –ياش-؛ لأن الكلام على الغيبة وهو قوله: {مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ}، وهم غيب.
وقرأ الباقون {لَتُبَيِّنُنَّهُ}، {ولا تَكْتُمُونَهُ} بالتاء فيهما، على الخطاب، بإضمار القول؛ أو لأن أخذ الميثاق يتضمن القول، كما قال تعالى: {وَإِذْ
[الموضح: 397]
أَخَذَ الله مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ} وكقوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا الله} عند من قرأ بالتاء). [الموضح: 398]
قوله تعالى: {لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (188)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (ولا تحسبنّ الّذين كفروا... (178)
و: (ولا يحسبنّ الّذين يبخلون)
و: (لا تحسبنّ الّذين يفرحون)... (فلا تحسبنّهم).
قرأ ابن كثير وأبو عمرو أربعهن بالياء، وقرأ نافع وابن عامر ثلاثًا بالياء وواحدة بالتاء، وهو قوله: (فلا تحسبنّهم)، وقرأ عاصم والكسائي ويعقوب: (ولا يحسبنّ الّذين كفروا) و(لا يحسبنّ الّذين يبخلون) بالياء، والأخريين بالتاء.
وقرأ حمزة كلهن بالتاء، وكل من قرأ (فلا تحسبنّهم) بالتاء فتح الباء، ومن قرأ بالياء ضم الباء (فلا يحسبنّهم).
[معاني القراءات وعللها: 1/282]
قال محمد بن يزيد: من قرأ (يحسبنّ) يفتح (أن)، وكانت تنوب عن الاسم والخبر، يقول: (حسبت أنّ زيدًا منطلق)، ويقبح الكسر مع الياء، وهو مع قبحه جائز.
ومن قرأ (لا تحسبنّ الّذين كفروا) لم يجز عند البصريين إلا كسر ألف (إن)، المعنى: لا تحسبن الذين كفروا إملاؤنا خير لهم.
ودخلت (إن) مؤكدة، وإذا فتحت صار المعنى: ولا تحسبن الذين كفروا إملاءنا.
قال أبو منصور: الفتح جائز مع الياء عند غيره من النحويين، وهو على البدل من (الذين)، المعنى: لا يحسبن إملاءنا الذين كفروا خيرًا لهم.
وقد قرأ بهذه القراءة جماعة.
وقراءتهم دليل على جوازها، ومثله قال الشاعر:
فما كان قيسٌ هلكه هلك واحدٍ... ولكنه بنيان قومٍ تهدّما
[معاني القراءات وعللها: 1/283]
يجوز هلك واحد، وهلك واحد، فمن رفع قوله (هلكه) ابتداءً جعل هلك واحدا خبر الابتداء، ويسدّان معًا مسدّ الخبر.
ومن جعل (هلكه) بدلا من قوله (قيسٌ) نصب (هلك واحد) المعنى: ما كان هلكه هلك واحد.
وقال الفراء: من قرأ (ولا تحسبنّ الّذين كفروا أنّما) قال: هو على التكرير: لا تحسبنهم لا تحسبن أنما نملي لهم.
قال: وهو مثل قوله: (هل ينظرون إلّا السّاعة أن تأتيهم) على التكرير: هل ينظرون إلا أن تأتيهم). [معاني القراءات وعللها: 1/284] (م)
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في الياء والتاء من قوله [جلّ وعز]: ولا يحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] فقرأ ابن كثير وأبو عمرو: ولا يحسبن الذين كفروا بالياء، ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180] ولا يحسبن الذين يفرحون [آل عمران/ 188] فلا يحسبنهم [آل عمران/ 188] بضمّ
[الحجة للقراء السبعة: 3/100]
الباء في يحسبنهم وكلّهنّ بالياء وكسر السين في كل القرآن.
وقرأ نافع وابن عامر ولا يحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180] لا يحسبن الذين يفرحون [آل عمران/ 188] كل ذلك بالياء فلا تحسبنهم [آل عمران/ 188] بالتاء وفتح الباء غير أنّ نافعا كسر السين وفتحها ابن عامر. وقرأ حمزة: ولا تحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] ولا تحسبن الذين يفرحون... فلا تحسبنهم [آل عمران/ 188] بفتح الباء والسين وكل ذلك بالتاء. وقرأ عاصم والكسائي كلّ ما في هذه السورة بالتاء إلّا حرفين: قوله: ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180] ولا يحسبن الذين كفروا [آل عمران/ 178] فإنّهما بالياء غير أنّ عاصما فتح السين وكسرها الكسائي. ولم يختلفوا في قوله: ولا تحسبن الذين قتلوا [آل عمران/ 169] أنها بالتاء.
قال أبو علي: قراءة ابن كثير وأبي عمرو، ولا يحسبن الذين كفروا* [آل عمران/ 178] ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180] ولا يحسبن الذين يفرحون
[الحجة للقراء السبعة: 3/101]
[آل عمران/ 188] فلا يحسبنهم بضم الباء في يحسبنهم وكلّهنّ بالياء وكسر السين في كلّ القرآن.
[قال أبو علي]: الذين في هذه الآي في قراءتهما:
رفع بأنّه فاعل يحسب، وإذا كان الذي في الآي فاعلا اقتضى حسب مفعولين، لأنّها تتعدى إلى مفعولين، أو إلى مفعول يسد مسدّ المفعولين، وذلك إذا جرى في صلة ما يتعدى إليه ذكر الحديث والمحدّث عنه نحو: حسبت أنّ زيدا منطلق، وحسبت أن تقوم، فقوله: أنما نملي لهم خير لأنفسهم [آل عمران/ 178] قد سدّ مسدّ المفعولين اللذين يقتضيهما يحسبنّ. وكسر إنّ في قول من قرأ: يحسبن بالياء لا ينبغي، وقد قرئ فيما حكاه غير أحمد بن موسى. ووجه ذلك أنّ «إنّ» يتلقّى بها القسم كما يتلقّى بلام الابتداء، ويدخل كلّ واحد منهما على الابتداء والخبر فكسر إنّ بعد يحسبنّ، وعلّق عليها الحسبان كما يعلّق باللّام. فقال: لا يحسبن الذين كفروا إنما نملي [آل عمران/ 178] كما قال: لا يحسبن الذين كفروا للآخرة خير لهم. وما تحتمل ضربين أحدهما: أن تكون بمعنى الذي فيكون التقدير: لا يحسبنّ الذين كفروا أنّ الذي نمليه خير لأنفسهم، والآخر: أن يكون ما نملي بمنزلة الإملاء فيكون مصدرا، وإذا كان مصدرا، لم يقتض راجعا إليه. وقال أبو الحسن: المعنى: ولا يحسبنّ الذين كفروا أنّ ما نملي لهم ليزدادوا إثما، إنّما نملي لهم خير لأنفسهم. وأمّا قوله: ولا يحسبن الذين
[الحجة للقراء السبعة: 3/102]
يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم [آل عمران/ 180] فالذين يبخلون فاعل يحسبنّ والمفعول الأول محذوف من اللفظ لدلالة اللفظ عليه، وهو بمنزلة قولك: من كذب كان شرا له، أي:
الكذب، فكذلك: لا يحسبنّ الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله البخل هو خيرا لهم، فدخلت هو فصلا، لأنّ تقدّم يبخلون بمنزلة تقدّم البخل، فكأنّك قلت: لا يحسبنّ الذين يبخلون البخل هو خيرا لهم. فأمّا قوله: ولا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا [آل عمران/ 188] فلا تحسبنهم فالذين في موضع رفع بأنّه فاعل يحسب، ولم توقع يحسبنّ على شيء. قال أبو الحسن لا يعجبني قراءة من قرأ الأولى بالياء، لأنّه لم يوقعه على شيء، ونرى أنّه لم يستحسن أن لا يعدّى حسبت، لأنّه قد جرى مجرى اليمين في نحو: علم الله لأفعلنّ.
ولقد علمت لتأتينّ منيتي.......
وظننت ليسبقنّني، وظنوا ما لهم من محيص [فصلت/ 48] فكما أنّ القسم لا يتكلّم به حتى يعلّق بالمقسم عليه، كذلك ظننت وعلمت، في هذا الباب.
وأيضا فإنّه قد جرى في كلامهم لغوا، وما جرى [في
[الحجة للقراء السبعة: 3/103]
كلامهم] لغوا لا يكون في حكم الجمل المفيدة، ومن ثمّ جاء نحو:
وما خلت أبقى بيننا من مودّة... عراض المذاكي المسنفات القلائصا
إنّما هو وما أبقى بيننا، وكذلك قال الخليل: تقول: ما رأيته يقول ذاك إلّا زيد، وما أظنّه يقول ذاك إلّا عمرو، فهذا يدلّك أنّك انتحيت على القول، ولم ترد أن تجعل زيدا موضع فعلك كضربت وقتلت. ولذلك لم يجر الشرط مجرى الجمل في نحو:
إن تفعل، لأنّ الشرط بمنزلة القسم، والجزاء بمنزلة المقسم عليه، ولذلك فصل بالشرط بين أمّا وجوابها في نحو وأما إن كان من أصحاب اليمين، فسلام لك [الواقعة/ 91] ولو كان بمنزلة الجمل لم يجز به الفصل. ووجه قول ابن كثير وأبي عمرو في أن لم يعدّيا حسبت إلى مفعوليه اللذين يقتضيهما أنّ يحسب في قوله: فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب [آل عمران/ 188] لمّا جعل بدلا من الأول،
[الحجة للقراء السبعة: 3/104]
وعدّي إلى مفعوليه استغنى بهما عن تعدية الأول إليهما، كما استغنى في قوله:
بأيّ كتاب أم بأيّة سنّة... ترى حبّهم عارا عليّ وتحسب
بتعدية أحد الفعلين إلى المفعولين عن تعدية الآخر إليهما فإن قلت: كيف يستقيم، تقدير البدل في قوله: لا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا... فلا تحسبنهم بمفازة [آل عمران/ 188].
وقد دخلت الفاء بينهما ولا يدخل بين البدل والمبدل منه الفاء؟ فالقول أنّ الفاء زائدة، يدلّك على أنّها لا يجوز أن تكون التي تدخل على الخبر، أنّ ما قبل الفاء ليس بمبتدإ، فتكون الفاء خبره، ولا تكون العاطفة لأنّ المعنى: لا يحسبنّ الذين يفرحون بما أتوا أنفسهم بمفازة من العذاب. فإذا كان كذلك لم يجز تقدير العطف لأنّ الكلام لم يستقل بعد، فيستقيم فيه تقدير العطف.
فأمّا قوله: فلا يحسبنهم فإنّ فعل الفاعل الذي هو يحسبنّ تعدّى إلى ضميره، وحذفت واو الضمير لدخول النون
[الحجة للقراء السبعة: 3/105]
الثقيلة. فإن قلت: هلّا لم يحذف الواو من يحسبون، وأثبتها كما ثبتت في: تمودّ الثوب، وأ تحاجوني [الأنعام/ 80] ونحو ذلك، مما يثبت فيه التقاء الساكنين لما في الساكن الأوّل من زيادة المدّ التي تقوم مقام الحركة، فالقول فيه أنّه حذفت كما حذفت مع الخفيفة، ألا ترى أنّك لو قلت: لا يحسبن زيدا ذاهبا، لزمك الحذف، فأجرى الثقيلة مجرى الخفيفة لهذا. وقوله: بمفازة من العذاب في موضع المفعول الثاني وفيه ذكر للمفعول الأوّل. وفعل الفاعل في هذا الباب يتعدّى إلى ضمير نفسه، نحو:
ظننتني أخاه، لأنّ هذه الأفعال لمّا كانت تدخل على الابتداء والخبر أشبهت إنّ وأخواتها في دخولهنّ على الابتداء والخبر [كدخول هذه الأفعال عليهما وذلك قولك]: ظننتني ذاهبا، كما تقول:
إنّي ذاهب. ومما يدلّك على ذلك قبح دخول اليقين عليها، لو قلت: أظنّ نفسي تفعل كذا لم يحسن كما يحسن أظنّني فاعلا.
قال: وقرأ نافع وابن عامر: ولا يحسبن الذين كفروا ولا يحسبن الذين يبخلون [آل عمران/ 180].. ويفرحون [آل عمران/ 188] كلّ ذلك بالياء. فلا تحسبنهم بالتاء وفتح الباء.
[الحجة للقراء السبعة: 3/106]
قراءتهما في ذلك مثل قراءة ابن كثير وأبي عمرو، وقد مرّ القول فيها إلّا في قوله: فلا تحسبنهم بالتاء وفتح الباء.
والمفعولان اللذان يقتضيهما الحسبان في قوله: ولا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا محذوفان، لدلالة ما ذكر من بعد عليهما، ولا يجوز البدل، كما جاز البدل في قراءة ابن كثير وأبي عمرو لاختلاف الفعلين باختلاف فاعليهما.
قال: وقرأ حمزة ولا تحسبن الذين كفروا ولا تحسبن الذين يفرحون فلا تحسبنهم بفتح الباء والسين وكل ذلك بالتاء.
قوله: الذين كفروا في موضع نصب بأنّه المفعول الأول. والمفعول الثاني في هذا الباب هو المفعول الأول في المعنى، فلا يجوز إذا فتح إنّ في قوله: ولا تحسبن الذين كفروا إن ما نملي لهم، لأنّ إملاءهم لا يكون إياهم. فإن قلت: فلم لا يجوز الفتح في أنّ، وتجعله بدلا من الذين كفروا كقوله: وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره [الكهف/ 63] وكما كان أنّ من قوله: وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم [الأنفال/ 7]. [بدلا من إحدى الطائفتين] قيل: لا يجوز ذلك لأنّك إذا أبدلت أنّ من الذين كفروا، كما أبدلت أنّ من إحدى الطائفتين لزمك أن تنصب خيرا على تقدير: لا تحسبنّ إملاء الذين كفروا خيرا لأنفسهم من حيث
[الحجة للقراء السبعة: 3/107]
كان المفعول الثاني: لتحسبنّ وقيل: إنّه لم ينصبه أحد. فإذا لم ينصب علمت أنّ البدل فيه لا يصح، فإذا لم يصح البدل [لم يجز فيه إلّا كسر إنّ] ولا تحسبن الذين كفروا إن ما نملي لهم خير لأنفسهم على أن تكون إنّ وخبرها في موضع المفعول الثاني من تحسبنّ. فأمّا قوله: لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا [آل عمران/ 188] فحذف المفعول الذي يقتضيه تحسبنّ، لأنّ ما يجيء من بعد من قوله: فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب يدلّ عليه، ويجوز أن تجعل تحسبنهم بدلا من تحسبن، كما جاز أن تجعل يحسبنهم بدلا من يحسبن الذين يفرحون في قراءة ابن كثير وأبي عمرو لاتفاق فعلي الفاعلين. وقد قدّمنا أنّ الفاء زائدة، والقول فيها أنّها لا تخلو من أن تكون للعطف، أو للجزاء، أو زائدة، فإن كانت للعطف فلا يخلو من أن تعطف جملة على جملة، أو مفردا على مفرد، وليس هذا موضع العطف، لأنّ الكلام لم يتمّ، ألا ترى أنّ المفعول الثاني لم يذكر بعد؟ ولا يجوز أيضا أن تكون للجزاء كالتي في قوله: وما بكم من نعمة فمن الله [النحل/ 53] ونحوها، لأنّ تلك تدخل على ما كان خبرا من الجمل، لأنّ أصلها أن تدخل في الجزاء، وهي جملة خبر، وليس ما دخلت عليه الفاء في الآية بجملة، إنّما هو فضلة، ألا ترى أنّ مفعولي حسبت فضلة؟ فإن قلت: إنّ أصلهما أن يكونا خبرا، فإنّ
[الحجة للقراء السبعة: 3/108]
ذلك الأصل قد زال بكونهما فضلة، كما زال في قولك: ليت الذي في الدار منطلق، عن أن يكون خبرا بدخول ليت، وكذلك قد زال بدخول حسبت عليهما أن يكون جملة، ويدلّك على ذلك أنّك تقول: حسبت زيدا اليوم منطلقا. فتفصل بينهما باليوم الذي هو ظرف حسبت، ولو كان الكلام باقيا على ما كان عليه قبل دخول الظنّ، لم يجز أن تفصل بينهما بأجنبي منهما، فإذا لم يجز أن تكون للعطف ولا للجزاء، ثبت أنّها زائدة قال: وإذا هلكت فعند ذلك فاجزعي قال: وقرأ عاصم والكسائي: كلّ ما في هذه السورة بالتاء إلّا حرفين: قوله: ولا يحسبن الذين يبخلون، ولا يحسبن الذين كفروا فإنّهما بالياء، غير أنّ عاصما فتح السين وكسرها الكسائي.
قد تقدّم القول في ولا يحسبن الذين يبخلون فأمّا قوله: ولا يحسبن الذين كفروا أنما نملي لهم [آل عمران/ 178] فالوجه فتح أنّ لأنّها تسدّ مسدّ المفعولين، كما سدّ الفعل والفاعل مسدّهما لمّا جرى ذكرهما في الصلة في نحو قوله: أحسب الناس أن يتركوا [العنكبوت/ 29].
[الحجة للقراء السبعة: 3/109]
قال: ولم يختلفوا في قوله: ولا تحسبن الذين قتلوا [آل عمران/ 169] أنّها بالتاء قوله: تحسبن مسند إلى الفاعل المخاطب، والذين قتلوا المفعول الأول، والمفعول الثاني قوله: أمواتا. فقد استوفى الحسبان فاعله ومفعوليه). [الحجة للقراء السبعة: 3/110] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({لا تحسبن الّذين يفرحون بما أتوا ويحبّون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب} 188
قرأ عاصم وحمزة 4 والكسائيّ {لا تحسبن الّذين يفرحون} بالتّاء هؤلاء قوم من اليهود أظهروا لأصحاب محمّد صلى الله عليه أنهم معهم ليحمدوا وأضمروا خلاف ما أظهروا فقال الله لنبيه صلى الله عليه {لا تحسبن الّذين يفرحون بما أتوا ويحبّون أن يحمدوا بما لم يفعلوا} ثمّ كرر عليه لطول القصّة فقال {فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب} أي بمنجاة من النّار فأعلمه الله أمرهم وأعلمهم أنهم ليسوا بمفازة من العذاب
وقرأ الباقون (لا يحسبن) بالياء إن قيل أين مفعول (لا يحسبن) الجواب عنه من وجهين أحدهما أن {الّذين} في موضع نصب على قراءة من قرأ {تحسبن} بالتّاء ولم يذكر المفعول الثّاني لأنّه ذكره في قوله {فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب} وإنّما لم يذكر المفعول الثّاني في قوله {تحسبن الّذين} لأنّه كرر الفعل وتكرير الفعل ينوي به التوكيد للنّهي كأنّه قال لا تحسبن لا تحسبنهم كما تقول لا تقومن لا تقومن إلى ذلك
[حجة القراءات: 186]
والوجه الآخر أن يكون أراد لا تحسبن الّذين كفروا بمفازة من العذاب فيكون الخبر في قوله بمفازة ثمّ قال {فلا تحسبنهم} ويكون الخبر في الثّانية متروكا اكتفى بعلم المخاطب بموضعه
قرأ ابن كثير وأبو عمرو (فلا يحسبنهم) بالياء ورفع الباء والفعل للكفّار أي فلا يحسب الكفّار أنفسهم بمفازة من العذاب وإنّما أعيد يحسبنهم ثانية لأن معها الاسم والخبر وليس مع الفعل الأول الاسم والخبر فاجتزئ بالثّاني عن الأول
وقرأ الباقون {تحسبنهم} بالتّاء ونصب الباء). [حجة القراءات: 187]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (102- قوله: {ولا تحسبن الذين يفرحون} قرأه الكوفيون بالتاء، وقرأ الباقون بالياء.
103- وحجة من قرأ بالياء أنه أضاف الفعل إلى {الذين يفرحون} فـ «الذين» فاعلون، ولم يعد «يحسبن» إلى شيء، وقد كره ذلك الأخفش؛ لأن تعديته أعظم في الفائدة، لكن من قرأ «فلا يحسبنهم» بالياء، وقرأ: «لا يحسبن الذين يفرحون» بالياء أيضًا، يجوز أن يكون قد أبدل «فلا يحسبنهم» من «لا يحسبن الذين يفرحون»، وقد تعدى {فلا تحسبنهم} إلى مفعولين، فاستغنى بذلك عن تعدي «ولا يحسبن»؛ لأن المبدل منه قام مقامه في التعدي، ولا تمنع الفاء البدل؛ لأنها زائدة، ولأنها ليست العاطفة، وليست التي تدخل في جواب الشرط فهي زائدة، فأما من قرأ الثاني
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/367]
بالتاء والأول بالياء فلا يحسن فيه البدل؛ لاختلاف فاعلهما، ومجازه أنه لم يعد الفعل الأول إلى شيء، كما تقول: حسبت وعلمت وظننت، فتخبر أنه كان منك حسبان وعلم وظن، ولا تخبر على من وقع ذلك، فالكلام فيه فائدة، وإن لم تعده، لكن الفائدة مع التعدي أعظم وأبين، وحسن ترك تعدي الأول في هذا، لدلالة تعدي الثاني على ذلك، وهو: {فلا تحسبنهم بمفازة} وكأن مفعولي الأول حذفا لدلالة مفعولي الثاني على ذلك، وتقديره: لا يحسبن الذين يفرحون بما أوتوا، ويحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا، بمفازة من العذاب، فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب، ثم حذف الأول، لدلالة الثاني عليه.
104- وحجة من قرأ بالتاء أنه أضاف الفعل إلى النبي عليه السلام، فجرى على المخاطبة، و{الذين يفرحون} مفعول أول لـ «حسب»، وحذف الثاني، لدلالة ما بعده عليه، وهو قوله: {فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب}، ويجوز أن يكون المفعول الثاني قوله: {بمفازة من العذاب}، الذي بعد {تحسبنهم} يُراد به التقديم، ويكون مفعول {تحسبنهم} محذوفًا؛ لدلالة الأول عليه، كما تقول: ظننت زيدًا ذاهبًا، وظننت عمرًا، ويحسن أن يكون {تحسبنهم} في قراءة من قرأه بالتاء، بدلًا من {لا تحسبن} في قراءة من قرأه بالتاء، لاتفاق الفاعلين، والفاء زادة على ما ذكرنا، فإذا حسن البدل فمفعولا {تحسبنهم} هما مفعولا {لا تحسبن} لأن المبدل منه كأنه لم يذكر، فأما من قرأ {لا تحسبن} بالتاء قرأ «فلا يحسبنهم» بالياء فلا يحسن فيه البدل، لاختلاف الفاعلين، ولكن لابد من حذف فمفعولي «لا يحسبن» لدلالة مفعولي {فلا تحسبنهم} على ذلك، ويكون {بمفازة من العذاب} هو المفعول الثاني، لقوله: {لا يحسبن الذين يفرحون} ويكون المفعول الثاني لقوله: {فلا تحسبنهم} محذوفًا؛ لدلالة الأول عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/368]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (112- قوله: {فلا تحسبنهم بمفازة} قرأ ابن كثير وأبو عمرو بالياء وضم الباء، وقرأ الباقون بالتاء وفتح الباء.
113- وحجة من قرأ بالتاء وفتح الباء أنه جعل الفعل خطابًا للنبي عليه السلام، لأن القرآن عليه نزل، فهو المخاطب بأكثره، فخوطب بذلك، وعدّى الفعل إلى ضمير {الذين يفرحون} وهم المفعول الأول و{بمفازة}
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/371]
الثاني، و{تحسبنهم} بدل من «تحسبن» الذي قبله إذا قرئا جميعًا بالتاء والياء، وقد تقدم ذكر هذا، وتقدم ذكر فتح السين في «نحسب» والاختلاف في ذلك.
114- وحجة من قرأ بالياء، وضم الباء أنه أضاف الفعل إلى {الذين يفرحون} لتقدم ذكرهم، وعدّى فعلهم إلى نفسهم، فهو المفعول الأول و{بمفازة} المفعول الثاني، و«يحسبنهم» بدل من «يحسبن» إذا قرئا جميعًا بالياء، وقد تقدم ذكر هذا، وحسن تعدي فعل الفاعل إلى نفسه، كما تقول: ظننتني أخاك، وإنما يجوز هذا في أفعال الظن وأخواته، ولا يجوز في غير ذلك عند البصريينن لو قلت: ضربتني وشتمتني، فتعدل الفعل إلى نفسك، لم يجز، إنما هذا هذا في هذه الأفعال، لأنها داخلة على الابتداء والخبر، كان وأخواتها، ولما كانت «أن» يتصل بها ضمير الفاعل في المعنى، فيتعدّى إليه، جاز ذلك في هذه الأفعال لم يجز تعدي الفعل إلى المفعول، وهو الفاعل، لو قلت: ظن نفسي ذاهبًا لم يجز، كما لا يجوز مع «إن» لو قلت: إن نفسي، لم يجز، وإن أنا ذاهب، لم يجز، وضمت الباء في «تحسبنهم» لتدل على الواو المحذوفة التي للجمع، التي حذفت لسكونها وسكون أول المشدد، وقد أثبتوا الواو مع المشدد في: {أتحاجوني} «الأنعام 80» وقامت المدة مقام الحركة، وإنما لم تثبت في «تحسبنهم» وتمدّ للتشديد، لأنها قد حذفت مع النون الخفيفة، في قولك: لا تحسبن زيدًا قائمًا، فلما حذفت الواو مع الخفيفة، ولم تمد، كان حذفها مع المشدد لازمًا، وحسن ذلك، لئلا يختلف الفعل، وإنما لم تحذف الواو في «أتحاجوني» في قراءة من شدد، كما حذفت في «تحسبنهم» لأن النون في «أتحاجوني» أصلها الحركة، والإسكان عارض، دخل للإدغام، وليست
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/372]
كذلك نون «تحسبنهم» أصل الأول السكون لا الحركة، والقراءة بالتاء وفتح الباء أحب إلي، لما ذكرت من العلة، ولأن أكثر القراء عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/373]
قوله تعالى: {وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (189)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108606#post108606)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 03:41 PM
سورة آل عمران
[من الآية (190) إلى الآية (191) ]
{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)}
قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ (190)}
قوله تعالى: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108607#post108607)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 03:44 PM
سورة آل عمران
[من الآية (192) إلى الآية (195) ]
{رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)}
قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192)}
قوله تعالى: {رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آَمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآَمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ (193)}
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قال [أحمد]: وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي: مع الأبرار [آل عمران/ 193] ومن الأشرار [ص/ 62] وذات قرار [المؤمنون/ 50] وما كان مثله بين الفتح والكسر.
وقرأ ابن كثير وعاصم بالفتح. وروى خلف بن هشام وأبو هشام الرفاعي عن سليم بن عيسى الحنفي عن حمزة أنّه كان يشمّ
[الحجة للقراء السبعة: 3/117]
الراء الأولى من قوله: ذات قرار، والأشرار، وما كان مثل ذلك الكسر من غير إشباع.
قال أبو علي: الإمالة في فتحة الراء حسنة، لأنّ الراء المكسورة تغلب المفتوحة، كما غلبت المستعلي في قولهم: قارب وطارد، وقادر، فإذا غلبت المستعلي فأن تغلب الراء المفتوحة أجدر لأنّه لا استعلاء في الراء، إنّما هو حرف من مخرج اللام فيه تكرير. ومن لم يمل فلأنّ كثيرا من الناس لا يميل شيئا من ذلك). [الحجة للقراء السبعة: 3/118]
قوله تعالى: {رَبَّنَا وَآَتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194)}
قوله تعالى: {فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وقاتلوا وقتلوا... (195)
قرأ حمزة والكسائي: (وقتلوا وقاتلوا) بدأ بالمفعول قبل الفاعل.
وبذلك قرأ في التوبة: (فيقتلون ويقتلون) مفعول وفاعل.
وقرأ الباقون: (وقاتلوا وقتلوا) المفعول بعد الفاعلين في السورتين، وشدد ابن كثير وابن عامر قوله: (وقتّلوا) وخفف الباقون). [معاني القراءات وعللها: 1/288]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (70- وقوله تعالى: {وقاتلوا وقتلوا} [195].
قرأ ابن كثير وابن عامر {وقاتلوا وقتلوا} مشددة التاء، أي: مرة بعد مرة للتكثير.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/125]
وقرأ حمزة والكسائي {وقتلوا وقاتلوا} يبدآن بالمفعولين قبل الفاعلين.
وقرأ نافع وعاصم وأبو عمرو (وقاتلوا وقتلوا) خفيفة التاء من قتلوا). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/126]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في قوله: وقاتلوا [آل عمران/ 195] وقتلوا [آل عمران/ 195] في تقديم الفعل المبني للفاعل، وتأخيره والتشديد والتخفيف.
فقرأ ابن كثير وابن عامر: وقاتلوا وقتلوا مشدّدة التاء.
[الحجة للقراء السبعة: 3/116]
وقرأ نافع وعاصم وأبو عمرو: وقاتلوا وقتلوا خفيفة.
وقرأ حمزة والكسائي: وقتلوا، وقاتلوا. يبدءان بالفعل المبني للمفعول به قبل الفعل المبني للفاعل، وكذلك اختلافهم في سورة التوبة، غير أنّ ابن كثير وابن عامر شدّدا في التوبة.
قال أبو علي: تقديم قاتلوا على: قتلوا حسن، لأنّ القتال قبل القتل، والتشديد حسن لتكرّر القتل، فهو مثل مفتحة لهم الأبواب [ص/ 50]. ومن خفّف فقال: وقتلوا فإنّ فعلوا يقع على الكثير والقليل، والتثقيل تختص به الكثرة. ومن قرأ: قتلوا وقاتلوا كان حسنا، لأنّ المعطوف بالواو يجوز أن يكون أولا في المعنى، وإن كان مؤخرا في اللفظ، وليس العطف بها كالعطف بالفاء، وكذلك اختلافهم في سورة التوبة. ووجه قول من قرأ قتلوا وقاتلوا أن يكون لمّا قتل منهم قاتلوا ولم يهنوا ولم يضعفوا للقتل الذي أوقع بهم، كما قال: فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله [آل عمران/ 146].
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فالّذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم} 195
قرأ حمزة والكسائيّ {وقاتلوا} وقاتوا يبدآن بالمفعولين قبل الفاعلين فإن سأل سائل فقال فإذا قتلوا كيف يقاتلون فالجواب أن العرب تقول قتل بنو تميم بني أسد إذا قتل بعضهم فكأنّه يقتل بعضهم فيقتل الباقون الباقين قال أحمد بن يحيى هذه القراءة أبلغ في المدح لأنهم يقاتلون بعد أن يقتل منهم
وقرأ الباقون {وقاتلوا وقتلوا} وحجتهم أن الله بدأ بوصفهم بأنّهم قاتلوا أحياء ثمّ قتلوا بعد أن قاتلوا وإذا اخبر عنهم بأنّهم قتلوا فمحال أن يقاتلوا بعد هلاكهم فهذا يوجبه ظاهر الكلام
[حجة القراءات: 187]
قرأ ابن عامر وابن كثير: (قاتلوا وقُتِّلُوا) بالتشديد، أي مرة بعد مرة، للتكثير والتكرير). [حجة القراءات: 188]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (115- قوله: {وقاتلوا وقتلوا} قرأه حمزة والكسائي «وقتلوا وقاتلوا» بتقديم المفعول على الفاعل هنا وفي براءة، وقرأ الباقون فيهما بتقديم الفاعل على المفعول، وكلهم خفف «قتلوا» إلا ابن كثير وابن عامر فإنهما شدداه.
116- وحجة من قدّم المفعول أن الواو لا تعطي ترتيبًا، فسواء التقديم والتأخير، والمعنى هو لتقديم الفاعل على المفعول؛ لأن القتل لا يكون إلا بعد قتال، فالمقتول متأخر عن القتال، إنما يحدث له القتل بعد القتال، فهو أولى أن يكون متأخرًا، لكن الواو لا تعطي رتبة قدمت المفعول أو أخرته، فالتقديم هو لمن له المعنى في التقديم، وقد قيل إن معنى تقديم المفعول: وقتل بعضهم وقاتل الباقون، ولم يهنوا بعد قتل أصحابهم، بهذا المعنى يوجب تقديم المفعول، وهذا أبلغ في مدحهم لأنهم لم يهنوا، ولا ارتاعوا لقتل أصحابهم، بل جدّوا في القتال بعد قتل أصحابهم، وهذا مثل قوله: {وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا} «آل عمران 146» إذا رفعت «ربيين» بـ «قاتل»، أي:
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/373]
فما ضعف من بقي منهم بعد قتل أصحابهم ولا ذل ولا وهن). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/374]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (53- {وَقُتِلُوا} بالضمِّ {وَقَاتَلُوا} بالألف [آية/ 195]:-
قرأها حمزة والكسائي، على تقديم الفعل المبني للمفعول به.
وهذا وإن كان القتال قبل القتل حسن؛ لن المعطوف بالواو يجوز أن يكون أولاً في المعنى، وإن كان مؤخرًا في اللفظ؛ لأن الواو لا توجب ترتيبًا ويجوز أن يكون المراد أنه لما قتل منهم قوم، قاتل الباقون ولم يهنوا ولم يضعفوا.
وقرأ الباقون {وَقَاتَلُوا} بالألف، {وقُتِلوا} بالضم.
وشدد ابن كثير وابن عامر التاء من {قُتِّلوا} وخففها الباقون.
اعلم أن تقديم {قَاتَلُوا} على {قُتِلُوا} هو الوجه؛ لأن القتال قبل القتل، والتشديد في {قُتِّلُوا} حسن لتكرار الفعل وهو القتل، ومن خفف {قُتِلُوا} فلأن فعل المخفف يقع على القليل والكثير، لما في الأفعال من معنى الجنسية). [الموضح: 398]
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108608#post108608)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 03:56 PM
سورة آل عمران
[من الآية (196) إلى الآية (198) ]
{لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196) مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197) لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ (198)}
قوله تعالى: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ (196)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (لا يغرّنّك... (196).
اتفق القراء على تشديد النون، إلا ما روى عن يعقوب وحده أنه قرأ: (لا يغرّنك) ساكنة النون.
قال الأزهري: التشديد أجود القراءتين؛ لأنها أوكد وأفشى والتخفيف جائز). [معاني القراءات وعللها: 1/288]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (54- {لا يغرنك} [آية/ 196]:-
بسكون النون، قرأها يعقوب وحده –يس-، على إدخال النون الخفيفة
[الموضح: 398]
دون الثقيلة، لما كانتا معًا لمعنىً واحدٍ، وهو التأكيد، اختار الخفيفة لخفتها.
وقرأ الباقون {لا يَغُرَّنَّكَ} بالتشديد، وكذلك –ح- عن يعقوب.
والقول فيه ان النون الثقيلة أبلغ في التأكيد فلذلك اختاروها). [الموضح: 399]
قوله تعالى: {مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ (197)}
قوله تعالى: {لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نُزُلًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلْأَبْرَارِ (198)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108609#post108609)
جمهرة علوم القرآن
3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 03:56 PM
سورة آل عمران
[من الآية (199) إلى الآية (200) ]
{وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (199) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)}
قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (199)}
قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (200)}
روابط مهمة:
- أقوال المفسرين (http://jamharah.net/showthread.php?p=108610#post108610)
vBulletin® v3.8.8, Copyright ©2000-2025, TranZ by Almuhajir